من وحي الإسلام - ج ٢

الشيخ حسن طراد

من وحي الإسلام - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن طراد


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٢٨
الجزء ١ الجزء ٢

دروس توجيهية من صلح الإمام الحسن ( ع )

الدرس الاول : في تحديد الميزان الشرعي السليم الذي يعتمد عليه لمعرفة مشروعية الحرب ورجحانها وعدم ذلك وبعد التأمل في روح التشريع الإسلامي وفلسفة احكامه التي شرعت من اجل خدمة الإنسان ية بتحصيل المنافع لها ودفع الاضرار عنها.

اجل : بعد التأمل في ذلك ندرك ان الميزان في مشروعية الحرب ورجحانها هو ترتب ما يعود على الدين بالسلامة وعلى الامة بالعزة والكرامة وعلى الوطن بالاستقلال والحرية فلا يخضع اهله الا لله سبحانه وشرعه العادل الكامل في كل المجالات وبكل التصرفات ـ وعليه فأي حرب تنتج ذلك تكون مشروعة وراجحة وربما تصبح واجبة كما هو الغالب في اكثر الموارد ـ بالوجوب الكفائي ـ وقد يتحول الى وجوب عيني في حق بعض الاشخاص الذين يكون له دور بارز واثر بليغ في انتزاع النصر والانتصار على الاعداء في ساحة المواجهة.

وكل ما يبذل في هذا السبيل يعتبر مبذولا في سبيل الله فإن كان المبذول نفسا ـ كان الباذل شهيدا مستحقا ما اعطاه الله سبحانه له من المنزلة الرفيعة في الدنيا بحيث يصبح معها حيا خالدا لا ينطبق عليه عنوان الميت في المنظور القرآني والمنطق الإسلامي القائل :

( ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون ) (١).

__________________

(١) سورة آل عمران ، آية : ١٦٩.

١٤١

والقائل :

( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله اموات بل احياء ولكن لا تشعرون (١٥٤) ) (١).

مضافا الى ما يناله في الآخرة من النعيم الخالد والسعادة الدائمة ورضوان من الله أكبر.

وكذلك كل ما يبذل في السبيل المذكور من المال ونحوه يعتبر مبذولا في سبيل مرضاة الله سبحانه بحيث يكون من مصاديق الجهاد في سبيل الله بالمال وهو ما صرح الله به في قوله تعالى :

( يايها الذين آمنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم (١٠) تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وانفسكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون (١١) ) (٢).

وقوله تعالى :

( * إن الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التورات والانجيل والقران ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم (١١١) ) (٣).

واذا لم تكن الحرب راجحة بالميزان المذكور وللهدف المذكور ـ بأن كان الظرف حسنيا لا حسينيا ومكيا لا مدنيا ـ فلا تكون مشروعة بل تصبح محرمة اذا ترتب عليها اضرار جسيمة في الانفس والاموال من دون ترتب اثر ايجابي وهدف شرعي عقلائي.

وذلك لان الحرب لم تشرع في الإسلام الا لدفع خطر جسيم او لتحصيل نفع عظيم يفوق ما يبذل من الانفس والاموال في هذا السبيل كما تقدم وبدون ذلك تكون لغواً والقاء للانفس في التهلكة وصرفا للطاقات

__________________

(١) سورة البقرة ، آية : ١٥٤.

(٢) سورة الصف ، آية : ١٠ و ١١.

(٣) سورة التوبة ، آية : ١١١.

١٤٢

المادية والمعنوية ـ وهي ملك الله سبحانه في غير مرضاته وهذا هو السبب الذي اقتضى ان يقعد الإمام الحسن عليه‌السلام عن القتال.

كما ان دفع الضرر الجسيم والخطر العظيم الذي كان متوقعا حصوله للرسالة والامة لو استقر نظام بني امية ـ في الوجود هو الذي كان المبرَر الشرعي والعقلائي لان ينهض الحسين عليه‌السلام بثورته المباركة في سبيل حفظ الدين من الانهيار والمحافظة على معطياته الايجابية الكثيرة والكبيرة التي ترتبت عليه منذ بزغ فجر رسالته الخالدة المنقذة واستمرت معه جنبا الى جنب في كل القرون التي سلفت وستبقى ملازمة له ملازمة النور والحرارة للشمس ـ وان اختلفت في النوعية والكمية تبعا لاختلاف الظروف الموضوعية والعوامل الخارجية التي تؤثر سلبا وايجابا بحسب طبيعة المرحلة كما هو المعلوم.

والشاهد التاريخي الواضح على هذه الحقيقة الموضوعية هو الازدهار والانتشار الذي حصل للرسالة الإسلامية المباركة في زمن الإمامين الباقر والصادق عليهم‌السلام الامر الذي سبب انتساب المذهب والطائفة الشيعية الى الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام فقيل المذهب الجعفري والطائفة الجعفرية.

الثاني من الدروس التي تستلهم من قضية مصالحة الإمام الحسن عليه‌السلام لمعاوية هو درس في التنسيق والتفاهم على موقف موحد تملية المصلحة الإسلامية العليا ـ كما اتفق بين الإمامين العظيمين الحسن والحسين عليهم‌السلام حيث رجحا معا التوقف عن الحرب بانتظار سنوح الفرصة وعدم المغامرة بالاستمرار عليها مع ظهور العلامات الكثيرة المنذرة بالفشل وعدم ترتب اي اثر ايجابي عليه ـ اي على الاستمرار ولم يكن اتفاق الرأي وتوحيد الموقف بين الإمامين عليهما‌السلام من جهة العصمة بل من جهة الوعي والحكمة التي تقتضي التدبر والنظر الى القضايا بعين البصيرة النافذة التي تنظر الى الحاضر وملابساته والمستقبل ومعطياته.

والجهة التي يتوقع استفادتها هذا الدرس ـ هي الرموز القيادية التي

١٤٣

تتحمل مسؤولية قيادة الشعب والسير به نحو اهدافه النافعة مع تجنب كل المغامرات التي تبعده عن هذه الاهداف وتوقعه في متاهات خطيرة ومضاعفات سلبية كثيرة.

وحيث ان التنسيق في المواقف واتخاذ القرارات الجادة يؤدي الى توحيد الموقف المثمر لكل خير والمنجي من سلبيات التصادم وسوء التفاهم ـ فلا بد من التضحية في سبيل انجازه وذلك بالتنازل عن بعض الخصوصيات التي يؤدي التقيد بها والوقوف عندها ـ الى اهتزاز الموقف وضعف الصف والذي يساهم في تحقق التضحية والتنازل هو الاخلاص لله سبحانه ووضع المصلحة العليا التي يثمر تحقيقها رضا الله سبحانه ونفع الامة فوق كل اعتبار.

ولذلك أمر الله سبحانه بالاعتصام بحبل الوحدة ونهى عن التفرق بقوله تعالى :

( واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا ) (١).

كما نهى عن التنازع لانه يؤدي الى الضعف والفشل في تحقيق هدف النصر وغيره من الاهداف الكبيرة التي تتوقف على التعاون والتضامن وذلك بقوله تعالى :

( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين (٤٦) ) (٢).

وارشد الله سبحانه الى الاسلوب الراجح الناجح المساعد على حل التنازع بهدوء وحكمة وهو رده الى الله سبحانه ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليكون الحل السليم على ضوء الشرع الحكيم وذلك بقوله تعالى :

__________________

(١) سورة آل عمران ، آية : ١٠٣.

(٢) سورة الانفال ، آية : ٤٦.

١٤٤

( يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأُولي الامر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تأويلا (٥٩) ) (١).

الثالث درس في اعتماد الرأي والتدبير السياسي وحمله سلاحا معنويا في ساحة المواجهة قبل نشوب الحرب العسكرية اذا امكن الاكتفاء به لدفع الاخطار المتوقعة او بعد نشوبها اذا كان الاستمرار عليها مؤديا الى مضاعفات سلبية كبيرة وخطيرة كما حصل مع الإمام الحسن عليه‌السلام حيث وافق على الصلح ضمن تلك الشروط المعهودة مدخلا في حسابه حصول احدى الحسنيين اللتين مرت الاشارة اليهما سابقا بعد يأسه من جدوى الاستمرار على الحرب العسكرية المادية.

واخيرا نجحت الخطة وادى الصلح هدفه وهو حفظ حياة الحسين وبقاؤه الى الظرف المناسب مع تعرية الخصم وظهوره على حقيقته اللاإسلامية امام الرأي العام عندما نكث بالعهد وخالف الشروط المتفق عليها وفي ذلك مخالفة صريحة لقوله تعالى :

( يا ايها الذين آمنوا اوفوا بالعقود ) (٢).

وقول الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المؤمنون عند شروطهم ».

وقد انضم الى مخالفته للشرع بصراحة ووقاحة ـ تنصيبه ولده يزيد المعروف بالاستهتار والفسق والفجور كما وصفه الحسين عليه‌السلام بعد ذلك.

فمجوع الامرين المذكورين مخالفة الشروط الشرعية وتنصيبه نغله يزيد خليفة ـ للامة الإسلامية ـ كشفه وعراه على حقيقيته اللاإسلامية وهيأ الارضية الصالحة لان تزرع فيها شجرة الثورة الحسينية بعد ذلك وتسقى بالعرق والدماء وبكل انواع التضحية والفداء من اجل ان تثمر الحرية والعزة والكرامة

__________________

(١) سورة النساء ، آية : ٥٩.

(٢) سورة المائدة ، آية : ١.

١٤٥

في ظل شريعة العدالة والرحمة.

وقد اشار الشاعر الى دور سلاح الرأي السديد والتخطيط السياسي المفيد في انتراع النصر باسلوب لا يتحقق بدونه وذلك بقوله :

الرأي قبل شجاعة الشجعان

هو اول وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفس حرة

بلغت من العلياء كل مكان

هذا ما سمحت الفرصة للتحدث به حول شخصية الإمام الحسن عليه‌السلام بمناسبة ميلاده المبارك.

١٤٦

قصيدة من وحي ميلاد الإمام الحسن ( ع )

ويسرني ان اختم الحديث عنه بذكر مقدار من قصيدة نظمتها سابقا بوحي من مناسبة عيد ميلاده السعيد.

وذلك في ١٧ / ٣ / ١٩٩١ م و ١٥٠/ ٩ / ١٤١١ هـ. وهي كما يلي :

بسنا الهدى والحق اشرق مــولد

للسبط توجه العـلى والــسؤدد

وسما الى افق الخلــود جـلالة

فغدا يقوم له الزمان ويــــقعد

هو قمة المــجد الاثـيل وذروة

الشرف الاصيل بلا خلاف يوجد

لم لا ووالده الوصــي وامــه

فخر النساء وجده هـو أحــمد

ورث الفضائل كلها فغدا الافاضل

كلهم في شخـصه تتــجــسد

هو أحمد برشاده هــو حــيدر

بجهاده وهو الحـسين الامــجد

وهو الأئمة من أخـيه تــحدروا

نسباً به يسمو العـلاء ويـصعد

بعلومه انكشف الضلال واشرقـت

شمس الكـمال بــنوره تـتوقد

وبجوده انحسر الشقاء وامـطرت

سحب الندى تروي الظماء وترفد

وبحلمه رد السفاهة مـن فتــى

اضحى على شرع السما يتمـرد

وبصلحه حقن الدماء واصبـحت

سبل الجهاد لمـا يريد تمـــهد

لولاه ما انتـفض الحسين محـققا

بنضـاله ما يــبتغيه وينــشد

بالرأي يدرك عــاقل مــتبصر

يوم الوغى ما لا يفيــد مهــند

والحق مـيزان لنـصر حــاسم

بجسامه يطوى الهـوى ويــبدد

هذا الحسين وقد قضى يوم الوغى

ظلما وعزله النـصير المنــجد

١٤٧

لكنه قتل الـعدو بموقـف

حق به يحمى الهدى ويشيد

وبعد الفراغ من الحديث عن شخصية الإمام الحسن عليه‌السلام بمناسبة ولادته في النصف من شهر رمضان المبارك.

يأتي دور الحديث عن معركة بدر الكبرى لوقوعها في السابع عشر من هذا الشهر المبارك من السنة الثانية للهجرة النبوية وقد ترجح عندي ان انقل نص الكلمة التي كتبتها حول هذا الموضوع واذيعت عبر الاذاعة اللبنانية ليلة السابع عشر من الشهر الميمون سنة ١٤٠٧ هـ. وهي كما يلي

١٤٨

حديث من وحي معركة بدر

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

والصلاة والسلام على اشرف الخلق وسيد المرسلين نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين.

والسلام عليكم ايها المستمعون الكرام ورحمة الله وبركاته.

وبعد :

قال الله سبحانه وتعالى :

( ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون (١٢٣) ) (١).

إخوتي الاعزاء : ما امس حاجتنا اليوم ونحن نعيش نفحات هذا الشهر المبارك شهر النصر المبين والفتح العظيم ان نعيش اجواء معركة بدر الكبرى من جديد بالعودة فكريا وروحيا الى ذلك اليوم التاريخي المجيد لنستاف شذاه العاطر ونقتبس من سناه الزاهر فنستمد من ذلك الشذا الفواح والسنا الوضاح قوة روحية ومددا معنويا في معاركنا العديدة التي نخوضها هنا وهناك دفاعا ودفعا لاعدائنا الذين يشنون ضدنا اشرس حرب عرفها التاريخ لا لشيء الا لاننا ابينا ان نركع الا الله سبحانه ورفضنا ان نعطي بأيديها اعطاء الذليل ونقر لهم اقرار العبيد مترسمين بذلك خطى سيد الشهداء الحسين عليه‌السلام مرددين شعار الحرية وانشودة الإباء التي اطلقها في اجواء عاشوراء قائلا : هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت ونفوس ابية وانوف حمية من ان نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.

وقد نشأ من طغيان هؤلاء الظالمين الذين مثلوا من جديد دور ابي لهب وابي جهل وامية بن خلف واتباعهم ـ ودور يزيد وعبيد الله بن زياد بعد ذلك.

__________________

(١) سورة آل عمران ، آية : ١٢٣.

١٤٩

أجل : لقد نشأ من تمثيل هؤلاء الطغاة المعتدين دور اولئك الظالمين المستكبرين في التاريخ ـ تمثيلنا لدور الرسالة الابية الرافضة لكل اشكال الظلم والاضطهاد عبر حماتها الابطال وفي طليعتهم الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واهل بيته عليهم‌السلام.

وقد ترتب على تمثيلنا لهذا الدور الابي ووقوفنا في وجه طغاة العصر ـ اكثر من معركة حملت كل واحدة منها في طيها اسباب ومنطلقات واهداف معركة بدر وأُحد والاحزاب وخيبر وغيرها مما حصل في عهد الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المعارك الدامية ونظيرها ما حصل بعد ذلك في عهد الإمام علي عليه‌السلام كمعركة الجمل وصفين والنهروان وبعد ذلك كربلاء الثورة والإباء في عهد سيد الشهداء الإمام الحسين عليه‌السلام.

وعلى هذا فنحن نخوض هذه المعارك كلها من جديد لنفس الاهداف التي جاهد الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واهل بيته بعده ـ من اجلها وهي صون الرسالة من الانهيار والامة من الانحراف والفضيلة والرشاد من الذوبان في بوتقة الفساد والافساد.

واذا اخذنا بالمقياس الصحيح والميزان الحقيقي للنصر الواقعي نحرز توفره لجبهة الحق المتمثلة بالرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واهل بيته عليهم‌السلام والسائرين على نهجهم من المسلمين الاحرار والمجاهدين الابرار ـ على جبهة الباطل المتمثلة بأعدائهم عبر التاريخ حتى في المعارك التي حرمت فيها جبهة الحق من النصر العسكري بسبب عدم تكافؤ بين الجبهتين في الميزان المادي ـ وذلك لان نفس ثبات هذه الجبهة المحقة ـ على مبدئها وتصديها للدفاع عنه بدافع تأدية الواجب المقدس الملقى على عاتقها من قبل الله سبحانه ـ يعتبر نصرا معنويا كبيرا وربحا اخرويا عظيما وفي المقابل يعتبر انحراف اتباع الباطل عن منهج الحق ومحاربتهم لانصاره هزيمة روحية وانتحارا معنويا يصبح به اهله موتى الاحياء بسبب موت ضمائرهم وقلوبهم ليصبحوا بذلك مصداقا لقول الشاعر :

١٥٠

ليس من مات فاستراح بميت

إنما الميت مـيت الاحيــاء

إنما الميت من يعيـش كئيبا

كاسفا باله قلـيل الرجــاء

وبهذا وذاك ندرك انا نحن السائرين على خطى الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم6 وأهل بيته عليهم‌السلام والتابعين لهم بإحسان منتصرون معنويا على كل اعدائنا في كل الجبهات والمعارك التي حركوها ضدنا هنا في لبنان وفلسطين وهناك في ايران وافغانستان وفي كل مكان يتصارع فيه المبدأ الحق وانصاره والمبدأ الباطل واتباعه والمطلوب منا نحن المسلمين وجميع المستضعفين ان نطور النصر المعنوي الى نصر عسكري مادي نستطيع من خلاله اقامة نظام الحق والعدل والمساواة بين جميع ابناء المجتمع بغض النظر عن الفوارق الدينية والمذهبية والسياسية.

وقد فرض الله سبحانه الجهاد وحث الامة على تطبيق نظامه ابتداء من اجل نشر نور العدل والاحسان في كل مكان باعتبار ان ذلك هو الهدف الاساسي من انزال الله الشرائع وارسال الانبياء وخصوصا الشريعة الاخيرة الخاتمة الكاملة وخصوصا الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث جاء ليتمم مكارم الاخلاق وليكون رحمة للعالمين ـ وكذلك الجهاد الدفاعي فهو لم يشرع الا من اجل الدفاع عن كرامة الإنسان وقداسة الاديان وحرية الاوطان ودفع الاضرار عن كل المظلومين المستضعفين في العالم وقد اعتبر الإسلام الجهاد من اجل تحقيق الاهداف الرسالية الإنسان ية التي شرع من اجلها ـ جهادا في سبيل الله وان تحقيق هذه الاهداف نصر لله سبحانه وعد المحققين له من المجاهدين بالنصر المؤزر في الكثير من آيات كتابه الكريم.

منها قوله تعالى :

( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم (٧) )(١).

__________________

(١) سورة محمد ، آية : ٧.

١٥١

وقوله تعالى :

( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (٤٠) ) (١).

وحيث شاءت الحكمة الإلهية ان تدرك المسببات بأسبابها العادية فلا بد من توفير اسباب النصر الذي هو امنية المؤمنين الحريصين على ان تبقى كلمة الله هي العليا وكلمة الباطل هي السفلى حتى لا يتحقق منهم خضوع الا لارادة الله سبحانه كما شاء سبحانه لهم واراد منهم لان الخضوع له وحده هو عين العزة والكرامة والسمو والرفعة ومصدر الرخاء والسعادة.

والاسباب التي تساهم في انتزاع النصر في ساحة الصراع الفكري او العسكري ـ عديدة اهمها بالنسبة الى النصر الفكري ـ ما يلي :

١ ـ الدراسة الموضوعية الواعية للرسالة الإسلامية والاحاطة بالبراهين الفطرية والعلمية التي توجب العلم الجازم بأصول الدين المعهودة وتزيل الشبهات والشكوك التي اثيرت او تثار حولها من قبل اعداء الإسلام وكذلك يطلع على الادلة الصحيحة الدالة على ان الشريعة الإسلامية هي اصلح نظام يحقق للمجتمع اهدافه وتطلعاته في كل مجالات حياته.

٢ ـ ان تكون هذه الدراسة بقصد التقرب الى الله بتأدية اهم الواجبات الشرعية التي يجب على كل مكلف ان يقوم بها لان هذا القصد مع الاخلاص لله تعالى يساعد على التوفيق لتحصيل العلم بما يجب او يستحب للمكلف ان يحصله كما هو واضح.

٣ ـ التطبيق العملي لكل الاحكام الشرعية وامتثالها على الوجه المطلوب مهما كلف ذلك من تضحيات وصعوبات ما لم يصل الى مرحلة الضرر او الحرج الشديد القريب منه ـ فإذا توفرت هذه الاسباب للشخص الذي يخوض معركة الصراع الفكري مع اعداء الرسالة الإسلامية يظفر بالنجاح

__________________

(١) سورة الحج ، آية : ٤٠.

١٥٢

والتغلب على خصومه في هذه المعركة الفكرية ويشهد بهذه الحقيقة الايمانية الموضوعية الانتصارات الكثيرة التي ظفر بها انصار الحق في العقيدة والحق في النظام والشريعة الصالحة المنبثقة من العقيدة الصحيحة ـ على خصومهم في التاريخ ـ والاحتجاج بكلا جزئية للطبرسي ـ حافل بذلك واما اسباب النصر العسكري فعديدة ايضا واهمها ما يلي :

١ ـ القيادة الرسالية الحكيمة الشجاعة المخلصة لله سبحانه في النية والقصد وللهدف ببذل كل الجهود التي تتطلبها الساحة النضالية.

٢ ـ توفر الجنود المؤمنين بالله سبحانه والمتوكلين عليه والمخلصين له في النية والقصد والمطيعين للقيادة الشرعية الحكيمة التي تمثل اطاعتها والعمل بتوجيهاتها ـ الاطاعة لله سبحانه بحيث تكون هذه الاطاعة من مصاديق نصر الله سبحانه الذي وعد بالمكافأة عليه بنصر من عنده تعالى كما هو نص الآيتين السابقتين وهذا يقتضي ان تكون القيادة شرعية مستمدة سلطتها من الشرع الحنيف كما هو مضمون السبب الاول الذي عبرنا عنه بالقيادة الرسالية.

٣ ـ توحيد الصف بين جميع الاطراف والافراد الذين يهمهم امر النصر ، والانتصار على الاعداء وذلك بغض النظر عن الخلافات الدينية والنزاعات المذهبية والصراعات السياسية الهامشية والتقاء الجميع تحت راية القواسم المشتركة التي تهم الجميع.

والوجه في تأثير السبب الاخير في انتزاع النصر ـ واضح ـ لان الوحدة تسبب القوة والقدرة على تحقيق هدف التغلب على الخصم ـ وعلى العكس من ذلك الشرذمة والانقسام فهي تسبب ضعف الصف المجاهد وقوة الطرف المقابل بطريق غير مباشر ـ كما هو الحاصل فعلا بين العدو التاريخي الغاصب للاراضي الإسلامية والمدنس لمقدساتها رغم قلته عدداً وكثرة العرب والمسلمين كما وعُددا كل ذلك لانهم تأثروا بالسياسة الاستعمارية القائمة على اساس بث الفتن وتحريك النعرات الطائفية والمذهبية عملا بسياستهم

١٥٣

المعهودة التي مثلوها بشعارهم الاستعماري القائل : ( فرق تسد ).

وبذلك يظهر السر في أمر الله سبحانه الامة الإسلامية باعتصامها بحبل الله الواحد ونهيها عن التفرق بقوله سبحانه :

( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) (١).

كما نهاها عن التنازع المؤدي الى الضعف والفشل في تحقيق هدف النصر وغيره من الاهداف الرسالية التي لا تتحقق الا بالتضامن والتعاون وذلك بقوله تعالى :

( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين (٤٦) ) (٢).

وبين سبحانه الوسيلة الناجحة والراجحة التي تساعدهم على حل النزاع الحاصل ـ على اساس العدل والحكمة ومراعاة المصلحة العامة التي هي محل اهتمام الجميع وذلك بقوله سبحانه :

( يايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأُولي الامر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تأويلاً (٥٩) ) (٣).

فقد اشتملت هذه الآية المباركة على الامر بما يكون وقاية من حصول الخلاف والتنازع غالبا ـ وهو اطاعة الله سبحانه والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأُولي الامر وهم اهل بيته عليهم‌السلام باعتبار ان اطاعتهم تعتبر اطاعة لله سبحانه ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو واضح وهي بطبعها اذا تحققت تقي افراد الامة من الصراع والتنازع غالبا كما اشتملت هذه الآية على ما يكون علاجا ناجحا ونافعا لازالة آثار التنازع السلبية ـ على تقدير حصوله ـ وهو رده الى الله سبحانه ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهذا عبارة عن الرجوع الى الشرع الإسلامي المقدس لحل المشكلة العارضة

__________________

(١) سورة آل عمران ، آية : ١٠٣.

(٢) سورة الانفال ، آية : ٤٦.

(٣) سورة النساء ، آية : ٥٩.

١٥٤

وحسم النزاع الطارىء لانه شرع الله العادل الكامل الذي بعث به رسوله الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليقدم لكل موضوع حكمه ولكل مشكلة حلها ولكل حاجة حياتية قضاءها.

تحصل مما ذكر مؤخرا للنصر العسكري اسبابه الكثيرة واهمها ثلاثة وهي القيادة الشرعية الحكيمة الشجاعة والجندية الوفية المخلصة المطيعة والوحدة الإسلامية الجامعة لكل الاطراف والافراد تحت راية كلمة التوحيد تميهدا لتوحيد الكلمة.

والشواهد التاريخية والارقام الواقعية تثبت بوضوح مدى تأثير توفر الشروط الثلاثة المذكورة في انتزاع النصر على الاعداء وصون الرسالة والامة من الظلم والاعتداء.

فبانقياد المهاجرين والانصار من المسلمين لتوجيهات القائد الاعظم والرسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وقعة بدر واتحاد كلمتهم ـ كان الانتصار الحاسم في هذه المعركة التاريخية.

وبانقياد اصحاب الحسين عليه‌السلام وثباتهم على موقفهم وابدائهم الاستعداد الاقصى لبذل اعظم التضحيات في سبيل نصر المبدأ والرسالة هو الذي شجعه على الانطلاق الى المعركة لكسب النصر المعنوي تمهيداً لانتزاع النصر العسكري بعد ذلك.

وما أمس حاجتنا نحن المسلمين وجميع المواطنين في لبنان الى نبذ جميع خلافاتنا الجانبية الداخلية وتوحيد صفنا الإسلامي والوطني على صعيد الوطن الواحد من اجل حشد كل الطاقات المادية والمعنوية في معركة التحرر وتقرير المصير التي تخوضها اليوم مقاومتنا الرسالية البطلة على صعيد الجنوب والبقاع الغربي من اجل تحرير الارض واستعادة العزة والكرامة الإسلامية والإنسان ية هذا حاصل ما اقتضت المصلحة نقله من الكلمة واذيعت سابقا في شهر رمضان المبارك قبل عشر سنوات تقريبا من وحي معركة بدر

١٥٥

وقد حذفت مقدارا منها واضفت مقدارا اليها تمشيا مع مقتضيات المرحلة الراهنة.

أبيات شعرية من وحي الوحدة ومعركة بدر

يسرني ان اختم هذه الكلمة بأبيات نظمت سابقا حول موضوع الوحدة وحررتها في الجزء الاول من كتابي ( من وحي الإسلام ) وهي كما يلي :

بالوحدة العصماء يبتسم الغد

وننال ما نصبو اليه ونـنشد

في ظلها الطاقات تحشد كلها

ليقوم صرح بالوفاق مشـيد

الجمع يدرك بالتعاون دائـماً

ما يبتغيه وليس ينجح مـفرد

كلتا اليدين تصفقان لمـأرب

يُجنى ولا تستطيع تصفيقا يد

كما يسرني نقل المقطوعة الشعرية التي نظمت بمناسبة عيد النصر الذي ظفر به الإسلام بقيادة رسوله الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبطولة الإمام علي عليه‌السلام في معركة بدر الكبرى وكان نظمها في السابع عشر من رمضان وهو يوم عيد الانتصار من (١) سنة ١٤١٤ هـ الموافق ٢٧ ـ ٢ ـ ١٩٩٤ م وهي كما يلي :

( بدر ) أطلت كوكبا ســيارا

يحمي الهدى ويحطم الكـفارا

والقائد الاعلى النـبي محــمد

يدعو لخوض غمارها الكرارا

ليحطم الشرك العنـيد بهــمة

علوية تستوجب الاكـــبارا

ويظل دين محمد عبر المـدى

فجرا يبث على الورى الانوارا

ليحققوا في حاضر هدف السما

منهم ويحيوا بالهدى احـرارا

وبعد الفراغ من الحديث عن الشخصيات الرسالية الثلاث ابي طالب رضوان الله عليه وخديجة ام المؤمنين رحمة الله عليها والإمام الحسن عليه‌السلام.

__________________

(١) هذه سنة النظم واما سنة المعركة فهي الثانية من هجرة الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

١٥٦

حديث حول شخصية الإمام علي ( ع )

يأتي دور الحديث عن الشخصية الفذة التي ذابت في الإسلام فكرا وعاطفة وعملا فكانت اسلاما عمليا متحركا على صعيد الحياة الخارجية كما ذابت في الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حبا وقربا وتجاوبا وسلوكا فكانت محمدا الثاني الذي خلقه الله سبحانه ورعاه بعين عنايته الفائقة ليكون صورة اخرى عن رسوله الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويكون وحده المتعين لان يكون خير خليفة وخلف لخير سلف بدون حاجة الى ورود نص ونقل بعد وضوح الحقيقة في نظر الوجدان السليم وشهادة العقل.

وقد عبر الله سبحانه عن تلك الوحدة الرسالية التي صهرت هاتين الشخصيتين في بوتقة الرسالة الواحدة وذلك بآية المباهلة وهي قوله تعالى :

( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين (٦١) ) (١).

وقد اتفق المفسرون على ان هذه الآية الكريمة قد نزلت في اربعة من اهل البيت عليهم‌السلام حيث ورد في التفسير ان المراد من الابناء الحسنان ومن النساء فاطمة الزهراء ومن انفسنا ـ علي عليه‌السلام.

وقبل الشروع بالحديث عن شخصية الإمام علي عليه‌السلام احب ان اشير الى تحقق صدفة موفقة وحاصلها انه عندما فرغت من الحديث حول الشخصيات الثلاث المتقدمة واردت الشروع بالحديث عن شخصية الإمام علي عليه‌السلام صادف ذلك في اليوم الثالث عشر من رجب وهو نفس يوم ولادته المباركة قبل بعثة الرسول الاعظم بعشر سنوات على المشهور وشاء الله سبحانه ان تحصل هذه الصدفة ليكون خروج فكرة الحديث عن هذه الشخصية

__________________

(١) سورة آل عمران ، آية : ٦١.

١٥٧

العظيمة ـ من عالم النظرية والفكر الى عالم الوجود والتطبيق ـ مقترنا بتاريخ خروجها من عالم الرحم الى دنيا الوجود.

وحيث كان هذا الإمام العظيم قرآنا ناطقا كما وصف نفسه يوم صفين وكما تحدث عنه الرسول الاعظم بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي مع القرآن والقرآن مع علي يدور معه حيثما دار ـ كان نفس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنص آية المباهلة المتقدمة ـ يكون الحديث عنه تفسيرا للقرآن الناطق وتوضيحا لآياته المباركة كما يكون ترجمة لحياة الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن اجل توضيح ما ذكرته في حقه من جهة توجه الرعاية الإلهية والعناية السماوية بذاته المقدسة ليكون كما اراد الله له ان يكون محمداً الثاني فلا بد من ان يكون الحديث عن شخصيته الفذة منطلقا معه منذ البداية وقبل خروجه من عالم الرحم الى عالم الوجود الخارجي ـ وبعد ذلك ابتداء من اول يوم من ايام ولادته والى يوم شهادته لندرك سر العظمة في شخصية هذا الإمام العظيم.

فأقول : حيث اراد الله سبحانه ان تتحقق الغاية السامية التي خلق الكون والإنسان من اجلها وهي عبادته على الوجه الافضل الاكمل ـ فقد هيأ الوسائل والاسباب التي تساعد على تحققها كما اراد سبحانه واهم هذه الوسائل وابرزها إنزال الرسالة الافضل والاكمل على الرسول الافضل الاكمل بلحاظ البداية.

ووجود الشخصيات الافضل الاكمل من جميع الجهات بعد الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتنوب عنه وتمثل دوره في تحقيق الغاية الفضلى على الوجه الافضل.

ومن المعلوم ان الله سبحانه اذا اراد أمراً هيأ اسبابه وقد اوجد الاسباب التي يتوقف عليها تحقق الغاية المذكورة على الوجه المذكور فأنزل الرسالة الاكمل والافضل من كل الرسالات التي سبقتها بدليل انها انزلت لتغني عنها ولتطبق في كل العصور الى يوم القيامة بينما كانت السابقة محدودة الزمان والإنسان كما هو المعلوم ـ وذلك يعبر عن افضلية الرسول الاخير الخاتم من

١٥٨

جميع الانبياء والرسل السابقين ليكون هناك تناسب بين الرسالة الافضل وشخصية الرسول الذي بعث بها لتكون رحمة للعالمين وقد نبه على هذه الافضلية في الكثير من الآيات والعديد من الروايات المعتبرة المؤيدة لحكم العقل السليم الذي يحكم بضرورة التناسب والتكافؤ بين قيمة الرسالة وشخصية الرسول وذلك لان الدين السماوي يمثل المدرسة الإلهية وتعاليمه تمثل الدروس والمنتمون الى هذه المدرسة من المسلمين يمثلون طلاب مدرستها ـ ومن الواضح الملموس بالوجدان ان الدروس الارقى لا بد ان يناط القاؤها بالاستاذ الافضل الارقى ليستطيع ان يقوم بدور التدريس على الوجه المطلوب المحقق للغاية المنشودة من تأسيس المدرسة وانزال الدروس وتسجيل الطلاب واختيار الاساتذة ليقوموا بدور التدريس والتفهيم المحقق للهدف المقصود.

وبذلك يعرف بحكم العقل السليم والوجدان المستقيم ضرورة ان يكون من ينوب عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويمثل دوره الرسالي بالتدريس والتوضيح ـ افضل اهل زمانه كما كان الرسول في عصره وذلك من اجل ان يكون قادرا على تفهيم الاحكان وإنارة العقول والافهام وكشف الشبهات والاوهام التي تثار بين الحين والاخر حول الرسالة الإلهية بأصولها العقائدية الحقة المعهودة والتشريعات السماوية القائمة عليها ـ وقد اثيرت الشكوك والشبهات سابقا ولا تزال تثار حولها لاحقاً من قبل الكفار الملحدين والمشركين ويلحق بهم المنافقون وكان كل واحد من اهل البيت المعصومين يتصدى لدفع هذه الشبهات وخصوصا الإمام الصادق عليه‌السلام حيث ظهرت في عهده موجة الزندقة والتشكيك وكان عليه‌السلام واقفا بالمرصاد يجيب على كل سؤال ويدفع كل اشكال وكتاب الاحتجاج حافل بالمناظرات والاحتجاجات التي كان اهل البيت عليهم‌السلام يتصدون فيها للمناقشة والاجابة العلمية السديدة المفيدة.

وكذلك العلماء الاجلاء الذين تخرجوا من مدرسة اهل البيت الفكرية

١٥٩

والفقيهة ـ قد مثلوا دور الأئمة المعصومين ونابوا عنهم في توضيح الحقائق في العقيدة والشريعة وما يتعلق بها ودفعوا الشبهات التي اثيرت حولها بأدلة قاطعة وبراهين ساطعة في السابق واللاحق.

وقد نوه الله سبحانه في كتابه الكريم بالعديد من الآيات البينات على فضل اهل بيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمو منزلتهم وتفوقهم على غيرهم من اجل ان يلفت الانظار اليهم ويبين للآخرين انهم حججه على خلقه ومرجع الامة بعد رحيل نبيه الاعظم الى جواره المقدس ـ كما نوه الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشأنهم الرفيع وانهم خلفاؤه الشرعيون الذين يجب على الامة ان ترجع اليهم وتعتمد في قضاياهم الشرعية عليهم ـ ومن المعلوم ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينطق عن الهوى ـ لذلك يكون ارجاعه الناس الى اهل بيته بعده راجعا الى أمر الله سبحانه وارشاده وفيما يلي بعض الايات الدالة على قيادتهم الشرعية الثابتة لهم بعد جدهم الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعض الروايات الواردة في هذا المجال إما تفسيرا لآية واردة في حقهم عليهم‌السلام او بيانا مستقلا مؤكدا للنص المفسر ولحكم العقل المستقل بضرورة الرجوع الى القائد الشرعي الذي تتوفر فيه كل شروط القيادة الشرعية وتندرج كلها بعنوانين وشرطين رئيسيين هما العصمة والتجرد من كل نقص والاعلمية من كل ابناء العصر ـ كما كان ذلك معتبرا في شخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيلزم اعتباره وتوفره فيمن ينوب عنه من اجل ان تتم الحجة وتتحقق الغاية المنشودة من إنزال الرسالة وبعثة الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما سبق.

من الايات الواردة لبيان المرجعية والقيادة الشرعية لاهل بيت الرسول بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية التطهير.

وهي قوله تعالى :

( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) (١).

__________________

(١) سورة الاحزاب ، آية : ٣٣.

١٦٠