خاتمة مستدرك الوسائل - ج ٧

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]

خاتمة مستدرك الوسائل - ج ٧

المؤلف:

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-017-X
ISBN الدورة:
964-5503-84-1

الصفحات: ٤٦٤

للمتأمّل ، مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال : الظاهر من نقل الكشّي ذلك اعترافه بذلك ، فيكون هو من المزكين لهؤلاء الأماجد أيضاً (١). انتهى.

قلت : ما ذكره رحمه‌الله يتم على القول بكون مفاد العبارة : وثاقة الجماعة المذكورين ، أو وثاقتهم ووثاقة كلّ من كان في السند بعد أحدهم ، وأمّا على ما هو المشهور من أنّ المراد : صحّة أحاديث الجماعة بالمعنى المصطلح عند القدماء فلا دلالة فيها ، ولو بالالتزام على وثاقتهم ؛ لجواز كون وجه الصحة احتفاف أحاديثهم بالقرائن الخارجية التي تجامع ضعف راويها ، كما صرّح به جماعة منهم.

وعليه فلا بُدّ أن يقال في وجه الحجية : إنّ إجماع العصابة على صحّة أحاديث الجماعة إجماع على اقتران أحاديثهم بما يوجب الحكم بصحتها ، وقد أوضحنا في الفائدة الرابعة (٢) في توضيح صحّة أحاديث الكافي : أنّ ما يوجب صحّة مضمون الخبر مثل موافقة الكتاب ، والسنة القطعية ، والعقل خارج عن تلك القرائن ، والباقي كالوجود في الأصل المعلوم ، وفي الكتاب المعروض على الإمام عليه‌السلام ، وتكرّر السند ، وأمثال ذلك ممّا يدرك بالحس ، ولا يتوقف على النظر والتحقيق الذي يتطرّق إليه الخطأ غالباً ، فمرجع الإجماع على صحّة أحاديث زرارة مثلاً إلى الإجماع على احتفاف أحاديثه بالقرائن المذكورة.

وإذا ثبت الإجماع المذكور بنقل الكشي (٣) وغيره كما عرفت أن الأصحاب تلقوه بالقبول من غير نكير ثبت وجود تلك القرائن في

__________________

(١) رسائل السيد الجيلاني : ٧.

(٢) تقدم ذلك في الجزء الثالث ، صحيفة : ٤٨٠.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٥٠٧ / ٤٣١.

٢١

أحاديث هؤلاء الأعاظم ، ومعه لا ريب في حجيّتها ؛ فإنّ سبب عدول المتأخرين من طريقتهم ، إلى الاقتصار على القرائن الداخلية وهي الوثاقة ، ولو بالمعنى الأعم تعذّر وصولهم وعثورهم على تلك القرائن ، ومع ثبوت وجودها في طائفة فلا تأمّل لأحد في حجيّتها.

والتحقيق أن يقال : بناء على كون الحجّة من الخبر هو ما وثق بصدوره ، وحصل الاطمئنان بوروده ، كما هو الحقّ ، وعليه معظم أهل عصرنا ، فلا شك في الوثوق بالخبر إذا كان في السند أحد من الجماعة ، وصحّ الطريق إليه ، مع قطع النظر عن معارض منه ، أو من غيره ، سواء كان مدلول العبارة وثاقته ، أو مع من بعده أوْ لَا. خصوصاً إذا انضمّ إلى التصحيح التصديق والإقرار ، ومن أنكر الوثوق أو تأمّل فيه فقد كابر وجدانه ومعه يدخل الخبر في صنف الحجة منه ، وتشمله أدلّته ، إذ لا فرق بين أسباب الوثوق إذا تعلّقت بالسند والصدور لا بالحكم والمضمون ، وهذا واضح بحمد الله تعالى.

الخامس : في مفاد العبارة المذكورة ، وهي قولهم : تصحيح ما يصح عنهم.

ولنقدم خلاصة كلمات الأصحاب ، ثم نذكر ما عندنا من التحقيق والصواب.

فنقول : ولهم في المقام أربعة أقوال :

أ ـ ما يظهر من صاحب الوافي حيث قال في المقدمة [الثانية] (١) من أول إجزائه بعد نقل عبارة الكشي ـ : قد فهم جماعة من المتأخرين من قوله : أجمعت العصابة ، أو الأصحاب ، على تصحيح ما يصح عن هؤلاء ـ : الحكم بصحة الحديث المنقول عنهم ، ونسبته إلى أهل البيت [عليهم‌السلام]

__________________

(١) في (الأصل) و (الحجرية) : الثالثة ، وما أثبتناه بين المعقوفتين من المصدر.

٢٢

بمجرد صحته عنهم ، من دون اعتبار العدالة فيمن يروون عنه ، حتى لو رووا عن معروف بالفسق ، أو بالوضع ، فضلاً عمّا لو أرسلوا الحديث ، كان ما نقلوه صحيحاً محكوماً على نسبته إلى أهل العصمة صلوات الله عليهم ـ وأنت خبير بأنّ العبارة ليست صريحة في ذلك ولا ظاهرة ، فإن ما يصح عنهم هو الرواية لا المروي ، بل كما يحتمل ذلك يحتمل كونها كناية عن الإجماع على عدالتهم ، وصدقهم ، بخلاف غيرهم ممن لم ينقل الإجماع على عدالته (١). انتهى.

(وحاصله :) كما في رسالة السيّد المحقق ان متعلّق التصحيح الرواية بالمعنى المصدري ، أي قولهم : أخبرني ، أو حدثني ، أو سمعت من فلان ؛ وعلى هذا فنتيجة العبارة : أنّ أحداً من الجماعة إذا تحقق أنّه قال : حدثني فلان ، فالعصابة أجمعوا على أنّه صادق في اعتقاده (٢).

ولا يخفى ما فيه من الركاكة ، خصوصاً بالنسبة إلى هؤلاء الأعلام ، ولو كان المراد ما ذكره ، اكتفى بقوله : أجمعت العصابة على تصديقهم.

بل هنا دقيقة اخرى وهي : إنّ أئمة فنّ الحديث والدراية صرّحوا بأنّ الصحة والضعف ، والقوة والحسن ، وغيرها من أوصاف متن الحديث ، تعرضه باعتبار اختلاف حالات رجال السند ، وعلى ذلك جرت إطلاقاتهم في كتب الحديث ، والدراية ، والفقه ، والأُصول ، فيقولون : الحديث الصحيح ما كان سنده كذا ، والضعيف ما كان سنده كذا ، إلى آخر الأقسام.

وقد يطلق على السند مسامحة وتوسعة مع التقييد ، فيقولون : في الصحيح عن ابن أبي عمير مثلاً ، وهو خروج عن الاصطلاح كما صرّحوا (٣)

__________________

(١) الوافي ١ : ١٢ الطبعة الحجرية و ١ : ٢٧ الطبعة الجديدة ، من المقدمة الثانية.

(٢) الرسائل الرجالية لحجة الإسلام الشفتي.

(٣) انظر الدراية للشهيد الثاني : ٢٠.

٢٣

به ، فالمراد بالموصولة في قوله : ما يصح عنه ، هو متن الحديث ؛ لأنه الذي يتصف بالصحة والضعف.

وأغرب في هذا المقام الفاضل الكاظمي في التكملة ، فقال في ذكر الألفاظ التي تداول استعمال أهل الحديث والرجال إيّاها : ومنها : صحيح الحديث ، اعلم أنّ الصحة في لسان القدماء يجعلونها صفة لمتن الحديث ، على خلاف اصطلاح المتأخرين حيث يجعلونها صفة للسند (١) ، انتهى.

والكلّ على خلافه ، كما لا يخفى على من نظر إلى كلمات الأصحاب ، خصوصاً في مقام تعريف الأقسام حتى في كتب الأُصول.

وبالجملة فهو قول لم يذهب إليه أحد فيما أعلم ، إلاّ ما نقله أبو علي في رجاله ، عن أُستاذه السيّد الأجل صاحب الرياض ، قال : قال بعد إنكار المذهب المشهور ـ : بل المراد دعوى الإجماع على صدق الجماعة ، وصحّة ما ترويه ، إذا لم يكن في السند من يتوقف فيه ، فإذا قال أحد الجماعة : حدثني فلان ، يكون الإجماع منعقداً على صدق دعواه ، وإذا كان فلان ضعيفاً أو غير معروف لا يجديه ذلك نفعاً (٢).

وقد ذهب إلى ما ذهب إليه بعض أفاضل العصر ، وليس لهما دام

__________________

(١) تكملة الرجال ١ : ٥٠.

(٢) قال صاحب الرياض في رواية مرسلة لابن أبي عمير : في رجل يعطي زكاة ماله رجلاً وهو يرى انه معسر فوجده موسراً ، وقول الإمام عليه‌السلام في ذلك : « لا تجزي عنه ». كما في الكافي ٣ : ٥٤٥ / ١ ، والتهذيب ٤ : ١٠٢ / ٢٨٩ ، والوسائل ٩ : ٢١٥ / ١١٨٩ ، ما نصه :

« وإرساله يمنع عن العمل به وإنْ كان في سنده ابن أبي عمير ؛ لأن المرسل غيره ، وإنْ كان قبله ؛ لأن الإلحاق بالصحيح بمثله. وكذا بدعوى إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عن ابن أبي عمير ، وأنه لا يروي إلاّ عن ثقة ، غير متضح ، فلا يخرج بمثله عن الأصل المقرر ». رياض المسائل ٥ / ١٤٦.

٢٤

فضلهما ثالث (١).

وكتب تحت قوله : بعض أفاضل العصر : « هو السيّد البهي والفاضل الصفي السيد مهدي الطباطبائي دام ظلّه ، وزيد فضله » (٢).

والظاهر أن المراد منه العلاّمة الطباطبائي بحر العلوم (طاب ثراه) ، لا ولد أُستاذه (٣)

أمّا الأول : فهو أعرف بما نقل.

وأمّا الثاني : فصريحه في رجاله خلاف ما نسبه إليه ، ويأتي كلامه إن شاء الله تعالى.

ب ـ انّها لا تفيد إلاّ كون الجماعة ثقات.

نسبه الأُستاذ الأكبر في الفوائد إلى القيل (٤).

وقال المحقق الشيخ محمّد في شرح الاستبصار ، بعد نقل القول المشهور ـ : وتوقف في هذا بعض ، قائلاً : أنّا لا نفهم منه إلاّ كونه ثقة ، قال : والذي يقتضيه النظر القاصر : أنّ كون الرجل ثقة أمر مشترك ، فلا وجه لاختصاص الإجماع بهؤلاء المذكورين ، وحينئذٍ لا بُدّ من بيان الوجه (٥) ، انتهى.

__________________

(١) منتهى المقال : ٨.

(٢) لا وجود لهذا التذييل في منتهى المقال المطبوع على الحجر.

(٣) ويؤيد صحة استظهار المصنف قدس‌سره ان الشيخ أبا علي الحائري مات سنة (١٢١٥ / ه‍) في حياة أستاذه السيد علي بن محمّد بن علي الطباطبائي الحائري المشتهر بـ (مير داماد) صاحب الرياض (ت / ١٢٣١ ه‍) وانه ألف منتهى المقال في حياة أستاذه الوحيد البهبهاني (ت / ١٢٠٦ ه‍).

ولعل السيّد مهدي ابن السيد صاحب الرياض كان غير مؤهل لمثل هذا الوصف لصغر سنه في ذلك الحين ، بينما كان السيّد بحر العلوم (ت / ١٢١٢ ه‍) من أفاضل ذلك العصر ومراجعه.

(٤) فوائد الوحيد البهبهاني : ٦.

(٥) استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار : مخطوط.

٢٥

وردّه في الفوائد (١) ، وأطال الكلام بما لا نرى حاجة في نقله.

والذي ينبغي أن يقال ، هو : أنّ مراد القيل ، إنْ كان بيان معنى العبارة ومدلولها ، بأن يكون معنى قولهم : تصحيح ما يصح عنه : أي ثِقَة وسبق الكلام لإفادة هذا المعنى ، فلا أظن أحداً يحتمله ؛ لوضوح التغاير والتباين بين مفاد الكلمة ومدلول الجملة ، بل التعبير عن الوثاقة بها أشبه شيء بالأكل من القفا ، ولفظ ثقة من الألفاظ الدائرة الشائعة ، لا داعي للتعبير عنها بما لا ينطبق عليها مدلوله إلاّ بعد التكلّف والبيان.

وإنْ كان المراد بيان إفادة العبارة وجود الوثاقة في الجماعة ، ولو بالدلالة الالتزامية وإنْ سيقت العبارة لبيان معنى آخر فهذا حقّ وعليه المحققون ، حتى من المشهور الذين قالوا : أنّ معنى العبارة صحّة ما رووه إذا صحّت الرواية إليهم ، فلا يلاحظ ما بعدهم إلى المعصوم عليه‌السلام وإن كان فيه ضعيف ، كما نصّ عليه الأُستاذ الأكبر في أوّل عنوان كلامه في بيان معنى الإجماع (٢).

وعليه ، فلا وَقْع لإيراد شارح الاستبصار أصلاً ، إذ الإجماع وقع على تصحيح رواياتهم ، الذي يلزمه وجود الوثاقة فيهم ، وهذا المعنى مختص بهم ، لا يشاركهم أحد فيه ، ولم يقع على نفس الوثاقة فيسئل عن وجه الاختصاص ، لوجود الشريك أو الشركاء لهم على تأمّل فيه ، كما بيّنه في الفوائد (٣) ، نعم لا بُدّ من بيان وجه الملازمة.

(فنقول :) إن كان المراد من الصحيح في المقام هو باصطلاح المتأخرين وإنْ وقع اللفظ في كلام الكشي ومشايخه ، وهم من القدماء ـ

__________________

(١) فوائد الوحيد البهبهاني : ٦.

(٢) فوائد الوحيد البهبهاني : ٦.

(٣) فوائد الوحيد البهبهاني : ٧.

٢٦

ولا بُدّ من حمله على مصطلحهم ؛ لكون الصحيح عند المتأخرين من إفراد صحيح القدماء ، وهو المراد في هذا المقام كما سنوضحه إن شاء الله تعالى فلا إشكال في الملازمة كما لا يخفى.

وإن كان المراد منه الصحيح عند القدماء ، وعدم ظهور إرادة الفرد المعهود منه ، فقال السيد الجليل : إنّ اتفاق الأصحاب على تصحيح حديث شخص وقبوله بمحض صدوره منه من غير تثبت والتفات إلى من قبله ليس إلاّ من جهة شدّة اعتمادهم عليه ، كما لا يخفى على من سلك مسلك الإنصاف ، وعدل عن منهج الجور والاعتساف ، بل الظاهر من الإجماع المذكور كونهم في أعلى مراتب الوثاقة ، وأسنى مدارج العدالة ، وهذا هو الداعي لاختصاص الإجماع بهم دون غيرهم من الثقات والعدول (١) ، انتهى.

وفي كلامه الأخير نظر ، وسنبين وجه الاختصاص إن شاء الله تعالى.

وفي الفوائد : يبعد أن لا يكون الرجل ثقة ، ومع ذلك تتفق العصابة بأجمعها على تصحيح جميع ما رواه (٢).

والتحقيق أن يقال مضافاً إلى ما أفادوا ـ : أنّ الحكم بالتصحيح إنْ كان من جهة الوثاقة فهو المطلوب ، وإنْ كان من جهة القرائن الخارجية ، بأن قوبلت أخبار الجماعة ، فوجدت مطابقة للأُصول أو القرائن الخارجية من مطابقة الكتاب أو السنة كما زعموا أو علم مطابقة كثير منها بحيث صارت سبباً للظن ، أو العلم بمطابقة الباقي كما قد يتوهم.

وقال المحقق السيد صدر الدين العاملي : إنّ وقوع المطابقة وحصولها في أخبار شخص أعظم دليل على وجود الوثاقة بالمعنى الأعم ، بل هو

__________________

(١) رسائل حجة الإسلام الشفتي.

(٢) فوائد الوحيد البهبهاني : ٧.

٢٧

عينها ، بل هو أعلى أفرادها ، وبعد تحقق كون الرجل إمامياً ما المانع من كون شدة تحرجه في الصدق بحسب ما ظهر لنا دليلاً على العدالة؟ فإنّا إنّما نستدلّ عليها بالآثار ، وهذا أعظم أثر (١).

ولقد أجاد فيما أفاد ، ويأتي إن شاء الله تعالى في بعض الفوائد الآتية زيادة توضيح لما نبّه عليه.

هذا ، وقد تقدم أنّ العلاّمة استدلّ في المختلف لوثاقة أبان بن عثمان بهذا الإجماع ، ووصف الخبر الذي في سنده أبان بالصحة (٢).

وصرّح بذلك المقدس الأردبيلي في مواضع من كتابه مجمع الفائدة (٣).

ونقله في التكملة عن الشيخ فخر الدين الطريحي في مرتب المشيخة (٤).

وعن حاشية المختلف للسيد فيض الله : اعلم أنّ صحّة هذا الحديث مبني على أن أبان بن عثمان من الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم ، على ما نقله الكشي ، فإن صحّ الإجماع المذكور فالحديث صحيح ، وإلاّ فالحديث موثّق (٥).

وفي مشرق الشمسين للبهائي : يصفون أي المتأخرين بعض الأحاديث التي في سندها من يعتقدون أنّه فطحي ، أو ناووسي بالصحة ، نظراً إلى اندراجه فيمن أجمعوا على تصحيح ما يصح عنه (٦).

__________________

(١) كتب السيّد صدر الدين العاملي (ت / ١٢٦٤ ه‍) كلها ما بين مخطوط ومفقود ، ولا نعلم هذا الكلام في أي منها ، ولعله في كتابه الفقهي (أسره العترة) أو في (المستطرفات) ، وكلاهما غير موجود لدينا.

(٢) مختلف الشيعة : ٢٢٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٢٢ و ٢٧ و ٢٨.

(٤) تكملة الرجال ١ : ٧٥.

(٥) حاشية المختلف : مخطوط.

(٦) مشرق الشمسين : ٧٢٠ ، مطبوع ضمن الحبل المتين.

٢٨

وقال المدقق الشيخ محمّد في شرح الاستبصار : وأمّا عثمان بن عيسى ، فالمعروف بين المتأخرين عدّ الحديث المشتمل عليه من الموثق ، مع اتصاف باقي السند بوصفه.

(أقول :) وقد ينظر في ذلك بأنّ توثيقه لم يقف عليه ، وكونه ممّن أجمع الأصحاب على تصحيح ما يصح عنه ، إنّما يستفاد من الكشي ، وعبارته هذه صورتها :

في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم ، وأبي الحسن الرضا عليهما‌السلام.

أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء ، وتصديقهم ، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم. إلى أن قال : وقال بعضهم : مكان الحسن بن علي بن فضال : فضالة بن أيوب. وقال بعضهم : مكان فضالة : عثمان بن عيسى (١).

وأنت خبير بأنّ البعض غير معلوم الحال ، وبتقدير العلم بحاله والاعتماد عليه فهو من الإجماع المنقول بخبر الواحد ، والاعتماد عليه بتقديره لا يفيد إلاّ الظن ، والأخبار الواردة في ذمّه منها ما هو معتبر ، والظن الحاصل منه إن لم يكن أقوى فهو مساو لغيره فلا وجه للترجيح (٢) ، انتهى.

وفي كلامه مواقع للنظر لا يناسب المقام ذكرها (إلاّ أنّ صريحه) (٣) مسلّمية استفادة الوثاقة من العبارة ، وإنما منعه من الأخذ بها في عثمان مجهوليّة الناقل أو معارضة الأخبار.

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠ / ١٠٥٠.

(٢) استقصاء الاعتبار : مخطوط ، وفي عبارة الاستقصاء المتقدمة اختلاف مع المصدر في ذكر ترتيب أسماء الفقهاء لا أكثر.

(٣) ما بين القوسين ضرب عليه في (الأصل) دون (الحجرية) ، وعليه يكون قوله : « مسلمية » في (الأصل) مبتدأ مؤخراً ، و (في كلامه) خبراً مقدماً ، وما بينهما جملة معترضة.

ويكون في (الحجرية) خبر أن وليس في الكلام جملة معترضة.

٢٩

وقال السيّد المحقق الكاظمي في عدّته ـ : ثم أنّ هنا أمارات تدل على وثاقة الراوي ، وأُخرى تدل على مدحه. فمن الأولى : اتفاق الكلمة على الحكم بصحة ما يصحّ عنه ، كما اتفق ذلك في جماعات من الأوائل والأواسط والأواخر ، وهو قولهم : إنّ العصابة أجمعت على تصحيح ما يصح عنهم ؛ ما كانوا ليتفقوا في إنسان على الحكم بصحة كلّ ما يحكيه إلاّ وهو بمكانة من الوثاقة ، فبطل ما عساه يقال : إن حكم القدماء بصحة حديث لا يقتضي الحكم بوثاقة راويه ؛ لأنهم ممّا يصححون بالقرائن ، وإن كان في رواته الضعفاء ، بل والمتأخرين ، فإنهم ربّما حكموا بصحة الحديث وفي طريقه مجهول أو ضعيف ، من حيث أنّه شيخ إجازة ، وذلك إنّا إنّما تعلّقنا باتفاق الكلّ على الحكم بصحة كلّ ما يرويه ، لا الحكم في الجملة بصحة ما رواه في الجملة بل على الكلية في كلا المقامين ، ومعلوم أنّ كلّ واحد منهم بحيث يصحح بالقرائن ، لكن نهوض القرائن لكلّ واحد في كلّ خبر خبر يرويه خارج عن مجاري العادات ، فعلم أنّ المدرك في حكم الكلّ في الكلّ إنّما هو وثاقته لدى الكلّ ، وذلك غير عزيز (١) ، انتهى.

ويأتي زيادة توضيح لما أفاده إن شاء الله تعالى.

إلى غير ذلك من الكلمات التي يوجب نقلها الملالة.

ومن جميع ذلك ظهر صحة ما نقله في الفصول ، حيث قال : ومنها قولهم : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، وهذا عند الأكثر على ما قيل توثيق من قيل ذلك في حقّه ، ولعلّ هذه الدلالة مستفادة منه بالالتزام ، نظراً إلى استبعاد إجماعهم على روايات غير الثقة. إلى آخره (٢).

__________________

(١) عدة الرجال : ٢١ / أ.

(٢) الفصول الغروية : ٣٠٣.

٣٠

وقال العالم الجليل المعاصر في توضيح المقال بعد نقل ما في الفصول ـ : واختاره بعض أفاضل عصرنا (١) ، وادّعى إجماع العصابة عليه.

ثم ردّه بما حاصله : إن كان المراد به ما ينفي المذهب المشهور فهو ضعيف ؛ لعدم الدلالة ، وعدم الوقوف على قائل غير من ذكر ، ولا كثرة ، ولا إجماع.

وإن أُريد به زيادة على المشهور إثبات وثاقة الرجل المقول في حقه اللفظ المزبور ، نظراً إلى استبعاد إجماعهم على روايات غير الثقة ، وشرح ذلك.

ثم قال : ففيه أنّ ما ذكر على فرض تسليم إفادته بنفسه ، أو بانضمام اللفظ المزبور شرطاً أو شطراً ، للظن المعتبر معارض بظهور عبائر المشهور ، بل صراحتها في نفي ذلك ، مع أنّ الظاهر خلافه ، ثم ناقش في أصل الملازمة (٢) ، انتهى.

وأنت بعد التأمل فيما نقلناه عنهم ، تعرف ضعف إيراده ، وأن الحقّ هو الشق الثاني ، وقد ذكرنا فساد قول القائل على الشق الأول.

ومع ذلك كلّه ، ففائدة الإجماع على هذا القول إن عدّ مقابلاً للمشهور في غاية القلّة ، خصوصاً ما نقله الكشي ، إذ ليس في الطبقة الثالثة من يحتاج في إثبات وثاقته إلى هذا الإجماع ، وكذا في الطبقة الثانية ، إلاّ عبد الله بن بكير ، وهو ثقة في الفهرست (٣) ، والخلاصة (٤) ، وادّعى في العدّة

__________________

(١) وهو صاحب كتاب لبّ الألباب كما في توضيح المقال مع عدم التصريح باسمه. وهو الحاج المولى محمّد جعفر الشريعةمداري الأسترآبادي (ت / ١٢٦٣ ه‍). وتوجد نسخة من كتابه : « لبّ الألباب في الدراية وعلم الرجال » في مكتبة السيّد المرعشي النجفي قدس‌سره العامة في قم المشرفة كما في الذريعة ١٨ : ٢٨٣.

(٢) توضيح المقال : ٣٩ ٤٠.

(٣) فهرست الشيخ : ١٠٦ / ٤٥٢.

(٤) رجال العلاّمة : ١٠٦ / ٢٤.

٣١

اتفاق الطائفة على العمل بروايته (١). وأبان بن عثمان الذي مرّ تمسك الجماعة لوثاقته به ، وهو أيضاً مستغن عنه ، لبعض الأمارات المذكورة في محلّه.

ولما ذكره الشيخ المفيد ؛ في كتاب الكافية في إبطال توبة الخاطئة ، بعد ذكر خبر أوّله هكذا : فمن ذلك ما رواه أبو العباس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبد الرحمن ، عن أبي الحسن علي بن الحسن بن فضال في كتاب المبتدأ والمغازي وإسناده في الكتاب عن أبان بن عثمان ، عن الأجلح ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس (رضى الله عنه) قال :. وساق الخبر ، ثم قال ؛ فهذا الحديث صحيح الاسناد ، واضح الطريق ، جليل الرواة ، وهو يتضمن. إلى آخره (٢).

وظاهر أنّ الصحة إذا وصف بها السند لا يراد منها إلاّ وثاقة رجاله ، ومنه يظهر حال الحسن (٣) الموجود في إجماع البعض ، مضافاً إلى ما في ترجمته ممّا هو فوق العدالة ، وقريب منه عثمان بن عيسى ، حسب الأمارات التي ذكرناها في (قمد) في ترجمته (٤).

نعم في الطبقة الأُولى يحتاج إليه معروف لا غيره (٥) ، فلاحظ وتأمّل.

__________________

(١) عدَّة الرجال : ورقة ٢١ / آ.

(٢) لم نقف عليه في كتاب الكافية في إبطال توبة الخاطئة ، ولكن ذكر في خاتمة الكتاب ٦ : ٤٥ / ٥٥ ذيل هذا الكلام نقلاً عن هذه الفائدة ، وهذا دليل على اختلاف نسخة المصنف عن النسخة المطبوعة ، فلاحظ.

(٣) اي : الحسن بن فضال.

(٤) تقدمت ترجمته في الفائدة الخامسة ، برمز (قمد) ، المساوي لرقم الطريق [١٤٤] ، وهو طريق الصدوق إلى سماعة بن مهران.

(٥) اي : لا يحتاج أصحاب الإجماع إلى الإجماع لإثبات وثاقتهم ؛ للتنصيص عليها في كتب الرجال ، الا معروف بن خربوذ ، حيث لم ينص أحد على وثاقته إلاّ ما كان من دعوى الكشي في معروف من أنه من الطبقة الأولى من أصحاب الإجماع كما تقدم ، فلاحظ.

٣٢

قال المحقق الداماد في الرواشح : قد أورد أبو عمرو الكشي في كتابه الذي هو أحد أُصولٍ إليها استناد الأصحاب ، وعليها تعويلهم في رجال الحديث جماعة أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم ، والإقرار لهم بالفقه والفضل ، والضبط والثقة ، وإن كانت روايتهم بإرسال أو رفع ، أو عمّن يسمّونه وهو ليس بمعروف الحال ، ولمّة منهم في أنفسهم فاسدوا العقيدة ، غير مستقيمي المذهب ، ولكنهم من السفط والجلالة في مرتبة قُصْيَا (١).

ثم ذكرهم على ما في الكشي ، وقال : وبالجملة هؤلاء على اعتبار الأقوال المختلفة في تعيينهم ـ [وَاحِدٌ] (٢) وعشرون ، بل واثنان وعشرون رجلاً ، ومراسيلهم ومرافيعهم ومقاطيعهم ومسانيدهم إلى من يسمونه من غير المعروفين معدودة عند الأصحاب (رضوان الله عليهم) من الصحاح ، من غير اكتراث منهم لعدم صدق حدّ الصحيح على ما قد علمته عليها (٣).

وقال الشيخ البهائي [قدس‌سره] في مشرق الشمسين ، بعد أن ذكر أنواع الحديث باصطلاح المتأخرين ما لفظه : وأوّل من سلك هذا الطريق من علمائنا الشيخ العلاّمة جمال الملّة والحق والدين ، الحسن بن المطهر الحلي

__________________

(١) الرواشيح السماوية : ٤٥ ، وقُصْيَا وقصوى واحد ، والمراد : في مرتبة بعيدة.

(٢) في الأصل والمصدر : أحدَ وعشرون ، ولعله من اشتباه الناسخ ، والصحيح ما أثبتناه بين المعقوفتين ؛ لأن لفظ (أحد) لا يركّب الا مع العشرة فيقال : أحد عشر ، ويقتصر على هذا الاستعمال العددي ، فلا يستعمل استعمال الاعداد المفردة ، ولا يكون في الفصيح معطوفاً عليه في الأعداد المعطوفة ، فلا يقال مثلاً : جاء أحدٌ بمعنى واحد ولا هؤلاء أحدٌ وعشرون رجلاً ، فلاحظ.

(٣) الرواشح السماوية : ٤٧ ، وقد فرّق المحقق الداماد في آخر الراشحة الثالثة من الرواشح صحيفة ٤٨ بين الصحيح المندرج في حد الصحيح حقيقة ، وبين ما ينسحب عليه حكم الصحة ، كحديث أصحاب الإجماع المتصف بهذه الصفة ، وقد سماه « صحّيّا » بمعنى انه منسوب إلى الصحة ، فلاحظ.

٣٣

(قدس الله روحه) ثم إنّهم (أعلى الله تعالى مقامهم) ربّما يسلكون طريقة القدماء في بعض الأحيان ، فيصفون مراسيل بعض المشاهير كابن أبي عمير وصفوان بن يحيى بالصحة ، لما شاع من أنّهم لا يرسلون إلاّ عمّن يثقون بصدقه ، بل يصفون بعض الأحاديث التي في سندها من يعتقدون أنّه فطحي أو ناووسي بالصحة ، نظراً إلى اندراجه فيمن أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم (١) ، ثم ذكر بعض الأمثلة من كتب العلاّمة والشهيد.

وفي التعليقة : المشهور أنّ المراد صحّة ما رواه ، حيث تصح الرواية إليه فلا يلاحظ ما بعده إلى المعصوم عليه‌السلام ، وإن كان فيه ضعيف ، وهذا هو الظاهر من العبارة (٢).

وفي رسالة أبان بن عثمان للسيد الجليل المتقدم : قد وقع الخلاف في أنّ المراد بالموصول في قولهم : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ما هو؟ فالأكثر على أنّ المراد منه : المروي ، حاصله أنه إذا صحت سلسلة السند بينهم وبين أحد هؤلاء العظام اتفقوا على الحكم بصحة ذلك الحديث ، وقبوله ، أو إذا صحّ وظهر لهم صدور الحديث من أحدهم أطبقوا على الحكم بصحته ، وهذا أنسب باصطلاح القدماء ، وهذا هو المتبادر من الكلام ، ولهذا بنى الأمر عليه كثيرٌ من العلماء الأعلام ، كالعلاّمة ، والفاضل الحسن بن داود ، وشيخنا الشهيد ، والمدقق السمي الداماد ، والفاضلين المجلسيين ، والفاضل السمي الخراساني ، وغيرهم عطّر الله تعالى مراقدهم (٣) ، انتهى.

وبالجملة دعوى الظهور في المعنى المذكور ، ونسبته إلى المشهور ،

__________________

(١) مشرق الشمسين : ٣ ، مطبوع ضمن الحبل المتين.

(٢) تعليقة الوحيد على منهج المقال : ٦.

(٣) الرسائل الرجالية لحجة الإسلام الشفتي : ٥.

٣٤

وقعت في كلام جماعة يوجب نقلها الملالة ، وفيما نقلناه كفاية.

د ـ إنَّ المراد توثيق الجماعة ومن بعدهم كذا في كلام بعض المعاصرين ، والحقّ أنّ هذا القول والقول الثاني من فروع القول الثالث ، بأن يقال بعد بطلان القول الأول ، وإحقاق ما ذهب إليه المشهور إنّ الحكم بتصحيح رواياتهم هل يستلزم الحكم بوثاقة الجماعة ، وكلّ من كان بعدهم إلى المعصوم عليه‌السلام أو لا؟

وعلى الثاني هل يستلزم الحكم المذكور الحكم بوثاقة الجماعة ، أو لا؟.

أمّا الثالث : فالمصرح به قليل ، وإن قوّاه الفاضل المعاصر في توضيح المقال (١).

والثاني : هو الثاني الذي ضعّفناه على احتمال ، وقوّيناه على احتمال آخر ، ونسبناه إلى المشهور ، ولكن الذي استفدناه من المشهور وثاقة من قيل في حقّه ذلك ، وكون الإجماع المذكور بمنزلة بعض ألفاظ التعديل ، وأمّا النفي عن غيرهم فغير ظاهر منهم.

وكيف كان فالمتبع هو الدليل ، ولا وحشة من الحقّ لقلّة السالك إليه.

فنقول : القول الأول الذي جعلناه الرابع استضعفه الأُستاد في فوائد التعليقة ، فقال : وربّما يتوهم بعض من إجماع العصابة وثاقة من روى عنه هؤلاء ، وفساده ظاهر ، نعم ، يمكن أن يفهم منه اعتداد ما بالنسبة إليه ، وعندي أنّ رواية هؤلاء إذا صحت إليهم لا تقصر عن أكثر الصحاح (٢) ، انتهى.

وقال السيّد الجليل في الرسالة : ووجه الثاني أي : القول بعدم الدلالة ، هو أنّ الإجماع المذكور موجود من كلام الفاضل أبي عمرو الكشي ، وهو من قدماء الأصحاب (نوّر الله مراقدهم) والصحة في اصطلاحهم مغايرة لاصطلاح

__________________

(١) توضيح المقال : ٣٩.

(٢) فوائد الوحيد : ٧.

٣٥

المتأخرين ، إذ الحديث الصحيح عندهم ما ثبت صدوره عن المعصوم عليه‌السلام سواء كان ذلك من جهة مُخْبره ، أو من القرائن الخارجية ، والآثار المعتبرة.

قال رحمه‌الله : ويكفي في الاعتماد بالحديث ونقله ثبوت صدوره عن الحجّة ، سواء كان ذلك من جهة الاعتماد بالمخبر أو لا ، بل من وجه آخر ، وهو ظاهر. ومعلوم أنّ العام لا دلالة له على الخاص.

لا يقال ذكر الواسطة دليل على الأول لظهور فساده ، إذ الظاهر أنّ ذلك من جهة اتصال السند بأهل العصمة عليهم‌السلام ولو كانت الواسطة ممّن لا يعوّل عليه كما لا يخفى.

قال رحمه‌الله : ويؤيّده ما ذكره شيخ الطائفة في حقّ صفوان بن يحيى ، وابن أبي عمير ، من أنّهما لا يرويان إلاّ عن ثقة ، إذ لو كان الأمر كما ذكر لما كان وجه لاختصاص ذلك بهما (١) ، انتهى.

إلى غير ذلك من الكلمات التي يشبه بعضها بعضاً ، أو أُخذ بعضها من الآخر ، ومرجع الجميع إلى كلمة واحدة هي : أعميّة الاصطلاح ، فأخذوها حجّة على النفي من غير كشف لحقيقة الحال.

ونحن لو نقول بها تبعاً لهم نتبع مع ذلك جماعة من الأعلام وإن قلّوا فيما أعلم في دلالة هذا العام على هذا الخاص بالقرينة الواضحة.

بل نقول : هو المستند لإجماعهم على تصحيح رواية هؤلاء دون غيرهم ممّن شاركهم في الوثاقة والجلالة قولاً واحداً من غير طعن فيهم.

فنقول : قد تقدم كلام الشيخ في العدة : من أنّ البزنطي ، وصفوان ، وابن أبي عمير ، وغيرهم من الذين عرفوا بأنّهم لا يرسلون ولا يروون إلاّ عن الثقة (٢).

__________________

(١) الرسائل الرجالية للمحقق الشفتي : ٦.

(٢) عِدَّة الأصول ١ : ٥٨.

٣٦

وصريح كلامه أنّ في القوم جماعة معروفين بهذه الصفة ، واستظهرنا أنّ مراده منهم أصحاب الإجماع فلاحظ (١).

ومرّ قول الشهيد في غاية المراد (٢) في سند فيه الحسن بن محبوب ، عن خالد بن جرير ، عن أبي الربيع الشامي ـ : أنّ الكشي ادّعى الإجماع في حق ابن محبوب ، وفيه توثيق كما في نسختي ، وهي عتيقة ، أو توثيق ما لأبي الربيع الشامي (٣).

وقال العلاّمة الطباطبائي في رجاله في ترجمة زيد النرسي ، في ردّ من طعن على أصله بأنه موضوع ـ : والجواب عن ذلك أنّ رواية ابن أبي عمير لهذا الأصل تدلّ على صحته ، واعتباره ، والوثوق بمن رواه : إلى أن قال : وحكى الكشي في رجاله إجماع الصحابة على تصحيح ما يصح عنه ، والإقرار له بالفقه والعلم ، ومقتضى ذلك صحّة الأصل المذكور ، لكونه ممّا قد صحّ عنه ، بل توثيق راويه أيضاً ؛ لكونه العلّة في التصحيح غالباً ، والاستناد إلى القرائن وإن كان ممكناً إلاّ أنّه بعيد في جميع روايات الأصل (٤) ، انتهى ما أفاد.

ونحن نشيد بنيانه بعون الله تعالى ونزيد عليه في طيّ مقامين.

المقام الأول

اعلم أنّ الذين صرّحوا بأن صحيح القدماء أعمّ وذكروا من أمارات الصحة عندهم موافقة أحد الأُمور الأربعة : العقل ، والكتاب ، والسنة

__________________

(١) تقدم هذا الاستظهار في أول هذه الفائدة صحيفة : ١٢ ، في الفقرة الثانية من فقرأت الأمر الثالث ، وهو في بيان تلقي الأصحاب لهذا الإجماع بالقبول ، فراجع.

(٢) غاية المراد : ٨٧.

(٣) تقدم في هذه الفائدة ، صحيفة : ١٨.

(٤) رجال السيّد بحر العلوم ٢ : ٣٦٦.

٣٧

القطعية ، والإجماع ، من الأُمور الخارجية ، والوجود في الأصل أو المعروض على الإمام عليه‌السلام وأمثاله كلماتهم (١) تنتهي إلى ما ذكره الشيخ البهائي في أوّل مشرق الشمسين ، وصاحب المعالم في أوّل المنتقى ، حيث قال في كلام له : فان القدماء ليس لهم علم بهذا الاصطلاح قطعاً ؛ لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالة على صدق الخبر ، وإن اشتمل طريقه على ضعف ، فلم يكن للصحيح كثير مزيّة ، فوجب له التمييز باصطلاح أو غيره ، فلما اندرست تلك الآثار ، واستقلت الأسانيد بالأخبار ، اضطر المتأخرون إلى تمييز الخالي من الريب ، وتعيين البعيد من الشك ، فاصطلحوا على ما قدّمنا بيانه ، ولا يكاد يُعلم وجود هذا الاصطلاح قبل زمن العلاّمة إلاّ من السيّد جمال الدين ابن طاوس ، وإذا أُطلق الصحة في كلام من تقدم فمرادهم منها الثبوت والصدق (٢) ، انتهى.

ومرّ ما في المشرق في الفائدة الرابعة (٣).

ونحن نسأل الشيخ وهذا المحقق عن مأخذ هذه النسبة ، ومدرك هذا القول؟ فإنّا لم نجد في كلمات القدماء ما يدل على ذلك ، بل هي على خلاف ما نسباه ومن تبعهما إليهم ، بل وجدناهم يطلقون الصحيح غالباً على رواية الثقة ، وإن كان غير الإمامي.

(أمّا الأول :) فقال الشيخ في العدة وهو لسان القدماء ووجههم ـ : فصل في ذكر القرائن التي تدل على صحة أخبار الآحاد ، أو بطلانها ، أو ما يترجح به الأخبار بعضها على بعض ، وحكم المراسيل.

__________________

(١) متعلق بقوله السابق : الذين صرحوا.

(٢) منتقى الجمان ١ : ١٤ ١٥ ، وقريب منه ما في مشرق الشمسين : ٢ ، مطبوع ضمن الحبل المتين : ٢٦٩.

(٣) تقدم في الجزء الثالث ، صحيفة : ٤٨١.

٣٨

القرائن التي تدل على صحة متضمن الأخبار التي لا توجب العلم أربعة أشياء.

وذكر العقل أي : أصل الإباحة ، أو الحظر ـ.

والكتاب : خصوصه ، أو عمومه ، أو دليله ، أو فحواه.

والسنة المقطوع بها من جهة التواتر.

قال رحمه‌الله : فان ما يتضمنه خبر الواحد إذا وافقه مقطوع على صحته أيضاً ، وجب العمل به ، وإنْ لم يكن ذلك دليلاً على صحة نفس الخبر ؛ لجواز أن يكون الخبر كذباً ، وإن وافق السنة المقطوع بها.

ثم ذكر الإجماع وقال : فإنه متى كان كذلك دلّ أيضاً على صحة متضمنة ، ولا يمكننا أيضاً أن نجعل إجماعهم دليلاً على صحة نفس الخبر ؛ لجواز أن يكونوا أجمعوا على ذلك عن دليل غير الخبر ، أو خبر غير هذا الخبر ، ولم ينقلوه ، استغناءً بإجماعهم على العمل به ، ولا يدل ذلك على صحة نفس الخبر ، فهذه القرائن كلّها تدلّ على صحة متضمن أخبار الآحاد ، ولا تدل على صحتها أنفسها ، لما بيّناه ، من جواز أن تكون الأخبار مصنوعة ، وإن وافقت هذه الأدلّة (١) ، انتهى.

انظر كيف صرّح في مواضع عديدة بأن موافقة هذه الأدلة لا توجب الصحة في نفس الخبر ، ولا يصير الخبر بها صحيحاً ، وعلى هذا كافّة الأصحاب ، ومع ذلك كيف يجوز نسبة ذلك إليهم من غير اكتراث ، ثم ترتيب الآثار عليها.

ومن الغريب ما في تكملة الفاضل الكاظمي في ردّ من ذكر قولهم : صحيح الحديث من ألفاظ الوثاقة ما لفظه : واعلم أنّ الصحة في لسان القدماء يجعلونها صفة لمتن الحديث ، على خلاف اصطلاح المتأخرين ،

__________________

(١) عِدَّة الأُصول : ٥٣ ٥٥ ، بتصرف.

٣٩

حيث يجعلونها صفة للسند ، ويريدون أي : القدماء به ما جمع شرائط العمل ، إمّا من كونه خبر ثقة كما هو في اصطلاح المتأخرين ، أو بكونه محفوفاً بقرائن تدلّ على العلم أو الظن بواقعيّة مضمونه ، وهي كثيرة ، أكثرها اندرست في أمثال زماننا ، وهي إمّا موافقة ظاهر الكتاب أو عمومه ، أو فحواه ، أو نصه ، أو مفهومه المخالف ، أو الشهرة عليه ، أو رواية ، أو غير ذلك ممّا هو مسطور في الكتب الأُصولية ، ونبّه عليه الشيخ في مقدمة الاستبصار (١).

قال الشيخ البهائي في المشرق : كان المتعارف بينهم يعني : القدماء إطلاق الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه ، واقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه ، وذلك أُمور (٢). ثم أخذ بتفاصيلها (٣) ، انتهى.

انظر كيف يضاد قوله العلم أو الظن بواقعية مضمونه قول الشيخ في مواضع عديدة ، وكيف عدّ موافقة ظاهر الكتاب من القرائن المندرسة! وإحالته على ما في الاستبصار توجب أيضاً عدّ موافقة العقل والإجماع والسنة المتواترة منها! وهو أعرف بما قال. مع أن الشيخ أجمل في أول كتابيه ما فصّله في العدة وغيرها ، وأشار إلى ذلك بقوله في أول الإستبصار ، قبل ذكر أقسام الخبر والقرائن ـ : وأنا أُبين ذلك على غاية من الاختصار ، إذ شرح ذلك ليس هذا موضعه ، وهو مذكور في الكتب المصنّفة في أُصول الفقه ، المعمولة في هذا الباب (٤).

وقد عرفت ما ذكره في العدة (٥).

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٣ ٤.

(٢) مشرق الشمسين : ٢٦٩ ، مطبوع ضمن الحبل المتين.

(٣) تكملة الرجال ١ : ٥٠.

(٤) الاستبصار ١ : ٣.

(٥) تقدم آنفاً في صحيفة : ٣٨.

٤٠