البرهان في تفسير القرآن - ج ١

السيد هاشم الحسيني البحراني

البرهان في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني البحراني


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٥٢

الله من لباس الجنة ، وأقبلا يستتران بورق الجنة (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٦). فقالا كما حكى الله عنهما : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٧).

فقال الله لهما : (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) ـ قال ـ : إلى يوم القيامة».

قال : «فهبط آدم على الصفا ، وإنما سميت الصفا لأن صفوة الله نزل عليها ، ونزلت حواء على المروة ، وإنما سميت المروة لأن المرأة نزلت عليها. فبقي آدم أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة ، فنزل عليه جبرئيل عليه‌السلام ، فقال : يا آدم ، ألم يخلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته؟ قال : بلى. قال : وأمرك الله أن لا تأكل من الشجرة ، فلم عصيته؟! قال : يا جبرئيل ، إن إبليس حلف لي بالله أنه لي ناصح ، وما ظننت أن خلقا يخلقه الله ، يحلف به كاذبا!».

٤٠٣ / ٥ ـ علي بن إبراهيم : وحدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن موسى عليه‌السلام سأل ربه أن يجمع بينه وبين آدم (عليه الصلاة والسلام) فجمع ، فقال له موسى : يا أبه ، ألم يخلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك الملائكة ، وأمرك أن لا تأكل من الشجرة ، فلم عصيته؟! فقال : يا موسى ، بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التوراة؟ قال : بثلاثين ألف سنة (١) ، قال : هو ذلك».

قال الصادق عليه‌السلام : «فحج (٢) آدم موسى عليهما‌السلام».

٤٠٤ / ٦ ـ وعن الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما عرف الله ملائكته فضل خيار أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشيعة علي عليه‌السلام وخلفائه عليهم‌السلام ، واحتمالهم في جنب محبة ربهم ما لا تحتمله الملائكة ، أبان بني آدم الخيار المتقين بالفضل عليهم.

ثم قال : فلذلك فاسجدوا لآدم لما كان مشتملا على أنوار هذه الخلائق الأفضلين. ولم يكن سجودهم لآدم ، إنما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوه لله عز وجل ، وكان بذلك معظما مبجلا (١) ولا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد من دون الله ، يخضع له خضوعه لله ، ويعظمه بالسجود له كتعظيمه لله.

ولو أمرت أحدا أن يسجد هكذا لغير الله ، لأمرت ضعفاء شيعتنا وسائر المكلفين من شيعتنا أن يسجدوا

__________________

(٦) الأعراف ٧ : ٢٢.

(٧) الأعراف ٧ : ٢٣.

٥ ـ تفسير القمّي ١ : ٤٤.

(١) في المصدر زيادة : قبل أن خلق آدم.

(٢) حجّه : غلبه بالحجّة. «الصحاح ـ حجج ـ ١ : ٣٠٤».

٦ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام ٣٨٥ / ٢٦٥.

(١) في المصدر زيادة : له.

١٨١

لمن توسط في علوم وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومحض وداد (٢) خير خلق الله ، علي بعد محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واحتمل المكاره والبلايا في التصريح بإظهار حقوق الله ، ولم ينكر علي حقا أرقبه (٣) عليه قد كان جهله أو أغفله.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عصى الله إبليس ، فهلك لما كانت معصيته بالكبر على آدم ، وعصى الله آدم بأكل الشجرة ، فسلم ولم يهلك لما لم يقارن بمعصية التكبر على محمد وآله الطيبين. وذلك أن الله تعالى قال له : يا آدم ، عصاني فيك إبليس ، وتكبر عليك فهلك ، ولو تواضع لك بأمري ، وعظم عز جلالي لأفلح كل الفلاح كما أفلحت ، وأنت عصيتني بأكل الشجرة ، وبالتواضع لمحمد وآل محمد تفلح كل الفلاح ، وتزول عنك وصمة (٤) الزلة (٥) ، فادعني بمحمد وآله الطيبين لذلك. فدعا بهم فأفلح كل فلاح ، لما تمسك بعروتنا أهل البيت».

٤٠٥ / ٧ ـ محمد بن يعقوب : عن علي بن محمد القاساني (١) ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان المنقري ، عن عبد الرزاق بن همام ، عن معمر بن راشد ، عن الزهري ـ محمد بن مسلم بن شهاب (٢) ـ قال : سئل علي بن الحسين عليه‌السلام أي الأعمال أفضل عند الله عز وجل؟ فقال : «ما من عمل بعد معرفة الله عز وجل ومعرفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من بغض الدنيا. وإن لذلك شعبا كثيره ، وللمعاصي شعبا : فأول ما عصي الله به الكبر ، وهو معصية إبليس حين أبى واستكبر ، وكان من الكافرين.

والحرص ، وهو معصية آدم وحواء عليهما‌السلام حين قال الله عز وجل لهما : (فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٣) فأخذا ما كان لا حاجة بهما إليه ، فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة ، وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه.

ثم الحسد ، وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله ، فتشعب من ذلك : حب النساء ، وحب الدنيا ، وحب الرئاسة ، وحب الراحة ، وحب الكلام ، وحب العلو ، والثروة ، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا.

فقال الأنبياء والعلماء ـ بعد معرفة ذلك ـ : حب الدنيا رأس كل خطيئة ، والدنيا دنياءان : دنيا بلاغ (٤) ، ودنيا

__________________

(٢) محضته المودّة : أخلصتها له. «مجمع البحرين ـ محض ـ ٤ : ٢٢٩».

(٣) رقبت الشّيء ، أرقبه ، إذ أرصدته. «الصحاح ـ رقب ـ ١ : ١٣٧» ، والظاهر أنّ المراد هنا : لم ينكر حقّا جعل له ليحققه ويراعيه.

(٤) الوصم : العيب والعار. «الصحاح ـ وصم ـ ٥ : ٢٠٥٢».

(٥) الزلّة : السقطة والخطيئة. «المعجم الوسيط ـ زلل ـ ١ : ٣٩٨» ، وفي المصدر : الذلّة.

٧ ـ الكافي ٢ : ٢٣٩ / ٨.

(١) في المصدر : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعليّ بن محمّد جميعا.

(٢) في المصدر : محمّد بن مسلم بن عبيد الله ، وما في المتن نسبة إلى جدّه الأعلى ، راجع رجال الطوسي ٢٩٩ / ٣١٦ وسير أعلام النبلاء ٥ : ٣٢٦.

(٣) الأعراف ٧ : ١٩.

(٤) البلاغ : الانتهاء إلى أقصى الحقيقة ، قال الطريحي رحمه‌الله في حديث عليّ عليه‌السلام : «فإنّها دار بلغة» أي دار عمل يتبلّغ فيه من صالح الأعمال ويتزود ، ولعلّه هو المراد بهذا الحديث. «مجمع البحرين ـ بلغ ـ ٥ : ٧ و ٨».

١٨٢

ملعونة».

٤٠٦ / ٨ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن ، قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، وعبد الله بن جعفر الحميري ، قالا : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، وأحمد بن أبي عبد الله البرقي ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، قالوا : حدثنا الحسن بن محبوب ، عن محمد بن إسحاق ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن علي عليه‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «إنما كان لبث آدم وحواء في الجنة حتى أخرجا منها سبع ساعات من أيام الدنيا حتى أهبطهما الله من يومهما ذلك».

٤٠٧ / ٩ ـ محمد بن يعقوب : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن واصل بن سليمان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : أمر الله ولم يشأ ، وشاء ولم يأمر : أمر إبليس أن يسجد لآدم وشاء أن لا يسجد ، [ولو شاء لسجد] ، ونهى آدم عن أكل الشجرة وشاء أن يأكل منها ، ولو لم يشأ لم يأكل».

٤٠٨ / ١٠ ـ عنه : عن علي بن إبراهيم ، عن المختار بن محمد الهمداني ، ومحمد بن الحسن ، عن عبد الله بن الحسن العلوي ، جميعا عن الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : «إن لله إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم ، وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ، ويأمر وهو لا يشاء.

أو ما رأيت أنه نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وشاء ذلك ، ولو لم يشأ أن يأكلا لما غلبت مشيئتهما مشيئة الله ، وأمر إبراهيم أن يذبح إسحاق (١) ولم يشأ أن يذبحه ، ولو شاء ذبحه لما غلبت مشيئة إبراهيم عليه‌السلام مشيئة الله تعالى».

٤٠٩ / ١١ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان (١) ، قال : حدثنا أبو محمد بكر (٢) بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثنا تميم بن بهلول [عن أبيه] (٣) ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، فجعل أعلاها وأشرفها أرواح محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم (صلوات الله عليهم) فعرضها على السماوات والأرض والجبال ، فغشيها نورهم.

__________________

٨ ـ الخصال : ٣٩٦ / ١٠٣.

٩ ـ الكافي ١ : ١١٧ / ٣.

١٠ ـ الكافي ١ : ١١٧ / ٤.

(١) في «ط» : نسخة بدل : إسماعيل.

١١ ـ معاني الأخبار : ١٠٨ / ١.

(١) في «س» و «ط» : العطّار ، والصّواب ما أثبتناه. راجع جامع الرواة ١ : ١٢٧ ، معجم رجال الحديث ٢ : ٣٦٣ ، وكذا ورد في من لا يحضره الفقيه ١ : ١٥٤ / ٦٦٨.

(٢) في «س» : أبو محمّد أبو بكر ، وفي «ط» : أبو بكر محمّد ، والظاهر صحّة ما في المتن ، راجع رجال النجاشي : ١٠٩ / ٢٧٧ ، ومعجم رجال الحديث ٣ : ٣٤٩.

(٣) أثبتناه من المصدر ، وهو الصّواب. راجع معجم رجال الحديث ٣ : ٣٧٤ و ٣٧٨.

١٨٣

فقال الله تبارك وتعالى للسماوات والأرض والجبال : هؤلاء أحبائي ، وأوليائي ، وحججي على خلقي ، وأئمتي على بريتي ، ما خلقت خلقا هو أحب إلي منهم ، لهم ولمن تولاهم خلقت جنتي ، ولمن خالفهم وعاداهم خلقت ناري ، فمن ادعى منزلتهم ومحلهم من عظمتي عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، وجعلته من المشركين ، في أسفل درك من ناري ، ومن أقر بولايتهم ولم يدع منزلتهم مني ومكانهم من عظمتي حططته (٤) معهم في روضات جناتي ، وكان لهم (٥) ما يشاءون عندي ، وأبحتهم كرامتي ، وأحللتهم جواري ، وشفعتهم في المذنبين من عبادي وإمائي ، فولايتهم أمانة عند خلقي ، فأيكم يحملها بأثقالها ، ويدعيها لنفسه دون خيرتي؟ فأبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها ، وأشفقن من ادعاء منزلتها ، وتمني محلها من عظمة ربها.

فلما أسكن الله عز وجل آدم وزوجته الجنة ، قال لهما : (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) يعني شجرة الحنطة (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) فنظرا إلى منزلة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم عليهم‌السلام فوجداها أشرف منازل الجنة. فقالا : يا ربنا ، لمن هذه المنزلة؟

فقال الله جل جلاله : ارفعا رءوسكما إلى ساق العرش. فرفعا رؤوسهما فوجدا أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة (صلوات الله عليهم) مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الله الجبار جل جلاله.

فقالا : يا ربنا ، ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك! وما أحبهم إليك! وما أشرفهم لديك! فقال الله جل جلاله : لولاهم ما خلقتكما ، هؤلاء خزنة علمي وأمنائي على سري ، إياكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد ، وتتمنيا منزلتهم عندي ، ومحلهم من كرامتي فتدخلا بذلك في نهيي وعصياني فتكونا من الظالمين.

قالا : ربنا ، ومن الظالمون؟ قال : المدعون لمنزلتهم بغير حق.

قالا : ربنا ، فأرنا منزلة ظالميهم في نارك حتى نراها كما رأينا منزلتهم في جنتك ؛ فأمر الله تبارك وتعالى النار فأبرزت جميع ما فيها من أنواع النكال (٦) والعذاب.

وقال الله عز وجل : مكان الظالمين لهم المنزلين (٧) لمنزلتهم في أسفل درك منها (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها) (٨) و (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) (٩).

يا آدم ، ويا حواء لا تنظرا إلى أنواري وحججي بعين الحسد ، فأهبطكما من جواري ، وأحل بكما هواني.

(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ

__________________

(٤) في المصدر : جعلته.

(٥) في المصدر زيادة : فيها.

(٦) النكال : العقوبة. «مجمع البحرين ـ نكل ـ ٥ : ٤٨٦» ، وفي المصدر : ألوان النكال.

(٧) في المصدر : المدعين.

(٨) الحج ٢٢ : ٢٢.

(٩) النساء ٤ : ٥٦.

١٨٤

أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ * وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ) (١٠) ، وحملهما على تمني منزلتهم ، فنظرا إليهم بعين الحسد ، فخذلا حتى أكلا من شجرة الحنطة ، فعاد مكان ما أكلا شعيرا فأصل الحنطة كلها مما لم يأكلاه ، وأصل الشعير كله مما عاد مكان ما أكلاه ، فلما أكلا من الشجرة طار الحلي والحلل عن أجسادهما ، وبقيا عريانين (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ * قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١١) ، قال : اهبطا من جواري ، فلا يجاورني في جنتي من يعصيني ، فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش.

فلما أراد الله عز وجل أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل عليه‌السلام ، فقال لهما : إنكما ظلمتما أنفسكما بتمني منزلة من فضل عليكما ، فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عز وجل إلى أرضه ، فسلا ربكما بحق الأسماء التي رأيتماها على ساق العرش حتى يتوب عليكما.

فقالا : اللهم إنا نسألك بحق الأكرمين عليك : محمد ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن والحسين ، والأئمة عليهم‌السلام إلا تبت علينا ورحمتنا ، فتاب الله عليهما إنه هو التواب الرحيم.

فلم يزل أنبياء الله يحفظون هذه الأمانة ، ويخبرون بها أوصياءهم والمخلصين من أممهم فيأبون حملها ، ويشفقون من ادعائها ، وحملها (١٢) الذي قد عرفت ، فأصل كل ظلم منه إلى يوم القيامة ، وذلك قول الله عز وجل : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (١٣)».

٤١٠ / ١٢ ـ عنه ، قال : حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي‌الله‌عنه قال : حدثني أبي ، عن حمدان بن سليمان ، عن علي بن محمد بن الجهم ، قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليه‌السلام ، فقال له المأمون : يا ابن رسول الله ، أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ فقال : «بلى». قال : فما معنى قول الله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (١)؟! قال عليه‌السلام : «إن الله تعالى قال لآدم عليه‌السلام : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ـ وأشار لهما إلى شجرة الحنطة ـ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) ولم يقل لهما : لا تأكلا من هذه الشجرة ، ولا مما كان من جنسها.

__________________

(١) الأعراف ٧ : ٢٠ ـ ٢٢.

(٢) الأعراف ٧ : ٢٢ و ٢٣.

(٣) في المصدر زيادة : الإنسان.

(٤) الأحزاب ٣٣ : ٧٢.

١٢ ـ عيون أخبار ١ : ١٩٥ / ١.

(١) طه ٢٠ : ١٢١.

١٨٥

فلم يقربا تلك الشجرة ، وإنما أكلا من غيرها ، لما أن وسوس الشيطان إليهما ، وقال : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ) (٢) وإنما نهاكما أن تقربا غيرها ، ولم ينهكما عن الأكل منها (إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ * وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٣). ولم يكن آدم وحواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا (فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ) (٤) فأكلا منها ثقة بيمينه بالله.

وكان ذلك من آدم قبل النبوة ، ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول النار ، وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم ، فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبيا ، كان معصوما ، لا يذنب صغيرة ولا كبيرة ، وقال الله عز وجل : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى * ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (٥) وقال عز وجل : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٦)».

٤١١ / ١٣ ـ وعنه ، قال : حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رحمه‌الله ، قال : حدثنا علي بن محمد بن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان ، عن عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : يا ابن رسول الله ، أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم وحواء ، ما كانت ، فقد اختلف الناس فيها ؛ فمنهم من يروي أنها الحنطة ، ومنهم من يروي أنها العنب ، ومنهم من يروي أنها شجرة الحسد؟ فقال عليه‌السلام : «كل ذلك حق».

قلت : فما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟ فقال : «يا أبا الصلت (١) ، إن شجرة الجنة تحمل أنواعا ؛ وكان شجرة الحنطة وفيها عنب ، وليست كشجر (٢) الدنيا ، وإن آدم عليه‌السلام لما أكرمه الله تعالى ذكره ، بإسجاد ملائكته له ، وبإدخاله الجنة ، قال في نفسه : هل خلق الله بشرا أفضل مني؟

فعلم الله عز وجل ما وقع في نفسه فناداه : ارفع رأسك ـ يا آدم ـ فانظر إلى ساق عرشي ؛ فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش ، فوجد عليه مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. فقال آدم عليه‌السلام : يا رب ، من هؤلاء؟

فقال عز وجل : يا آدم ، هؤلاء من ذريتك ، وهم خير منك ومن جميع خلقي ، ولولاهم ما خلقتك ، ولا خلقت الجنة ولا النار ، ولا السماء ، ولا الأرض ، فإياك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأخرجك عن جواري.

فنظر إليهم بعين الحسد ، وتمنى منزلتهم ، فتسلط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها ،

__________________

(٢) الأعراف ٧ : ٢٠.

(٣) الأعراف ٧ : ٢٠ و ٢١.

(٤) الأعراف ٧ : ٢٢.

(٥) طه ٢٠ : ١٢١ و ١٢٢.

(٦) آل عمران ٣ : ٣٣.

١٣ ـ عيون أخبار الرّضا عليه‌السلام ١ : ٣٠٦ / ٦٧.

(١) في «س» و «ط» : يا ابن الصّلت ، وهو تصحيف ، وأبو الصّلت كنية عبد السّلام ، راجع النجاشي : ٢٤٥ / ٦٤٣ ، رجال الطوسي ٣٨٠ / ١٤.

(٢) في المصدر : كشجرة.

١٨٦

وتسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة عليها‌السلام بعين الحسد حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم عليه‌السلام ، فأخرجهما الله تعالى من (٣) جنته ، وأهبطهما من جواره إلى الأرض».

٤١٢ / ١٤ ـ العياشي : عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) : «يعني لا تأكلا منها».

٤١٣ / ١٥ ـ عن عطاء ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «إنما كان لبث آدم وحواء في الجنة حتى خرجا منها سبع ساعات من أيام الدنيا حتى أكلا من الشجرة ، فأهبطهما الله إلى الأرض من يومهما ذلك.

قال : فحاج آدم ربه ؛ فقال : يا رب ، أرأيتك قبل أن تخلقني كنت قدرت علي هذا الذنب ، وكل ما صرت وأنا صائر إليه ، أو هذا شيء فعلته أنا من قبل أن تقدره علي ، غلبتني شقوتي ، فكان ذلك مني وفعلي ، لا منك ولا من فعلك؟

قال له : يا آدم ، أنا خلقتك ، وعلمتك أني أسكنك وزوجتك الجنة ، وبنعمتي وما جعلت فيك من قوتي ، قويت بجوارحك على معصيتي ، ولم تغب عن عيني ، ولم يخل علمي من فعلك ، ولا مما أنت فاعله.

قال آدم : يا رب ، الحجة لك علي ـ يا رب ـ حين خلقتني وصورتني ونفخت في من روحك (١).

قال الله تعالى : يا آدم ، أسجدت لك ملائكتي ، ونوهت باسمك في سماواتي ، وابتدأتك بكرامتي ، وأسكنتك جنتي ، ولم أفعل ذلك إلا برضا مني عليك ، أبلوك (٢) بذلك من غير أن تكون عملت لي عملا تستوجب [به] عندي ما فعلت بك. قال آدم : يا رب ، الخير منك ، والشر مني.

قال الله : يا آدم ، أنا الله الكريم ، خلقت الخير قبل الشر ، وخلقت رحمتي قبل غضبي ، وقدمت بكرامتي قبل هواني ، وقدمت باحتجاجي قبل عذابي ـ يا آدم ـ ألم أنهك عن الشجرة؟ وأخبرك أن الشيطان عدو لك ولزوجتك؟ وأحذر كما قبل أن تصيرا إلى الجنة؟ وأعلمكما أنكما إن أكلتما من الشجرة ، كنتما ظالمين لأنفسكما ، عاصيين لي؟ يا آدم ، لا يجاورني في جنتي ظالم عاص لي.

قال : فقال : بلى ـ يا رب ـ الحجة لك علينا ، ظلمنا أنفسنا وعصينا ، وإن لم تغفر لنا وترحمنا نكن من الخاسرين. قال : فلما أقرا لربهما بذنبهما ، وأن الحجة من الله لهما ، تداركتهما رحمة الرحمن الرحيم ، فتاب عليهما ربهما ، إنه هو التواب الرحيم.

قال الله : يا آدم ، اهبط أنت وزوجتك إلى الأرض ، فإذا أصلحتما أصلحتكما ، وإن عملتما لي قويتكما ، وإن

__________________

(٣) في المصدر : عن.

١٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٣٥ / ٢٠.

١٥ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٣٥ / ٢١.

(١) في المصدر : من روحي.

(٢) في المصدر : ابتليتك.

١٨٧

تعرضتما لرضاي تسارعت إلى رضاكما ، وإن خفتما مني آمنتكما من سخطي. قال : فبكيا عند ذلك ، وقالا : ربنا ، فأعنا على صلاح أنفسنا ، وعلى العمل بما يرضيك عنا.

قال الله لهما : إذا عملتما سوءا فتوبا إلي منه أتب عليكما ، وأنا الله التواب الرحيم.

قالا : فأهبطنا برحمتك إلى أحب البقاع إليك ؛ قال : فأوحى الله إلى جبرئيل : أن أهبطهما إلى البلدة المباركة مكة ، قال : فهبط بهما جبرئيل فألقى آدم على الصفا ، وألقى حواء على المروة.

قال : فلما ألقيا قاما على أرجلهما ، ورفعا (٣) رؤوسهما إلى السماء ، ورفعا أصواتهما بالبكاء إلى الله تعالى ، وخضعا بأعناقهما. قال : فهتف الله بهما : ما يبكيكما بعد رضاي عنكما؟

قال : فقالا : ربنا ، أبكتنا خطيئتنا ، وهي التي أخرجتنا من جوار ربنا ، وقد خفي عنا تقديس ملائكتك لك ـ ربنا ـ وبدت لنا عوراتنا ، واضطرنا ذنبنا إلى حرث الدنيا ومطعمها ومشربها ، ودخلتنا وحشة شديدة لتفريقك بيننا.

قال : فرحمهما الرحمن الرحيم عند ذلك ، وأوحى إلى جبرئيل : أنا الله الرحمن الرحيم ، وإني قد رحمت آدم وحواء لما شكيا إلي ، فاهبط عليهما بخيمة من خيام الجنة ، وعزهما عني بفراق الجنة ، واجمع بينهما في الخيمة ، فإني قد رحمتهما لبكائهما ووحشتهما ووحدتهما ، وانصب لهما الخيمة على الترعة (٤) التي بين جبال مكة.

قال : والترعة مكان البيت وقواعده التي رفعتها الملائكة قبل ذلك ، فهبط جبرئيل على آدم بالخيمة على مكان (٥) أركان البيت وقواعده فنصبها ، قال : وأنزل جبرئيل آدم من الصفا ، وأنزل حواء من المروة ، وجمع بينهما في الخيمة ، قال : وكان عمود الخيمة قضيب ياقوت أحمر ، فأضاء نوره وضوؤه جبال مكة وما حولها ، قال : وامتد ضوء العمود ، فجعله الله حرما (٦) لحرمة الخيمة والعمود ، لأنهما من الجنة.

قال : ولذلك جعل الله الحسنات في الحرم مضاعفة ، والسيئات فيه مضاعفة ، قال : ومدت أطناب الخيمة حولها (٧) ، فمنتهى أوتادها ما حول المسجد الحرام ، قال : وكانت أوتادها من غصون الجنة ، وأطنابها من ضفائر الأرجوان (٨). قال : فأوحى الله إلى جبرئيل : أهبط على الخيمة سبعين ألف ملك يحرسونها (٩) من مردة الجن ، ويؤنسون آدم وحواء ، ويطوفون حول الخيمة تعظيما للبيت والخيمة.

قال : فهبطت الملائكة فكانوا بحضرة الخيمة يحرسونها من مردة الشياطين والعتاة ، ويطوفون حول أركان

__________________

(٣) في المصدر : وضجّا.

(٤) الترعة : الروضة والباب ، ويقال : الدرجة. «الصحاح ـ ترع ـ ٣ : ١١٩١».

(٥) في المصدر : على مقدار.

(٦) في المصدر زيادة : فهو مواضع الحرم اليوم ، كلّ ناحية من حيث بلغ ضوء العمود جعله حرما.

(٧) في المصدر : حولهما.

(٨) الأرجوان : شجر من الفصيلة القرنية ، له زهر شديد الحمرة حسن المنظر. «المعجم الوسيط ـ ارج ـ ١ : ١٣».

(٩) في المصدر : يحرسونهما.

١٨٨

البيت والخيمة كل يوم وليلة ، كما (١٠) يطوفون في السماء حول البيت المعمور.

قال : وأركان البيت الحرام في الأرض حيال (١١) البيت المعمور الذي في السماء ، قال : ثم إن الله أوحى إلى جبرئيل بعد ذلك : أن أهبط إلى آدم وحواء فنحهما عن مواضع قواعد بيتي ، لأني أريد أن أهبط في ظلال من ملائكتي إلى أرضي ، فارفع أركان بيتي لملائكتي ولخلقي من ولد آدم.

قال : فهبط جبرئيل على آدم وحواء فأخرجهما من الخيمة ، ونحاهما (١٢) عن ترعة البيت الحرام ، ونحى الخيمة عن موضع الترعة ، قال : ووضع آدم على الصفا ، ووضع حواء على المروة ، ورفع الخيمة إلى السماء.

فقال آدم وحواء : يا جبرئيل ، بسخط من الله عليكما ، ولكن الله لا يسأل عما يفعل ـ يا آدم ـ إن السبعين ألف ملك الذين أنزلهم الله إلى الأرض ليؤنسوك ويطوفوا حول أركان البيت والخيمة ، سألوا الله أن يبني لهم مكان الخيمة بيتا على موضع الترعة المباركة ، حيال البيت المعمور ، فيطوفون حوله كما كانوا يطوفون في السماء حول البيت المعمور ، فأوحى الله إلي أن أنحيك وحواء ، وأرفع الخيمة إلى السماء.

فقال آدم : رضينا بتقدير الله ونافذ أمره فينا ، فكان آدم على الصفا ، وحواء على المروة ، قال : فداخل آدم لفراق حواء وحشة شديدة وحزن.

قال : فهبط من الصفا يريد المروة شوقا إلى حواء وليسلم عليها ، وكان فيما بين الصفا والمروة واد ، وكان آدم يرى المروة من فوق الصفا ، فلما انتهى [إلى] موضع الوادي غابت عنه المروة ، فسعى في الوادي حذرا لما لم ير المروة مخافة أن يكون قد ضل عن طريقه ، [فلما أن جاز الوادي] وارتفع عنه نظر إلى المروة ، فمشى حتى انتهى إلى المروة ، فصعد عليها ، فسلم على حواء.

ثم أقبلا بوجههما نحو موضع الترعة ينظران هل رفع قواعد البيت ، ويسألان الله أن يردهما إلى مكانهما حتى هبط من المروة فرجع إلى الصفا فقام عليه ، وأقبل بوجهه نحو موضع الترعة فدعا الله ، ثم إنه اشتاق إلى حواء ، فهبط من الصفا يريد المروة ، ففعل مثل ما فعله في المرة الأولى ، ثم رجع إلى الصفا ففعل عليه مثل ما فعل في المرة الأولى ، ثم إنه هبط من الصفا إلى المروة ففعل مثل ما فعل في المرتين الأوليين.

ثم رجع إلى الصفا فقام عليه ، ودعا الله أن يجمع بينه وبين زوجته حواء ، قال : فكان ذهاب آدم من الصفا إلى المروة ثلاث مرات ، ورجوعه ثلاث مرات ، فذلك ستة أشواط ، فلما أن دعوا الله وبكيا إليه وسألاه أن يجمع بينهما ، استجاب الله لهما من ساعتهما من يومهما ذلك مع زوال الشمس.

فأتاه جبرئيل وهو على الصفا واقف يدعو الله مقبلا بوجهه نحو الترعة ، فقال له جبرئيل : انزل ـ يا آدم ـ من

__________________

(١٠) في المصدر : كما كانوا.

(١١) الحيال : قبالة الشيء. «المعجم الوسيط ـ حال ـ ١ : ٢٠٩».

(١٢) في المصدر : ونهاهما.

١٨٩

الصفا فالحق بحواء ، فنزل آدم من الصفا إلى المروة ، ففعل (١٣) ما فعل في الثلاث مرات حتى انتهى إلى المروة فصعد عليها ، وأخبر حواء بما أخبره جبرئيل ، ففرحا بذلك فرحا شديدا ، وحمدا الله وشكراه ، فلذلك جرت السنة بالسعي بين الصفا والمروة ، ولذلك قال الله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (١٤).

قال : ثم إن جبرئيل أتاهما فأنزلهما من المروة ، وأخبرهما أن الجبار تبارك وتعالى قد هبط إلى الأرض فرفع قواعد البيت الحرام بحجر من الصفا ، وحجر من المروة ، وحجر من طور سيناء (١٥) وحجر من جبل السلام ، وهو ظهر الكوفة.

فأوحى [الله] إلى جبرئيل أن ابنه وأتمه ، قال : فاقتلع جبرئيل الأحجار الأربعة بأمر الله من مواضعهن بجناحيه ، فوضعها ـ حيث أمره الله ـ في أركان البيت على قواعده التي قدرها الله الجبار ، ونصب أعلامها.

ثم أوحى الله إلى جبرئيل أن ابنه وأتمه بحجارة من أبي قبيس (١٦) ، واجعل له بابين : باب شرقي ، وباب غربي ، قال : فأتمه جبرئيل ، فلما أن فرغ منه طافت الملائكة حوله ، فلما نظر آدم وحواء إلى الملائكة يطوفون حول البيت انطلقا فطافا بالبيت سبعة أشواط ، ثم خرجا يطلبان ما يأكلان ، وذلك من يومهما الذي هبط بهما فيه».

٤١٤ / ١٦ ـ عن جابر الجعفي ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : «إن الله اختار من الأرض جميعا مكة ، واختار من مكة بكة (١) ، فأنزل في بكة سرادقا (٢) من نور محفوفا بالدر والياقوت ، ثم أنزل في وسط السرادق عمدا أربعة ، وجعل بين العمد الأربعة لؤلؤة بيضاء ، وكان طولها سبعة أذرع في ترابيع البيت ، وجعل فيها نورا من نور السرادق بمنزلة القناديل (٣) ، وكانت العمد (٤) أصلها في الثرى والرؤوس تحت العرش.

وكان الربع الأول من زمرد أخضر ، والربع الثاني من ياقوت أحمر ، والربع الثالث من لؤلؤ أبيض ، والربع الرابع من نور ساطع ، وكان البيت ينزل فيما بينهم مرتفعا من الأرض ، وكان نور القناديل يبلغ إلى موضع الحرم ، وكان أكبر القناديل مقام إبراهيم ، فكانت القناديل ثلاثمائة وستين قنديلا. فالركن الأسود باب الرحمة ، إلى الركن الشامي فهو

__________________

(١٣) في المصدر زيادة : مثل.

(١٤) البقرة ٢ : ١٥٨.

(١٥) طور سيناء : وهو اسم جبل بقرب أيلة ، وعنده بليد فتح في زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما أظنّه إلاّ كورة بمصر ، وقال الجوهري : طور سيناء جبل بالشّام. «معجم البلدان ٤ : ٤٨».

(١٦) أبو قبيس : وهو اسم الجبل المشرف على مكّة. «معجم البلدان ١ : ٨٠».

١٦ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٣٩ / ٢٢.

(١) بكّة : هي مكّة ، بيت الله الحرام ، وقيل : بطن مكّة ، وقيل : موضع البيت المسجد الحرام ومكّة وما وراءه ، وقيل : البيت مكّة وما والاه بكّة.

«معجم البلدان ١ : ٤٧٥».

(٢) السّرادق : كل ما أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خباء ، وقيل : ما يمدّ فوق البيت. «مجمع البحرين ـ سردق ـ ٥ : ١٨٦».

(٣) القنديل : مصباح كالكوب في وسطه فتيل ، يملأ بالماء والزيت ويشعل. «المعجم الوسيط ـ قندل ـ ٢ : ٧٦٢».

(٤) «س» : وكانت له أعمد.

١٩٠

باب الإنابة ، وباب الركن الشامي باب التوسل ، وباب الركن اليماني باب التوبة ، وهو باب آل محمد عليهم‌السلام وشيعتهم إلى الحجر ؛ فهذا البيت حجة الله في أرضه على خلقه.

فلما هبط آدم إلى الأرض هبط على الصفا ، ولذلك اشتق الله له اسما من اسم آدم ، لقول الله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ) (٥) ونزلت حواء على المروة فاشتق الله لها اسما من اسم المرأة ، وكان آدم نزل بمرآة من الجنة ، فلما لم يعلق آدم المرآة إلى جنب المقام ، وكان يركن إليه ، سأل ربه أن يهبط البيت إلى الأرض ، فأهبط فصار على وجه الأرض ، فكان آدم يركن إليه ، وكان ارتفاعه عن الأرض سبعة أذرع ، وكانت له أربعة أبواب ، وكان عرضها خمسة وعشرين ذراعا في خمسة وعشرين ذراعا ترابيعه ، وكان السرادق مائتي ذراع في مائتي ذراع».

٤١٥ / ١٧ ـ عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «كان إبليس أول من تغنى ، وأول من ناح [وأول من حدا] ؛ لما أكل آدم من الشجرة تغنى ، فلما أهبط حدا ، فلما استقر (١) على الأرض ناح ، يذكره ما في الجنة».

قوله تعالى :

(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [٣٧] قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [٣٨]

٤١٦ / ١ ـ محمد بن يعقوب : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم صاحب الشعير (١) ، عن كثير بن كلثمة ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، في قول الله عز وجل : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) قال : «لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي وأنت خير الغافرين ، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني وأنت خير الراحمين ، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم».

__________________

(٥) آل عمران ٣ : ٣٣.

١٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٠ / ٢٣.

(١) في المصدر : استتر.

سورة البقرة آية ـ ٣٧ ـ ٣٨ ـ

١ ـ الكافي ٨ : ٣٠٤ / ٤٧٢.

(١) في «س» : إبراهيم صاحب الشعيري ، وكأنّ (الشعيري) نسخة بدل عن (صاحب الشعير) حيث عرف بهذين اللقبين. راجع معجم رجال الحديث ١ : ٣٦٠.

١٩١

٤١٧ / ٢ ـ قال الكليني : وفي رواية أخرى : في قوله عز وجل : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) قال : «سأله بحق محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة (صلى الله عليهم)».

٤١٨ / ٣ ـ علي بن إبراهيم ، قال : حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن آدم عليه‌السلام بقي على الصفا أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة وعلى خروجه (١) من جوار الله (٢) عز وجل ، فنزل عليه جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا آدم ، مالك تبكي؟ فقال : يا جبرئيل ، ما لي لا أبكي وقد أخرجني الله من جواره ، وأهبطني إلى الدنيا.

قال : يا آدم ، تب إليه ، قال : وكيف أتوب؟ فأنزل الله عليه قبة من نور في موضع البيت فسطع نورها في جبال مكة فهو الحرم ، فأمر الله عز وجل جبرئيل عليه‌السلام أن يضع عليه الأعلام ، قال : قم ، يا آدم ، فخرج به يوم التروية ، وأمره أن يغتسل ويحرم.

وأخرج من الجنة أول يوم من ذي القعدة ، فلما كان اليوم الثامن من ذي الحجة أخرجه جبرئيل إلى منى فبات بها ، فلما أصبح أخرجه إلى عرفات ، وقد كان علمه حين أخرجه من مكة الإحرام وأمره بالتلبية (٣) ، فلما زالت الشمس يوم عرفة قطع التلبية وأمره أن يغتسل ، فلما صلى العصر وقفه بعرفات ، وعلمه الكلمات التي تلقاها من ربه ، وهي : سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت ، عملت سوءا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي ، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم ، سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت ، عملت سوءا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي ، فاغفر لي إنك خير الغافرين ، سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت ، عملت سوءا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي ، فاغفر لي إنك أنت التواب الرحيم.

فبقي آدم إلى أن غابت الشمس رافعا يديه إلى السماء يتضرع ويبكي إلى الله ، فلما غربت الشمس رده إلى المشعر فبات به ، فلما أصبح قام على المشعر الحرام فدعا الله تعالى بكلمات وتاب عليه ، ثم أفاض (٤) إلى منى ، وأمره جبرئيل أن يحلق الشعر الذي عليه فحلق.

ثم رده إلى مكة فأتى به إلى الجمرة (٥) الأولى ، فعرض له إبليس عندها ، فقال : يا آدم ، أين تريد؟ فأمره جبرئيل أن يرميه بسبع حصيات ، وأن يكبر مع كل حصاة تكبيرة ففعل ؛ ثم ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة الثانية ، فأمره أن يرميه بسبع حصيات ، فرمى وكبر مع كل حصاة تكبيرة ؛ ثم ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة

__________________

٢ ـ الكافي ٨ : ٣٠٥ ذيل الحديث ٤٧٢. وروى نحوه ابن المغازلي في المناقب : ٦٣ / ٨٩ ، الدّر المنثور ١ : ١٤٧ ، ينابيع المودّة : ٦٧.

٣ ـ تفسير القمّي ١ : ٤٤.

(١ ، ٢) في المصدر زيادة : من الجنّة.

(٣) في المصدر : وعلّمه التلبية.

(٤) في المصدر : أفضى.

(٥) في المصدر : عند الجمرة.

١٩٢

الثالثة ، فأمره أن يرميه بسبع حصيات ويكبر (٦) عند كل حصاة ، فرمى وكبر مع كل حصاة تكبيرة ، فذهب إبليس لعنه الله. وقال له جبرئيل : إنك لن تراه بعد هذا اليوم أبدا ، فانطلق به إلى البيت الحرام ، وأمره أن يطوف به سبع مرات ، ففعل. فقال له : إن الله قد قبل توبتك ، وحلت لك زوجتك».

قال : «فلما قضى آدم حجه لقيته الملائكة بالأبطح (٧) ، فقالوا : يا آدم ، بر حجك (٨) ، أما إنا قد حججنا قبلك هذا البيت بألفي عام».

٤١٩ / ٤ ـ علي بن إبراهيم : وحدثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «كان عمر آدم يوم خلقه الله إلى يوم قبضه تسعمائة وثلاثين سنة ، ودفن بمكة ، ونفخ فيه يوم الجمعة بعد الزوال ، ثم برأ زوجته من أسفل أضلاعه ، وأسكنه جنته من يومه ذلك ، فما استقر فيها إلا ست ساعات من يومه ذلك حتى عصى الله ، وأخرجهما من الجنة بعد غروب الشمس ، فما بات فيها».

٤٢٠ / ٥ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا علي بن الفضل بن العباس البغدادي ، قال : قرأت على أحمد بن محمد بن سليمان بن الحارث ، قال : حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار ، قال : حدثنا حسين الأشقر ، قال : حدثنا عمر بن أبي المقدام ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه؟ قال : «سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي ، فتاب الله عليه».

٤٢١ / ٦ ـ وعنه ، قال : حدثني محمد بن موسى بن المتوكل ، قال : حدثني محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد (١) ، عن العباس بن معروف ، عن بكر بن محمد ، قال : حدثني أبو سعيد المدائني يرفعه ، في قول الله عز وجل : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) قال : «سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام».

٤٢٢ / ٧ ـ العياشي : عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله حين أهبط آدم إلى الأرض ، أمره أن يحرث بيده فيأكل من كده بعد الجنة ونعيمها ، فلبث يجأر (١) ويبكي على الجنة مائتي

__________________

(٦) (ويكبر) ليس في المصدر.

(٧) الأبطح : يضاف إلى مكّة وإلى منى ، لأنّ المسافة بينه وبينهما واحدة ، وربّما كان إلى منى أقرب ، وهو المحصّب ، وذكر بعضهم أنّه إنّما سمّي أبطح لأنّ آدم عليه‌السلام بطّح فيه. «معجم البلدان ١ : ٧٤».

(٨) برّ الله حجّك ، أي قبله. «لسان العرب ـ برر ـ ٤ : ٥٣».

٤ ـ تفسير القمّي ١ : ٤٥.

٥ ـ معاني الأخبار : ١٢٥ / ١.

٦ ـ معاني الأخبار : ١٢٥ / ٢.

(١) في «س» و «ط» : حدّثني يحيى بن أحمد ، وهو سهو ، وهما محمّد بن يحيى العطّار وشيخه أحمد بن محمّد بن عيسى ، راجع معجم رجال الحديث ٢ : ٢٩٦ ـ ٣١٨ و ١٨ : ٤٠ و ٤١.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٠ / ٢٤.

(١) جأر الرجل إلى الله عزّ وجلّ ، أي تضرّع بالدعاء. «الصحاح ـ جأر ـ ٢ : ٦٠٧».

١٩٣

سنة ، ثم إنه سجد الله سجدة فلم يرفع رأسه ثلاثة أيام ولياليها. ثم قال : أي رب ، ألم تخلقني؟ فقال الله : قد فعلت (٢). قال : أو لم تسبق لي رحمتك غضبك؟ قال الله : قد فعلت ، فهل صبرت أو شكرت؟

قال آدم : لا إله إلا أنت سبحانك إني ظلمت نفسي ، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم ؛ فرحمه‌الله بذلك وتاب عليه ، إنه هو التواب الرحيم».

٤٢٣ / ٨ ـ محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قال : «الكلمات التي تلقاهن آدم من ربه فتاب عليه وهدى ، قال : سبحانك اللهم وبحمدك ـ رب ـ إني عملت سوءا وظلمت نفسي ، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم (١) ، اللهم إنه لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك (إني عملت سوءا وظلمت نفسي ، فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين ، اللهم إنه لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك) (٢) ، إني عملت سوءا وظلمت نفسي ، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم».

٤٢٤ / ٩ ـ وقال الحسن بن راشد : إذا استيقظت من منامك ، فقل الكلمات التي تلقاها آدم من ربه : «سبوح قدوس ، رب الملائكة والروح ، سبقت رحمتك غضبك ، لا إله إلا أنت ، إني ظلمت نفسي ، فاغفر لي وارحمني ، إنك أنت التواب الرحيم الغفور».

٤٢٥ / ١٠ ـ عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إن الله تبارك وتعالى عرض على آدم في الميثاق ذريته ، فمر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو متكئ على علي عليه‌السلام ، وفاطمة (صلوات الله عليها) تتلوهما ، والحسن والحسين (صلوات الله عليهما) يتلوان فاطمة ، فقال الله : يا آدم ، إياك أن تنظر عليهم بحسد ، أهبطك من جواري.

فلما أسكنه الله الجنة ، مثل له النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) فنظر إليهم بحسد ، ثم عرضت عليه الولاية فأنكرها فرمته الجنة بأوراقها ، فلما تاب إلى الله من حسده وأقر بالولاية ودعا بحق الخمسة ؛ محمد ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) غفر الله له ، وذلك قوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) الآية».

٤٢٦ / ١١ ـ عن محمد بن عيسى بن عبد الله العلوي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي عليه‌السلام قال : «الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ، قال : يا رب ، أسألك بحق محمد لما تبت علي ؛ قال : وما علمك بمحمد؟ قال : رأيته في سرادقك الأعظم مكتوبا وأنا في الجنة».

__________________

(٢) في المصدر زيادة :

فقال : ألم تنفخ في من روحك؟ قال : قد فعلت. قال : ألم تسكنّي جنّتك؟ قال : قد فعلت.

٨ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤١ / ٢٥.

(١) في المصدر : فاغفر لي إنّك خير الغافرين.

(٢) ليس في المصدر.

٩ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤١ / ٢٦.

١٠ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤١ / ٢٧.

١١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤١ / ٢٨.

١٩٤

٤٢٧ / ١٢ ـ وقال الإمام أبو محمد العسكري عليه‌السلام : «قال الله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) يقولها ، فقالها (فَتابَ عَلَيْهِ) بها (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التواب (١) القابل التوب ، الرحيم بالتائبين (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) كان أمر في الأول أن يهبطا ، وفي الثاني أمرهم أن يهبطوا جميعا ، لا يتقدم أحدهم (٢) الآخر.

والهبوط إنما كان هبوط آدم وحواء من الجنة ، وهبوط الحية أيضا منها ، فإنها كانت من أحسن دوابها ، وهبوط إبليس من حواليها ، فإنه كان محرما عليه دخولها.

(فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) يأتيكم وأولادكم من بعدكم (مِنِّي هُدىً) يا آدم ، ويا إبليس (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) لا خوف عليهم حين يخاف المخالفون ، ولا يحزنون إذ يحزنون».

قال : «فلما زلت من آدم الخطيئة ، واعتذر إلى ربه عز وجل ، قال : يا رب ، تب علي ، واقبل معذرتي ، وأعدني إلى مرتبتي ، وارفع لديك درجتي ، فلقد تبين نقص الخطيئة وذلها بأعضائي وسائر بدني.

قال الله تعالى : يا آدم ، أما تذكر أمري إياك بأن تدعوني بمحمد وآله الطيبين عند شدائدك ودواهيك ، في النوازل التي تبهظك (٣)؟ قال آدم : يا رب بلى.

قال الله عز وجل (٤) : فتوسل بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين خصوصا ، وادعني أجبك إلى ملتمسك ، وأزدك فوق مرادك ، فقال آدم : يا رب ، يا إلهي ، وقد بلغ عندك من محلهم أنك بالتوسل بهم تقبل توبتي وتغفر خطيئتي ، وأنا الذي أسجدت له ملائكتك ، وأسكنته (٥) جنتك ، وزوجته حواء أمتك ، وأخدمته كرام ملائكتك! قال الله تعالى : يا آدم ، إنما أمرت الملائكة بتعظيمك ـ بالسجود لك ـ إذ كنت وعاء لهذه الأنوار ، ولو كنت سألتني بهم قبل خطيئتك أن أعصمك منها ، وأن أفطنك لدواعي عدوك إبليس حتى تحترز منها ، لكنت قد فعلت (٦) ذلك ، ولكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقا لعلمي ، والآن فبهم فادعني لأجيبك.

فعند ذلك قال آدم : اللهم ، بجاه محمد وآله الطيبين ، بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم لما تفضلت علي بقبول توبتي ، وغفران خطيئتي (٧) ، وإعادتي من كراماتك إلى مرتبتي.

فقال الله عز وجل : قد قبلت توبتك ، وأقبلت برضاي (٨) عليك ، وصرفت آلائي إليك ، وأعدتك إلى

__________________

١٢ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه‌السلام :) ٢٢٤ / ١٠٥ و ١٠٦.

(١) في المصدر : للتوبات.

(٢) في «ط» : أحدكم.

(٣) بهظه الحمل : أثقله وعجز عنه. «مجمع البحرين ـ بهظ ـ ٤ : ٢٨٣».

(٤) في «س» زيادة : فبهم.

(٥) في المصدر : وأبحته.

(٦) في المصدر : جعلت.

(٧) في المصدر : زلّتي.

(٨) في المصدر : برضواني.

١٩٥

مرتبتك من كراماتي ، ووفرت نصيبك من رحماتي. فذلك قوله عز وجل : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).

ثم قال الله عز وجل للذين أهبطهم من آدم وحواء وإبليس والحية : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) (٩) مقام فيها تعيشون ، وتحثكم لياليها وأيامها إلى السعي إلى الآخرة ، فطوبى لمن تزود منها لدار البقاء (وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (١٠) لكم في الأرض منفعة إلى حين موتكم ، لأن الله تعالى منها يخرج زروعكم وثماركم ، وبها ينزلكم (١١) وينعمكم ، وفيها أيضا بالبلايا يمتحنكم ؛ يلذذكم بنعيم الدنيا تارة ليذكركم بنعيم الآخرة الخالص ، مما ينقص نعيم الدنيا ويبطله ، ويزهد فيه ويصغره ويحقره ، ويمتحنكم تارة ببلايا الدنيا التي قد تكون في خلالها الرحمات (١٢) ، وفي تضاعيفها النقمات المجحفة التي (١٣) تدفع عن المبتلى بها مكارهها ، ليحذركم بذلك عذاب الأبد الذي لا يشوبه عافية ، ولا يقع في تضاعيفه راحة ولا رحمة».

٤٢٨ / ١٣ ـ وقال الإمام أبو محمد العسكري عليه‌السلام : «قال علي بن الحسين عليه‌السلام : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : يا عباد الله ، إن آدم لما رأى النور ساطعا من صلبه ، إذ كان تعالى قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره ، رأى النور ولم يتبين الأشباح ، فقال : يا رب ، ما هذه الأنوار؟ قال الله عز وجل : أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ، ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك ، إذ كنت وعاء لتلك الأشباح.

فقال آدم : يا رب ، لو بينتها لي؟ فقال الله عز وجل : انظر ـ يا آدم ـ إلى ذروة العرش. فنظر آدم عليه‌السلام ووقع نور أشباحنا من ظهر آدم عليه‌السلام على ذروة العرش ، فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره ـ كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية ـ فرأى أشباحنا.

فقال : ما هذه الأشباح ، يا رب؟ قال الله تعالى : يا آدم ، هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي ، هذا محمد ، وأنا المحمود الحميد في أفعالي ، شققت له اسما من اسمي ، وهذا علي ، وأنا العلي العظيم ، شققت له اسما من اسمي ، وهذه فاطمة ، وأنا فاطر السماوات والأرض ، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل القضاء ، وفاطم أوليائي مما يعتريهم ويشينهم (١) ، فشققت لها اسما من اسمي ، وهذان الحسن والحسين ، وأنا المحسن المجمل ، شققت اسمهما (٢) من اسمي. هؤلاء خيار خليقتي ، وكرام بريتي ، بهم آخذ وبهم أعطي ، وبهم أعاقب وبهم أثيب ، فتوسل

__________________

(٩ ، ١٠) البقرة ٢ : ٣٦.

(١١) في المصدر : ينزّهكم.

(١٢) في «ط» : الزحمات.

(١٣) في المصدر : وفي تضاعيفها النعم التي.

١٣ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢١٩ / ١٠٢.

(١) في المصدر : عمّا يعرّهم ويسيئهم.

(٢) في المصدر : اسميهما.

١٩٦

بهم إلي ـ يا آدم ـ وإذا دهتك داهية فاجعلهم إلي شفعاءك ، فإني آليت على نفسي قسما حقا أن لا أخيب لهم آملا ، ولا أرد لهم سائلا. فلذلك حين زلت منه الخطيئة دعا الله عز وجل بهم ، فتاب عليه وغفر له».

وسيأتي إن شاء الله تعالى في معنى الذي به تاب الله على آدم حديث في قوله تعالى : (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) الآية (٣).

٤٢٩ / ١٤ ـ ابن بابويه ، بإسناده عن معمر بن راشد ، قال : سمعت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام يقول : «أتى يهودي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقام بين يديه ، وجعل يحد النظر إليه ، فقال : يا يهودي ، ما حاجتك؟ فقال : أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله ، وأنزل عليه التوراة والعصا ، وفلق له البحر ، وظلله الغمام؟

فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يكره للعبد أن يزكي نفسه ، ولكن أقول : إن آدم عليه‌السلام لما أصاب الخطيئة كانت توبته [أن قال] : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي ؛ فغفر (١) الله له ، وإن نوحا لما ركب السفينة وخاف الغرق ، قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما نجيتني من الغرق ؛ فنجاه الله منه (٢) ، وإن إبراهيم عليه‌السلام لما ألقي في النار ، قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما نجيتني منها ؛ فجعلها عليه بردا وسلاما ، وإن موسى لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة ، قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما نجيتني (٣) ؛ فقال الله جل جلاله : (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) (٤).

يا يهودي ، لو أدركني موسى ولم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئا ، ولا نفعته النبوة. يا يهودي ، ومن ذريتي المهدي ، إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته ، وقدمه وصلى خلفه».

٤٣٠ / ١٥ ـ ابن شهر آشوب : عن النطنزي في (الخصائص) أنه قال ابن عباس : لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس ، فقال : الحمد لله ، فقال له ربه : يرحمك ربك.

فلما أسجد له الملائكة تداخله العجب ، فقال : يا رب ، خلقت خلقا هو أحب إليك مني؟! قال : نعم ، ولولاهم ما خلقتك. قال : يا رب ، فأرنيهم ، فأوحى الله عز وجل إلى ملائكة الحجب : أن ارفعوا الحجب ؛ فلما رفعت إذا آدم بخمسة أشباح قدام العرش. قال : يا رب ، من هؤلاء؟ قال : يا آدم ، هذا محمد نبيي ، وهذا علي أمير المؤمنين ابن عم نبيي ووصيه ، وهذه فاطمة بنت نبيي ، وهذان الحسن والحسين ابنا علي وولدا نبيي.

ثم قال : يا آدم ، هم ولدك. ففرح بذلك ، فلما اقترف الخطيئة ، قال : يا رب ، أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة

__________________

(٣) يأتي في الحديث (١) من تفسير الآية (٨٨) من هذه السورة.

١٤ ـ أمالي الصّدوق : ١٨١ / ٤.

(١) في المصدر : فغفرها.

(٢) في المصدر : عنه.

(٣) في المصدر : آمنتي.

(٤) طه ٢٠ : ٦٨.

١٥ ـ ... أخرجه في إحقاق الحقّ ٩ : ١٠٥ عن أرجح المطالب : ٣٢٠ ، غاية المرام : ٣٩٣ / ٢.

١٩٧

والحسن والحسين لما غفرت لي ، فغفر الله له. فهذا الذي قال الله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) إن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه : اللهم بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي ، فتاب الله عليه.

٤٣١ / ١٦ ـ وعن القاضي أبي عمرو عثمان بن أحمد أحد شيوخ السنة ، يرفعه إلى ابن عباس ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لما شملت آدم الخطيئة نظر إلى أشباح تضيء حول العرش ، فقال : يا رب ، إني أرى أنوار أشباح تشبه خلقي ، فما هي؟

قال : هذه الأنوار أشباح اثنين من ولدك : اسم أحدهم محمد أبدأ النبوة بك وأختمها به ، والآخر أخوه وابن أخي أبيه اسمه علي ، أؤيد محمدا به وأنصره على يده ، والأنوار التي حولهما أنوار ذرية هذا النبي من أخيه هذا ، يزوجه ابنته تكون له زوجة ، يتصل بها أول الخلق إيمانا به وتصديقا له ، أجعلها سيدة النسوان ، وأفطمها وذريتها من النيران ، فتنقطع الأسباب والأنساب يوم القيامة إلا سببه ونسبه. فسجد آدم شكرا لله أن جعل ذلك في ذريته ، فعوضه الله عن ذلك السجود أن أسجد له ملائكته».

٤٣٢ / ١٧ ـ وعن الصادق عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) : «أن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه : اللهم بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي ؛ فتاب الله عليه».

٤٣٣ / ١٨ ـ العياشي : عن جابر ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن تفسير هذه الآية في باطن القرآن : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). قال : «تفسير الهدى علي عليه‌السلام ، قال الله فيه : (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)».

قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [٣٩])

٤٣٤ / ١ ـ الإمام أبو محمد العسكري عليه‌السلام ، قال : «قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) الدالات على صدق محمد على ما جاء به من أخبار القرون السالفة ، وعلى ما أداه إلى عباد الله من ذكر تفضيله لعلي وآله الطيبين خير الفاضلين والفاضلات ، بعد محمد سيد البريات (أُولئِكَ) الدافعون لصدق محمد في إنبائه ، والمكذبون له في نصب أوليائه : علي سيد الأوصياء ، والمنتجبين من ذريته الطاهرين (أصحاب النار هم

__________________

١٦ ـ ... غاية المرام : ٣٩٣ / ٣.

١٧ ـ معاني الأخبار : ١٢٥ / ١ ، المناقب لابن المغازلي ٦٣ / ٨٩ كلاهما عن ابن عباس «نحوه».

١٨ ـ تفسير العياشي ١ : ٤١ / ٢٩.

سورة البقرة آية ـ ٣٩ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٢٧ / ١٠٦.

١٩٨

فيها خالدون).

قوله تعالى :

يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي

أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [٤٠]

٤٣٥ / ١ ـ قال الإمام أبو محمد العسكري عليه‌السلام : «قال الله عز وجل : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) (١) لما بعثت محمدا وأقررته في مدينتكم ، ولم أجشمكم (٢) الحط والترحال إليه ، وأوضحت علاماته ودلائل صدقه لئلا يشتبه عليكم حاله.

(وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) الذي أخذته على أسلافكم أنبياؤكم ، وأمروا (٣) أن يؤدوه إلى أخلافهم ، ليؤمنن (٤) بمحمد العربي القرشي الهاشمي ، المبان بالآيات ، والمؤيد بالمعجزات التي منها : أن كلمته ذراع مسمومة ، وناطقه ذئب ، وحن عليه عود المنبر ، وكثر الله له القليل من الطعام ، وألان له الصلب من الأحجار ، وصلب له المياه السيالة ، ولم يؤيد نبيا من أنبيائه بدلالة إلا جعل له مثلها أو أفضل منها.

والذي جعل من أكبر أوليائه (٥) علي بن أبي طالب عليه‌السلام شقيقه ورفيقه ؛ عقله من عقله ، وعلمه من علمه ، وحلمه من حلمه ، مؤيد دينه بسيفه الباتر ، بعد أن قطع معاذير المعاندين بدليله القاهر ، وعلمه الفاضل ، وفضله الكامل.

(أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) الذي أوجبت لكم به نعيم الأبد في دار الكرامة ، ومستقر الرحمة. (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) في مخالفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإني القادر على صرف بلاء من يعاديكم على موافقتي ، وهم الذين لا يقدرون على صرف انتقامي عنكم ، إذا آثرتم مخالفتي».

٤٣٦ / ٢ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا الحسن بن علي السكري ، قال : حدثنا محمد بن زكريا الجوهري ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «كان

__________________

سورة البقرة آية ـ ٤٠ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٢٧ / ١٠٧.

(١) في المصدر : يا بنى إسراءيل ولد يعقوب إسرائيل الله اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ.

(٢) جشّمته الأمر تجشيما وأجشمته ، إذا كلّفته إيّاه. «الصحاح ـ جشم ـ ٥ : ١٨٨٨».

(٣) في المصدر : وأمروهم.

(٤) في المصدر : ليؤمنوا.

(٥) في المصدر : آياته.

٢ ـ علل الشرائع : ٤٣ / ١.

١٩٩

يعقوب وعيص توأمين ، فولد عيص ثم ولد يعقوب ، فسمي يعقوب لأنه خرج بعقب أخيه عيص ، ويعقوب هو إسرائيل ، ومعنى إسرائيل عبد الله ، لأن (إسرا) هو عبد ، و (ئيل) هو الله عز وجل».

٤٣٧ / ٣ ـ وروي في خبر آخر : «أن (إسرا) هو القوة ، و (إيل) هو الله ، فمعنى إسرائيل قوة الله عز وجل».

٤٣٨ / ٤ ـ علي بن إبراهيم ، قال : حدثني أبي ، عن محمد بن أبي عمير ، عن جميل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال له رجل : جعلت فداك ، إن الله يقول : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (١) وإنا ندعو فلا يستجاب لنا! قال : «لأنكم لا توفون بعهد الله ، لو وفيتم لو في الله لكم».

٤٣٩ / ٥ ـ محمد بن يعقوب : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عز وجل : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) قال : «بولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) أوف لكم بالجنة».

٤٤٠ / ٦ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي القاسم ، عن محمد بن علي القرشي ، قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني ، قال : حدثنا حريز ، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لما أنزل الله تبارك وتعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) والله ، لقد خرج آدم من الدنيا وقد عاهد [قومه] على الوفاء لولده شيث ، فما وفى له ، ولقد خرج نوح من الدنيا وعاهد قومه على الوفاء لولده (١) سام ، فما وفت أمته ، ولقد خرج إبراهيم من الدنيا وعاهد قومه على الوفاء لولده (٢) إسماعيل ، فما وفت أمته ، ولقد خرج موسى من الدنيا وعاهد قومه على الوفاء. لوصيه يوشع بن نون فما وفت أمته ، ولقد رفع عيسى بن مريم إلى السماء (٣) وقد عاهد قومه [على الوفاء] لوصيه شمعون بن حمون الصفا فما وفت أمته.

وإني مفارقكم عن قريب وخارج من بين أظهركم ، وقد عهدت إلى أمتي في (٤) علي بن أبي طالب ، وإنها لراكبة سنن من قبلها من الأمم في مخالفة وصيي وعصيانه ، ألا وإني مجدد عليكم عهدي في علي (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (٥).

أيها الناس ، إن عليا إمامكم من بعدي ، وخليفتي عليكم ، وهو وصيي ووزيري وأخي وناصري ، وزوج ابنتي ، وأبو ولدي ، وصاحب شفاعتي وحوضي ولوائي ، من أنكره فقد أنكرني ، ومن أنكرني فقد أنكر الله عز وجل ،

__________________

٣ ـ علل الشرائع : ٤٣ / ٢ ، ومعاني الأخبار : ٤٩ / ١.

٤ ـ تفسير القمّي ١ : ٤٦.

(١) غافر ٤٠ : ٦٠.

٥ ـ الكافي ١ : ٣٥٧ / ٨٩.

٦ ـ معاني الأخبار : ٣٧٢ / ١.

(١ ، ٢) في المصدر : لوصيه.

(٣) (إلى السّماء) ليس في «ط».

(٤) زاد في «ط» : عهد.

(٥) الفتح ٤٨ : ١٠.

٢٠٠