خاتمة مستدرك الوسائل - ج ٧

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]

خاتمة مستدرك الوسائل - ج ٧

المؤلف:

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-017-X
ISBN الدورة:
964-5503-84-1

الصفحات: ٤٦٤

الوثاقة على المعنى الواقعي ، أو ما في اعتقادهم لا على معتقده.

(وثانياً :) إنّ في الفهرست في ترجمة ابن عقدة : وإنّما ذكرناه في جملة أصحابنا لكثرة روايته عنهم ، وخلطته بهم ، وتصنيفه لهم (١).

وفي المعالم : وكان زيدياً جارودياً ، إلاّ إنّه روى جميع كتب أصحابنا ، وصنّف لهم (٢).

وهذا صريح في أنّه وثّق الجماعة على طريقة الإمامية ؛ لأن الكتاب إنّما صُنّف لهم ، فإنه لا حاجة للزيدي إلى الصادق عليه‌السلام فضلاً عن أصحابه ، وحيث كان ثقة عارفاً أميناً يكون توثيقه كتوثيق الإمامي في المقام.

قال الشيخ النعماني في كتاب الغيبة : وهذا الرجل ممّن لا يطعن عليه في الثقة ، ولا بالعلم بالحديث والرجال الناقلين له (٣) ، انتهى.

ونظير ذلك ما قاله الأُستاذ الأكبر ، بعد الإشكال في تعديل غير الإمامي ، مثل علي بن الحسن بن فضال ، بعدم ظهور إرادة العدل الإمامي ، أو في مذهبه ، أو الأعمّ ، أو مجرد الوثوق بقوله ، ولم يظهر اشتراط العدالة في قبول الرواية.

قال رحمه‌الله : إلاّ أنْ يقال : إذا كان الإماميّ المعروف مثل العياشي الجليل ، يسأله يعني ابن فضال عن حال رأو ، فيجيب : بأنّه ثقة على الإطلاق ، مضافاً إلى ما يظهر من رويّته من التعرض للوقف والناووسيّة وغيرهما في مقام جوابه وإفادته له. إلى أن قال : فإنه ربّما يظهر من ذلك إرادة العدل الإمامي ، مضافاً إلى أنه لعلّ الظاهر مشاركة أمثاله مع الإمامية في اشتراط العدالة (٤). إلى آخره.

__________________

(١) فهرست الشيخ الطوسي : ٢٨ / ٧٦.

(٢) معالم العلماء : ١٦ / ٧٧. بتصرف.

(٣) الغيبة للنعماني : ٢٥.

(٤) تعليقة الوحيد على منهج المقال : ٥.

٨١

ومثل العياشي في السؤال عن ابن فضال ، النجاشي بالنسبة إلى كتاب ابن عقدة كما يظهر من بعض المواضع ، منها قوله : الحسين بن عثمان الأحمسي البجلي ، كوفي ، ثقة ، ذكره أبو العباس في رجال أبي عبد الله عليه‌السلام (١).

الحسين بن ثوير بن أبي فاختة. إلى أن قال : ثقة ، ذكره أبو العباس في الرجال وغيره (٢).

الحسين بن محمّد بن الفضل ، ثقة ، روى أبوه عن أبي عبد الله ، وأبي الحسن عليهما‌السلام ، ذكره أبو العباس (٣).

إسحاق بن جرير بن يزيد. إلى أن قال : ثقة ، روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ذكر ذلك أبو العباس (٤).

بسطام بن سابور الزيّات أبو الحسين الواسطي ، مولى ، ثقة ، واخوته : زكريّا ، وزياد ، وحفص ثقات كلّهم ، رووا عن أبي عبد الله [وأبي الحسن] عليهما‌السلام ، ذكرهم أبو العباس وغيره في الرجال (٥). إلى غير ذلك من التراجم.

ولا يخفى ظهوره في توثيقه اعتماداً على توثيق أبي العباس ، ولو لا اتحاد المعنى بأحد الوجهين لم يكن للاستشهاد بكلامه محلّ ، والله العالم.

وقال السيّد المحقق الكاظمي في العدّة : وأمّا توقّفهم في توثيق ابن فضال ، وابن عقدة ، وأضرابهما من الثقات المنحرفين من أئمة هذا الشأن ، وأهل القدم الراسخ فيه والباع الطويل ، فالذي يستفاد من تتبع سيرة قدماء الأصحاب

__________________

(١) رجال النجاشي : ٥٤ / ١٢٢.

(٢) رجال النجاشي : ٥٥ / ١٢٥.

(٣) رجال النجاشي : ٥٦ / ١٣١.

(٤) رجال النجاشي : ٧١ / ١٧٠.

(٥) رجال النجاشي : ١١٠ / ٢٨٠ ، وما بين المعقوفتين منه.

٨٢

هو الاعتماد على أمثال هؤلاء ، كما يُعرِب عنه تَصفُّحُ كتب الرجال (١). إلى آخره.

(وثالثاً :) بعد التسليم والغضّ عمّا ذكرنا فنقول : لا شبهة في كون توثيق مثل ابن عقدة الذي وصفوه بالعلم والوثاقة ، والأمانة والجلالة ، والمعرفة بحال الرواة من أسباب الوثوق بصدور الخبر من جهة من ذكره ، فإن أقلّ ما لا بُدّ من حمل الوثاقة عليه رعاية للمعنى اللغوي ، والعرفي ، الجامع بين جميع المذاهب التحرّز عن الكذب ، والتثبت والضبط ، ولا يتخلّف إخبار الحاوي لهذه الأوصاف عن حصول الوثوق والاطمئنان بخبره عند كلّ من أنصف من نفسه ، وفيه الكفاية لمن اقتصر في الحجة من الإخبار بالموثوق بصدوره من جهة السند ، وهذا منه.

الثالث : إنّه ربّما يُتَوهّمُ التنافي بين هذه الأمارة الكاشفة عن وثاقة كلّ من في رجال الشيخ من أصحاب الصادق عليه‌السلام وبين ما صنعه الشيخ بهم ، فإنه قال في الباب المختص بهم :

إبراهيم بن أبي حبّة ، واسم أبي حبّة : اليسع بن سعد المكي ، ضعيف (٢).

الحارث بن عمر البصري ، أبو عمر ، ضعيف الحديث (٣).

عبد الرحمن بن الهلقام ، أبو محمّد العجلي ، ضعيف (٤).

عمرو بن جميع أبو عثمان البصري الأزدي ، ضعيف الحديث (٥).

محمّد بن حجّاج المدني ، منكر الحديث (٦)

__________________

(١) العدة : ٢٥ / ألف.

(٢) رجال الشيخ الطوسي : ١٤٦ / ٦٧.

(٣) رجال الشيخ الطوسي : ١٨٧ / ٢٣٠.

(٤) رجال الشيخ الطوسي : ٢٣٢ / ١٤٣.

(٥) رجال الشيخ الطوسي : ٢٤٩ / ٤٢٦.

(٦) رجال الشيخ الطوسي : ٢٨٥ / ٨٢.

٨٣

محمّد بن عبد الملك الأنصاري ، كوفي نزل بغداد ، أُسنِدَ عنه ، ضعيف (١).

محمّد بن مقلاص الأسدي الكوفي ، أبو الخطاب ، ملعون غال (٢).

وبعض آخر وإن لم يصرح فيه بضعفه إلاّ أنّه معلوم صرّح هو به في الفهرست أو غيره ، وهذا يكشف عن عدم موافقة الشيخ لابن عقدة ، وعدم تصديقه إياه في توثيقاته ، ويوجب الشك في الباقي ، إلاّ ما صرّح هو أو غيره بوثاقته ، ويدفع هذا التوهم بوجوه :

(الأول :) إنّ المقدمات التي استخرجنا منها هذه القاعدة كلّها نصوص من المشايخ الأجلّة ، لا مسرح لتطرق النظر والإشكال فيها ، وخروج بعض الأفراد عن تحتها لا يضرّ بها ، وإلاّ لأضرّ بأكثر القواعد ، وهو باطل بالضرورة ، وقد مرّ الجواب بهذا عن بعض الأعلام في قاعدة الإجماع (٣) ، فلاحظ.

(الثاني :) إنّ القدماء يطلقون الضعيف في كثير من الموارد على من هو ثقة ، ويريدون من الضعف ما لا ينافي الوثاقة ، كالرواية عن الضعفاء ، أو رواية الضعفاء عنه ، أو الاعتماد على المراسيل ، أو الوجادة ، أو رواية ما ظاهره الغلوّ والجبر والتشبيه وأمثالها ، بل لكونه غير أمامي ، كما اشتهر أنّ السكوني ضعيف ، والمراد أنه عامي ، وإلاّ فوثاقته مما لا خلاف فيه ، بل صرّح بعضهم بأن من [الضعف (٤)] الرواية بالمعنى.

وإذاً فلا منافاة بين كون أحدٍ ثقة عند الجماعة المذكورين وابن عقدة ،

__________________

(١) رجال الشيخ الطوسي : ٢٩٤ / ٢٢٣.

(٢) رجال الشيخ الطوسي : ٣٠٢ / ٣٤٥.

(٣) يلاحظ.

(٤) أثبتنا ما بين المعقوفتين لحاجة معنى العبارة إليه.

٨٤

وبين ضَعْفِه من بعض هذه الجهات عند الشيخ ، وكون السبب الكَذِبَ والوضع ، وغيرهما غير معلوم ، فلا يوجب خللاً في القاعدة ، نعم هذا لا يتمّ في أبي الخطاب ومثله ، فيجاب عنه بما نذكره في :

(الثالث :) من أنّ المُوَثِقَ ذَكر [هُ] أيام استقامته وأشار إلى زمان روايته ، والجارح نظر إلى أيام انحرافه ، وكان الأصحاب يتحرزون حينئذ منه ، ويتحرجون من الرواية عنه ، ولكن لا يرفعون اليد عمّا تلقوه منه قبله ، إلاّ أنهم كثيراً ما يشيرون إلى ذلك فيقولون : حدثني فلان أيام استقامته.

وفي الكشي ، في الصحيح عن عيسى شلقان قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام وهو يومئذ غلام قبل أوان بلوغه ـ : جُعلت فداك ما هذا الذي نسمع من أبيك أنه أمرنا بولاية أبي الخطاب ، ثم أمرنا بالبراءة منه؟ قال : فقال أبو الحسن عليه‌السلام من تلقاء نفسه ـ : إنّ اللهَ خَلَقَ الأنبياءَ على النبوّة ، فلا يكونون إلاّ أنبياء ، وخَلَقَ المؤمنين على الإيمان ، فلا يكونون إلاّ مؤمنينَ ، واستودع قوماً إيماناً فإن شاء أتمّه لهم ، وإن شاء سلبهم إياه ، وإنّ أبا الخطاب كان ممّن أعاره الله الإيمان ، فلما كذب على أبي سلبه الله الإيمان.

قال : فعرضت هذا الكلام على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : لو سألتنا عن ذلك ما كان ليكون عندنا غير ما قال (١).

وآل أمر الأصحاب في شدّة الاجتناب عنه حتى قال الغضائري كما في الخلاصة وأرى ترك ما يقول أصحابنا : حدّثنا أبو الخطاب أيام استقامته (٢) ، انتهى.

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٥٨٤ / ٥٢٣ ، وفي هذا دليل على انهم عليهم‌السلام « شجرة بعضها من بعض ».

(٢) خلاصة الأقوال : ٢٥٠ / ٧.

٨٥

ولكن هذا خروج عن الاستقامة ، وترك للأخذ بالحجة من السنة من غير عذر مسوّغ ، سوى شدة العداوة مع هذا (١) الرجس ، وهي ممدوحة إلى حدّ لا يوجب إبطال الحقّ ، قال الله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا) (٢) وخلاف ما عليه عمل الأصحاب في أمثال هذا المقام.

قال الشيخ في العدة : فأمّا ما ترويه الغلاة والمتهمون والمضعفون وغير هؤلاء ، فإن كانوا ممّن عرف لهم حال استقامة وحال غلو عُمِلَ بما رووه في حال الاستقامة ، وتُرِكَ ما رووه في حال خطئهم ؛ ولأجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطاب في حال استقامته ، وتركوا ما رواه في حال الخليطة ، وكذلك القول في أحمد بن هلال العبرتائي ، وابن أبي المذاقر (٣). إلى آخره ، انتهى.

وكفى شاهداً لهم ما في ترجمة الشلمغاني في النجاشي ، والخلاصة : وكان مستقيم الطريقة ، متقدماً في أصحابنا ، فحمله الحسد لأبي القاسم بن روح على ترك المذهب ، والدخول في المذاهب الرديّة ، حتى خرجت فيه توقيعات ، فأخذه السلطان وقتله وصلبه ، وتغيّر وظهرت عنه مقالات مُنكرة ، وله من الكتب التي عملها حال الاستقامة كتاب التكليف (٤) ، رواها المفيد إلاّ حديثاً منه في باب الشهادات : أنه يجوز للرجل أن يشهد لأخيه إذا كان له شاهد واحد من غير علم (٥).

__________________

(١) مع هذا : كذا ، والصحيح : لهذا ، والتعدي باللام في مثل هذا الموضع مطّرد في القرآن الكريم.

(٢) المائدة : ٨.

(٣) العدة للشيخ الطوسي ١ : ٣٨١ ٣٨٢.

(٤) رجال النجاشي : ٣٧٨ / ١٠٢٩.

(٥) الخلاصة : ٢٥٣ / ٣٠.

٨٦

الفائدة التاسعة

٨٧
٨٨

في بيان دخول كثر من الأخبار الحسان في عداد الصحاح ولو على طريقة أكثر المتأخرين من اشتراط العدالة في الراوي ، وعدم حجيّة الحسن ، أو تقديم الصحيح عليه عند التعارض ، وإن قلنا بحجيّته. وفيه ذكر بعض الألفاظ التي أخرجوها ممّا تدل على التوثيق ، وعدّوها في عداد ما يدلّ على المدح ، وبعض الأمارات الشائعة الدالة على الوثاقة ويتمّ المقصود ببيان أمرين :

الأول : إن الأصحاب على اختلاف آرائهم في معنى العدالة الشرعية ، التي هي موضوع لكثير من الأحكام اتفقوا على وجوب ترتيب آثار العدالة على شخص ثبت بالطريق المعتبر حسنُ ظاهره الذي هو طريق نوعاً ما إلى وجود ملكة الاجتناب عن الكبائر والإصرار على الصغائر ، خصوصاً إذا كان سبباً فعلاً لحصول الظن به ، سواء قلنا : بأنه هو عين العدالة ، وفسرناها به ، أو قلنا : بأنّها الملكة ، وحسن الظاهر من طرق معرفتها تعبّداً أو عقلاً ، كسائر الملكات النفسانية التي لها آثار خارجية ، وعلائم ظاهريّة ، تعرف بها غالباً ، كالشجاعة والسخاوة والجبن والبخل وغيرها.

فمن ثبت عنده حسن الظاهر ولو بالشهادة به على الأصح من جواز استناد الشاهد لذي الطريق بالطريق ، سواء شهد بذي الطريق مستنداً إلى الطريق أو شهد به فيثبت عند المشهود له فيرتب آثار ذي الطريق عليها لثبوت طريقها تثبت عنده العدالة على ما هو المتيقن من هذه الأقوال.

وأمّا لو قلنا بأنّ حسن الظاهر هو العدالة شرعاً ، أو طريق تعبّدي إلى وجود الملكة ، فعدم الحاجة إلى حصول الظن أو الوثوق به واضح ، فظهر أنه لا فرق في المقام بين أن يقول أحد المزكين كالشيخ والنجاشي

٨٩

وأمثالهما : فلاناً ثقة ، أو عدلاً ، أو من العدول ، أو يذكر من كواشف العدالة وما يلازم حسن الظاهر شيئاً يكشف عنها نوعاً في ثبوت وثاقة من قيل في حقّه ذلك ، ووجوب ترتيب آثارها عليها ، وهذا ممّا لا سترة عليه بحمد الله تعالى.

الثاني : أنّهم بسطوا الكلام في كتب الدراية وغيرها في بيان الألفاظ الدَّالّة على التعديل والمدح ، واقتصروا في الأوّل بقولهم : ثقة ، أو عدل مطلقاً أو مع انضمام ضابط أو ثبت ، أو حافظ ، أو متقن ، أو حجّة (١). وإلاّ فلا يكفي « عدل » فيه على ما صرّح به والد البهائي (٢) ، أو « حجّة » على ما صرّح به الشهيد (٣) ، وأنكره بعضهم (٤) ، أو صحيح الحديث عنده (٥) ، وأنكره أكثر من تأخر عنه (٦) ، وباقي الألفاظ عدّوها ممّا يدل على المدح وإن اختلفت في القرب من الأول والبعد عنه ، إلاّ أن الحاصل عدّ الحديث من جهة من قيل في حقه بعض من ذلك حسناً.

نعم صرّحوا بأنّ مثل شيخ هذه الطائفة ، وعميدها ، ورئيسها ، ووجهها ، ونحو ذلك إنّما يستعملونه فيمن يستغني عن التوثيق لشهرته ، إيماءً إلى أنّ التوثيق دون مرتبته (٧).

__________________

(١) الظاهر من كتب الدراية ، والفوائد المذكورة في مقدمات كتب الرجال عدّ أكثر العلماء لفظ (حجة) من ألفاظ التعديل من غير انضمامه إلى لفظ أو انضمام لفظ إليه.

(٢) وصول الأخيار : ١٩٢.

(٣) الدراية : ٧٦ ، وقوله : أو « حجة » معطوف على قوله المتقدم : أو « عدل مطلقاً ».

(٤) يمكن اعتبار عدم ذكر الوحيد البهبهاني (طاب ثراه) للفظ (حجة) بين ألفاظ التعديل في تعليقته إنكاراً لدلالة اللفظ المذكور على الوثاقة.

(٥) أي : عند الشهيد الثاني قدس‌سره كما في درايته : ٧٦.

(٦) كالوحيد في التعليقة : ٦ ، والبهائي في مشرق الشمسين : ٣ ، والكاظمي في تكملة الرجال ١ : ٥٠ ، والكني النجفي المعاصر للمصنف في توضيح المقال : ٤١ ، وغيرهم من العلماء الذين تقدمت أسماؤهم في أوائل الفائدة السابعة ، وهم الذين ذهبوا إلى القول : بأن صحيح القدماء هو ما احتف بالقرائن لا المروي عن الثقة ، فلاحظ جيداً.

(٧) وصول الأخيار : ١٩٢.

٩٠

وادعى بعضهم دلالة بعض الألفاظ أيضاً عليه (١) ، من غير موافقة الأكثرين معه ، حتى آل أمر الجماعة إلى أن عدّوا أحاديث إبراهيم بن هاشم ونظرائه من الأعاظم في عداد الحسان (٢) ، معتذرين بعدم التنصيص عليهم بالوثاقة من أئمة التعديل والجرح ، مع أنّ كثيراً من ألفاظ المدح يدل على حسن الظاهر ، أو يلازمه بدلالة واضحة لا مجال لإنكارها.

هذا إبراهيم بن هاشم ، قالوا في حقه : إنّه أول من نشر حديث الكوفيين بقم (٣) ، وهذا النشر متوقف على علمه واحتوائه أحاديثهم ، وتلقي رواة القميين عنه ، وقبولهم ما رواه لهم ، وهو في طبقة أحمد بن محمّد بن عيسى الرئيس ديناً ودنيا ، وروى عنه بمحضر من أحمد (٤) جُلّ من في هذه الطبقة من الأجلاء : كالصفار (٥) ، والحميري (٦) ، وسعد (٧) ، وولده علي ابن إبراهيم (٨) ،

__________________

(١) أي : على من يكون التوثيق دون مرتبته ، ولا يمكن إرجاع الضمير في (عليه) إلى المدح الذي يصير به حديث الممدوح حسن ، لما سيأتي من كلام المصنف بعده ، فلاحظ.

(٢) كعدّ أحاديث الحسن بن موسى الخشاب ، وعلي بن محمّد بن قتيبة ، وعلي بن نباتة ، والحسين بن الحسن الهاشمي زيادة على أحاديث إبراهيم بن هاشم وغيره من الحسان كما مر في الفائدة السادسة من فوائد خاتمة المستدرك في الطرق [٢] و [٣٣٧] و [٣٣٥] و [٣٦٢] و [٥٤٠] وكثير غيرها ، وهو محكي المقدس الأردبيلي عن لسان المشهور كما في أوائل الفائدة المذكورة ، فراجع.

(٣) رجال النجاشي : ١٦ / ١٨.

(٤) أي : أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري ، رئيس قم وشريفها في عصره. كان متشدداً جدّاً إزاء رواة الحديث ، حتى عرف عنه انه لا يطرد من لا يوثق به عن مجلسه فحسب ، بل عن أرض قم كلها ، وبهذا اتضح المراد من إدخال هذه الجملة المعترضة في كلامه عن إبراهيم بن هاشم.

(٥) تهذيب الأحكام ٧ : ٣٢٠ / ١٢٨٥.

(٦) الفقيه ٤ : ١٣٣ ، من المشيخة.

(٧) الفقيه ٤ : ١٣٣ ، من المشيخة.

(٨) الفقيه ٤ : ٣٩ ٤٠ ، من المشيخة.

٩١

ومحمد بن الحسن بن الوليد (١) ، وابن متيل (٢) ، ومحمّد بن علي بن محبوب (٣) ، ومحمّد بن يحيى العطار (٤) ، وأحمد بن إسحاق (٥) ، وعلي بن بابويه والد الصدوق (٦) ، وغيرهم من الذين رووا عنه ، وقبلوا منه ، وحفظوا وكتبوا وحدّثوا بكلّ ما أخذوا عنه ، وحينئذ صدق النشر المذكور.

وهذا يلازم عرفاً بعد التأمل في حال الجماعة كون ظاهر إبراهيم ظاهراً مأموناً ، وكونه معروفاً عندهم بستر المعاصي ، والعفّة في البطن والفرج ، واجتناب الكبائر ، وأداء الفرائض ، إذ لو كان فيه خلاف بعض ذلك لما خفي عليهم ، لاحتياج النشر إلى كثرة المخالطة المنافية لستره عليهم ، ولو علموا فيه شرّاً لم يجتمعوا وهم بمكان من العظمة والجلالة والتثبت على التلقي عنه ، والتحديث عنه ، فظهر أنّ النشر لا يتخلف عن حسن الظاهر ، الكاشف عن الملكة.

وإذا تأمّلت في قولهم : صالح ، أو زاهد ، أو خيّر ، أو دين ، أو فقيه أصحابنا ، أو شيخ جليل ، أو مقدم أصحابنا ، أو مشكور ، وما يقرب من ذلك ، عرفت عدم صلاحية إطلاق هذه الألفاظ في كلمات مثل هذه الأعاظم على غير من حَسُنَ ظاهره ، وفقدت أو سترت معايبه.

وكيف يكون الرجل صالحاً ويُعدّ من الصلحاء وهو بعد متجاهر بترك بعض الفرائض ، أو بارتكاب بعض الجرائم ، واحتمال جهلهم بظاهر حاله

__________________

(١) وردت رواية محمد بن الحسن بن الوليد عنه بالواسطة ، انظر : الفقيه ٤ : ١٠٨ ، من المشيخة.

(٢) فهرست الشيخ : ١٢١ / ٥٣٦.

(٣) تهذيب الأحكام ٤ : ٣٢٢ / ٩٨٧.

(٤) الفقيه ٤ : ١٥ ، من المشيخة.

(٥) انظر هداية المحدثين : ١٢.

(٦) وردت رواية علي بن بابويه عنه بالواسطة ، انظر الفقيه ٤ : ١١٨ ، من المشيخة.

٩٢

ينافيه ذكرهم له ، وتوصيفهم إيّاه ، وأخذهم عنه بلا واسطة ، أو معها ، وسوء فعاله سرّا لا ينافي حسن ظاهره ، الذي يكشف عنه صلاحه الثابت بالنص منهم.

ومن تأمّل في موارد استعمال الصلاح ، والصالح ، والصالحين ، والصلحاء ، في الكتاب والسنة لا يكاد يشك في دلالتها على ما فوق العدالة ، ولذا قال الشهيد في شرح الدراية بعد عدّ الوصف بالزهد ، والعلم ، والصلاح ، من أسباب المدح ما لفظه : مع احتمال دلالة الصلاح على العدالة وزيادة (١) ، انتهى.

وكيف يجتمع الزهد الحقيقي الواقعي الذي لا بُدّ من حمل اللفظ عليه مع الفسق في الظاهر ، بل في الباطن أيضاً ، وكذا الكلام في الباقي ، أليس من المستنكر أن يقال : فلان شيخ جليل إلاّ أنه لا يصلي صلاة الصبح ، أو يفعل كذا من المعاصي ، وهكذا في قولهم : فقيه أصحابنا ، أو وجههم ، أو عينهم ، وكيف يكون وجهاً لهم وهو مجدور ، وعيناً لهم وهو أعور؟!! وبالجملة فدلالة هذه الألفاظ مطابقة أو التزاماً على حسن الظاهر ظاهرة.

وإذا ضمّ إليها عدم طعن أحد فيه بشيء ، وذكره الأعلام مع حَمَلَة الشريعة ، ورواة الشيعة ، زاد في حسنه وبهائه ، ولو كان صاحب أصل أو كتاب لم يطعنوا عليه ، وذكروا طرقهم إليه ، يكون أخذاً بمجاميع الحسن في الظاهر ، الكاشف عند من أنصف من نفسه عن حسن السرائر. وما وراء عبادان قرية! ويؤيد جميع ما ذكرنا أنّا لم نجد القدماء فرّقوا في مقام العمل ، وفي موارد الترجيح عند التعارض ، بين من قيل في حقّه بعض تلك المدائح ، وبين من وثقوه صريحاً ، ولم نَرَ مورداً قدّموا الصحيح باصطلاح المتأخرين على حسنهم عند التعارض ، مع تقديمهم الموثق والضعيف عليه.

هذا الشيخ في الكتابين كثيراً ما يطعن في السند عند التعارض بأنّ فيه

__________________

(١) الدراية : ٧٨.

٩٣

فلاناً ، وهو عاميّ ، أو فطحي ، أو واقفي ، أو ضعيف ، ولم نجده طعن فيه بأنّ فيه فلاناً الممدوح ببعض ما مرّ ، فيطرح مع تصريحه في العدّة في صورة التعارض إذا كان بين خبري الإماميّين بقوله : فما كان راويه عدلاً وجب العمل به ، وترك العمل بما لم يروه العدل (١) ، ومع ذلك لم نجده ترك العمل بما رواه الممدوح ببعض ما ذكر في مورده ، بل دأبه الجمع في هذه الموارد بالدلالة من غير طعن في السند أصلاً ، ومن أراد الوثوق فعليه بمراجعة الكتابين.

ومنه يظهر أنّهم من صنف واحد ، وأن توصيفهم بعضهم بالوثاقة ، وآخر بالصلاح ، أو الزهد ، أو الديانة ، أو غيرها إنّما هو تفنن في العبارة ، ولذا قنعوا ببعض ذلك في الذين عدالتهم كالضروري عند الأصحاب.

ففي النجاشي : زرارة بن أعين. إلى أن قال : شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم ، وكان قارئاً فقيهاً متكلّماً شاعراً أديباً ، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين ، صادقاً فيما يرويه (٢).

وفي أبان بن تغلب : عظيم المنزلة (٣) في أصحابنا ، لقي علي بن الحسين ، وأبا جعفر ، وأبا عبد الله عليهم‌السلام روى عنهم ، وكانت له عندهم منزلة وقدم (٤).

ويقرب منه ما ذكره في ترجمة بريد بن معاوية (٥).

وفي ترجمة البزنطي : لقي الرضا ، وأبا جعفر عليهما‌السلام وكان عظيم المنزلة عندهما (٦).

__________________

(١) عدة الأصول ١ : ٣٧٦.

(٢) رجال النجاشي : ١٧٥ / ٤٦٣.

(٣) في حاشية (الأصل) : « كلمة عظيم المنزلة مذكورة في ترجمة مسمع بن كردين ، وفي المدارك ٧ : ٤٢٤ ، ٨ : ٩٦ ، انه غير موثق!! منه قدس‌سره

(٤) رجال النجاشي : ١٠ / ٧.

(٥) رجال النجاشي : ١١٢ / ٢٨٧.

(٦) رجال النجاشي : ٧٥ / ١٨٠.

٩٤

وفي ترجمة ثعلبة أبي إسحاق النحوي : كان وجهاً في أصحابنا ، قارئاً فقيهاً نحويّاً لغويّاً راوية ، وكان حسن العمل ، كثير العبادة والزهد (١).

واكتفى في ترجمة أحمد بن محمّد بن عيسى بقوله : شيخ القميين ووجههم وفقيههم (٢)

وفي ترجمة شيخه الحسين الغضائري بقوله : شيخنا رحمه‌الله (٣).

وفي ترجمة أبي يعلى الجعفري : خليفة الشيخ المفيد ، متكلم فقيه (٤). إلى غير ذلك.

وفي الفهرست في ترجمة الصفواني : كان حفظة كثير العلم ، جيّد اللسان (٥). وليس فيهما توثيق الصدوق.

__________________

(١) رجال النجاشي : ١١٧ / ٣٠٢.

(٢) رجال النجاشي : ٨٢ / ١٩٨.

(٣) رجال النجاشي : ٦٩ / ١٦٦.

وفي حاشية (الأصل) إشارة إلى هذا الموضع ما نصه : « قال المحقق الخوانساري في شرح الدروس ـ [مشارق الشموس في شرح الدروس :] : للشيخ إلى علي بن جعفر ثلاثة طرق على ما نقل. أحدها ما ذكره في التهذيب [١٠ : ٨٦ من المشيخة] وهذا الطريق ليس بصحيح وإن وصفه العلاّمة بالصحة [رجال العلاّمة : ٢٧٦ الفائدة الثامنة] ؛ لأن فيه الحسين بن عبيد الله الغضائري ولم ينص الأصحاب على توثيقه. وهو من الغرابة بمكان ، ولذا قال السيّد في المنهج [١١٤ / ٣٠٩] : ويستفاد من تصحيح العلاّمة طريق الشيخ إلى محمّد بن علي بن محبوب [التهذيب ١٠ : ٧٢ من المشيخة] ، توثيقه. ولم أجد إلى يومنا من خالفه » منه قدس‌سره.

والطريقان الباقيان للشيخ إلى علي بن جعفر بن محمّد بن علي زين العابدين عليهم‌السلام ، تجدهما في الفهرست : ٨٧ / ٣٧٧ ، وتتفرع منهما طرق كثيرة ، راجع تعليقتنا على هامش الطريق رقم [ ] المار في الفائدة السادسة من فوائد خاتمة المستدرك.

(٤) رجال النجاشي : ٤٠٤ / ١٠٧٠.

(٥) فهرست الشيخ : ١٣٣ / ٥٨٨.

٩٥

وقنع في ترجمة الحسين بن سعيد بذكر كتبه (١). إلى غير ذلك ممّا يقف عليه الناظر في التراجم.

وقالوا في أبي الحسن موسى بن الحسن بن محمّد المعروف بابن كبرياء : كان مفوّهاً عالماً ، متديّناً حسن الاعتقاد ، ومع حسن معرفته بعلم النجوم حسن العبادة والدين (٢) ؛ ومع ذلك عدّه المجلسي في الوجيزة (٣) ، والمحقق البحراني في البلغة (٤) ، من الممدوحين. فان كان لعدم دلالة هذه الألفاظ على حسن ظاهره فهو شبيه بإنكار البديهي ، ومع الدلالة والوثوق بتوسطه بحسن السريرة فعدّه منهم في غير محلّه.

وقد أشار إلى ما حققنا السيّد المحقق الكاظمي في العدة ، فقال بعد ذكر جملة من تلك الألفاظ ـ : وكذلك قولهم : من خواص الشيعة ، كما قال أبو جعفر عليه‌السلام لأخي محمّد بن إبراهيم الحضيني : رحم الله أخاك يعني محمّد فإنه من خصيص شيعتي. ومن اكتفى في العدالة بحسن الظاهر ولو في تعريفها كما هو الظاهر هان عليه الخطب (٥).

وأصرح من ذلك ما ذكره السيد الأجل بحر العلوم في ترجمة إبراهيم ابن هاشم بعد نقل كلمات الأصحاب واختلافها في الحكم بصحة السند من جهته تارة وبحسنه تارة أُخرى ما لفظه : والجمع بين كلماتهم في ذلك مشكل ، فإنّ الحَسَنَ في اصطلاحهم مباين للصحيح.

وقد يُتَكَلَّفُ للجمع بحمل الصحيح على مطلق الحجّة أو نحوه على

__________________

(١) فهرست الشيخ : ٥٨ / ٢٢٠.

(٢) رجال النجاشي : ٤٠٧ / ١٠٨٠.

(٣) الوجيزة : ٥٦ ، وفيه : (مخّ) اي : مختلف فيه.

(٤) بلغة المحدثين : ٤٢٣.

(٥) عدة الرجال ١ : ١٢١.

٩٦

خلاف الاصطلاح مجازاً ، أو بحمل الحَسَنِ على مطلق الممدوح رجال سنده بالتوثيق أو غيره ، أو حمل الوصف بالحَسَنِ على ما يقتضيه ظاهر الحال في إبراهيم بن هاشم ، لفقد النصّ على توثيقه ، والصحة على التحقيق المستفاد مما له من النعوت.

وهذه الوجوه متقاربة في البعد عن الظاهر ، وعلى الأخيرين تنعكس الشهرة ، وهما كالأول أولى من حمل الحكم بالصحة على الغلط والاشتباه ، وأولى من الكلّ : إبقاء كلّ من اللفظين على معناه ، على أن يكون السبب اختلاف النظر ، ومثله غير عزيز في كلامهم. وبذلك تنكسر سورة الشهرة المشتهرة.

وقد يفهم من قول العلاّمة (طاب ثراه) : « والأرجح قبول روايته » (١) وكذا من مناقشة صاحب المدارك وغيره في بعض رواياته ، كروايته في تسجية الميت تجاه القبلة (٢) ، وغيرها ، احتمال عدم القبول ، إمّا لأنّ اشتراط عدالة الراوي ينفي حجيّة الحَسَن مطلقاً ، أو لأن ما قيل في مدحه لا يبلغ حدّ الحَسَن المعتبر في قبول الرواية.

وهذا الاحتمال ساقط بكلا وجهيه :

(أمّا الأول :) فلأن التحقيق أنّ الحَسَن يشارك الصحيح في أصل العدالة ، وإنّما يخالفه في الكاشف عنها ، فإنه في الصحيح هو التوثيق أو ما يستلزمه (٣) ، بخلاف الحَسَن فان الكاشف فيه هو حُسْن الظاهر المُكتفى به في ثبوت العدالة على أصحّ الأقوال. وبهذا يزول الإشكال في القول بحجيّة

__________________

(١) رجال العلاّمة : ٤ / ٩.

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ٥٣ بدايات الفصل الخامس.

(٣) في حاشية (الأصل) إشارة إلى هذا الموضع ـ : (أو ما في معناه عن نسخة اخرى).

ومثله في هامش المطبوع من المصدر ايضاً.

٩٧

الحَسَن مع القول باشتراط عدالة الراوي كما هو المعروف بين الأصحاب (١).

انتهى ما أردنا نقله من كلامه الذي هو القول الفصل ، والكلام الجزل في هذا المقام ، الذي زلّت فيه أقدام الأعلام ، وليشهد بصحته الوجدان ، ويساعد عليه البرهان ، وعليه يمكن دعوى اتحاد اصطلاح القدماء والمتأخرين في الصحيح ، أو أعميّة الأول من جهة دخول الموثق فيه أيضاً.

ومن جميع ذلك ظهر أنّه لا يجوز للمستنبط الاتّكال على تصحيح الغير وتحسينه وتضعيفه ، بل الواجب عليه النظر إلى أُصول هذا الفن ، والتأمل في ألفاظ المدح المذكورة في التراجم ، والنظر في مداليلها ، وما تَكَنَّفَهَا من القرائن حتى يستكشف منها حُسْنَ الظاهر الكاشف عن الملكة ، فيصير الممدوح المصطلح ثقة ، والخبر الحسن صحيحاً ، وكيف يجوز الاعتماد على الغير في هذا المقام مع هذا الاختلاف العظيم الذي فيهم ، من جهة فهم المداليل ، حتى آل أمرهم في بعضها إلى الحكم بطرفي الضدّ ، كقول بعضهم في قولهم « لا بأس به » : انّه توثيق ، وآخر : أنه لا يفيد المدح أيضاً.

وقال بعضهم : إنّ في نفي البأس بأساً ، وغير ذلك ، هذا كلّه في الشهادة القولية ، والألفاظ المعهودة المذكورة في التراجم.

وأمّا الشهادة الفعلية واستظهار حُسن الظاهر منها ، بل الوثاقة ابتداءً منها نظير الوثوق بعدالة الإمام من جهة صلاة العدول معه فأحسنها وأتقنها وأجلّها فائدة في المقام رواية الأجلاء عن أحدٍ ، فإنّ التتبع والاستقراء في حال المشايخ الأجلّة يشهد بأن روايتهم عن أحد واجتماعهم في الأخذ عنه قرينة واضحة على وثاقته ، وما كانوا ليجتمعوا على الرواية إلاّ عمن كان مثلهم ، وإن روى

__________________

(١) رجال السيّد بحر العلوم ١ : ٤٦٠.

٩٨

أحدهم عن ضعيف في مقامٍ شَهروه ، ونوّهوا [باسمه (١)] ، ورموه بنبال الضعف ، وربّما يوثّقوه ثم يقولون : إلاّ أنّه يروي عن الضعفاء ، بحيث يستفاد منه أن الطريقة على خلافه ، فيحتاج النادر إلى التنبيه ، فاذا كثرت الرواة من الأجلّة الثقات عن أحد فدلالتها على الوثاقة واضحة. ولنذكر بعض الشواهد من كلماتهم :

قال النجاشي في ترجمة عبد الله بن سنان بعد ذكر كتبه ـ : روى هذه الكتب عنه جماعات من أصحابنا ، لِعِظَمِهِ في الطائفة وثقته وجلالته (٢).

قال الشيخ المحقق الأُستاذ (طاب ثراه) : يستفاد من هذه العبارة أنّ إكثار الرواية ، وكثرة الرواة عن شخص ممّا يدل على الوثاقة ، وهو كذلك بعد الفحص التام (٣).

وقال الكشي في ترجمة محمّد بن سنان ، بعد ما نقل عن الفضل بن شاذان قدحه ، وأنّه قال : رُدّوا أحاديث محمّد بن سنان ، وقال : لا أُحلّ لكم أن ترووا أحاديث محمّد بن سنان عني ما دمت حيّاً ، وأذن في الرواية بعد موته ، قال أبو عمرو : قد روى عنه الفضل بن شاذان (٤) ، وأبوه (٥) ، ويونس (٦) ، ومحمّد بن عيسى العبيدي (٧) ، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطاب (٨) ، والحسن (٩) والحسين ابنا سعيد الأهوازيان (١٠) ، وابنا دندان ، وأيوب بن

__________________

(١) في (الأصل) و (الحجرية) : به اسمه ، وما بين المعقوفتين هو الأنسب.

(٢) رجال النجاشي : ٢١٤ / ٥٥٨.

(٣) تعليقة الوحيد البهبهاني : ١٠ الفائدة الثالثة.

(٤) رجال الكشي ١ : ١٢٦ / ٥٦.

(٥) التهذيب ١٠ : ٥٤ / ٢٠٠ :

(٦) تهذيب الأحكام ٩ : ١٣٥ / ٥٦٨.

(٧) تهذيب الأحكام ١٠ : ٨٣ / ٣٢٩.

(٨) فهرست الشيخ : ١٤٣ / ٦٠٩.

(٩) الكافي ١ : ٣٨٤ / ٢.

(١٠) تهذيب الأحكام ٣ : ١٣٠ / ٢٨١.

٩٩

نوح (١) ، وغيرهم من العدول والثقات من أهل العلم (٢) ، انتهى.

وهذا نصّ في أنّ رواية الأجلاء عن أحد تنافي القدح فيه ، فإنّ ما ذكره دفاع عن محمّد بن سنان برواية العدول من أهل العلم عنه ، فيعلم أنّهم لا يجتمعون على الرواية عن أحد إلاّ عن الثقة السالم عن الطعن والقدح.

ولذا تعجب النجاشي في ترجمة جعفر بن محمّد بن مالك بعد تضعيفه فقال : ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همام ، وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري (رحمهما الله) (٣).

وقال صاحب المعالم في المنتقى : ولو لا وقوع الرواية من بعض الأجلاء عمّن هو مشهور بالضعف ، لكان الاعتبار يقتضي عدّ رواية من هو مشهور معروف بالثقة والفضل وجلالة القدر عمّن هو مجهول الحال ظاهراً من جملة القرائن القويّة على انتفاء الفسق عنه (٤) ، ثم استشهد لذلك بما نقلنا عن الكشي والنجاشي في ابن سنان ، وابن مالك (٥).

(قلت :) رواية الجليل المشهور عن المشهور بالضعف المقدوح بالكذب ، والوضع والتدليس ، وغيرها ممّا ينافي الوثاقة في أيام ضعفه نادرة جدّاً ، وهي لا توجب الوهنَ في الأمارة المستخرجة من سيرتهم وعملهم ، وقد مرّ في ترجمة النجاشي (٦) جملة من الشواهد لما ادّعيناه.

وممّا يدل على ذلك أنّ البرقي في رجاله مع عدم بنائه على التزكية

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣١٣ / ٩٠٩.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٧٩٦ / ٩٧٩.

(٣) رجال النجاشي : ١٢٢ / ٣١٣.

(٤) منتقى الجمان ١ : ٤٠.

(٥) كما مرّ آنفاً.

(٦) راجع الفائدة الثالثة صحيفة.

١٠٠