البرهان في تفسير القرآن - ج ١

السيد هاشم الحسيني البحراني

البرهان في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني البحراني


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٥٢

فقال الباقر عليه‌السلام : سمع هؤلاء شيئا لم يضعوه على وجهه ، إنما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاعدا ذات يوم هو وعلي عليه‌السلام إذ سمع قائلا يقول : ما شاء الله وشاء محمد ؛ وسمع آخر يقول : ما شاء الله وشاء علي ؛ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تقرنوا محمدا وعليا بالله عز وجل ، ولكن قولوا : ما شاء الله ، ثم شاء محمد ، [ما شاء الله] ، ثم شاء علي.

إن مشيئة الله هي القاهرة التي لا تساوى ولا تكافأ ولا تدانى ، وما محمد رسول الله في الله وفي قدرته إلا كذبابة تطير في هذه المسالك (١٢) الواسعة ، وما علي في الله وفي قدرته إلا كبعوضة في جملة هذه المسالك (١٣) ، مع أن فضل الله تعالى على محمد وعلي هو الفضل الذي لا يفي (١٤) به فضله على جميع خلقه من أول الدهر إلى آخره. هذا ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذكر الذباب والبعوضة في هذا المكان فلا يدخل في قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً)».

٣٦٢ / ٣ ـ أبو علي الطبرسي ، قال : روي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : «إنما ضرب الله المثل بالبعوضة ، لأن البعوضة على صغر حجمها ، خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين ، فأراد الله سبحانه أن ينبه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه ، وعجيب صنعته».

٣٦٣ / ٤ ـ علي بن إبراهيم ، قال : قال الصادق عليه‌السلام : «إن هذا القول من الله عز وجل رد على من زعم أن الله تبارك وتعالى يضل العباد ثم يعذبهم على ضلالتهم ، فقال الله عز وجل : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها)».

قوله تعالى :

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ

إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [٢٨]

٣٦٤ / ١ ـ قال الإمام العسكري أبو محمد عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكفار قريش واليهود : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) الذي دلكم على طريق الهدى ، وجنبكم ـ إن أطعتموه ـ سبيل الردى. (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) في أصلاب آبائكم وأرحام أمهاتكم. (فَأَحْياكُمْ) أخرجكم أحياء (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) في هذه الدنيا ويقبركم (ثُمَّ

__________________

(١٢ ، ١٣) في المصدر : الممالك.

(١٤) هذا الشيء لا يفي بذلك : أي يقصر عنه ولا يوازيه. «المعجم الوسيط ـ وفى ـ ٢ : ١٠٤٧».

٣ ـ مجمع البيان ١ : ١٦٥.

٤ ـ تفسير القمي ١ : ٣٤.

سورة البقرة آية ـ ٢٨ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢١٠ / ٩٧.

١٦١

يُحْيِيكُمْ) في القبور ، وينعم فيها المؤمنين بنبوة محمد وولاية علي عليهما‌السلام ويعذب الكافرين فيها.

(ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) في الآخرة بأن تموتوا في القبور بعد ، ثم تحيوا للبعث يوم القيامة ، ترجعون إلى ما قد وعدكم من الثواب على الطاعات إن كنتم فاعليها ، ومن العقاب على المعاصي إن كنتم مقارفيها» (١).

٣٦٥ / ٢ ـ وقال علي بن إبراهيم : وقوله (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) أي نطفة ميتة وعلقة ، فأجرى فيكم الروح (فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) بعد (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) في القيامة.

قال : والحياة في كتاب الله على وجوه كثيرة : فمن الحياة : ابتداء خلق الإنسان في قوله : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) (٢) فهي الروح المخلوقة التي خلقها الله وأجراها في الإنسان (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (٣).

والوجه الثاني من الحياة : يعني إنبات الأرض ، وهو قوله : (يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) (٤) والأرض الميتة : التي لا نبات بها ، فإحياؤها بنباتها.

ووجه آخر من الحياة : وهو دخول الجنة ، وهو قوله : (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) (٥) يعني الخلود في الجنة ، والدليل على ذلك قوله : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) (٦).

قوله تعالى :

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [٢٩])

٣٦٦ / ١ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا أبو الحسن محمد بن القاسم المفسر رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا يوسف بن محمد بن زياد ، وعلي بن محمد بن سيار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن علي ، عن أبيه علي بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن موسى الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد ابن علي ، عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في قول الله عز وجل : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ

__________________

(١) قارف فلان الخطيئة : أي خالطها. «الصحاح ـ قرف ـ ٤ : ١٤١٦».

٢ ـ تفسير القمي ١ : ٣٥.

(١ ، ٢) الحجر ١٥ : ٢٩.

(٣) الحديد ٥٧ : ١٧.

(٤) الأنفال ٨ : ٢٤.

(٥) العنكبوت ٢٩ : ٦٤.

سورة البقرة ـ ٢٩ ـ

١ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٢ / ٢٩.

١٦٢

بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). قال : هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا لتعتبروا به ، ولتتوصلوا به إلى رضوانه ، وتتوقوا به من عذاب نيرانه. (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) أخذ في خلقها وإتقانها (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ولعلمه بكل شيء ـ علم المصالح ـ فخلق لكم ما في الأرض لمصالحكم ، يا بني آدم».

٣٦٧ / ٢ ـ محمد بن يعقوب : بإسناده ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي جعفر الأحول ، عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «إن الله عز وجل خلق الجنة قبل أن يخلق النار ، وخلق الطاعة قبل أن يخلق المعصية ، وخلق الرحمة قبل أن يخلق الغضب ، وخلق الخير قبل الشر ، وخلق الأرض قبل السماء ، وخلق الحياة قبل الموت ، وخلق الشمس قبل القمر ، وخلق النور قبل الظلمة».

قوله تعالى :

وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ

فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ

لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ [٣٠] وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ

عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ

صادِقِينَ [٣١] قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ

الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [٣٢] قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ

بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ

وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ [٣٣]

٣٦٨ / ١ ـ قال الإمام أبو محمد العسكري عليه‌السلام : «لما قيل لهم : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (١) الآية ، قالوا : متى كان هذا؟ فقال الله عز وجل ـ حين قال ربك للملائكة الذين في الأرض [مع إبليس ، وقد طردوا عنها الجن بني الجان ، وخفت العبادة] ـ (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) بدلا منكم ورافعكم منها ، فاشتد ذلك عليهم ، لأن العبادة عند رجوعهم إلى السماء تكون أثقل عليهم.

__________________

٢ ـ الكافي ٨ : ١٤٥ / ١١٦.

سورة البقرة آية ـ ٣٠ ـ ٣٣ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢١٦ / ١٠٠.

(١) البقرة ٢ : ٢٩.

١٦٣

(قالُوا) ربنا (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) وكما فعلته الجن بنو الجان ، الذين قد طردناهم عن هذه الأرض (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) ننزهك عما لا يليق بك من الصفات (وَنُقَدِّسُ لَكَ) نطهر أرضك ممن يعصيك.

قال الله تعالى : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) إني أعلم من الصلاح الكائن فيمن أجعله بدلا منكم ما لا تعلمون ، وأعلم أيضا أن فيكم من هو كافر في باطنه لا تعلمونه ، وهو إبليس لعنه الله.

ثم قال : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) أسماء أنبياء الله ، وأسماء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، والطيبين من آلهما ، وأسماء رجال من شيعتهم ، وعتاة أعدائهم.

(ثُمَّ عَرَضَهُمْ) عرض محمدا وعليا والأئمة (عَلَى الْمَلائِكَةِ) ، أي عرض أشباحهم وهم أنوار في الأظلة (فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أن جميعكم تسبحون وتقدسون ، وأن ترككم ها هنا أصلح من إيراد من بعدكم ، أي فكما لم تعرفوا غيب من في خلالكم ، فالحري (٢) أن لا تعرفوا الغيب إذا لم يكن ، كما لا تعرفون أسماء أشخاص ترونها.

قالت الملائكة : (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ) بكل شيء (الْحَكِيمُ) المصيب في كل فعل.

قال الله عز وجل : يا آدم ، أنبئ هؤلاء الملائكة بأسمائهم وأسماء الأنبياء والأئمة ، فلما أنبأهم فعرفوها ، أخذ عليهم العهد والميثاق بالإيمان بهم ، والتفضيل لهم.

قال الله تعالى عند ذلك : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) وما كان يعتقده إبليس من الإباء على آدم إن أمر بطاعته ، وإهلاكه إن سلط عليه ، ومن اعتقادكم أنه لا أحد يأتي بعدكم إلا وأنتم أفضل منه ، بل محمد وآله الطيبون أفضل منكم ، الذين أنبأكم آدم بأسمائهم».

٣٦٩ / ٢ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي (١) ، عن الحسين (٢) بن سعيد ، عن محمد بن زياد ، عن أيمن بن محرز ، عن الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام : «إن الله تبارك وتعالى علم آدم عليه‌السلام أسماء حجج الله كلها (٣) ، ثم

__________________

(٢) حريّ : أي خليق وجدير. «الصحاح ـ حرا ـ ٦ : ٢٣١١».

٢ ـ كمال الدّين وتمام النعمة : ١٣.

(١) في المصدر زيادة : عن جعفر بن عبد الله الكوفي ، ولم نجد له ذكرا في المصادر المتوفّرة لدينا.

(٢) في المصدر : الحسن.

(٣) قال ابن بابويه رحمه‌الله : إنّ الله سبحانه وتعالى إذا علّم آدم الأسماء كلّها ـ على ما قاله المخالفون ـ فلا محالة أنّ أسماء الأئمّة : داخلة في تلك الجملة ، فصار ما قلناه في ذلك بإجماع الأمّة ، ولا يجوز في حكمة الله أن يحرمهم معنى من معاني المثوبة ، ولا أن يبخل بفضل من فضائل الأئمّة لانّهم كلّهم شرع واحد ، دليل ذلك أن الرسل متى آمن مؤمن بواحد منهم ، أو بجماعة وأنكر واحدا منهم ، لم يقبل منه إيمانه ، كذلك القضية في الأئمّة عليه‌السلام أوّلهم وآخرهم واحد ، وقد قال الصّادق عليه‌السلام : «المنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا».

وللأسماء معان كثيرة وليس أحد معانيها بأولى من الآخر ، فمعنى الأسماء أنّه سبحانه علّم آدم عليه‌السلام أوصاف الأئمّة كلّها أوّلها ـ

١٦٤

عرضهم ـ وهم أرواح ـ على الملائكة ، فقال : أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين بأنكم أحق بالخلافة في الأرض ـ لتسبيحكم وتقديسكم ـ من آدم عليه‌السلام : (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).

قال الله تبارك وتعالى : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) وقفوا على عظم منزلتهم عند الله عز ذكره ، فعلموا أنهم أحق بأن يكونوا خلقاء في أرضه ، وحججه على بريته ، ثم غيبهم عن أبصارهم ، واستبعدهم بولايتهم ومحبتهم ، وقال لهم : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ).

ثم قال ابن بابويه : وحدثنا بذلك أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا الحسن بن علي السكري ، قال : حدثنا محمد بن زكريا الجوهري ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة ، عن أبيه ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام.

٣٧٠ / ٣ ـ العياشي ، قال : قال هشام بن سالم ، قال أبو عبدالله عليه‌السلام : «ما علم الملائكة بقولهم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) لو لا أنهم قد كانوا رأوا من يفسد فيها ويسفك الدماء».

٣٧١ / ٤ ـ عن محمد بن مروان ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال : «إني لأطوف بالبيت مع أبي عليه‌السلام إذ أقبل رجل طوال جعشم (١) متعمم بعمامة ، فقال : السلام عليك يا ابن رسول الله ، قال : فرد عليه أبي.

فقال : أشياء أردت أن أسألك عنها ، ما بقي أحد يعلمها إلا رجل أو رجلان.

قال : فلما قضى أبي الطواف دخل الحجر (٢) فصلى ركعتين ، ثم قال : ها هنا ـ يا جعفر ـ ثم أقبل على الرجل ، فقال له أبي : كأنك غريب؟

فقال : أجل ، فأخبرني عن هذا الطواف كيف كان؟ ولم كان؟

قال : إن الله لما قال للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) إلى آخر الآية ، كان ذلك من يعصي منهم ، فاحتجب عنهم سبع سنين ، فلاذوا بالعرش يلوذون يقولون : لبيك ذا المعارج لبيك ، حتى تاب عليهم ، فلما أصاب آدم الذنب طاف بالبيت حتى قبل الله منه. قال : فقال : صدقت ، فعجب أبي من قوله : صدقت.

قال : فأخبرني عن (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) (٣).

__________________

ـ وآخرها ، ومن أوصافهم العلم والحلم والتقوى والشجاعة والعصمة والسخاء والوفاء ، وقد نطق بمثله كتاب الله عزّ وجلّ : وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا مريم ١٩ : ٤١ ، أنظر كمال الدّين وتمام النعمة : ١٤ ـ ١٨.

٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٢٩ / ٤.

٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٢٩ / ٥.

(١) الجعشم : هو المنتفخ الجنبين الغليظهما. «لسان العرب ـ جعشم ـ ١٢ : ١٠٢».

(٢) الحجر : حجر الكعبة ، وهو ما حواه الحطيم بالبيت جانب الشّمال. «الصحاح ـ حجر ـ ٢ : ٦٢٣».

(٣) القلم ٦٨ : ١.

١٦٥

قال : نون نهر في الجنة أشد بياضا من اللبن ، قال : فأمر الله القلم فجرى بما هو كائن وما يكون ، فهو بين يديه موضوع ما شاء منه زاد فيه ، وما شاء نقص منه ، وما شاء كان ، وما لا يشاء لا يكون. قال : صدقت ، فعجب أبي من قوله : صدقت.

قال : فأخبرني عن قوله : (فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) (٤) ما هذا الحق المعلوم؟

قال : هو الشيء يخرجه الرجل من ماله ليس من الزكاة ، فيكون للنائبة والصلة. قال : صدقت ، قال : فعجب أبي من قوله : صدقت. قال : ثم قام الرجل ، فقال أبي : علي بالرجل ، قال : فطلبته فلم أجده».

٣٧٢ / ٥ ـ عن محمد بن مروان ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : «كنت مع أبي في الحجر ، فبينا هو قائم يصلي إذ أتاه رجل فجلس إليه ، فلما انصرف سلم عليه ؛ ثم قال : إني أسألك عن ثلاثة أشياء ، لا يعلمها إلا أنت ورجل آخر. قال : ما هي؟

قال : أخبرني أي شيء كان سبب الطواف بهذا البيت؟

فقال : إن الله تبارك وتعالى لما أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم ، ردت الملائكة فقالت : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) فغضب عليهم ، ثم سألوه التوبة فأمرهم أن يطوفوا بالضراح ـ وهو البيت المعمور ـ فمكثوا به يطوفون سبع سنين ، يستغفرون الله مما قالوا ، ثم تاب عليهم من بعد ذلك ورضي عنهم ، فكان هذا أصل الطواف. ثم جعل الله البيت الحرام حذاء الضراح ، توبة لمن أذنب من بني آدم وطهورا لهم ، فقال : صدقت».

ثم ذكر المسألتين نحو الحديث الأول «ثم قال الرجل : صدقت ، فقلت : من هذا الرجل ، يا أبت؟ فقال : يا بني هذا الخضر عليه‌السلام».

٣٧٣ / ٦ ـ علي بن الحسين عليه‌السلام في قوله : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) : «ردوا على الله فقالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ). وإنما قالوا ذلك بخلق مضى ، يعني الجان أبا الجن (١). (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فمنوا على الله بعبادتهم إياه فأعرض عنهم.

ثم علم آدم الأسماء كلها ، ثم قال للملائكة (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا) قال (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) فأنباهم ، ثم قال لهم (اسْجُدُوا لِآدَمَ) (٢) فسجدوا ، وقالوا في سجودهم ـ في أنفسهم ـ : ما كنا نظن أن يخلق الله خلقا أكرم عليه منا ، نحن خزان الله وجيرانه ، وأقرب الخلق إليه.

__________________

(٤). ٧٠ : ٢٤.

٥ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٣٠ / ٦.

٦ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٣٠ / ٧.

(١) في المصدر : ١ : ٣٠ / ٧.

(٢) البقرة ٢ : ٣٤.

١٦٦

فلما رفعوا رؤوسهم ، قال : الله يعلم ما تبدون من ردكم علي وما كنتم تكتمون : ظننا أن لا يخلق الله خلقا أكرم عليه منا (٣).

فلما عرفت الملائكة أنها وقعت في خطيئة لاذوا بالعرش ، وإنها كانت عصابة من الملائكة ، وهم الذين كانوا حول العرش ، لم يكن جميع الملائكة الذين قالوا : ما ظننا أن يخلق خلقا أكرم عليه منا ، وهم الذين أمروا بالسجود ، فلاذوا بالعرش وقالوا بأيديهم ـ وأشار بإصبعه يديرها ـ فهم يلوذون حول العرش إلى يوم القيامة.

فلما أصاب آدم الخطيئة ، جعل الله هذا البيت لمن أصاب من ولده الخطيئة [أتاه] فلاذ به من ولد آدم عليه‌السلام كما لاذ أولئك بالعرش.

فلما هبط آدم عليه‌السلام إلى الأرض طاف بالبيت ، فلما كان عند المستجار دنا من البيت فرفع يديه إلى السماء ، فقال : يا رب ، اغفر لي. فنودي : إني قد غفرت لك ، قال : يا رب ، ولولدي ، قال : فنودي : يا آدم ، من جاءني من ولدك فباء (٤) بذنبه بهذا المكان ، غفرت له».

٣٧٤ / ٧ ـ عن عيسى بن حمزة (١) ، قال : قال رجل لأبي عبدالله عليه‌السلام : جعلت فداك ، إن الناس يزعمون أن الدنيا عمرها سبعة آلاف سنة! فقال : «ليس كما يقولون ، إن الله خلق لها خمسين ألف عام ؛ فتركها قاعا قفراء خاوية (٢) عشرة آلاف عام.

ثم بدا لله بداء ، فخلق فيها خلقا ليس من الجن ولا من الملائكة ولا من الإنس ، وقدر لهم عشرة آلاف عام ، فلما قربت آجالهم أفسدوا فيها ، فدمر الله عليهم تدميرا. ثم تركها قاعا قفراء خاوية عشرة آلاف عام.

ثم خلق فيها الجن ، وقدر لهم عشرة آلاف عام ، فلما قربت آجالهم أفسدوا فيها ، وسفكوا الدماء ، وهو قول الله (٣) (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) كما سفكت بنو الجان ، فأهلكهم الله.

ثم بدا لله فخلق آدم ، وقدر له عشرة آلاف عام ، وقد مضى من ذلك سبعة آلاف عام ومائتان ، وأنتم في آخر الزمان».

٣٧٥ / ٨ ـ قال : قال زرارة : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فقال : «أي شيء عندك من أحاديث الشيعة»؟

فقلت : إن عندي منها شيئا كثيرا ، قد هممت أن أوقد لها نارا ، ثم أحرقها. فقال : «وارها تنس ما أنكرت منها».

__________________

(٣) الظاهر أنّ جملة (ظننا) بدل من قوله : (وما تكتمون) أي إن الله يعلم ما تبدون من ردّكم عليّ ويعلم ظنّكم في أنفسكم : أنّ الله لا يخلق خلقا أكرم عليه منّا.

(٤) بؤت بذنبي : أقررت واعترف. «مجمع البحرين ـ بوأ ـ ١ : ٦٨».

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٣١ / ٨.

(١) في «س» : عيسى بن أبي حمزة ، والظاهر صحّة ما في المتن ، راجع رجال النجاشي : ٢٩٤ ، ومعجم رجال الحديث ١٣ : ١٨٤.

(٢) خاوية : خالية ، خوى المنزل : خلا من أهله. «مجمع البحرين ـ خوا ـ ١ : ١٣٢».

(٣) في المصدر : الملائكة.

٨ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٣٢ / ٩.

١٦٧

فخطر على بالي الآدميون ، فقال لي : «ما كان علم الملائكة حيث قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ)».

٣٧٦ / ٩ ـ قال : وكان يقول أبو عبد الله عليه‌السلام إذا حدث بهذا الحديث : «هو كسر على القدرية».

ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن آدم كان له في السماء خليل من الملائكة ، فلما هبط آدم من السماء إلى الأرض استوحش الملك ، وشكا إلى الله تعالى وسأله أن يأذن له [فيهبط عليه] ، فإذن له فهبط عليه ، فوجده قاعدا في قفرة من الأرض ، فلما رآه آدم وضع يده على رأسه وصاح صيحة ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ : يروون أنه أسمع عامة الخلق.

فقال له الملك : يا آدم ، ما أراك إلا قد عصيت ربك ، وحملت على نفسك ما لا تطيق ، أتدري ما قال الله لنا فيك فرددنا عليه؟ قال : لا.

قال : قال : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) قلنا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) فهو خلقك أن تكون في الأرض ، يستقيم أن تكون في السماء؟!». فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «والله ، [عزى] بها آدم ثلاثا».

٣٧٧ / ١٠ ـ عن أبي العباس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) ماذا علمه؟ قال : «الأرضين ، والجبال ، والشعاب (١) ، والأودية ـ ثم نظر إلى بساط تحته ، فقال ـ : وهذا البساط مما علمه».

٣٧٨ / ١١ ـ عن الفضل أبي العباس (١) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) ما هي؟ قال : «أسماء الأودية ، والنبات ، والشجر ، والجبال من الأرض».

٣٧٩ / ١٢ ـ عن داود بن سرحان العطار ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدعا بالخوان (١) فتغدينا ، ثم جاءوا بالطست والدست سنانه (٢) ، فقلت : جعلت فداك ، قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) الطست والدست سنانه منه؟ فقال : «الفجاج (٣) والأودية» وأهوى بيده ، كذا وكذا.

__________________

٩ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٣٢ / ١٠.

١٠ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٣٢ / ١١.

(١) الشعاب : جمع شعب ، وهو الطريق في الجبل ، وهو أيضا : الحيّ العظيم. «الصحاح ـ شعب ـ ١ : ١٥٦».

١١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٣٢ / ١٢.

(١) كذا في «ط» ، وفي «س» والمصدر : الفضل بن العبّاس ، ولعلّه أبو العبّاس الفضل بن عبد الملك البقباق المعدود من أصحاب الصّادق ٧. راجع رجال النجاشي : ٣٠٨ ومعجم رجال الحديث ١٣ : ٣٠٤.

١٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٣٣ / ١٣.

(١) الخوان : الذي يؤكل عليه. «الصحاح ـ خون ـ ٥ : ٢١١».

(٢) الدست سنانه : لعلّها تصحيف (الستشان) وهو عسول اليد ، وليست الكلمة عربية. «مجمع البحرين ـ دست ـ ٢ : ٢٠٠».

(٣) الفجاج : الطريق الواسع بين جبلين! «القاموس المحيط ـ فجج ـ ١ : ٢٠٩» ، وفي «ط» : العجاج ، ويطلق على الغبار والدخان. «الصحاح ـ عجج ـ ١ : ٣٢٧».

١٦٨

٣٨٠ / ١٣ ـ حريز ، عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لما أن خلق الله آدم ، أمر الملائكة أن يسجدوا له.

فقالت الملائكة في أنفسها : ما كنا نظن أن الله خلق خلقا أكرم عليه منا ، فنحن جيرانه ، ونحن أقرب الخلق إليه.

فقال الله : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) فيما أبدوا من أمر بني الجان ، وكتموا ما في أنفسهم ، فلاذت الملائكة الذين قالوا ما قالوا بالعرش».

٣٨١ / ١٤ ـ ابن شاذان : عن علي بن الحسين ، عن أبيه عليهما‌السلام : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «من لم يقل إني رابع الخلفاء الأربعة ، فعليه لعنة الله».

قال الحسين (١) بن زيد : فقلت لجعفر بن محمد عليهما‌السلام : قد رويتم غير هذا فإنكم لا تكذبون؟! قال عليه‌السلام : «نعم ؛ قال الله تعالى في محكم كتابه : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فكان آدم أول خليفة الله. و (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) (٢) فكان داود الثاني. وكان هارون خليفة موسى قوله تعالى : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ) (٣) ، وهو خليفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم (٤) لم يقل : إني رابع الخلفاء الأربعة؟ (٥)».

قوله تعالى :

(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ [٣٤])

٣٨٢ / ١ ـ محمد بن يعقوب : عن الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عمن أخبره ، عن علي بن جعفر ، قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : «لما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تيما وعديا وبني أمية يركبون منبره

__________________

١٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٣٣ / ١٤.

١٤ ـ مائة منقبة : ١٢٥ منقبة ٥٩.

(١) في «س ، ط» : الحسن ، وهو الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (عليهما السّلام). راجع رجال النجاشي : ٥٢ ورجال الشيخ ١٦٨٠ / ٥٥.

(٢) سورة ص ٣٨ : ٢٦.

(٣) الأعراف ٧ : ١٤٢.

(٤) في المصدر : فمن.

(٥) في المصدر زيادة : فعليه لعنة الله.

سورة البقرة آية ـ ٣٤ ـ

١ ـ الكافي ١ : ٣٥٣ / ٧٣.

١٦٩

أفظعه (١) ، فأنزل الله تبارك وتعالى قرآنا يتأسى به : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى). ثم أوحى إليه : يا محمد ، إني أمرت فلم أطع ، فلا تجزع أنت [إذا] أمرت فلم تطع في وصيك».

٣٨٣ / ٢ ـ وعنه : عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط ، عن موسى بن بكر ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الكفر والشرك ، أيهما أقدم؟

فقال لي : «ما عهدي بك تخاصم الناس».

قلت : أمرني هشام بن سالم أن أسألك عن ذلك.

فقال لي : «الكفر أقدم وهو الجحود ؛ قال الله عز وجل : (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ)».

٣٨٤ / ٣ ـ وعنه : عن علي بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وقد سئل عن الكفر والشرك أيهما أقدم؟ فقال : «الكفر أقدم ، وذلك أن إبليس أول من كفر ، وكان كفره غير شرك ، لأنه لم يدع إلى عبادة غير الله ، وإنما دعا إلى ذلك بعد فأشرك».

٣٨٥ / ٤ ـ علي بن إبراهيم ، قال : حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عما ندب الله الخلق إليه ، أدخل فيه الضلال (١)؟

قال : «نعم ، والكافرون دخلوا فيه ، لأن الله تبارك وتعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم (٢) ، فدخل في أمره الملائكة وإبليس ؛ فإن إبليس كان مع (٣) الملائكة في السماء يعبد الله ، وكانت الملائكة تظن أنه منهم ، ولم يكن منهم ، فلما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم ، أخرج ما كان في قلب إبليس من الحسد ، فعلمت الملائكة عند ذلك أن إبليس لم يكن منهم».

فقيل له عليه‌السلام : كيف وقع الأمر على إبليس ، وإنما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟! فقال : «كان إبليس منهم بالولاء ، ولم يكن من جنس الملائكة ، وذلك أن الله خلق خلقا قبل آدم ، وكان إبليس (٤) حاكما في الأرض ، فعتوا وأفسدوا وسفكوا الدماء ، فبعث الله الملائكة فقتلوهم ، وأسروا إبليس ورفعوه

__________________

(١) أفظع الأمر فلانا : هاله. «المعجم الوسيط ـ فظع ـ ٢ : ٦٩٥».

٢ ـ الكافي ٢ : ٢٨٤ / ٦.

٣ ـ الكافي ٢ : ٢٨٤ / ٨.

٤ ـ تفسير القمّي ١ : ٣٥.

(١) في المصدر : الضلالة.

(٢) قال المجلسي رحمه‌الله : اعلم أنّ المسلمين قد أجمعوا على أن ذلك السجود لم يكن سجود عبادة لأنّها لغير الله تعالى توجب الشرك. ثمّ أورد جملة أقوال في معنى السجود ورجّح إحداها ، وهو في الحقيقة عبادة لله لكونه بأمره. ثمّ قال : اعلم أنّه قد ظهر ممّا أوردنا من الأخبار أن السجود لا يجوز لغير الله ما لم يكن عن أمره ، وأن المسجود له لا يكون معبودا مطلقا ، بل قد يكون السجود تحيّة لا عبادة وإن لم يجز إيقاعه إلاّ بأمره تعالى. «بحار الأنوار ١١ : ١٤٠».

(٣) في المصدر : من.

(٤) في المصدر زيادة : منهم.

١٧٠

إلى السماء ، فكان مع الملائكة يعبد الله إلى أن خلق الله تبارك وتعالى آدم».

٣٨٦ / ٥ ـ وعنه ، قال : حدثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن ثابت الحذاء ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال : «إن الله تبارك وتعالى أراد أن يخلق خلقا بيده ، وذلك بعد ما مضى من الجن والنسناس (١) في الأرض سبعة آلاف سنة ، وكان من شأنه خلق آدم ، فكشط (٢) عن أطباق السماوات وقال للملائكة : انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجن والنسناس ، فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحق ، عظم ذلك عليهم وغضبوا وتأسفوا على أهل الأرض ولم يملكوا غضبهم.

قالوا : ربنا إنك أنت العزيز القادر الجبار القاهر العظيم الشأن ، وهذا خلقك الضعيف الذليل يتقلبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويستمتعون (٣) بعافيتك ، وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام ، لا تأسف عليهم ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى ، وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه (٤) فيك!».

قال : «فلما سمع ذلك من الملائكة ، قال : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (٥) يكون حجة لي في أرضي على خلقي.

فقالت الملائكة : سبحانك (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) (٦) كما فسد بنو الجان ، ويسفكون الدماء كما سفك بنو الجان ، ويتحاسدون ويتباغضون ، فاجعل ذلك الخليفة منا ، فإنا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدماء ، ونسبح بحمدك ونقدس لك.

قال جل وعز : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٧) إني أريد أن أخلق خلقا بيدي ، وأجعل من ذريته أنبياء ومرسلين وعبادا صالحين وأئمة مهتدين ، وأجعلهم خلفاء على خلقي في أرضي ، ينهونهم عن معصيتي ، وينذرونهم من عذابي ، ويهدونهم إلى طاعتي ، ويسلكون بهم طريق سبيلي ، وأجعلهم لي حجة ، وعليهم عذرا ونذرا ، وأبين النسناس عن أرضي (٨) ، وأطهرها منهم ، وأنقل مردة الجن العصاة عن بريتي وخلقي وخيرتي ، وأسكنهم في الهواء وفي أقطار الأرض ، ولا يجاورون نسل خلقي ، وأجعل بين الجن وبين خلقي حجابا ، فلا يرى نسل خلقي الجن ، ولا يجالسونهم ، ولا يخالطونهم ، فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم ، أسكنتهم

__________________

٥ ـ تفسير القمّي ١ : ٣٦.

(١) النسناس : جنس من الخلق يثب أحدهم على رجل واحدة. «الصحاح ـ نسس ـ ٣ : ٩٨٣». قال ابن الأثير في النهاية ـ في حديث أبي هريرة «ذهب النّاس وبقي النسناس» ـ قال : قيل : هم يأجوج ومأجوج ، وقيل : خلق على صورة الناس ، أشبهوهم في شيء ، وخالفوهم في شيء ، وليسوا من بني آدم ، وقيل : هم من بني آدم. «النهاية ـ نسنس ـ ٥ : ٥٠».

(٢) كشطت الغطاء عن الشّيء ، إذا كشفته عنه. «الصحاح ـ كشط ـ ٣ : ١١٥٥».

(٣) في المصدر : ويتمتعون.

(٤) أكبرت الشّيء : استعظمته. «الصحاح ـ كبر ـ ٢ : ٨٠٢».

(٥) البقرة ٢ : ٣٠.

(٦) البقرة ٢ : ٣٠.

(٧) البقرة ٢ : ٣٠.

(٨) أبان الشّيء : فصله وأبعده. «المعجم الوسيط ـ بان ـ ١ : ٨٠» ، وفي المصدر : وأبيد النسناس من أرضي ، أي أهلكم.

١٧١

مساكن العصاة ، وأوردتهم مواردهم ولا أبالي».

قال : «فقالت الملائكة : يا ربنا ، افعل ما شئت (لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (٩)».

قال : «فباعدهم الله من العرش [مسيرة] خمسمائة عام ـ قال ـ : فلاذوا بالعرش وأشاروا بالأصابع ، فنظر الرب عز وجل إليهم ونزلت الرحمة فوضع لهم البيت المعمور (١٠) ، فقال : طوفوا به ودعوا العرش فإنه لي رضا ، فطافوا به ـ وهو البيت الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا ـ فوضع الله البيت المعمور توبة لأهل السماء ، ووضع الكعبة توبة لأهل الأرض.

فقال الله تبارك وتعالى : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (١١) ـ قال ـ وكان ذلك من الله تقدمة في آدم قبل أن يخلقه ، واحتجاجا منه عليهم».

قال : «فاغترف ربنا عز وجل غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات ـ وكلتا يديه يمين (١٢) ـ فصلصلها في كفه حتى جمدت ، فقال لها : منك أخلق النبيين والمرسلين ، وعبادي الصالحين ، والأئمة المهتدين ، والدعاة إلى الجنة وأتباعهم إلى يوم القيامة ولا أبالي ، ولا أسأل عما أفعل وهم يسألون.

ثم اغترف غرفة أخرى من الماء المالح الأجاج ، فصلصلها في كفه فجمدت ، فقال لها : منك أخلق الجبارين ، والفراعنة والعتاة وإخوان الشياطين ، والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة وأشياعهم ولا أبالي ، ولا أسأل عما أفعل وهم يسألون».

قال : «وشرط (١٣) البداء (١٤) فيهم (١٥) ، ولم يشترط في أصحاب اليمين ؛ ثم خلط الماءين جميعا في كفه

__________________

(٩) البقرة ٢ : ٣٢.

(١٠) قال الطريحي رحمه‌الله : قيل : هو في السّماء حيال الكعبة ضجّ من الغرق ، فرفعه الله إلى السّماء وبقي أسه ، يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك ثمّ لا يعودون إليه ، والمعمور : المأهول ، وعمرانه كثرة غاشية من الملائكة. «مجمع البحرين ـ عمر ـ ٣ : ٤١٢».

(١١) الحجر ١٥ : ٢٨ و ٢٩.

(١٢) قال ابن الأثير : أي انّ يديه تبارك وتعالى بصفة الكمال ، لا نقص في واحدة منهما ، لأنّ الشّمال تنقص عن اليمين ، وكلّ ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد والأيدي ، واليمين وغير ذلك من أسماء الجوارح إلى الله تعالى ، فإنّما هو على سبيل المجاز والاستعارة ، والله منزّه عن التشبيه والتجسيم. «النهاية ـ يمن ـ ٥ : ٣٠١».

وقال المجلسيّ رحمه‌الله : يمكن توجيهه بوجوه ثلاثة : الأوّل : أن يكون المراد باليد القدرة ، واليمين كناية عن قدرته على اللطف والإحسان والرحمة ، والشّمال كناية عن قدرته على القهر والبلايا والنقمات ، والمراد بكون كلّ منهما يمينا كون قهره ونقمته وبلائه أيضا لطفا وخيرا ورحمة ، الثاني : أن يكون المراد على هذا التأويل أيضا أنّ كلاّ منهما كامل في ذاته لا نقص في شيء منهما ، الثالث : أن يكون المراد بيمينه يمين الملك الذي أمره بذلك ، ويكون كلتا يديه يمينا مساواة قوّة يديه وكمالهما. «بحار الأنوار ١١ : ١٠٧».

(١٣) في المصدر : وشرطه في ذلك.

(١٤) بدا له في الأمر : إذا ظهر له استصواب شيء غير الأوّل ، والاسم منه البداء وهو بهذا المعنى مستحيل على الله تعالى. كما جاءت به الرواية عنهم : : «بأن الله لم يبد له من جهل»! وقوله عليه‌السلام : «ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدو له». «مجمع البحرين ـ بدا ـ ١ ـ ٤٥».

(١٥) (فيهم) ليس في المصدر.

١٧٢

فصلصلهما ، ثم كفأهما قدام عرشه وهما سلالة (١٦) من الطين.

ثم أمر الله الملائكة الأربعة : الشمال ، والجنوب ، والصبا (١٧) ، والدبور أن يجولوا (١٨) على هذه السلالة الطين فأبرءوها (١٩) وأنشأوها ، ثم جزءوها وفصلوها ، وأجروا فيها الطبائع الأربعة : الريح ، والدم ، والمرة ، والبلغم ، فجالت الملائكة عليها ، وهي الشمال ، والجنوب ، والصبا ، والدبور ، وأجروا فيها الطبائع الأربعة : الريح في الطبائع الأربعة من البدن من ناحية الشمال ، والبلغم في الطبائع الأربعة من ناحية الصبا ، والمرة في الطبائع الأربعة من ناحية الدبور ، والدم في الطبائع الأربعة من ناحية الجنوب».

قال : «فاستقلت (٢٠) النسمة (٢١) وكمل البدن ، فلزمه من ناحية الريح : حب النساء ، وطول الأمل ، والحرص ؛ ولزمه من ناحية البلغم : حب الطعام ، والشراب ، والبر والحلم ، والرفق ؛ ولزمه من ناحية المرة (٢٢) : الغضب ، والسفه ، والشيطنة ، والتجبر ، والتمرد ، والعجلة ؛ ولزمه من ناحية الدم : الفساد ، واللذات ، وركوب المحارم ، والشهوات».

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «وجدنا هذا في كتاب علي عليه‌السلام ، فخلق الله آدم فبقي أربعين سنة مصورا ، فكان يمر به إبليس اللعين ، فيقول : لأمر ما خلقت!».

قال العالم عليه‌السلام : «فقال إبليس : لئن أمرني الله بالسجود لهذا لأعصينه ، قال : ثم نفخ فيه ، فلما بلغت الروح فيه إلى دماغه عطس ، فقال : لحمد لله ، فقال الله ، له : يرحمك الله».

قال الصادق عليه‌السلام : «فسبقت له من الله الرحمة ، ثم قال الله تبارك وتعالى للملائكة : (اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) له ، فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد ، فأبى أن يسجد ، فقال الله عز وجل : (ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) (٢٣) ، فقال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (٢٤).

قال الصادق عليه‌السلام : «أول من قاس إبليس واستكبر ، والاستكبار هو أول معصية عصي الله بها ـ قال ـ : فقال إبليس : يا رب ، أعفني من السجود لآدم ، وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب ولا نبي مرسل.

فقال الله تبارك وتعالى : لا حاجة لي إلى عبادتك ، أنا أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تريد فأبى أن يسجد.

فقال الله : (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ) (٢٥).

__________________

(١٦) سلالة الشّيء : ما استلّ منه ، والنطفة سلالة الإنسان. «الصحاح ـ سلل ـ ٥ : ١٧٣١».

(١٧) الصّباح : ريح تهبّ من مطلع الشّمس تجيء من ظهرك إذا استقبلت القبلة ، الدّبور عكسها. «مجمع البحرين ـ صبا ـ ١ : ٢٦٠».

(١٨) جال يجول : إذا ذهب وجاء. «مجمع البحرين ـ جول ـ ٥ : ٣٤٥».

(١٩) في المصدر : فأمرؤها ، وفي «ط» : فابدءوها.

(٢٠) استقلت : ارتفعت. «الصحاح ـ قلل ـ ٥ : ١٨٠٤».

(٢١) النسمة : النفس ، والنسمة : الإنسان. «مجمع البحرين ـ نسم ـ ٦ : ١٧٥».

(٢٢) في المصدر زيادة : الحبّ و.

(٢٣ ، ٢٤) الأعراف ٧ : ١٢.

(٢٥) سورة ص ٣٨ : ٧٧ و ٧٨.

١٧٣

فقال إبليس : يا رب ، وكيف وأنت العدل الذي لا يجور ولا يظلم ، فثواب عملي بطل؟! قال : لا ، ولكن سلني من أمر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك فأعطيك. فأول ما سأل البقاء إلى يوم الدين ، فقال الله : قد أعطيتك. قال : سلطني على ولد آدم ، فقال : سلطتك. قال : أجرني فيهم كمجرى الدم في العروق ، فقال : قد أجريتك. قال : لا يولد لهم ولد إلا ولد لي اثنان ، وأراهم ولا يروني ، وأتصور لهم في كل صورة شئت ، فقال : قد أعطيتك.

قال : يا رب زدني ؛ قال : قد جعلت لك ولذريتك صدورهم (٢٦) أوطانا ، قال : رب ، حسبي. فقال إبليس عند ذلك : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٢٧) (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) (٢٨)».

٣٨٧ / ٦ ـ وعنه ، قال : حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لما أعطى الله تبارك وتعالى إبليس ما أعطاه من القوة ، قال آدم : يا رب ، سلطت إبليس على ولدي ، وأجريته فيهم مجرى الدم في العروق ، وأعطيته ما أعطيته ، فما لي ولولدي؟ فقال : لك ولولدك السيئة بواحدة ، والحسنة بعشر أمثالها.

قال : رب ، زدني. قال : التوبة مبسوطة إلى حين تبلغ النفس الحلقوم.

قال : يا رب ، زدني. قال : أغفر ولا أبالي ؛ قال : حسبي».

قال : قلت له : جعلت فداك ، بماذا استوجب إبليس من الله أن أعطاه ما أعطاه؟ فقال : «بشيء كان منه شكره الله عليه».

قلت : وما كان منه ، جعلت فداك؟ قال : «ركعتان ركعهما في السماء في أربعة آلاف سنة».

٣٨٨ / ٧ ـ محمد بن يعقوب : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، قال : كان الطيار (١) يقول لي : إبليس ليس من الملائكة ، وإنما أمرت الملائكة بالسجود لآدم ، فقال إبليس : لا أسجد ، فما لإبليس يعصي حين لم يسجد ، وليس هو من الملائكة؟! قال : فدخلت أنا وهو على أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : فأحسن والله في المسألة ؛ فقال : جعلت فداك [أرأيت] ما ندب الله عز وجل إليه المؤمنين من قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) (٢) أدخل في ذلك المنافقون

__________________

(٢٦) في المصدر : جعلت لك في صدورهم.

(٢٧) سورة ص ٣٨ : ٨٢ و ٨٣.

(٢٨) الأعراف ٧ : ١٧.

٦ ـ تفسير القمّي ١ : ٤٢.

٧ ـ الكافي ٢ : ٣٠٣ / ١.

(١) وهو حمزة بن محمّد الطيّار ، كوفيّ من أصحاب الصّادق ٧. «معجم رجال الحديث ٦ : ٢٧٨».

(٢) البقرة ٢ : ١٠٤.

١٧٤

معهم؟

قال : «نعم ، والضلال وكل من أقر بالدعوة الظاهرة ، وكان إبليس ممن أقر بالدعوة الظاهرة معهم (٣)».

٣٨٩ / ٨ ـ الحسين بن سعيد : عن فضالة بن أيوب ، عن داود بن فرقد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إياك والغضب ، فإنه مفتاح كل شر».

وقال : «إن إبليس كان مع الملائكة ، [وكانت الملائكة] تحسب أنه منهم ، وكان في علم الله أنه ليس منهم ، فلما أمر بالسجود لآدم حمي وغضب ، فأخرج الله ما كان في نفسه بالحمية (١) والغضب».

٣٩٠ / ٩ ـ ابن بابويه : قال : حدثنا علي بن أحمد بن محمد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد بإسناده رفعه ، قال : أتى علي بن أبي طالب عليه‌السلام يهودي ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أسألك عن أشياء ، إن أخبرتني بها أسلمت.

قال علي عليه‌السلام : «سلني ـ يا يهودي ـ عما بدا لك ، فإنك لا تصيب أحدا أعلم منا أهل البيت». وذكر المسائل إلى أن قال : ولم سمي آدم آدم؟

قال : «وسمي آدم آدم لأنه خلق من أديم الأرض (١) ، وذلك أن الله تبارك وتعالى بعث جبرئيل عليه‌السلام ، وأمره أن يأتيه من أديم الأرض بأربع طينات : طينة بيضاء ، وطينة حمراء ، وطينة غبراء ، وطينة سوداء ، وذلك من سهلها وحزنها (٢). ثم أمره الله أن يأتيه بأربعة أمواه (٣) : ماء عذب ، وماء ملح ، وماء مر ، وماء منتن.

ثم أمره أن يفرغ الماء في الطين ؛ وأدمه الله بيده ، فلم يفضل شيء من الطين يحتاج إلى الماء ، ولا من الماء شيء يحتاج إلى الطين ، فجعل الماء العذب في حلقه ، وجعل الماء الملح في عينيه ، وجعل الماء المر في أذنيه ، وجعل الماء المنتن في أنفه».

__________________

(٣) قال المجلسيّ رحمه‌الله : حاصله أنّ الله تعالى إنّما أدخله في لفظ الملائكة لأنّه كان مخطوطا بهم وكونه ظاهرا منهم ، وإنّما وجّه الخطاب في الأمر بالسجود إلى هؤلاء الحاضرين وكان من بينهم فشمله الأمر ، أو المراد أنّه خاطبهم بـ (يا أيّها الملائكة) مثلا وكان إبليس أيضا مأمورا لكونه ظاهرا منهم ومظهرا لصفاتهم ، كما أن خطاب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يشمل المنافقين لكونهم ظاهرا من المؤمنين ، وأمّا ظنّ الملائكة فيحتمل أن يكون المراد أنّهم ظنوا أنّه منهم في الطاعة وعدم العصيان ، لأنّه يبعد أن لا يعلم الملائكة أنّه ليس منهم مع أنّهم رفعوه إلى السّماء وأهلكوا قومه ، فيكون من قبيل

قولهم عليهم‌السلام : «سلمان منّا أهل البيت»

على أنّه يحتمل أن يكون الملائكة ظنّوا أنّه كان ملكا جعله الله حاكما على الجانّ ، ويحتمل أن يكون هذا الظنّ من بعض الملائكة الذين لم يكونوا بين جماعة منهم قتلوا الجانّ ورفعوا إبليس.

«بحار الأنوار ١١ : ١٤٨».

٨ ـ كتاب الزهد : ٢٦ / ٦١.

(١) كذا ، والظاهر أنّ الصّواب : من الحمية.

٩ ـ علل الشرائع : ١ / ١.

(١) أديم الأرض : صعيدها وما ظهر منها. «مجمع البحرين ـ أدم ـ ٦ : ٦».

(٢) الحزن : ما غلظ من الأرض ، وهو خلاف السهل ، والجمع حزون. «مجمع البحرين ـ حزن ـ ٦ : ٢٣٢».

(٣) يجمع الماء على أمواه في القلة ، ويجمع على مياه في الكثرة. «مجمع البحرين ـ موه ـ ٦ : ٣٦٢».

١٧٥

٣٩١ / ١٠ ـ وعنه : قال : حدثنا الحسين (١) بن يحيى بن ضريس البجلي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبو جعفر عمارة (٢) السكري السرياني ، قال : حدثنا إبراهيم بن عاصم بقزوين ، قال : حدثنا عبد الله بن هارون الكرخي ، قال : حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن يزيد بن سلام بن عبيد الله مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : حدثنا أبي ـ عبد الله بن يزيد ـ قال : حدثني يزيد بن سلام (٣) أنه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : أخبرني عن آدم ، لم سمي آدم؟ قال : «لأنه خلق من طين الأرض وأديمها».

قال : فآدم خلق من الطين كله ، أو من طين واحد؟ قال : «بل من الطين كله ، ولو خلق من طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعضا ، وكانوا على صورة واحدة».

قال : فلهم في الدنيا مثل؟ قال : «التراب ؛ لأن فيه أبيض ، وفيه أخضر ، وفيه أشقر ، وفيه أغبر ، وفيه أحمر ، وفيه أزرق ، وفيه عذب ، وفيه

ملح ، وفيه خشن ، وفيه لين ، وفيه أصهب ، فلذلك صار الناس فيهم لين ، وفيهم خشن ، وفيهم أبيض ، وفيهم أصفر وأحمر وأصهب وأسود ، على ألوان التراب».

٣٩٢ / ١١ ـ الطبرسي : عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، وقد سأله طاوس اليماني ، قال له : فلم سمي آدم آدم؟

قال : لأنه رفعت طينته من أديم الأرض السفلى».

قال : فلم سميت حواء حواء؟ قال : «لأنها خلقت من ضلع حي» يعني ضلع آدم.

قال له : فلم سمي إبليس إبليس؟ قال : «لأنه أبلس من رحمة الله (١) عز وجل ، فلا يرجوها».

قال : فلم سمي الجن جنا؟ قال : «لأنهم استجنوا (٢) فلا يروا».

٣٩٣ / ١٢ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود العياشي ، عن أبيه ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، قال : حدثنا محمد بن الوليد ، عن العباس بن هلال ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنه ذكر : «أن اسم إبليس (الحارث) وإنما قول الله عز وجل : (يا إِبْلِيسُ) (١) يا عاصي ، وسمي إبليس لأنه أبلس من رحمة الله».

__________________

١٠ ـ علل الشرائع : ٤٧١ / ٣٣.

(١) في «س» : الحسن. والظاهر صحّة ما في «س» بقرينة الموارد الأخرى الكثيرة في مرويات الصدوق عنه. راجع معجم رجال الحديث ٦ :١١٣.

(٢) كذا في «س» والمصدر ، وفي موارد أخى : أبو جعفر بن عمار ـ. راجع التّوحيد : ٣٩٠ / ١ وعلل الشرائع : ١٣ / ٩.

(٣) زاد في موارد أخرى : عن أبيه سلاّم بن عبيد الله ، عن عبيد الله بن سلاّم مولى رسول الله. راجع المصدرين في التعليقة السابقة.

١١ ـ الاحتجاج ٢ : ٣٢٨.

(١) أبلس من رحمة الله ، أي يئس. «الصحاح ـ بلس ـ ٣ : ٩٠٩».

(٢) أستجنّ : أستتر. «المعجم الوسيط ـ جنن ـ ١ : ١٤١».

١٢ ـ معاني الأخبار : ١٣٨ / ١.

(١) الحجر ١٥ : ٣٢.

١٧٦

٣٩٤ / ١٣ ـ العياشي : عن جميل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن إبليس أكان من الملائكة ، أو كان يلي شيئا من أمر السماء؟ فقال : «لم يكن من الملائكة ، وكانت الملائكة ترى أنه منها ، وكان الله يعلم أنه ليس منها ، ولم يكن يلي شيئا من أمر السماء ولا كرامة».

فأتيت الطيار فأخبرته بما سمعت فأنكره ، وقال : كيف لا يكون من الملائكة والله يقول للملائكة (اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ)؟! فدخل عليه الطيار فسأله ـ وأنا عنده ـ فقال له : جعلت فداك ، قول الله عز وجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) (١) في غير مكان في مخاطبة المؤمنين ، أيدخل في هذه المنافقون؟ فقال : «نعم ، يدخل في هذه المنافقون والضلال وكل من أقر بالدعوة الظاهرة».

٣٩٥ / ١٤ ـ عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن إبليس ، أكان من الملائكة ، أو هل كان يلي شيئا من أمر السماء؟

قال : «لم يكن من الملائكة ، ولم يكن يلي شيئا من أمر السماء ، وكان من الجن ، وكان مع الملائكة ، وكانت الملائكة ترى أنه منها ، وكان الله يعلم أنه ليس منها ، فلما أمر بالسجود كان منه الذي كان».

٣٩٦ / ١٥ ـ عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن أول كفر كفر بالله ـ حيث خلق الله آدم ـ كفر إبليس ، حيث رد على الله أمره ، وأول الحسد حسد ابن آدم أخاه ، وأول الحرص حرص آدم ، نهي عن الشجرة فأكل منها فأخرجه حرصه من الجنة».

٣٩٧ / ١٦ ـ عن بدر بن خليل الأسدي ، عن رجل من أهل الشام ، قال : قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): «أول بقعة عبد الله عليها ظهر الكوفة ، لما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم على ظهر الكوفة».

٣٩٨ / ١٧ ـ عن موسى بن بكر (١) الواسطي ، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن الكفر والشرك ، أيهما أقدم؟ فقال : «ما عهدي بك تخاصم الناس!».

قلت : أمرني هشام بن الحكم أن أسألك عن ذلك. فقال لي : «الكفر أقدم ـ وهو الجحود ـ قال الله لإبليس : (أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ)».

__________________

١٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٣٣ / ١٥.

(١) البقرة ٢ : ١٠٤.

١٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٣٤ / ١٦.

١٥ ـ تفسير العيّاشي ١ لا ٣٤ / ١٧.

١٦ ـ تفسير العيّاشي ١ لا ٣٤ / ١٨.

١٧ ـ تفسير العيّاشي ١ لا ٣٤ / ١٩.

(١) في المصدر : بكر بن موسى. وهو سهو ، راجع رجال النجاشي : ٤٠٧ / ١٠٨١.

١٧٧

قوله تعالى :

وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ

شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ [٣٥] فَأَزَلَّهُمَا

الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ

لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ [٣٦]

٣٩٩ / ١ ـ قال الإمام أبو محمد العسكري عليه‌السلام : «إن الله عز وجل لما لعن إبليس بإبائه (١) ، وأكرم الملائكة بسجودها لآدم ، وطاعتهم لله عز وجل ، أمر بآدم وحواء إلى الجنة ، وقال : (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها) من الجنة (رَغَداً) واسعا (حَيْثُ شِئْتُما) بلا تعب (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) شجرة العلم ، شجرة علم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) الذين آثرهم (٢) الله عز وجل بها دون خلقه.

فقال تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) شجرة العلم ، فإنها لمحمد وآله خاصة دون غيرهم ، ولا يتناول منها بأمر الله إلا هم ، ومنها ما كان يتناوله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام بعد إطعامهم اليتيم والمسكين والأسير ، حتى لم يحسوا بعد بجوع ولا عطش ولا تعب ولا نصب.

وهي شجرة تميزت بين أشجار الجنة ؛ إن سائر أشجار الجنة كان كل نوع منها يحمل نوعا من الثمار والمأكول ، وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البر (٣) والعنب والتين والعناب (٤) وسائر أنواع الثمار والفواكه والأطعمة ، فلذلك اختلف الحاكون لذكر (٥) الشجرة ، فقال بعضهم : هي برة ، وقال آخرون : هي عنبة ، وقال آخرون : هي تينة ، وقال آخرون : هي عنابة.

قال الله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) تلتمسان بذلك درجة محمد وآل محمد وفضلهم ، فإن الله تعالى خصهم بهذه الدرجة دون غيرهم ، وهي الشجرة التي من تناول منها بإذن الله ألهم علم الأولين والآخرين من غير تعلم ، ومن تناول منها بغير إذن خاب من مراده وعصى ربه. (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) بمعصيتكما والتماسكما

__________________

سورة البقرة آية ـ ٣٥ ـ ٣٦ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام ٢٢١ / ١٠٣ و ١٠٤.

(١) أبى إباء : استعصى. «المعجم الوسيط ـ أبي ـ ١ : ٤».

(٢) آثره الشيء بالشّيء : خصّه به. «المعجم الوسيط ـ آثر ـ ١ : ٥».

(٣) البرّ : جمع برّة من القمح. «الصحاح ـ برر ـ ٢ : ٥٨٨».

(٤) العنّاب : شجر شائك من الفصيلة السدريّة ، يبلغ ارتفاعه ستّة أمتار ، ويطلق العنّاب على ثمره أيضا ، وهو أحمر حلو لذيذ الطعم على شكل ثمرة النبق. «المعجم الوسيط ـ عنب ـ ٢ : ٦٣٠».

(٥) في المصدر : لتلك.

١٧٨

درجة قد أوثر بها غيركما ـ كما أردتما ـ بغير حكم الله تعالى.

قال الله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها) عن الجنة ، بوسوسته وخديعته وإيهامه وغروره ، بأن بدأ بآدم فقال : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) (٦) إن تناولتما منها تعلمان الغيب ، وتقدران على ما يقدر عليه من خصه الله تعالى بالقدرة (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) (٧) لا تموتان أبدا.

(وَقاسَمَهُما) (٨) حلف لهما (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٩) وكان إبليس بين لحيي (١٠) الحية أدخلته الجنة ، وكان آدم يظن أن الحية هي التي تخاطبه ، ولم يعلم أن إبليس قد اختفي بين لحييها.

فرد آدم على الحية : أيتها الحية ، هذا من غرور إبليس لعنه الله ، كيف يخوننا ربنا؟ أم كيف تعظمين الله بالقسم به وأنت تنسبينه إلى الخيانة وسوء النظر وهو أكرم الأكرمين ، أم كيف أروم التوصل إلى ما منعني منه ربي عز وجل ، وأتعاطاه بغير حكمه؟! فلما يئس إبليس من قبول أمره (١١) منه ، عاد ثانية بين لحيي الحية فخاطب حواء من حيث يوهمها أن الحية هي التي تخاطبها ، وقال : يا حواء ، أرأيت هذه الشجرة التي كان الله عز وجل حرمها عليكما ، قد أحلها لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما ، وتوقير كما إياه؟ وذلك أن الملائكة الموكلين بالشجرة ـ التي معها الحراب ، يدفعون عنها سائر حيوان الجنة ـ لا تدفعك عنها ، إن رمتها (١٢) ، فاعلمي بذلك أنه قد أحل لك ، وأبشري بأنك إن تناولتها قبل آدم كنت أنت المسلطة عليه ، الآمرة الناهية فوقه.

فقالت حواء : سوف أجرب هذا. فرامت الشجرة فأرادت الملائكة أن تدفعها عنها بحرابها ، فأوحى الله تعالى إليها : إنما تدفعون بحرابكم من لا عقل له يزجره ، فأما من جعلته متمكنا (١٣) مختارا ، فكلوه إلى عقله (١٤) الذي جعلته حجة عليه ، فإن أطاع استحق ثوابي ، وإن عصى وخالف أمري استحق عقابي وجزائي ، فتركوها ولم يتعرضوا لها ، بعد ما هموا بمنعها بحرابهم ، فظنت أن الله تعالى نهاهم عن منعها لأنه قد أحلها بعد ما حرمها.

فقالت : صدقت الحية. وظنت أن المخاطب لها هي الحية ، فتناولت منها ولم تنكر (١٥) من نفسها شيئا.

فقالت : يا آدم ، ألم تعلم أن الشجرة المحرمة علينا قد أبيحت لنا؟ تناولت منها فلم يمنعني أملاكها ، ولم أنكر شيئا من ذلك.

__________________

(٦ ، ٧) الأعراف ٧ : ٢٠.

(٨ ، ٩) الأعراف ٧ : ٢١.

(١٠) اللحي : عظم الحنك ، واللّحيان : العظمان اللّذان تنبت اللحية على بشرتهما. «مجمع البحرين ـ لحا ـ ١ : ٣٧٣».

(١١) في المصدر : آدم.

(١٢) رمت الشيء : إذا طلبته «الصحاح ـ روم ـ ٥ : ١٩٣٨».

(١٣) في المصدر : ممكنا مميّزا.

(١٤) وكل فلانا إلى رأيه : تركه ولم يعنه. «معجم الوسيط ٢ : ١٠٥٤».

(١٥) التنكّر : التغيّر. «لسان العرب ـ نكر ـ ٥ : ٢٣٤».

١٧٩

فذلك حين اغتر آدم وغلط فتناول ، فأصابهما ما قال الله تعالى في كتابه : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما) بوسوسته ، وغروره ، (مِمَّا كانا فِيهِ) من النعيم (وَقُلْنا) يا آدم ، ويا حواء ، ويا أيتها الحية ، ويا إبليس (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) آدم وحواء وولدهما عدو الحية ، وإبليس والحية وأولادهما أعداؤكم. (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) أي منزل ومقر للمعاش (وَمَتاعٌ) منفعة (إِلى حِينٍ) الموت».

٤٠٠ / ٢ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عثمان ، عن الحسن بن بسام (١) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن جنة آدم ، فقال : «جنة آدم من جنان الدنيا ، تطلع (٢) فيها الشمس والقمر ، ولو كانت من جنان الخلد ما خرج منها أبدا».

٤٠١ / ٣ ـ محمد بن يعقوب : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الحسين ابن ميسر ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن جنة آدم؟ فقال : «جنة من جنان الدنيا ، تطلع فيها الشمس والقمر ، ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبدا».

٤٠٢ / ٤ ـ علي بن إبراهيم ، قال : حدثني أبي رفعه ، قال : سئل الصادق عليه‌السلام ، عن جنة آدم ، أمن جنان الدنيا كانت ، أم من جنان الآخرة؟ فقال : «كانت من جنان الدنيا ، تطلع فيها الشمس والقمر ، ولو كانت من جنان الآخرة ما أخرج منها أبدا» (١).

قال : «فلما أسكنه الله الجنة وأتى جهالة إلى الشجرة أخرجه ، لأن الله خلق خلقة لا تبقى إلا بالأمر والنهي والغذاء واللبس والإسكان (٢) والنكاح ، ولا يدرك ما ينفعه مما يضره إلا بالتوقيف (٣).

فجاءه إبليس ، فقال له : إنكما إذا أكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها ، صرتما ملكين ، وبقيتما في الجنة أبدا ، وإن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنة. وحلف لهما أنه لهما ناصح ، كما قال الله عز وجل حكاية عنه : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ * وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٤).

فقبل آدم قوله ، فأكلا من الشجرة فكان كما حكى الله : (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) (٥) وسقط عنهما ما ألبسهما

__________________

٢ ـ علل الشرائع : ٦٠٠ / ٥٥.

(١) في المصدر : بشّار.

(٢) في المصدر زيادة : عليه.

٣ ـ الكافي ٣ : ٢٤٧ / ٢.

٤ ـ تفسير القمّي ١ : ٤٣.

(١) في المصدر زيادة : ولم يدخلها إبليس.

(٢) في المصدر : واللباس والأكنان ، والكنّ : السترة ، والجمع أكنان. «الصحاح ـ كنن ـ ٦ : ٢١٨٨».

(٣) التوقيف : نصّ الشارع المتعلّق ببعض الأمور. «المعجم الوسيط ـ وقف ـ ٢ : ١٠٥١».

(٤) الأعراف ٧ : ٢٠ و ٢١.

(٥) الأعراف ٧ : ٢٢.

١٨٠