الميزان في تفسير القرآن - ج ١٥

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي

الميزان في تفسير القرآن - ج ١٥

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٥
الصفحات: ٤٠٨

فالمراد بدعائهم مع الله إلها آخر إما التلويح إلى أنه تعالى إله مدعو بالفطرة على كل حال فدعاء غيره دعاء لإله آخر معه وإن لم يذكر الله.

أو أنه تعالى ثابت في نفسه سواء دعي غيره أم لا فالمراد بدعاء غيره دعاء إله آخر مع وجوده وبعبارة أخرى تعديه إلى غيره.

أو إشارة إلى ما كان يفعله جهلة مشركي العرب فإنهم كانوا يرون أن دعاء آلهتهم إنما ينفعهم في البر وأما البحر فإنه لله لا يشاركه فيه أحد فالمراد دعاؤه تعالى في مورد كما عند شدائد البحر من طوفان ونحوه ودعاء غيره معه في مورد وهو البر ، وأحسن الوجوه أوسطها.

وقوله : « وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ » أي لا يقتلون النفس الإنسانية التي حرم الله قتلها في حال من الأحوال إلا حال تلبس القتل بالحق كقتلها قصاصا وحدا.

وقوله تعالى : « وَلا يَزْنُونَ » أي لا يطئون الفرج الحرام وقد كان شائعا بين العرب في الجاهلية ، وكان الإسلام معروفا بتحريم الزنا والخمر من أول ما ظهرت دعوته.

وقوله : « وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً » الإشارة بذلك إلى ما تقدم ذكره وهو الشرك وقتل النفس المحترمة بغير حق والزنا ، والآثام الإثم وهو وبال الخطيئة وهو الجزاء بالعذاب الذي سيلقاه يوم القيامة المذكور في الآية التالية.

قوله تعالى : « يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً » بيان للقاء الآثام ، وقوله : « وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً » أي يخلد في العذاب وقد وقعت عليه الإهانة.

والخلود في العذاب في الشرك لا ريب فيه ، وأما الخلود فيه عند قتل النفس المحترمة والزنا وهما من الكبائر وقد صرح القرآن بذلك فيهما وكذا في أكل الربا فيمكن أن يحمل على اقتضاء طبع المعصية ذلك كما ربما استفيد من ظاهر قوله : « إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ».

٢٤١

أو يحمل الخلود على المكث الطويل أعم من المنقطع والمؤبد أو يحمل قوله : « وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ » على فعل جميع الثلاثة لأن الآيات في الحقيقة تنزه المؤمنين عما كان الكفار مبتلين به وهو الجميع دون البعض.

قوله تعالى : « إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً » استثناء من لقي الآثام والخلود فيه ، وقد أخذ في المستثنى التوبة والإيمان وإتيان العمل الصالح ، أما التوبة وهي الرجوع عن المعصية وأقل مراتبها الندم فلو لم يتحقق لم ينتزع العبد عن المعصية ولم يزل مقيما عليها ، وأما إتيان العمل الصالح فهو مما تستقر به التوبة وبه تكون نصوحا.

وأما أخذ الإيمان فيدل على أن الاستثناء إنما هو من الشرك فتختص الآية بمن أشرك وقتل وزنى أو بمن أشرك سواء أتى معه بشيء من القتل المذكور والزنا أو لم يأت ، وأما من أتى بشيء من القتل والزنا من غير شرك فالمتكفل لبيان حكم توبته الآية التالية.

وقوله : « فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ » تفريع على التوبة والإيمان والعمل الصالح يصف ما يترتب على ذلك من جميل الأثر وهو أن الله يبدل سيئاتهم حسنات.

وقد قيل في معنى ذلك أن الله يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة ويثبت مكانها لواحق طاعاتهم فيبدل الكفر إيمانا والقتل بغير حق جهادا وقتلا بالحق والزنا عفة وإحصانا.

وقيل : المراد بالسيئات والحسنات ملكاتهما لا نفسهما فيبدل ملكة السيئة ملكة الحسنة.

وقيل : المراد بهما العقاب والثواب عليهما لا نفسهما فيبدل عقاب القتل والزنا مثلا ثواب القتل بالحق والإحصان.

وأنت خبير بأن هذه الوجوه من صرف الكلام عن ظاهره بغير دليل يدل عليه.

والذي يفيد ظاهر قوله : « يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ » وقد ذيله بقوله : « وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً » أن كل سيئة منهم نفسها تتبدل حسنة ، وليست السيئة هي متن

٢٤٢

الفعل الصادر من فاعله وهو حركات خاصة مشتركة بين السيئة والحسنة كعمل المواقعة مثلا المشترك بين الزنا والنكاح ، والأكل المشترك بين أكل المال غصبا وبإذن من مالكه بل صفة الفعل من حيث موافقته لأمر الله ومخالفته له مثلا من حيث إنه يتأثر به الإنسان ويحفظ عليه دون الفعل الذي هو مجموع حركات متصرمة متقضية فانية وكذا عنوانه القائم به الفاني بفنائه.

وهذه الآثار السيئة التي يتبعها العقاب أعني السيئات لازمة للإنسان حتى يؤخذ بها يوم تبلى السرائر.

ولو لا شوب من الشقوة والمساءة في الذات لم يصدر عنها عمل سيئ إذ الذات السعيدة الطاهرة من كل وجه لا يصدر عنها سيئة قذرة فالأعمال السيئة إنما تلحق ذاتا شقية خبيثة بذاتها أو ذاتا فيها شوب من شقاء وخباثة.

ولازم ذلك إذا تطهرت بالتوبة وطابت بالإيمان والعمل الصالح فتبدلت ذاتا سعيدة ما فيها شوب من قذارة الشقاء أن تتبدل آثارها اللازمة التي كانت سيئات قبل ذلك فتناسب الآثار للذات بمغفرة من الله ورحمة وكان الله غفورا رحيما.

وإلى مثل هذا يمكن أن تكون الإشارة بقوله : « فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ».

قوله تعالى : « وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً » المتاب مصدر ميمي للتوبة ، وسياق الآية يعطي أنها مسوقة لرفع استغراب تبدل السيئات حسنات بتعظيم أمر التوبة وأنها رجوع خاص إلى الله سبحانه فلا بدع في أن يبدل السيئات حسنات وهو الله يفعل ما يشاء.

وفي الآية مع ذلك شمول للتوبة من جميع المعاصي سواء قارنت الشرك أم فارقته ، والآية السابقة ـ كما تقدمت الإشارة إليه ـ كانت خفية الدلالة على حال المعاصي إذا تجردت من الشرك.

قوله تعالى : « وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً » قال في مجمع البيان : ، أصل الزور تمويه الباطل بما يوهم أنه حق. انتهى. فيشمل الكذب وكل

٢٤٣

لهو باطل كالغناء والفحش والخنا بوجه ، وقال أيضا : يقال : تكرم فلان عما يشينه إذا تنزه وأكرم نفسه منه انتهى.

فقوله : « وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ » إن كان المراد بالزور الكذب فهو قائم مقام المفعول المطلق والتقدير لا يشهدون شهادة الزور ، وإن كان المراد اللهو الباطل كالغناء ونحوه كان مفعولا به والمعنى لا يحضرون مجالس الباطل ، وذيل الآية يناسب ثاني المعنيين.

وقوله : « وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً » اللغو ما لا يعتد به من الأفعال والأقوال لعدم اشتماله على غرض عقلائي ويعم ـ كما قيل ـ جميع المعاصي ، والمراد بالمرور باللغو المرور بأهل اللغو وهم مشتغلون به.

والمعنى : وإذا مروا بأهل اللغو وهم يلغون مروا معرضين عنهم منزهين أنفسهم عن الدخول فيهم والاختلاط بهم ومجالستهم.

قوله تعالى : « وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً » الخرور على الأرض السقوط عليها وكأنها في الآية كناية عن لزوم الشيء والانكباب عليه.

والمعنى : والذين إذا ذكروا بآيات ربهم من حكمة أو موعظة حسنة من قرآن أو وحي لم يسقطوا عليه وهم صم لا يسمعون وعميان لا يبصرون بل تفكروا فيها وتعقلوها فأخذوا بها عن بصيرة فآمنوا بحكمتها واتعظوا بموعظتها وكانوا على بصيرة من أمرهم وبينة من ربهم.

قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً » قال الراغب في المفردات : قرت عينه تقر سرت قال ، تعالى : « كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها » وقيل لمن يسر به قرة عين قال : « قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ » وقوله تعالى : « هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ » قيل : أصله من القر أي البرد فقرت عينه قيل : معناه بردت فصحت ، وقيل : بل لأن للسرور دمعة باردة قارة وللحزن دمعة حارة ولذلك يقال فيمن يدعى عليه : أسخن الله عينه ، وقيل : هو من القرار والمعنى أعطاه الله ما يسكن به عينه فلا تطمح إلى غيره انتهى.

٢٤٤

ومرادهم بكون أزواجهم وذرياتهم قرة أعين لهم أن يسروهم بطاعة الله والتجنب عن معصيته فلا حاجة لهم في غير ذلك ولا إربة وهم أهل حق لا يتبعون الهوى.

وقوله : « وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً » أي متسابقين إلى الخيرات سابقين إلى رحمتك فيتبعنا غيرنا من المتقين كما قال تعالى : « فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ » البقرة : ١٤٨ ، وقال : « سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ » الحديد : ٢١ ، وقال : « وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ » الواقعة : ١١ ، وكأن المراد أن يكونوا صفا واحدا متقدما على غيرهم من المتقين ولذا جيء بالإمام بلفظ الإفراد.

وقال بعضهم : إن الإمام مما يطلق على الواحد والجمع ، وقيل : إن إمام جمع آم بمعنى القاصد كصيام جمع صائم ، والمعنى : اجعلنا قاصدين للمتقين متقيدين بهم ، وفي قراءة أهل البيت « واجعل لنا من المتقين إماما ».

قوله تعالى : « أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً » الغرفة ـ كما قيل ـ البناء فوق البناء فهو الدرجة العالية من البيت ، وهي كناية عن الدرجة العالية في الجنة ، والمراد بالصبر الصبر على طاعة الله وعن معصيته فهذان القسمان من الصبر هما المذكوران في الآيات السابقة لكن لا ينفك ذلك عن الصبر عند النوائب والشدائد.

والمعنى : أولئك الموصوفون بما وصفوا يجزون الدرجة الرفيعة من الجنة يلقون فيها أي يتلقاهم الملائكة بالتحية وهو ما يقدم للإنسان مما يسره وبالسلام وهو كل ما ليس فيه ما يخافه ويحذره ، وفي تنكير التحية والسلام دلالة على التفخيم والتعظيم ، والباقي ظاهر.

قوله تعالى : « قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً » قال في المفردات : ، ما عبأت به أي لم أبال به ، وأصله من العبء أي الثقل كأنه قال : ما أرى له وزنا وقدرا ، قال تعالى : « قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ » وقيل : من عبأت الطيب كأنه قيل : ما يبقيكم لو لا دعاؤكم. انتهى.

قيل : « دُعاؤُكُمْ » من إضافة المصدر إلى المفعول وفاعله ضمير راجع إلى « رَبِّي »

٢٤٥

وعلى هذا فقوله : « فَقَدْ كَذَّبْتُمْ » من تفريع السبب على المسبب بمعنى انكشافه بمسببه ، وقوله : « فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً » أي سوف يكون تكذيبكم ملازما لكم أشد الملازمة فتجزون بشقاء لازم وعذاب دائم.

والمعنى : قل لا قدر ولا منزلة لكم عند ربي فوجودكم وعدمكم عنده سواء لأنكم كذبتم فلا خير يرجى فيكم فسوف يكون هذا التكذيب ملازما لكم أشد الملازمة ، إلا أن الله يدعوكم ليتم الحجة عليكم أو يدعوكم لعلكم ترجعون عن تكذيبكم. وهذا معنى حسن.

وقيل : « دُعاؤُكُمْ » من إضافة المصدر إلى الفاعل ، والمراد به عبادتهم لله سبحانه والمعنى : ما يبالي بكم ربي أو ما يبقيكم ربي لو لا عبادتكم له.

وفيه أن هذا المعنى لا يلائم تفرع قوله : « فَقَدْ كَذَّبْتُمْ » عليه وكان عليه من حق الكلام أن يقال : وقد كذبتم! على أن المصدر المضاف إلى فاعله يدل على تحقق الفعل منه وتلبسه به وهم غير متلبسين بدعائه وعبادته تعالى فكان من حق الكلام على هذا التقدير أن يقال لو لا أن تدعوه فافهم.

والآية خاتمة السورة وتنعطف إلى غرض السورة ومحصل القول فيه وهو الكلام على اعتراض المشركين على الرسول وعلى القرآن النازل عليه وتكذيبهما.

( بحث روائي )

في المجمع في قوله تعالى : « الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً » قال أبو عبد الله عليه‌السلام : هو الرجل يمشي بسجيته التي جبل عليها ـ لا يتكلف ولا يتبختر.

وفي الدر المنثور ، أخرج عبد بن حميد عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : في قوله : « إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً » قال : الدائم.

وفي تفسير القمي ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام : في قوله تعالى : « إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً » يقول : ملازما لا ينفك. وقوله عز وجل : « وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا » والإسراف الإنفاق في المعصية في غير حق « وَلَمْ يَقْتُرُوا » لم يبخلوا

٢٤٦

في حق الله عز وجل « وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً » القوام العدل والإنفاق فيما أمر الله به.

وفي الكافي : ، أحمد بن محمد بن علي عن محمد بن سنان عن أبي الحسن عليه‌السلام : في قول الله عز وجل : « وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً » قال : القوام هو المعروف على الموسع قدره ـ وعلى المقتر قدره على قدر عياله ـ ومئونتهم التي هي صلاح له ولهم ـ لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها.

وفي المجمع ، روي عن معاذ أنه قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك فقال : من أعطى في غير حق فقد أسرف ، ومن منع من حق فقد قتر.

أقول : والأخبار في هذه المعاني كثيرة جدا.

وفي الدر المنثور ، أخرج الفاريابي وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال : سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أي الذنب أكبر؟ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قلت : ثم أي؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قلت : ثم أي؟ قال : أن تزاني حليلة جارك فأنزل الله تصديق ذلك « وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ـ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ ».

أقول : لعل المراد الانطباق دون سبب النزول.

وفيه ، أخرج عبد بن حميد عن علي بن الحسين : « يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ » قال : في الآخرة ، وقال الحسن : في الدنيا.

وفيه ، أخرج أحمد وهناد ومسلم والترمذي وابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه ـ فتعرض عليه صغارها وينحى عنه كبارها ـ فيقال : عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا ـ وهو مقر ليس ينكر وهو مشفق من الكبار أن تجيء ـ فيقال : أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة.

أقول : هو من أخبار تبديل السيئات حسنات يوم القيامة وهي كثيرة مستفيضة من طرق أهل السنة والشيعة مروية عن النبي والباقر والصادق والرضا عليه وعليهم الصلاة والسلام.

٢٤٧

وفي روضة الواعظين ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما جلس قوم يذكرون الله إلا نادى بهم مناد من السماء ـ قوموا فقد بدل الله سيئاتكم حسنات ـ وغفر لكم جميعا.

وفي الكافي ، بإسناده عن أبي الصباح عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في قوله عز وجل : « لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ » قال : الغناء.

أقول : وفي المجمع ، أنه مروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام ورواه القمي مسندا ومرسلا.

وفي العيون ، بإسناده إلى محمد بن أبي عباد وكان مشتهرا بالسماع ويشرب النبيذ قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن السماع فقال : لأهل الحجاز رأي فيه وهو في حيز الباطل واللهو ـ أما سمعت الله عز وجل يقول : « وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ».

وفي روضة الكافي ، بإسناده عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ ـ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً » قال : مستبصرين ليسوا بشكاك.

وفي جوامع الجامع ، عن الصادق عليه‌السلام : في قوله : « وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً » قال : إيانا عنى.

أقول : وهناك عدة روايات في هذا المعنى وأخرى تتضمن قراءتهم عليه‌السلام : « واجعل لنا من المتقين إماما ».

وفي الدر المنثور ، أخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر : في قوله : « أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا » قال : على الفقر في الدنيا.

وفي المجمع ، روى العياشي بإسناده عن بريد بن معاوية العجلي قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : كثرة القراءة أفضل أو كثرة الدعاء؟ قال : كثرة الدعاء أفضل وقرأ هذه الآية.

أقول : وفي انطباق الآية على ما في الرواية إبهام.

وفي تفسير القمي ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام : في قوله عز وجل : « قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ » يقول : ما يفعل ربي بكم ـ فقد كذبتم فسوف يكون لزاما.

٢٤٨

(سورة الشعراء مكية وهي مائتان وسبع وعشرون آية)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩) ).

( بيان )

غرض السورة تسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قبال ما كذبه قومه وكذبوا بكتابه النازل عليه من ربه ـ على ما يلوح إليه صدر السورة : تلك آيات الكتاب المبين ـ وقد رموه تارة بأنه مجنون وأخرى بأنه شاعر ، وفيها تهديدهم مشفعا ذلك بإيراد قصص جمع من الأنبياء وهم موسى وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليه‌السلام وما انتهت إليه عاقبة تكذيبهم لتتسلى به نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يحزن بتكذيب أكثر قومه وليعتبر المكذبون.

٢٤٩

والسورة من عتائق السور المكية وأوائلها نزولا وقد اشتملت على قوله تعالى : « وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ». وربما أمكن أن يستفاد من وقوع هذه الآية في هذه السورة ووقوع قوله : « فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ » في سورة الحجر وقياس مضمونيهما كل مع الأخرى أن هذه السورة أقدم نزولا من سورة الحجر وظاهر سياق آيات السورة أنها جميعا مكية واستثنى بعضهم الآيات الخمس التي في آخرها ، وبعض آخر قوله : « أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ » وسيجيء الكلام فيهما.

قوله تعالى : « طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ » الإشارة بتلك إلى آيات الكتاب مما سينزل بنزول السورة وما نزل قبل ، وتخصيصها بالإشارة البعيدة للدلالة على علو قدرها ورفعة مكانتها ، والمبين من أبان بمعنى ظهر وانجلى.

والمعنى : تلك الآيات العالية قدرا الرفيعة مكانا آيات الكتاب الظاهر الجلي كونه من عند الله سبحانه بما فيه من سمة الإعجاز وإن كذب به هؤلاء المشركون المعاندون ورموه تارة بأنه من إلقاء شياطين الجن وأخرى بأنه من الشعر.

قوله تعالى : « لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ » البخوع هو إهلاك النفس عن وجد ، وقوله : « أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ » تعليل للبخوع ، والمعنى : يرجى منك أن تهلك نفسك بسبب عدم إيمانهم بآيات هذا الكتاب النازل عليك.

والكلام مسوق سوق الإنكار والغرض منه تسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قوله تعالى : « إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ » متعلق المشية محذوف لدلالة الجزاء عليه ، وقوله : « فَظَلَّتْ » إلخ ، ظل فعل ناقص اسمه « أَعْناقُهُمْ » وخبره « خاضِعِينَ » ونسب الخضوع إلى أعناقهم وهو وصفهم أنفسهم لأن الخضوع أول ما يظهر في عنق الإنسان حيث يطأطئ رأسه تخضعا فهو من المجاز العقلي.

والمعنى : إن نشأ أن ننزل عليهم آية تخضعهم وتلجئهم إلى القبول وتضطرهم إلى الإيمان ننزل عليهم آية كذلك فظلوا خاضعين لها خضوعا بينا بانحناء أعناقهم.

وقيل : المراد بالأعناق الجماعات وقيل : الرؤساء والمقدمون منهم ، وقيل :

٢٥٠

هو على تقدير مضاف والتقدير فضلت أصحاب أعناقهم خاضعين لها. وهو أسخف الوجوه.

قوله تعالى : « وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ » بيان لاستمرارهم على تكذيب آيات الله وتمكن الإعراض عن ذكر الله في نفوسهم بحيث كلما تجدد عليهم ذكر من الرحمن ودعوا إليه دفعه بالإعراض.

فالغرض بيان استمرارهم على الإعراض عن كل ذكر أتاهم لا أنهم يعرضون عن محدث الذكر ويقبلون إلى قديمه وفي ذكر صفة الرحمن إشارة إلى أن الذكر الذي يأتيهم إنما ينشأ عن صفة الرحمة العامة التي بها صلاح دنياهم وأخراهم.

وقد تقدم في تفسير أول سورة الأنبياء كلام في معنى الذكر المحدث فراجع.

قوله تعالى : « فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ » تفريع على ما تقدم من استمرار إعراضهم ، وقوله : « فَسَيَأْتِيهِمْ » إلخ تفريع على التفريع والأنباء جمع نبإ وهو الخبر الخطير ، والمعنى لما استمر منهم الإعراض عن كل ذكر يأتيهم تحقق منهم وثبت عليهم أنهم كذبوا ، وإذ تحقق منهم التكذيب فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون من آيات الله ، وتلك الأنباء العقوبات العاجلة والآجلة التي ستحيق بهم.

قوله تعالى : « أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ » الاستفهام للإنكار التوبيخي والجملة معطوف على مقدر يدل عليه المقام والتقدير أصروا واستمروا على الإعراض وكذبوا بالآيات ولم ينظروا إلى هذه الأزواج الكريمة من النباتات التي أنبتناها في الأرض.

فالرؤية في قوله : « أَوَلَمْ يَرَوْا » مضمنة معنى النظر ولذا عديت بإلى ، والظاهر أن المراد بالزوج الكريم. وهو الحسن على ما قيل : النوع من النبات وقد خلق الله سبحانه أنواعه أزواجا ، وقيل : المراد بالزوج الكريم الذي أنبته الله يعم الحيوان وخاصة الإنسان بدليل قوله : « وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً ».

قوله تعالى : « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ » الإشارة بذلك إلى ما ذكر في الآية السابقة من إنبات كل زوج كريم حيث إن فيه إيجادا لكل زوج منه وتتميم نقائص كل من الزوجين بالآخر وسوقهما إلى الغاية المقصودة من وجودهما

٢٥١

وفيه هداية كل إلى سعادته الأخيرة ومن كانت هذه سنته فكيف يهمل أمر الإنسان ولا يهديه إلى سعادته ولا يدعوه إلى ما فيه خير دنياه وآخرته. هذا ما تدل عليه آية النبات.

وقوله : « وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ » أي لم يكن المترقب من حال أكثرهم بما عندهم من ملكة الإعراض وبطلان الاستعداد أن يؤمنوا فظاهر الآية نظير ظاهر قوله : « فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ » يونس : ٧٤ وتعليل الكفر والفسوق برسوخ الملكات الرذيلة واستحكام الفساد في السريرة من قبل في كلامه تعالى أكثر من أن تحصى.

ومن هنا يظهر أن قول بعضهم : إن المراد ما كان في علم الله أن لا يؤمنوا غير سديد لأنه مضافا إلى كونه خلاف المتبادر من الجملة ، مما لا دليل على أنه المراد من اللفظ بل الدليل على خلافه لسبق الدلالة على أن ملكة الإعراض راسخة لم تزل في نفوسهم.

وعن سيبويه أن « كانَ » في قوله : « وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ » صلة زائدة والمعنى : وما أكثرهم مؤمنين. وفيه أنه معنى صحيح في نفسه لكن المقام بما تقدم من المعنى أوفق.

قوله تعالى : « وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ » فهو تعالى لكونه عزيزا غير مغلوب يأخذ المعرضين عن ذكره المكذبين لآياته المستهزءين بها ويجازيهم بالعقوبات العاجلة والآجلة ، ولكونه رحيما ينزل عليهم الذكر ليهديهم ويغفر للمؤمنين به ويمهل الكافرين.

( بحث عقلي متعلق بالعلم )

قال في روح المعاني ، في قوله تعالى « وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ » قيل : أي وما كان في علم الله تعالى ذلك ، واعترض ـ بناء على أنه يفهم من السياق العلية ـ بأن علمه تعالى ليس علة لعدم إيمانهم لأن العلم تابع للمعلوم لا بالعكس.

٢٥٢

ورد بأن معنى كون علمه تعالى تابعا للمعلوم أن علمه سبحانه في الأزل بمعلوم معين حادث تابع لماهيته بمعنى أن خصوصية العلم وامتيازه عن سائر العلوم باعتبار أنه علم بهذه الماهية ، وأما وجود الماهية فيما لا يزال فتابع لعلمه تعالى الأزلي التابع لماهيته بمعنى أنه تعالى لما علمها في الأزل على هذه الخصوصية لزم أن يتحقق ويوجد فيما لا يزال كذلك فنفس موتهم على الكفر وعدم إيمانهم متبوع لعلمه الأزلي ووقوعه تابع له. انتهى.

وهذه حجة كثيرة الورود في كلام المجبرة وخاصة الإمام الرازي في تفسيره الكبير يستدلون بها على إثبات الجبر ونفي الاختيار ومحصلها أن الحوادث ومنها أفعال الإنسان معلومة لله سبحانه في الأزل فهي ضرورية الوقوع وإلا كان علمه جهلا ـ تعالى عن ذلك ـ فالإنسان مجبر عليها غير مختار. واعترض عليه بأن العلم تابع للمعلوم لا بالعكس وأجيب بما ذكره من أن علمه في الأزل تابع لماهية المعلوم لكن المعلوم تابع في وجوده للعلم.

والحجة مضافا إلى فساد مقدماتها بناء ومبني مغالطة بينة ففيها أولا أن فرض ثبوت ما للماهية في الأزل ووجودها فيها لا يزال يقضي بتقدم الماهية على الوجود وأنى للماهية هذه الأصالة والتقدم؟.

وثانيا : أن مبني الحجة وكذا الاعتراض والجواب على كون علمه تعالى بالأشياء علما حصوليا نظير علومنا الحصولية المتعلقة بالمفاهيم وقد أقيم البرهان في محله على بطلانه وأن الأشياء معلومة له تعالى علما حضوريا وعلمه علمان : علم حضوري بالأشياء قبل الإيجاد وهو عين الذات وعلم حضوري بها بعد الإيجاد وهو عين وجود الأشياء. وتفصيل الكلام في محله.

وثالثا : أن العلم الأزلي بمعلومه فيما لا يزال إنما يكون علما بحقيقة معنى العلم إذا تعلق به على ما هو عليه أي بجميع قيوده ومشخصاته وخصوصياته الوجودية ، ومن خصوصيات وجود الفعل أنه حركات خاصة إرادية اختيارية صادرة عن فاعله الخاص مخالفة لسائر الحركات الاضطرارية القائمة بوجوده.

وإذا كان كذلك كانت الضرورة اللاحقة للفعل من جهة تعلق العلم به صفة

٢٥٣

للفعل الخاص الاختياري بما هو فعل خاص اختياري لا صفة للفعل المطلق إذ لا وجود له أي كان من الواجب أن يصدر الفعل عن إرادة فاعله واختياره وإلا تخلف المعلوم عن العلم لا أن يتعلق العلم بالفعل الاختياري ثم يدفع صفة الاختيار عن متعلقه ويقيم مقامها صفة الضرورة والإجبار.

فقد وضع في الحجة الفعل المطلق مكان الفعل الخاص فعد ضروريا مع أن الضروري تحقق الفعل بوصف الاختيار نظير الممكن بالذات الواجب بالغير ففي الحجة مغالطة بالخلط بين الفعل المطلق والفعل المقيد بالاختيار.

ومن هنا يتبين عدم استقامة تعليل ضرورة عدم إيمانهم بتعلق العلم الأزلي به فإن تعلق العلم الأزلي بفعل إنما يوجب ضرورة وقوعه بالوصف الذي هو عليه فإن كان اختياريا وجب تحققه اختياريا وإن كان غير اختياري وجب تحققه كذلك.

على أنه لو كان معنى قوله : « وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ » امتناع إيمانهم لتعلق العلم الأزلي بعدمه لاتخذوه حجة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعدوه عذرا لأنفسهم في استنكافهم عن الإيمان كما اعترف به بعض المجبرة.

( بحث روائي )

في تفسير القمي في قوله تعالى : « إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً ـ فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ » حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : تخضع رقابهم يعني بني أمية ـ وهي الصيحة من السماء باسم صاحب الأمر.

أقول : وهذا المعنى رواه الكليني في روضة الكافي ، والصدوق في كمال الدين ، والمفيد في الإرشاد ، والشيخ في الغيبة ، ، والظاهر أنه من قبيل الجري دون التفسير لعدم مساعدة سياق الآية عليه.

( وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ

٢٥٤

فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤) قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢) قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ

٢٥٥

لِلنَّاظِرِينَ (٣٣) قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ (٣٥) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (٤٠) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا

٢٥٦

لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨) ).

( بيان )

شروع في ذكر قصص عدة من أقوام الأنبياء الماضين موسى وهارون وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليه‌السلام ليظهر أن قوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سائرون مسيرهم وسيردون موردهم ، لا يؤمن أكثرهم فيؤاخذهم الله تعالى بعقوبة العاجل والآجل ، والدليل على ذلك ختم كل واحدة من القصص بقوله : « وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ » كما ختم به الكلام الحاكي لإعراض قوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أول السورة ، وليس ذلك إلا لتطبيق القصة على القصة.

كل ذلك ليتسلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يضيق صدره ويعلم أنه ليس بدعا من الرسل ولا المتوقع من قومه غير ما عامل به الأمم الماضون رسلهم ، وفيه تهديد ضمني لقومه

٢٥٧

ويؤيده تصدير قصة إبراهيم عليه‌السلام بقوله : « وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ ».

قوله تعالى : « وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى ـ إلى قوله ـ أَلا يَتَّقُونَ » أي واذكر وقتا نادى فيه ربك موسى وبعثه بالرسالة إلى قوم فرعون لإنجاء بني إسرائيل على ما فصله في سورة طه وغيرها.

وقوله : « أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » نوع تفسير للنداء ، وتوصيفهم أولا بالظالمين ثم بيانه ثانيا بقوم فرعون للإشارة إلى حكمة الإرسال وهي ظلمهم بالشرك وتعذيب بني إسرائيل كما في سورة طه من قوله : « اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى » إلى أن قال « فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ » طه : ٤٧.

وقوله : « أَلا يَتَّقُونَ » بصيغة الغيبة ، وهو توبيخ غيابي منه تعالى لهم وإيراده في مقام عقد الرسالة لموسى عليه‌السلام في معنى قولنا : قل لهم إن ربي يوبخكم على ترك التقوى ويقول : ألا تتقون.

قوله تعالى : « قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ـ إلى قوله ـ فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ » ، قال في مجمع البيان : ، الخوف انزعاج النفس بتوقع الضر ونقيضه الأمن وهو سكون النفس إلى خلوص النفع ، انتهى. وأكثر ما يطلق الخوف على إحساس الشر بحيث يؤدي إلى الاتقاء عملا وإن لم تضطرب النفس ، والخشية على تأثر النفس من توقع الشر بحيث يورث الاضطراب والقلق ، ولذا نفى الله الخشية من غيره عن أنبيائه وربما أثبت الخوف فقال : « وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ » الأحزاب : ٣٩ ، وقال : « وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً » الأنفال : ٥٨.

وقوله : « إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ » أي ينسبني قوم فرعون إلى الكذب ، وقوله : « وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي » الفعلان مرفوعان وهما معطوفان على قوله : « أَخافُ » فالذي اعتل به أمور ثلاثة : خوف التكذيب وضيق الصدر وعدم انطلاق اللسان ، وفي قراءة يعقوب وغيره يضيق وينطلق بالنصب عطفا على « يُكَذِّبُونِ » وهو أوفق بطبع المعنى ، وعليه فالعلة واحدة وهي خوف التكذيب الذي يترتب عليه ضيق الصدر وعدم انطلاق اللسان. ويطابق ما سيجيء من آية القصص من ذكر علة واحدة هي خوف التكذيب.

٢٥٨

وقوله : « فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ » أي أرسل ملك الوحي إلى هارون ليكون معينا لي على تبليغ الرسالة يقال لمن نزلت به نائبة أو أشكل عليه أمر : أرسل إلى فلان أي استمد منه واتخذه عونا لك.

فالجملة أعني قوله : « فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ » متفرعة على قوله : « إِنِّي أَخافُ » إلخ ، وذكر خوف التكذيب مع ما معه من ضيق الصدر وعدم انطلاق اللسان توطئة وتقدمة لذكرها وسؤال موهبة الرسالة لهارون.

وإنما اعتل بما اعتل به وسأل الرسالة لأخيه ليكون شريكا له في أمره ، معينا مصدقا له في التبليغ لا فرارا عن تحمل أعباء الرسالة ، واستعفاء منها ، قال في روح المعاني : ومن الدليل على أن المعنى على ذلك لا أنه تعلل وقوع « فَأَرْسِلْ » بين الأوائل وبين الرابعة أعني قوله : « وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ » إلخ ، فآذن بتعلقه بها ولو كان تعللا لأخر ، انتهى.

وهو حسن وأوضح منه قوله تعالى في سورة القصص في القصة : « قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ، وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ » القصص : ٣٤.

قوله تعالى : « وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ » قال الراغب في المفردات : ، الذنب في الأصل الأخذ بذنب الشيء يقال : ذنبته أصبت ذنبه ، ويستعمل في كل فعل يستوخم عقباه اعتبارا لما يحصل من عاقبته. انتهى.

وفي الآية إشارة إلى قصة قتله عليه‌السلام ، وكونه ذنبا لهم عليه إنما هو بالبناء على اعتقادهم أو الاعتبار بمعناه اللغوي المذكور آنفا ، وأما كونه ذنبا بمعنى معصية الله تعالى فلا دليل عليه وسيوافيك فيه كلام عند تفسير سورة القصص إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى : « قالَ كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ » كلا للردع وهو متعلق بما ذكره من خوف القتل ، ففيه تأمين له وتطييب لنفسه أنهم لا يصلون إليه ، وأما سؤاله الإرسال إلى هارون فلم يذكر ما أجيب به عنه ، غير أن قوله : « فَاذْهَبا بِآياتِنا » دليل على إجابة مسئوله.

وقوله : « فَاذْهَبا بِآياتِنا » متفرع على الردع فيفيد أن اذهبا إليه بآياتنا ولا تخافا ،

٢٥٩

وقد علل ذلك بقوله : « إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ » والمراد بضمير الجمع موسى وهارون والقوم الذين أرسلا إليهم ولا يعبأ بقول من قال : إن المراد به موسى وهارون بناء على كون أقل الجمع اثنين فإنه مع فساده في أصله لا تساعد عليه ضمائر التثنية قبله وبعده كما قيل.

والاستماع هو الإصغاء إلى الكلام والحديث وهو كناية عن الحضور وكمال العناية بما يجري بينهما وبين فرعون وقومه عند تبليغ الرسالة كما قال في القصة من سورة طه : « لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى » طه : ٤٦.

ومحصل المعنى : كلا لا يقدرون على قتلك فاذهبا إليهم بآياتنا ولا تخافا إنا حاضرون عندكم شاهدون عليكم معتنون بما يجري بينكم.

قوله تعالى : « فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ » بيان لقوله في الآية السابقة : « فَاذْهَبا بِآياتِنا ».

وقوله : « فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ » تفريع على إتيان فرعون ، والتعبير بالرسول بلفظ المفرد إما باعتبار كل واحد منهما أو باعتبار كون رسالتها واحدة وهي قولهما : « أَنْ أَرْسِلْ » إلخ ، أو باعتبار أن الرسول مصدر في الأصل فالأصل أن يستوي فيه الواحد والجمع ، والتقدير إنا ذوا رسول رب العالمين أي ذوا رسالته كما قيل.

وقوله : « أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ » تفسير للرسالة المفهومة من السياق والمراد بإرسالهم إطلاقهم لكن لما كان المطلوب أن يعودوا إلى الأرض المقدسة التي كتب الله لهم وهي أرض آبائهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليه‌السلام سمي إطلاقهم ليعودوا إليها إرسالا منه لهم إليها.

قوله تعالى : « قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ » الاستفهام للإنكار التوبيخي ، و « نُرَبِّكَ » من التربية ، والوليد الصبي.

لما أقبل فرعون على موسى وهارون وسمع كلامهما عرف موسى وخصه بالخطاب قائلا ألم نربك إلخ ومراده الاعتراض عليه أولا من جهة دعواه الرسالة يقول : أنت الذي ربيناك وأنت وليد ولبثت فينا من عمرك سنين عديدة نعرفك باسمك ونعتك ولم ننس شيئا من أحوالك فمن أين لك هذه الرسالة وأنت من نعرفك ولا نجهل أصلك؟

٢٦٠