من وحي الإسلام - ج ٢

الشيخ حسن طراد

من وحي الإسلام - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن طراد


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٢٨
الجزء ١ الجزء ٢

وهذه الآية المباركة وان وردت في حق اربعة من اهل البيت مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم علي وفاطمة وولداهما الحسن والحسين عليهم‌السلام على ضوء التفسير الوارد عند الفريقين الا ان كل واحد من الأئمة الثلاثة المذكورين ـ نص على من يكون خليفته بعده مضافا الى النص العام الدال على خلافة وامامة الاثني عشر من اهل بيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الطاهرين من الكتاب والسنة المعتبرة وبعضها بلغ حد التواتر لدى الفريقين.

من الاول ـ اي الكتاب ـ قوله تعالى :

( يايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأُولي الامر منكم ) (١).

بقرينة الرواية المعتبرة التي ورد فيها السؤال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المراد بكلمة ( أُولي الامر ) على لسان جابر بن عبد الله الانصاري وبين الرسول بجوابه ان المراد منها هم علي وابناؤه الاحد عشر ويؤكد ذلك حكم العقل واستقلاله بضروة ان يكون المراد منها هؤلاء الأئمة المعصومين لانهم وحدهم القابلون لان يأتوا في المرتبة التالية لمنزلة جدهم الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نظرا لعصمتهم وهي الشرط الاول ولأعلمية كل واحد منهم من كل معاصريه وهي الشرط الثاني لما تقدم ولذلك امر الله سبحانه بإطاعتهم مطلقا بدون تحفظ وتقييد كما أمر بإطاعة الرسول كذلك وهو أوضح دليل على عصمتهم وان كل ما يصدر عنهم ومنهم من قول او فعل او تقرير وامضاء لتصرفات الاخرين هو منسجم تمام الانسجام مع روح الشريعة وحكمها كالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الجهة ومن الثاني اي من الروايات ما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مقام بيان من يخلفه من اهل بيته وهو نوعان الاول خاص ببعضهم كحديث الغدير الذي ورد في حق الإمام علي عليه‌السلام وهو متواتر لدى الطرفين وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » وكالحديث الوارد في حق الحسن والحسين عليهما‌السلام ومضمونه :

__________________

(١) سورة النساء ، آية : ٥٩.

١٦١

« الحسن والحسين إمامان ان قاما وان قعدا ».

والثاني عام شامل للأئمة الإثني عشر وقد ورد في بعض الروايات النص على العدد فقط وفي بعضها الاخر ورد النص على الاسماء مع النص على العدد وهنا اقتصر على الاول وهو ما ورد في عدة طرق عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جملتها ما روي عن الإمام علي عليه‌السلام من قوله عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« الأئمة بعدي اثنا عشر اولهم انت يا علي واخرهم القائم الذي يفتح الله على يديه مشارق الارض ومغاربها ».

ومن المعلوم ان نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خلافة اهل بيته وامامتهم عليهم‌السلام هو تعيين من الله سبحانه ودور النبي هو البيان والتبليغ كما هو الشأن بالنسبة الى الاحكام الشرعية لانه معصوم لا ينطق ولا يخبر ويعين عن الهوى بل عن الوحي والهدى.

وهذا النوع من النص يعتبر تعيينا بالقول وشاءت حكمة الله سبحانه وعنايته الفائقة بالامة وهدايتها الى ما فيه سعادتها وسلامتها في الدنيا والآخرة وهو القيادة الشرعية التي تسير بها في طريق الحق والهدى الى هدف السعادة الذي اراد الله سبحانه ان تصل اليه وتحصل عليه من قيامها بواجب العبادة :

أجل : إن العناية الإلهية والرعاية السماوية للامة الإسلامية اقتضت ان تضم الى النص القولي الدال على القادة الشرعيين النص العملي المعبر عن كفاءة هؤلاء القادة واستعدادهم التام للنهوض بمسؤولية القيادة الشرعية على الوجه الافضل الذي يريده الله سبحانه.

١٦٢

النص العملي على أهلية

أهل البيت للقيادة الشرعية

وقد تمثل هذا النص العملي الصادر من قبل الله سبحانه مباشرة بما اوجده لكل واحد من المعصومين الاربعة عشر من المعجزات والكرامات الخارقة للعادة والخارجة عن نطاق قدرة البشر ليدل ذلك على مدى قربهم من الله سبحانه واستعدادهم المتفوق للقيام بواجب القيادة على الوجه الاكمل المقصود لله سبحانه.

وحيث ان موضوع الحديث في المقام هو شخصية الإمام علي عليه السالم ناسب ذلك ان اذكر بعض الكرامات الدالة على سمو منزلته عند الله سبحانه وانه الكفؤ المعين لقيادة الامة على نهج الحق ـ بعد رسول الحق عندما ينتقل الى جوار الله الحق عز وجل.

وقبل ان اذكر شيئا من كرامات الإمام علي عليه‌السلام احب ان اذكر بعض الكرامات التي حصلت للرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اولا لانهما نفس واحدة بنص آية المباهلة كما تقدم فإذا ذكرت كرامة لاحدهما ناسب ذلك ان تذكر كرامة للآخر ـ وثانيا من اجل لفت النظر الى امر ربما يغيب عن اذهان الكثيرين وهو ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد حقق الله سبحانه له تلك الكرامات التي حصل بعضها وقت ولادته وبعد ذلك قبل بعثته ثم حصل بعضها الاخر بعد البعثة ـ وكان ذلك بقصد لفت الانظار الى شخصية الرسول ليؤمنوا برسالته ويصدقوا دعوته بإعتبار ان الكرامات السابقة على البعثة كانت تمهيدا لحصول القبول

١٦٣

والتصديق بدعوته بعد بعثته كما ان ما حصل منها مقترنا بالدعوة وحاصلا بعدها جاء ليكون برهانا على صدقه وانه مرسل من قبل الله سبحانه ـ على اساس ان المعجزة والكرامة من فعل الله سبحانه القادر على كل شيء وليست من فعل الإنسان لعجزه عنها ولهذا سميت بالمعجزة ـ والله سبحانه بحكمته وعدله لا يصدق كاذبا كما هو المعلوم ـ وانما يفضحه ويكذبه كما حصل مع مسيلمة الكذاب من اجل ان يعرف الناس واقعه فلا ينخدعوا بدعوته ويضلوا بحيلته.

وكما ان النبي يحتاج الى المعجزة والكرامة الخارقة لتكون برهان صدقه ـ كذلك الإمام النائب عنه يحتاج الى ذلك لنفس السبب والوجه ـ لان الله سبحانه اعلم حيث يجعل رسالته ابتداء مع الرسول وانتهاء واستمرارا مع نائبه الممثل له الذي يجب ان تتوفر فيه نفس الشروط المعتبرة في الرسول وقد تقدم انها ـ اي الشروط ـ يمكن ارجاعها الى شرطين اساسيين وهما العصمة والافضلية من كل معاصريه ومن جميع الجهات.

والذي ينظر الى الواقع بعين الانصاف والموضوعية يدرك انحصار هذين الشرطين في أئمة أهل البيت الاثني عشر عليهم‌السلام وجاء النص القولي مؤكدا للنص العملي الذي حققه الله سبحانه لكل واحد منهم بما اجرى على يديه من المعجزات وتحققت له من الكرامات.

١٦٤

بعض ما حصل للرسول ( ص )

من الكرامات قبل ولادته وحينها

وفيما يلي بعض الكرامات التي حصلت للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل بعثته وحال ولادته ـ وبعدها اذكر بعض ما جرى له بعد بعثته اما الاول فمنه ما ورد في بعض الروايات المستفيضة عن أمه آمنة بنت وهب وانها حدثت واخبرت بأنها انبئت حين حملت بالرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقيل لها : انك حملت بسيد هذه الامة فإذا وقع على الارض فقولي : اعيذه بالواحد من شر كل حاسد فإن آية ذلك ان يخرج منك نور يملأ قصور بُصرى من ارض الشام فإذا ولد فسميه محمداً فإن اسمه في التوراة أحمد يحمده أهل السموات والارض واسمه في الانجيل حميد يحمده اهل السموات والارض واسمه في القرآن محمد فسميه محمداً فسميته بذلك ومن الكرامات التي قارنت ولادة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما روي من انه لما كانت الليلة الاولى التي ولد فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارتجس (١) إيوان كسرى فسقطت منه اربعة وعشرون شرفة وخمدت نيران فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام وفاضت بحيرة ساوه وهناك كرامات اخرى ذكرها الشيخ الطبرسي في اعلام الورى واما المعجزات التي حصلت للرسول بعد بعثته فكثيرة ايضا منها مجيء الشجرة اليه وتحركها من مكانها اجابة لطلبه حتى وقفت بين يديه على تفصيل مذكور في محله من كتاب الاعلام المذكور ومنها

__________________

(١) اي اهتز واضطرب.

١٦٥

خروج الماء من بين اصابعه وحنين الجذع الذي كان يخطب مستندا اليه ـ وذلك عندما صنع للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منبر فترك الوقوف مستندا اليه وصعد المنبر ـ واشباعه الخلق الكثير بالطعام القليل.

الكرامات التي حصلت للإمام علي ( ع )

واما الكرامات التي حصلت للإمام علي عليه‌السلام فكثيرة وهي متنوعة بلحاظ زمان حصولها ـ لان بعضها حصل له عليه‌السلام حال وجوده في عالم الرحم ـ وبعضها حصل مقترنا بزمان ولادته ومنها ما حصل بعدها.

اما ما حصل له حال وجوده في رحم امه فحاصله على ضوء بعض الروايات التي تفيد ما مضمونه ان والدته فاطمة بنت اسد كانت اذا جاءت الى بيت الله الحرام لتطوف حول الكعبة المشرفة تحس بإضطرابه في بطنها بحركة قوية تزعجها كلما دنت من احد الاصنام التي كانت منصوبة في الكعبة يومذاك فعرفت بذلك سر اضطرابه وانه كان يحصل منه لمجرد دنوها من الصنم ولو صدفة وبدون قصد التبرك به كما كانت عادة المشركين وهي منزهة عن ذلك بإيمانها الصادق وتوحيدها الخالص وان دلت هذه الكرامة على شيء فإنها تدل على ان لهذا الجنين شأنا كبيرا ودورا خطيرا ضد هذه الاصنام الحجرية والبشرية ايضا عندما يصدع الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدعوته المباركة وينطلق هذا البطل للتصديق بها والدفاع عنه وعنها بكل ما اوتي من طاقة وقوة معنوية وجسمية وهذا ما تحقق بعد ذلك كما تحدث التاريخ.

ومن الكرامات الحاصلة قبل ولادته انشقاق جدار الكعبة لوالدته لتدخل من خلال شقها الى داخلها بكرامة واكرام من الله سبحانه لها ولحملها الميمون المبارك ـ وكان ذلك عندما جاءت والدته كعادتها الى بيت الله الحرام من اجل الطواف والتعبد لله سبحانه وكانت حاملا به وفي الشهر التاسع من

١٦٦

حملها وصادف ان جاءها المخاض واشتد عليها ألم الولادة فلم يكن منها سوى ان انقطعت لله بالتضرع والدعاء بأن ييسر عليها ولادتها ويجعل لها من بعد عسر يسرا واخيرا استجاب الله دعاءها وفتح لها بابا من جدار الكعبة لتدخل من خلاله الى داخلها وتبقى في ضيافة الرحمن مدة ثلاثة ايام وهي تتغذى من طعام الجنة وفواكهها وبعد انتهاء مدة الضيافة فتح الله ذلك الباب من جديد بعد ان كان مسدوداً بالتئام الجدار والتحامه كما كان قبل ذلك.

والكرامات (١) التي حصلت لهذه المؤمنة أم أمير المؤمنين وسيد الوصيين ـ كثيرة ـ وهي اولا انشقاق الجدار لها لتدخل من خلال شقه الى داخل الكعبة المشرفة وثانيا نزول الطعام لها من الجنة كما حصل ذلك لمريم بنت عمران عندما كانت تعتكف في بيت الله للعبادة وثالثا انشقاق الجدار مرة اخرى تمهيدا لخروجها ورابعا سماعها هاتفا يقول لها عندما ارادت الخروج من الكعبة ـ ما حاصله : يا فاطمة سميه عليا فهو علي والله العلي الاعلى يقول : شققت اسمه من اسمي وادبته بآدابي واوقفته على غامض علمي وهو الذي يكسر الاصنام في بيتي وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ويقدسني ويمجدني فطوبى لمن احبه واطاعه وويل لمن ابغضه وعصاه وقد اشتهرت حادثة ولادة الإمام علي عليه‌السلام في بيت الله الحرام في التاريخ الإسلامي ولدى الفريقين من الشيعة والسنة وقد تحدث عنها الكثيرون من العلماء والادباء الكتاب والشعراء بتقدير واجلال لصاحب هذه الكرامة التي اراد الله سبحانه بها لفت الانظار الى شخصه العظيم وان له قدرا رفيعا عند الله سبحانه ومنزلة سامية تجعله في المنزلة الثانية والرتبة التالية لشخصية الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله الطاهرين وفيما يلي بعض ما ورد في شأن هذه الحادثة نثراً وبعده اذكر بعض ما ورد في شأنها شعرا.

__________________

(١) يصح اعتبار هذه الكرامات من كرامات المولود المبارك لانها حصلت لها ببركته من باب القول المشهور ( من أجل عين الف عين تكرم ).

١٦٧

من الاول ما ورد في كتاب ( علي من المهد الى اللحد ص ٢٢ ) للمرحوم السيد محمد كاظم القزويني نقلا عن محمود الآلوسي في شرح قصيدة عبد الباقي العمري العينية التي افتتحها بالبيت التالي مخاطبا الإمام علياً عليه‌السلام بقوله :

أنت العلي الذي فوق العلى رفعا

ببطن مكة وسط البيت إذ وضعا

وفيما يلي نص الآلوسي ( وفي كون الأمير كرم الله وجهه ولد في البيت امر مشهور في الدنيا وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة ولم يشتهر وضع غيره كرم الله وجهه كما اشتهر وضعه واحرى بإمام الأئمة ان يكون وضعه فيما هو قبلة للمؤمنين سبحان من يضع الاشياء في مواضعها وهو احكم الحاكمين ).

١٦٨

ما قيل شعرا بمناسبة ولادة الإمام

في بيت الله الحرام

وفيما يلي بعض المقطوعات الشعرية التي نظمت بمناسبة ولادته عليه‌السلام في بيت الله الحرام.

قال السيد الحميري بوحي من هذه المناسبة المباركة :

ولدته في حرم الإله وأمنـه

والبيت حيث فناؤه والمـسجد

بيضاء طاهرة الثياب كريمة

طابت وطاب وليدها والمـولد

في ليلة غابت نجوم نحوسها

وبدت مع القمر المنير الاسعد

مالُف في خرق القوابل مثله

الا ابن أمنة النبي محمـــد

وقال السيد رضا الهندي ( ره ) مخاطبا الإمام علي عليه‌السلام :

لما دعاك الله قِدَمــاً لأن

تولد في البيت فــلبيته

شكرته بين قريش بـأن

ظهرت من اصنامهم بيته

وقال الشيخ حسين نجف رحمه الله تعالى :

جـعل الله بـيته لعــلي

مولدا يا له على لا يضاهى

لم يشاركه في الولادة فيه

سيد الرسل لا ولا انبيـاها

وقال السيد اسماعيل الشيرازي رحمه الل

ه المتوفى سنة ١٣٠٥ هـ :

ولدت شمس الضحى بدر التمام

فانجلت عنا دياجير الظلام

١٦٩

ناديـا بشراكم هـذا غلام

وجهـه فلقــة بدر يهتدى

بسنا انــواره في الظلــم

هذه فاطمة بـنت اســـد

اقبلت تحـمل لاهوت الابـد

فاسجدوا ذلاله فيمن سجــد

فله الاملاك خـرت سجـدا

اذ تجلــى نــوره في آدم

هل درت ام العلى ما وضعت

أم درت ثدي الهدى ما ارضعت

ام درت كف النهى ما رفعت

ام درى رب الحجى ما ولــدا

جــل معنــاه فلـما يــعلم

سيد فاق عُلىً كـل الانـام

كـان اذ لا كائن وهـو إمام

شرف الله به البيــت الحرام

حيــن اضحى لـعلاه مولدا

فوطــا تربتــه بالقــدم

إن يكـن يجعــل لله البنـون

وتعـالى الله عمــا يصفون

فوليد البيت احـرى ان يكـون

لولــي البيت يدعــى ولدا

لا عزيــر لا ولا ابــن مريم

وقال عبد الباقي العمري مخاطبا الإمام علياً عليه‌السلام :

أنت العلي الذي فوق العلى رفعا

ببطن مكة وسط البيـت اذ وضعا

وأنت أنت الذي حطت له قـدم

في موضع يده الرحمن قد وضعا

ربيب طه حبيب الله انت ومـن

كان المربى له طه فـقد بــرعا

وقلت في مدحه عليه‌السلام مشيرا الى ولادته في بيت الله الحرام في بيت من المقطوعة التالية :

ماذا يقول بـك الاديب وينـظم

وعلاك اسمى والإمامة اعظم

ادركت بالإيمان مجدا شامــخا

بالحق تقصر عن مداه الانجم

مثلت احكام الإلـه بســـيرة

نبوية فيها الكتاب متــرجم

بدأت حياتك بيــته بــولادة

ولديه اضحت بالشهادة تختم

كـنت الرسول فضائلاً وشمـائلاً

فكلاكما لعلى الفضيلة تـوأم

١٧٠

الاّ النبـوة مـيـزت شخصيكما

فبها الرســول مفضل ومـقدم

خلدتما في الدهر شمـس هـداية

بشعاعها لـيل الضــلال يحطم

وعليكما مني التحـيــة كلـما

اضحى بمدحكما الهــدى يترنم

حول احتضان النبي لعلي ( ع )

وكما ان ولادة الإمام علي عليه‌السلام في الكعبة تعتبر كرامة كرمه الله بها على وجه التخصيص لعدم مشاركة احد له فيها. كذلك يعتبر احتضان النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له من اول يوم من ايام ولادته واشرافه المباشر على تربيته وتغذيته الروحية والبدنية كما تحدث بذلك علي نفسه عن هذه الرعاية الخاصة والعناية الفائقة التي اولاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل بعثته لعلي من يوم ولادته الى يوم حصول البعثة المباركة.

أجل : ان هذه الرعاية الخاصة والتربية الرائعة التي لم تحصل لاحد غير علي عليه‌السلام تعتبر من الكرامات التي تميز بها ونال المرتبة السامية والدرجة الرفيعة نظراً لما يترتب على التربية الصحيحة المنسجمة مع روح الشريعة الغراء ونهج التربية الفطرية الناجحة ـ من الاثر البليغ في استقامة سلوك النشء وارتقائه الى المنزلة الرفيعة والمرتبة السامية في العقيدة الصحيحة الراسخة والاعمال الصالحة والاخلاق الفاضلة.

واشراف النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تربية الإمام علي عليه‌السلام وان كان قبل بعثته المباركة بالرسالة الإسلامية الكاملة الخالدة الا ان ذلك لم يكن مانعا من حصول التربية الراجحة الناجحة التي يريد الله سبحانه حصولها للإمام علي عليه‌السلام.

وذلك لان العناية الإلهية قد رافقت شخص النبي منذ صباه بالالهام السماوي الذي كان يصقل به فطرته ويزيدها تألقا واشراقا من جهة وتكليف

١٧١

الله سبحانه لاعظم ملك من ملائكته ليحتضن شخصه الكريم ويسلك به طريق المكارم ـ من جهة ثانية قد ساهم كل واحد منهما (١) في صياغة شخصية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صياغة سماوية جعلته افضل مخلوق واكمل رسول على الاطلاق.

وقد تحدث الإمام علي عليه‌السلام عن احتضان الرسول له من اول ايام وجوده في هذه الحياة وذلك بقوله في نهج البلاغة من خطبته المسماة بالقاصعة :

وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وانا ولد يضمني الى صدره ويكنفي في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل.

ولقد قرن الله به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من لدن ان كان فطيما اعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن اخلاق العالم ليله ونهاره ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر امه يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به.

ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد في الإسلام غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخديجة وانا ثالثهما ارى نور الوحي والرسالة واشم ريح النبوة.

وقد شرح الإمام علي عليه‌السلام بكلامه هذا مدى عناية الرسول به من الناحية المادية والجسمية بما كان يقدمه له من الطعام بعد مضغه له ليتمكن من ابتلاعه بسهولة مع عنايته به من الناحية الروحية التربوية الامر الذي جعله متأثرا بهذه التربية الفائقة التي لم تحصل لاي شخص آخر لان عظمة التربية

__________________

(١) أي كل واحد من الرعاية الإلهية المباشرة واشراف الملك بأمر من الله سبحانه.

١٧٢

وتقدمها في ميدان النجاح تتبع شخصية المشرف عليها والقائم بها فبقدر ما يكون عظيم الشخصية ومستقيم السلوك ورفيع الخلق ـ يكون نجاحه في تربيته وتفاعل المربى ـ معها ايجابا ليصبح صورة اخرى عمن يصوغ شخصيته ويصبها في قالب الفضيلة وقد بين الإمام ( عليه‌السلام ) نتيجة تجاوبه وتأثره بهذه التربية الفذة بقوله :

وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل وبين السبب المثمر المؤدي الى هذه النتيجة السليمة بقوله :

ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر أمه يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به.

كما بين عليه‌السلام مدى الاعتناء السماوي في بناء شخصية الرسول منذ نعمومة اظفاره وذلك بمصاحبة اعظم ملك له بأمر من الله سبحانه ليسلك به طريق المكارم ومحاسن اخلاق العالم وكأن الإمام عليه‌السلام يريد ان يبين مدى العناية الإلهية والاعتناء السماوي ببناء شخصية كل واحد من الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن عمه الاكرم وصياغتها على النحو الذي يساعد كل واحدة من هاتين الشخصيتين الفذتين على النهوض بالمسؤولية الكبرى التي ستلقى على عاتقه في المستقبل وهي مسؤولية القيام بالدعوة الإسلامية من اجل ان يخرج بها شخص الداعي العظيم وهو الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ المجتمع الجاهلي ـ من ظلمات الشرك وعبادة الاصنام الى نور التوحيد في العقيدة والتوحيد في عبادة الله الواحد العلام وهذه هي مسؤولية النبوة والنبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واما المسؤولية التي اعدت شخصية الإمام علي لينهض بها في مستقبله الجهادي فهي اولا مسؤولية دعم الدعوة بالمبادرة الى اعلان التصديق بها والعمل بمقتضاها والدفاع عنها قدر الامكان ـ وثانياً مسؤولية النيابة العامة والقيادة الشرعية بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومن المعلوم ان مسؤولية الرسول في دعوته وعلي في نصرته اولا وقيادته العامة الهامة ثانيا في منتهى الصعوبة والخطورة فلا يقدر على النهوض

١٧٣

بها الا من أوتي حظا وافرا من العناية السماوية والرعاية الإلهية بشكل مميز وقد حقق الله سبحانه ذلك في حق كلا الشخصين العظيمين النبي المرسل والوصي المبجل وذلك بما اودعه في كل واحد منهما من الكفاءة والاستعداد للتلقي علماً والترقي خلقاً وعملاً وضم الى زرع ذلك الاستعداد ايجاد المربي المعصوم الذي يستثمر ذلك ويخرجه من مرحلة القابلية والقوة الى مرحلة الفعلية والتحرك الايجابي الهادف على درب الرسالة دعوة لها ونشراً لنورها في افاق العقول واجواء النفوس من قبل الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومبادرة الى التصديق بها والعمل بمقتضاها مع الدفاع عنها وازالة العراقيل من طريق انتصارها وانتشارها ـ من قبل الناصر المحامي والممثل الشرعي لشخص النبي الاكرم بعد انتقاله الى جوار الله سبحانه.

وكان المربي المعصوم الذي اعده الله للنبي المعصوم هو ذلك الملك الاعظم كما كان المربي المعصوم للوصي المعصوم هو شخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ واذا عرفنا ان النبي محمداً صلى الله عليه وآله هو افضل من جميع الملائكة كما انه افضل من جميع الانبياء ـ ندرك السر في العظمة والتفوق الذي ظفر به شخص الإمام علي عليه‌السلام الامر الذي جعله افضل من جميع الخلق ملائكته وجنه وإنسه باستثناء شخص النبي محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين.

وذلك لنص آية المباهلة التي اعتبرت علياً نفس النبي باستثناء درجة النبوة المميزة والرافعة ـ وحيث ان النبي محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افضل الخلق على الاطلاق كذلك من يكون نفسه.

وهذا يعتبر من الكرامات والخصوصيات التي خص بها الله سبحانه شخص الإمام علي عليه‌السلام ليكون اعداداً تربوياً وبناء معنوياً لشخصيته الرسالية المثالية يؤهله للإضطلاع بدور النصرة والحماية للرسول ورسالته في البداية وللنهوض باعباء القيادة العامة والمسؤولية الكبرى بعد الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما مرت الاشارة اليه.

١٧٤

وحيث اننا نريد من الكرامة التي كرم الله بها رسوله الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيه علياً الاكرم عليه‌السلام ـ العناية الفائقة والرعاية الخاصة بنحو مميز لهما عن غيرهما من ابناء المجتمع السابقين واللاحقين ـ فإن صفات الإمام علي الكمالية ومواقفه الرسالية التي برز بها بتفوق في كل الساحات والميادين ـ تعتبر كرامات فذة وخصوصيات مميزة تقتضي بطبعها تميزه وتفوقه عمن سواه من البشر باستثناء شخص النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لانه وحده بلغ ذروة الكمال البشري بتخطيط من الله سبحانه ليتحقق التناسب بين اكملية وافضلية رسالته واكملية وافضلية شخصيته كما تقدم والى هذه الافضلية التي خص الله بها حبيبه ونبيه محمداً أشار بعضهم بقوله :

بلـــغ العلــى بكمــاله

كشــف الدجــى بجمــاله

حسنــت جميــع خصـاله

صلـــوا عليــه وآلـــه

وقال آخر مشيراً الى تفوق شخصيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على من سواه

وأجمل منك لم تــر قط عيني

واكمــل منك لم تلد النساء

خلقت مبرأ من كــل عـيب

كأنــك قد خلقت كما تشاء

وقال آخر في مدحه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فاق النبيين في خلق وفي خلق

ولم يدانوه في عـلم وفـي كـرم

وكلهم من رسول الله ملـتمس

غرفاً من البحر او رشفاً من الديم

فهو الذي تم معناه وصـورته

ثم اصطفاه حبيـباً باريء النـسم

منزه عن شريك في محاسـنه

فجوهر الحسن فيه غـير منقـسم

وفيما يلي ابيات رائعة مدح بها صفي الدين الحلي ( قده ) الإمام عليا عليه‌السلام.

جمعــت في صفاتك الاضـداد

شـجاع زاهد حـاكم حـليـم

ولهــذا عـزت لك الانــداد

نــاســك فاتك فقـير جواد

١٧٥

خلق يخجل النسيم من اللطــف

شيم ما اجتمعن في بشر قــط

وبــأس يذوب مـنه الجماد

ولا حــاز مثلـهن العــباد

ولا يريد هذا الشاعر تفضيل الإمام علي على كل العباد كما يظهر من البيت الاخير لوضوح افضلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه لدى كل الطوائف الإسلامية وانما يريد تفضيله على من سواه فيكون هذا الوضوح قرينة على مراده من كلامه.

١٧٦

تفوق الإمام علي عليه‌السلام بالصفات الكمالية

ومن اجل توضيح ما ذكرته آنفا من ان الإمام عليا عليه‌السلام كان متفوقا في كل صفاته الكمالية ومواقفه الرسالية على من سواه باستثناء الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحتاج الى ان نقف ولو قليلا من الوقت امام ابرز صفاته السامية ومعانيه الراقية من اجل ان نستلهم منها الدروس والعبر التي تنور عقولنا بالعرفان الواعي وقلوبنا بالايمان الثابت وتجمل نفوسنا بالمثل الرفيعة والقيم السامية التي تجمل بها وسما الى اعلى مراتب المجد والسؤدد التي لم يبلغها بل سما فوقها سوى الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

من صفاته البارزة التي تفوق بها على غيره ما عدا الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العلم ويشهد له بتفوقه به الواقع الملموس مضاف الى ما ورد في حقه من النصوص وهي كثيرة منها ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لدى الفريقين من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقه :

أنا مدينة العلم وعلي بابها وقد اشار الشاعر الى هذا المعنى بقوله :

إنما المصطفى مدينة علم

وهو الباب من أتاه أتاها

واشتهر عن الإمام علي قوله عليه‌السلام : « علمني رسول الله الف باب من العلم يفتح لي من كل باب الف باب ».

وكذلك قوله عليه‌السلام : « لو ثنيت لي الوسادة لافتيت اهل التوراة بتوراتهم واهل الانجيل بإنجيلهم واهل الفرقان بفرقانهم ».

١٧٧

وقوله عليه‌السلام : مشيراً الى صدره الشريف : « ان هاهنا لعلمنا جما لو اصبت له حمله » وشهادة النبي في حقه وانه مع الحق والحق معه يدور معه حيثما دار ـ تجعل شهادته مقبولة حتى في حق نفسه لانه معصوم لا ينطق عن الهوى ويؤكد هذه الشهادة شهادته الاخرى في حقه ايضا وهي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي مع القرآن والقرآن مع علي.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اقضاكم علي » وفي حديث آخر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قسمت الحكمة عشرة اجزاء فأعطي علي تسعة اجزاء والناس جزء واحداً » وقد اشتهر عن الخليفة الثاني قوله : « لولا علي لهلك عمر » وقوله : « اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن ابي طالب ».

وروي عن ابن عباس قوله : « علم رسول الله من علم الله تبارك وتعالى وعلم علي من علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلمي من علم علي وما علمي وعلم اصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علم علي الا كقطرة في سبعة ابحر ».

وقد اشتهر عنه قوله عليه‌السلام : « سلوني والله لا تسألوني عن شيء يكون الى يوم القيامة الا اخبرتكم وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية الا وانا اعلم ابليل نزلت ام بنهار في سهل ام في جبل ».

وعن ابن عباس ان عمر بن الخطاب قال للامام علي عليه‌السلام : يا ابا الحسن انك لتعجل في الحكم والفصل للشيء اذا سئلت عنه قال : فأبرز علي كفه وقال له : كم هذا؟. فقال عمر : خمسة فقال له علي : عجلت ابا حفص قال : لم يخف عليَّ فقال علي عليه‌السلام : « وانا اسرع فيما لا يخفى علي ».

١٧٨

حلم الإمام علي ( ع )

لم يكن اكبارنا لشخصية الإمام علي عليه‌السلام لمجرد انه كان اعلم الناس بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل لانه كان افضلهم واسبقهم الى كل الصفات الكمالية والمواقف الرسالية التي تخدم الإسلام والمسلمين بل والناس اجمعين لانه مثل بسلوكه المستقيم وخلقه الكريم خلق الرسول العظيم فكان محمداً الثاني وحيث ان الإسلام حث على الحلم وكظم الغيظ وطبق الرسول الاعظم ذلك على نفسه بسيرته القويمة وحث عليه بسنته الحكيمة حيث قال :

« صل من قطعك واعط من حرمك واعف عمن ظلمك واحسن الى من اساء اليك » فلا بد ان يكون الإمام علي عليه‌السلام من السابقين الى ذلك عملا وقولا لانه نفس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنص آية المباهلة كما تقدم ولانه معد لان يكون الممثل للرسول والمطبق للرسالة تطبيقا كاملا بالاتصاف بكل الصفات الكمالية التي دعت اليها وحثت عليها ليكون قوله الذي حث به غيره على فعل ما ينفع والاتصاف بما يرفع ـ مسبوقا او مقترنا بالعمل والممارسة فيكون اكثر تأثيرا وفاعلية مما اذا تجرد عن ذلك كما هو واضح وسأذكر في المقام بعض ما روي عنه عليه‌السلام من الحكم التي دعا بها الى العفو والصفح عن المسيء من ذلك قوله عليه‌السلام : في نهج البلاغة : « اذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه ». وقد طبق الإمام عليه‌السلام هذه الوصية على نفسه حيث عمل بها في عدة موارد منها ما حاصله ان شخصا يدعى نعيما بن دجاجة قد صدر منه عمل فيه اساءة للامام عليه‌السلام فأمر بأن يضرب تأديباً له فقال نعيم هذا : إن

١٧٩

المقام معك لذل وان فراقك لكفر فلما سمع الإمام منه ذلك قال : قد عفونا عنك ان الله عز وجل يقول :

( ادفع بالتي هي احسن السيئة ) (١).

اما قولك : « ان المقام معك لذل فسيئة اكتسبتها واما قولك ان فراقك كفر فحسنة اكتسبتها فهذه بهذه ».

ومن موارد حلمه وعفوه عليه‌السلام انه قدم نصيحة لاصحابه على اثر حصول تصرف غير مناسب للحكم الشرعي والخلق الإسلامي فقال احد الخوارج : « قاتله الله كافرا ما افقهه » فوثب القوم ليقتلوه فقال عليه‌السلام : رويدا انما هو سب بسبب او عفو عن ذنب ومنها ما نقل في البحار من ان امير المؤمنين مر بأصحاب التمر فإذا هو بجارية تبكي فقال : « يا جارية ما يبكيك »؟. فقالت : « بعثني مولاي بدرهم فابتعت من هذا تمراً فأتيتهم به فلم يرضوه فلما اتيته به ابى ان يقبله ».

قال عليه‌السلام لذلك الرجل : « يا عبد الله انها خادم وليس لها امر فاردد اليها درهمها وخذ التمر فقام اليه الرجل فلكزه فقال الناس : هذا امير المؤمنين فخاف الرجل واصفر لونه واخذ التمر ورد الدرهم ثم قال : « يا امير المؤمنين ارض عني » فقال عليه‌السلام ما ارضاني عنك ان انت اصلحت امرك وفي رواية اخرى : اذا وفيت الناس حقوقهم » ومنها انه دعا غلاما له مراراً فلم يجبه فخرج فوجده على باب البيت فقال : « ما حملك على ترك اجابتي »؟.

فقال : « كسلت عن اجابتك وامنت عقوبتك فقال عليه‌السلام : « الحمد لله الذي جعلني ممن يأمنه خلقه امض فأنت حر لوجه الله ».

__________________

(١) سورة المؤمنون ، آية : ٩٦.

١٨٠