البرهان في تفسير القرآن - ج ١

السيد هاشم الحسيني البحراني

البرهان في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني البحراني


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٥٢

فضلها

٣٠٧ / ١ ـ العياشي : عن سعد الإسكاف ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعطيت الطوال (١) مكان التوراة ، وأعطيت المئين (٢) مكان الإنجيل ، وأعطيت المثاني (٣) مكان الزبور ، وفضلت بالمفصل (٤) سبع وستين سورة».

٣٠٨ / ٢ ـ ابن بابويه والعياشي : عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من قرأ البقرة وآل عمران ، جاء يوم القيامة تظلانه على رأسه مثل الغمامتين ، أو العباءتين». (١)

٣٠٩ / ٣ ـ العياشي : عن عمرو بن جميع ، رفعه إلى علي عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قرأ أربع آيات من أول البقرة ، وآية الكرسي ، وآيتين بعدها ، وثلاث آيات من آخرها ، لم ير في نفسه وأهله وماله شيئا يكرهه ، ولم يقربه الشيطان ، ولم ينس القرآن».

__________________

١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٢٥ / ١.

(١) الطوال : فسّرت بالبقرة وآل عمران والنّساء والمائدة والأنعام والأعراف والتّوبة. «مجمع البحرين ـ طول ـ ٥ : ٤١٤».

(٢) الميين : من سورة بني إسرائيل إلى سبع سور ، سمّيت بها لأنّ كلاّ منها على نحو مائة آية. «تفسير الصافي ١ : ١٨».

(٣) المثاني : قيل : فاتحة الكتاب ، وقيل : المثاني سور أوّلها البقرة وآخرها براءة ، وقيل : ما كان دون الميين ، وقيل : هي القرآن كلّه. «لسان العرب ـ ثني ـ ١٤ : ١١٩».

(٤) قيل : إنّما سمّي به لكثرة ما يقع فيه من فصول التسمية بين السور ، وقيل : لقصر سوره ، واختلف في أوّله ، فقيل : من سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقيل : من سورة ق ، وقيل : من سورة الفتح. «مجمع البحرين ـ فصل ـ ٥ : ٤٤١».

٢ ـ ثواب الأعمال : ١٠٤ ، تفسير العيّاشي ١ : ٢٥ / ٢.

(١) في المصدرين : الغيابتين ، والظاهر انّهما تصحيف الغيايتين ، والغياية : كلّ شيء أظلّ الإنسان فوق رأسه كالسّحابة ونحوها. «النهاية ٣ : ٤٠٣».

٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٢٥ / ٣.

١٢١
١٢٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الم [١] ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [٢]

٣١٠ / ١ ـ أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم ، قال : حدثني أبي ، عن يحيى بن أبي عمران ، عن يونس ، عن سعدان بن مسلم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «الكتاب : علي عليه‌السلام لا شك فيه». (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) قال : «بيان لشيعتنا».

قوله تعالى :

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [٣]

٣١١ / ٢ ـ علي بن إبراهيم ، قال : مما علمناهم ، ينبئون ، ومما علمناهم من القرآن يتلون. وقال : (الم) هو حرف من حروف اسم الله الأعظم ، المقطع (١) في القرآن ، الذي خوطب به النبي (عليه الصلاة والسلام) والإمام ، فإذا دعا به أجيب.

٣١٢ / ٣ ـ العياشي : عن سعدان بن مسلم ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : (الم * ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) ، قال : «كتاب علي لا ريب فيه». (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) قال : «المتقون : شيعتنا». (الَّذِينَ

__________________

سورة البقرة آية ـ ١ ـ ٢ ـ

١ ـ تفسير القمي ١ : ٣٠.

سورة البقرة آية ـ ٣ ـ

١ ـ تفسير القمي ١ : ٣٠.

(١) اختلف العلماء في الحروف المعجمة ، المفتتحة بها السور ، فذهب بعضهم إلى أنها من المتشابهات التي استأثر الله تعالى بعلمها ، ولا يعلم تأويلها إلا هو ، وهذا هو المروي عن أئمتنا عليهم‌السلام. وروت العامة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : «إن لكل كتاب صفوة ، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي». وعن الشعبي ، قال : لله في كل كتاب سر ، وسره في القرآن سائر حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور. وفسرها آخرون على وجوه. أنظر تفسير مجمع البيان ١ : ١١٢.

٢ ـ تفسير العياشي ١ : ٢٥ / ١.

١٢٣

يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) قال : «ومما علمناهم ينبئون».

٣١٣ / ٣ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن يحيى بن أبي عمران ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن سعدان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «(الم) هو حرف من حروف اسم الله الأعظم المقطع في القرآن ، الذي يؤلفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام ، فإذا دعا به أجيب».

(ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) قال : «بيان لشيعتنا». (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) قال : «مما علمناهم ينبئون ، وما علمناهم من القرآن يتلون».

٣١٤ / ٤ ـ وعنه ، قال : حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن داود بن كثير الرقي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله عز وجل : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ). قال : «من آمن بقيام القائم عليه‌السلام أنه حق».

٣١٥ / ٥ ـ وعنه ، قال : حدثنا علي بن أحمد بن محمد (١) الدقاق رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمه الحسين بن يزيد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن يحيى بن أبي القاسم ، قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : (الم * ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) فقال : «المتقون : شيعة علي عليه‌السلام ، والغيب فهو الحجة الغائب ، وشاهد ذلك قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)». (٢)

٣١٦ / ٦ ـ وعنه : بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في حديث يذكر فيه الأئمة الاثني عشر وفيهم القائم عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «طوبى للصابرين في غيبته ، طوبى للمقيمين على محبتهم ، أولئك من وصفهم الله في كتابه ، فقال : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) وقال : (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)». (١)

٣١٧ / ٧ ـ وعنه : قال : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن

__________________

٣ ـ معاني الأخبار : ٢٣ / ٢.

٤ ـ كمال الدّين وتمام النعمة : ١٧.

٥ ـ كمال الدّين وتمام النعمة : ١٧.

(١) في المصدر : موسى ، وكلاهما من مشايخ الصدوق ، ولا يبعد اتحادهما ، أنظر معجم رجال الحديث ١١ : ٢٥٤ و ٢٥٥.

(٢) يونس ١٠ : ٢٠.

٦ ـ كفاية الأثر : ٦٠.

(١) المجادلة ٥٨ : ٢٢.

٧ ـ معاني الأخبار : ٢٣ / ٣.

١٢٤

الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن محمد بن قيس ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام ، يحدث : «أن حييا (١) وأبا ياسر ابني أخطب ، ونفرا من يهود أهل نجران ، (٢) أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا له : أليس فيما تذكر فيما أنزل عليك : (الم)؟ قال : بلى ، قالوا : أتاك بها جبرئيل من عند الله؟ قال : نعم ، قالوا : لقد بعثت أنبياء قبلك ، وما نعلم نبيا منهم أخبر ما مدة ملكه ، وما أجل أمته غيرك! قال : فأقبل حيي بن أخطب على أصحابه ، فقال : الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فهذه إحدى وسبعون سنة ، فعجب ممن يدخل في دين مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة! قال : ثم أقبل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا محمد ، هل من هذا غيره؟ قال : نعم ، قال : فهاته ، قال : (المص) (٣) ، قال : هذه أثقل وأطول ، الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والصاد تسعون ، فهذه مائة وإحدى وستون!

ثم قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فهل مع هذا غيره؟ قال : نعم ، قال : هاته ، قال : (الر) (٤) ، قال : هذه أثقل وأطول ، الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والراء مائتان!

ثم قال : هل مع هذا غيره؟ قال : نعم ، قال : هاته ، قال : (المر) (٥) قال : هذه أثقل وأطول ، الألف واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والراء مائتان!

ثم قال : هل مع هذا غيره؟ قال : نعم ، قالوا : قد التبس علينا أمرك ، فما ندري ما أعطيت! ثم قاموا عنه.

ثم قال أبو ياسر لحيي أخيه ، ما يدريك ، لعل محمدا قد جمع له هذا كله ، وأكثر منه».

قال : فذكر أبو جعفر عليه‌السلام : «أن هذه الآيات أنزلت فيهم (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) (٦) ـ قال ـ : وهي تجري في وجه آخر ، على غير تأويل حيي وأبي ياسر وأصحابهما».

٣١٨ / ٨ ـ وعنه ، قال : أخبرنا أبو الحسن محمد بن هارون الزنجاني فيما كتب إلي على يدي علي بن أحمد البغدادي الوراق ، قال : حدثنا معاذ بن المثنى العنبري ، قال : حدثنا عبد الله بن أسماء ، قال : حدثنا جويرية ، عن سفيان بن سعيد الثوري ، قال : قلت لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام : يا ابن رسول الله ، ما معنى قول الله عز وجل : (الم)؟ قال عليه‌السلام : «أما (الم) في أول البقرة ، فمعناه أنا الله الملك».

__________________

(١) في «س» و «ط» : حيّا ، والصواب ما أثبتناه من المصدر. راجع طبقات ابن سعد ٢ : ٤٨ ، الكامل في التاريخ ٢ : ١٧٣.

(٢) نجران : في عدّة مواضع ، منها : نجران في مخاليف اليمن من ناحية مكّة. «معجم البلدان ٥ : ٢٦٦».

(٣) الأعراف ٧ : ١.

(٤) يونس ١٠ : ١.

(٥) الرّعد ١٣ : ١.

(٦) آل عمران ٣ : ٧.

٨ ـ معاني الأخبار : ٢٢ / ١.

١٢٥

٣١٩ / ٩ ـ وعنه ، قال : حدثنا محمد بن القاسم الأسترابادي ، المعروف بأبي الحسن الجرجاني رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثني أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد ، وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار ، عن أبويهما ، عن الحسن ابن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم) ، أنه قال : «كذبت قريش واليهود بالقرآن ، وقالوا هذا سحر مبين تقوله ، فقال الله : (الم * ذلِكَ الْكِتابُ) أي يا محمد ، هذا الكتاب الذي أنزلته عليك ، هو الحروف المقطعة ، التي منها : ألف ، لام ، ميم ، وهو بلغتكم وحروف هجائكم ، فأتوا بمثله إن كنتم صادقين ، واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم.

ثم بين أنهم لا يقدرون عليه بقوله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً). (١) ثم قال تعالى : (الم) هو القرآن الذي افتتح بـ (الم) هو ذلك الكتاب الذي أخبرت به موسى ، فمن بعده من الأنبياء ، وأخبروا بني إسرائيل : أني سأنزله عليك ـ يا محمد ـ كتابا عربيا عزيزا (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ). (٢) (لا رَيْبَ فِيهِ) لا شك فيه ، لظهوره عندهم كما أخبرهم أنبياؤهم : أن محمدا ينزل عليه كتاب لا يمحوه الباطل ، يقرؤه هو وأمته على سائر أحوالهم. (هُدىً) بيان من الضلالة. (لِلْمُتَّقِينَ) الذين يتقون الموبقات ، ويتقون تسليط السفه على أنفسهم ، حتى إذا علموا ما يجب عليهم علمه ، عملوا بما يجب لهم رضا ربهم».

ثم قال : «وقال الصادق عليه‌السلام : الألف حرف من حروف [قول الله ، دل بالألف على] قولك : الله ، ودل باللام على قولك : الملك العظيم القاهر للخلق أجمعين ، ودل بالميم على أنه المجيد المحمود في كل أفعاله ، وجعل هذا القول حجة على اليهود ، وذلك أن الله لما بعث موسى بن عمران ، ثم من بعده من الأنبياء إلى بني إسرائيل ، لم يكن فيهم قوم إلا أخذوا عليهم العهود والمواثيق ، ليؤمنن بمحمد العربي المبعوث بمكة ، الذي يهاجر إلى المدينة ، يأتي بكتاب ، بالحروف المقطعة افتتاح بعض سوره ، تحفظه أمته ، فيقرءونه قياما وقعودا ومشاة ، وعلى كل الأحوال ، يسهل الله عز وجل حفظه عليهم.

ويقرنون بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخاه ووصيه علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، الآخذ عنه علومه التي علمها ، والمتقلد منه الإمامة التي قلدها ، ويذلل كل من عاند محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسيفه الباتر ، ويفحم (٣) كل من جادله وخاصمه بدليله القاهر ، يقاتل عباد الله على تنزيل كتاب الله ، حتى يقودهم إلى قبوله طائعين وكارهين ، ثم إذا صار محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى رضوان الله عز وجل وارتد كثير ممن كان أعطاه ظاهر الإيمان ، وحرفوا تأويلاته ، وغيروا معانيه ، ووضعوها على خلاف وجوهها ، قاتلهم بعده على تأويله ، حتى يكون إبليس الغاوي لهم ، هو الخاسر

__________________

٩ ـ معاني الأخبار : ٢٤ / ٤.

(١) الإسراء ١٧ : ٨٨.

(٢) فصّلت ٤١ : ٤٢.

(٣) يقال : كلّمته حتّى أفحمته ، إذا أسكتّه في خصومة أو غيرها. «الصحاح ـ فحم ـ ٥ : ٢٠٠٠».

١٢٦

الذليل المطرود المغلوب».

قال : «فلما بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأظهره بمكة ، ثم سيره منها إلى المدينة ، وأظهره بها ، ثم أنزل عليه الكتاب ، وجعل افتتاح سورته الكبرى بـ (الم) ـ يعني (الم * ذلِكَ الْكِتابُ) ـ الذي أخبرت أنبيائي السالفين أني سأنزله عليك ـ يا محمد ـ (لا رَيْبَ فِيهِ) فقد ظهر ـ كما أخبرهم به أنبياؤهم ـ أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينزل عليه كتاب مبارك ، لا يمحوه الباطل ، يقرؤه هو وأمته على سائر أحوالهم.

ثم اليهود يحرفونه ، ويتأولونه على خلاف وجهه ، ويتعاطون التوصل إلى علم ما قد طواه الله عنهم ، من حال آجال هذه الأمة ، وكم مدة ملكهم. فجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [منهم] جماعة ، فولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام مخاطبتهم. فقال قائلهم : إن كان ما يقول محمد حقا فقد علمناكم قدر ملك أمته ، هو إحدى وسبعون سنة ، الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون.

فقال علي عليه‌السلام : فما تصنعون بـ (المص) وقد أنزلت عليه؟! قالوا : هذه إحدى وستون ومائة سنة.

قال : فما تصنعون بـ (الر) وقد أنزلت عليه؟! فقالوا : هذه أكثر ، هذه مائتان وإحدى وثلاثون سنة.

فقال علي عليه‌السلام : فما تصنعون بمن أنزل عليه (المر)؟! قالوا : هذه مائتان وإحدى وسبعون سنة.

فقال علي عليه‌السلام : فواحدة من هذه له ، أو جميعها له؟ فاختلط كلامهم ، فبعضهم قال : له واحدة منها ، وبعضهم قال : بل تجمع له كلها ، وذلك سبعمائة وأربع [وثلاثون] سنة ، ثم يرجع الملك إلينا ، يعني إلى اليهود.

فقال علي عليه‌السلام : أكتاب من كتب الله نطق بهذا ، أم آراؤكم دلتكم عليه؟ فقال بعضهم : كتاب الله نطق به ، وقال آخرون منهم : بل آراؤنا دلت عليه.

فقال علي عليه‌السلام : فأتوا بالكتاب من عند الله ينطق بما تقولون ، فعجزوا عن إيراد ذلك ، وقال للآخرين : فدلونا على صواب هذا الرأي ، فقالوا : صواب رأينا دليله على أن هذا حساب الجمل. (٤) فقال علي عليه‌السلام : كيف دل على ما تقولون ، وليس في هذه الحروف ما اقترحتم به بلا بيان؟! أرأيتم إن قيل لكم : إن عدد ذلك ، لكل واحد منا ومنكم ، بعدد هذا الحساب ، دراهم أو دنانير ، أو على أن لعلي على كل واحد منكم دينا ، عدد ماله مثل عدد هذا الحساب ، أو أن كل واحد منكم قد لعن بعدد هذا الحساب.

قالوا : يا أبا الحسن ، ليس شيء مما ذكرته منصوصا في (الم) و (المص) و (الر) و (المر) فإن بطل قولنا لما قلنا ، بطل قولك لما قلت ، فقال خطيبهم ومنطيقهم (٥) : لا تفرح ـ يا علي ـ بأن عجزنا عن إقامة حجة على دعوانا ، فأي حجة في دعواك؟ إلا أن تجعل عجزنا حجتك ، فإذن ما لنا حجة فيما نقول ، ولا لكم حجة فيما تقولون. قال علي عليه‌السلام : لا سواء ، وإن لنا حجة هي المعجزة الباهرة.

__________________

(٤) حساب الجمّل : ما قطع على حروف : أبجد ، هوز ، حطي ، كلمن ، سعفص ، قرشت ، ثخذ ، ضظغ. الألف واحد ، والباء اثنان ، ثمّ كذلك إلى الياء ، وهي عشرة ، ثمّ الكاف عشرون ، ثمّ كذلك إلى القاف وهي مائة ، ثمّ الراء مائتان ، ثمّ كذلك إلى الغين وهي ألف وهكذا. «مجمع البحرين ـ جمل ـ ٥ : ٣٤٢».

(٥) المنطيق : البليغ. «الصحاح ـ نطق ـ ٤ : ١٥٥٩».

١٢٧

ثم نادى جمال اليهود : يا أيتها الجمال ، اشهدي لمحمد ولوصيه ، فتبادرت الجمال : صدقت ، صدقت ـ يا وصي محمد ـ وكذب هؤلاء اليهود.

فقال علي عليه‌السلام : هؤلاء جنس من الشهود ، يا ثياب اليهود التي عليهم ، اشهدي لمحمد ولوصيه ، فنطقت ثيابهم كلها : صدقت ، صدقت ـ يا علي ـ نشهد أن محمدا رسول الله حقا ، وأنك ـ يا علي ـ وصيه حقا ، لم يثبت لمحمد قدم في مكرمة إلا وطئت على موضع قدمه بمثل مكرمته ، فأنتما شقيقان من أشرف أنوار الله تعالى ، تميزتما اثنين ، وأنتما في الفضائل شريكان ، إلا أنه لا نبي بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فعند ذلك خرست اليهود ، وآمن بعض النظارة (٦) منهم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغلب الشقاء على اليهود ، وسائر النظارة الآخرين ، فذلك ما قال الله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) إنه كما قال محمد ، ووصي محمد عن قول محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عن قول رب العالمين.

ثم قال : (هُدىً) بيان وشفاء للمتقين من شيعة محمد وعلي ، إنهم اتقوا أنواع الكفر فتركوها ، واتقوا الذنوب الموبقات فرفضوها ، واتقوا إظهار أسرار الله ، وأسرار أزكياء عباده الأوصياء بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكتموها ، واتقوا ستر العلوم عن أهلها المستحقين لها ، وفيهم نشروها».

٣٢٠ / ١٠ ـ العياشي : عن محمد بن قيس ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يحدث ، قال : «إن حييا وأبا ياسر ـ ابني أخطب ـ ونفرا من اليهود ـ أهل خيبر ـ (١) أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا له : أليس فيما تذكر ، فيما أنزل عليك : (الم)؟ قال : بلى.

قالوا : أتاك بها جبرئيل من عند الله؟ قال : نعم.

قالوا : لقد بعثت أنبياء قبلك ، وما نعلم نبيا منهم أخبر ما مدة ملكه ، وما أجل أمته غيرك!

فأقبل حيي على أصحابه ، فقال لهم : الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فهي إحدى وسبعون سنة ، فعجب ممن يدخل في دين مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة.

ثم أقبل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا محمد ، هل مع هذا غيره؟ فقال : نعم. قال : فهاته. قال : (المص). قال : هذه أثقل وأطول ، الألف واحد ، واللام ثلاثون».

قلت : تمام هذا الحديث ساقط ، وبعده حديث لا يناسبه في نسختين من العياشي. (٢)

__________________

(٦) النظّارة : القوم ينظرون إلى الشّيء. «المعجم الوسيط ـ نظر ـ ٢ : ٩٣٢».

١٠ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٢٦ / ٢.

(١) وهو الموضع المشهور ، الذي غزاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على ثمانية برد من المدينة من جهة الشّام ، ويطلق على الولاية ، وكان بها سبعة حصون لليهود. «مراصد الاطلاع ١ : ٤٩٤».

(٢) اعلم أنّ تمام الحديث في العيّاشي : «الألف واحد واللاّم ثلاثون من الماء المالح الأجاج فصلصلها في كفّه فجمدت ... إلى آخره» وهذا لا يناسب الحديث.

وفي معاني الأخبار : ٢٣ / ٣! «الألف واحد واللاّم ثلاثون والميم أربعون والصّاد تسعون فهذه مائة وإحدى وستّون سنة ... إلى آخره».

١٢٨

٣٢١ / ١١ ـ قال علي بن إبراهيم : والهداية في كتاب الله على وجوه ، فـ (هُدىً) هو البيان (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) قال : يصدقون بالبعث والنشور ، والوعد والوعيد.

٣٢٢ / ١٢ ـ وقال علي بن إبراهيم : والإيمان في كتاب الله على أربعة وجوه : فمنه إقرار باللسان ، وقد سماه الله تبارك وتعالى إيمانا ، ومنه تصديق بالقلب ، ومنه الأداء ، ومنه التأييد.

فأما الإيمان الذي هو إقرار باللسان ، وقد سماه الله تبارك وتعالى إيمانا ، ونادى أهله به بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً * وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً * وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً). (١)

فقال الصادق عليه‌السلام : «لو أن هذه الكلمة قالها أهل المشرق وأهل المغرب ، لكانوا بها خارجين من الإيمان ، ولكن قد سماهم الله مؤمنين بإقرارهم».

وفي قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) (٢) فقد سماهم الله مؤمنين بإقرارهم ، ثم قال لهم : صدقوا.

وأما الإيمان الذي هو التصديق فقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) (٣) يعني صدقوا ، وقوله : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى) (٤) أي لا نصدقك ، وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي يا أيها الذين أقروا وصدقوا ، فالإيمان الخفي (٥) هو التصديق.

وللتصديق شروط ، لا يتم التصديق إلا بها ؛ وقوله : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (٦) فمن أقام بهذه الشروط ، فهو مؤمن مصدق.

وأما الإيمان الذي هو الأداء ، فهو قوله لما حول الله قبلة رسوله إلى الكعبة ، قال أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله ، فصلواتنا إلى بيت المقدس بطلت؟ فأنزل الله تبارك وتعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ

__________________

١١ ـ تفسير القمي ١ : ٣٠.

١٢ ـ تفسير القمي ٤ ١ : ٣٠.

(١) النساء ٤ : ٧١ ـ ٧٣.

(٢) النساء ٤ : ١٣٦.

(٣) يونس ١٠ : ٦٣ و ٦٤.

(٤) البقرة ٢ : ٥٥.

(٥) في «ط» نسخة بدل : الحق.

(٦) البقرة ٢ : ١٧٧.

١٢٩

إِيمانَكُمْ) (٧) فسمى الصلاة إيمانا.

والوجه الرابع من الإيمان هو التأييد ، الذي جعله الله في قلوب المؤمنين ، من روح الإيمان ، فقال : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) (٨). والدليل على ذلك ، قوله (عليه الصلاة والسلام): «لا يزني الزاني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق وهو مؤمن ، يفارقه روح الإيمان ما دام على بطنها ، فإذا قام عاد إليه».

قيل : وما الذي يفارقه؟ قال : «الذي يدعه في قلبه». (٩) ثم

قال عليه‌السلام : «ما من قلب إلا وله أذنان ، على إحداهما ملك مرشد ، وعلى الأخرى شيطان مفتن ، هذا يأمره وهذا يزجره». (١٠)

ومن الإيمان ما قد ذكره الله في القرآن : خبيث ، وطيب ، فقال : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (١١). فمنهم من يكون مؤمنا مصدقا ، ولكنه يلبس إيمانه بظلم ، وهو قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ). (١٢) فمن كان مؤمنا ، ثم دخل في المعاصي التي نهى الله عنها ، فقد لبس إيمانه بظلم ، فلا ينفعه الإيمان ، حتى يتوب إلى الله من الظلم الذي لبس إيمانه ، حتى يخلص لله إيمانه ، فهذه وجوه الإيمان في كتاب الله.

٣٢٣ / ١٣ ـ تفسير الإمام أبي محمد العسكري عليه‌السلام في قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ).

قال الإمام عليه‌السلام : «وصف هؤلاء المؤمنين ، الذين هذا الكتاب هدى لهم ، فقال : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) يعني ما غاب عن حواسهم ، من الأمور التي يلزمهم الإيمان بها ؛ كالبعث ، والحساب ، والجنة ، والنار ، وتوحيد الله ، وسائر ما لا يعرف بالمشاهدة ، وإنما يعرف بدلائل قد نصبها الله تعالى عليها ؛ كآدم ، وحواء ، وإدريس ، ونوح ، وإبراهيم ، والأنبياء الذين يلزمهم الإيمان بهم ، بحجج الله تعالى ، وإن لم يشاهدوهم ، ويؤمنون بالغيب : (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ)». (١)

__________________

(٧) البقرة ٢ : ١٤٣.

(٨) المجادلة ٥٨ : ٢٢.

(٩) ورد نحوه في قرب الاسناد : ١٧ ، الكافي ٢ : ٢١٤ / ١٣ ، ثواب الأعمال : ٢٦٢.

(١٠) الكافي ٢ : ٢٠٥ / ١.

(١١) آل عمران ٣ : ١٧٩.

(١٢) الأنعام ٦ : ٨٢.

١٣ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٦٧ / ٣٤.

(١) الأنبياء ٢١ : ٤٩.

١٣٠

قوله تعالى :

وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ

يُوقِنُونَ [٤]

٣٢٤ / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : وقوله : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) قال : بما أنزل من القرآن إليك ، وبما أنزل على الأنبياء من قبلك من الكتب.

قوله تعالى :

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ

[٦]

٣٢٥ / ٢ ـ محمد بن يعقوب : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن يزيد ، عن أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عز وجل؟ قال : «الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه : فمنها كفر الجحود ، والجحود على وجهين ، والكفر بترك ما أمر الله ، وكفر البراءة ، وكفر النعم.

فأما كفر الجحود ، فهو الجحود بالربوبية ، وهو قول من يقول : لا رب ولا جنة ولا نار ، وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم : الدهرية ، وهم الذين يقولون : (وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ) (١) وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان على غير تثبت منهم ، ولا تحقيق لشيء مما يقولون ، قال الله عز وجل : (إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) (٢) إن ذلك كما يقولون ، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) يعني بتوحيد الله تعالى ، فهذا أحد وجوه الكفر.

وأما الوجه الآخر من الجحود على معرفة (٣) ، وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنه حق ، قد استقر عنده ،

__________________

سورة البقرة آية ـ ٤ ـ

١ ـ تفسير القمّي ١ : ٣٢.

سورة بقرة آية ـ ٦ ـ

١ ـ الكافي ٢ : ٢٨٧ / ١.

(١) و (٢) الجاثية ٤٥ : ٢٤.

(٣) كذا ، ولعلّ الصواب : وأمّا الوجه الآخر من الجحود فهو الجحود على معرفة. أنظر مرآة العقول ١١ : ١٢٦.

١٣١

وقد قال الله عز وجل : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (٤) وقال الله عز وجل : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) (٥) فهذا تفسير وجهي الجحود.

والوجه الثالث من الكفر كفر النعم ، وذلك قوله تعالى يحكي قول سليمان عليه‌السلام : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (٦) ، وقال عز وجل : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) (٧) وقال : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ). (٨) والوجه الرابع من الكفر ترك ما أمر الله عز وجل به ، وهو قول الله عز وجل : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) (٩) فكفرهم بترك ما أمر الله عز وجل به ، ونسبهم إلى الإيمان ولم يقبله منهم ، ولم ينفعهم عنده ، فقال : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ). (١٠) والوجه الخامس من الكفر كفر البراءة ، وذلك قول الله عز وجل يحكي قول إبراهيم عليه‌السلام : (كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) (١١) يعني تبرأنا منكم ، وقال يذكر إبليس وتبرءه من أوليائه من الإنس يوم القيامة : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) (١٢) وقال : (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) (١٣) يعني يتبرأ بعضكم من بعض».

__________________

(٤) النّمل ٢٧ : ١٤.

(٥) البقرة ٢ : ٨٩.

(٦) النّمل ٢٧ : ٤٠.

(٧) إبراهيم ١٤ : ٧.

(٨) البقرة ٢ : ١٥٢.

(٩) البقرة ٢ : ٨٤ و ٨٥.

(١٠) البقرة ٢ : ٨٥.

(١١) الممتحنة ٦٠ : ٤.

(١٢) إبراهيم ١٤ : ٢٢.

(١٣) العنكبوت ٢٩ : ٢٥.

١٣٢

قوله تعالى :

خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ

عَذابٌ عَظِيمٌ [٧]

٣٢٦ / ١ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا محمد بن أحمد السناني رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن سهل بن زياد الآدمي ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني رضي‌الله‌عنه ، عن إبراهيم بن أبي محمود ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن قول الله عز وجل : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ).

قال : «الختم : هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم ، كما قال الله عز وجل : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)». (١)

٣٢٧ / ٢ ـ تفسير العسكري عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيكم وقى بنفسه نفس رجل مؤمن البارحة؟

فقال علي عليه‌السلام : أنا هو ـ يا رسول الله ـ وقيت بنفسي نفس ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري. (١) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حدث بالقصة إخوانك المؤمنين ، ولا تكشف عن اسم المنافقين الكائدين لنا ، فقد كفاكم الله شرهم ، وأخرهم للتوبة ، لعلهم يتذكرون أو يخشون.

فقال علي عليه‌السلام : بينا أنا أسير في بني فلان بظاهر المدينة ، وبين يدي ـ بعيدا مني ـ ثابت بن قيس ، إذ بلغ بئرا عادية عميقة بعيدة القعر ، وهناك رجل (٢) من المنافقين فدفعه ليرميه (٣) في البئر ، فتماسك ثابت ، ثم عاد فدفعه ، والرجل لا يشعر بي حتى وصلت إليه ، وقد اندفع ثابت في البئر ، فكرهت أن اشتغل بطلب المنافق خوفا على ثابت ، فوقعت في البئر لعلي آخذه ، فنظرت فإذا أنا قد سبقته إلى قرار البئر.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وكيف لا تسبقه وأنت أرزن (٤) منه؟! ولو لم يكن من رزانتك إلا ما في جوفك من علم الأولين والآخرين ، أودعه الله رسوله [وأودعك] ، لكان من حقك أن تكون أرزن من كل شيء ، فكيف كان

__________________

سورة البقرة آية ـ ٧ ـ

١ ـ عيون أخبار الرّضا عليه‌السلام ١ : ١٢٣ / ١٦.

(١) النّساء ٤ : ١٥٥.

٢ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ١٠٨ / ٥٧.

(١) وهو خطيب الأنصار ، وكان من نجباء الصحابة ، سكن المدينة ، واستشهد يوم اليمانة. أنظر سير أعلام النبلاء ١ : ٣٠٨ ، معجم رجال الحديث ٣ : ٣٩٧.

(٢) في «ط» نسخة بدل : رجال.

(٣) في «ط» نسخة بدل : فدفعوه ليرموه.

(٤) شيء رزين : أي ثقيل. «مجمع البحرين ـ رزن ـ ٦ : ٢٥٥».

١٣٣

حالك وحال ثابت؟

قال : يا رسول الله ، صرت إلى البئر ، واستقررت قائما ، وكان ذلك أسهل علي وأخف على رجلي من خطاي التي كنت أخطوها رويدا رويدا ، ثم جاء ثابت ، فانحدر فوقع على يدي ، وقد بسطتهما إليه ، وخشيت أن يضرني سقوطه علي أو يضره ، فما كان إلا كطاقة (٥) ريحان تناولتها بيدي.

ثم نظرت ، فإذا ذلك المنافق ومعه آخران على شفير (٦) البئر ، وهو يقول لهما : أردنا واحدا فصار اثنين! فجاءوا بصخرة فيها مائة (٧) من (٨) فأرسلوها [علينا] ، فخشيت أن تصيب ثابتا ، فاحتضنته وجعلت رأسه إلى صدري ، وانحنيت عليه ، فوقعت الصخرة على مؤخر رأسي ، فما كانت إلا كترويحة بمروحة (٩) ، تروحت بها في حمارة القيظ ، (١٠) ثم جاءوا بصخرة أخرى ، فيها قدر ثلاثمائة من ، فأرسلوها علينا ، وانحنيت على ثابت ، فأصابت مؤخرا رأسي ، فكانت كماء صب على رأسي وبدني في يوم شديد الحر ، ثم جاءوا بصخرة ثالثة ، فيها قدر خمسمائة من ، يديرونها على الأرض ، لا يمكنهم أن يقلوها ، فأرسلوها علينا ، فانحنيت على ثابت ، فأصابت مؤخر رأسي وظهري ، فكانت كثوب ناعم صببته (١١) على بدني ولبسته. فتنعمت به.

فسمعتهم يقولون : لو أن لابن أبي طالب وابن قيس مائة ألف روح ، ما نجت منها واحدة من بلاء هذه الصخور ؛ ثم انصرفوا ، فدفع الله عنا شرهم ، فأذن الله عز وجل لشفير البئر فانحط ، ولقرار البئر فارتفع ، فاستوى القرار والشفير بعد بالأرض ، فخطونا وخرجنا.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا أبا الحسن ، إن الله عز وجل أوجب لك من الفضائل والثواب ما لا يعرفه غيره ، ينادي مناد يوم القيامة : أين محبو علي بن أبي طالب؟ فيقوم قوم من الصالحين ، فيقال لهم : خذوا بأيدي من شئتم من عرصات القيامة ، فأدخلوهم الجنة ، وأقل رجل منهم ينجو بشفاعته من أهل تلك العرصات ألف ألف رجل.

ثم ينادي مناد ، أين البقية من محبي علي بن أبي طالب؟ فيقوم قوم مقتصدون ، (١٢) فيقال لهم : تمنوا على الله تعالى ما شئتم ، فيتمنون ، فيفعل لكل واحد منهم ما تمناه ، ثم يضعف له مائة ألف ضعف.

__________________

(٥) الطاقة : الحزمة. «المعجم الوسيط ـ طوق ـ ٢ : ٥٧١».

(٦) شفير كلّ شيء : حرفه ، وشفير الوادي : ناحيته من أعلاه. «لسان العرب ـ شفر ـ ٤ : ٤١٩».

(٧) في المصدر : مائتي.

(٨) المنّ : وهو رطلان والجمع أمنان. «الصحاح ـ منن ـ ٦ : ٢٢٠٧».

(٩) روّح عليه بالمروحة : حرّكها ليجلب إليه نسيم الهواء ، والمروحة : أداة يجلب بها نسيم الهواء في الحرّ. «المعجم الوسيط ـ روح ـ ١ : ٣٨٠ و ٣٨١».

(١٠) حمارّة القيظ : شدّة حرّه. «مجمع البحرين ـ حمر ـ ٣ : ٢٧٦».

(١١) صبّ عليه درعه : إذا لبسها. «أساس البلاغة ـ صبب ـ : ٢٤٧».

(١٢) المقتصد : العادل. وروي عن الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام في تفسير الآية (٣٢) من سورة فاطر : «أمّا المقتصد فصائم بالنّهار وقائم باللّيل». (سعد السعود : ١٠٧».

١٣٤

ثم ينادي مناد : أين البقية من محبي علي بن أبي طالب؟ فيقوم قوم ظالمون لأنفسهم ، معتدون عليها ، ويقال : أين المبغضون لعلي بن أبي طالب؟ فيؤتى بهم جم غفير (١٣) ، وعدد كثير ، فيقال : ألا نجعل كل ألف من هؤلاء فداء لواحد من محبي علي بن أبي طالب عليه‌السلام ليدخلوا الجنة؟ فينجي الله عز وجل محبيك ، ويجعل أعداءهم فداءهم.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا الفضل الأكرم ، محبه محب الله ومحب رسوله ، ومبغضه مبغض الله ومبغض رسوله ، هم خيار خلق الله من أمة محمد.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : انظر ؛ فنظر إلى عبد الله بن أبي (١٤) وإلى سبعة من اليهود ، فقال : قد شاهدت ، ختم الله على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ـ يا علي ـ أفضل شهداء الله في الأرض بعد محمد رسول الله.

قال : فذلك قوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) تبصرها الملائكة فيعرفونهم بها ، ويبصرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويبصرها خير خلق الله بعده علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

ثم قال : (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) في الآخرة بما كان من كفرهم بالله ، وكفرهم بمحمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

قوله تعالى :

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [٨])

٣٢٨ / ١ ـ قال الإمام : «قال العالم موسى بن جعفر عليه‌السلام : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أوقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام في يوم الغدير موقفه المشهور المعروف ، ثم قال : يا عباد الله ، انسبوني ، فقالوا : أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.

ثم قال : أيها الناس ، ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فأنا مولاكم ، أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى ، يا رسول الله ، فنظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى السماء ، فقال : اللهم اشهد ، يقول هو ذلك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم يقولون ذلك ،

__________________

(١٣) الجمّ : الكثير ، والمعنى : جاءوا بجماعتهم ولم يتخلّف منهم أحد وكانت فيهم كثرة. «مجمع البحرين ـ جمم ـ ٦ لا ٣٠ ، ـ غفر ـ ٣ : ٤٢٧».

(١٤) عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد الخزرجي ، أبو حباب ، المشهور بابن سلول ، وهي جدّته ، رأس المنافقين وكبيرهم ، أظهر الإسلام كرها ، وكان سيّد الخزرج في آخر جاهليتهم ، أنظر طبقات ابن سعد ٣ : ٥٤٠ ، أعلام الزركلي ٤ : ١٨٨.

سورة البقرة آية ـ ٨ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ١١١ / ٥٨.

١٣٥

ثلاثا. (١)

ثم قال : ألا فمن كنت مولاه وأولى به ، فهذا مولاه وأولى به ، اللهم ، وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله.

ثم قال : قم ـ يا أبا بكر ـ فبايع له بإمرة المؤمنين ، فقام ففعل ذلك. ثم قال : قم ـ يا عمر ـ فبايع له بإمرة المؤمنين ، فقام فبايع. ثم قال بعد ذلك لتمام التسعة ، ثم لرؤساء المهاجرين والأنصار ، فبايعوا كلهم.

فقام من بين جماعتهم عمر بن الخطاب ، فقال : بخ ، بخ (٢) ـ يا ابن أبي طالب ـ أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، ثم تفرقوا عن ذلك وقد (٣) وكدت عليهم العهود والمواثيق.

ثم إن قوما من متمردي جبابرتهم (٤) تواطؤوا (٥) بينهم ، إن كانت لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كائنة (٦) ، ليدفعه هذا الأمر عن علي عليه‌السلام ولا يتركونه له ، فعرف الله تعالى ذلك من قلوبهم (٧) ، وكانوا يأتون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولون له : لقد أقمت عليا ، أحب خلق الله إلى الله وإليك وإلينا ، كفيتنا به مؤنة الظلمة والجائرين في سياستنا ؛ وعلم الله في قلوبهم خلاف ذلك ، [ومن] مواطأة بعضهم لبعض ، أنهم على العداوة مقيمون ، ولدفع الأمر عن مستحقه مؤثرون.

فأخبر الله عز وجل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهم ، فقال : يا محمد ، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) الذي أمرك بنصب علي عليه‌السلام إماما ، وسائسا (٨) لأمتك ، ومدبرا (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) بذلك ، ولكنهم يتواطؤون على إهلاكك وإهلاكه ، يوطنون (٩) أنفسهم على التمرد على علي عليه‌السلام إن كانت بك كائنة».

٣٢٩ / ٢ ـ علي بن إبراهيم : إنها نزلت في قوم منافقين أظهروا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإسلام ، فكانوا إذا رأوا الكفار ، قالوا : إنا معكم ، وإذا لقوا المؤمنين قالوا : نحن مؤمنون ، وكانوا يقولون للكفار : (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (١) فرد الله عليهم : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ). (٢)

__________________

(١) في «س» : اللهمّ إنّي أشهدك بقول هؤلاء ويقولون ذلك ثلاثا.

(٢) بخ : كلمة تقال عند المدح والرّضا بالشّيء ، وتكرّر للمبالغة ، وإن وصلت خفضت ونوّنت فقلت : بخ ، بخ ، وربّما شدّدت كالاسم.

«الصحاح ـ بخخ ـ ١ : ٤١٨».

(٣) في «س» ، «ط» : وقال.

(٤) الكافي متمرّديهم.

(٥) تواطؤوا : أي توافقوا. «الصحاح ـ وطأ ـ ١ : ٨٢».

(٦) الكائنة : الحادثة ، وكوّنه : أحدثه. «القاموس المحيط ـ كون ـ ٤ : ٢٦٦».

(٧) في المصدر : قبلهم.

(٨) سست الرعية سياسة ، وسوّس الرجل أمور النّاس ، إذا ملّك أمرهم. «الصحاح ـ سوس ـ ٣ : ٩٣٨».

(٩) في «س» : يواطؤون ، وتوطين النفس ، كالتمهيد لها. «مجمع البحرين ـ وطن ـ ٦ : ٣٢٧».

٢ ـ تفسير القمّي ١ : ٣٤.

(١) البقرة ٢ : ١٤.

١٣٦

٣٣٠ / ٣ ـ محمد بن الحسن الصفار ، قال : حدثني أبو جعفر أحمد بن محمد ، عن الحسين (١) بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن معلي بن عثمان (٢) ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال لي : «إن الحكم بن عتيبة ممن قال الله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) فليشرق الحكم وليغرب ، أما والله لا يصيب العلم إلا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل».

وروى هذا الحديث محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيي ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، بباقي السند والمتن. (٣)

قوله تعالى :

يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما

يَشْعُرُونَ [٩]

٣٣١ / ١ ـ قال الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام : «فاتصل ذلك من مواطأتهم وقيلهم (١) في علي عليه‌السلام ، وسوء تدبيريهم عليه برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعاهم وعاتبهم ، فاجتهدوا في الأيمان.

وقال أولهم : يا رسول الله ، والله ما اعتددت بشيء كاعتدادي بهذه البيعة ، ولقد رجوت أن يفسح (٢) الله بها لي في قصور الجنان ، ويجعلني فيها من أفضل النزال والسكان.

وقال ثانيهم : بأبي أنت وأمي ـ يا رسول الله ـ ما وثقت بدخول الجنة ، والنجاة من النار إلا بهذه البيعة ، والله ما يسرني ـ إن نقضتها ، أو نكثت بها ـ ما أعطيت من نفسي ما أعطيت ، وإن كان (٣) لي طلاع ما بين الثرى إلى العرش لآلئ رطبة وجواهر فاخرة.

وقال ثالثهم : والله ـ يا رسول الله ـ لقد صرت من الفرح بهذه البيعة ـ من السرور والفسح من الآمال في رضوان الله ـ ما أيقنت أنه لو كان على ذنوب أهل الأرض كلها ، لمحصت عني بهذه البيعة ؛ وحلف على ما قال من ذلك ،

__________________

= (٢) البقرة ٢ : ١٥.

٣ ـ بصائر الدرجات : ٢٩ / ٢.

(١) في المصدر : الحسن. حكى النجاشي في رجاله : ٥٨ عن السورائي أنّه قال : الحسن شريك أخيه الحسين في جميع رجاله ...

(٢) في المصدر : معلّى بن أبي عثمان ، ولعلّ الصواب ما في المتن. راجع مجمع الرجال ٦ : ١١٢ ، جامع الرواة ٢ : ٢٥١.

(٣) الكافي ١ : ٣٢٩ / ٤.

سورة البقرة آية ـ ٩ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ١١٣ / ٥٩.

(١) القيل والقول بمعنى واحد. «مجمع البحرين ـ قول ـ ٥ : ٤٥٧».

(٢) في «س» : يفتح.

(٣) (كان) ليس في «ط ، س».

١٣٧

ولعن من بلغ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلاف ما حلف عليه ، ثم تتابع بمثل هذا الاعتذار بعدهم من الجبابرة المتمردين.

فقال الله عز وجل لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (يُخادِعُونَ اللهَ) يعني يخادعون رسول الله بأيمانهم بخلاف ما في جوانحهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا) كذلك أيضا الذين سيدهم وفاضلهم علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

ثم قال : (وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ) ما يضرون بتلك الخديعة إلا أنفسهم ، فإن الله غني عنهم وعن نصرتهم ، ولو لا إمهاله لهم لما قدروا على شيء من فجورهم وطغيانهم (وَما يَشْعُرُونَ) أن الأمر كذلك ، وأن الله يطلع نبيه على نفاقهم ، وكفرهم وكذبهم ، ويأمره بلعنهم في لعنة الظالمين الناكثين ، وذلك اللعن لا يفارقهم ، في الدنيا يلعنهم خيار عباد الله ، وفي الآخرة يبتلون بشدائد عقاب الله».

٣٣٢ / ٢ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن زياد (١) ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهم‌السلام [قال : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] سئل : فيم النجاة غدا؟ فقال : إنما النجاة في أن لا تخادعوا الله فيخدعكم ، فإنه من يخادع الله يخدعه ، ويخلع الله منه الإيمان ، ونفسه يخدع لو يشعر.

فقيل له : كيف يخادع الله؟ فقال : يعمل بما أمر الله عز وجل به ، ثم يريد به غيره ، فاتقوا الرياء فإنه شرك بالله عز وجل ، إن المرائي يدعي يوم القيامة بأربعة أسماء : يا كافر ، يا فاجر ، يا غادر ، يا خاسر حبط عملك ، وبطل أجرك ، ولا خلاق لك اليوم ، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له».

قوله تعالى :

فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا

يَكْذِبُونَ [١٠]

٣٣٣ / ١ ـ قال الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما اعتذر إليه هؤلاء بما اعتذروا به ، تكرم عليهم بأن قبل ظواهرهم ووكل بواطنهم إلى ربهم ، لكن جبرئيل أتاه ، فقال : يا محمد ، إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ، ويقول لك : أخرج هؤلاء المردة الذين اتصل بك عنهم في علي ونكثهم لبيعته ، وتوطينهم

__________________

٢ ـ معاني الأخبار : ٣٤٠ / ١.

(١) في «س» : مسعدة بن صدقة بن زياد ، وكأن أحدهما نسخة بدل ، إذ روى هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة ومسعدة بن زياد ، ورويا عن أبي أبي عبد الله ٧. أنظر رجال النجاشي : ٤١٥ ، ومعجم رجال الحديث ١٨ : ١٣٤.

سورة البقرة آية ـ ١٠ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ١١٤ / ٦٠.

١٣٨

نفوسهم على مخالفتهم عليا ، ليظهر (١) من العجائب ما أكرمه الله به ، من طاعة الأرض والجبال والسماء له وسائر ما خلق الله ـ بما أوقفه موقفك ، وأقامه مقامك ـ ليعلموا أن ولي الله عليا غني عنهم ، وأنه لا يكف عنهم انتقامه إلا بأمر الله ، الذي له فيه وفيهم التدبير الذي هو بالغه ، والحكمة التي هو عامل بها ، وممض لما يوجبها.

فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجماعة ـ من الذين اتصل به عنهم (٢) ما اتصل في أمر علي عليه‌السلام والمواطأة على مخالفته ـ بالخروج ، فقال لعلي عليه‌السلام ـ لما استقر عند سفح بعض جبال المدينة ـ : يا علي ، إن الله تعالى أمر هؤلاء بنصرتك ومساعدتك ، والمواظبة على خدمتك ، والجد في طاعتك ، فإن أطاعوك فهو خير لهم ، يصيرون في جنان الله ملوكا خالدين ناعمين ، وإن خالفوك فهو شر لهم ، يصيرون في جهنم خالدين معذبين.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتلك الجماعة : اعلموا أنكم إن أطعتم عليا سعدتم ، وإن خالفتموه شقيتم ، وأغناه الله عنكم بما سيريكموه ، وبما سيريكموه.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي ، سل ربك ـ بجاه محمد وآله الطيبين ، الذين أنت بعد محمد سيدهم ـ أن يقلب لك هذه الجبال ما شئت ، فسأل ربه تعالى ذلك ، فانقلبت فضة.

ثم نادته الجبال : يا علي ، يا وصي رسول رب العالمين ، إن الله قد أعدنا لك إن أردت إنفاقنا في أمرك ، فمتى دعوتنا أجبناك ، لتمضي فينا حكمك ، وتنفذ فينا قضاءك.

ثم انقلبت ذهبا كلها ، وقالت مقالة الفضة ثم انقلبت مسكا وعنبرا وعبيرا (٣) وجواهر ويواقيت ، وكل شيء منها ينقلب إليه يناديه : يا أبا الحسن ، يا أخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نحن مسخرات لك ، ادعنا متى شئت. (٤) ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي ، سل الله ـ بمحمد وآله الطيبين ، الذين أنت سيدهم بعد محمد رسول الله ـ أن يقلب لك أشجارها رجالا شاكي السلاح (٥) ، وصخورها أسودا ونمورا وأفاعي.

فدعا الله علي بذلك ، فامتلأت تلك الجبال والهضبات وقرار الأرض (٦) من الرجال الشاكي السلاح الذين لا يفي بواحد (٧) منهم عشرة آلاف من الناس المعهودين ، ومن الأسود ، والنمور ، والأفاعي ، حتى طبقت (٨) تلك الجبال والأرضون والهضاب بذلك ، كل ينادي : يا علي ، يا وصي رسول الله ، ها نحن قد سخرنا الله لك ، وأمرنا

__________________

(١) في «س ، ط» : أن يظهر.

(٢) في «ط» : التي اتصل منهم.

(٣) العبير : الزّعفران أو أخلاط من الطّيب. «القاموس المحيط ـ عبر ـ ٢ : ٨٦».

(٤) في المصدر زيادة : لتنفقنا فيما شئت نجبك ، ونتحوّل لك إلى ما شئت ، ثم

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرأيتم قد أغنى الله عزّ وجلّ عليّا ـ بما ترون ـ عن أموالكم؟

(٥) رجل شاك في السلاح : وهو اللاّبس السلاح التامّ فيه. «مجمع البحرين ـ شوك ـ ٥ : ٢٧٨».

(٦) قرار الأرض : ما قرّ فيه ، والمطمئن من الأرض. «القاموس المحيط ـ قرر ـ ٢ : ١٢٠».

(٧) هذا الشّيء لا يفي بذلك : أي يقصر عنه ولا يوازيه. «المعجم الوسيط ـ وفى ـ ٢ : ١٠٤٧».

(٨) طبّق الشّيء : عمى ، وطبّق السحاب الجوّ : غشّاه ، وطبّق الماء وجه الأرض : غطّاه. «القاموس المحيط ـ طبق ـ ٣ : ٢٦٤».

١٣٩

بإجابتك ـ كلما دعوتنا ـ إلى اصطلام (٩) كل من سلطنا عليه ، فمتى شئت فادعنا نجبك ، وبما شئت فمرنا به نطعك.

يا علي ، يا وصي رسول الله ، إن لك عند الله من الشأن العظيم ما لو سألت الله أن يصير لك أطراف الأرض وجوانبها هيئة واحدة كصرة كيس لفعل ، أو يحط لك السماء إلى الأرض لفعل ، أو يرفع لك الأرض إلى السماء لفعل ، أو يقلب لك ماء بحارها الأجاج ماء عذبا أو زئبقا أو بانا (١٠) ، أو ما شئت من أنواع الأشربة والأدهان لفعل ، ولو شئت أن يجمد البحار ، أو يجعل سائر الأرض مثل البحار لفعل ، فلا يحزنك تمرد هؤلاء المتمردين ، وخلاف هؤلاء المخالفين ، فكأنهم بالدنيا قد انقضت بهم كأن لم يكونوا فيها ، وكأنهم بالآخرة إذا وردت عليهم كأن لم يزالوا فيها.

يا علي ، إن الذي أمهلهم ـ مع كفرهم وفسوقهم وتمردهم ـ عن طاعتك ، هو الذي أمهل فرعون ذا الأوتاد ونمرود بن كنعان ، ومن ادعى الألوهية من ذوي الطغيان ، وأطغى الطغاة إبليس رأس الضلالات.

ما خلقت أنت وهم لدار الفناء ، بل خلقتم لدار البقاء ، ولكنكم تنقلون من دار إلى دار ، ولا حاجة لربك إلى من يسومهم ويرعاهم ، لكنه أراد تشريفك عليهم ، وإبانتك بالفضل فيهم ، ولو شاء لهداهم.

قال : فمرضت قلوب القوم لما شاهدوا من ذلك ، مضافا إلى ما كان من مرض حسدهم (١١) له ولعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال الله تعالى عند ذلك : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي في قلوب هؤلاء المتمردين الشاكين الناكثين ، لما أخذت عليهم من بيعة علي عليه‌السلام (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) بحيث تاهت له قلوبهم ، جزاء بما أريتهم من هذه الآيات والمعجزات (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) في قولهم : إنا على البيعة والعهد مقيمون».

قوله تعالى :

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ [١١] أَلا

إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ [١٢]

٣٣٤ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال العالم موسى بن جعفر عليه‌السلام : إذا قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة

__________________

(٩) الاصطلاح : الاستئصال. «الصحاح ـ صلم ـ ٥ : ١٩٦٧».

(١٠) البان : ضرب من الشجر طيّب الزهر ، ومنه دهن البان. «الصحاح ـ بون ـ ٥ : ٢٠٨١».

(١١) في «س» : أجسادهم.

سورة البقرة آية ـ ١١ ـ ١٢ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ١١٨ / ٦١.

١٤٠