خاتمة مستدرك الوسائل - ج ٧

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]

خاتمة مستدرك الوسائل - ج ٧

المؤلف:

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-017-X
ISBN الدورة:
964-5503-84-1

الصفحات: ٤٦٤

وأمّا صاحب المشرق فلم يذكر الموافقة المذكورة في عداد القرائن ، وإنّما عدّ أُموراً لا ريب في كونها من الأمارات ، ولكن الشيخ مسؤول بذكر المستند لإطلاق الصحيح على الخبر المقترن ببعض منها ، أو جملة منها لا تنافي مذهب المتأخرين.

والظاهر أنّ الشيخ ومن تبعه اشتبه عليهم المعمول به بالصحيح ، ولا ملازمة بينهما كما عند المتأخرين ، كالضعيف المنجبر ، والحسن عند من يرى حجيّته ، فلا بُدّ في المقام من ذكر موارد أطلقوا الصحيح على خبر غير الثقة ، لمجرّد الاقتران ، وإلاّ فاعتمادهم ببعض القرائن في مقام العمل لا ينهض لإثبات الدعوى.

(وأمّا الثاني :) وهو إطلاقهم الصحيح على خبر الثقة ؛ ولو من غير الإمامي كثيراً ، وفي موارد لا يبعد بعد ملاحظتها دعوى الاطمئنان بانحصار مصطلحهم فيه ، فتنحصر الأعميّة في دخول الموثق في الصحيح عندهم ، فله شواهد :

منها : ما في أول الكافي ، وهو قوله رحمه‌الله : بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم‌السلام (١). وقد أوضحنا في الفائدة الرابعة أن المراد منها أخبار الثقات (٢) ، وله في باب ميراث ابن أخ وجدّ كلام أوضح منه (٣).

__________________

(١) الكافي ١ : ٧ ٨ ، من خطبة الكتاب.

(٢) تقدم توضيحه في الجزء الثالث ، صحيفة : ٤٨٠.

(٣) الكافي ٧ : ١١٥ ذيل الحديث ١٦.

وما ورد في هذا الباب مخالف للإجماع بتصريح الكليني قدس‌سره ، ومرسل ايضاً ومرسله إسماعيل بن منصور ، وهو ليس من أصحاب الإجماع ، ولا هو من الثلاثة الأجلاء الذين لا يرسلون الا عن ثقة ، بل هو غير معروف بكتب الرجال ، وعلى الرغم من ذلك كله قال ثقة الإسلام بعد رواية الحديث : « هذا قد روي وهي أخبار صحيحة ».

والوضوح الذي أشار إليه المصنف بقوله : « وله في باب. أوضح منه » يريد به ان خبر الباب المذكور مخالف للإجماع وهو من القرائن المهمة المعتمدة في

٤١

ومنها : ما في الفقيه ، وأمّا خبر صلاة يوم غدير خم ، والثواب المذكور فيه ، فإن شيخنا محمّد بن الحسن (رضى الله عنه) كان لا يصححه ، ويقول : إنّه من طريق محمّد بن موسى الهمداني ، وكان غير ثقة ، وكلّما لم يصححه ذلك الشيخ (قدس الله روحه) ولم يحكم بصحته من الأخبار ، فهو عندنا متروك غير صحيح (١).

ولا يخفى على المتأمل أنّ المراد من الصحيح في أول الكلام ما كان تمام رواته ثقات ، فيكون في آخره كذلك ، مع أنّ غير الوثاقة ممّا عدّوه من أسباب الصحة ، كالوجود في الأصل ، والمعروض على الإمام عليه‌السلام والموافقة من الأُمور المحسوسة الغير المحتاجة إلى تبعيّة الآخر ، والذي لا ضير في التبعيّة فيها معرفة الرجال ووثاقتهم ، وضبطهم وتثبتهم ، خصوصاً لمثل الناقد الخبير محمّد بن الحسن بن الوليد ، الذي من سلم من طعنة فكأنّه مرضيّ للكلّ.

ومنها : الفقرة الثانية في قولهم : تصحيح ما يصح عنه. فإن المراد من الصحة في قولهم : « ما يصح عنه » لا بُدّ وأن يكون من جهة اتصاف رجال السند مثلاً إلى ابن أبي عمير بالوثاقة ، لوضوح عدم قابلية السند إليه ، لاقترانه بما عدّوه من قرائن الصحة عندهم ، سوى الوثاقة.

والسيد الجليل في رسالة أبان كأنّه التفت إلى هذا فزاد في كلامه في

__________________

تصحيح الاخبار ، وبهذا يكون قول ثقة الإسلام ناظراً إلى صحة السند لا إلى القرائن الحاكمة على الخبر بعدم الصحة.

على ان هذا لا يعني كون المراد بالخبر هو المراد الجدي بعد التسليم بصحته وإلا كان الإجماع ساقطاً عن الاعتبار ، بل المراد من الصحة هنا صدوره عنهم عليهم‌السلام تقية ، وبالتالي فان هذا الشاهد يؤيد دعوى المصنف من ان إطلاق الصحيح عند القدامى هو خبر الثقة ، وفي المسألة خلاف طويل الذيل آثرنا تركه ، فلاحظ.

(١) الفقيه ٢ : ٥٥ ذيل الحديث : ١٨.

٤٢

معنى الصحة عنه ، بعد اتصاف السند بالوثاقة كما سبق قوله : أو إذا صحّ وظهر لهم صدور الحديث من أحدهم (١) ؛ حذراً من وجوب حمل الصحة في الفقرة الأُولى أيضاً عليه ؛ لركاكة التفكيك.

ولا يخفى أنّ الصحة والظهور من غير جهة الوثاقة ، لا يكون إلاّ من جهة تكثّر الطرق إلى أحدهم ، إلى حدّ التواتر أو ما يقرب منه ؛ وفيه من التكلّف ما لا يخفى ، خصوصاً مع حمل الفقرة الأُولى أيضاً عليه ، رعاية للتطابق.

ومنها : قولهم في ترجمة جماعة : صحيح الحديث ، كما مرّ في شرح المشيخة (٢) ، ويأتي توضيحه (٣) إن شاء الله تعالى.

ومنها : ما في التهذيب ، في باب التيمم ، في بحث المحتلم الخائف على نفسه من الغسل لشدة البرد ، بعد إيراد حديث بسندين.

أولهما : محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عمّن رواه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤).

وثانيهما : سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن جعفر بن بشير ، عن عبد الله بن سنان أو غيره عنه عليه‌السلام (٥).

قال : فأول ما فيه أنه خبر مرسل منقطع الإسناد ؛ لأنّ جعفر بن بشير في الرواية الأُولى قال : عمّن رواه ، وهذا مجهول يجب اطراحه ؛ وفي الرواية الثانية قال : عن عبد الله بن سنان أو غيره ، فأورده وهو شاكّ فيه ، وما يجري هذا المجرى

__________________

(١) الرسائل الرجالية : ١٥.

(٢) تقدم ذلك في الفائدة الخامسة في موارد متفرقة منها ما ذكره في ترجمة إبراهيم ابن هاشم المتقدم برمز (يد) ، وهو المساوي للطريق رقم [١٤] ، فراجع.

(٣) سيأتي توضيحه في هذه الفائدة ، صحيفة : ٦٠.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ١٩٦ / ٥٦٧.

(٥) تهذيب الأحكام ١ : ١٩٦ / ٥٦٨.

٤٣

لا يجب العمل به ، ولو صحّ الخبر على ما فيه لكان محمولاً (١). إلى آخره.

ومنها : ما فيه في باب حكم المسافر والمريض في الصيام ، بعد إيراد خبر سنده : الصفار ، عن عمران بن موسى ، عن موسى بن جعفر ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن ابن بكير ، عن عبد الأعلى مولى آل سام ، في الرجل. إلى آخره (٢).

قال : فأول ما فيه أنّه موقوف غير مسند إلى أحد من الأئمة عليهم‌السلام وما كان هذا حكمه لا يعترض به الأخبار الكثيرة المسندة ، ولو صحّ كان الوجه (٣). إلى آخره.

ومنها : ما في الاستبصار ، في باب من فاته الوقوف بالمشعر الحرام ، بعد إيراد خبرين ، في آخر سند الأول : محمّد بن يحيى الخثعمي ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وفي آخر الثاني : عنه ، عنه عليه‌السلام.

قال بعد رمي الخثعمي بالعاميّة والاضطراب من جهة روايته تارة بلا واسطة وأُخرى بدونها ـ : ويمكن على تسليمهما وصحتهما (٤). إلى آخره.

ومنها : ما فيه ، في باب ميراث ذوي الأرحام ، بعد نقل خبرين عن الفضل بن شاذان رحمه‌الله في قضاءٍ لعلي عليه‌السلام ، أوّلهما : عن سويد بن غفلة.

قال : قال الفضل : وهذا الخبر أصح مما رواه سلمة بن كهيل ، وساقه.

ثم قال : لأنّ سلمة لم يدرك علياً عليه‌السلام ، وسويد قد أدرك علياً عليه‌السلام (٥).

ومنها : ما في الفهرست ، في ترجمة يونس بن عبد الرحمن بعد ذكر

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ١٩٦ / ذيل الحديث : ٥٦٨.

(٢) تهذيب الأحكام ٤ : ٢٢٩ / ٦٧٤.

(٣) تهذيب الأحكام ٤ : ٢٢٩ ذيل الحديث : ٦٧٤.

(٤) الاستبصار ٢ : ٣٠٥ / ١٠٩٠ و ١٠٩١.

(٥) الاستبصار ٤ : ١٧٣ / ٦٥٤.

٤٤

الطرق إلى كتبه.

[قال] : وقال محمّد بن علي بن الحسين : سمعت محمّد بن الحسن بن الوليد رحمه‌الله يقول : كُتب يونس بن عبد الرحمن التي هي بالروايات كلُّها صحيحة معتمد عليها ، إلاّ ما ينفرد به محمّد بن عيسى بن عبيد ، ولم يروه غيره (١).

إلى غير ذلك من الموارد الصريحة في أنّ المناط في الصحة عندهم حالات نفس السند ، من غير ملاحظة اقترانه بأمر خارجي.

ويوضحه ويدلّ عليه أنّ الشيخ ذكر الحجّة من الخبر الواحد في كتاب العدّة في مواضع ، وليس فيه ذكر للخبر الضعيف المنجبر ضعفه بالقرائن الخارجية ، فلو كان الضعيف المقترن فيها داخلاً في صحيحهم لكان حُجّةً ، ومعه كان عليه أن يذكره ، مع أنّه أهمله.

فإنه رحمه‌الله قال في موضع : وأمّا ما اخترته من المذهب وهو أنّ خبر الواحد إذا كان وارداً من طريق أصحابنا ، القائلين بالإمامة ، وكان ذلك مرويّاً عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عن أحد من الأئمة عليهم‌السلام ، وكان ممّن لا يطعن في روايته ، ويكون سديداً في نقله ، ولم تكن هناك قرينة تدلّ على صحة ما تضمّنه الخبر لأنه إن كانت هناك قرينة تدلّ على ذلك كان الاعتبار بالقرينة ، وكان ذلك موجباً للعلم ، ونحن نذكر القرائن فيما بعد جاز العمل به ، والذي يدل على ذلك إجماع الفرقة المحقّة (٢). إلى آخر ما تقدم في الفائدة الرابعة (٣).

وقريب منه ما ذكره في موضع آخر.

ومن هنا أورد عليه الشهيد الثاني رحمه‌الله في درايته حيث قال :

__________________

(١) فهرست الشيخ : ١٨١ / ٧٨٩.

(٢) عدة الأُصول ١ : ٣٣٦ و ٣٣٧.

(٣) انظر الجزء الثالث ، صحيفة : ٤٨٩.

٤٥

واختلفوا في العمل بالحسن ؛ فمنهم من عمل به مطلقاً كالصحيح ، وهو الشيخ رحمه‌الله على ما يظهر من عمله ، وكلّ من اكتفى في العدالة بظاهر الإسلام ولم يشترط ظهورها. ومنهم من ردّه مطلقاً وهم الأكثرون حيث اشترطوا في قبول الرواية الإيمان والعدالة ، كما قطع به العلاّمة في كتبه الأُصولية (١) ، وغيره.

والعجب أن الشيخ رحمه‌الله اشترط ذلك أيضاً في كتب الأُصول ، ووقع له في الحديث وكتب الفروع الغرائب ، فتارة يعمل بالخبر الضعيف مطلقاً حتى أنّه يخصص به أخباراً كثيرة صحيحة حيث تعارضه بإطلاقها (٢). إلى أن قال : وأمّا الضعيف فذهب الأكثر إلى المنع عن العمل به مطلقاً ، وأجازه آخرون ، مع اعتضاده بالشهرة رواية أو فتوى ، كما يعلم مذاهب الفرق الإسلامية باخبار أهلها مع الحكم بضعفهم عندنا ، وإن لم يبلغوا حدّ التواتر ، وبهذا اعتذر للشيخ رحمه‌الله في عمله بالخبر الضعيف ، وهذه حجّة من عمل بالموثق أيضاً. وفيه نظر.

وقال في وجهه : إنّ هذا يتمّ لو كانت الشهرة متحققة قبل زمن الشيخ رحمه‌الله والأمر ليس كذلك ، فإن من قبله من العلماء كانوا بين مانع من خبر الواحد مطلقاً ، كالمرتضى والأكثر على ما نقله جماعة ، وبين جامع للأحاديث من غير التفات إلى تصحيح ما يصحّ ، وردّ ما يردّ ، قال : فالعمل بمضمون الخبر الضعيف قبل زمن الشيخ على وجه يجبر ضعفه ليس بمتحقق ، ولمّا عمل الشيخ بمضمونه في كتبه الفقهية جاء من بعده من الفقهاء واتّبعه منهم عليها الأكثر تقليداً له (٣). إلى آخر ما قال.

ومن مجموع كلامه يظهر أنّ الضعيف المنجبر بالشهرة رواية كانت

__________________

(١) نهاية الأُصول ١ : ٢١١ ، الفصل السادس في شرائط الراوي.

(٢) دراية الشهيد : ٩٠.

(٣) الدراية / الشهيد الثاني : ٩٢.

٤٦

أو فتوى غير داخل في الصحيح عندهم ، وإنْ عمل به لِمَا ذَكَرَ ، بل الحسن أيضاً ، وإن كان فيما ذَكَرهُ فيه نظر بيّن ؛ لكون أكثر ما عدّوه من الحسان داخلاً في قسم الصحاح عندهم مع ملاحظة الشروط للوجه الذي سنتلوه عليك إن شاء الله تعالى في بعض الفوائد الآتية.

وبالجملة فصريح كلامه : أنّ ما اشتهر [ت] نسبته إلى القدماء في معنى الصحيح لا أصل له أصلاً ، وأنّ الاقتران بالقرائن الخارجية لا مدخلية له في اتصاف الخبر بالصحة.

وأوضح ممّا ذكره رحمه‌الله هنا ، ما ذكره في أوّل الباب ، فإنه عرّف الصحيح بما هو المشهور ، وشرح قيود التعريف ، وردّ القيدين الذين قيّده بهما العامة وهما : الشذوذ والعلّة ، وشرح قيود تعريفهم ، ثم ذكر أنّه قد يطلق على سليم الطريق وإن اعتراه مع ذلك إرسال أو قطع (١) في كلام طويل مرّ بعضه سابقاً.

وليس في كلامه إشارة إلى مذهب القدماء في الصحيح ، كما زعموا أنّه أعمّ مطلقاً أو من وجه من صحيح المتأخرين ، أليس بغريب أن يتعرض في كلامه لكلام العامّة ويهمل كلام أصحابه ، ومخالفة القدماء منهم فيه ، ولا يتعرض لصحته وسقمه ، فلو كان الصحيح عندهم غير الصحيح عنده لتعرض له يقيناً.

ومثله الشهيد الأول في أول الذكرى (٢) ، بل ظاهره فيما نقلناه عنه سابقاً حمل الصحيح في الإجماع على ما هو عند المتأخرين فلاحظ.

ومن العجيب أنّ سيّد المفاتيح رحمه‌الله قال : إن القدماء يحكمون بالصحة بأسباب لا تقتضي ذلك.

منها : مجرّد حكم شيخهم بالصحة.

__________________

(١) الدراية / الشهيد الثاني : ٧٧ ٧٩.

(٢) الذكرى : ٤.

٤٧

ومنها : اعتماد شيخهم على الخبر.

ومنها : عدم منع شيخهم عن العمل به.

ومنها : عدم منع الشيخ عن روايته للغير.

ومنها : موافقته للكتاب والسنة (١) ، انتهى.

وقد عرفت نصّهم على عدم كون موافقتهما من أسباب الصحة ، والثلاثة الاولى أخذها من كلام الصدوق في العيون والفقيه ، كما مرّ في الفائدة الرابعة (٢) ، ومرجعها إلى الاتكال على تصحيح الغير ، وعليه عمل غالب المتأخرين ، بل جلّ أهل عصرنا ، واعتماد الصدوق على تصحيح ابن الوليد ؛ المعلوم حاله ، وعدم حاجته إلى تمييز المشتركات ، ومعرفته معاني ألفاظ الجرح والتعديل ، وغير ذلك ؛ أهون من الاعتماد على من يحتاج إلى النظر إلى تلك الأُمور النظرية ، مع تمكنه منه ، فان هذا تقليد محض ، وذاك اتكال على تزكيته ، مع أنّ الصدوق لم يطلق في الأخيرين الصحيح على الخبر ؛ ومجرّد العمل والرواية لا يصحح ، فمن أين ينسب إلى جميعهم ذلك؟

وأعجب منه ما ذكره العالم الجليل السيّد صدر الدين فيما علّقه على رجال أبي علي ، في كلام له في هذا المقام ـ [فقال] : نعم يرد عليه أنّ الصحيح في كلام القدماء بمعنى آخر ، فينبغي التأمل في أنّ الصحيح بالمعنى المعروف فردّ منه أم لا (٣) ، انتهى.

فلم يرض بالاتحاد ولا الأعميّة حتى احتمل التباين ، فيكون الصحيح عند القدماء خبر غير الثقة المقترن بما ذكروا ، وهو كما ترى.

__________________

(١) مفاتيح الأُصول : ٣٣٢.

(٢) تقدم في الجزء الثالث ، صحيفة ٤٨٥.

(٣) تعليقة السيّد صدر الدين على منتهى المقال.

٤٨

وممّا يؤيد أيضاً ما ذكرنا أنّهم في مقام ذكر اعتبار ما أرادوا جمعه من الأخبار يقولون : إنّها مرويّة عن الثقات ، هذا علي بن إبراهيم قال في أول تفسيره : ونحن ذاكرون ومخبرون ما ينتهي إلينا ، ورواه مشايخنا ، وثقاتنا ، عن الذين فرض الله طاعتهم (١). إلى آخره.

وقال جعفر بن قولويه ، في أول كامله : وقد علمنا أنّا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا غيره ، ولكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا (رحمهم‌الله برحمته) (٢). إلى آخره.

وقال الصدوق في أوّل المقنع : وحذفت الأسناد منه ، لئلا يثقل حمله ، ولا يصعب حفظه ، ولا يملّه قاريه ، إذ كان ما أُبيّنه فيه موجوداً بيّناً عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات (٣) (رحمهم‌الله تعالى).

وقال الشيخ محمّد بن المشهدي ، في أوّل مزاره : فاني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات. إلى أن قال : ممّا اتصلت به ثقات الرواة إلى السادات (٤). إلى آخره ، إلى غير ذلك.

ثم لا يخفى أنّ المحقق رحمه‌الله وإنْ كان من المتأخرين إلاّ أنّه آخر من تبع القدماء اصطلاحاً ، ويعدّ منهم في هذا المقام ، لحدوث الاصطلاح الجديد كما قالوا من العلاّمة ومن تأخر عنه ، وقد قال رحمه‌الله في المعارج : قد تقترن بخبر الواحد قرائن على صدق مضمونه ، وإن كانت غير دالة على صدق الخبر نفسه ، لجواز اختلافه مطابقاً لتلك القرينة ، والقرائن أربع :

إحداها : ان يكون موافقاً لدلالة العقل ، أو لنص الكتاب خصوصه ، أو

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ٤.

(٢) كامل الزيارات : ٤١.

(٣) المقنع : ٢.

(٤) مزار المشهدي : ٣.

٤٩

عمومه ، أو فحواه ، أو السنة المقطوعة بها ، أو لما حصل الإجماع عليه (١). إلى آخره.

وكيف خفي عن هؤلاء الأعلام كلامه ، حتى عدوّا موافقة الكتاب والسنة من أمارات صحّة الخبر ، وأظن وإن كان الظن لا يغني من الحق شيئاً أنّه اشتبه مذهب الشيخ ومن وافقه سابقاً عليه ، أو لاحقاً به ، ممّن يرى حجيّة الخبر الواحد المجرد عن القرائن الخارجية ، المتصف ببعض الشروط الداخلية ؛ بمذهب السيّد والجماعة الذين منعوا من حجيّته إلاّ مع اقترانه بما يقتضي العلم بصحّة مضمونه.

قال العلاّمة الكراجكي منهم في مختصر كتاب التذكرة في أُصول الفقه لشيخه أبي عبد الله المفيد : فأمّا خبر الواحد القاطع في العذر ، فهو الذي يقترن إليه دليل يفضي بالناظر فيه إلى العلم بصحّة مخبره ، وربّما كان الدليل حجّة من عقل ، وربّما كان شاهداً من عرف ، وربّما كان إجماعاً بغير خلف ، فمتى خلا خبر واحد من دلالة يقطع بها على صحّة مخبره فإنه كما قدمناه ليس بحجّة ، ولا موجب علماً ولا عملاً على كلّ وجه (٢) ، انتهى.

والحاصل أنا نطالب الجماعة الذين نصّوا بأنّ من الصحيح عندهم المقترن بأُمور خارجية ، وأنّه أعمّ من الصحيح المصطلح من هذه الجهة ، وأرسلوه إرسال المسلمات ، بشاهدٍ يُصدِّق هذه الدعوى ، ونصٍّ على ذلك من كلام أحد من القدماء ، وإلاّ فانّا في عذر من عدم قبوله ، مضافاً إلى ما ذكرنا مما يدلّ على خلافه ، وبالله نستعين.

المقام الثاني

اعلم أنّ القرائن التي بها يصير الخبر الواحد حجّة إمّا داخليّة ، أو خارجية.

__________________

(١) معارج الأُصول : ١٤٨.

(٢) كنز الفوائد ٢ : ٢٩.

٥٠

(ونعني بالأُولى :) الوثاقة بالمعنى الأعم ، أو العدالة بالمعنى الأعم ، أي عدالة كلّ راوٍ على مذهبه ، ويعبر عنها أيضاً بالوثاقة بالمعنى الأعم أو بالمعنى الأخص ، فيدخل فيها الإيمان على اختلاف المذاهب ، وغيرها من الضبط والتثبّت.

(وبالثانية :) ما عدّه في مشرق الشمسين (١) والمفاتيح (٢) وغيرهما في هذا المقام.

(أمّا الأُولى :) فإذا اتصف راويها [بها] ودخلت روايته في صنف الحجّة ، فيمكن الحكم بصحّة حديثه من جهته مطلقاً ، سواء كان صاحب كتاب أو لا ، وسواء اطلع هذا الحاكم برواياته أو بعضها ، أو لم يقف على حديث واحد من أحاديثه ، فيجوز أن يقول : كلّما رواه زرارة عن الإمام عليه‌السلام فهو صحيح ، أو كلّما رواه الحسين بن سعيد كذلك ، إذا كان من بعده مثله ، وهذا واضح.

ومن ذلك قول أبي محمّد العسكري عليه‌السلام لأحمد بن إسحاق كما في الكافي ـ : « العمري وابنه ثقتان ، فما أدّيا إليكَ عنّي فعنّي يؤديان ، وما قالا لك فعني يقولان ، فاسمع لهما وأطعهما فإنّهما الثقتان المأمونان » (٣).

(وأمّا الثانية :) فلا يمكن أن يحكم بحديث واحد من رأو إلاّ بعد الوقوف على اقترانه بها ، لأنّها كلّها أوصاف لنفس الخبر ، وما لم يكن الخبر معيّناً معلوماً لا يمكن العلم باتصافه بها ، فلا يمكن أن يقال في حقّ رأو غير مصدق قوله في نفسه : إنّ كلّما رواه صحيح ، أي مقترن بها ، لأن العلم بالاقتران إن كان من جهة إخباره فهو غير مصدّق فيه ، وإن كان من جهة اطلاعه فالمفروض عدمه.

نعم يجوز الحكم بصحة أحاديثه المعلومة المحصورة في كتاب ، أو عند رأو سمعها منه ، وغير ذلك ممّا يمكن معه الاطلاع على الاقتران

__________________

(١) مشرق الشمسين (ضمن الحبل المتين) : ٢٦٩.

(٢) مفاتيح الأُصول : ٣٣٢ و ٣٣٣.

(٣) الكافي ١ : ٢٦٦ / ١ ، وذكره الشيخ في كتاب الغيبة : ٢١٨ ٢١٩.

٥١

وعدمه ، وهذا أيضاً واضح لا سترة فيه.

ومن ذلك ما رواه الشيخ في كتاب الغيبة : أنه لمّا عمل محمّد بن علي الشلمغاني كتاب التكليف ، قال الشيخ يعني : أبا القاسم الحسين بن روح (رضى الله عنه) ـ : اطلبوه إليّ لأنظره ، فجاؤا به فقرأه من أوله إلى آخره. فقال : ما فيه شيء إلاّ وقد روي عن الأئمة عليهم‌السلام ، إلاّ موضعين أو ثلاثة فإنه كذب عليهم في روايتها لعنه الله (١).

إذا عرفت ذلك فنقول : إذا أعرضنا عن المقام الأول ، وسلمنا من الجماعة أعَميّة صحيح القدماء ، وأنّه قد يكون من الجهة الأُولى ، وقد يكون من الجهة الثانية ، فلا بُدّ لنا أيضاً في المقام الحكم بكون المراد من الصحيح الصحيح من الجهة الأُولى لوجهين :

(الأول :) أنّ العصابة حكموا بصحة كلّ ما صحّ عن هؤلاء من غير تخصيص بكتاب أول أصل أو أحاديث معينة.

وبالجملة الكل حكموا بتصحيح الكل ، وما صح عنهم غير محصور ، لعدم انحصار أحاديثهم بما في كتبهم ، خصوصاً الطبقة الأُولى والثانية ، ولا بما عند رأو معلوم ، ومع ذلك لا يجوز أن يكون السبب الجهة الثانية كما عرفت.

(الثاني :) أنّ ذلك قريب من المحال بحسب العادة ، لأن جلّ أحاديثنا الموجودة تنتهي إلى هؤلاء ، والله العالم بما لم يصل منها إلينا ، هذا محمّد ابن مسلم أحد الستة الأُولى ، روى الكشي عن حريز عنه ، قال : ما شجرني رأي قطّ إلاّ سألت عنه أبا جعفر عليه‌السلام حتى سألته عن ثلاثين ألف حديث ، وسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ستة عشر ألف حديث (٢).

هذه ستّة وأربعون ألف حديث أجوبة مساءلة ، وهي أزيد من تمام

__________________

(١) الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٥١ ٢٥٢.

(٢) رجال الكشي ١ : ٣٨٦ رقم ٢٧٦.

٥٢

أحاديث الكتب الأربعة والله أعلم بسائر أحاديثه ، ولا أظنّ أنّ أحاديث زرارة تنقص من أحاديثه ، وهو الذي قال في حقّه أبو عبد الله عليه‌السلام : « لولا زرارة لظننت أن أحاديث أبي ستذهب » (١) وهكذا حال أغلب الجماعة كما لا يخفى على من تأمل حقّ التأمل في تراجمهم وفي الجوامع.

والمراد بالعصابة : الفرقة الشيعة الإمامية من أصحابهم عليهم‌السلام ، ومن يليهم. والتعبير عنهم بها لعلّةٍ تبعاً لأبي عبد الله الصادق عليه‌السلام فيما ذكره في رسالته إلى أصحابه التي أمرهم بمدارستها ، والنظر فيها ، وتعاهدها والعمل بها ، فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم ، فاذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها ، فإنه عليه‌السلام خاطبهم فيها بقوله : « أيّتها العصابة المرحومة المفلحة ، أو أيتها العصابة المرحومة المفضلة ، أو أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم » (٢) وغير ذلك.

وفي باب ميراث ابن أخ وجدّ ، من الكافي بعد ذكر أخبار تخالف ما رواه في أول الباب قال : وهي أخبار صحيحة ، إلاّ أنّ إجماع العصابة أنّ منزلة الأخ. إلى آخره. ثم ذكر خبراً آخر ، وقال : وليس هذا أيضاً ممّا يوافق إجماع العصابة (٣). إلى آخره.

وقال النجاشي في ترجمة أبي غالب أحمد بن محمّد بن سليمان الزراري ـ : وكان أبو غالب شيخ العصابة في زمنه ووجههم (٤).

وقال أبو علي محمّد بن همام في أول كتابه التمحيص ـ : لمّا رأيت ما شملني والعصابة المهتدية من الاختبار واللأواء (٥). إلى آخره.

__________________

(١) رجال الكشي ١ : ٣٤٥ رقم ٢١٠.

(٢) الكافي ٨ : ٢ ١٤ / ١ ، من الروضة.

(٣) الكافي ٧ : ١١٥.

(٤) رجال النجاشي : ٨٣ / ٢٠١.

(٥) التمحيص : ٢٨.

٥٣

وفي أمالي الشيخ ، بإسناده عن عبد الله بن الوليد ، قال : دخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام في زمن مروان ، فقال : « ممّن أنتم »؟ فقلنا : من أهل الكوفة. قال : « ما من البلدان أكثر محبّاً لنا من أهل الكوفة ، ولا سيما هذه العصابة » (١) ، الخبر.

قال المجلسي : هذه العصابة : أي الشيعة فإنّها أخص (٢).

وبالجملة فالمراد منها في المقام حَمَلة الآثار ، ونقّاد الأخبار ، وهم في ذلك العصر خلق كثير وجمّ غفير منتشرون في البلدان متفرّقون في الأمصار ، فاحتمال اطلاع كلّ واحد منهم على جميع أحاديث كلّ واحد من الجماعة وعلمه باقتران كلّ واحد منها بإحدى القرائن المذكورة ، ثم اطلاع الشيخ الكشي وشيخه الآخر على اطلاع كل واحد منهم عليها ، فاسد عند كلّ من له أدنى حظّ من البصيرة.

وأمّا ما قيل : إنّه قد يقع الإجماع على صحة أخبارٍ إذا قوبلت وعلم من الخارج صدقها ومطابقتها للواقع ، أو علم مطابقة كثير منها بنحو ظنّ أو قطع بمطابقة الباقي ، فهو كسابقه في الفساد ، خصوصاً نسبة الحدس إلى العصابة ، حيث فتشوا بعض أخبار الجماعة فوجدوها صحيحة ، فقاسوا باقيها ، وفي قصّة كتاب الشلمغاني كفاية لبطلان هذا القياس ، وعدم حصول الظن ، فضلاً عن القطع بصحة الباقي ، لمجرّد الوقوف على صحّة جملة منها.

هذا ، وأمّا إنْ كان السبب في حكم العصابة بصحّة أحاديث الجماعة كونهم كما استظهرناه من العدّة (٣) من الذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون

__________________

(١) أمالي الطوسي ١ : ١٤٣.

(٢) بحار الأنوار ٦٠ : ٢٢٢.

(٣) عدة الأُصول ١ : ٣٨٧.

٥٤

إلاّ عن ثقة ، فهو أمر ممكن يسهل معرفته ، كما اعترف به المشهور ، بل ادعى عليه الإجماع في خصوص ابن أبي عمير ، أو هو مع أخويه صفوان والبزنطي.

وقد شرحنا في ترجمة ابن أبي عمير في (رسز) كيفية معرفة الأصحاب ذلك ، وأجبنا عن بعض الشبهات في المقام ، وذكرنا وجه الحجيّة بما لا مزيد عليه ، ولا بُدّ للناظر من المراجعة إليه (١) ، وقد اتفق ذلك لبعضهم بالنسبة إلى بعض الرواة.

ففي الفهرست في ترجمة علي بن الحسن الطاطري : كان واقفياً شديد العناد في مذهبه ، قال : وله كتب في الفقه ، رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم ، فلأجل ذلك ذكرنا (٢).

قال المحقق السيّد العاملي بعد نقل هذه العبارة ـ : عليّ واقفي ، فيعلم أنّه لو لم يكن كتبه عن الثقات لم يروها ، وأنت تدري أنّ مجرّد كونها عن الثقات لا يكفي في جواز روايتها ، إلاّ أن يعلم صدقه فيها ، وليس العلم بالصدق لمجرد كونه ثقة ، لأنه لا يصلح حصر الرواية حينئذ عنه في كونه لا يروي إلاّ عن الثقات.

وبالجملة نريد بذلك التنبيه على أن أصحاب الإجماع قد لا يكون الإجماع على التصحيح لوثاقتهم بل لكونهم رووا ما علم صحّته من الخارج (٣) ، انتهى.

قلت : شدّة عناد علي في مذهبه تقتضي الإعراض والاجتناب عنه ، وعن أمثاله ، ولكن الأصحاب أُمروا بأخذ ما عندهم من الحقّ ، وعدم الاعتناء إلى عنادهم في هذا المقام.

ففي أصل زيد الزراد عن جابر الجعفي قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام

__________________

(١) راجع الفائدة الخامسة من خاتمة المستدرك ، الرمز (رسز) المساوي لرقم الطريق [٢٦٧].

(٢) فهرست الشيخ : ٩٢ / ٣٨٠.

(٣) تعليقة السيّد صدر الدين العاملي على منتهى المقال : مخطوط.

٥٥

يقول : « إنّ لنا أوعية نملؤها علماً وحكماً ، وليست لها بأهل فما نملؤها إلاّ لتنقل إلى شيعتنا ، فانظروا إلى ما في الأوعية فخذوها ، ثم صَفُّوها من الكدورة ، تأخذونها بيضاء نقيّة صافية ، وإيّاكم والأوعية فإنّها وعاء سوء فتنكبوها ».

وقال زيد : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « اطلبوا العلم من معدن العلم ، وإيّاكم والولايج (١) فهم الصَّدَّادُون عن سبيل الله » ، ثم قال : « ذهب العلم وبقي غَبرَات العلم في أوعية سوء ، واحذروا فإن في باطنها الهلاك ، وعليكم بظاهرها فإن في ظاهرها النجاة » (٢)

والمراد بالكدورة والباطن هو رأيهم وتأويلاتهم في الأحاديث ، كما أشار إليه الإمام العسكري عليه‌السلام بقوله : « خذوا ما رووا وذروا ما رأوا » (٣) بالنسبة إلى كتب بني فضّال ، وأبو القاسم بن روح بالنسبة إلى كتب الشلمغاني ، فأراد الشيخ إظهار عدم عصبيّته في المقام ، وعدم عنادة للحق الذي وجده عنده ، وظهر صدوره عنهم عليهم‌السلام بوثاقته ، ووثاقة وسائطه إليهم عليهم‌السلام المعلوم عند الشيخ ، لسهولة اطلاعه عليها ، لمحصوريتهم في كتبه التي أشار إليها أو لإخباره بوثاقتهم ، كما شرحنا مثله في ترجمة ابن أبي عمير (٤).

وهذا ممّا يؤكد كون سبب الإجماع على الصحة أيضاً وثاقة الوسائط ، فضلاً عن وثاقتهم التي صرّح بها السيّد المؤيد في كلامه الذي نقلناه عنه سابقاً (٥).

__________________

(١) الولائج : جمع وليجة ، وهي كل شيء أدخل في آخر وليس منه. مجمع البحرين ٢ : ٣٣٥ وَلَجَ.

(٢) أصل زيد الزراد : ٤.

(٣) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٣٩.

(٤) تقدمت ترجمته في الفائدة الخامسة برمز (رسز) المساوي لرقم الطريق [٢٦٧] ، فراجع.

(٥) مر كلام السيّد صدر الدين العاملي في توثيق أصحاب الإجماع ووسائطهم ، المشار إليه قبل أربع هوامش فراجع.

٥٦

وكيف كان فصريح الشيخ أنّ سبب النقل بل الاعتماد وثاقة الوسائط ، لا العلم بالصحة من الخارج ، فأين وجه التنبيه؟

ثم ان السيد المحقق الكاظمي في العدة بعد استدلاله على وثاقة الجماعة بما ذكرناه في الوجه الثاني قال : ومن الناس من تجاوز عن هذا المقام ، فزعم أنّ الإجماع على تصحيح ما يصح عن هؤلاء كما قضى بوثاقتهم فهو قاض بوثاقة من يروون عنه ، وهذا خطأ ، فإن الاتفاق على وثاقة رأو وصحّة كلّ ما يرويه لا يستلزم أن لا يروي إلاّ عن ثقة ، بل أقصاه أن لا يروي إلاّ ما ثبت لديه ولو بالقرائن ، نعم لو حكموا بأنه لا يروي إلاّ عن ثقة كما اتفق ذلك لبعض هؤلاء كصفوان وابن أبي عمير والبزنطي لتم ، بلى اللهم ربّما كان في رواية الثقة الجليل عن إنسان نوع اعتبار له (١) ، انتهى.

(وفيه أولاً :) أنّ الاستبعاد الذي اعترف به في نفس الجماعة آت هنا ، وإن لم يكن بتلك المرتبة ، والمدار في الرجال على الظنون.

(وثانياً :) ما مرّ من أنّ إطلاق الصحة على الخبر من غير جهة وثاقة رجال سنده ولو بالمعنى الأعمّ غير معلوم بل الظاهر عدمه (٢).

(وثالثاً :) ما مرّ من أنّ نفس مطابقة أخبار رأو لما علم من الخارج صحّته من أمارات الظن بالوثاقة (٣) ، فراجع.

(ورابعاً :) ما مرّ من مشاركة الجماعة للثلاثة في عدم الرواية إلاّ عن الثقة على ما يظهر من العدة (٤).

__________________

(١) عدة الرجال ، مخطوط : ورقة ٢١ / آ.

(٢) كما مر في شواهد المصنف على ان المراد بالصحيح عند الإطلاق هو خبر الثقة لا المحقق بالقرائن ، راجع صحيفة : ٣٩ وما بعدها.

(٣) تقدم في صحيفة : ٢٦.

(٤) عدة الأصول : ٢٩١.

٥٧

فتحصل من جميع ما ذكرناه قوّة القول بدلالة الإجماع المذكور على وثاقة الجماعة ، ومن بعدهم إلى المعصوم ، مطابقة بناء على ما حققنا في المقام الأول (١) ، أو التزاماً على مسلك المشهور ، وإن استوهنه جماعة من الأعلام وينبغي التنبيه على أُمور :

الأول : قال السيد الجليل في رسالة أبان : إن قلت : المراد من الوثاقة المستفادة من الإجماع إمّا معناها الأخص ، أي : الإمامي العادل الضابط ، أو الأعمّ وعلى التقديرين : لا ، ثم دلالة الإجماع عليها :

(أمّا الأول :) فلظهور أنّ جماعة ممّن ادعى الإجماع في حقهم حكم بفساد عقيدتهم ، كعبد الله بن بكير ، والحسن بن علي بن فضال ، فقد حكم شيخ الطائفة وغيره بفطحيتهما (٢) ، وحكى الكشي عن محمّد بن مسعود : عبد الله بن بكير ، وجماعة من الفطحية ، هم فقهاء أصحابنا ، منهم : ابن بكير ، وابن فضال يعني الحسن بن علي بن فضال (٣) وكذا أبان بن عثمان ، فقد تقدمت حكاية ناووسيّته (٤) ، وعثمان ابن عيسى فقد حكم شيخ الطائفة بوقفه (٥) ، ودلّت عليه جملة من الروايات (٦).

(وأمّا الثاني :) فلأنه لو دلّ عليه لزم توثيقهم لكلّ من ادَّعى الإجماع في حقه ، وهو باطل لعدم توثيقهم لأبان بن عثمان وعثمان بن عيسى ، ومنه يظهر أن التوثيق فيمن وثقوه ليس لأجل الإجماع بل من غيره ، ومنه يظهر عدم دلالة الإجماع عليه.

(قلنا :) نختار الأول ، فنقول : لا إشكال في المذكورين في الطبقة

__________________

(١) تقدم في صحيفة : ٣٧ من هذه الفائدة.

(٢) فهرست الشيخ : ٩٢ / ٣٩١ و ١٠٦ / ٤٦٢.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٨١٢ / ١٠١٤.

(٤) راجع صحيفة : ٢٧ و ٢٨ من هذه الفائدة.

(٥) فهرست الشيخ : ١٢٠ / ٥٣٤.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٨٦٠ / ١١١٧.

٥٨

الأُولى ، كما لا يخفى وكذلك في المذكورين في الثالثة ، بناء على اعتقاد المدعي للإجماع وهو الكشي ، وإنما ذكر ابن فضال وعثمان بن عيسى حاكياً عن البعض (١) ، وأمّا من ذكر في الطبقة الثانية فكذلك في غير ابن بكير وأبان بن عثمان كما لا يخفى ، وأمّا فيهما فيجاب بمثل ما ذكر إذ لم يظهر من الكشي الاعتراف بفساد عقيدتهما ، بل إنّما حكاه عن ابن مسعود وابن فضال ، بل هو التحقيق بالنسبة إلى أبان بن عثمان ، وحُكم غيره بذلك لا يضرّ فيما نحن بصدده في دلالة كلامه عليه ، وعلى فرض التسليم نقول : أنّ المدعى ظهور العبارة فيما ذكر ، وثبوت خلافه في بعض المواضع لدلالة أقوى غير مضرّ ، وهذا كما يقال : ان لفظ ثقة تدل على كون الممدوح به إماميّاً عادلاً ، ومع ذلك كثيراً ما يوصف من فسدت عقيدته بذلك ، كما لا يخفى.

فالتحقيق دلالته على الوثاقة ، بل أعلى مراتبها ، وتظهر الثمرة في معروف بن خرّبوذ ، فإنه لم يوثق في كتب الرجال صريحاً ، وإنْ ذكروا له مدحاً ، فإنه على المختار من دلالة الإجماع على الوثاقة يكون حديثه معدوداً من الصحاح ، بخلافه على غيره فيكون حسناً ، وكذا الحال في أبان ابن عثمان وعثمان بن عيسى ، فإنه على المختار يعدّ حديثهما موثقاً أو صحيحاً ، بخلافه على غيره فلا يكون مندرجاً تحت الأقسام الثلاثة المذكورة.

وأنت إذا تصفحت كلمات المحققين من المتأخرين السالكين إلى مراعاة هذا الاصطلاح ، وجدتهم مطبقين في الحكم بكون حديث معروف ابن خرّبوذ صحيحاً ، وأبان بن عثمان وعثمان بن عيسى صحيحاً أو موثقاً ، وهو يرشدك إلى ما اخترناه من دلالة الإجماع على الوثاقة فلا تغفل (٢) ، انتهى.

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠ / ١٠٥٠.

(٢) الرسائل الرجالية للشفتي : ٦.

٥٩

ولقد أجاد فيما أفاده (طاب ثراه) وقد أوضحنا في ترجمة عثمان في (قمد) (١) أنه كان مستقيماً جليلاً ، ثم وقف ثم تاب ، ونظيره في الأعاظم ما لا يحصى ، وإن فارقهم من جهة زيادة أيام انحرافه ظاهراً ، ولكن التوبة تغسل درنها.

وأمّا ابن فضال فلعل رجوعه في آخر عمره كما عليه المحققون وتقريره ما له عند الرواة من الأحاديث ، وما عنده من مؤلفاته ، يُخْرِجُ رواياته عن روايات الفطحية ، مع ما في الفهرست (٢) والخلاصة (٣) وغيرهما من جلالة قدره ، وعظم منزلته ، وزهده ، وورعه ووثاقته ، وما روي في بني فضال وهو من عُمَدِهم.

وأمّا أبان ففي ما في الرسالة من شرح حاله غني للناظر ، مضافاً إلى ما مرّ عن المفيد رحمه‌الله (٤).

الثاني : إنّ ديدن أعاظم أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ، وفقهائهم الذين كانوا مرجعاً للفتوى بأمرهم عليهم‌السلام ، خصوصاً أو عموماً كان على نقل كلامهم عليهم‌السلام ولو على نحو الإفتاء ، وما كانوا يفتون إلاّ بما سمعوا منهم أو رووه ، فتصديق العصابة للجماعة وانقيادهم لهم في فقههم عبارة أُخرى عن اعترافهم بصحة ما يقولون ويفتون ، وما كانوا يفتون إلاّ بما رووه بلا واسطة أو معها ، وهذا عين حكمهم بصحة ما يصح عنهم ، ولذا لم يفرّق أهل النظر من الأصحاب بين الطبقة الأُولى والأخيرتين.

فقال المحقق الشيخ حسن في المنتقى في كلام له ـ : وقد قَويَ الوهم في هذا الباب على بعض من عاصرنا ، فاعتمد في توثيق كثير من المجهولين على صحّة الرواية عنهم ، واشتمالها على أحد الجماعة الذين نقلوا الإجماع على

__________________

(١) راجع الفائدة الخامسة ، رمز (قمد) المساوي لرقم الطريق [١٤٤].

(٢) فهرست الشيخ : ٩٢ / ٣٨١.

(٣) رجال العلاّمة : ٩٣ / ١٥.

(٤) راجع كلام الشيخ المفيد قدس‌سره في صحيفة رقم : ٣١ من هذه الفائدة ، وانظر تعليقتنا عليه.

٦٠