الميزان في تفسير القرآن - ج ١٧

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي

الميزان في تفسير القرآن - ج ١٧

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٥
الصفحات: ٤٠٨

المؤمن ـ فذهب معه إلياس صونا له من غضب الملك ـ لكن الله سبحانه أمات ابنه فشغله حزنه عن إلياس ـ فرجع سالما.

ثم لما طال الأمر ـ نزل إلياس من الجبل ـ واستخفى عند أم يونس بن متى في بيتها ـ ويونس طفل رضيع ـ ثم خرج بعد ستة أشهر إلى الجبل ثانيا ـ واتفق أن مات بعده يونس ـ ثم أحياه الله بدعاء إلياس بعد ما خرجت أمه في طلبه ـ فوجدته فتضرعت إليه ـ.

ثم إنه سأل الله أن ينتقم له من بني إسرائيل ـ ويمسك عنهم الأمطار فأجيب ـ وسلط الله عليهم القحط فأجهدوا سنين ـ فندموا فجاءوه فتابوا وأسلموا ـ فدعا الله فأرسل عليهم المطر فسقاهم وأحيا بلادهم ـ.

فشكوا إليه هدم الجدران وعدم البذر من الحبوب ـ فأوحى إليه أن يأمرهم أن يبذروا الملح ـ فأنبت لهم الحمص وأن يبذروا الرمل ـ فأنبت لهم منه الدخن ـ.

ثم لما كشف الله عنهم الضر نقضوا العهد ـ وعادوا إلى أخبث ما كانوا عليه ـ فأمل ذلك إلياس فدعا الله أن يريحه منهم ـ فأرسل الله إليه فرسا من نار ـ فوثب عليه إلياس فرفعه الله إلى السماء ـ وكساه الريش والنور فكان مع الملائكة ـ.

ثم سلط الله على الملك وامرأته عدوا ـ فقصدهما وظهر عليهما فقتلهما ـ وألقى جيفتهما في بستان ذلك الرجل المؤمن ـ الذي قتلاه وغصبوا بستانه.

وأنت بالتأمل فيما تقصه الرواية لا ترتاب في ضعفها.

* * *

( وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ـ ١٣٣. إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ـ ١٣٤. إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ ـ ١٣٥. ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ ـ ١٣٦. وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ ـ ١٣٧. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ـ ١٣٨.

١٦١

وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ـ ١٣٩. إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ـ ١٤٠. فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ـ ١٤١. فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ـ ١٤٢. فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ـ ١٤٣. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ـ ١٤٤. فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ـ ١٤٥. وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ـ ١٤٦. وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ـ ١٤٧. فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ ـ ١٤٨. )

( بيان )

خلاصة قصة لوط عليه‌السلام ثم قصة يونس عليه‌السلام وابتلاء الله تعالى له بالحوت مأخوذا بما أعرض عن قومه عند ارتفاع العذاب عنهم بعد نزوله وإشرافه عليهم.

قوله تعالى : « وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ » وإنما نجاه وأهله من العذاب النازل على قومه وهو الخسف وأمطار حجارة من سجيل على ما ذكره الله تعالى في سائر كلامه.

قوله تعالى : « إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ » أي في الباقين في العذاب المهلكين به وهي امرأة لوط.

قوله تعالى : « ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ » التدمير الإهلاك ، والآخرين قومه الذين أرسل إليهم.

قوله تعالى : « وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ » فإنهم على طريق الحجاز إلى الشام ، والمراد بالمرور عليهم المرور على ديارهم الخربة وهي اليوم مستورة بالماء على ما قيل.

قوله تعالى : « وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ » أي السفينة

١٦٢

المملوءة من الناس والإباق هرب العبد من مولاه.

والمراد بإباقه إلى الفلك خروجه من قومه معرضا عنهم وهو عليه‌السلام وإن لم يعص في خروجه ذلك ربه ولا كان هناك نهي من ربه عن الخروج لكن خروجه إذ ذاك كان ممثلا لإباق العبد من خدمة مولاه فأخذه الله بذلك ، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في تفسير قوله تعالى : « وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ » الأنبياء : ـ ٨٧.

قوله تعالى : « فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ » المساهمة المقارعة والإدحاض الغلبة أي فقارع من في السفينة فكان من المغلوبين ، وقد كان عرض لسفينتهم الحوت فاضطروا إلى أن يلقوا واحدا منهم في البحر ليبتلعه ويخلي السفينة فقارعوا فأصابت يونس عليه‌السلام.

قوله تعالى : « فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ » الالتقام الابتلاع ، ومليم من ألام أي دخل في اللوم كأحرم إذا دخل في الحرم أو بمعنى صار ذا ملامة.

قوله تعالى : « فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » عده من المسبحين وهم الذين تكرر منهم التسبيح وتمكن منهم حتى صار وصفا لهم يدل على دوام تلبسه زمانا بالتسبيح. قيل : أي من المسبحين قبل التقام الحوت إياه ، وقيل : بل في بطن الحوت ، وقيل : أي كان من المسبحين قبل التقام الحوت وفي بطنه.

والذي حكي من تسبيحه في كلامه تعالى قوله في سورة الأنبياء : « فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ » الأنبياء : ـ ٨٧ ولازم ذلك أن يكون من المسبحين في بطن الحوت خاصة أو فيه وفيما قبله فاحتمال كون المراد تسبيحه قبل التقام الحوت مرجوح لا ينبغي أن يصار إليه.

على أن تسبيحه مع اعترافه بالظلم في قوله : « سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ » ـ على ما سيجيء ـ تسبيح له تعالى عما كان يشعر به (١) فعله من ترك قومه وذهابه على وجهه ، وقوله : « فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ » إلخ يدل على أن تسبيحه كان هو السبب المستدعي لنجاته ، ولازم ذلك أن يكون إنما ابتلي بما ابتلي به لينزهه تعالى فينجو بذلك من الغم الذي ساقه إليه فعله إلى ساحة العافية.

__________________

(١) وهو أن الله لا يقدر عليه كما قال تعالى : « وظن أن لن نقدر عليه ».

١٦٣

وبذلك يظهر أن العناية في الكلام إنما هي بتسبيحه في بطن الحوت خاصة فخير الأقوال الثلاثة أوسطها.

فالظاهر أن المراد بتسبيحه نداؤه في الظلمات بقوله : « لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ » وقد قدم التهليل ليكون كالعلة المبينة لتسبيحه كأنه يقول : لا معبود بالحق يتوجه إليه غيرك فأنت منزه مما كان يشعر به فعلى أني آبق منك معرض عن عبوديتك متوجه إلى سواك إني كنت ظالما لنفسي في فعلي فها أنا متوجه إليك متبرئ مما كان يشعر به فعلى من التوجه عنك إلى غيرك.

فهذا معنى تسبيحه ولو لا ذلك منه لم ينج أبدا إذ كان سبب نجاته منحصرا في التسبيح والتنزيه بالمعنى الذي ذكر.

وبذلك يظهر أن المراد بقوله : « لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » تأبيد مكثه في بطنه إلى أن يبعث فيخرج منه كالقبر الذي يقبر فيه الإنسان ويلبث فيه حتى يبعث فيخرج منه قال تعالى : « مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى » طه : ـ ٥٥.

ولا دلالة في الآية على كونه عليه‌السلام على تقدير اللبث حيا في بطن الحوت إلى يوم يبعثون أو ميتا وبطنه قبره مع بقاء بدنه وبقاء جسد الحوت على حالهما أو بنحو آخر فلا مساغ لاختلافهم في كونه عليه‌السلام حيا على هذا التقدير أو ميتا وبطنه قبره ، وأن المراد بيوم يبعثون النفخة الأولى التي فيها يموت الخلائق أو النفخة الثانية أو التأجيل بيوم القيامة كناية عن طول اللبث.

قوله تعالى : « فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ » النبذ طرح الشيء والرمي به ، والعراء المكان الذي لا سترة فيه يستظل بها من سقف أو خباء أو شجر.

والمعنى على ما يعطيه السياق أنه صار من المسبحين فأخرجناه من بطن الحوت وطرحناه خارج الماء في أرض لا ظل فيها يستظل به وهو سقيم.

قوله تعالى : « وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ » اليقطين من نوع القرع ويكون ورقه عريضا مستديرا وقد أنبتها الله عليه ليستظل بورقها.

قوله تعالى : « وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ » أو في مورد الترقي وتفيد معنى بل ، والمراد بهذه الجماعة أهل نينوى.

١٦٤

قوله تعالى : « فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ » أي آمنوا به فلم نعذبهم ولم نهلكهم بما أشرف عليهم من العذاب فمتعناهم بالحياة والبقاء إلى أجلهم المقدر لهم.

والآية في إشعارها برفع العذاب عنهم وتمتيعهم تشير إلى قوله تعالى : « فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ » يونس : ـ ٩٨.

ولا يخلو السياق من إشعار ـ بل دلالة ـ على أن المراد من إرساله في قوله : « وَأَرْسَلْناهُ » أمره بالذهاب ثانيا إلى القوم ، وبإيمانهم في قوله : « فَآمَنُوا » إلخ إيمانهم بتصديقه واتباعه بعد ما آمنوا وتابوا حين رأوا العذاب.

ومن هنا يظهر ضعف ما استدل بعضهم بالآيتين أن إرساله إلى القوم كان بعد خروجه من بطن الحوت وأنه أمر أولا بالذهاب إلى أهل نينوى ودعوتهم إلى الله وكانوا يعبدون الأصنام فاستعظم الأمر وخرج من بيته يسير في الأرض لعل الله يصرف عنه هذا التكليف وركب البحر فابتلاه الله بالحوت ثم لما نبذ بالعراء كلف ثانيا فأجاب وأطاع ودعاهم فاستجابوا فدفع الله عذابا كان يهددهم إن لم يؤمنوا.

وذلك أن السياق كما سمعت يدل على كون إرساله بأمر ثان وأن إيمانهم كان إيمانا ثانيا بعد الإيمان والتوبة وأن تمتيعهم إلى حين كان مترتبا على إيمانهم به لا على كشف العذاب عنهم فلم يكن الله سبحانه ليتركهم لو لم يؤمنوا برسوله ثانيا كما آمنوا به وتابوا إليه أولا في غيبته فافهم ذلك.

على أن قوله تعالى : « وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً » الأنبياء : ـ ٨٧ وقوله : « وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ » ن : ـ ٤٨ لا يلائم ما ذكروه ، وكذا قوله : « إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » يونس : ـ ٩٨ إذ لا يطلق الكشف إلا في عذاب واقع حال أو مشرف.

( كلام في قصة يونس عليه‌السلام في فصول )

١ ـ لم يتعرض القرآن الكريم إلا لطرف من قصته وقصة قومه فقد تعرض في سورة الصافات لإرساله ثم إباقه وركوبه الفلك والتقام الحوت له ثم نجاته وإرساله إلى

١٦٥

القوم وإيمانهم قال تعالى : « وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ. فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ. فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ. وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ. وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ. فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ ».

وفي سورة الأنبياء : لتسبيحه في بطن الحوت وتنجيته قال تعالى : « وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ » الأنبياء : ـ ٨٧ ٨٨.

وفي سورة ن : لندائه مكظوما وخروجه من بطنه واجتبائه قال تعالى : « فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ. لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ. فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ » ن : ـ ٥٠.

وفي سورة يونس : لإيمان قومه وكشف العذاب عنهم قال تعالى : « فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ » يونس : ـ ٩٨.

وخلاصة ما يستفاد من الآيات بضم بعضها إلى بعض واعتبار القرائن الحافة بها أن يونس عليه‌السلام كان من الرسل أرسله الله تعالى إلى قومه وهم جمع كثير يزيدون على مائة ألف فدعاهم فلم يجيبوه إلا بالتكذيب والرد حتى جاءهم عذاب أوعدهم به يونس ثم خرج من بينهم.

فلما أشرف عليهم العذاب وشاهدوه مشاهدة عيان أجمعوا على الإيمان والتوبة إلى الله سبحانه فكشف الله عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا.

ثم إن يونس عليه‌السلام استخبر عن حالهم فوجد العذاب انكشف عنهم ـ وكأنه لم يعلم بإيمانهم وتوبتهم ـ فلم يعد إليهم وذهب لوجهه على ما به من الغضب والسخط عليهم فكان ظاهر حاله حال من يأبق من ربه مغاضبا عليه ظانا أن لا يقدر عليه وركب البحر في فلك مشحون.

فعرض لهم حوت عظيم لم يجدوا بدا من أن يلقوا إليه واحدا منهم يبتلعه

١٦٦

وينجو الفلك بذلك فساهموا وقارعوا فيما بينهم فأصابت يونس عليه‌السلام فألقوه في البحر فابتلعه الحوت ونجت السفينة.

ثم إن الله سبحانه حفظه حيا سويا في بطنه أياما وليالي ويونس عليه‌السلام يعلم أنها بلية ابتلاه الله بها مؤاخذة بما فعل وهو ينادي في بطنه أَنْ « لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ » الأنبياء ٨٧.

فاستجاب الله له فأمر الحوت أن يلفظه فنبذه بالعراء وهو سقيم فأنبت الله سبحانه عليه شجرة من يقطين يستظل بأوراقها ثم لما استقامت حاله أرسله إلى قومه فلبوا دعوته وآمنوا به فمتعهم الله إلى حين.

والأخبار الواردة من طرق أئمة أهل البيت عليه‌السلام على كثرتها وبعض الأخبار من طرق أهل السنة مشتركة المتون في قصة يونس عليه‌السلام على النحو الذي يستفاد من الآيات وإن اختلفت في بعض الخصوصيات الخارجة عن ذلك (١)

٢ ـ قصته عند أهل الكتاب : هو عليه‌السلام مذكور باسم يوناه بن إمتاي في مواضع من العهد القديم وكذا في مواضع من العهد الجديد أشير في بعضها إلى قصة لبثه في بطن الحوت لكن لم تذكر قصته الكاملة في شيء منهما.

ونقل الآلوسي في روح المعاني ، في قصته عند أهل الكتاب ويؤيده ما في بعض كتبهم من إجمال (٢) القصة : أن الله أمره بالذهاب إلى دعوة أهل نينوى (٣) وكانت إذ ذاك عظيمة جدا لا يقطع إلا في نحو ثلاثة أيام وكانوا قد عظم شرهم وكثر فسادهم ، فاستعظم الأمر وهرب إلى ترسيس (٤) فجاء يافا (٥) فوجد سفينة يريد أهلها الذهاب بها إلى ترسيس فاستأجر وأعطى

__________________

(١) ولذلك نوردها لأنها في نفسها آحاد لا حجية لها في مثل المقام ولا يمكن تصحيح خصوصياتها بالآيات وهو ظاهر لمن راجعها.

(٢) قاموس الكتاب المقدس.

(٣) كانت مدينة عظيمة من مدائن آشور على ساحل دجلة.

(٤) اسم مدينة.

(٥) مدينة في الأرض المقدسة.

١٦٧

الأجرة وركب السفينة فهاجت ريح عظيمة وكثرت الأمواج وأشرفت السفينة على الغرق.

ففزع الملاحون ورموا في البحر بعض الأمتعة لتخف السفينة وعند ذلك نزل يونس إلى بطن السفينة ونام حتى علا نفسه فتقدم إليه الرئيس فقال له : ما بالك نائما؟ قم وادع إلهك لعله يخلصنا مما نحن فيه ولا يهلكنا.

وقال بعضهم لبعض : تعالوا نتقارع لنعرف من أصابنا هذا الشر بسببه فتقارعوا فوقعت القرعة على يونس فقالوا له : أخبرنا ما ذا عملت : ومن أين جئت؟ وإلى أين تمضي؟ ومن أي كورة أنت؟ ومن أي شعب أنت؟ فقال لهم : أنا عبد الرب إله السماء خالق البر والبحر وأخبرهم خبره فخافوا خوفا عظيما وقالوا له : لم صنعت ما صنعت؟ يلومونه على ذلك.

ثم قالوا له : ما نصنع الآن بك؟ ليسكن البحر عنا؟ فقال : ألقوني في البحر يسكن فإنه من أجلي صار هذا الموج العظيم فجهد الرجال أن يردوه إلى البر فلم يستطيعوا فأخذوا يونس وألقوه في البحر لنجاة جميع من في السفينة فسكن البحر وأمر الله حوتا عظيما فابتلعه فبقي في بطنه ثلاثة أيام وثلاث ليال وصلى في بطنه إلى ربه واستغاث به فأمر سبحانه الحوت فألقاه إلى اليبس ثم قال له : قم وامض إلى نينوى وناد في أهلها كما أمرتك من قبل.

فمضى عليه‌السلام ونادى وقال : يخسف نينوى بعد ثلاثة أيام فآمنت رجال نينوى بالله ونادوا بالصيام ولبسوا المسوح جميعا ووصل الخبر إلى الملك فقام عن كرسيه ونزع حلته ولبس مسحا وجلس على الرماد ونودي أن لا يذق أحد من الناس والبهائم طعاما ولا شرابا وجاروا إلى الله تعالى ورجعوا عن الشر والظلم فرحمهم الله ولم ينزل بهم العذاب.

فحزن يونس وقال : إلهي من هذا هربت ، فإني علمت أنك الرحيم الرءوف الصبور التواب. يا رب خذ نفسي فالموت خير لي من الحياة فقال : يا يونس حزنت من هذا جدا؟ فقال : نعم يا رب.

وخرج يونس وجلس مقابل المدينة وصنع له هناك مظلة وجلس تحتها إلى أن يرى ما يكون في المدينة؟ فأمر الله يقطينا فصعد على رأسه ليكون ظلا له من كربه ففرح باليقطين فرحا عظيما وأمر الله تعالى دودة فضربت اليقطين فجف ثم هبت ريح

١٦٨

سموم وأشرقت الشمس على رأس يونس فعظم الأمر عليه واستطاب الموت.

فقال الرب : يا يونس أحزنت جدا على اليقطين؟ فقال : نعم يا رب حزنت جدا فقال تعالى : حزنت عليه وأنت لم تتعب فيه ولم تربه بل صار من ليلته وهلك من ليلته فأنا لا أشفق على نينوى المدينة العظيمة التي فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس قوم لا يعلمون يمينهم ولا شمالهم وبهائمهم كثيرة انتهى. وجهات اختلاف القصة مع ما يستفاد من القرآن الكريم ظاهرة كالفرار من الرسالة وعدم رضاه برفع العذاب عنهم مع علمه بإيمانهم وتوبتهم.

فإن قلت : نظير ذلك وارد في القرآن الكريم كنسبة الإباق إليه في سورة الصافات وكذا مغاضبته وظنه أن الله لن يقدر عليه على ما في سورة الأنبياء.

قلت : بين النسبتين فرق فكتبهم المقدسة أعني العهدين لا تأبى عن نسبة المعاصي حتى الكبائر الموبقة إلى الأنبياء عليهم‌السلام فلا موجب لتوجيه ما نسب من المعاصي إليه بما يخرج به عن كونه معصية بخلاف القرآن الكريم فإنه ينزه ساحتهم عن لوث المعاصي حتى الصغائر فما ورد فيه مما يوهم ذلك يحمل على أحسن الوجوه بهذه القرينة الموجبة ولذا حملنا قوله : « إِذْ أَبَقَ » وقوله : « مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ » على حكاية الحال وإيهام فعله.

٣ ـ ثناؤه تعالى عليه : أثنى الله سبحانه عليه بأنه من المؤمنين « سورة الأنبياء ٨٨ » وأنه اجتباه وقد عرفت أن اجتباءه إخلاصه العبد لنفسه خاصة ، وأنه جعله من الصالحين « سورة ن : ٥٠ » وعده في سورة الأنعام فيمن عده من الأنبياء وذكر أنه فضلهم على العالمين وأنه هداهم إلى صراط مستقيم « سورة الأنعام : ٨٧ ».

( بحث روائي )

في الفقيه ، وقال الصادق عليه‌السلام : ما تقارع قوم ففوضوا أمرهم إلى الله عز وجل ـ إلا خرج سهم الحق ، وقال : أي قضية أعدل من القرعة ـ إذا فوض الأمر إلى الله.

أليس الله عز وجل يقول : « فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ».

١٦٩

وفي البحار ، عن البصائر بإسناده عن حبة العرني قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن الله عرض ولايتي على أهل السماوات وعلى أهل الأرض ـ أقر بها من أقر وأنكرها من أنكر ـ أنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقر بها.

أقول : وفي معناه روايات أخر ، والمراد الولاية الكلية الإلهية التي هو عليه‌السلام أول من فتح بابها من هذه الأمة وهي قيامه تعالى مقام عبده في تدبير أمره فلا يتوجه العبد إلا إليه ولا يريد إلا ما أراده وذلك بسلوك طريق العبودية التي تنتهي بالعبد إلى أن يخلصه الله لنفسه فلا يشاركه فيه غيره.

وكان ظاهر ما أتى به يونس عليه‌السلام مما لا يرتضيه الله تعالى فلم يكن قابلا للانتساب إلى إرادته فابتلاه الله بما ابتلاه ليعترف بظلمه على نفسه وأنه تعالى منزه عن إرادة مثله فالبلايا والمحن التي يبتلى بها الأولياء من التربية الإلهية التي يربيهم بها ويكملهم ويرفع درجاتهم بسببها وإن كان بعضها من جهة أخرى مؤاخذة ذات عتاب ، وقد قيل البلاء للولاء.

ويؤيد ذلك ما عن العلل ، بإسناده عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : لأي علة صرف الله العذاب عن قوم يونس ـ وقد أظلهم ولم يفعل ذلك بغيرهم من الأمم؟ فقال : لأنه كان في علم الله أنه سيصرفه عنهم لتوبتهم ـ وإنما ترك إخبار يونس بذلك ـ لأنه أراد أن يفرغه لعبادته في بطن الحوت ـ فيستوجب بذلك ثوابه وكرامته.

* * *

( فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ـ ١٤٩. أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ ـ ١٥٠. أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ـ ١٥١. وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ـ ١٥٢. أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ ـ ١٥٣. ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ـ ١٥٤. أَفَلا تَذَكَّرُونَ ـ ١٥٥. أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ ـ ١٥٦. فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ـ ١٥٧.

١٧٠

وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ـ ١٥٨. سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ـ ١٥٩. إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ـ ١٦٠. فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ـ ١٦١. ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ ـ ١٦٢. إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ ـ ١٦٣. وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ ـ ١٦٤. وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ـ ١٦٥. وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ـ ١٦٦. وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ ـ ١٦٧. لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ ـ ١٦٨. لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ـ ١٦٩. فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ـ ١٧٠. وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ ـ ١٧١. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ـ ١٧٢. وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ ـ ١٧٣. فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ـ ١٧٤. وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ـ ١٧٥. أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ ـ ١٧٦. فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ ـ ١٧٧. وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ـ ١٧٨. وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ـ ١٧٩. سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ـ ١٨٠. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ـ ١٨١. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ـ ١٨٢. )

١٧١

( بيان )

قدم سبحانه ما بين به أنه رب معبود ، عبده عباد مخلصون كالأنبياء المكرمين وكفر به آخرون فنجى عباده وأخذ الكافرين بأليم العذاب. ثم تعرض في هذه الآيات لما يعتقدونه في آلهتهم وهم الملائكة والجن وأن الملائكة بنات الله وبينه وبين الجنة نسبا.

والوثنية البرهمية والبوذية والصابئة ما كانوا يقولون بأنوثة جميع الملائكة وإن قالوا بها في بعضهم لكن المنقول عن بعض قبائل العرب الوثنيين كجهينة وسليم وخزاعة وبني مليح القول بأنوثة الملائكة جميعا ، وأما الجن فالقول بانتهاء نسبهم إليه في الجملة منقول عن الجميع.

وبالجملة يشير تعالى في الآيات إلى فساد قولهم ثم يبشر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنصر ويهددهم بالعذاب ، ويختم السورة بتنزيهه تعالى والتسليم على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

قوله تعالى : « فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ » حلل سبحانه قولهم : إن الملائكة بنات الله إلى ما يستلزمه من اللوازم وهي أن الملائكة أولاده ، وأنهم بنات ، وأنه تعالى خص نفسه بالبنات وهم مخصوصون بالبنين ثم رد هذه اللوازم واحدا بعد واحد فرد قولهم : إن له البنات ولهم البنين بقوله : « فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ » وهو استفهام إنكاري لقولهم بما يلزمه من تفضيلهم على الله لما أنهم يفضلون البنين على البنات ويتنزهون منهن ويئدونهن.

قوله تعالى : « أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ » أم منقطعة أي بل أخلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون يشهدون خلقهم ولم يكونوا شاهدين خلقهم ولا لهم أن يدعوا ذلك ، والذكورة والأنوثة مما لا يثبت إلا بنوع من الحس ، وهذا رد لقولهم بأنوثة الملائكة.

قوله تعالى : « أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ » رد لقولهم بالولادة بأنه من الإفك أي صرف القول عن وجهه إلى غير وجهه أي من الحق إلى الباطل فيوجهون خلقهم بما يعدونه ولادة ويعبرون عنه بها فهم آفكون كاذبون.

قوله تعالى : « أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلا تَذَكَّرُونَ »

١٧٢

كرر الإنكار على اصطفاء البنات من بين لوازم قولهم لشدة شناعته.

ثم وبخهم بقوله : « ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ » لكون قولهم حكما من غير دليل ثم عقبه بقوله : « أَفَلا تَذَكَّرُونَ » توبيخا وإشارة إلى أن قولهم ذلك ـ فضلا عن كونه مما لا دليل عليه ـ الدليل على خلافه ولو تذكروا لانكشف لهم فقد تنزهت ساحته تعالى عن أن يتجزأ فيلد أو يحتاج فيتخذ ولدا ، وقد احتج عليهم بذلك في مواضع من كلامه.

والالتفات من الغيبة إلى الخطاب للدلالة على اشتداد السخط الموجب لتوبيخهم شفاها.

قوله تعالى : « أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » أم منقطعة والمراد بالسلطان وهو البرهان كتاب نازل من عند الله سبحانه يخبر فيه أن الملائكة بناته على ما يعطيه السياق إذ لما لم يثبت بعقل أو حس بقي أن يثبت بكتاب من عند الله نازل بالوحي فلو كانت دعواهم حقة وهم صادقون فيها كان لهم أن يأتوا بالكتاب.

وإضافة الكتاب إليهم بعناية فرضه دالا على دعواهم.

قوله تعالى : « وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ » جعل النسب بينه وبين الجنة

قولهم : إن الجنة أولاده وقد تقدم تفصيل قولهم في تفسير سورة هود في الكلام على عبادة الأصنام.

وقوله : « وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ » أي للحساب أو للنار على ما يفيده إطلاق « لَمُحْضَرُونَ » وكيف كان فهم يعلمون أنهم مربوبون لله سيحاسبهم ويجازيهم بما عملوا فبينهم وبين الله سبحانه نسبة الربوبية والعبودية لا نسب الولادة ومن كان كذلك لا يستحق العبادة.

ومن الغريب قول بعضهم : إن المراد بالجنة طائفة من الملائكة يسمون بها ولازمه إرجاع ضمير « إِنَّهُمْ » إلى الكفار دون الجنة. وهو مما لا شاهد له من كلامه تعالى مضافا إلى بعده من السياق.

قوله تعالى : « سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ » ضمير « يَصِفُونَ » ـ نظرا إلى اتصال الآية بما قبلها ـ راجع إلى الكفار المذكورين قبل ، والاستثناء منه

١٧٣

منقطع والمعنى هو منزه عن وصفهم ـ أو عما يصفه الكفار به من الأوصاف كالولادة والنسب والشركة ونحوها ـ لكن عباد الله المخلصين يصفونه تعالى وصفا يليق به ـ أو بما يليق به من الأوصاف ـ.

وقيل : إنه استثناء منقطع من ضمير « لَمُحْضَرُونَ » ، وقيل : من فاعل « جَعَلُوا » وما بينهما من الجمل المتخللة اعتراض ، وهما وجهان بعيدان.

وللآيتين باستقلالهما معنى أوسع من ذلك وأدق وهو رجوع ضمير « يَصِفُونَ » إلى الناس ، والوصف مطلق يشمل كل ما يصفه به واصف ، والاستثناء متصل والمعنى هو منزه عن كل ما يصفه الواصفون إلا عباد الله المخلصين.

وذلك أنهم إنما يصفونه بمفاهيم محدودة عندهم وهو سبحانه غير محدود لا يحيط به حد ولا يدركه نعت فكل ما وصف به فهو أجل منه وكل ما توهم أنه هو فهو غيره لكن له سبحانه عباد أخلصهم لنفسه وخصهم بنفسه لا يشاركه فيهم أحد غيره فعرفهم نفسه وأنساهم غيره يعرفونه ويعرفون غيره به فإذا وصفوه في نفوسهم وصفوه بما يليق بساحة كبريائه وإذا وصفوه بألسنتهم ـ والألفاظ قاصرة والمعاني محدودة ـ اعترفوا بقصور البيان وأقروا بكلال اللسان

كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو سيد المخلصين : لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك (١) فافهم ذلك.

قوله تعالى : « فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ » تفريع على حكم المستثنى والمستثنى منه أو المستثنى خاصة ، والمعنى لما كان ما وصفتموه ضلالا ـ وعباد الله المخلصون لا يضلون في وصفهم ـ فلستم بمضلين به إلا سالكي سبيل النار.

والظاهر من السياق أن « ما » في « ما تَعْبُدُونَ » موصولة والمراد بها الأصنام فحسب أو الأصنام وآلهة الضلال كشياطين الجن ، وما في « ما أَنْتُمْ » نافية ، وضمير « عَلَيْهِ » لله سبحانه والظرف متعلق بفاتنين ، وفاتنين اسم فاعل من الفتنة بمعنى الإضلال و « صالِ » من الصلو بمعنى الاتباع فصالي الجحيم هو المتبع للجحيم السالك سبيل النار ، والاستثناء مفرغ تقديره ما أنتم بفاتنين أحدا إلا من هو صال الجحيم.

__________________

(١) فقد أثنى على الله وتمم نقصه بأنه يريد ما يريده الله من الثناء على نفسه.

١٧٤

والمعنى فإنكم وآلهة الضلال التي تعبدونها لستم جميعا بمضلين أحدا على الله إلا من هو متبع الجحيم.

وقيل : إن « ما » الأولى مصدرية أو موصولة وجملة « فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ » كلام » تام مستقل من قبيل قولهم : أنت وشأنك والمعنى فإنكم وما تعبدون متقارنان ثم استونف وقيل : « ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ » و « بِفاتِنِينَ » مضمن معنى الحمل وضمير « عَلَيْهِ » راجع إلى « ما تَعْبُدُونَ » إن كانت ما مصدرية وإلى « ما » بتقدير مضاف إن كانت موصولة والمعنى ما أنتم بحاملين على عبادتكم أو على عبادة ما تعبدونه إلا من هو صال الجيم.

قيل : ويمكن أن يكون « على » بمعنى الباء والضمير لما تعبدون أو لما أن كانت موصولة و « بِفاتِنِينَ » على ظاهر معناه من غير تضمين ، والمعنى ما أنتم بمضلين أحدا بعبادتكم أو بعبادة ما تعبدونه إلا « إلخ ».

وهذه كلها تكلفات من غير موجب والكلام فيما في الآية من الالتفات كالكلام فيما سبق منه.

قوله تعالى : « وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ » الآيات الثلاث ـ على ما يعطيه السياق ـ اعتراض من كلام جبرئيل أو هو وأعوانه من ملائكة الوحي نظير قوله تعالى في سورة مريم : « وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ » الخ : مريم : ـ ٦٤.

وقيل : هي من كلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يصف نفسه والمؤمنين به للكافرين تبكيتا لهم وتقريعا وهو متصل بقوله : « فَاسْتَفْتِهِمْ » والتقدير فاستفتهم وقل : ما منا معشر المسلمين إلا له مقام معلوم على قدر أعماله يوم القيامة وإنا لنحن الصافون في الصلاة وإنا لنحن المسبحون. وهو تكلف لا يلائمه السياق.

والآيات الثلاث مسوقة لرد قولهم بألوهية الملائكة بإيراد نفس اعترافهم بما ينتفي به قول الكفار وهم لا ينفون العبودية عن الملائكة بل يرون أنهم مربوبون لله سبحانه أرباب وآلهة لمن دونهم يستقلون بالتصرف فيما فوض إليهم من أمر العالم من غير أن يرتبط شيء من هذا التدبير إلى الله سبحانه وهذا هو الذي ينفيه الملائكة عن أنفسهم لا كونهم أسبابا متوسطة بينه تعالى وبين خلقه كما قال تعالى « بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ

١٧٥

لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » الأنبياء : ـ ٢٧.

فقوله : « وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ » أي معين مشخص أقيم فيه ليس له أن يتعداه بأن يفوض إليه أمر فيستقل فيه بل مجبول على طاعة الله فيما يأمر به وعبادته.

وقوله : « وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ » أي نصف عند الله في انتظار أوامره في تدبير العالم لنجريها على ما يريد. كما قال تعالى : « لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ » هذا ما يفيده السياق ، وربما قيل : إن المراد إنا نصف للصلاة عند الله وهو بعيد من الفهم لا شاهد عليه.

وقوله : « وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ » أي المنزهون له تعالى عما لا يليق بساحة كبريائه كما قال تعالى : « يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ » الأنبياء : ـ ٢٠.

فالآيات الثلاث تصف موقف الملائكة في الخلقة وعملهم المناسب لخلقتهم وهو الاصطفاف لتلقي أمره تعالى والتنزيه لساحة كبريائه عن الشريك وكل ما لا يليق بكمال ذاته المتعالية.

قوله تعالى : « وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ » رجوع إلى السياق السابق.

والضمير في قوله : « وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ » لقريش ومن يتلوهم ، و « إِنْ » مخففة من الثقيلة ، والمراد بذكر من الأولين كتاب سماوي من جنس الكتب النازلة على الأولين.

والمعنى لو أن عندنا كتابا سماويا من جنس الكتب النازلة قبلنا على الأولين لاهتدينا وكنا عباد الله المخلصين يريدون أنهم معذورون لو كفروا لعدم قيام الحجة عليهم من قبل الله سبحانه.

وهذا في الحقيقة هفوة منهم فإن مذهب الوثنية يحيل النبوة والرسالة ونزول الكتاب السماوي.

قوله تعالى : « فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ » الفاء فصيحة ، والمعنى فأنزلنا عليهم الذكر وهو القرآن الكريم فكفروا به ولم يفوا بما قالوا فسوف يعلمون وبال كفرهم

١٧٦

وهذا تهديد منه تعالى لهم.

قوله تعالى : « وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ » كلمته تعالى لهم قوله الذي قاله فيهم وهو حكمه وقضاؤه في حقهم وسبق الكلمة تقدمها عهدا أو تقدمها بالنفوذ والغلبة واللام تفيد معنى النفع أي إنا قضينا قضاء محتوما فيهم إنهم لهم المنصورون وقد أكد الكلام بوجوه من التأكيد.

وقد أطلق النصر من غير تقييده بدنيا أو آخرة أو بنحو آخر بل القرينة على خلافه قال تعالى : « إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ » المؤمن : ـ ٥١.

فالرسل عليه‌السلام منصورون في الحجة لأنهم على الحق والحق غير مغلوب.

وهم منصورون على أعدائهم إما بإظهارهم عليهم وإما بالانتقام منهم قال تعالى : « وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ـ إلى أن قال ـ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ » يوسف : ـ ١١٠.

وهم منصورون في الآخرة كما قال تعالى : « يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ » التحريم : ـ ٨ ، وقد تقدم آنفا آية في سورة المؤمن في هذا المعنى.

قوله تعالى : « وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ » الجند هو المجتمع الغليظ ولذا يقال للعسكر جند فهو قريب المعنى من الحزب (١) وقد قال تعالى في موضع آخر من كلامه : « وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ » المائدة : ـ ٥٦.

والمراد بقوله : « جُنْدَنا » هو المجتمع المؤتمر بأمره المجاهد في سبيله وهم المؤمنون خاصة أو الأنبياء ومن تبعهم من المؤمنين وفي الكلام على التقدير الثاني تعميم بعد التخصيص ، وكيف كان فالمؤمنون منصورون كمتبوعيهم من الأنبياء قال تعالى

__________________

(١) قال تعالى : « إذ جاءتكم جنود » الأحزاب : ٩ وقال فيهم بعينهم : « ولما رأى المؤمنون الأحزاب » الأحزاب : ٢٢.

١٧٧

: « وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » آل عمران : ـ ١٣٩ وقد مر بعض الآيات الدالة عليه آنفا.

والحكم أعني النصر والغلبة حكم اجتماعي منوط على العنوان لا غير أي إن الرسل وهم عباد أرسلهم الله والمؤمنون وهم جند لله يعملون بأمره ويجاهدون في سبيله ما داموا على هذا النعت منصورون غالبون ، وأما إذا لم يبق من الإيمان إلا اسمه ومن الانتساب إلا حديثه فلا ينبغي أن يرجى نصر ولا غلبة.

قوله تعالى : « فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ » تفريع على حديث النصر والغلبة ففيه وعد للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنصر والغلبة وإيعاد للمشركين ولقريش خاصة.

والأمر بالإعراض عنهم ثم جعله مغيا بقوله : « حَتَّى حِينٍ » يلوح إلى أن الأمد غير بعيد وكان كذلك فهاجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد قليل وأباد الله صناديد قريش في غزوة بدر وغيرها.

قوله تعالى : « وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ » الأمر بالإبصار والإخبار بإبصارهم عاجلا وعطف الكلام على الأمر بالتولي معجلا يفيد بحسب القياس أن المعنى أنظرهم وأبصر ما هم عليه من الجحود والعناد قبال إنذارك وتخويفك فسوف يبصرون وبال جحودهم واستكبارهم.

قوله تعالى : « أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ » توبيخ لهم لاستعجالهم وقولهم : متى هذا الوعد؟ متى هذا الفتح؟ وإيذان بأن هذا العذاب مما لا ينبغي أن يستعجل لأنه يعقب يوما بئيسا وصباحا مشئوما.

ونزول العذاب بساحتهم كناية عن نزوله بهم على نحو الشمول والإحاطة ، وقوله : « فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ » أي بئس صباحهم صباحا ، والمنذرون هم المشركون من قريش.

قوله تعالى : « وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ » تأكيد لما مر بتكرار الآيتين على ما قيل ، واحتمل بعضهم أن يكون المراد بما تقدم التهديد بعذاب الدنيا وبهذا ، التهديد بعذاب الآخرة. ولا يخلو من وجه فإن الواقع في الآية « وَأَبْصِرْ »

١٧٨

من غير مفعول كما في الآية السابقة من قوله : « وَأَبْصِرْهُمْ » والحذف يشعر بالعموم وأن المراد إبصار ما عليه عامة الناس من الكفر والفسوق ويناسبه التهديد بعذاب يوم القيامة.

قوله تعالى : « سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ » تنزيه له تعالى عما يصفه به الكفار المخالفون لدعوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مما تقدم ذكره في السورة.

والدليل عليه إضافة التنزيه إلى قوله : « رَبِّكَ » أي الرب الذي تعبده وتدعو إليه ، وإضافة الرب ثانيا إلى العزة المفيد لاختصاصه تعالى بالعزة فهو منيع الجانب على الإطلاق فلا يذله مذل ولا يغلبه غالب ولا يفوته هارب فالمشركون أعداء الحق المهددون بالعذاب ليسوا له بمعجزين.

قوله تعالى : « وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ » تسليم على عامة المرسلين وصون لهم من أن يصيبهم من قبله تعالى ما يسوؤهم ويكرهونه.

قوله تعالى : « وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » تقدم الكلام فيه في تفسير سورة الفاتحة.

( بحث روائي )

في الدر المنثور ، أخرج محمد بن نضر وابن عساكر عن العلاء بن سعيد : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوما لجلسائه : أطت السماء وحق لها أن تئط ، ليس منها موضع قدم إلا عليه ملك راكع أو ساجد. ثم قرأ « وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ».

أقول : وروي هذا المعنى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بغير هذا الطريق.

وفيه ، أخرج ابن مردويه عن أنس : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا قام إلى الصلاة قال : استووا تقدم يا فلان تأخر يا فلان أقيموا صفوفكم ـ يريد الله بكم هدى الملائكة ثم يتلو : « وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ».

وفي نهج البلاغة قال عليه‌السلام في وصف الملائكة : وصافون لا يتزايلون ومسبحون لا يسأمون.

١٧٩

سورة ص : مكية وهي ثمان وثمانون آية.

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ـ ١. بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ ـ ٢. كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ ـ ٣. وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ ـ ٤. أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ ـ ٥. وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ ـ ٦. ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ ـ ٧. أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ ـ ٨. أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ـ ٩. أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ ـ ١٠. جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ ـ ١١. كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ ـ ١٢. وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ ـ ١٣. إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ ـ ١٤. وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ ـ ١٥. وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ ـ ١٦. )

١٨٠