من وحي الإسلام - ج ١

الشيخ حسن طراد

من وحي الإسلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسن طراد


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

الخطبة الرابعة (١)

الإسلام دين السعادة والسلام

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

السلام عليكم أيها الإخوان المؤمنون الأعزاء والأبناء الأحباء ورحمة الله وبركاته.

وبعد : قال الله سبحانه في محكم كتابه المجيد :

( ولو ان اهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) (٢).

بين الله سبحانه بهذه الآية المباركة السبيل القويم الذي يؤدي بسالكه الى السعادة في الدنيا والآخرة حيث يكون سبباً لنزول البركات واحاطتها به من جميع الجهات وهي البركات الاقتصادية والاخلاقية والسياسية والامنية والتربوية ونحوها.

وهذا السبيل هو الإيمان الصادق والعمل الصالح والخلق الفاضل

__________________

(١) ألقيت هذه الخطبة في مسجد الإمام المهدي ( عج ) في ١٣ ـ ٣ ـ ١٩٩٦ م.

(٢) سورة الاعراف ، الآية : ٩٦.

٤١

ـ وقد عبر الله سبحانه عما يترتب على الإيمان الصادق ويساهم معه في عملية فتح باب البركات السماوية والارضية بعنوان عام يشمل كل ما ذكر بعده اي بعد الإيمان من العمل الصالح والخلق الفاضل وهذا العنوان هو التقوى حيث قال سبحانه : ( ولو ان اهل القرى ءامنوا واتقوا ) (١) إلخ.

وقد بينت في الحديث السابق الوجه في إيصال التقوى صاحبها الى الكمال والسعادة باعتبار ان المراد منها اي من التقوى نفس ما يراد من العبادة بمعناها العام المتمثل بفعل الواجبات وترك المحرمات.

وحاصل ما ذكرته في مقام بيان تأثير العبادة في نيل العابد التقي الكمال والسعادة هو ان الله سبحانه عليم وحكيم ورحيم فلا يأمر بشيء الا لمصلحة تعود الى المكلف ولا ينهى عن شيء الا لمفسدة تترتب عليه والله برحمته وحكمته يريد ابعاد الانسان عن هذه المفسدة ومن الواضح ان الإنسان الملتزم بالرسالة السماوية بالإيمان الواعي والتقوى والعمل الصالح اذا نفذ التزامه وفعل ما ينفعه ويرفعه وترك ما يضره ويحطمه مادياً ومعنوياً ـ فلا بد ان ينال ما اراد الله سبحانه ان يناله من الكمال والسعادة.

الإسلام دين السعادة والسلام :

هذا من الجانب الإيجابي الذي صرحت به هذه الآية المباركة واما الجانب السلبي الذي ذكرته بقوله سبحانه : ( ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) (٢) فيحتاج الى مقدار من التوضيح فأقول :

المراد بالتكذيب الذي يترتب عليه عكس ما ترتب على التصديق

__________________

(١) سورة الاعراف ، الآية : ٩٦.

(٢) سورة الاعراف ، الآية : ٩٦.

٤٢

الإيماني والتطبيق العملي ـ هو ما يشمل التكذيب العملي المتمثل بعدم العمل بمقتضى الإيمان لانه يشترك مع التكذيب الإيماني في النتيجة السلبية وهي عدم إدراك الإنسان الكافر او المؤمن بلا عمل ـ ما اراد الله سبحانه له ان يصل اليه ويحصل عليه من نزول الخيرات والبركات والتمتع بالرخاء والسعادة في جميع المجالات ـ وقد نص الله سبحانه على هذه النتيجة بقوله عز وجل : ( والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) (١).

وقد أشرت الى مضمون هذه السورة المباركة بالابيات التالية :

والعصر إن المرء في خـسران

وشقاوة ومذلة وهـــوان

إلا الألى(٢) عرفوا الإله وطبقوا

نهج الهدى وشريعـة القرآن

وغدا يوصي بعضهم بعضاً هنا

بالحق والصبر الجميل الباني

وإذا اردنا ان ندرك بوضوح وجلاء مدى تأثير الرسالة السماوية في سعادة الانسان وتقدمه في مختلف المجالات والميادين فما علينا الا نلقي نظرة على الوضع العام في العالم والخاص في الجزيرة العربية وكيف كان قبل بزوغ شمس الرسالة الاسلامية وكيف اصبحت الامة بعد بزوغها وخروجها بها من الظلمات الى النور؟.

المقارنة بين الوضع الجاهلي الذي كانت الامة عليه

والوضع الرسالي الذي وصلت اليه :

كل من اطلع على تاريخ الامم والشعوب يعرف الوضع الجاهلي

__________________

(١) سورة العصر ، الآيات : ١ ـ ٢ ـ ٣.

(٢) الألى وهي بمعنى الذين.

٤٣

الذي كان مسيطراً عليها لتعيش حالة الشرذمة والانقسام ، والعداوة والخصام مع الشرك والعكوف على عبادة الاصنام وكان الجاهلي إذا اظلم الليل ركب فرسه وحمل سيفه ورمحه وانطلق ليسطو على القبائل الاخرى ويسلب منها ما يتمكن من سلبه ثم يعود مفتخراً بذلك وانه ابن الليل الذي يقتحم الاهوال بشجاعة وبطولة وإذا خانه الحظ ولم يتوفق لادراك امنيته المنشودة سطا على قبيلته ليدرك غايته منها.

وأما المرأة فقد كانت في ظل الوضع الجاهلي سلعة تباع وتشترى في سوق المتاع الرخيص بعد ان فقدت قيمتها وحرمت من حقوقها المادية والمعنوية فلا حق لها في الإرث ويشاركها في الحرمان منه الطفل لانهما ضعيفان لا يقدران على الحرب والتصدي للدفاع إذا تعرضت القبيلة للعدوان من قبل جهة خارجية معادية.

وقد تطور هذا الموقف السلبي تجاه الفتاة الوليدة بصورة خاصة عند بعض القبائل الى درجة الإعدام ودفنها حية اول ولادتها خوفاً من الفقر والعار والى هذه الظاهرة الجاهلية المقيتة اشار الله سبحاهه بقوله :

( وإذا الموءدة سئلت * بأي ذنب قتلت ) (١).

هذه صورة مختصرة عن الوضع الجاهلي الذي كان سائداً في الجزيرة العربية بين أفراد امتها حيث لم يكن هناك شرع عادل يمنع ولا ضمير انساني يردع وعلى هذا الوضع المتردي يقاس وضع بقية الشعوب والامم في العالم.

وقد اشرت الى ذلك بمقطوعة شعرية نظمت سابقاً والقيت في

__________________

(١) سورة التكوير ، الآيتان : ٨ ـ ٩.

٤٤

بعض المناسبات الدينية وسأذكرها (١) بعد الحديث ولو موجزاً عن الوضع الإيجابي الرسالي الذي تحولت له الامة بعد استضاءتها بنور الدين الإسلامي الحنيف الذي بعث به رسوله الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليكون رحمة للعالمين

بيان سبب خروج الامة من الحالة الجاهلية الى الحالة الرسالية :

وقد تحققت هذه الرحمة على يد هذا الرسول العظيم الرحيم الذي استطاع برحمته وحكمته وصبره وحلمه ان يجعل من تلك الامة الجاهلية التائهة في ظلمات الجهالة والضلالة خير امة اخرجت للناس تأمر بالمعروف بعد فعله وتنهى عن المنكر بعد تركه.

ولم يكن هذا التحول في الوضع الخارجي إلا بعد حدوث التحول والتغير في الوضع الداخلي بتبدل المفاهيم والعقائد والتقاليد من الحالة الجاهلية التائهة الى الحالة الرسالية المهتدية فالشرك العقيدي والعبادي تحول الى التوحيد الخالص في الإيمان والعقيدة والإطاعة والعبادة ـ والظلم والعدوان تحول الى العدل والبر والإحسان حيث اصبح الإنسان في ظل رسالته العادلة الرحيمة يجول في الليل ليقدم صدقة السر ويوزع ويزرع العطف والامان بعد ان كان في ظل وضعه الجاهلي يوزع الرعب والعدوان.

كما تحول من حالة الشح والاستئثار الى حالة الجود والإيثار وقد مدحهم الله سبحانه واثنى على هذه الظاهرة الإنسانية النبيلة بقوله تعالى :

__________________

(١) قد عدلت عن ذلك ورجحت تأخير ذكرها الى حديث آخر وذلك بسبب ضيق المجال وطول المقال.

٤٥

( ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) (١).

وكذلك تحولت المرأة في ظل الرسالة السماوية العادلة من الوضع الجاهلي المؤلم الى الوضع الرسالي الراحم حيث نالت جميع حقوقها المادية والمعنوية وشاركت اخاها الرجل في الحقوق والواجبات ولا فضل لاحدهما على الآخر الا بالتقوى والعمل الصالح والقيمومة ليست تفضيلاً للرجل على المرأة بل هي تكليف ومسؤولية اقتضتها طبيعته ودوره الخاص كما ان زيادة سهمه في الإرث ليس ترجيحاً وتفضيلا بل هو عدالة ومساواة بلحاظ النتيجة والنهاية التي تفسر وجه الزيادة في البداية لانه يدفع المهر وهي تأخذه ونفقتها مع نفقة الوالدين والاولاد واجبة عليه وحده حتى وان كانت غنية وكان فقيراً لان فقره لا يسقط عنه وجوب نفقتها بل تستقر دينا في ذمته يؤديه وقت التمكن وتفصيل الكلام في محله.

الاسلام دين العدالة والمساواة :

وهكذا تحولت البنت من عار يسبب لوالدها الانفعال واسوداد الوجه وربما تطور ذلك حتى يؤدي الى الدفن والاعدام كما تحدث القرآن الكريم ، الى ريحانة يشمها ويسر بشذاها العاطر في الدنيا والى حسنات يشتري بها نعيم الجنة في الآخرة ـ وقد وردت روايات عديدة حول هذا الموضوع ـ منها ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : « من كانت له ابنتان فرباهما واحسن تربيتهما ضمنت له على الله الجنة ».

وورد أيضاً ما يفيد هذا المضمون بالنسبة الى الاخت وهكذا اعطى

__________________

(١) سورة الحشر ، الآية : ٩.

٤٦

الإسلام العناية الفائقة بالمرأة عندما تصبح زوجة حيث امر بمعاشرتها بالمعروف ومعاملتها بالعطف والحنان والبر والإحسان وقوى درجة هذه العناية في حقها عندما تصبح أماً.

قال سبحانه : ( وعاشروهن بالمعروف ) (١).

وقال الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي وإن الرجل ليؤجر باللقمة يضعها في فم زوجته ».

وهناك روايات عديدة تحث الرجل على مساعدة زوجته في بعض الامور المنزلية ورتبت على ذلك الثواب العظيم.

وقال سبحانه في مقام بيان أهمية حق الوالدين حيث اعتبر الإحسان إليهما في الدرجة التالية لعبادته وحده سبحانه :

( * وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ) (٢).

وفي الآية التالية ذكر الأم على حده بعد ان اوصى الولد بوالديه معاً وهي قوله تعالى :

( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن ) (٣).

ويتجلى مدى اهتمام الإسلام بالمرأة الأم ـ من الرواية المشهورة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحاصلها ان رجلاً جاء الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله من أبر؟ ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أمك » قال ثم من ، قال : « أمك » قال : ثم

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ١٩.

(٢) سورة الإسراء ، الآية : ٢٣.

(٣) سورة لقمان ، الآية : ١٤.

٤٧

من؟ قال : « أمك » قال ثم من؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أباك ».

ومن مجموع ما تقدم ظهر لنا مدى اهتمام الاسلام بالمرأة بنتاً وزوجة وأماً ومدى اهتمامه بشأن الوالدين وخصوصاً الأم.

ومن اجل إقامة بناء الاسرة على اساس وطيد من المحبة والاحترام المتبادل جعل لكل فرد منها حقاً على الآخر حيث جعل للوالدين حقاً على الاولاد كما جعل للأولاد حقا على الوالدين وجعل للزوجة حقوقا على الزوج وجعل له حقوقا عليها واوجب على كل فرد ان يؤدي ما عليه من الحق للآخر لان ذلك يقوي العلاقة ويعمق المودة وينشر الحب والحنان والبر والاحسان في اجواء الاسرة ويجعل منها وحدة متماسكة متضامنة كالجسم الواحد بحيث إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالسهر والحمى كما ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مقام تشبيه المؤمنين المتعاطفين المتضامنين بالجسد الواحد ـ ومن المعلوم ان وحدة الاسرة وتضامنها يساهم مساهمة فعالة في وحدة الاسرة الكبيرة المجتمع لانه مؤلف من مجموعة الاسر الصغيرة ومن هنا يكون تابعاً لها ومتأثراً بها قوة وضعفا وحدة وتفرقا وكما جعل الاسلام حقوقا وواجبات بين افراد الاسرة من اجل تقويتها وايصالها الى خيرها وسعادتها في دنياها وآخرتها كذلك جعل حقوقا لافراد الاسرة الكبيرة المجتمع وطلب من كل واحد منهم ان يؤدي ما عليه من الحق نحو الآخرين.

نظام الحقوق والواجبات في الإسلام :

ويتمثل ذلك بما جعله من الحق للجار على جاره وللمؤمن على اخيه في الإيمان وللإنسان على اخيه في الإنسانية وحيث ان الإسلام دين

٤٨

الرحمة والفضيلة فقد وسع دائرة الحق الإنساني ليشمل الحيوان حيث جعل له حقا على الإنسان وسأشير باختصار الى هذه الحقوق ليعرف كل إنسان ما له وما عليه من حق فيؤدي ما عليه ويطالب بماله بالاسلوب الإسلامي القائم على اساس الحكمة والموعظة الحسنة.

ويترجح الابتداء بذكر الحقوق الثابتة لبعض افراد الاسرة على البعض الآخر.

فأقول : ذكر الفقهاء وعلماء الاخلاق ان لكل واحد من الزوجين حقوقاً على الآخر وذكروا من حقوق الزوجة ما يلي بلسان الإمام زين العابدين عليه‌السلام في رسالة الحقوق :

وحق الزوجة ان تعلم ان الله عز وجل جعلها لك سكناً وأنساً وتعلم ان ذلك نعمة من الله تعالى عليك فتكرمها وترفق بها وان كان حقك عليها اوجب فإن لها عليك ان ترحمها لانها اسيرك وتطعمها وتكسوها فإذا جهلت عفوت عنها.

وقد ورد في كتاب مكارم الاخلاق عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يفيد ويبين حق الزوج على الزوجة بكلا قسميه الواجب والمستحب كما يظهر من ذكر بعض الامور المستحبة له وليست واجبة عليها وذلك هو ما روي عنه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، « حق الرجل على المرأة إنارة السراج وإصلاح الطعام وان تستقبله عند باب بيتها فترحب به وان لا تمنعه من نفسها الا من علة ».

حق الأبوين على الاولاد وحقهم على الوالدين :

وبين الإمام زين العابدين في رسالة الحقوق حق الأم

٤٩

بقوله عليه‌السلام : فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً الى ان يقول في آخر كلامه : فتشكرها على قدر ذلك ولا تقدر عليه الا بعون الله وتوفيقه.

فقد بين الإمام عليه‌السلام بكلامه هذا ان من حق الأم على ولدها ان يعرف فضلها ويعترف بحقها عليه ثم يشكرها على هذا الفضل بالبر والإحسان والإطاعة في غير معصية الله تعالى.

وحق أبيك ان تعلم انه اصلك وانه لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك ما يعجبك فاعلم ان أباك أصل النعمة عليك فيه فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله.

ومقصود الإمام عليه‌السلام من بيان حق الأب على الولد بالأسلوب المذكور هو ان يندفع بعامل الدين والاخلاق والإنسانية لمكافأة أبيه على إحسانه بالبر والاحسان والعطف والحنان والاطاعة في غير معصية الله سبحانه وفي غير ما يوجب له الضرر او العسر والحرج ـ ونفس الشيء يقال بالنسبة الى الأم كما سبق.

وبين الإمام عليه‌السلام حق الولد على والده بقوله : وحق ولدك ان تعلم انه منك ومضاف اليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وانك مسؤول عما وليته من حسن الادب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته فاعمل في امره عمل من يعلم انه مثاب على الإحسان اليه معاقب على الاساءة اليه.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله في هذا المجال : حق الولد على والده أن يحسن اسمه ويعلمه الكتابة ويضعه موضعاً صالحاً.

٥٠

وأضيف في رواية أخرى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الى تحسين الاسم وتعليم الكتابة حق الولد في التزويج إذا بلغ (١).

حق الجار على جاره والأخ على أخيه :

وبين الإمام عليه‌السلام حق الاخ على أخيه في رسالته ايضاً بقوله : وحق اخيك ان تعلم انه يدك التي تبسطها وظهرك الذي تلتجىء اليه وعزك الذي تعتمد عليه وقوتك التي تصول بها فلا تتخذه سلاحاً على معصية الله ولا عدة لظلم خلق الله ولا تدع نصرته على نفسه ومعونته على عدوه والحؤول بينه وبين شياطينه وتأدية النصيحة له والإقبال عليه في الله فإن انقاد لربه واحسن الإجابة له والا فليكن الله اثر عندك واكرم عليك منه.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق الجار انه قال : هل تدرون ما حق الجار؟ ما تدرون حق الجار إلا قليلا الا لا يؤمن بالله واليوم الآخر من لا يأمن جاره بوائقه وإذا استقرضه ان يقرضه وإذا اصابه خير هنأه وإذا اصابه شر عزاه ولا يستطيل عليه في البناء يحجب عنه الريح الا بإذنه وإذا اشترى فاكهة فليهد له وان لم يهد له فليدخلها سراً ولا يعطي صبيانه منه الشيء يغايظون صبيانه (٢).

وورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام بيان حق المسلم على اخيه المسلم مع حصره في سبعة حقوق حيث قال عليه‌السلام لعلي بن خنيس عندما سأله بقوله : ما حق المسلم على المسلم ، فأجابه بما حاصله : أيسر حق منها

__________________

(١) عن الحديقة الناشرية ص ٩٠.

(٢) عن الحديقة الناشرية ص ١٩٩.

٥١

ـ أي من السبعة ـ أن تحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك.

والحق الثاني : أن تجتنب سخطه وتتبع مرضاته.

والحق الثالث : أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك.

والحق الرابع : أن تكون عينه ودليله ومرآته.

والحق الخامس : أن لا تشبع ويجوع ولا تروى ويظمأ ولا تلبس ويعرى.

والحق السادس : أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم فواجب ان تبعث خادمك فيغسل ثيابه ويصنع طعامه ويمهد فراشه.

والحق السابع : أن تبر قسمه وتجيب دعوته وتعود مريضه وتشهد جنازته وإذا علمت ان له حاجة تبادر الى قضائها ولا تلجئه الى ان يسألها إلخ (١).

وإذا نظرنا الى جوهر الدين الإسلامي وما يحفل به من السماح ، والرحمة والانفتاح ليعم ذلك الى سائر افراد المجتمع على ضوء نظرته الشاملة ورحمته الواسعة ندرك السر في شموله لكل الناس بعدله ومساواته بين افراد المجتمع بالبر والإحسان ومهد لذلك نظرياً باعتباره الإنسان أخا الإنسان في الخلق والإنسانية كما يوحي بذلك الحديث النبوي القائل :

الإنسان اخو الإنسان أحب أم كره ـ ويلتقي معه في المضمون ما ورد من قول الإمام علي عليه‌السلام في عهده لمالك الاشتر ما حاصله : الناس صنفان إما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق.

__________________

(١) عن الحديقة الناشرية ص ٨٣ و ٨٤.

٥٢

حق المسلم على أخيه المسلم :

ويأتي التطبيق العملي من قبل أهل البيت عليهم‌السلام والسائرين على نهجهم لتلك الاخلاق السامية والتعاليم السمحاء شاهد صدق على مثالية الرسالة الإسلامية وسمو اخلاق الملتزمين بها ، من ذلك موقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جاره اليهودي بالسماح والعفو الذي تمثل بسعيه لعيادته رغم اساءته المتكررة وإيذائه المثير وموقف الإمام علي عليه‌السلام من ذلك النصراني عندما وجده يستجدي ويطلب المعونة من الآخرين حيث استنكر هذه الظاهرة وأمر بأن يجعل له عطاء شهري من بيت مال المسلمين ، ومما سبق نعرف السر في تعميم الدين الدعوة الى الرحمة والرفق حتى بالحيوان حيث اوجب على مالكه ان يقدم له مايحتاج اليه من الطعام والشراب والعلاج وحرم عليه التقصير في حقه ان يرهقه بأي سبب من الأسباب المرهقة له ومن هذا المنطلق كان نهيه عن ان تجعل ظهور الحيوانات المركوبة كراسي ومجالس لأصحابها ـ عندما وجد قوماً يتحدثون وهم راكبون وقد اوقفوا حيواناتهم في الطريق وطلب منهم النزول عنها او السير بها نحو غايتهم من أجل ان يخفف عن تلك الحيوانات ويرفع عنها المزيد من المشقة.

الإسلام دين الرفق حتى بالحيوان :

ومن ذلك يظهر الوجه في استحقاق امرأة العقاب بسبب حبسها هرة وعدم تقديم ما تحتاجه من الطعام والشراب ومنعها من الانطلاق لتحصل ذلك خارج نطاق هذا الحبس اللئيم كما يظهر الوجه في استحقاق رجل الثواب ودخوله الجنة بسبب سقيه كلباً وجده في صحراء

٥٣

على حالة شديدة من العطش ـ على ما ورد في بعض الروايات المتضمنة لهاتين القصتين المتضادتين.

وبمجموع ما تقدم في هذا الحديث من اوله الى آخره يظهر لنا بجلاء ووضوح واقعية المضمون الذي يشير اليه موضوعه وهو ( الإسلام سبيل السعادة والسلام ) ، وذلك لانه مشرع من قبل خالق الإنسان العالم بما يصلحه ويصلح له من النظم العادلة الكاملة التي تحقق له أهدافه وتطلعاته في مختلف المجالات كما تعالج جميع مشكلاته الطارئة وتساير جميع التطورات الحادثة لتقدم لكل موضوع حكماً ولكل حاجة قضاء ولكل مشكلة حلاً.

وقد ذكرت في بداية هذا الحديث الوضع الجاهلي المتردي الذي كانت عليه الأمم والشعوب عامة والامة العربية خاصة قبل الإسلام وكيف تحولت وتطورت الامة العربية واصبحت خير أمة أخرجت للناس ببركة التزامها بالإسلام إيمانا وعملاً.

وأخيراً تركت هذا الدين العظيم وطبقت النظم المستوردة من الشرق والغرب فرجعت الى ما كانت عليه في ظل الجاهلية الاولى من التفرق بعد الوحدة والضعف بعد القوة والذل بعد العزة والهزيمة بعد النصرة ـ وتأتي مأساة فلسطين وسقوطها في ايدي الغاصبين المعتدين رغم قلة عددهم وكثرة عدد الامتين العربية والإسلامية لتكون شاهد صدق على واقعية هذه الحقيقة المرة التي اشرت اليها بأبيات قلت فيها :

هــذي الحقيقة مـرة لكنها

جـاءت نتيجة ما جنته يدانا

لم يـنصر الله اليهود وإنـما

خذل الألى قد أهملوا القرآنا

هذا الـكتاب مهدد ومبــلغ

أياً تهز القلب والــوجدانا

إن تنصروا الله الجليل أثابكم

نصراً وإلا نلتم الخــذلانا

٥٤

لا سعادة ولا سلام إلا في ظل الإسلام :

وعلى ضوء هذه الحقيقة الموضوعية ندرك جيداً ان الامة العربية لن تعود الى سابق قوتها وعزتها والامة الإسلامية لن ترجع الى سالف وحدتها واصالتها واستقلالها إلا بمصدر ذلك كله وهو الإسلام لأنه وحده سبيل السعادة والسلام فمن سلكه وصل إليهما ومن تركه وقع في ضدهما وضد السعادة الشقاء وضد السلام الحرب.

وبذلك يعرف السبب في شيوع الاضطراب والحروب ويظهر أيضاً تفسير قوله تعالى :

(ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكنهم كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون )

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم أيها الإخوان الأعزاء أولاً وآخراً ورحمة الله وبركاته.

٥٥

الخطبة الخامسة (١)

دور الجهاد والشهادة في صون الأمة والرسالة

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

السلام عليكم أيها الاخوان الأعزاء والأبناء الأحباء ورحمة الله وبركاته.

وبعد : حيث اننا نعيش في هذه الايام في اجواء الشهادة والشهداء نظراً لانتقال مجموعة من أبنائنا المجاهدين المقاومين الحسينيين الى جوار الله سبحانه راضين مرضيين اقتضى ذلك ان نقدم لكم اليوم حديثا من وحي الشهادة والشهداء لنعرف قيمة الشهادة ودورها في حفظ الرسالة من الانهيار والامة من الانحلال والوطن من الاحتلال وتحريره منه بعد حصوله.

فأقول : إن للشهادة منزلتها السامية في الشريعة الإسلامية الغراء

__________________

(١) ألقيت هذه الخطبة في مسجد الإمام المهدي ( عج ) في ٧ ـ ٤ ـ ١٩٩٦ م.

٥٦

وقد نبه الله سبحانه على ذلك بالعديد من آيات كتابه الكريم كما نبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليها بالكثير من روايات سنته المطهرة وروي عن الإمام علي عليه‌السلام ما يلتقي معه بالمضمون والمحتوى لأنهما نفس واحدة تنهل من منبع واحد.

من جملة ما ذكره الله سبحانه في مقام بيان عظمة الشهادة والشهداء قوله تعالى : ( * إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم واموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التورات والإنجيل والقران ) (١).

ولا بد لنا من وقفة قصيرة أمام محتوى هذه الآية المباركة لنعرف الوجه في دلالتها على اهمية الجهاد والاستشهاد.

فأقول : قد بين الله سبحانه بهذه الآية الكريمة أنه وقع بينه وبين عباده المؤمنين عقدُ بيع وشراء تتوفر فيه كل العناصر الاساسية التي يجب ان تتوفر في عقد البيع وهي اربعة البائع والمشتري والثمن والمثمن ، والبائع في هذا العقد السماوي والتجارة الرابحة هو المؤمنون والمشتري هو الله سبحانه والمثمن هو الانفس والاموال والثمن هو الجنة ـ وقد شاءت الحكمة الإلهية ان يضم الله سبحانه الى تلك الاركان الاساسية المحققة لطبيعة عقد البيع ما جرت العادة على حصوله بين المتعاقدين من سند للعقد يثبت حصوله ويؤكد تحقيقه بينهما وهو ما صرح به تعالى بقوله : ( وعداً عليه حقاً في التورات والإنجيل والقران ) (٢).

وهنا آية (٣) أخرى تلتقي مع الآية المذكورة بالمحتوى والمضمون

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية : ١١١.

(٢) سورة التوبة ، الآية : ١١١.

(٣) عبرت بكلمة أية عن الآيتين ١٠ و ١١ ـ لأنهما بمنزلة الآية الواحدة ..

٥٧

وهي قوله تعالى : ( يأيها الذين ءامنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وانفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) (١).

أهمية الجهاد ودور الاستشهاد في صون الرسالة وتحرر الأمة :

والوجه في دلالة هاتين الآيتين المباركتين على أهمية الجهاد وما يترتب عليه من الشهادة والاستشهاد هو ان الله سبحانه نص عليه بالخصوص في مقابل سائر الاعمال القربية الواجبة او المستحبة كالصلاة والصيام والحج والزكاة وغيرها من الواجبات التي لها اهميتها في الإسلام حيث اعتبرت من اركانه التي بني عليها.

وتظهر أهمية فريضة الجهاد من خلال ملاحظة ما يترتب عليه من الفوائد العظيمة والمنافع الجسيمة التي اشرت اليها اجمالا في صدر هذا الحديث مبيناً دوره في صون الامة من الانحلال وتحرير الوطن من الاحتلال وحفظ الرسالة من الانهيار وتفصيل ذلك ان الله سبحانه وهو الحق قد أنزل الرسالة الحق على نبيه الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليخرج بها الناس من الظلمات الى النور ويحققوا بذلك الهدف السامي الذي خلقهم من اجله وهو عبادته وحده لا شريك له من اجل ان يتوصلوا بهذه العبادة الى ما اراد لهم أن يصلوا إليه من الكمال والسعادة وحيث أن الحق المتمثل بكل ما انزله سبحانه على رسله كان ولا يزال محارباً من قبل انصار الباطل واتباعه في كل ادوار التاريخ لانه يقف في وجه اهوائهم ويمنعهم من الانطلاق في ميادين غرائزهم الجامحة الى تحقيق اطماعهم الطامحة فكان لا بد لصرح الدين الحق من سور يحجبه من العدوان واعداد حراس مبدئيين يقفون في وجه اعتداء المعتدين ويجاهدون في سبيل

__________________

(١) سورة الصف ، الآيتان ١٠ ـ ١١.

٥٨

تطهيره وتحريره إذا قدر له ان يحتل من قبل الظالمين الغاصبين وجاءت فريضة الجهاد لتكون ذلك السور المانع كما جاء جهاد المؤمنين المناضلين ليحقق الحراسة الحافظة والصيانة المانعة.

سبب محاربة الكفار والمنافقين لشريعة رب العالمين :

وتظهر لنا هذه الحقيقة بصورة واضحة عندما نلقي نظرة موضوعية فاحصة على الفترة الصعبة التي خاضت فيها الطليعة الاسلامية الاولى اصعب مراحل الجهاد وادقها عندما هبت في وجهها قوى الشرك والانحراف العقيدي والعملي لتضع حداً لزحف الإسلام المقدس فتمنع شمسه من الإشراق ونوره من التألق والانطلاق في آفاق الوجود الرحبة واجوائه الواسعة.

فولا ثبات الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذين آمنوا معه على صعيد الجهاد الاكبر وتحملهم كل انواع الاذى النفسي والجسدي من أجل نصرة المبدأ الحق والجهاد الجديد في سبيل انتشاره ـ لما استطاع هذا المبدأ العظيم ان يصمد في مرحلته الاولى المكية امام تلك التحديات الصعبة ويشق دربه بصعوبة تحت جنح الظلام حتى تحول بعد ذلك بعون الله سبحانه وتوفيقه من مرحلة الدعوة في مكة الى مرحلة الدولة في المدينة حيث بدأت مرحلة جديدة وصعبة من مراحل الجهاد من اجل صون هذه الدولة الفتية من اعتداء المشركين وطغيان الظالمين ـ وحيث كان الجهاد في سبيل الله ونصر دين الله سبحانه ـ فقد كلله تعالى بالنصر والتأييد وفاء بوعده الذي قطعه على نفسه حيث قال : ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) (١).

__________________

(١) سورة محمد ، الآية : ٧.

٥٩

وإذا لاحظنا الاسباب والعوامل التي انطلقت منها الحروب الرسالية بقيادة الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نجدها كلها كانت دفاعية من اجل وضع حد لعدوان المعتدين والانتصار لشريعة رب العالمين وهذا وذاك هو السبب في نصر الله سبحانه لعباده المجاهدين في كل تلك المعارك التاريخية التي خاضوها لنصرة الحق والعدل وانقاذ المستضعفين من استكبار الظالمين.

قوة الإيمان والإخلاص في النية مصدر النصرة وعكسه مصدر الهزيمة :

أما انتكاسة أُحد فقد جاءت نتيجة طبيعة لمخالفة أولئك المرابطين للتعاليم السماوية التي قدمها لهم الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤكداً عليهم البقاء في مكانهم مهما كان سير المعركة ـ وقد طبقوا اول الامر هذه التعاليم ونصروا الله بذلك فنالوا النصر منه وعندما خالفوها وتركوا سبب النصر حرموا منه ووقعوا في عكسه.

وكذلك الهزيمة التي اصيب بها المسلمون اول الامر في معركة حنين كانت نتيجة لغرور بعضهم واعتداده بكثرة العدد جاهلاً بأن النصر يأتي بعناية الله سبحانه وتوفيقه عندما يتوكل المجاهدون عليه ويثقون بأن النصر من عنده يعطيه من يشاء متى يشاء عندما تتوفر مؤهلاته ومقدماته الخارجية بالاعداد والاستعداد مع مقدماته النفسية بالاخلاص في النية والتوكل عليه سبحانه حيث قال :

« ومن يتوكل على الله فهو حسبه » وقال تعالى :

٦٠