من وحي الإسلام - ج ١

الشيخ حسن طراد

من وحي الإسلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسن طراد


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

هذه الملاحظة الواعية توحي لنا بما قدمه لنا الإسلام من نظام صحي شامل يتناول الجانب الوقائي بدقة واهتمام كامل.

أما الجانب العلاجي فقد اولاه الله سبحانه العناية الفائقة في مجالين احدهما تكويني والآخر تشريعي ـ أما التكويني فهو يتمثل في الكثير من النباتات والاعشاب التي اودع الله فيها برحمته وحكمته الكثير من الادوية والعلاجات المساعدة على التخلص والشفاء من الامراض التي يتعرض الإنسان للإصابة بها هذا مضافاً الى الكثير من الفواكه والمأكولات النباتية التي تحمل في طيها عنصري الغذاء والدواء معاً.

أما المجال التشريعي فيظهر بما اودعه الله سبحانه في الإسلام من التشريع الباعث للمكلف او لولي المريض الى مراجعة الطبيب المختص لغاية تشخيص الداء واستعمال ما يصفه له من الدواء ولا يتنافى هذا مع الاعتقاد بأن الله سبحانه هو المعافي والطبيب الواقعي الذي يستند اليه الشفاء.

وذلك لأن الله سبحانه قد شاءت حكمته ان تنال المسببات بأسبابها وحيث جعل سبب الشفاء بدواء خاص لا يعرف به الا الطبيب المتخصص.

لذلك يأمرنا بالرجوع إليه من اجل تحصيل السبب واما المسبب وهو الشفاء المطلوب فهو يرجع الى إرادة الله سبحانه وحكمته فإن شاء رتبه عليه وإن شاء بقي كل شيء على حاله والمؤمن الواعي المتوكل عليه يترك النتيجة اليه ويرضى بكل ما يقدره له فإن قدر له نجاح سعيه وحصول مطلوبه شكره على ذلك وإن قدر له عكس مراده ـ صبر ـ وقال

٢١

بلسان الثقة والتسليم : ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمه بعاقبة الامور.

وبملاحظة المنهج الحكيم والتدبير السليم الذي اعتمده الإسلام في مقام انقاذ البشرية من اضرار واخطار المشكلات الثلاث موضوع الحديث بصفته تشريعاً كاملاً صادراً من الإله العادل الكامل خالق الإنسان العارف بما يصلحه ويصلح له من التشريعات في مختلف الميادين والمجلات.

أجل : بالملاحظة الموضوعية العميقة لمصدر هذا التشريع العظيم والغاية السامية التي شرعه الله سبحانه من اجل تحيقيقها وهي سعادة الإنسانية وتقدمها في مختلف المجالات وفي كل العصور ، ندرك جيداً قابليته وقدرته على مسايرة التطور ومواكبة الاوضاع الطارئة ليجد فيه الانسان حكماً لكل موضوع وحلاً لكل مشكلة وتحقيقاً لكل حاجة فلاً يجد نفسه مضطراً لاستجداء الحلول من النظم المستوردة كما توهم الكثيرون حتى من أبناء الامة الإسلامية نتيجة تأثرهم بالشبهات التي أثيرت حول تشريع السماء من قبل اعدائه وانه افيون الشعوب وان الالتزام به عقيدة وعملاً يمثل الرجعية والتخلف.

الإسلام دين الحضارة والتطور :

وقد رد الشاعر الإسلامي الكبير على هذه الدعاوي الفارغة بأبيات مليئة بالحكمة والمنطق والواقعية وهي كما يلي :

يقــولون في الإسلام نقص لأنه

يعيق ذويه عن ضـروب التقدم

فإن كـان ذا حقــاً لماذا تقدمت

أوائلنا فـي عـصرها الـمتقدم

إذا كـان ذنب الـمسلم اليوم جهله

فماذا على الإسلام من ذنب مسلم

٢٢

وانسجاماً مع هذا الجو الشعري والشعوري أحببت ان اختم حديثي هذا بمقطوعة شعرية تلتقي بالمضمون والاسلوب مع المقطوعة التي كانت الافتتاحية والمفتاح لباب الحديث حول الموضوع الخاص المحدد له وهي كما يلي :

الديـن أفضل ما يرقى بـه البشر

نحو الكمال وما يجنى به الوطر

أوحى به الله منهاجاً تشع بـــه

مقاصد الخير والآمال تــزدهر

تزهو الحقيقة في ميزان شـرعته

ويخلد الجوهر الوضاء لا الصور

فالمنــهج الحق لا أهواء مبتدع

والحاكــم الله لا زيـد ولا عمر

والمقصد الخير خير النـاس كلهــم

لا نفع بعض وإن اودى بنا الضرر

نالت به الفتح أقوام به اعتصمت

وسـار في ركبها التأييـدُ والظفر

واليوم ضل بها الحادي فأوردها

مناهل الغي حيث الجبنُ والخـور

فعاد عاراً لها نصرُ الجدود ومـا

كـــانت تتيه به عزاً وتفتـخر

وتلك حـكمة وحي الله ناطقــة

عبر القرون لمن يصغي ويعتبـر

من ينصـر الله ينصر في مواقفه

ومن يخالف مخذول ومنكـسـر

والسلام عليكم أيها الإخوان الاعزاء والابناء الاحباء ورحمة الله وبركاته.

٢٣

الخطبة الثانية (١)

حديث ديني من وحي ميلاد الإمام الرضا عليه‌السلام

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين والسلام عليكم أيها الإخوان الاعزاء والابناء الاحباء ورحمة الله وبركاته.

وبعد : في الحادي عشر من هذا الشهر شهر ذي العقدة الحرام من سنة ١٤٨ هجرية وهي نفس السنة التي استشهد فيها جده الإمام الصادق عليه‌السلام كانت ولادة الإمام الرضا عليه‌السلام وشهادته كانت في السابع عشر من شهر صفر من سنة ٢٠٣ هجرية ـ فيكون عمره الشريف يوم شهادته ٥٥ سنة ـ على المشهور في ولادته وشهادته.

نسبه من جهة الأب : نور على علم لا يحتاج الى بيان شرفه وسمو درجته وإذا ذكر فيكون من اجل التبرك ونيل الثواب فهو نجل الإمام الكاظم نجل الإمام الصادق نجل الإمام الباقر نجل الإمام زين العابدين

__________________

(١) ألقيت هذه الخطبة في مسجد الإمام المهدي ( عج ) في ١٠ ـ ١١ ـ ١٤١٦ هـ.

٢٤

نجل الإمام الحسين سيد الشهداء نجل الإمام علي سيد الإوصياء عليهم‌السلام :

نسب كأن عليه من شمس الضحى

نورا ومن فلق الصباح عمودا

ما فيه إلا سيد مــن ســيـد

حاز المكارم والتقى والجـودا


واما أمه : فهي كسائر امهات بقية الأئمة من حيث الاتصاف بالتقوى والصلاح والنجابة ـ لأن كل واحد منهم كان يختار لنفسه افضل النساء لتكون له خير زوجة ولاولاده خير ام لما هو المعلوم من وجود الأثر البليغ والدور البارز للأمهات في نجابة الابناء وحسن صورتهم واستقامة سيرتهم نظراً لتأثير عامل الوراثة وحسن التربية في صلاح الذرية :

قال الشاعر :

والأم مدرسة إذا أعددتها

أعددت شعباً طيب الأعراق

واسم والدته : هذه تكتم وقيل نجمه والمشهور هو الاول وقد ورد في مدح بعض الشعراء للإمام الرضا عليه‌السلام بقوله :

ألا إن خير الناس أما ووالدا

ورهطاً وأجداداً علي المعظم

أتتنا به للعلم والحلم والحجى

إماماً يؤدي حجة الله تكــتمُ

ومن المعلوم ان النسب وإن كان شريفاً ورفيعاً لا قيمة له في ذاته اذا لم يترتب على شرفه شرف للنفس وسمو في الاخلاق واستقامة في السلوك قال الشاعر :

لعمرك ما الإنسان إلا ابن دينه

فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب

لقد رفع الإسلام سلمان فارس

كما وضع الشرك الشريف أبا لهب

وقلت في أخر مقطوعة شعرية نظمت والقيت في مناسبة دينية :

٢٥

والفضل للأتقى وإن لم يعله

نسب رفيعُ الشأن أو تيجانُ

تبت يداعم النبي وقد غـدا

من آل بيت محمد سـلمانُ

الحديث عن سيرة الرضا عليه‌السلام وبقية المعصومين حديث عن الإسلام العملي :

والحديث عن الإمام الرضا عليه‌السلام ، واي واحد من ابنائه الطاهرين واجداده المعصومين يعتبر في واقعه حديثاً عن القرآن الناطق والإسلام العملي المتحرك ـ لأن كل واحد منهم قد جسم الإسلام على الصعيد العملي بإيمانه الراسخ وعمله الصالح وخلقه الفاضل وإذا نظرنا اليه من زاوية عبادته لله بالمعنى الخاص للعبادة المتمثل بالصوم والصلاة والحج والزكاة ونحوها فنراه قد بلغ القمة في هذا المجال.

وقد روي عن الإمام الرضا عليه‌السلام ، موضوع الحديث انه كان قليل النوم كثير الصوم لا يفوته صوم ثلاثة ايام من كل شهر ويقول : ذلك صوم الدهر ، ووصفه بقلة النوم في الليل تعبير عن انشغاله في اكثر ساعات الليل بالصلاة وقراءة القرآن ونحو ذلك من انواع التهجد والعبادة والذي يعطي لعبادة أهل البيت قيمة سامية ويجعلهم مكرمين بها عند الله سبحانه ومحترمين اكثر عند عباده هو إدراكهم بعمق فلسفة العبادة بمعناها العام الذي اعتبره الله سبحانه السبب الداعي لخلقه الكون والإنسان والجن حيث قال سبحانه :

( وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون ) (١) ـ ثم بذلهم اقصى الجهد في سبيل تحقيق تلك الفلسفة والتوصل بها الى الغاية الاساسية المقصودة منها اي من العبادة ـ وهي ذوبان إرادة المخلوق العابد في إرادة المعبود

__________________

(١) سورة الذاريات ، الآية : ٥٦.

٢٦

الخالق بحيث لا تكون له ارادة مستقلة عن إرادته ولا تصرف اختياري إيجابي او سلبي منحرف عن جادة شريعته وهذا وذاك هو سبب تحول العبادات الخاصة والطقوس الدينية المعهودة من اعمال عبادية محدودة الشكل والزمان والمكان الى ظاهرة عامة وعبودية لازمة تتحرك مع شخصية العابد في كل طريق يسلكه وتصرف يمارسه وموقف يتخذه وبذلك وجدنا ان الصلاة قد تحررت من قيود مفهومها الخاص المعهود لتشمل كل عمل صالح فيه لله رضا وللإنسانية مصلحة وصلاح كما رأينا ان الصوم قد تجرد من إطاره المحدود المتمثل بالإمساك عن تلك المفطرات المحدودة ضمن الايام المعدودة ليشمل الامساك التام عن كل حرام في كل الشهور والايام وهو المعبر عنه بالتقوى في قوله تعالى :

( يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) (١)

إدراك أهل البيت عليهم‌السلام فلسفة العبادة وتحقيقها عملياً :

هكذا وجدنا العبادة قد تحركت في حياة كل واحد من اهل البيت من الطقوس المعهودة الى الهدف الكبير والغاية السامية المقصودة منها ـ وهذا وذاك هو السر في الاعمال الصالحة التي كانوا يقومون بها في سبيل مصلحة الآخرين والاخلاق الفاضلة التي كانوا يتجملون بها معهم حتى لو كان الآخرون مختلفين معهم في الاتجاه الى درجة العداوة المسببة للإساءة ونرى هذه الظاهرة النبيلة بارزة في حياة الإمام الرضا عليه‌السلام ، وتتجلى لنا بوضوح من خلال ما تحدث به عنه احد معاصريه المطلعين على اوضاعه الخاصة والعامة فلنسمع إليه وهو يقول

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٨٣.

٢٧

في حقه مادحاً معجباً ومقدراً وهو إبراهيم بن العباس.

إني ما رأيتُ ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، وشهدت منه ما لم اشهد من أحد غيره ما رأيته جفا احداً بكلام قط ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه وما رد أحداً عن حاجة قدر عليها ولا رأيته يشتم أحداً من مواليه ومماليكه وكان إذا خلا ونصبت الموائد اجلس على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس

نفحة عاطرة من أخلاق الرضا عليه‌السلام السامية :

هذا ولا بد لنا من الوقوف بشيء من التدبر عند بعض هذه الاخلاق السامية التي تجمل بها هذا الإمام العظيم من اجل ان نستوحي منها دروساً أخلاقية تربوية تساهم في بناء الشخصية المثالية المنطلقة في ظلال الإسلام الوارفة نحو اهدافه الرفيعة. فمن الصفات النبيلة التي نسبها ذلك الشخص الى شخصية الإمام عليه‌السلام أنه ما جفا أحداً بكلام قط.

وهذه اسمى صفة ترقى بصاحبها الى المنزلة الرفيعة باعتبار ان الكلام مرآة نفس المتكلم وعنوان ذاته فإذا كان ليناً هادئاً نفذ الى قلب السامع وادخل معه اليه المحبة والاحترام وبذلك يتحقق الهدف المقصود من توجيه كلامه الى الآخر.

ويتأكد الاهتمام بهذا الاسلوب الحكيم إذا كان المتكلم بصدد دفع المخاطب نحو عمل صالح ينفعه او خلق فاضل يرفعه او موقف سليم يناسبه وكذلك إذا كان بصدد إبعاده عما يضره من اضداد هذه الامور.

٢٨

وهذا هو السر في حث القرآن الكريم على اتباع هذا الاسلوب الحكيم قال سبحانه :

( ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) (١).

وقال سبحانه : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسنُ فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) (٢).

وقال سبحانه : ( * ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي احسن ) (٣).

وقال تعالى مخاطباً النبي موسى واخاه هارون عليهما‌السلام :

( اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ) (٤).

والصفة الثانية : أنه كان عليه‌السلام لا يقطع على احد كلامه حتى يفرغ منه.

وهذه الصفة النبيلة تبين لنا ادب الاستماع وما ينبغي ان يكون عليه المستمع عندما يوجه اليه حديث من قبل غيره باعتبار ان الإصغاء له والتوجه الجسمي والفكري نحوه يشعر المتكلم باهتمام المستمع بحديثه واحترامه له وهذا يزيده رغبة في الانطلاق بحديثه حتى يبلغ مراده منه كما يسبب حصول المحبة او قوتها في نفسه له ـ اي للمستمع ـ مضافاً الى ما يسببه من الاحترام لشخصه ولذلك يطلب من المستمع التجمل بهذا الادب الاجتماعي الرفيع وهو الإصغاء الى المتحدث وعدم قطعه

__________________

(١) سورة النحل ، الآية : ١٢٥.

(٢) سورة فصلت ، الآية : ٣٤.

(٣) سورة العنكبوت ، الآية : ٤٦.

(٤) سورة طه ، الآية : ٤٣ ـ ٤٤.

٢٩

حديثه حتى ولو كان مسبوقاً بمضمونه وقد اشار احد الشعراء الحكماء الى ذلك بقوله :

من لـي بإنســان إذا أغضــبته

وجهلت كان الحلم رد جوابـه

وإذا طربت الى المدام سكرت مـن

أخلاقه وشـربت من آدابــه

وتراه يصــغي للحـــديث بقلبه

وبسمعه ولــعله ادرى بــه

مدى اهتمام الإسلام في قضاء حوائج الإخوان :

والصفة الثالثة : التي وصف بها ذلك المتحدث الإمام الرضا عليه‌السلام هي انه ما رد احداً عن حاجة قدر عليها.

وهذه أنبل وافضل صفة يتصف بها الإنسان في هذه الحياة لما يترتب عليها من النفع العظيم لكل واحد من الطرفين صاحب الحاجة ومن قضاها له او سعى قدر في طاقته في سبيل قضائها واذا قارنا بين ما يحصل لصاحبها من فائدة ولقاضيها من منفعة فإنا نجد ان ما يحصل للثاني اكثر وابقى مما يحصل للأول من ذلك أما بلحاظ الحاضر فالمنافع الحاصلة له فيه معجلاً كثيرة اهمها وابرزها المحبة العميقة التي تحدث او تقوى وتتعمق في نفس من تقضى له الحاجة ويترتب على ذلك غالباً وبشكل عفوي احترامه لمن اهتم بقضيته وذكره بالثناء حاضراً وغائبا ودعاؤه بتحصيله ما يحب وسلامته مما يكره واهتمامه بقضاء حاجته رداً على الإحسان بالمثل حتى وان لم يصدر منه طلب له وتكليف به ، قال الشاعر :

أحسن إلى الناس تستعيد قلوبهم

فطالما استعبد الإنسان إحسانُ

٣٠

الثواب العظيم المترتب على قضاء حوائج الآخرين :

وأما الفوائد الحاصلة لقاضي حاجة الآخرين في الآخرة فهي كثيرة ايضاً واهم شيء فيها هو جانب الكيف والبقاء بقطع النظر عن الكم والكثرة وذلك لما يترتب على هذا العمل الإنساني النبيل من الثواب العظيم بلحاظ عناوين متعددة على ضوء ما يستفاد من الاحاديث الكثيرة الواردة في هذا المجال.

منها ما ورد لبيان الثواب المترتب على ادخال السرور مثل ما روي عن الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : « من سر مؤمناً فقد سرني ومن سرني فقد سر الله ». وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أحب الأعمال إلى الله السرور الذي تدخله على المؤمن تطرد عنه جوعته او تكشف كربته ».

ومنها : ما ورد لبيان الثواب المترتب على إعانة المؤمن وتنفيس كربته من ذلك ما روي عن الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : « من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ».

وقوله : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أعان مؤمناً نفس الله عز وجل عنه ثلاثاً وسبعين كربةً واحدة في الدنيا واثنتين وسبعين كربة عند كربه العظمى حيث يتشاغل الناس بأنفسهم ».

ومنها ما هو وارد لبيان الثواب العظيم المترتب على السعي في سبيل قضاء حاجة الاخ في الله سبحانه.

من ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من مشى في حاجة اخيه ساعة من ليل او نهار قضاها او لم يقضها كان خيراً له من اعتكاف شهرين » وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : « من قضى حاجة لاخيه فكأنما خدم الله عمره ».

٣١

ومن المعلوم ان الشخص الذي يسعى في سبيل حاجة اخيه ويتوفق لقضائها فهو يدخل السرور بذلك على قلبه ويكشف كربته وتتحقق بذلك ثلاثة اسباب لنيله الاجر العظيم وهي قضاء الحاجة وكشف الكربة وادخال السرور ، وقد مر معنا ذكر الثواب الجزيل المترتب على كل واحدة من هذه الخدمات النبيلة.

هذا ما سمحت به الفرصة وساعد الوقت على بيانه بمناسبة ذكرى ميلاد الإمام الرضا عليه‌السلام والخلاصة التي احببت ان اختم بها الحديث عنه بوحي هذه المناسبة المباركة هي ان حياة هذا الإمام العظيم كحياة اجداده وابنائه الطاهرين المعصومين تعتبر في واقعها تجسيداً حياً لما في الإسلام من عقائد حقه ومبادىء رفيعة ومثل سامية والاحتفال الحقيقي بمناسبة ولادة احدهم او شهادته انما يكون بترسم خطاهم والسير على ضوء هداهم بكل تصرف اختياري نمارسه على صعيد هذه الحياة لأن الاحتفال معناه الاحتفاء والاحترام وهذا لا يكون صادقاً وكاملاً الا اذا ترجم بالاقتداء والمتابعة لما يعبر عنه ذلك من تقدير شخصية المحتفى به والثقة القوية بانسجام سيرته مع المنهج الإلهي ليكون الاقتداء به محققاً للغاية الفضلى والهدف الاسمى الذي خلق الله سبحانه الإنسان من اجله وهي إطاعته وعبادته وحده لا شريك له.

بيان الاحتفال الحقيقي وتمييزه عن التقليدي :

وبذلك ندرك جيداً ان الاحتفال الذي يقتصر فيه على ذكر صاحب المناسبة بالمدح والثناء وسرد ما كان متجملاً به من مكارم الاخلاق ومحاسن الصفات من دون استيحاء الدروس من سيرته والتأثر بسلوكه العملي ـ لا يكون احتفالاً حقيقياً وتكريماً واقعياً منسجماً مع إرادة الله

٣٢

سبحانه ودعوة رسوله وتطلع كل واحد من أهل البيت عليهم‌السلام والسائرين على نهجهم.

وقد اشرت الى هذا المعنى بالأبيات التالية التي نظمتها سابقاً بمناسبة ميلاد الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ما الاحتفالُ بـزينة ومــــدائح

نبوية وقصـائـد عـــصمــاء

الاحـتفالُ الـحق إيمـان بـــه

نمضي على نهج الهدى الوضــاء

ونسير في درب التقى بتـضـامن

وتعاون ومـــودة وإخـــــاء

اللهُ قائدنا الوحــيدُ وقصــدنـا

نصر الهدى والشرعة الــغـراء

وإزالة الطاغوت مـن أوطـاننـا

وجميع من يحميه مـن عــمـلاء

وإعادة الإسلام فينـا حـاكــماً

بالعدل في السـراء والــــضراء

وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين ، والسلام عليكم أيها الإخوان الأعزاء ورحمة الله.

٣٣

الخطبة الثالثة (١)

فلسفة العبادة بمعناها

العام وعبادة الحج خاصة

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

والصلاة والسلام على اشرف الخلق وسيد المرسلين نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين.

والسلام عليكم أيها الإخوة المؤمنون الأعزاء والابناء الاحباء ورحمة الله وبركاته.

وبعد : قال الله سبحانه في محكم كتابه المجيد :

( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) (٢).

حيث اننا على ابواب التوجه الى بيت الله الحرام لتأدية فريضة

__________________

(١) ألقيت هذه الخطبة في مسجد الإمام المهدي ( عج ) في ١٩ ـ ٤ ـ ١٩٩٦ م.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ٩٧.

٣٤

الحج المقدسة ناسب ذلك ان اتحدث عن فلسفة هذه الفريضة وابين لكم ما يترتب عليها من الفوائد العديدة والمنافع الكثيرة التي اشار الله سبحانه إليها إجمالاً بقوله : ( ليشهدوا منافع لهم ) (١).

وهذا يقتضي بيان العبادة بمعناها العام ودورها التربوي في حياة الإنسان فرداً ومجتمعا نظرا لمساهمة ذلك في معرفة الدور الذي تؤديها فريضة الحج في هذا المجال فأقول : المراد من العبادة بمعناها العام الذي اعتبره الله سبحانه العلة الغائية الداعية لخلق الجن والإنس على ما صرح به سبحانه في كتابه الكريم :

بقوله عز وجل : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) (٢).

الخضوع الكلي والانقياد المطلق لارادة الله سبحانه بكل عمل اختياري يصدر من المكلف بإرادته واختياره سواء كان هذا العمل باطنياً كالتفكر في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار من أجل التوصل به إلى تحصيل الإيمان الراسخ بوجود الله سبحانه ووحدانيته وعدله وضرورة إرساله للأنبياء وتعيينه للأوصياء وحشره الناس غداً للحساب يوم الجزاء ، أم كان عملاً ظاهرياً وموقفاً خارجياً منطلقاً من ذلك الإيمان من أجل أن يتوصل المكلف بهذه العبادة بكلا شقيها الباطني والظاهري ـ إلى ما أراد الله سبحانه له أن يصل إليه ويحصل عليه من السعادة في الدنيا والآخرة.

العبادة بمعناها العام ودورها في سعادة الإنسان :

وذلك لأن العبادة الظاهرية تتمثل بفعل ما أمر الله به من الواجبات

__________________

(١) سورة الحج ، الآية : ٢٨.

(٢) سورة الذاريات ، الآية : ٥٦.

٣٥

والمستحبات وترك ما نهى عنه من المحرمات والمكروهات وحيث ان الله سبحانه حكيم رحيم لا يأمر إلا بما فيه المصلحة والمنفعة المادية والمعنوية ، ولا ينهى إلا عما فيه المضرة والمفسدة الجسمية والروحية فإذا حقق العبد ذلك واتقى الله حق تقاته حصل المنافع والفوائد وسلم من المضار والمفاسد فهو يدخل جنة الدنيا ومنها ينطلق الى جنة البقاء والخلود قال سبحانه.

( ولو أن أهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) (١).

وقال سبحانه :

( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لايحتسبُ ) (٢).

والعبادة بهذا المعنى العام المتمثل بالاستقامة في طريق التقوى وعدم الانحراف عنه مهما كانت الضغوطات او المغريات المؤدية بطبيعتها الى التحلل من نظام العبودية ، حيث انها محتاجة الى قوة إيمانية وبطولة روحية تساعد المؤمن على الثبات في ساحة الجهاد الاكبر ـ لذلك شرعت العبادات الخاصة المعهودة بكيفيتها المرسومة واشترط في صحتها وترتب الاثر عليها الاتيان بها بقصد التقرب لله سبحانه ـ لأن ذلك يعمق الايمان في النفس ويقويه في القلب ليبقى صاحبه على صلة بالله سبحانه وانشداده اليه برابطة التقوى فيظل دائماً في اطار عبادته له بكل ما يصدر عنه من تصرفات اختيارية سواء كانت فعلاً لما امر به سبحانه او تركا لما نهى عنه ونتيجة ذلك هو بقاء هذا المؤمن العابد في نطاق مصلحته وسعادته كما اراد الله له على ضوء ما تقدم بيانه من فلسفة

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية : ٩٦.

(٢) سورة الطلاق ، الآيتان : ٢ ـ ٣.

٣٦

العبادة وما يترتب عليها من معطيات إيمانية كثيرة ، وبعد ذكر هذه المقدمة التمهيدية يأتي دور الحديث عن فريضة الحج وبيان ما يترتب على تأديتها من الفوائد الجليلة والمنافع العديدة فأقول :

الفوائد المترتبة على هذه الفريضة المقدسة كثيرة وسأقتصر على ذكر أهمها وابرزها وهو الزهد في كل ما يبعد الانسان عن رحمة الله سبحانه ويشغله عن الاهتمام بما ينفعه في دنياه وآخرته من الواجبات والمستحبات وعن التجمل بما يرفعه من الفضائل والكمالات.

من فوائد فريضة الحج المقدسة الزهد في الدنيا المحرمة :

والوجه في ترتب فائدة الزهد على تأدية فريضة الحج هو ان الانسان المؤمن اذا عزم على تأدية هذه الفريضة يرتسم نصب عينيه شبح الموت بسبب ما يحصل له ويصيبه في الطريق وبعد وصوله الى اماكن تأدية المناسك الواجبة من المتاعب والحوادث الخطيرة التي ادت فيما سبق الى موت البعض من الحجاج.

وخوفه من ذلك يظهر له بصورة تفصيلية ـ طبيعة هذه الحياة الدنيا وانها دار ضيافة والانسان فيها ضيف يقيم فترة محدودة ثم يرحل عنها الى مقره الاخير وداره الاخرى التي خلق من اجلها وفيها يتقرر مصيره على ضوء اعماله التي كان يمارسها في هذه الدار العاجلة الزائلة ـ فإن كانت خيراً منسجمة مع الوظيفة الشرعية المحددة له من قبل الله سبحانه ـ كانت النتيجة خيراً وجنة عرضها السماوات والارض ـ وان كانت شراً ومخالفة لتلك الوظيفة كانت النتيجة من جنسها.

٣٧

قال سبحانه : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يرهُ (٧) ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ) (١).

وخوفه من المصير الثاني المؤلم يجعله زاهداً في الممارسات اللاشرعية وراغبا فيما يؤدي به الى المصير الاول.

بيان المراد من الزهد الراجح في الإسلام :

ومما تقدم يظهر جليا ان المراد بالزهد المأمور به والمرغوب فيه اسلامياً ـ هو الزهد فيما يضر الانسان فرداً ومجتمعاً دنياً وآخرة وينحصر ذلك بالمحرمات وتلحق بها المكروهات على وجه الافضلية التي لا تمنع من الفعل كما هو معلوم وذلك باعتبار عدم الاستفادة منها في الآخرة بخلاف ما لو تركت امتثالاً للنهي الكراهتي فإن ذلك يعتبر عبادة يحصل بها الثواب في الآخرة والتوفيق في الدنيا والى ما ذكرناه في بيان المراد من الزهد اشار الإمام علي عليه‌السلام بقوله :

« ليس الزهد ان لا تملك شيئاً ولكن الزهد ان لا يملكك شيء » وعلى ضوء هذا المفهوم الواعي لمعنى الزهد في الإسلام ندرك أن الانسان المؤمن لو ساعدته ظروفه على ان يملك الثروة الطائلة من الحلال ودفعه التزامه الديني لان يخرج ما تعلق بها من الحق المعلوم للسائل والمحروم ـ فهذا الشخص يكون من الزاهدين المقدسين المقدرين عند الله سبحانه والمؤمنين الواعين.

__________________

(١) سورة الزلزلة ، الآيتان : ٧ ـ ٨.

٣٨

إشارة إلى فوائد الحج بحديث الشعر :

أما الفوائد الاخرى التي يمكن تحصليها من تأدية فريضة الحج فقد اشرت اليها بالقصيدة التالية التي يستطيع المتدبر المثقف ان يستفيدها منها بذوقه الادبي السليم وفهمه المستقيم وهي كما يلي :

الحج للأجيال افضــل مـــعهد

تجني به عفو الإله السرمـدي

وتسير في درب التقــى بتضـامن

وتعارف وتعاطف وتـــودد

إحرامه نزع لثــوب مـــطامع

وطوافه إجلال رب اوحـــد

وصلاته صــلة القلوب بخــالق

باري الوجود ونبع عيش أرغـد

والسعي ســعي للفضيلة والعــلى

وقضاء حاجات الفقير المجـهد

وكذلك التقصير رمــز تـــجرد

من كل خلق عن كمالك مــبعد

أما الوقوف فوقــفـة لتــعارف

وتقارب رغم المكان الابـــعد

والإزدلاف لمشعر نـــرنو بــه

لرضا السما بتضرع وتعبـــد

والرمي رمــي للطغاة بـموقف

حر ـ من الجمع الغفير ـ موحد

والذبح ذبح للهــوى وتـــأثر

بسخاء إبراهيم بالغض النــدي

أدى بمـوقفه امتــحاناً نـاجحاً

بخضوع عبد مــخلص للسيـد

والحلق زينة مؤمــن متــمسك

بعرى التقى رغم الزمان الانكـد

أما المبيت لــدى منى فضيـافة

محمودة عند الإلـه الاجـــود

هي تلك فلسفة المـناسك اشرقـت

وعيا يبدد حيـرة المـــتـردد

فالله لا يدعو الانـام لغير مـــا

يجدي البرية في القريب وفي الغد

وكذاك إن ينهى فعن مرد (١) لنـا

جسماً وروحاً دون اي تـــردد

__________________

(١) مرد اصلها مردي بمعنى مهلك.

٣٩

هو عالم بمفاسد ومصـالح

تعطي السعادة للتقي المهتدي

فمن اتقى يجني المنى بتعبد

وسواه يغرق في الشقا بتمرد

هذا ما سمحت به الفرصة واتسع له المجال من بيان بعض الفوائد المترتبة على تأدية فريضة الحج المقدسة تفصيلاً بالنثر واجمالا بالشعر وهناك فوائد كثيرة ذكرت على وجه التفصيل والتحليل في الكتب الاسلامية المؤلفة حول موضوع العبادة فمن اراد الاطلاع التفصيلي فليرجع اليها.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ايها الإخوان الاعزاء اولاً وآخراً ورحمة الله.

٤٠