من وحي الإسلام - ج ٢

الشيخ حسن طراد

من وحي الإسلام - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن طراد


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٢٨
الجزء ١ الجزء ٢

حين العمل الممارسة ولكنها تكون فاقدة للوعي والتبصر الديني الذي يكشف للمؤمن العامل السر المستهدف من وراء تشريع العبادات وهو التقوى ـ كما تقدم.

اما هذه الاعمال فلا يتحقق بها احياء اي وقت تقع فيه سواء كان وقت شهر رمضان بلياليه وايامه ام غيره ـ والسر في ذلك واضح ـ لانها بعد ان كانت ميتة او بحكم الميتة فلا يتوقع منها افاضتها لروح الحياة على غيرها ولهذا اشتهر القول المأثور : فاقد الشيء لا يعطيه وعلى ضوء هذه الحقيقة الايمانية الموضوعية ـ ندرك جيدا ان الشخص الذي يتوفق للاخلاص في العمل ولتحقيق الغاية الاساسية المقصودة منه وهي تقوى الله سبحانه والتقيد بأحكامه الشرعية بفعل المأمور به وترك المنهي عنه يكون عمله هذا حيا وذا قيمة وقدر لتصبح كل ليلة يأتي به فيها قدر وكل يوم يوم قدر كما يصبح كل شهر يمسك فيه عما حرم الله تحقيقا لغاية الصوم ـ شهر رمضان حتى ولو كان ذلك العمل قليلا من الناحية الكمية عندما يقتصر على الاتيان ببعض الاعمال الواجبة او المستحبة بتوجه واخلاص ووعي للغاية والتزام بتحقيقها ـ وعلى العكس من ذلك العمل الذي يكون ميتا فاقدا لروح الاخلاص ـ او ضعيفا فاقد لقوة الوعي التي تحركه في خط الهدف ـ فمثل هذا العمل يكون بحكم العدم مهما كان كثيرا في الكمية ومثيرا للاعجاب من جهة الصورة والكيفية ـ وذلك لان الاعمال بالنيات كما ورد عن اهل البيت عليهم‌السلام ولان الله سبحانه ينظر الى القلوب والاعمال لا الى الصور والاموال كما ورد في حديث آخر.

وخلاصة هذا الحديث الذي قدمته بمناسبة ليلة القدر ـ هي ان الاعمال التي جرت العادة على الاتيان بها في ليلة القدر مثل قراءة سور خاصة مضافا الى قراءة القرآن بصورة عامة مع الصلوات المعينة والادعية المخصوصة ونحو ذلك من مستحبات هذه الليلة كزيارة الحسين عليه‌السلام والغسل ـ هذه الاعمال وان كانت مستحبة في الشرع ومسببه لنيل الاجر والثواب

٢٢١

لمن يأتي بها بدافع التقرب والاخلاص لله سبحانه ـ ولكن المطلوب من المؤمن الواعي ان يدرك فلسفة العبادة بمعناها العام ويعرف الغاية الاساسية المقصودة من تشريعها وهي ترسيخ صفة التقوى والتجمل بها في كل الاحوال وعند ممارسة جميع الاعمال لتصبح كلها عبادة له تعالى يتقرب بها اليه زلفى وبذلك ندرك ان قيمة قراءة القرآن تكون بقدر تجاوب القارىء مع تعاليمه السامية وتوجيهاته المربيه ـ ويتمثل ذلك بفعل ما يأمر به من واجب او مستحب وترك ما ينهى عنه من حرام او مكروه واذا لم يكن لديه طموح عبادي يدفعه لفعل المستحب مع الواجب ويمنعه من فعل المكروه مع الحرام ـ فلا اقل ومن باب اضعف الايمان ان يلتزم بامتثال الحكم الالزامي الوجوبي والتحريمي ـ وبذلك يعرف ان المؤمن الواعي لغاية قراءة القرآن لو قرأ قليلا منه ولو آية وطبقها في حياته العملية فإنه ينال الثواب العظيم ويتفوق به على من قرأ القرآن كله ولم يعمل بأية آية من آياته ولكنه اكتفى بالتلاوة فقط انسياقا مع العادة الجارية واخذا بظاهر ما دل على استحباب قراءة القرآن بصورة مؤكدة في شهر رمضان وخصوصا في ليلة القدر وحيث ان مقصودي من هذا الحديث لفت النظر الى بعض الامور الغامضة التي يغفل عنها الكثيرون من اخواني المؤمنين الاعزاء وابنائي الاحباء ـ فلا بد من التنبيه الى ما اشرت اليه وبيان ان القراءة المطلوب هي المقترنة بالتدبر عملا بقوله تعالى :

( أفلا يتدبرون القران أم على قلوب اقفالها (٢٤) ) (١).

والتدبر الواعي يوحي لنا ان المقصود من تلاوة آيات هذا الكتاب الكريم ـ هو العمل بمقتضاه والسير على ضوء هداه لانه كتاب تربية ودستور عمل ومنهج حياة ولم ينزل لمجرد التبرك بتلاوته وتحصيل الثواب بقراءته لينال القارىء هذه الفائدة بمجرد التلاوة وعلى ضوء معرفة الغاية الاساسية

__________________

(١) سورة محمد ، آية : ٢٤.

٢٢٢

التي انزل الكتاب العظيم من اجلها.

ندرك ان القارىء لآياته المباركة بدون تدبر لمعانيه والتفات ولو اجمالا ـ لمراميه بمعنى ان القراءة كانت مطلوبة لذاتها كما هو شأن الكثيرين ممن يقرأون القرآن في شهر رمضان المبارك بسرعة خاطفة وكل همهم ان يقرأوا القرآن كله اكثر من مرة لينالوا بذلك الثواب الاكثر.

اجل : على ضوء معرفة الغاية الاساسية المقصودة من انزال القرآن الكريم وهي نفسها مقصودة من تلاوته ـ ندرك ان التلاوة المجردة عن التدبر الواعي يكون ثوابها قليلا ـ وربما فقد الثواب وحل مكانه استحقاق العقاب اذا كان لا يتمثل امرا بواجب ولا نهيا عن حرام فيترك الحج مع استطاعته والصلاة مع تلاوته الايات الامرة بها ـ كما يترك تأدية الفريضة المالية من الخمس والزكاة مع تعلقها بمالها وبعضهم يلتزم بالصلاة في خصوص شهر رمضان ويتركها في غيره نتيجة جهله بالغاية الاساسية التي شرع الصوم من اجلها وهي التقوى كما سبق ـ وهي لا تتحقق الا بفعل جميع الواجبات وترك جميع المحرمات في جيمع الاوقات كما هو واضح ـ فمثل هذا الشخص يكون صومه ناقصا وكذلك من لا يتورع بترك المحرمات وخصوصا الغيبة والنميمة والكذب ونحو ذلك من المحرمات الكبائر وهو المقصود بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رب صائم ليس له من صومه الا الجوع والعطش وكذلك من يصلي ويقتصر على صورة الصلاة من دون ان يعرف فلسفتها ويدرك غايتها وهي الانتهاء عن الفحشاء والمنكر وهو المعنى بقول الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد عن الله الا بعدا ـ ونفس الشيء يمكن ان يقال بالنسبة الى من يكتفي بتلاوة آيات القرآن الكريم ولا يتدبر معناها ولا يعمل بمقتضاها لانه يكون شبيها بالشخص الذي يحمل المصباح بيده ولا يفتح عينيه على نوره ليستفيد منه ويسلم من العثور هذا كله بالنسبة الى تلاوة القرآن الكريم وخصوصا في الشهر المبارك وعلى الاخص في ليالي القدر وايامه ـ واما الصلاة المستحبة

٢٢٣

في ليالي القدر فلا تكون مفيدة لصاحبها ومحققه لغاية الاحياء الا اذا كانت محققة للغاية الاساسية التي شرعت الصلاة الواجبة من اجلها وهي التقوى المتمثلة بما وصفها الله به من نهيها صاحبها وانتهائه به عن الفحشاء والمنكر ـ وكذلك الادعية لا تكون محققة لهدف الاحياء الا اذا كانت حية في نفسها واجدة لروح الاستجابة وهي الشروط الاساسية المعتبرة في استجابتها وترتب الاثر عليها وقد اشار الله سبحانه الى شروط استجابته لدعاء الداعي بقوله تعالى :

( واذا سألك عبادي عني فإني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون (١٨٦) ) (١).

فإنه يفهم من قوله تعالى ان الايمان به واستجابة دعوته للعمل بهذا الايمان هو شرط لاستجابته دعاء من يدعوه وقد عبرت بالشروط مع ان المذكور في الآية المذكوره شرطان لاستجابة دعاء الداعي ـ وهما الايمان بالله والعمل بهذا الايمان الذي عبر الله عنه بالاستجابة ـ وذلك بلحاظ الشروط الاخرى المذكورة في محلها لاستجابة الدعاء.

ويسرني في ختام الحديث عن ليلة القدر ان اختمه بالمقطوعة الشعرية التي نظمتها مؤخرا بوحي من مناسبتها المباركة وهي كما يلي :

ليلة القدر سمو وارتـقاء

ومعان ترفع القدر وضـاء

وصلاة ننتهي عن منكـر

بهداها وزكـاة وعطــاء

وصيام يثمر التقوى لـنا

مثلما يبغي الهي ويــشاء

وجهاد اكبر يطوي بــه

عن سماء النفس حقد وعداء

ذلك القدر الذي نصبو له

موقف حر وصدق ووفـاء

لنعيش القدر حبـا صادقا

يتسامى بــعلاه النــبلاء

_________________

(١) سورة البقرة ، آية : ١٨٦.

٢٢٤

والتقى روح وقلب نابض

إن توارت يعتري القدر انتهاء

واخر دعوانا ان الحمد لله مع طلب الدعاء بالتوفيق وحسن العاقبة من اخواني في الله ـ والسلام عليهم وعلى كل من يلتقي بي فكراً وخطاً وهدفاً على صفحات هذا الكتاب ـ ورحمة الله وبركاته

فرغت من تحرير هذه الصفحات

ليلة الاحد : ٧ ـ ١٢ ـ ١٩٩٦ الموافق : ٢٦ / ٧ / ١٤١٧ هـ.

حسن طراد

٢٢٥

الفهرست

تمهيد وتقديم. .................................٥

الأدعية المستحبة في شهر رمضان المبارك. ٧

كلمة حول موضوع الاستهلال. ٩

الدعاء ودوره التربوي في حياة المؤمن. ١٢

بيان الامور المساعدة على إستجابة الدعاء ٢٠

بيان المراد من العبادة بمعناه العام ٢٩

دور الصيام في ترسيخ الإيمان والتقوى. ٣٤

الصوم ودوره التربوي في سلوك المسلم. ٣٨

تأثير الصيام في البر والإحسان. ٤١

دور الصيام في سلامة البدن من الامراض.. ٤٢

دور الصيام في صحة العقل وعدم انحرافه عن منهج الفطرة ٤٦

دور الصوم في صحة القلب.. ٤٨

الحب في الله والبغض في الله. ٥٢

وجوب خضوع الطبع لحكم الشرع. ٥٦

أسباب المحبة والصفاء ٥٨

بيان أسباب التعارف والتعاطف.. ٦١

أسباب العداوة ونتائجها السلبية ٦٢

فوائد المحبة المعجلة في الدنيا ٦٤

النتائج السلبية المترتبة على العداوة ٦٦

٢٢٦

وسائل علاج مرض العداوة ٦٨

وسيلة علاج مرض العداوة عند أهل البيت.. ٧٠

ترجيح الإسلام علاج المشكلة بالتي هي أحسن. ٧٣

موضوع الحديث في هذا الكتاب هو الصوم الظاهري والباطني. ٧٧

بيان الاستقبال الحقيقي المناسب لشهر الله تعالى. ٨٠

حول إقامة حفلات الافطار في شهر رمضان المبارك. ٨٥

حول ايقاظ النائمين للسحور ٨٨

المناسبات الدينية والحوادث التاريخية الحاصلة في شهر الله تعالى. ٨٩

الحديث عن شخصية أبي طالب.. ٩١

الشواهد الجلية على إيمان أبي طالب بالدعوة الإسلامية ٩٤

الشواهد القولية على إيمان أبي طالب.. ٩٦

دروس تربوية من سيرة أبي طالب.. ١٠١

أبو طالب شيخ البطحاء أهل لمدح الشعراء ١٠٤

خديجة بنت خويلد مثال المسلمة الفاضلة والزوجة الصالحة ١٠٦

تفضل الله على خديجة بابنتها فاطمة ١١١

دروس تربوية من سيرة خديجة ١١٢

الصحيح أن خديجة لم تتزوج غير الرسول ( ص ) وأن عمرها كان ٢٨ سنة ١١٥

الشعر المقبول في مدح أم البتول. ١١٧

نفحات عاطرة من حياة الحسن الطاهرة ١١٨

علم الإمام الحسن والمعصومين بصورة عامة ١١٩

عبادة الإمام الحسن ( ع ) ١٢٠

حلم الإمام الحسن ( ع ) ١٢٢

كرم الإمام الحسن ( ع ) ١٢٨

صلح الإمام الحسن أسبابه ونتائجه والدروس المستفادة منه ١٣١

اشارة الى سبب الثورة الحسينية ١٣٨

٢٢٧

دروس توجيهية من صلح الإمام الحسن ( ع ) ١٤٠

قصيدة من وحي ميلاد الإمام الحسن ( ع ) ١٤٦

حديث من وحي معركة بدر ١٤٨

أبيات شعرية من وحي الوحدة ومعركة بدر ١٥٥

حديث حول شخصية الإمام علي ( ع ) ١٥٦

النص العملي على أهلية ١٦٢

أهل البيت للقيادة الشرعية ١٦٢

بعض ما حصل للرسول ( ص ) من الكرامات قبل ولادته وحينها ١٦٤

الكرامات التي حصلت للإمام علي ( ع ) ١٦٥

ما قيل شعرا بمناسبة ولادة الإمام في بيت الله الحرام ١٦٨

حول احتضان النبي لعلي ( ع ) ١٧٠

تفوق الإمام علي عليه السلام بالصفات الكمالية ١٧٦

حلم الإمام علي ( ع ) ١٧٨

تواضع الإمام علي ( ع ) ١٨٠

زهد الإمام علي ( ع ) ١٨١

الإمام علي عليه السلام رمز الحق والعدالة ١٨٥

كرم الإمام علي ( ع ) ١٨٧

شجاعة الإمام علي ( ع ) ١٨٩

عبادة الإمام علي ( ع ) ١٩٥

شهادة الإمام علي ( ع ) ١٩٨

منزلة الشهيد الرفيعة في الإسلام ٢٠٢

سبب استشهاد الإمام علي ( ع ) ٢٠٤

بعض الدروس التربوية المستفادة من شهادة الإمام علي ( ع ) ٢٠٧

كلمة هادفة من وحي فتح مكة المكرمة ٢٠٨

دروس تربوية من فتح مكة المكرمة ٢١١

حديث من وحي ليلة القدر المباركة ٢١٧

الفهرست.. ٢٢٥

٢٢٨