من وحي الإسلام - ج ١

الشيخ حسن طراد

من وحي الإسلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسن طراد


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيثُ لا يحتسبُ ) (١).

وقد اعطانا الامام علي عليه‌السلام درساً رائعاً في الإخلاص لله في القصد والنية ـ وذلك في معركة الاحزاب يوم برز الايمان كله ممثلاً بشخصه الكريم الى الشرك كله ممثلاً بشخص عمرو عندما اراد علي هذا قطع رأسه بعد ان رد على ضربته الفاشلة بضربة إيمانية قاتلة ـ وفي هذه اللحظة الحاسمة شتمه عمرو فقام عن صدره واخذ يتمشى قليلاً ثم عاد اليه وقطع رأس الشرك منه وانطلق به نحو المسلمين وعندما سألوه عن سبب تأخره عن قطع رأسه أجابهم بقوله :

عندما شتمني غضبت فتوقفت عن قطع رأسه في حالة غضبي وانتظرت حتى زالت هذه الحالة مني ليكون قطعي رأسه خالصا لوجه الله سبحانه ولا يكون لحالة الغضب والانفعال الذاتي دخل في ذلك.

قوة الإيمان والإخلاص في النية مصدر النصرة :

ومن المعلوم ان هذه البطولة في الصدق والاخلاص لله سبحانه هي التي سددت هذه الضربة وسببت نصرة الاسلام وهزيمة أعدائه اللئام وحيث كانت السبب لبقاء هذا الدين العظيم عبر التاريخ منطلقاً لعبادة الله سبحانه بكل عمل يصدر من صاحبه على ضوء توجيهاته القيمة ـ اعتبرها الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معادلة لعبادة الثقلين الى يوم القيامة.

وذلك لان حقيقة العبادة لله سبحانه تتمثل بتطبيق منهج الدين الذي انزله سبحانه ليكون نظام حياة ودستور عبادة وخضوع لإرادته في كل التصرفات الأختيارية التي يمارسها الانسان المكلف على صعيد هذه

__________________

(١) سورة الطلاق ، الآيتان : ٢ و ٣.

٦١

الحياة فلو قدر للشرك كله ان ينتصر على الإيمان والإسلام لكان معنى ذلك زوال الايمان واندراس الاسلام فلا يبقى هناك دين وشرع يتعبد الناس لله سبحانه بتطبيقه وبهذا الموقف البطولي الذي وقفه الإمام علي عليه‌السلام في هذه المعركة وما ترتب عليه من حفظ الاسلام والمسلمين وانقاذهما من الخطر الكبير الذي احدق بهما يومذاك نعرف قيمة الجهاد ودوره في صون الرسالة من الزوال والامة من الاضمحلال ويأتي بعد ذلك موقف علي في غزوة خيبر متمما لموقفه السابق في معركة الاحزاب ـ حيث كانت الامة والرسالة متعرضتين للخطر الفادح الذي احس الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتوجهه من قبل اليهود فأراد ان يقوم بدور الوقاية منه بغزوهم في عقر دارهم والقضاء على الخطر في مهده قبل تسربه الى الجهة المستهدفة به.

مواقف الإمام علي عليه‌السلام البطولية وكلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقه :

ويوجد تشابه واضح بين هذين الموقفين من حيث الأثر الإيجابي العظيم الذي ترتب عليهما وهو نصر الاسلام ووقايته من شر اعدائه اللئام ومن حيث ما قاله الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق الامام علي عليه‌السلام مقدراً ومعجباً.

أما في الموقف الاول فللرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقه كلمتان :

الاولى : تقدم ذكرها بالمناسبة اجمالاً والآن نذكرها تفصيلاً وهي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ضربة علي عمروا يوم الخندق تعادل عبادة الثقلين الى يوم القيامة.

والكلمة الثانية : قالها في بداية المواجهة بين الطرفين عندما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : برز الإيمان كله الى الشرك كله والتعبير عنها بالثانية بلحاظ

٦٢

اقتضاء المناسبة ذكر الكلمة الاخرى اولا قبل ذكرها وإن كان الترتيب بلحاظ زمن صدور كل واحد منها يقتضي التعبير بالعكس.

وأما ما قاله في حقه بمناسبة الموقف الثاني فهو قوله المشهور : « لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كراراً غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ».

والمراد من محبة الإمام عليه‌السلام لله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المحبة الموضوعية الواقعية المتمثلة بالإطاعة والانقياد في كل المواقف وبكل التصرفات وذلك هو السر في تلك القدرة الخارقة التي مكنته من اقتلاع باب خيبر رغم ضخامته وثقله الخارج عن الوزن الطبيعي المتعارف في الابواب العادية وقد اشار ابن ابي الحديد الى ذلك بقوله مخاطباً الإمام علياً عليه‌السلام :

يا قالع الباب الذي عن هزه

عجزت أكف أربعون وأربع

وقد اعترف الإمام عليه‌السلام بمصدر قوته التي مكنته من ذلك بقوله :

« ما قلعت باب خيبر بقدرة جسمية ولكن بقدرة ربانية ».

وإذا انطلقنا في رحاب التاريخ ولاحظنا الخطر الذي احدق بالإسلام في عهد بني أمية بعد ان تحولت الخلافة الى ملك يتوارثه الابناء الظالمون المنحرفون عن خط الإسلام في العقيدة والسلوك عن الآباء المماثلين لهم في ذلك.

الثورة الحسينية منطلق الثورات العادلة والحسين رائد الاحرار المجاهدة :

ورأينا الدور الطليعي الرائد الذي مثله على صعيد الطف ابو الشهداء ورائد الاحرار في العالم الامام الحسين عليه‌السلام واستطاع بجهاده المرير

٦٣

واستشهاده مع الكوكبة الطليعية البطلة من ابنائه واقاربه واصحابه ان يدفع ذلك الخطر الجسيم عن شرع جده العظيم مردداً بلسان الحال :

إن كان دين محمد لم يستقم

إلا بقتلي يا سيوف خذيني

أجل : إذا لاحظنا ذلك ندرك جيداً اهمية دور الجهاد وقيمة الشهادة والاستشهاد وما ترتب على ذلك عبر التاريخ من حفظ الدين الحنيف من الاخطار المعنوية والمادية وصون الامة من الضياع والضلال المدمر الذي يعود بها الى سابق عهدها قبل بزوغ فجر الرسالة الاسلامية الخالدة.

ولم يقف دور الجهاد المقدس عند حدود التاريخ بل انطلق مع الزمن ليعلب دوره الطليعي على يد ابطال الحق وجنود الرسالة ليعطي لكل مرحلة حقها ويلبس في كل حرب لباسها المناسب لها وهذا هو سر تنوعه وتمثله مرة بالكفاح العسكري المسلح واخرى بالكلمة الابية الثائرة وهي التي اشار اليها الحديث القائل :

« أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر ».

دور المقاومة الحسينية في فلسطين ولبنان في دحر العدوان :

وهذا الاسلوب هو الذي انطلق به ائمة اهل البيت بعد الامام الحسين عليه‌السلام والسائرون على خطهم السليم وصراطهم المستقيم ولم يحصل اللجوء الى الكفاح المسلح الا عندما يشتد الضغط ويستفحل الخطر من قبل الجهة المعادية وتتوفر الشروط الموضوعية الموجبة للاطمئنان بنجاح الثورة وانتصار المقاومة العسكرية كما حصل للثورة الاسلامية في إيران الإسلام على يد البطل الحسيني الشجاع روح الله

٦٤

الخميني ( قده ) وجنوده الاحرار الابطال.

وعلى هداها سارت الثورة الحسينية في لبنان وفي افغانستان والشيشان وسائر الاقطار التي تفاعلت مع روح الجهاد وانطلقت شعوبها على درب الاستشهاد لنيل احدى الحسنيين.

وإذا لاحظنا مدى الخطورة المترتبة على استمرار الاحتلال الاسرائيلي لما احتلته إسرائيل سابقا ولاحقا من الاراضي العربية وادركنا على ضوء الواقع المحسوس والوضع المعاش ـ انحصار استئصال هذه الغدة السرطانية وإزالة هذا الشر المطلق بالمقاومة المسلحة لاحتلالها وعدم الركون للصلح الاستسلامي الذي لهث وراء سرابه البعض.

بيان دور الجهاد في صون الاسلام والمسلمين من الاضطهاد :

أجل : على ضوء تلك الملاحظة الواعية وهذا الادراك المنطقي المستوحى من الارقام الواقعية ندرك جيداً اهمية الجهاد المقدس والمقاومة الحسينية التي يخوضها ابطالنا الاشاوس داخل فلسطين السليبة الحبيبة وفي جنوب لبنان الابي وبقاعه الصامد ـ ووصف هذه المقاومة العادلة ـ بالارهاب من قبل الاعداء الظالمين لا يسلب عنها شرعيتها ولا يبدل حقيقتها وانها جهاد عادل في سبيل تحرير الارض واستعادة العزة والكرامة كما لا يبدل واقع احتلالهم وانه ظلم للآخرين وإرهاب آثم وغصب فاضح واضح لحقوق المستضعفين.

قال الشاعر :

ومهما تكن عند امرىء من خديعة (١) وإن خالها تخفى على الناس تعلم

__________________

(١) الوارد في البيت كلمة خليقة وبدلتها بكلمة خديعة لمناسبة المقام.

٦٥

ويسرني ان اختم هذه الخطبة بالمقطوعة الشعرية التي نظمتها سابقاً حول موضوع الجهاد موضع الحديث ومحل البحث.

لــولا الجهاد لـحطم الاسلام

حتماً وعم العالمين ظـلامُ

فـهو المجن يصونه من كل ما

يبغيه من كيد بـه الظلامُ

سيــظل رغم المعتدين منارةً

للحق مهـما طالت الايامُ

ويظل رغم الحاقدين مــناهلاً

للخيرمهما صالت الاقزامُ

حتى يقود الثائرين محمدُ العصر

الأبي وتُــرفع الاعلامُ

وهناك ينهزم الطغاة وتزدهـي

في العالمين مودة وسلامُ

والسلام عليكم أيها الاخوة الاعزاء والابناء الاحباء اولاً وآخراً ورحمة الله وبركاته.

٦٦

الخطبة السادسة (١)

دور الزكاة والاحسان في سعادة الإنسان

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

الصلاة والسلام على أشرف الانبياء وأعز المرسلين نبينا محمد بن عبد الله وعلى آل الطاهرين وصحبه المنتجبين.

وبعد : قال الله سبحانه في محكم كتابه المجيد : ( وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ) (٢).

قال تعالى : ( ومآ أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) (٣).

وقال سبحانه في مقام مدح المتقين ووصفهم بأنهم :

__________________

(١) ألقيت هذه الخطبة في مسجد الإمام المهدي ( عج ) في ٢٢ ـ ٩ ـ ١٩٩٥ م.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٤٣.

(٣) سورة البينة ، الآية : ٥.

٦٧

( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) (١).

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله عندما سأله رجل عن عمل يدخله الجنة : تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان.

والحديث حول موضوع الزكاة سيكون من جهتين :

الجهة الاولى : أبين فيها الوجه في قرن الزكاة بالصلاة وعطفها عليها في الكثير من الآيات والعديد من الروايات.

الجهة الثانية : أبين فيها الفوائد العديدة المترتبة على تأدية هذه الفريضة اي فريضة الزكاة مع الإشارة الى ما يترتب على التصدق والانفاق بوجه عام ـ من المنافع الجسيمة والفوائد الكثيرة من عدة جهات وفي مختلف المجالات.

وحاصل ما اريد ذكره في المقام وجها لذكر الزكاة مقترنة بالصلاة هو ان الله سبحانه انما فرض الصلاة واوجب على المكلف ان يتعبد له بها من اجل ان تربطه بخالقه وتصله به فكرياً وروحياً لتصبح بذلك معراجاً له يسمو به الى سماء الكمال والفضيلة ومن لوازم ذلك ان ينتهي عن الفحشاء والرذيلة من الناحية السلبية وينطلق في ميادين الخير والبر والاحسان من الناحية الايجابية وحيث ان الزكاة تعود على مؤديها وعلى من تعطى له بالخير العميم والفضل الجسيم والثواب العظيم اعتبرت بذلك متممة للصلاة ومحققة لاهدافها السامية المتمثلة بتجسيم القرب المعنوي من الله سبحانه الحاصل بفعلها له بقصد التقرب منه ـ كما هو الشرط الاساس في صحتها وتحويله الى القرب المعنوي والمادي من

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٣.

٦٨

خلقه تعالى باعتبار عياله واحب الناس له واقربهم منه انفعهم لعياله كما هو مضمون الحديث وبذلك تتحقق إقامة الصلاة التي هي روحها وجوهرها الذي يعطيها قيمتها ويحقق لها غايتها

الوجه في اقتران إيتاء الزكاة بإقامة الصلاة :

وهذا ما اراد الله سبحانه ان يشير اليه وينبه عليه بالتعبير باقامة الصلاة بدل التعبير بالإتيان والعمل الخارجي حيث قال سبحانه : ( ويقيمون الصلاة وأقيموا الصلاة ) ولم يقل يأتون بالصلاة وأتوا بها لأن التعبير الثاني يدل على أصل وجود صورة الصلاة وشكلها الخارجي ـ وهي ليست بظاهرها البارز وشكلها الماثل ولكن بروحها المقربة من الله بالتقوى وحيث ان دفع الزكاة لمستحقيها من الفقراء والمساكين من اوضح مصاديق الاخلاق السامية والاعمال الراجحة المحبوبة للخالق والمخلوق اعتبرت تأديتها إقامة للصلاة وترجمة عملية لغاياتها النبيلة.

وبذلك يعرف السر في عطف الله سبحانه العمل الصالح على الايمان في الكثير من آيات كتابه الكريم ومن اوضح مصاديق ذلك قوله تعالى عليهم‌السلام ( والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) (١).

هذا حاصل ما يناسب ذكره في الجهة الاولى.

بيان الفوائد المترتبة على إعطاء الزكاة :

وأما الفوائد التي وعدتُ ببيانها في الجهة الثانية فهي كثيرة وتفصيل

__________________

(١) سورة العصر ، الآيات ، ١ ، ٢ ، ٣.

٦٩

ذلك فيما يلي :

إن الفوائد المترتبة على تأدية فريضة الزكاة عديدة منها ما هو راجع الى الفقير الآخذ ومنها ما هو عائد الى الغني الدافع.

أما القسم الأول : فيتمثل بوضوح بحل مشكلة الفقر وتوفير ما يضطر اليه الفقير من النفقة اللازمة له ولمن يعيله فلا يعاني من مأساة الحرمان والضغط الاقتصادي الذي يؤدي الى الكثير من المضاعفات السلبية.

وحيث ان حق الزكاة مفروض لمستحقه بتشريع إلهي على حد تشريع وجوب الصلاة فلا يكون هناك اي اثر سلبي بالنسبة الى آخذه لانه يكون بهذا الاعتبار بمنزلة الدين الذي يستحقه شخص على آخر.

وبذلك يُعرف ان الفائدة المترتبة على تأدية الزكاة لمستحقها هي مادية من جهة كما انها نفسية وروحية من جهة اخرى نظراً لما يترتب على دفعها له من الراحة النفسية والبهجة الروحية وحصول حالة الاستقرار الفكري بتوفر الحاجات المادية فلا يعيش حالة القلق والانفعال النفسي الذي يعاني منه الفقير عندما تضغط عليه الحاجة ولا يجد يداً بارة تمتد اليه بالبر والإحسان.

بيان الفوائد المترتبة على تأدية الزكاة :

وأما القسم الثاني : من فوائد الزكاة وهو الراجع منها الى الدافع فهو أكثر من القسم الاول كما سيتضح ذلك خلال الحديث ولشرح ذلك بشيء من التفصيل اقول :

إن الفوائد الراجعة الى الدافع المؤدي لها نوعان الاول دنيوي

٧٠

معجل والثاني أخروي مؤجل.

أما النوع الأول : الدنيوي المعجل فهو نوعان ايضاً الاول مادي بسبب ما يترتب على تأدية هذه الفريضة من السعة في الرزق مع دوام النعمة والسلامة وطول العمر ونحو ذلك من المنافع المادية الدنيوية اما سعة الرزق فهي مستفادة من قوله تعالى.

( لئن شكرتم لأزيدنكم ) (١) باعتبار ان دفع الزكاة يعتبر شكراً عملياً لله على نعمة الرزق والثراء.

ومثل هذه الآية في الوضوح قوله تعالى :

( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) (٢).

وهناك روايات عديدة تفيد هذا المضمون منها ما روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام من قوله :

إن لكل شيء مفتاحاً ومفتاح الرزق الصدقة وإنها بسببها تقضي الدين وتخلف بالبركة وانها دواء المريض بل هي انفع من الادوية كلها.

وروي عن الإمام السجاد قوله عليه‌السلام : ما من رجل تصدق على رجل مسكين مستضعف فدعا له المسكين بشيء تلك الساعة الا استجيب له.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله في وصية لعلي عليه‌السلام : « يا علي الصدقة ترد القضاء الذي قد أُبرم إبراماً ».

والنوع الثاني : من الفوائد الدنيوية المعجلة هو معنوي نفسي يتمثل.

أولاً : بما يحس به الدافع لهذه الفريضة من البهجة والسرور الذي

__________________

(١) سورة إبراهيم ، الآية ٧.

(٢) سورة الانعام ، الآية : ١٦٠.

٧١

يخامره عندما يرى نفسه أنه قد توفق لادخال السرور على قلب اخيه في الايمان او الانسانية وهذا يعتبر غذاء للروح وتربية للنفس وهي كالجسم لها غذاؤها وداؤها ودواؤها أما غذاؤها فهو الاطعام واما داؤها فهو البخل والحرص والطمع والحقد والحسد واما دواؤها فهو الحكمة والموعظة الحسنة.

وثانياً : بالمحبة والاحترام الذي يحمله له آخذ الزكاة وغيرها من انواع البر وكذلك غير الآخذ لها من الاشخاص العقلاء الذين يقدرون الاحسان ويحترمون من يقوم به ولو كان لغيرهم ويترتب على هذه المحبة وذلك التقدير الذي يحصل من الآخذ للزكاة تأثره إيجابياً بفضل المعطي وحصول الاهتمام البالغ بشؤونه وقضاياه حيث يصبح جندياً من جنوده المتطوعين المستعدين لحفظ سلامته إذا تعرضت للخطر ولصون ثروته إذا تعرضت للسلب والغصب وللدفاع عن شرفه وعرضه إذا تعرض للهتك من قبل بعض الحاسدين الحاقدين ونحوهم من سراق الكرامة وناهبي المال والأمن والسلامة.

بيان الفوائد الراجعة الى المكلف من إعطائه الزكاة :

ويمكن تلخيص هذه المواقف الإيجابية التي يقفها الآخذ للزكاة والمنتفع بإحسان المعطي بعنوان واحد شامل لها كلها وهو عنوان الدفاع عن النعمة التي يتمتع بها المحسن اليه سواء كانت نعمة مادية ام معنوية.

وإذا فرض زوال أية نعمة من النعم عن هذا الدافع المحسن إما بحكم القضاء والقدر السماوي او الظلم البشري فإنه يصبح موضع عطف واهتمام الآخرين المقدرين لاحسانه السابق وخصوصاً إذا كان حاصلاً لهم وبذلك يكون قيامه بالواجب الشرعي او الاخلاقي مثمراً له قيام الآخرين ومقابلتهم له بالمثل انطلاقاً من قوله تعالى :

٧٢

( هل جزاءُ الإحسان إلا الإحسانُ ) (١).

وهذا بخلاف ما إذا أعرض عن الآخرين وقت يسره وعسرهم فهو يرى منهم نفس هذا الموقف السلبي اذا تبدل يسره بالعسر وغناه بالفقر وقوته بالضعف كما هو شأن الحياة التي لا تستقر على حال ولذا قيل : دوام الحال من المحال وبذلك تعرف ان فائدة المحبة والاحترام المعنوية الراجعة الى من يحسن الى غيره تعود عليه بالفائدة المادية ايضا وبطريق غير مباشر والى تأثر اكثر افراد البشر ايجابياً بالإحسان وتحولهم الى جنود مدافعين ونافعين لمن احسن اليهم ، اشار الشاعر بقوله :

احسن الى الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استعبد الإنسان إحسانُ


وكما ان الصنع الجميل والإحسان العملي النبيل يأسر عواطف الآخرين كذلك القول الطيب والكلمة الحسنة الجميلة كما قال الشاعر الآخر:

عجبت لمن يشري العبيد بماله

ولا يشتري حراً بلين مقاله

وحيث ان الله سبحانه اراد للمحبة ان تسود وللتضامن والتعاطف ان ينتشرا بين افراد المجتمع نرى شرعه السمح قد امر وجوبا او استحباباً بما يؤدي الى ذلك ونهى تحريما عن كل ما يؤدي الى خلافه وقد جمع بين هذا الامر وذلك النهي في قوله تعالى :

( * إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتائ ذي القربى وينهى عن

__________________

(١) سورة الرحمن ، الآية : ٦٠.

٧٣

الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) (١).

واذا نظرنا الى فلسفة تشريع الزكاة والغاية السامية المقصودة منها فإنا نجدها غير محصورة بالفريضة المالية المحددة بالقدر المعلوم بل هي تشمل وتمتد بروحها الواسعة لتشمل كل نعمة من الله سبحانه بها على الإنسان وهذا ما صرح الله سبحانه به ودل عليه بقوله في اول سورة البقرة :

( الم * ذلك الكتاب لاريب فيه هُدى للمُتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) (٢).

حيث عمم الإنفاق الذي يقوم به المتقون وجوباً او استحباباً الى كل رزق يمن به الله سبحانه عليهم سواء كان مادياً ام معنوياً كالعلم والجاه ونحو ذلك.

وأما النفع الأخروي المؤجل فهو جنة عرضها السموات والارض ورضوان من الله اكبر.

وما أمس حاجة المستضعفين بصورة عامة والامتين العربية والاسلامية بصورة خاصة الى ان يتحلوا بهذه الروح الانسانية النبيلة وهي روح البر والاحسان والتعاطف والتعاون على البر والتقوى ويغضوا النظر عن الخلافات الطائفية والمذهبية والسياسية إما بتجميدها من اجل التوجه الى ما هو الاهم والانفع للجميع او بمسها برفق ولين وبأسلوب الحكمة الواعية والموعظة الحسنة من قبل المسؤولين الفضلاء الحكماء إذا اقتضت المصلحة العليا ذلك ليتعاونوا على تنفيذ ما يتفقون عليه وما يبقى

__________________

(١) سورة النحل ، الآية : ٩٠.

(٢) سورة البقرة ، الآيتان : ١ ، ٣.

٧٤

محل اختلاف في الرأي يجب ان لا يؤدي ذلك لان يفسد للود قضية ويتأكد ذلك في هذه الأيام اكثر من اي وقت مضى من اجل توحيد الصف والوقوف جبهة واحدة متحدة في وجه الاعداء المستكبرين والخصوم الغاصبين الذين اتفقوا على باطلهم من اجل ان يتعاونوا على الإثم والعدوان وهدر حقوق الشعوب المستضعفة وتكريس احتلال الارض وهتك المقدسات ويسرني ان اختم هذه الخطبة بالبيتين التاليين اللذين قدمهما والد محب عطوف لأبنائه في مقام توصيتهم بتوحيد صفهم وتحصيل قوتهم التي تمكنهم من تحقيق أهدافهم المرغوبة واتقاء او إزالة الاخطار المدمرة :

كونوا جميعاً يا بنيّ اذا اعـترى

خطب ولا تتفرقوا أحــادا

تأبى العصي إذا اجتمعن تكسراً

وإذا افترقن تكسـرت أفرادا

وهذان البيتان مستوحيان من قوله تعالى :

( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا )(١).

وقوله سبحانه :

( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحُكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) (٢).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٠٣.

(٢) سورة الانفال ، الآية : ٤٦.

٧٥

الخطبة السابعة (١)

من وحي الهجرة النبوية والنصرة الحيدرية

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

السلام عليكم أيها الإخوان المؤمنون الأحباء والأبناء الأعزاء ورحمة الله وبركاته.

وبعد : إن للهجرة النبوية المعهودة سببها المقتضي لها ووسيلتها المساعدة عليها ونتائجها الإيجابية الناشئة منها.

أما سببها فهو أمر الله النبي محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمغادرة مكة والانطلاق منها الى المدينة المنورة من اجل انقاذ حياته الشريفة من الخطر الكبير الذي اوشك ان يصيبها من قبل المشركين الذين عقدوا العزم وصمموا

__________________

(١) ألقيت هذه الخطبة في مسجد الإمام المهدي ( عج ) يوم الجمعة بمناسبة هجرة الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكة المكرمة الى المدينة المنورة في ٤ ـ ٣ ـ ١٤١٧ هـ الموافق ١٩ ـ ٧ ـ ١٩٩٦ م.

٧٦

على ان يقضوا على وجوده الشريف ودعوته المباركة ـ قبل ان تقوى وتنتشر ثم تنتصر عليهم بعد ذلك.

وقد رد الله سبحانه على مؤامرتهم ومكرهم الذي دبروه ضد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والرسالة بمكر عادل اراد به ابطال وافشال مؤمراتهم اللئيمة ومكرهم الظالم وذلك بإخبار رسوله بما عزموا عليه وأمره بأن يأمر الإمام علياً عليه‌السلام بالمبيت في فراشه ليكون مبيته فيه مغطيا انسحابه من بينهم فلا يشعروا به ولا يعرفوا بمغادرته الا بعد خروجه بالسلامة ووصوله الى المقر الآمن.

وعندما طلب من الإمام عليه‌السلام المبيت مكانه في فراشه لم يكن منه سوى التجاوب مع هذا الطلب السماوي وإبداء الاستعداد لتنفيذه حتى ولو ادى الى قتله في هذا السبيل مادام فيه رضا وللرسول سلامة.

وأخيراً : تجمع القوم حول المكان الذي كان محلا لمبيت الرسول منتظرين الوقت المحدد لتنفيذ المؤامرة وكانوا خلال فترة الانتظار ينظرون الى داخل ذلك المكان من خلال شقوق الباب فيرون شخصا نائما ويقوى اعتقادهم بأنه شخص الرسول المستهدف حتى إذا حضر الوقت المعين نفذوا عملية الهجوم الى الداخل وكانت المفأجاة المخيبة لآمالهم بظهور ان الراقد في ذلك الفراش هو شخص الإمام علي عليه‌السلام الذي انتفض امامهم كالاسد الضرغام غير مكترث بعددهم وعُدَدِهم المجهزة للفتك بأفضل شخصية عرفها التاريخ.

وعندما سألوه أين محمد؟ قال : أجعلتموني عليه رقيباً؟ ألستم قلتم نخرجه من بلادنا فقد خرج عنكم.

وكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل هجومهم قد خرج من بينهم وهم محيطون

٧٧

بالمنزل راشا على وجوههم الشوهاء قبضة من تراب مردداً قوله تعالى :

( وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) (١).

وانطلق في سيره الهادىء المطمئن للمصير الى المقر الآمن الذي شاءت العناية السماوية والرعاية الإلهية ان يكون ملجأ للرسول الصادق الامين تصان به ذاته الشريفة ورسالته المباركة الخالدة من الخطر.

وتقول كتب السيرة : إن القوم بعد ان فشل هجومهم انطلقوا متتبعين ومقتفين آثار قدمي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى انتهى بهم الاقتفاء الى باب الغار حيث اختفت هناك الآثار وقال ذلك الشخص الخبير بمهمة الاقتفاء والاطلاع على مكان وجود صاحب الأثر من أثره المشير اليه والدال عليه : ما حاصله الى هنا انتهت آثار قدمي محمد فإما ان يكون قد نزل في الارض او صعد الى السماء وعندما أثار بعضهم احتمال ان يكون موجودا داخل الغار دفع شخص آخر احتماله هذا بوجود بيت العنكبوت وعش الحمامة على بابه ـ ولو كان الرسول محمد داخله لما كان بيت العنكبوت سالماً وعش الحمامة قائماً وبذلك يكون الله سبحانه قد نصر عبده وحماه بأضعف الوسائل :

( ورد اللهُ الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً ) (٢).

وقد اشار الله سبحانه الى مؤامرة القوم ومكرهم الغادر وما رد به عليهم بمكره العادل بقوله تعالى :

__________________

(١) سورة يس ، الآية : ٩.

(٢) سورة الأحزاب ، الآية : ٢٥.

٧٨

( وإذ يمكُرُ بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكُرُ اللهُ واللهُ خيرُ الماكرين ) (١).

كما أشار الى الموقف البطولي الذي وقفه الإمام علي عليه‌السلام في سبيل حفظ الرسول والرسالة من الخطر بقوله تعالى :

( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله واللهُ رؤوف بالعباد ) (٢).

وتحدث أخيراً عن قصة الهجرة والإخراج الذي ألجأه الى الغار مع صاحبه بقوله تعالى : ( إلا تنصروا فقد نصره اللهُ إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لاتحزن إن الله معنا فأنزل اللهُ سكينتهُ عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم ) (٣).

هذا هو حاصل قصة الهجرة على ضوء ما ورد في تاريخ السيرة النبوية والتفسير الذي تناول شرح الآيات المذكورة مع بيان اسباب نزولها.

ولا بد لنا من الوقوف امام ما اشتملت عليه هذه القصة من الحوادث الغريبة والكرامات العجيبة من اجل ان نستوحي منها ما يتسع المجال لاستيحائه من الدروس النافعة والعبر المفيدة.

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية : ٣٠.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٠٧.

(٣) سورة التوبة ، الآية : ٤٠.

٧٩

الاول منها هو درس نستفيده من الإيمان القوي والعقيدة الراسخة التي تمتع بها الإمام علي عليه‌السلام وعبر عنها.

أولاً : بالقول المأثور المشهور عنه « لو كشف لي الغطاء لما ازددت يقيناً ».

وثانياً : بإقدامه على خوض المعارك واقتحام المهالك بدون تردد ولا تهيب. وإقدامه على المبيت في فراش النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوطين نفسه على ان يقتل ويقدم نفسه المطمئنة فداء للرسول والرسالة اصدق شاهد على هذه الحقيقة الإيمانية التي استحق بها التقدير والاجلال من الله سبحانه ومدحه بالآية السابقة التي بين بها ان عليا عليه‌السلام بإقدامه على هذه التضحية الفدائية النادرة قد باع نفسه لله سبحانه مقابل ثمن مرضاته ورضوانه الاكبر.

والدرس العملي الذي يستلهم من هذا الموقف البطولي الذي وقفه بطل العقيدة في سبيل حفظ الرسالة ونصرتها هو ان نتخذ منه رائداً وقائداً نترسم خطاه ونسير على ضوء هداه في معركة العزة والكرامة التي نخوضها في هذه الأيام من اجل تحرير ارضنا من الاحتلال وشعبنا من الاستعباد والاستغلال.

وبذلك نكون قد اقدمنا على ان نسلم لله سبحانه ما اشتراه منا وبعناه له من الانفس والاموال لننال ثمنها الغالي وهو العزة والحرية والاستقلال في هذه الحياة مضافا الى الثمن الاثمن والاغلى وهو جنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين ورضوان من الله اكبر.

الدرس الثاني : يثمر لنا قوة الثقة ورسوخ الإيمان بنصر الله سبحانه الذي وعد به عباده المؤمنين المجاهدين في سبيله المتوكلين عليه في

٨٠