البرهان في تفسير القرآن - ج ١

السيد هاشم الحسيني البحراني

البرهان في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني البحراني


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٥٢

ومن أقر بإمامته فقد أقر بنبوتي ، ومن أقر بنبوتي فقد أقر بوحدانية الله عز وجل.

أيها الناس ، من عصى عليا فقد عصاني ، ومن عصاني فقد عصى الله عز وجل ، ومن أطاع عليا فقد أطاعني ، ومن أطاعني فقد أطاع الله عز وجل.

يا أيها الناس ، من رد على علي في قول أو فعل فقد رد علي ، ومن رد علي فقد رد على الله عز وجل فوق عرشه.

يا أيها الناس ، من اختار منكم على علي إماما فقد اختار علي نبيا ، ومن اختار علي نبيا فقد اختار على الله عز وجل ربا.

يا أيها الناس ، إن عليا سيد الوصيين ، وقائد الغر المحجلين ، ومولى المؤمنين ، وليه وليي ، ووليي ولي الله ، وعدوه عدوي ، وعدوي عدو الله عز وجل.

أيها الناس ، أوفوا بعهد الله في علي يوف لكم بالجنة (٦) يوم القيامة».

٤٤١ / ٧ ـ العياشي : عن سماعة بن مهران ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)؟ قال : «أوفوا بولاية علي فرضا من الله أوف لكم الجنة».

قوله تعالى :

وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا

تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ [٤١]

٤٤٢ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عز وجل لليهود : (وَآمِنُوا) أيها اليهود (بِما أَنْزَلْتُ) على محمد (١) من ذكر نبوته ، وانباء إمامة أخيه علي وعترته الطاهرين (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) فإن مثل هذا الذكر في كتابكم : أن محمدا النبي سيد الأولين والآخرين ، المؤيد بسيد الوصيين ، وخليفة رسول رب العالمين ، فاروق هذه الأمة ، وباب مدينة الحكمة ، ووصي رسول (٢) الرحمة.

(وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي) المنزلة بنبوة محمد ، وإمامة علي والطيبين من عترته (ثَمَناً قَلِيلاً) بأن تجحدوا

__________________

(٦) في المصدر : في الجنّة.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٢ / ٣٠.

سورة البقرة آية ـ ٤١ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٢٨ / ١٠٨.

(١) في المصدر زيادة : نبيي.

(٢) في المصدر زيادة : رب.

٢٠١

نبوة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإمامة الأئمة عليهم‌السلام (٣) ، وتعتاضوا عنها عرض الدنيا ، فإن ذلك ـ وإن كثر ـ إلى نفاد وخسار وبوار (٤).

ثم قال عز وجل : (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) في كتمان أمر محمد وأمر وصيه ، فإنكم إن تتقوا لم تقدحوا في نبوة النبي ولا في وصية الوصي ، بل حجج الله عليكم قائمة ، وبراهينه بذلك واضحة ، قد قطعت معاذيركم ، وأبطلت تمويهكم (٥).

وهؤلاء يهود المدينة جحدوا نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخانوه ، وقالوا : نحن نعلم أن محمدا نبي ، وأن عليا وصيه ، ولكن لست أنت ذاك ولا هذا ـ يشيرون إلى علي ـ فأنطق الله ثيابهم التي عليهم ، وخفافهم التي في أرجلهم ، يقول كل واحد منهم للابسه : كذبت يا عدو الله ، بل النبي محمد هذا ، والوصي علي هذا ، ولو أذن الله لنا لضغطناكم وعقرناكم (٦) وقتلناكم.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله عز وجل يمهلهم لعلمه بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات طيبات مؤمنات ، ولو تزيلوا (٧) لعذب (٨) هؤلاء عذابا أليما ، إنما يعجل من يخاف الفوت».

٤٤٣ / ٢ ـ العياشي : عن جابر الجعفي ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن تفسير هذه الآية في باطن القرآن (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) ، قال : «يعني فلانا وصاحبه ومن تبعهم ودان بدينهم ، قال الله يعنيهم : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) يعني عليا عليه‌السلام».

قوله تعالى :

(وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [٤٢] وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [٤٣])

٤٤٤ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «خاطب الله بها قوما من اليهود ألبسوا (١) الحق بالباطل بأن زعموا

__________________

(٣) في المصدر : وإمامة الإمام عليه‌السلام وآلهما.

(٤) البوار : الهلاك. «الصحاح ـ بور ـ ٢ : ٥٩٨».

(٥) التمويه : التلبيس. وقول مموّه ، أي مزخرف أو ممزوج من الحقّ والباطل. «مجمع البحرين ـ موه ـ ٦ : ٣٦٣».

(٦) عقره ، أي جرحه. «الصحاح ـ عقر ـ ٢ : ٧٥٣».

(٧) زيّلته فتزيّل ، أي فرّقته فتفرّق. «مجمع البحرين ـ زيل ـ ٥ : ٣٨٩».

(٨) في المصدر زيادة : الله.

٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٢ / ٣١.

سورة البقرة آية ـ ٤٢ ـ ٤٣ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٣٠ / ١٠٩ و ١١٠.

(١) في المصدر : لبّسوا.

٢٠٢

أن محمدا نبي ، وأن عليا وصي ، ولكنهما يأتيان بعد وقتنا هذا بخمسمائة سنة. فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أترضون التوراة بيني وبينكم حكما؟ فقالوا : بلى. فجاءوا بها ، وجعلوا يقرءون منها خلاف ما فيها ، فقلب الله عز وجل الطومار (٢) الذي كانوا (٣) يقرءون فيه (٤) ، وهو في يد قراءين منهم ، مع أحدهما أوله ، ومع الآخر آخره ، فانقلب ثعبانا له رأسان ، وتناول كل رأس منهما يمين من هو في يده ، وجعل يرضضه (٥) ويهشمه ، ويصيح الرجلان ويصرخان.

وكانت هناك طوامير أخر ، فنطقت وقالت : لا تزالان في العذاب حتى تقرءا ما فيها من صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونبوته ، وصفة علي عليه‌السلام وإمامته على ما أنزل الله تعالى (٦) ، فقرءاه صحيحا ، وآمنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واعتقدا إمامة علي ولي الله ووصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقال الله عز وجل : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ) بأن تقروا لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام من وجه ، وتجحدوهما من وجه ، وبأن (تَكْتُمُوا الْحَقَ) من نبوة محمد هذا ، وإمامة علي هذا (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنكم تكتمونه ، وتكابرون علومكم وعقولكم ، فإن الله ـ إذا كان قد جعل أخباركم حجة ، ثم جحدتم ـ لم يضيع هو حجته ، بل يقيمها من غير جهتكم ، فلا تقدروا أنكم تغالبون ربكم وتقاهرونه.

قال الله عز وجل لهؤلاء : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) قال : أقيموا الصلاة المكتوبة التي جاء بها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأقيموا أيضا الصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين الذين علي عليه‌السلام سيدهم وفاضلهم. (وَآتُوا الزَّكاةَ) من أموالكم إذا وجبت ، ومن أبدانكم إذا لزمت ، ومن معونتكم إذا التمست.

(وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) تواضعوا مع المتواضعين لعظمة الله عز وجل في الانقياد لأولياء الله ؛ محمد نبي الله ، وعلي ولي الله ، والأئمة بعدهما سادة أصفياء الله».

٤٤٥ / ٢ ـ الشيخ الطوسي : بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن إسحاق بن المبارك ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن صدقة الفطرة ، أهي مما قال الله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)؟ فقال : «نعم».

٤٤٦ / ٣ ـ العياشي : عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)؟ قال : «هي الفطرة التي افترض الله على المؤمنين».

__________________

(١) الطومار : الصحيفة. «لسان العرب ـ طمر ـ ٤ : ٥٠٣».

(٢) في المصدر زيادة : منه.

(٣) (فيه) ليس في المصدر.

(٤) الرضّ : الدقّ والجرش. «القاموس المحيط ـ رضض ـ ٢ : ٣٤٣».

(٥) في المصدر زيادة : فيها.

٢ ـ التّهذيب ٤ : ٨٩ / ٢٦٢.

٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٢ / ٣٢.

٢٠٣

٤٤٧ / ٤ ـ عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن صدقة الفطرة ، أواجبة هي بمنزلة الزكاة؟ فقال : «هي مما قال الله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) هي واجبة».

٤٤٨ / ٥ ـ عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ـ وليس عنده غير ابنه جعفر ـ عن زكاة الفطرة؟ فقال : «يؤدي الرجل عن نفسه وعياله ، وعن رقيقه الذكر منهم والأنثى ، والصغير منهم والكبير ، صاعا من تمر عن كل إنسان ، أو نصف صاع من حنطة ، وهي الزكاة التي فرضها الله على المؤمنين مع الصلاة ، على الغني والفقير منهم ، وهم جل الناس ، وأصحاب الأموال أجل الناس».

قال : وقلت : على الفقير الذي يتصدق عليه (١)؟ قال : «نعم ، يعطي ما يتصدق به عليه».

٤٤٩ / ٦ ـ عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «نزلت الزكاة وليس للناس الأموال ، وإنما كانت الفطرة».

٤٥٠ / ٧ ـ عن سالم بن مكرم الجمال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «أعط الفطرة قبل الصلاة ، وهو قول الله (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) والذي يأخذ الفطرة عليه أن يؤدي عن نفسه وعن عياله ، وإن لم يعطها حتى ينصرف من صلاته فلا تعد له فطرة».

٤٥١ / ٨ ـ ابن شهر آشوب : عن أبي عبيدة المرزباني وأبي نعيم الأصفهاني في كتابيهما (في ما نزل من القرآن في علي) والنطنزي في (الخصائص) وروى أصحابنا عن الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) «نزلت في رسول الله وعلي بن أبي طالب ، وهما أول من صلى وركع».

وروى موفق بن أحمد في كتابه بإسناده عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، الحديث بعينه (١).

وروى أيضا الحبري ، عن ابن عباس ، الحديث بعينه. (٢)

قوله تعالى :

أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [٤٤]

__________________

٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٢ / ٣٣.

٥ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٢ / ٣٤.

(١) في المصدر : عليهم.

٦ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٣ / ٣٥.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٣ / ٣٦.

٨ ـ المناقب ٢ : ١٣ ، النور المشتعل : ٤٠ / ١.

(١) مناقب الخوارزمي : ١٩٨.

(٢) تفسير الحبري : ٢٣٧ / ٥.

٢٠٤

٤٥٢ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال عز وجل لقوم من مردة اليهود ومنافقيهم المحتجبين (١) لأموال الفقراء ، المستأكلين (٢) للأغنياء ، الذين يأمرون بالخير ويتركونه ، وينهون عن الشر ويرتكبونه ، قال : يا معاشر اليهود ، (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) بالصدقات وأداء الأمانات (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) ما به تأمرون (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) التوراة الآمرة بالخيرات والناهية عن المنكرات ، المخبرة عن عقاب المتمردين ، و [عن] عظيم الشرف الذي يتطول الله به على الطائعين المجتهدين (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ما عليكم من عقاب الله عز وجل في أمركم بما به لا تأخذون ، وفي نهيكم عما أنتم فيه منهمكون.

وكان هؤلاء قوم من رؤساء اليهود وعلمائهم احتجبوا (٣) أموال الصدقات والمبرات فأكلوها واقتطعوها ، ثم حضروا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد حشروا (٤) عليه عوامهم ، يقولون : إن محمدا تعدى طوره ، وادعى ما ليس له.

فجاءوا بأجمعهم إلى حضرته ، وقد اعتقد عامتهم أن يقعوا برسول الله فيقتلوه ، ولو أنه في جماهير أصحابه ، لا يبالون بما آتاهم به الدهر ، فلما حضروه وكثروا وكانوا بين يديه ، قال لهم رؤساؤهم ـ وقد واطئوا عوامهم على أنهم إذا أفحموا محمدا وضعوا عليه سيوفهم ، فقال رؤساؤهم ـ : يا محمد ، جئت تزعم أنك رسول رب العالمين نظير موسى وسائر الأنبياء المتقدمين؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما قولي : إني رسول الله فنعم ، وأما أن أقول : إني أنا نظير موسى وسائر الأنبياء ، فما أقول هذا ، وما كنت لأصغر ما عظمه الله تعالى من قدري ، بل قال ربي : يا محمد ، إن فضلك على جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين كفضلي ـ وأنا رب العزة ـ على سائر الخلق أجمعين ؛ وكذلك ما قال الله تعالى لموسى لما ظن أنه قد فضله على جميع العالمين. فغلظ ذلك على اليهود ، وهموا بقتله ، فذهبوا يسلون سيوفهم فما منهم أحد إلا وجد يديه إلى خلفه كالمكتوف ، يابسا لا يقدر أن يحركهما وتحيروا.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ورأى ما بهم من الحيرة ـ : لا تجزعوا ، فخير أراد الله بكم ، منعكم من التوثب (٥) على وليه ، وحبسكم على استماع حججه في نبوة محمد ووصية أخيه علي.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : معاشر اليهود ، هؤلاء رؤساؤكم كافرون ، ولأموالكم محتجبون ، ولحقوقكم باخسون ، ولكم ـ في قسمة من بعد ما اقتطعوه ـ ظالمون ، يخفضون فيرفعون.

__________________

سورة البقرة آية ـ ٤٤ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٣٣ / ١١٤.

(١) في المصدر : المحتجنين. احتجنته : إذا جذبته بالمحجن إلى نفسك ، «الصحاح ـ حجن ـ ٥ : ٢٠٩٧». والمحجن كالصولجان.

(٢) يستأكل الضعفا ، أي يأخذ أموالهم. «الصحاح ـ أكل ـ ٤ : ١٦٢٥».

(٣) في المصدر : احتجنوا.

(٤) حشرت النّاس : جمعتهم. «الصحاح ـ حشر ـ ٢ : ٦٣٠».

(٥) في المصدر : الوثوب.

٢٠٥

فقالت رؤساء اليهود : حدث عن موضع الحجة ، أحجة نبوتك ووصية علي أخيك هذا ، دعواك الأباطيل وإغراؤك قومنا بنا؟ (١).

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ، ولكن الله عز وجل قد أذن لنبيه أن يدعو بالأموال التي تختانونها (٢) من هؤلاء الضعفاء ومن يليهم فيحضرها ها هنا بين يديه ، وكذلك يدعو حساباتكم (٣) فيحضرها لديه ، ثم يدعو من واطأتموه على اقتطاع أموال الضعفاء فينطق باقتطاعهم جوارحهم ، وكذلك ينطق باقتطاعكم جوارحكم.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا ملائكة ربي ، أحضروني أصناف الأموال التي اقتطعها هؤلاء الظالمون لعوامهم ؛ فإذا الدراهم في الأكياس ، والدنانير و (٤) الثياب والحيوانات وأصناف الأموال منحدرة عليهم سرحا (٥) حتى استقرت بين أيديهم.

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : آتوا بحسابات هؤلاء الظالمين الذين غالطوا بها هؤلاء الفقراء ، فإذا الأدراج (٦) تنزل عليهم ، فلما استقرت على الأرض ، قال : خذوها ؛ فأخذوها فقرءوا فيها : نصيب كل قوم كذا وكذا.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا ملائكة ربي ، اكتبوا تحت اسم كل واحد من هؤلاء ما سرقوا منه وبينوه ؛ فظهرت كتابة بينة : لا بل نصيب كل واحد (٧) كذا وكذا ، فإذا إنهم قد خانوهم عشرة أمثال ما دفعوا إليهم.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا ملائكة ربي ، ميزوا من هذه الأموال الحاضرة كل ما فضل مما بينه هؤلاء الظالمون ، لتؤدى إلى مستحقها ؛ فاضطربت تلك الأموال ، وجعلت تفصل بعضها من بعض حتى تميزت أجزاؤها كما ظهر في الكتاب المكتوب ، وبين أنهم سرقوه واقتطعوه ، فدفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى من حضر من عوامهم نصيبهم (٨) ، وبعث إلى من غاب فأعطاه ، وأعطى ورثة من قد مات ، وفضح الله اليهود والرؤساء ، وغلب الشقاء على بعضهم وبعض العوام ، ووفق الله بعضهم.

فقال الرؤساء الذين هموا بالإسلام : نشهد ـ يا محمد ـ أنك النبي الأفضل ، وأن أخاك هذا هو الوصي الأجل الأكمل ، فقد فضحنا الله بذنوبنا ، أرأيت إن تبنا وأقلعنا ماذا تكون حالنا؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذن أنتم رفقاؤنا في الجنان ، وتكونون في الدنيا في دين الله إخواننا ، ويوسع الله تعالى أرزاقكم ، وتجدون في مواضع هذه الأموال التي أخذت منكم أضعافا (٩) ، وينسى هؤلاء الخلق

__________________

(٦) أغرى الإنسان غيره بالشّيء : حرّضه عليه. «المعجم الوسيط ـ غرا ـ ٢ : ٦٥١».

(٧) خانّ الشيء : نقّصه. «المعجم الوسيط ـ خان ـ ١ : ٢٦٣». وفي المصدر : خنتموها.

(٨) في المصدر : حسباناتكم.

(٩) في المصدر زيادة : إذا.

(١٠) سرحا : أي سهلا سريعا. «لسان العرب ـ سرح ـ ٢ : ٤٧٩» ، وفي المصدر : من حالق ، أي من مكان مشرف. «الصحاح ـ حلق ـ ٤ : ١٤٦٣».

(١١) الدرّج : وهو الذي يكتب فيه. «الصحاح ـ درج ـ ١ : ٣١٤».

(١٢) في «ط» : قوم.

(١٣) في المصدر : نصيبه.

(١٤) في المصدر : أضعافها.

٢٠٦

فضيحتكم حتى لا يذكرها أحد منهم.

فقالوا : إنا نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنك ـ يا محمد ـ عبده ورسوله وصفيه وخليله ، وأن عليا أخوك ووزيرك ، والقيم بدينك ، والنائب عنك ، والمناضل دونك ، وهو منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأنتم المفلحون».

٤٥٣ / ٢ ـ العياشي : عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت : قوله : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ)؟ قال : فوضع يده على حلقه ، قال كالذابح نفسه. (١)

٤٥٤ / ٣ ـ وقال الحجال ـ عن أبي (١) إسحاق ، عمن ذكره ـ : (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) : أي تتركون.

٤٥٥ / ٤ ـ وقال علي بن إبراهيم في الآية : نزلت في القصاص والخطاب ، وهو قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «وعلى كل منبر منهم خطيب مصقع (١) ، يكذب على الله وعلى رسوله وعلى كتابه».

وقال الكميت في ذلك :

مصيب على الأعواد يوم ركوبها

لما قال فيها ، مخطئ حين ينزل

ولغيره في هذا المعنى :

وغير تقي يأمر الناس بالتقى

طبيب يداوي الناس وهو (٢) عليل

قوله تعالى :

وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ

[٤٥] الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ [٤٦]

٤٥٦ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عز وجل لسائر اليهود والكافرين والمشركين : (وَاسْتَعِينُوا

__________________

٢ ـ تفسير العياشي ١ : ٤٣ / ٣٧.

(١) لعل المراد : قال الإمام عليه‌السلام : إن من يأمر الناس بالبر وينسى نفسه ، فهو كالذابح نفسه.

أو أن الإمام عليه‌السلام أشار كالذابح نفسه والثاني أظهر.

٣ ـ تفسير العياشي ١ : ٤٣ / ٣٨.

(١) في المصدر : ابن ، ولعله صحيح أيضا ، فقد روى الحجال عن أبي إسحاق الشعيري وعبيد بن إسحاق. راجع معجم رجال الحديث ١١ : ٤٥ ، ٢١ : ١٨ : ٢٢ : ٣٨ ، ٢٣ : ٧٧.

٤ ـ تفسير القمي ١ : ٤٦.

(١) أي بليغ. «الصحاح ـ صقع ـ ٣ : ١٢٤٤».

(٢) في «ط» : يداوي والطبيب.

سورة البقرة آية ـ ٤٥ ـ ٤٦ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٣٧ / ١١٥ ـ ١١٧.

٢٠٧

بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) بالصبر عن الحرام ، وعلى تأدية الأمانات ، وبالصبر عن الرئاسات الباطلة ، وعلى الاعتراف لمحمد بنبوته ولعلي بوصيته.

واستعينوا بالصبر على خدمتهما ، وخدمة من يأمرانكم بخدمته على استحقاق الرضوان والغفران ودائم نعيم الجنان في جوار الرحمن ، ومرافقة خيار المؤمنين ، والتمتع بالنظر إلى عترة محمد سيد الأولين والآخرين ، وعلي سيد الوصيين والسادة الأخيار المنتجبين. فإن ذلك أقر لعيونكم ، وأتم لسروركم ، وأكمل لهدايتكم من سائر نعيم الجنان ، واستعينوا أيضا بالصلوات الخمس ، وبالصلاة على محمد وآله الطيبين سادة الأخيار على قرب الوصول إلى جنات النعيم.

(وَإِنَّها) أي هذه الفعلة من الصلوات الخمس ، والصلاة على محمد وآله الطيبين مع الانقياد لأوامرهم ، والإيمان بسرهم وعلانيتهم ، وترك معارضتهم بـ (لم وكيف) (لَكَبِيرَةٌ) عظيمة (إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ) الخائفين من عقاب الله في مخالفته في أعظم فرائضه.

ثم وصف الخاشعين فقال : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) الذين يقدرون أنهم يلقون ربهم ، اللقاء الذي هو أعظم كراماته لعباده ، وإنما قال : (يَظُنُّونَ) لأنهم لا يدرون بماذا يختم لهم ، والعاقبة مستورة [عنهم] (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) إلى كراماته ونعيم جنانه ، لإيمانهم وخشوعهم ، لا يعلمون ذلك يقينا لأنهم لا يأمنون أن يغيروا ويبدلوا.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة ، لا يتيقن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت نزوع روحه ، وظهور ملك الموت له».

٤٥٧ / ٢ ـ محمد بن يعقوب : عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد (١) بن عيسى ، عن شعيب العقرقوفي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : كان عليه‌السلام إذا أهاله شيء فزع إلى الصلاة ، ثم تلا هذه الآية : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ).

٤٥٨ / ٣ ـ عنه : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سليمان (١) ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عز وجل : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ). قال : «الصبر : الصيام».

وقال : «إذا نزلت بالرجل النازلة الشديدة فليصم ، فإن الله عز وجل يقول : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) يعني الصيام».

__________________

٢ ـ الكافي ٢ : ٤٨٠ / ١.

(١) في «س» : أحمد ، وهو تصحيف ، إذ أكثر حمّاد من روايته عن شعيب ، وروى كتابه أيضا ، راجع رجال النجاشي : ١٩٥ / ٥٢٠ ومعجم رجال الحديث ٩ : ٣٤.

٣ ـ الكافي ٤ : ٦٣ / ٧.

(١) (عن سليمان) ليس في «س» ، وإثباتها أنسب ، راجع معجم رجال الحديث ٢٢ : ١٠٣.

٢٠٨

٤٥٩ / ٤ ـ العياشي : عن مسمع ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا مسمع ، ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غم من غموم الدنيا أن يتوضأ ، ثم يدخل مسجده فيركع ركعتين فيدعو الله فيهما؟ أما سمعت الله يقول : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)».

٤٦٠ / ٥ ـ عن عبد الله بن طلحة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ).

قال : «الصبر : هو الصوم».

٤٦١ / ٦ ـ عن سليمان الفراء ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، في قول الله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ).

قال : «الصبر : الصوم ، إذا نزلت بالرجل الشدة أو النازلة فليصم ، فإن الله عز وجل يقول : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) والصبر : الصوم».

٤٦٢ / ٧ ـ ابن شهر آشوب : عن الباقر عليه‌السلام وابن عباس ، في قوله : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ) «الخاشع : الذليل في صلاته المقبل عليها ، يعني رسول الله وأمير المؤمنين عليهما‌السلام».

٤٦٣ / ٨ ـ وروي ذلك من طريق المخالفين ، عن ابن عباس ، بزيادة قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) نزلت في علي وعثمان بن مظعون وعمار بن ياسر وأصحاب لهم.

٤٦٤ / ٩ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا أحمد بن الحسن القطان رحمه‌الله ، قال : حدثنا أحمد بن يحيى ، عن بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر ، قال : حدثني محمد بن الحسن بن عبد العزيز الأحدب الجنديسابوري ، قال : وجدت في كتاب أبي بخطه : حدثنا طلحة بن زيد (١) ، عن عبيد الله (٢) بن عبيد ، عن أبي معمر السعداني ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) «يعني يوقنون أنهم يبعثون ويحشرون ويحاسبون ، ويجزون بالثواب والعقاب ، والظن ها هنا اليقين».

٤٦٥ / ١٠ ـ العياشي : عن أبي معمر ، عن علي عليه‌السلام ، في قوله : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ).

يقول : «يوقنون أنهم مبعوثون ، والظن منهم يقين».

٤٦٦ / ١١ ـ علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ) يعني الصلاة.

__________________

٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٣ / ٣٩.

٥ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٣ / ٤٠.

٦ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٣ / ٤١.

٧ ـ المناقب ١ : ٢٠ ، تفسير الحبري : ٢٣٨ / ٦.

٨ ـ تفسير الحبري : ٢٣٩ / ٧ ، شواهد التنزيل ١ : ٨٩ / ١٢٦.

٩ ـ التّوحيد : ٢٦٧ / ٥.

(١) في المصدر : يزيد.

(٢) في «ط» : عبد الله.

١٠ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٤ / ٤٢.

١١ ـ تفسير القمّي ١ : ٤٦.

٢٠٩

وقوله : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) قال علي بن إبراهيم : الظن في كتاب الله على وجهين : فمنه ظن يقين ، ومنه ظن شك ؛ ففي هذا الموضع يقين ، وإنما الشك قوله : (إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) (١) (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) (٢).

قوله تعالى :

يبَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ

عَلَى الْعالَمِينَ [٤٧] وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا

يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [٤٨]

٤٦٧ / ١ ـ العياشي : عن هارون بن محمد الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ). قال : «هم نحن خاصة».

٤٦٨ / ٢ ـ عن محمد بن علي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ).

قال : «هي خاصة بآل محمد».

٤٦٩ / ٣ ـ عن أبي داود ، عمن سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «أنا عبد الله اسمي أحمد ، وأنا عبد الله اسمي إسرائيل ، فما أمره فقد أمرني ، وما عناه فقد عناني».

٤٧٠ / ٤ ـ قال الإمام أبو محمد العسكري عليه‌السلام : «قال الله عز وجل : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) أن بعثت موسى وهارون إلى أسلافكم بالنبوة ، فهديناهم إلى نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيه علي عليه‌السلام وإمامة عترته الطيبين ، وأخذنا عليكم بذلك العهود والمواثيق ، التي إن وافيتم بها كنتم ملوكا في جنان المستحقين (١) لكراماته ورضوانه.

(وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) هناك ، أي فعلته بأسلافكم ، فضلتهم دينا ودنيا : فأما تفضيلهم في الدين

__________________

(١) الجاثية ٤٥ : ٣٢.

(٢) الفتح ٤٨ : ١٢.

سورة البقرة آية ـ ٤٧ ـ ٤٨ ـ

١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٤ / ٤٣.

٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٤ / ٤٤.

٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٤ / ٤٥.

٤ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٤٠ / ١١٨ و ١١٩.

(١) في المصدر : جنانه مستحقين.

٢١٠

فلقبولهم ولاية (٢) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و (٣) علي وآلهما الطيبين ، وأما في الدنيا فإني ظللت عليهم الغمام ، وأنزلت عليهم المن والسلوى ، وأسقيتهم من حجر ماء عذبا ، وفقلت لهم البحر ، وأنجيتهم ، وأغرقت أعداءهم فرعون وقومه ، وفضلتهم بذلك على عالمي زمانهم الذين خالفوا طرائقهم ، وحادوا عن سبيلهم.

ثم قال الله عز وجل : فإذا كنت قد فعلت هذا بأسلافكم في ذلك الزمان بقبولهم ولاية محمد (٤) ، فبالحري أن أزيدكم فضلا في هذا الزمان ، إن أنتم وفيتم بما أخذ من العهد والميثاق عليكم.

ثم قال الله عز وجل : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) لا تدفع عنها عذابا قد استحقته عند النزع (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) يشفع لها بتأخر (٥) الموت عنها (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) لا يقبل منها فداء مكانه ، يمات ويترك هو فداء (٦).

قال الصادق عليه‌السلام : وهذا اليوم يوم الموت ، فإن الشفاعة والفداء لا تغني عنه ، فأما في القيامة فإنا وأهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء ، ليكونن على الأعراف بين الجنة والنار محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام والطيبون من آلهم ، فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات ، ممن كان منهم مقصرا ، في بعض شدائدها ، فنبعث عليهم خير شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار ونظرائهم في العصر الذي يليهم ، وفي كل عصر إلى يوم القيامة ، فينقضون (٧) عليهم كالبزاة (٨) والصقور فيتناولونهم كما تتناول البزاة والصقور صيدها ، فيزفونهم إلى الجنة زفا.

وإنا لنبعث على آخرين من محبينا وخيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من العرصات كما يلتقط الطير الحب ، وينقلونهم إلى الجنان بحضرتنا ، وسيؤتى بالواحد من مقصري شيعتنا في أعماله ، بعد أن قد حاز الولاية والتقية وحقوق إخوانه ، ويوقف بإزائه ما بين مائة وأكثر من ذلك إلى مائة ألف من النصاب ، فيقال له : هؤلاء فداؤك من النار ؛ فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنة ، وهؤلاء (٩) النصاب النار ، وذلك ما قال الله عز وجل : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١٠) يعني بالولاية (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) (١١) في الدنيا منقادين للإمامة ، ليجعل مخالفوهم فداءهم من النار».

٤٧١ / ٥ ـ ابن بابويه ، بإسناده عن أمية بن يزيد القرشي ، قال : قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما العدل ، يا

__________________

(٢) في المصدر : نبوة.

(٣) في المصدر : وولاية.

(٤) في المصدر : ولاية محمّد وآله.

(٥) في المصدر : بتأخير.

(٦) (فداء) ليس في المصدر.

(٧) انقضّ الطائر : هوى في طيرانه. «الصحاح ـ قضض ـ ٣ : ١١٠٢».

(٨) البزاة : جمع بازي ، وهو جنس من الصقور الصغيرة أو المتوسطة الحجم ، ومن أنواعه : الباشق ، والبيدق. «المعجم الوسيط ـ بزا ـ ١ : ٥٥».

(٩) في المصدر : وأولئك.

(١٠ ، ١١) الحجر ١٥ : ٢.

٥ ـ معاني الأخبار : ٢٦٥ / ٢.

٢١١

رسول الله؟ قال : «الفدية». قال : قيل : ما الصرف ، يا رسول الله؟ قال : «التوبة».

قال مؤلف هذا الكتاب : لا منافاة بين التفسيرين في بني إسرائيل بحمل أحد التفسيرين على الظاهر ، والآخر على الباطن.

قوله تعالى :

وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ

أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [٤٩]

٤٧٢ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله : واذكروا ، يا بني إسرائيل (إِذْ نَجَّيْناكُمْ) أنجينا أسلافكم (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) وهم الذين كانوا يدنون إليه بقرابته وبدينه ومذهبه (يَسُومُونَكُمْ) يعذبونكم (سُوءَ الْعَذابِ) شدة العذاب ، كانوا يحملونه عليكم».

قال : «وكان من عذابهم الشديد أنه كان فرعون يكلفهم عمل البناء والطين ، ويخاف أن يهربوا عن العمل ، فأمر بتقييدهم ، فكانوا ينقلون ذلك الطين على السلالم إلى السطوح فربما سقط الواحد منهم فمات أو زمن (١) ولا يحفلون (٢) بهم ، إلى أن أوحى الله تعالى إلى موسى عليه‌السلام : قل لهم : لا يبتدئون عملا إلا بالصلاة على محمد وآله الطيبين ليخف عليهم ، فكانوا يفعلون ذلك فيخفف عليهم.

وأمر كل من سقط وزمن ، ممن نسي الصلاة على محمد وآله ، بأن يقولها على نفسه إن أمكنه ـ أي الصلاة على محمد وآله ـ أو يقال عليه إن لم يمكنه ، فإنه يقوم ولا يضره ذلك ، ففعلوها فسلموا.

(يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) وذلك لما قيل لفرعون : إنه يولد في بني إسرائيل مولود يكون على يده هلاكك ، وزوال ملكك ؛ فأمر بذبح أبنائهم ، فكانت الواحدة منهن تصانع (٣) القوابل عن نفسها لئلا تنم عليها [ويتم] حملها ، ثم تلقي ولدها في صحراء ، أو غار جبل ، أو مكان غامض ، وتقول عليه عشر مرات الصلاة على محمد وآله ، فيقيض (٤) الله له ملكا يربيه ؛ ويدر من إصبع له لبنا يمصه ، ومن إصبع طعاما لينا يتغذاه ، إلى أن نشأ بنو إسرائيل ، فكان من سلم منهم ونشأ أكثر ممن قتل.

__________________

سورة البقرة آية ـ ٤٩ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٤٢ / ١٢٠.

(١) زمن : مرض مرضا يدوم زمانا طويلا ، أو ضعف بكبر سنّ أو مطاولة علّة. «المعجم الوسيط ـ زمن ـ ١ : ٤٠١».

(٢) الحفل : المبالاة ، يقال : ما أحفل بفلان ، أي ما أبالي به. «لسان العرب ـ حفل ـ ١١ : ١٥٩».

(٣) المصانعة : الرشوة. «الصحاح ـ صنع ـ ٣ : ١٢٤٦».

(٤) قيّض الله فلانا لفلان ، أي جاء به وأتاحه له. «الصحاح ـ قيض ـ ٣ : ١١٠٤».

٢١٢

(وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) يبقونهن ويتخذونهن إماء ، فضجوا إلى موسى عليه‌السلام ، وقالوا : يفترشون (٥) بناتنا وأخواتنا؟! فأمر الله البنات كلما رابهن ريب من ذلك صلين على محمد وآله الطيبين ، فكان الله يرد عنهن أولئك الرجال ، إما بشغل أو بمرض أو زمانة أو لطف من ألطافه ، فلم تفترش منهن امرأة ، بل دفع الله عز وجل (٦) عنهن بصلاتهن على محمد وآله الطيبين.

ثم قال عز وجل : (وَفِي ذلِكُمْ) أي في ذلك الإنجاء الذي أنجاكم منه ربكم (بَلاءٌ) نعمة (مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) كبير.

قال الله عز وجل : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا) (٧) إذ كان البلاء يصرف عن أسلافكم ويخفف بالصلاة على محمد وآله الطيبين ، أفلا تعلمون أنكم إذا شاهدتموهم وآمنتم بهم (٨) كان النعمة عليكم أعظم وأفضل ، وفضل الله لديكم (٩) أكثر وأجزل».

قوله تعالى :

وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ

[٥٠] وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ

وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ [٥١] ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

[٥٢] وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [٥٣]

٤٧٣ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عز وجل : واذكروا (إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) (١) فرقا ، ينقطع بعضه من بعض ، (فَأَنْجَيْناكُمْ) هناك وأغرقنا آل (٢) فرعون وقومه (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) إليهم وهم يغرقون.

وذلك أن موسى عليه‌السلام لما انتهى إلى البحر ، أوحى الله عز وجل إليه : قل لبني إسرائيل : جددوا توحيدي ،

__________________

(٥) افترشه : أي وطئه ، وافترش الرجل المرأة للّذة. «الصحاح ـ فرش ـ ٣ : ١٠١٤» ، «لسان العرب ـ فرش ـ ٦ : ٣٢٧» ، وفي المصدر : يفترعون ..

(٦) في «ط» والمصدر زيادة : ذلك.

(٧) البقرة ٢ : ٤٧.

(٨) في المصدر : شاهدتموه وآمنتم به.

(٩) في المصدر : عليكم.

سورة بقرة آية ـ ٥٠ ـ ٥٣ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٤٥ / ١٢١ ـ ١٢٣.

(١) في المصدر : واذكروا إذ جعلنا ماء البحر.

(٢) (آل) ليس في المصدر.

٢١٣

وأقروا (٣) بقلوبكم ذكر محمد سيد عبيدي وإمائي ، وأعيدوا على أنفسكم الولاية لعلي أخي محمد وآله الطيبين ، وقولوا : اللهم بجاههم جوزنا على متن هذا الماء ؛ فإن الماء يتحول لكم أرضا. فقال لهم موسى عليه‌السلام ذلك ، فقالوا : أتورد علينا ما نكره ، وهل فررنا من آل فرعون إلا من خوف الموت؟! وأنت تقتحم بنا هذا الماء الغمر بهذه الكلمات ، وما يدرينا ما يحدث من هذه علينا؟! فقال لموسى عليه‌السلام كالب بن يوحنا ـ وهو على دابة له ، وكان ذلك الخليج أربعة فراسخ ـ : يا نبي الله ، أمرك الله بهذا أن نقوله وندخل الماء؟ قال : نعم. قال : وأنت تأمرني به؟ قال : نعم.

فوقف وجدد على نفسه من توحيد الله ونبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولاية علي عليه‌السلام والطيبين من آلهما ما أمره به ، ثم قال : اللهم بجاههم جوزني على متن هذا الماء ؛ ثم أقحم فرسه ، فركض على متن الماء ، فإذا الماء تحته كأرض لينة حتى بلغ آخر الخليج ، ثم عاد راكضا.

ثم قال لبني إسرائيل : يا بني إسرائيل ، أطيعوا الله وأطيعوا موسى فما هذا الدعاء إلا مفاتيح (٤) أبواب الجنان ، ومغاليق أبواب النيران ، ومستنزل (٥) الأرزاق ، وجالب على عباد الله وإمائه رضا (٦) المهيمن الخلاق ؛ فأبوا ، وقالوا : نحن لا نسير إلا على الأرض.

فأوحى الله تعالى إلى موسى : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) (٧) وقل : اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما فلقته ؛ ففعل ، فانفلق وظهرت الأرض إلى آخر الخليج.

فقال موسى عليه‌السلام : ادخلوها ؛ قالوا : الأرض وحلة نخاف أن نرسب (٨) فيها.

فقال الله عز وجل : يا موسى ، قل : اللهم بحق محمد وآله الطيبين جففها ؛ فقالها ، فأرسل الله عليها ريح الصبا (٩) فجفت. وقال موسى عليه‌السلام : ادخلوها ؛ قالوا : يا نبي الله ، نحن اثنتا عشرة قبيلة ، بنو اثني عشر أبا ، وإن دخلنا رام كل فريق منا تقدم صاحبه ، ولا نأمن وقوع الشر بيننا ، فلو كان لكل فريق منا طريق على حدة لأمنا ما نخافه.

فأمر الله موسى أن يضرب البحر بعددهم اثنتي عشرة ضربة في اثني عشر موضعا إلى جانب ذلك الموضع ، ويقول : اللهم بجاه محمد وآله الطيبين بين الأرض لنا وأمط (١٠) الماء عنا ؛ فصار فيه تمام اثني عشر طريقا ، وجف

__________________

(٣) في «س» : وأمرّوا.

(٤) في المصدر : مفتاح.

(٥) في المصدر : ومنزل.

(٦) في المصدر زيادة : الرحمن.

(٧) الشّعراء ٢٦ : ٦٣.

(٨) رسب الشّيء : ثقل وصار إلى أسفل. «مجمع البحرين ـ رسب ـ ٢ : ٧٠».

(٩) الصبا : ريح ، ومهبّها المستوي أن تهبّ من موضع مطلع الشّمس إذ استوى اللّيل والنّهار. «الصحاح ـ صبا ـ ٦ : ٢٣٩٨».

(١٠) أماط عنّي الأذى : أي أبعده عنّي ونحّاه. «مجمع البحرين ـ ميط ـ ٤ : ٢٧٤».

٢١٤

قرار الأرض بريح الصبا. فقال : ادخلوها ؛ قالوا : كل فريق منا يدخل سكة من هذه السكك لا يدري ما يحدث على الآخرين.

فقال الله عز وجل : فاضرب كل طود (١١) من الماء بين هذه السكك ؛ فضرب ، فقال : اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما جعلت في هذا الماء طيقانا (١٢) واسعة يرى بعضهم بعضا منها ؛ فحدثت طيقان واسعة يرى بعضهم بعضا منها ، ثم دخلوها.

فلما بلغوا آخرها جاء فرعون وقومه ، فدخل بعضهم ، فلما دخل آخرهم ، وهم بالخروج أولهم أمر الله تعالى البحر فانطبق عليهم ، فغرقوا ، وأصحاب موسى ينظرون إليهم ، فذلك قوله عز وجل : (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) إليهم.

قال الله عز وجل لبني إسرائيل في عهد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإذا كان الله تعالى فعل هذا كله بأسلافكم لكرامة محمد ، ودعاء موسى ، دعاء تقرب بهم [إلى الله] أفلا تعقلون أن عليكم الإيمان بمحمد وآله إذ (١٣) شاهدتموه الآن؟ ثم قال الله عز وجل : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ)».

قال الإمام عليه‌السلام : «كان موسى بن عمران عليه‌السلام يقول لبني إسرائيل : إذا فرج الله عنكم وأهلك أعداءكم أتيتكم بكتاب من ربكم ، يشتمل على أوامره ونواهيه ومواعظه وعبره وأمثاله.

فلما فرج الله عنهم ، أمر الله عز وجل أن يأتي للميعاد ، ويصوم ثلاثين يوما عند أصل الجبل ، وظن موسى أنه بعد ذلك يعطيه الكتاب ، فصام موسى ثلاثين يوما (١٤) ، فلما كان في آخر الأيام استاك قبل الفطر. فأوحى الله عز وجل إليه : يا موسى ، أما علمت أن خلوف (١٥) فم الصائم أطيب عندي من رائحة المسك؟ صم عشرا أخر ولا تستك عند الإفطار ؛ ففعل ذلك موسى عليه‌السلام ، وكان وعد الله أن يعطيه الكتاب بعد أربعين ليلة ، فأعطاه إياه.

فجاء السامري فشبه على مستضعفي بني إسرائيل ، وقال : وعدكم موسى أن يرجع إليكم بعد أربعين ليلة ، وهذه عشرون ليلة وعشرون يوما تمت أربعون ، أخطأ موسى ربه ، وقد أتاكم ربكم ، أراد أن يريكم أنه قادر على أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه ، وأنه لم يبعث موسى لحاجة منه إليه ؛ فأظهر لهم العجل الذي كان عمله ، فقالوا له : كيف يكون العجل إلهنا؟

قال لهم : إنما هذا العجل مكلمكم (١٦) منه ربكم كما كلم موسى من الشجرة ، فالإله في العجل كما كان في الشجرة ؛ فضلوا بذلك وأضلوا.

__________________

(١١) الطود : الجبل العظيم. «الصحاح ـ طود ـ ٢ : ٥٠٢».

(١٢) الطيقان : جمع طاق : وهو ما عطف من الأبنية. «الصحاح ـ طوق ـ ٤ : ١٥١٩».

(١٣) في المصدر زيادة : قد.

(١٤) في المصدر زيادة : عند أصل الجبل.

(١٥) الخلوف : رائحة الفم المتغيّرة. «مجمع البحرين ـ خلف ـ ٥ : ٥٣».

(١٦) في المصدر : يكلمكم.

٢١٥

فقال موسى عليه‌السلام : يا أيها العجل ، أكان فيك ربنا كما يزعم هؤلاء؟ فنطق العجل ، وقال : عز ربنا عن أن يكون العجل حاويا له ، أو شيء من الشجر والأمكنة عليه مشتملا ، ولا له حاويا ، لا ـ والله ، يا موسى ـ ولكن السامري نصب عجلا مؤخره إلى الحائط ، وحفر في الجانب الآخر في الأرض ، وأجلس فيه بعض مردته ، فهو الذي وضع فاه على دبره ، وتكلم لما قال : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) (١٧) يا موسى بن عمران ، ما خذل هؤلاء بعبادتي واتخاذي إلها إلا بتهاونهم بالصلاة على محمد وآله الطيبين ، وجحودهم بموالاتهم ، ونبوة النبي ووصية الوصي حتى أداهم إلى أن اتخذوني إلها.

قال الله تعالى : فإذا كان الله تعالى إنما خذل عبدة العجل لتهاونهم بالصلاة على محمد ووصيه علي ، فما تخافون من الخذلان الأكبر في معاندتكم لمحمد وعلي وقد شاهدتموهما ، وتبينتم آياتهما ودلائلهما؟

ثم قال الله عز وجل : (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي عفونا عن أوائلكم عبادتهم العجل ، لعلكم ـ يا أيها الكائنون في عصر محمد من بني إسرائيل ـ تشكرون تلك النعمة على أسلافكم وعليكم بعدهم».

ثم قال عليه‌السلام : «وإنما عفا الله عز وجل عنهم لأنهم دعوا الله بمحمد وآله الطيبين ، وجددوا على أنفسهم الولاية لمحمد وعلي وآلهما الطاهرين ، فعند ذلك رحمهم‌الله وعفا عنهم».

ثم قال عز وجل : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) قال : «واذكروا إذ آتينا موسى الكتاب ـ وهو التوراة ـ الذي أخذ على بني إسرائيل الإيمان به ، والانقياد لما يوجبه ، والفرقان آتيناه أيضا ، فرق به ما بين الحق والباطل ، وفرق ما بين المحقين والمبطلين.

وذلك أنه لما أكرمهم الله تعالى بالكتاب والإيمان به ، والانقياد له ، أوحى الله بعد ذلك إلى موسى عليه‌السلام : هذا الكتاب قد أقروا به ، وقد بقي الفرقان ، فرق ما بين المؤمنين والكافرين ، والمحقين والمبطلين ، فجدد عليهم العهد به ، فإني قد آليت على نفسي قسما حقا لا أتقبل من أحد إيمانا ولا عملا إلا مع الإيمان به.

قال موسى عليه‌السلام : ما هو يا رب؟

قال الله عز وجل : يا موسى ، تأخذ على بني إسرائيل أن محمدا خير النبيين (١٨) وسيد المرسلين ، وأن أخاه ووصيه علي خير الوصيين ، وأن أولياءه الذين يقيمهم سادة الخلق ، وأن شيعته المنقادين له ، المسلمين له ولأوامره ونواهيه ولخلفائه ، نجوم الفردوس الأعلى ، وملوك جنات عدن».

قال : «وأخذ عليهم موسى عليه‌السلام ذلك ، فمنهم من اعتقده حقا ، ومنهم من أعطاه بلسانه دون قلبه ، فكان المعتقد منهم حقا يلوح على جبينه نور مبين ، ومن أعطاه بلسانه دون قلبه ليس له ذلك النور ، فذلك الفرقان الذي أعطاه الله عز وجل موسى عليه‌السلام ، وهو فرق ما بين المحقين والمبطلين.

ثم قال الله عز وجل : (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي لعلكم تعلمون أن الذي به يشرف العبد عند الله عز وجل هو

__________________

(١٧) طه ٢٠ : ٨٨.

(١٨) في المصدر : خير البشر.

٢١٦

اعتقاد الولاية ، كما تشرف به أسلافكم».

٤٧٤ / ٢ ـ العياشي : عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً). قال : «كان في العلم والتقدير ثلاثين ليلة ، ثم بد الله فزاد عشرا ، فتم ميقات ربه الأول (١) والآخر أربعين ليلة».

قوله تعالى :

وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ

الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ

بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [٥٤]

٤٧٥ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عز وجل : واذكروا ، يا بني إسرائيل (إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) عبدة العجل (يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) أضررتم بها (بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) إلها (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) الذي برأكم وصوركم (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) بقتل بعضكم بعضا ، يقتل من لم يعبد العجل من عبده (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) أي ذلك القتل خير لكم (عِنْدَ بارِئِكُمْ) من أن تعيشوا في الدنيا وهو لم يغفر لكم ، فتتم في الحياة الدنيا حياتكم ، ويكون إلى النار مصيركم ، وإذا قتلتم وأنتم تائبون جعل الله عز وجل ذلك القتل كفارة لكم ، وجعل الجنة منزلكم (١) ومنقلبكم.

قال الله عز وجل : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) قبل توبتكم ، قبل استيفاء القتل لجماعتكم ، وقبل إتيانه على كافتكم ، وأمهلكم للتوبة ، واستبقاكم للطاعة (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)».

قال : «وذلك أن موسى عليه‌السلام لما أبطل الله تعالى على يديه أمر العجل ، فأنطقه بالخبر عن تمويه السامري ، وأمر موسى عليه‌السلام أن يقتل من لم يعبده من يعبده ، تبرأ أكثرهم ، وقالوا : لم نعبده. فقال الله عز وجل لموسى عليه‌السلام : ابرد هذا العجل الذهب بالحديد بردا ، ثم ذره في البحر ، فمن شرب ماءه اسودت شفتاه وأنفه وبان ذنبه ؛ ففعل ، فبان العابدون للعجل.

وأمر الله تعالى اثني عشر ألفا أن يخرجوا على الباقين شاهرين السيوف يقتلونهم ، ونادى مناديه : ألا لعن الله أحدا أبقاهم بيد أو رجل ، ولعن الله من تأمل المقتول لعله تبينه حميما أو قريبا (٢) فيتعداه إلى الأجنبي ؛ فاستسلم

__________________

٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٤ / ٤٦.

(١) في المصدر : للأوّل.

سورة البقرة آية ـ ٥٤ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٥٤ / ١٢٤.

(١) في المصدر : منزلتكم.

(٢) في «ط» والمصدر زيادة : فيتوقاه.

٢١٧

المقتولون. فقال القاتلون : نحن أعظم مصيبة منهم ، نقتل بأيدينا آباءنا وأبناءنا وإخواننا (٣) وقراباتنا ، ونحن لم نعبد ، فقد ساوى بيننا وبينهم في المصيبة.

فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه‌السلام : يا موسى ، إني إنما امتحنتهم بذلك لأنهم ما اعتزلوهم لما عبدوا العجل ، ولم يهجروهم ، ولم يعادوهم على ذلك ، قل لهم : من دعا الله بمحمد وآله الطيبين يسهل عليه قتل المستحقين للقتل بذنوبهم ؛ فقالوها ، فسهل الله عليهم ذلك ، ولم يجدوا لقتلهم لهم ألما.

فلما استحر القتل (٤) فيهم ـ وهم ستمائة ألف ـ إلا اثني عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل ، وفق الله بعضهم ، فقال لبعضهم ـ والقتل لم يفض (٥) بعد إليهم ، فقال ـ : أو ليس قد جعل الله التوسل بمحمد وآله الطيبين أمرا لا تخيب معه طلبة ، ولا ترد به مسألة؟ وهكذا توسلت الأنبياء والرسل ، فما لنا لا نتوسل؟!».

قال : «فاجتمعوا وضجوا : يا ربنا ، بجاه محمد الأكرم ، وبجاه علي الأفضل الأعظم ، وبحق فاطمة الفضلى ، وبجاه الحسن والحسين سبطي سيد المرسلين ، وسيدي شباب أهل الجنة أجمعين ، وبجاه الذرية الطيبة الطاهرة من آل طه ويس لما غفرت لنا ذنوبنا ، وغفرت لنا عقوبتنا (٦) ، وأزلت هذا القتل عنا ؛ فذاك حين نودي موسى عليه‌السلام (٧) : أن كف القتل ، فقد سألني بعضهم شيئا (٨) ، وأقسم علي شيئا (٩) ، لو أقسم به هؤلاء العابدون للعجل ، وسألني العصمة لعصمتهم حتى لا يعبدوه ، ولو أقسم علي بها إبليس لهديته ، ولو أقسم بها علي نمرود أو فرعون لنجيته.

فرفع عنهم القتل ، فجعلوا يقولون : يا حسرتنا ، أين كنا عن هذا الدعاء بمحمد وآله الطيبين حتى كان الله يقينا شر الفتنة ، ويعصمنا بأفضل العصمة؟!».

٤٧٦ / ٢ ـ علي بن إبراهيم ، قال : إن موسى عليه‌السلام لما خرج إلى الميقات ، ورجع إلى قومه وقد عبدوا العجل ، قال لهم موسى : (يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ).

فقالوا : وكيف نقتل أنفسنا؟ فقال لهم موسى : اغدوا (١) ـ كل واحد منكم ـ إلى بيت المقدس ، ومعه سكين أو حديدة أو سيف ، فإذا صعدت أنا منبر بني إسرائيل ، فكونوا أنتم ملثمين لا يعرف أحد صاحبه ، فاقتلوا بعضكم

__________________

(٣) في «ط» : وأخواتنا.

(٤) أي اشتدّ. «الصحاح ـ حرر ـ ٢ : ٦٢٩».

(٥) الإفضاء : الانتهاء ، وأفضى إليه : وصل. «لسان العرب ـ فضا ـ ١٥ : ١٥٧».

(٦) في المصدر : هفواتنا.

(٧) في «ط» والمصدر زيادة : من السماء.

(٨) في المصدر : مسألة.

(٩) في المصدر : قسما.

٢ ـ تفسير القمّي ١ : ٤٧.

(١) الظاهر أن الصواب : يغدر.

٢١٨

بعضا.

فاجتمع سبعون ألف رجل ممن كانوا عبدوا العجل إلى بيت المقدس ، فلما صلى بهم موسى عليه‌السلام وصعد المنبر ، أقبل بعضهم يقتل بعضا حتى نزل جبرئيل عليه‌السلام ، فقال : قل لهم : يا موسى ، ارفعوا القتل فقد تاب الله عليكم ؛ فقتل منهم عشرة آلاف ، وأنزل الله (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).

قوله تعالى :

وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ

الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [٥٥] ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ

تَشْكُرُونَ [٥٦]

٤٧٧ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عز وجل : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) قال أسلافكم (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) أخذت أسلافكم الصاعقة (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) إليهم (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) بعثنا أسلافكم (مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) من بعد موت أسلافكم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي لعل أسلافكم يشكرون الحياة التي فيها يتوبون ويقلعون ، وإلى ربهم ينيبون ، لم يدم عليهم ذلك الموت فيكون إلى النار مصيرهم ، وهم فيها خالدون».

قال (١) : «وذلك أن موسى عليه‌السلام لما أراد أن يأخذ عليهم عهد الفرقان (٢) ، فرق ما بين المحقين والمبطلين لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنبوته ، ولعلي عليه‌السلام بإمامته ، وللأئمة الطاهرين بإمامتهم ، قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) أن هذا أمر ربك (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) عيانا يخبرنا بذلك (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) معاينة ، وهم ينظرون إلى الصاعقة تنزل عليهم.

وقال الله عز وجل له : يا موسى ، إني أنا المكرم أوليائي والمصدقين بأصفيائي ولا أبالي ، وكذلك أنا المعذب لأعدائي الدافعين لحقوق أصفيائي ولا أبالي.

فقال موسى عليه‌السلام للباقين الذين لم يصعقوا : ماذا تقولون ، تقبلون (٣) ، وتعترفون؟ والا فأنتم بهؤلاء

__________________

سورة بقرة آية ـ ٥٥ ـ ٥٦ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٥٦ / ١٢٥.

(١) في المصدر زيادة : الإمام.

(٢) في المصدر : عهدا بالفرقان.

(٣) في المصدر : أتقبلون.

٢١٩

لاحقون.

قالوا : يا موسى ، تدري (٤) ما حل بهم ، لماذا أصابهم (٥)؟ كانت الصاعقة ما أصابتهم لأجلك ، إلا أنها كانت نكبة من نكبات الدهر تصيب البر والفاجر ، فإن كانت إنما أصابتهم لردهم عليك في أمر محمد وعلي وآلهما ، فاسأل الله ربك بمحمد وآله الذين تدعونا إليهم أن يحيي هؤلاء المصعوقين لنسألهم لماذا أصابتهم (٦).

فدعا الله عز وجل بهم موسى عليه‌السلام ، وأحياهم الله عز وجل ، فقال موسى عليه‌السلام : سلوهم لماذا أصابهم؟ فسألوهم ، فقالوا : يا بني إسرائيل ، أصابنا لإبائنا اعتقاد إمامة علي بعد اعتقادنا نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لقد رأينا بعد موتنا هذا ممالك ربنا من سماواته وحجبه وعرشه وكرسيه وجنانه ونيرانه ، فما رأينا أنفذ أمرا في جميع تلك الممالك وأعظم سلطانا من محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وإنا لما متنا بهذه الصاعقة ذهب بنا إلى النيران ، فناداهم محمد وعلي : كفوا عن هؤلاء عذابكم ، فهؤلاء يحيون بمسألة سائل يسأل ربنا عز وجل بنا وبآلنا الطاهرين ، وذلك حين لم يقذفونا (٧) في الهاوية وأخرونا إلى بعثتنا (٨) بدعائك ـ يا موسى بن عمران ـ بمحمد وآله الطيبين.

فقال الله عز وجل لأهل عصر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإذا كان بالدعاء بمحمد وآله الطيبين نشر ظلمة أسلافكم المصعوقين بظلمهم ، أفما يجب عليكم أن لا تتعرضوا إلى مثل ما هلكوا به إلى أن أحياهم الله عز وجل؟».

٤٧٨ / ٢ ـ ابن بابويه : قال : حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثني أبي ، عن حمدان ابن سليمان النيسابوري ، عن علي بن محمد بن الجهم ، قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليه‌السلام ، فقال له المأمون : يا ابن رسول الله ، أليس من قولك : أن الأنبياء معصومون؟ فقال : «بلى».

فسأله عن آيات من القرآن ، فكان فيما سأله أن قال له : فما معنى قوله عز وجل : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي) (١) الآية ، كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران عليه‌السلام ، لا يعلم أن الله ـ تعالى ذكره ـ لا تجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟

فقال الرضا عليه‌السلام : «إن كليم الله موسى بن عمران عليه‌السلام علم أن الله عز (٢) عن أن يرى بالأبصار ، ولكنه

__________________

(٤) في المصدر : لا ندري.

(٥) في المصدر : أصابتهم.

(٦) في المصدر : لماذا أصابهم ما أصابهم.

(٧) في المصدر زيادة : بعد.

(٨) في المصدر : إلى أن بعثنا.

٢ ـ التّوحيد ١٢١ / ٢٤ ، عيون أخبار الرّضا عليه‌السلام ١ : ٢٠٠ / ١.

(١) الأعراف ٧ : ١٤٣.

(٢) في المصدر : تعالى.

٢٢٠