الخلود في جهنّم

محمد عبد الخالق كاظم

الخلود في جهنّم

المؤلف:

محمد عبد الخالق كاظم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 964-7741-74-X
الصفحات: ٢٣٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وفيما يلي تفسير عدد من الآيات التي ذكر فيها لفظ المقيم :

١. قوله تعالى : ( وَعَدَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ). ١

قال الشيخ محمد عبده : الوعد يستعمل في الخير والشر وفيما ينفع ويضر ، والوعيد خاص بالثاني ، ولا يكاد يذكر الوعد فيه إلا مع ذكر متعلقة صراحةً أو ضمناً. ٢

وقد وعد الله سبحانه في هذه الآية المنافقين والمنافقات وعطف عليهم الكفار لأنهم جميعاً سواء. ٣ وأخّر ذكر الكفار في مقام الوعيد للإيذان بأن المنافقين ـ وإن أظهروا الايمان وعملوا أعمال الاسلام ـ شر من الكفار. ٤

وقال العلامة الطبرسي : وإنما فصل النفاق من الكفر ، وإن كان النفاق كفراً ، ليبين الوعيد على كل واحد من الصنفين. ٥

قوله : ( خَالِدِينَ فِيهَا ) ، قال الطبرسي : أي دائمين فيها. ٦ وذهب إلى هذا القول جميع المفسرين ، وقد نقلنا فيما سبق أقوال عدد منهم.

وقوله : ( هِيَ حَسْبُهُمْ ) أي تلك العقوبة كافية لهم ، ولا يتجاوز فيها إلى غيرها. ٧

وقوله : ( لَعَنَهُمُ اللهُ ) أي أبعدهم من رحمته ، وقال العلامة الطبرسي : أبعدهم من جنته وخيره. ٨ والصحيح هو إبعادهم من رحمته ، ويلازمه إبعادهم من جنته وخيره.

قوله : ( وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) أي ولهم مع ذلك عذاب دائم لا يزول ، وهو عذاب يوم القيامة ، ٩ أي للمنافقين والكفار عذاب دائم مع الخلود في النار يوم

________________

١. التوبة ، ٦٨.

٢. تفسير المنار ، ج ١٠ ، ص ٥٣٥.

٣. راجع : تفسير الميزان ، ج ٩ ، ص ٣٣٦.

٤. تفسير المنار ، ج ١٠ ، ص ٥٣٥.

٥. مجمع البيان ، ج ٦ ، ص ٤٨.

٦. المصدر السابق.

٧. راجع : تفسير الميزان ، ج ٩ ، ص ٣٣٦.

٨. مجمع البيان ، ج ٦ ، ص ٤٨.

٩. راجع : تفسير الميزان ، ج ٩ ، ص ٣٣٦ ؛ تفسير التبيان ، ج ٥ ، ص ٢٥٤ ؛ مجمع البيان ، ج ٦ ص ٤٨.

٤١

القيامة ، ويؤيد هذا الرأي ما ذهب إليه الزمخشري حيث قال : ولهم نوع من العذاب سوى الصلي بالنار مقيم دائم كعذاب النار. ١

وهناك وجه آخر في تفسير هذه الآية ذكره بعضهم ، قال الزمخشري : ويجوز أن يريد : ولهم عذاب مقيم معهم في العاجل لاينفكون عنه ، وهو ما يقاسونه من تعب النفاق والظاهر المخالف للباطن خوفاً من المسلمين وما يحذرونه أبداً من الفضيحة ونزول العذاب إن اطّلع على أسرارهم. ٢

وقد ذكر الفخر الرازي هذا الرأي كوجه ثان لتفسير هذه الآية ، ٣ وعموم المفسرين رجحوا الوجه الأول. ٤ وذهب مصنف المنار إلى أنه لا مانع من شموله لما في الدنيا والآخرة ، ولكنه في عذاب الآخرة المعنوي أظهر وأعم وأشمل. ٥

وبما تقدم يتضح بان معنى الآية : وعد الله المنافقين والكفار بأنهم سيدخلون جهنم ويخلدون فيها إلى الأبد ، وهذه العقوبة كافية لهم على كفرهم ونفاقهم لا يتجاوز فيها إلى غيرها من العقوبات ، وأبعدهم الله من رحمته وجنته ، ولهم مع ذلك ـ أي بالاضافة إلى الخلود في النار ـ عذاب دائم مقيم ولعله إشارة إلى دفع توهم كون الخلود في النار لا يستلزم الخلود في العذاب ، فأضاف سبحانه العذاب المقيم إلى الخلود في النار ، ففي هذه الآية من الدلالة على الخلود الأبدي والدائم في عذاب جهنم ما لا يخفى.

٢. قوله تعالى : ( وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

________________

١. تفسير الكشاف ، ج ٢ ، ٢٨٧.

٢. المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٢٨٨.

٣. راجع : تفسير الكبير ، ج ١٦ ، ص ١٢٨.

٤. راجع : تفسير المنار ، ج ١٠ ص ٥٣٦ ؛ تفسير الكشاف ، ج ٢ ، ص ٢٨٧ ؛ تفسير التبيان ، ج ٥ ص ٢٥٤ ؛ مجمع البيان ، ج ٦ ، ص ٤٨ ؛ تفسير الميزان ، ج ٩ ، ص ٣٣٦.

٥. راجع : تفسير المنار ، ج ١٠ ص ٥٣٦.

٤٢

أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ ). ١

قوله : ( وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ ) أي ترى الظالمين يعرضون على النار قبل دخولهم النار حال كونهم ساكنين متواضعين بسبب مالحقهم من الذل ( يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ ) أي خفي النظر وضعيفه لما عليهم من الهوان يسارقون النظر إلى النار لهولها وألوان عذابها ، فلا يجرؤون أن ينظروا إلى النار بجميع أبصارهم. ٢

وقوله : ( وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) أي إن الخاسرين الحقيقيين هم الذين خسروا أنفسهم بحرمانها من نعيم الجنة يوم القيامة ، وخسروا أهليهم وهم أولادهم وأزواجهم وأقار بهم بعدم الانتفاع بهم يوم القيامة. ٣

وقال العلامة الطباطبائي والقرطبي : وقيل : أهلوهم أزواجهم من الحور وخدمهم في الجنة لو آمنوا ، ولا يخلو من وجه نظراً إلى آيات وراثة الجنة. ٤

وهذا القول منسوب إلى المؤمنين إنما يقولونه يوم القيامة لا في الدنيا ، ٥ وقال الآلوسي : القول في الدنيا ، ٦ قوله :( أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ ) أي في عذاب دائم لا زوال له. ٧ وأما كون هذه الآية مقول قول المؤمنين أم

________________

١. الشورى ، ٤٥.

٢. راجع : تفسير التبيان ، ج ٩ ، ص ١٧٠ ؛ مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٣٥ ؛ التفسير الكبير ، ج ٢٧ ، ص ١٨٢ ؛ روح المعاني ، ج ٢٥ ، ص ٥١.

٣. راجع : مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٣٥ ؛ تفسير الميزان ، ج ١٨ ، ص ٦٦ ؛ التفسير الكبير ، ج ٢٧ ، ص ١٨٢ ؛ تفسير القرطبي ، ج ١٦ ص ٤٦.

٤. تفسير الميزان ، ج ١٨ ، ص ٦٦ ، راجع : تفسير القرطبي ، ج ١٦ ص ٤٦.

٥. راجع : تفسير الميزان ، ج ١٨ ، ص ٦٦ ؛ تفسير القرطبي ، ج ١٦ ، ص ٤٦ ؛ تفسير التبيان ، ج ٩ ، ص ١٧٠ ؛ مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٣٥.

٦. روح المعاني ، ج ٢٥ ، ص ٣٥.

٧. راجع : تفسير التبيان ، ج ٩ ، ص ١٧٠ ؛ مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٣٥ ؛ تفسير الكبير ، ج ٢٧ ، ص ١٨٢ ؛ تفسير القرطبي ، ج ١٦ ص ٤٦ ؛ تفسير الميزان ، ج ١٨ ، ص ٦٧.

٤٣

استئناف لقول الله تعالى ، فجوّز المفسرون الوجهين في ذلك.

ونستنتج مما سبق بان الآية معناه : ترى الظالمين يعرضون على النار قبل دخولهم فيها ، وهم في حالة من الذل المسكنة ينظرون إلى النار من طرف خفي ، أي يسارقون النظر إلى النار ، فلا يستطيعون النظر اليها بتمام أبصارهم لهولها. والمؤمنون عندما يرون مالحق بالظالمين في يوم القيامة من العذاب والهوان يقولون إن الخاسرين حقيقة في هذا اليوم هم الذين خسروا أنفسهم بتعريضها إلى العذاب المقيم وحرمانها من النجاة ، وخسروا أهليهم من الأولاد والأزواج والأرقاب ، لأنهم لا ينتفعون بهم لما حيل بينهم وبينهم ، ثم يقول المؤمنون أو يقول الله عزوجل في ذلك اليوم : إن الظالمين في عذاب دائم لا يزول عنهم.

٣. قوله تعالى : ( فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ). ١

( مَن يَأْتِيهِ ) قالوا في ( من ) وجهين أحدهما : أن تكون استفهاماً ، أي كأنه قيل : فسوف تعلمون أيّنا عذاب وتكون ( من ) على هذا الوجه مرفوعة بالابتداء والثاني : أنها موصولة بمعنى ( الذي ) فتكون في محل نصب. وذهب العلامة الطباطبائي والطبرسي إلى أنها استفهامية ، قال العلامة الطباطبائي : الظاهر أن ( من ) استفهامية لا موصولة ، لظهور العلم فيما يتعلق بالجملة لا بالمفرد. ٢

وقوله : ( مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ) قالوا المراد به عذاب الاستئصال في الدنيا وهو الغرق. ٣

________________

١. هود ، ٣٩.

٢. تفسير الميزان ، ج ١٧ ، ص ٢٦٧ ، ٢٦٨.

٣. راجع : المصدر السابق ، ج ١٠ ، ص ٢٢٥ ؛ روح المعاني ، ج ١٢ ص ٥١ ؛ مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ١٥٩ ؛ تفسير البيضاوي ، ج ٣ ، ص ٢٣٣.

٤٤

وقوله : ( وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) أي وينزل عليه ويحل به حلول الدين والحق اللازم الذي لا انفكاك له عذاب دائم وهو عذاب ، النار في الآخرة ، ١ وقال الفخر الرازي : أي يجب عليه وينزل به ٢ والآية تدل بصراحة على دوام العذاب وعدم انقطاعه.

فالآية الشريفة مقول قول نوح عليه‌السلام يرد فيها على قومه الذين سخروا منه فقال لهم نوح عليه‌السلام فسوف تعلمون أيّنا يأتيه عذاب يخزيه ـ إشارة إلى عذاب الاستئصال في الدنيا وهو الغرق ـ ويهينه ويذله ثم ينزل عليه يوم القيامة عذاب دائم لا يفارقه ، وهو عذاب النار. ومما يدل على كون العذاب الأول هو الذي في الدنيا ، والثاني هو هذاب الآخرة ، هو المقابلة وتكرر العذاب منكراً في اللفظ. وتوصيف الأول بالإخزاء والثاني بالاقامة. ٣

الخلاصة

ورد لفظ ( مقيم ) في خمس آيات قرآنية للاشارة إلى إقامة العذاب ، وقد طرحنا تفسير ثلاث من هذه الآيات ، أما الآية الرابعة وهي قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) ، ٤ وقد وعد الله الكافرين في هذه الآية بعدم الخروج من النار من العذاب المقيم الدائم ، وسوف نشير إلى تفسير هذه الآية عند البحث عن الدليل الثالث.

أما الآية الخامسة التي ذكرت في سورة الزمر فهي تكرار للآية ٣٩ من سورة هود التي تقدم تفسيرها وهي قوله تعالى : ( مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ

________________

١. تفسير الكشاف ، ج ٢ ، ص ٣٩٤ ؛ تفسير البيضاوي ، ج ٣ ، ص ٢٣٣ ؛ تفسير الميزان ، ج ١٠ ، ص ٢٢٥.

٢. تفسير الكبير ، ج ١٧ ، ص ٢٢٥.

٣. راجع : تفسير الميزان ، ج ١٠ ، ص ٢٢٥.

٤. المائدة ، ٣٦ ، ٣٧.

٤٥

عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) ١ والفرق بين هذه الآية وبين التي وردت في سورة هود أن هذه الآية أمر من الله سبحانه لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ليخاطب به مشركي مكة تهديداً ووعيداً لهم ، أما الآية التي وردت في سورة هود فهي مقول قول النبي نوح عليه‌السلام خاطب به الكفار المستهزئين به من قومه ووعدهم بالعذاب المقيم الدائم يوم القيامة.

الشيء المشترك بين هذه الآيات هي أنها واردة في حق الكفار والمشركين والمنافقين ، والمفسرون متفقون على خلود هؤلاء في النار ، وذهبوا إلى أن لفظ ( مقيم ) في هذه الآيات بمعنى الدوام الأبدي ، بل وحتى المخالفون للخلود الأبدي يفسرونه بالدوام. ٢

٣. دلالة عدم الخروج وعدم الغياب عن النار على دوام العقاب

إستندوا بالآيات القرآنية التي ذكر فيها عدم الخروج من النار أو عدم غيبتهم منها ، ومن هذه الآيات :

١. قوله تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ). ٣

قوله : ( وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ) أي قال الأتباع ( لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ ) لو : للتمني ، والكرة : الرجوع ، أي ليت لنا كرة ورجوعاً إلى الدنيا ( فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ) أي فنتبرأ من الأنداد المتبوعين في الدنيا كما تبرؤوا منا في الآخرة.

وقوله : ( كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ) أي كذلك يريهم الله أعمالهم ، وهي حبهم واتباعهم الأنداد المتبوعين حسرات عليهم ، وقد قيل في المراد من الأعمال عدة أقوال : ٤

________________

١. الزمر ، ٤٠.

٢. راجع : ابن القيم الجوزية ، حادي الارواح ، ص ٢٥٥.

٣. البقرة ، ١٦٧.

٤. راجع : تفسير التبيان ، ج ٢ ، ص ٦٩ ؛ مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٢٥١ ؛ تفسير الكبير ، ج ٤ ، ص ٢٣٩.

٤٦

الأول : المعاصي يتحسرون عليها.

الثاني : الطاعات يتحسرون عليها لِمَ لَمْ يعملوها. وروي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « هو الرجل يكتسب المال ولا يعمل فيه خيراً فيرثه من يعمل فيه عملاً صالحاً ، فيرى الأول ما كسبه حسرة في ميزان غيره ».

الثالث : الثواب : فان الله يريهم مقادير الثواب التي عرضهم لها لو فعلوا الطاعات فيتحسرون عليه ـ لم فرطوا فيه ـ ورجح الشيخ الطوسي ١ والفخر الرازي ٢ القول الأول وكذلك ذهب اليه العلامة الطباطبائي ، ٣ والزمخشري ، ٤ والمراغي ، ٥ والشيخ محمد عبده. ٦ أما العلامة الطبرسي فقال : الآية محتملة لجميع الوجوه ، فالأولى الحمل على العموم. ٧ وحملها على الوجه الأول وهو المعاصي واتخاذ المتبوعين انداداً واتباعهم لهم ، كما تشير اليه الآية ، أولى.

وقوله : ( وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) ، قال البيضاوي : أصله وما يخرجون ، فعدل به إلى هذه العبارة للمبالغة في الخلود والاقناط عن الخلاص والرجوع إلى الدنيا. ٨

وقال القرطبي : قوله ( وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) دليل على خلود الكفار فيها ، وأنهم لا يخرجون منها ، وهذا قول أهل السنة لهذه الآية ولقوله تعالى : ( وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ) ٩. ١٠

وقال العلامة الطباطبائي : فيه حجة على القائلين بانقطاع العذاب من طريق الظواهر. ١١ وذلك كون ظاهر الآية صريحة في عدم الخروج ولا يقبل التأويل.

________________

١. راجع : تفسير التبيان ، ج ٢ ، ص ٦٩.

٢. راجع : تفسير الكبير ، ج ٤ ، ص ٢٣٩.

٣. راجع : تفسير الميزان ، ج ١ ، ص ٤٠٨.

٤. راجع : تفسير الكشاف ، ج ١ ، ص ٢١٢.

٥. راجع : تفسير المراغي ، ج ٢ ، ص ٤١.

٦. تفسير المنار ، ج ٢ ص ٨٠ ، ٨١.

٧. راجع : مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٢٥١.

٨. تفسير البيضاوي ، ج ١ ص ٤٤٤.

٩. الاعراف ، ٤٠.

١٠. تفسير القرطبي ، ج ٢ ، ص ٢٠٧.

١١. تفسير الميزان ، ج ١ ، ص ٤٠٨.

٤٧

وقد حمل المفسرون الآية على أنها واردة في الكفار ، وأسند العلامة الطبرسي ١ هذا القول إلى ابن عباس ، وقال به أيضاً الشيخ محمد عبده ، ٢ والفخر الرازي ، ٣ والآلوسي ، ٤ والقرطبي ، ٥ كما يفهم ذلك أيضاً من تفسير العلامة الطباطبائي ، ٦ والمراغي ٧ للآية.

وقد احتج بعض أهل السنة بهذه الآية على أن أصحاب الكبائر من أهل القبلة يخرجون من النار فقالوا : إن قوله ( وماهم ) تخصيص لهم بعدم الخروج على سبيل الحصر فوجب أن يكون عدم الخروج مخصوصاً بالكفار. ٨

ومن كل ما تقدم يتبين بان معنى الآية : وقال الأتباع الذين اتبعوا الأنداد المتبوعين : ليت لنا رجعة إلى الدنيا فنتبرأ في الدنيا من هؤلاء المتبوعين كما تبرؤوا منا في الآخرة ولم ينفعونا ، وردهم الله تعالى بقوله أنه سبحانه سوف يريهم ويظهر لهم أعمالهم السيئة ومعاصيهم وهو إتباعهم الانداد ، حسرة وندامة على ما اقترفوه من الشرك والكفر يوم القيامة ، وسوف لا يخرجون من النار ، بل يبقون فيها مخلدين أبداً.

٢. قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ). ٩

هذه الآية تعليل للآية التي سبقتها ، وأنها تؤكد مضمونها ، ١٠ وهي قوله

________________

١. راجع : مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٢٥١.

٢. راجع : تفسير المنار ، ج ٢ ، ص ٨١.

٣. راجع : تفسير الكبير ، ج ٤ ، ص ٢٣٩.

٤. روح المعاني ، ج ٢ ، ص ٣٦ ، ٣٧.

٥. تفسير القرطبي ، ج ٢ ، ص ٢٠٧.

٦. راجع : تفسير الميزان ، ج ١ ، ص ٤٠٨.

٧. راجع : تفسير المراغي ، ج ٢ ، ص ٤١.

٨. راجع : تفسير الكبير ، ج ٤ ، ص ٢٣٩ ؛ روح المعاني ، ج ٢ ، ٣٦ ، ٣٧.

٩. المائدة ، ٣٦ ، ٣٧.

١٠. راجع : تفسير الميزان ، ج ٥ ، ص ٣٢٨ ؛ تفسير المنار ، ج ٦ ، ص ٣٨٧ ؛ تفسير المراغي ، ج ٦ ، ص ١١٣.

٤٨

تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) فجعلت المدار في النجاة والفوز هو التقوى لله وابتغاء الوسيلة والجهاد في سبيله. فلا يصرف العذاب عن الانسان يوم القيامة إلا بالتقوى وابتغاء الوسيلة اليه والجهاد في سبيله حتى لو ملك الانسان الكافر والمشرك غير المتقي من الله سبحانه ما في الأرض جميعاً ـ وهو أقصى ما يتمناه الانسان من الملك الدنيوي ـ واُضيف اليه مثله ليكون له ضعفا ما في الأرض جميعاً ، وأراد أن يفتدي به من عذاب يوم القيامة ، ما تقبّل منهم عوضاً وفداءً عن العذاب ، بل يعذبهم عذاباً مؤلماً وموجعاً.

قوله : ( يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) قوله : ( يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ ) فيه ثلاثة أقوال : ١

أحدها : يتمنون أن يخرجوا منها فجعل الارادة ها هنا تمنياً

ثانيها : معناه الارادة على الحقيقة لأنه كلما رفعتهم النار بلهبها رجوا أن يخرجوا منها ، وهو قوله : ( كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا ).

ثالثها : معناه يكادون أن يخرجوا منها إذا رفعتهم بلهبها ، كما قال تعالى : ( جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ ) أي يكاد ويقارب.

وما هم بخارجين من النار لأنه عذاب دائم ثابت لا يزول. ٢ وقال المراغي : المقيم هو الثابت الذي لا يرتحل أبداً ، أي يتمنون الخروج من النار ـ دار العذاب والشقاء ـ بعد دخولهم فيها وما هم بخارجين منها البتة. ٣

٣. قوله تعالى : ( وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا

________________

١. راجع : تفسير التبيان ، ج ٣ ، ص ٥١٠ ؛ مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ١٩٠ ؛ تفسير الكبير ، ج ١١ ، ص ٢٢١.

٢. راجع : تفسير التبيان ، ج ٣ ، ص ٥١١ ؛ تفسير الميزان ، ج ٥ ص ٣٢٩ ؛ مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ١٩٠.

٣. تفسير المراغي ، ج ٦ ، ص ١١٣.

٤٩

أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ). ١

قوله : ( وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا ) أي الذين كفروا بالله وكذبوا بالمعاد بدليل قوله تعالى في ذيل الآية ( وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ).

وقوله ( فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ) المأوى : اسم مكان أي ملجأهم ومنزلهم. ٢ وقال المراغي : مساكنهم التي يأوون اليها في الآخرة. ٣ وقال العلامة الطباطبائي : كون النار مأواهم لازمه خلودهم فيها ولذلك عقبه بقوله : ( كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا ). ٤

وقال الشيخ اسماعيل حقي : قوله ( كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا ) عبارة عن الخلود فيها فانه لا خروج ولا إعادة في الحقيقة كقوله : ( كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ). ٥

وقال البيضاوي : قوله ( كُلَّمَا أَرَادُوا ... ) الآية ، عبارة عن خلودهم فيها. ٦

وقال المراغي : روي أن لهب النار يضربهم فيرتفعون إلى أعلاها حتى إذا قربوا من أبوابها وأرادوا أن يخرجوا منها يضربهم اللهب فيهوون إلى قعرها وهكذا يفعل بهم أبداً. ٧

ويروي البضاوي عن الفضيل بن عياض قوله : والله إن الأيدي لمؤثقة وإن اللهب ليرفعهم والملائكة تقمعهم. ٨

فمعنى الآية اجمالاً : قال سبحانه وأما الفاسقون المنكرون للمعاد فمأواهم النار ، أي ملجأهم ومستقرهم الذي يستقرون فيه هم خالدون إلى الأبد مثلما يستقر المؤمنون في الجنة ، كما قال تعالى قبل هذه الآية : ( أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا

________________

١. السجدة ، ٢٠.

٢. اسماعيل حقي البروسوي ، روح البيان ، ج ٧ ، ص ١٢٣.

٣. تفسير المراغي ، ج ٢١ ، ص ١١٥.

٤. تفسير الميزان ، ج ١٦ ، ص ٢٦٤.

٥. روح البيان ، ج ٧ ، ص ١٢٣.

٦. تفسير البيضاوي ، ج ٤ ، ص ٣٥٩.

٧. تفسير المراغي ، ج ٢١ ، ص ١١٥.

٨. راجع : تفسير البيضاوي ، ج ٤ ، ص ٣٥٩.

٥٠

وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلا ) وكلما همّوا بالخروج من النار للخلاص من عذابها قمعتهم الملائكة وأعادتهم إليها كما قال تعالى : ( وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ) فلا يخرجون منها أبداً ، ويقال لهم : ذوقوا عذاب نار جهنم التي كنتم تكذبون بها في الدنيا. والآية مختصة بالكفار بدليل تكذيبهم للمعاد.

٤. قوله تعالى : ( وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ). ١

قال العلامة الطباطبائي : الفجار هم المنخرقون بالذنوب ، والظاهر أن المراد بهم المتهتكون من الكفار ، إذ لا خلود لمؤمن في النار. ٢

وقال العلامة الطبرسي : المراد من الفجار هنا الكفار المكذبون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لقوله : ( يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ) أي يلزمونها بكونهم فيها. ٣ ويذهب الشيخ الطوسي أيضاً إلى أن المراد من الفجار هم الكفار. ٤

وقوله : ( وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ) قال العلامة الطباطبائي : ٥ عطف تفسيري على قوله : ( يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ) يؤكد معني ملازتمهم للجحيم وخلودهم فيها ، والمراد بغيبتهم عنها خروجهم منها ، فالآية في معنى قوله : ( وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) ٦ : وقال الشيخ الطوسي ٧ والطبرسي ٨ : أي لا يكونون غائبين عنها ، بل يكونون مؤبدين فيها. وقال الآلوسي : ( وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ) طرفة عين ، فان المراد استمرار النفي لا نفي الاستمرار ، وهو كقوله تعالى : ( وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا في الد ) لالة على سرمدية العذاب ، وأنهم لايزالون يحسون بالنار. ٩ وذهب إلى هذا القول أيضاً الشيخ إسماعيل حقي ، ١٠ وقال البيضاوي :

________________

١. الانفطار ، ١٤ ـ ١٦.

٢. تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ٢٢٧.

٣. مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٥٠.

٤. تفسير التبيان ، ج ١٠ ، ص ٢٩٣.

٥. تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ٢٢٧.

٦. البقرة ، ١٦٧.

٧. راجع : تفسير التبيان ، ج ١٠ ، ص ٢٩٣.

٨. راجع : مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٥٠.

٩. روح المعاني ، ج ٣٠ ، ص ٦٦.

١٠. راجع : روح البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٦٢.

٥١

( وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ) لخلودهم فيها. ١

وهناك قول آخر في تفسير هذه الآية نقله بعض المفسرين بقولهم : ( قيل ) دلالة على ضعفه ، وهو أنهم ما كانوا غائبين عنها قبل ذلك بالكلية ، بل كانوا يجدون سمومها في قبورهم حسبما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من خفر النيران ». ٢

وقال المراغي : ( وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ) أي إنهم لا يغيبون عن الجحيم ، ولا ينفكون عن عذابها ، بل هم ملازمون لها. ٣

فخلاصة معنى الآية هي إن الفجار ، وهم المكذبون والمنكرون للحشر ـ كما قال البروسوي ـ ٤ لفي نار جهنم يلازمونها يوم القيامة ولا يغيبون عنها طرفة عين ، بل يخلدون فيها إلى الأبد ، ففي هذه الآية دلالة على خلود الكفار في نار جهنم وعدم انقطاع عذابهم.

الخلاصة

وردت في القرآن أربع آيات يصرح فيها بعدم خروج الكفار من النار ، وقد سبق تفسير ثلاث منها ، أما الآية الرابعة ، وهي قوله تعالى : ( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) ٥ وفي نفي الخروج الوارد في هذه الآيات دلالة على الخلود ، لأن عدم خروجهم منها معناه بقاؤهم فيها ، ونفي الخروج مطلق ولم يقيد بمدة معينة ، فيكون البقاء أيضاً دائمياً غير مقيد بمدة معينة ، وهذه الآيات

________________

١. تفسير البيضاوي ، ج ٥ ، ص ص ٤٦١.

٢. راجع : روح البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٦٢ ؛ روح المعاني ، ج ٣٠ ، ص ٦٦ ؛ تفسير البيضامي ، ج ٥ ، ص ٤٦١ ؛ تفسير الكشاف ، ج ٤ ، ص ٧١٧.

٣. تفسير المراغي ، ج ٣٠ ، ص ٦٩.

٤. راجع : روح البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٦٢.

٥. الحج ، ١٩ ـ ٢٢.

٥٢

صريحة أنها مختصة بالكفار ، وقد وعدهم القرآن في الكثير من الآيات بالخلود في النار وبالعذاب المقيم ، وهذا مؤيد آخر بكون الآيات القرآنية التي صرحت بعدم خروج الكفار من النار إشارة إلى عدم الخروج الابدي من النار.

وهناك آية أخرى سبق تفسيرها أيضاً صرحت بعدم غيبة الفجار من النار ، وهي قوله تعالى : ( وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ) ، فالمفسرون ذهبوا إلى أن قوله ( وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ) بمعنى قوله : ( وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) وقد ثبت أن هذه الآية دالة على الخلود في النار ، وأنها تعبير آخر عن معنى الخلود فيثبت بذلك أن قوله تعالى : ( وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ) دالّ أيضاً على الخلود ودوام البقاء في النار ، لأن عدم الغيبة عن النار بمعنى عدم الخروج منها والبقاء فيها ، وإذا كان عدم الخروج دائمياً كان عدم الغيبة دائمياً أيضاً.

وهذه الآية أيضاً مختصة بالكفار ، وقد نقلنا أقوال بعض المفسرين في معنى الفجار وفي كون المقصود من الفجار الكفار ، وهناك قرينة أخرى في كون الآية مختصة بالكفار والمكذبين ، وهي قوله تعالى : ( كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ) ١ حيث عبر عن الفجار في ذيل الآية بالمكذبين بالمعاد.

وهناك آيات أخرى يرد فيها سبحانه طلب الكافرين وسؤالهم الخروج من النار ، ففي قوله تعالى : ( قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ذٰلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) ٢ فلم يردهم سبحانه بقوله مثلاً كلا إنكم لا تخرجون منها ، بل أجابهم بجواب يدلّ على أنه لا سبيل إلى الخروج ، وقال

________________

١. المطففين ، ٧ ـ ١١.

٢. غافر ، ١١ ، ١٢.

٥٣

سبحانه لهم ذلكم العذاب بسبب كفركم بتوحيد الله وإيمانكم بالاشراك ، ففيه ردّ لهم على طلبهم الخروج ، وقال العلامة الطبرسي : وفي الكلام حذف تقديره : فأجيبوا بأنه لا سبيل لكم إلى الخروج. ١

وفي قوله تعالى : ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ) ، ٢ وقد زجرهم الله سبحانه في هذه الآية زجر الكلاب إهانةً لهم ، ونهاهم عن الكلام والسؤال عن الخروج مبالغة في الاهانة والإذلال ، ففيه إياس وإقناط للكفار من النجاة والفوز بسبب كفرهم وسخريتهم من المؤمنين.

٤. دلالة نفي الموت عن أهل النار على دوام العقاب

إستدلوا على دوام العقاب والخلود في النار بالآيات القرآنية التي تنفي الموت عن بعض الداخلين فيها ، ومن هذه الآيات :

١. قوله تعالى : ( وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ). ٣

قوله : ( وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ) الضمير يعود إلى الذكرى حسب سياق الآية ، وهي قوله تعالى قبلها : ( سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ ) والمقصود من الأشقى بقرينة المقابلة من ليس في قلبه شيء من خشية الله تعالى. ٤ والذي لا يكون في قلبه شيء من خشية الله تعالى هو الكافر ، كما أشار إليه العلامة الطبرسي بقوله : أي أشقى العصاة فإن للعاصين درجات في الشقاوة ، فأعظمهم درجة فيها هو الذي كفر بالله وتوحيده وعبد غيره ، ٥ وقال الزمخشري : الأشقى الكافر ، لأنه

________________

١. مجمع البيان ، ج ٨ ، ص ٥١٧.

٢. المؤمنون ، ١٠٧ ـ ١١٠.

٣. الأعلى ، ١١ ـ ١٣.

٤. تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ٢٦٩.

٥. مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٧٦.

٥٤

أشقى من الفاسق أو هو أشقى الكفره لتوغله في عدواة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ١

وقوله : ( الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ ) ، قال العلامة الطباطبائي : النار الكبرى هي نار جهنم ، فهي نار كبرى بالقياس إلى نار الدنيا. ٢ وقال آخرون : المراد بها أسفل دركات جهنم. ٣ ونسب الشيخ الطوسي هذا القول إلى الفراء. ٤

وقوله : ( ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ) ( ثم ) للتراخي بحسب رتبة الكلام. ٥ وقال البروسوي : و ( ثم ) للتراخي من مراتب الشدة لان التردد بين الموت والحياة أفضع من نفس الصلي. ٦ وذهب إلى هذا القول أيضاً الفخر الرازي. ٧

وقال العلامة الطباطبائي في تفسيره : المراد من نفي الموت والحياة عنه معاً نفي النجاة نفياً مؤبداً ، فان النجاة بمعنى انقطاع العذاب بأحد أمرين ؛ إما الموت حتى ينقطع عنه العذاب بانقطاع وجوده ، وإما أن تتبدل صفة الحياة من الشقاء إلى السعادة ومن العذاب إلى الراحة ، فالمراد بالحياة في الآية الحياة الطيبة على حدّ قولهم في الحرض : ( لا حي فيرجى ولا ميت فينسى ). ٨

وقال الآلوسي : وقد يقال إن مث ذلك الكلام يقال لمن وقع في شدة واستمر فيها ، فلا يبعد أن يكون فيه اشارة إلى خلودهم في العذاب ، وأمر التراخي الرتبي عليه ظاهراً أيضاً ، لظهور أن الخلود في النار الكبرى أفظع من دخولها. ٩

وقال السيد قطب : حيث يمتد بقاؤه فيها ويطول فلا هو يموت فيجد طعم

________________

١. تفسير الكشاف ، ج ٤ ، ص ٧٤٠.

٢. راجع : تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ٢٦٩ ؛ مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٧٦.

٣. راجع : تفسير الكشاف ، ج ٤ ، ص ٧٤٠ ؛ تفسير المراغي ، ج ٣٠ ، ص ١٢٦ ؛ روح المعاني ، ج ٣٠ ، ص ١٠٨.

٤. راجع : تفسير التبيان ، ج ١٠ ، ص ٣٣٢.

٥. راجع : تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ٢٦٩ ؛ روح المعاني ، ج ٣٠ ، ص ١٠٨.

٦. روح البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٠٩.

٧. راجع : تفسير الكبير ، ج ٣١ ، ص ١٤٧.

٨. تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ٢٦٩.

٩. روح المعاني ، ج ٣٠ ، ص ١٠٨.

٥٥

الراحة ، ولا هو يحيى في أمن وراحة ، إنما هو العذاب الخالد الذي يتطلع صاحبه إلى الموت كما يتطلع إلى الامنية الكبرى. ١

وقال المراغي : ( ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ) أي ومن شقي هذا الشقاء ولقي هذا العذاب بتلك النار يخلد فيها ، ولا يقف عذابه عند غاية ، ولا يجد لآلامه نهاية ، فلا هو يموت فيستريح ، ولا يحيى الحياة الطيبة فيسعد بها. ٢

وقال البروسوي : قال القاشاني : لا يموت لامتناع إنعدامه ، ولا يحيى بالحقيقة لهلاكه الروحاني ، أي يتعذب دائماً سرمداً ، يتمنى عندها الموت ، وكلما احترق وهلك أعيد إلى الحياة وعذب ، فلا يكون ميتاً مطلقاً ، ولا حياً مطلقاً. ٣

فنفي الموت والحياة معاً نفي لانقطاع العذاب ونفي للنجاة والخروج من النار واثبات للخلود الأبدي في النار.

فمعنى الآية اجمالاً : يتجنب التذكرة والموعظة بالقرآن الأشقى الذي لا يؤمن بالله ولا في قلبه شيء من خشية الله ، وهو سوف يلازم نار جهنم بحيث لا يموت فيها حتى يستريح ولا يعيش فيها حياة طيبة ، بل يكون في عذاب دائم ومخلداً في نار جهنم إلى الأبد ، لأن نفي الموت عنه بمعنى بقائه في جهنم ، ونفي الحياة الطيبة عنه بمعنى استدامة العذاب عليه.

٢. قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَٰلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ). ٤

قوله : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا ) بوحدانية الله وجحدوا نبوة نبيه. ٥

وقوله : ( لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ ) جزاءً على كفرهم.

وقوله : ( لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ) قال الفخر

________________

١. سيد قطب ، في ظلال القرآن ، ج ٢٩ ، ص ١٤١.

٢. تفسير المراغي ، ج ٣٠ ، ص ١٢٧.

٣. روح البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٠٩.

٤. فاطر ، ٣٦.

٥. مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٤١٠.

٥٦

الرازي : أي لا يستريحون بالموت ، بل العذاب دائم. ١ وقال المراغي : لا يحكم عليهم فيها بموت ثان فيستريحوا من الآلام ، ولا يخفف عنهم العذاب فيها ، بل كلما خبت زيد سعيرها. ٢ ومقصوده أن العذاب دائم عليهم.

وقال البروسوي : لا يحكم عليهم بموت ثانٍ ( فَيَمُوتُوا ) ويستريحوا من العذاب ( وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ) طرفة عين ، بل كلما خبت زيد استعارها. ٣

وقوله : ( كَذٰلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ) أي ومثل هذا العذاب ونظيره نجازي كل جاحد كثير الكفران.

فمعنى الآية : الذين جحدوا بوجود الله أو وحدانيته ونبوة نبيه ، لهم نار جهنم بحيث لا يقضى عليهم بالموت في النار حتى يستريحوا ، فهم باقون في النار إلى الأبد ، ولا يخفف عنهم العذاب طرفة عين ، فالبقاء أبدي ، وكذلك العقاب أبدي ، جزاءً لكفرهم ، وبمثل هذا العذاب يجازي سبحانه كل جاحد شديد الكفر.

٣. قوله تعالى : ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ). ٤

أي ونادى المجرمون ، كما ورد في سياق هذه الآية ، قوله : ( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ... ) الآية ، فنادوا من شدة العذاب : ليمتنا ربك حتى نتخلص من العذاب ونستريح.

وقال العلامة الطباطبائي ٥ : وخطابهم مالكاً بما يسألونه من الله سبحانه لكونهم محجوبين عنه ، كما قال تعالى : ( كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ). ٦

فيجيبهم مالك : إنكم ماكثون ، أي لا خروج لكم منها ولا محيص ، ونحوه قوله تعالى : ( لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ) وقوله :

________________

١. تفسير الكبير ، ج ٢٦ ، ص ٢٨.

٢. تفسير المراغي ، ج ٢٢ ، ص ١٣٢.

٣. روح البيان ، ج ٧ ، ص ٣٥٤.

٤. الزخرف ، ٧٧.

٥. تفسير الميزان ، ج ١٨ ، ص ١٢٣.

٦. المطففين ، ١٥.

٥٧

( وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ). ١

وقال العلامة الطبرسي : ( إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) أي لابثون دائمون في العذاب. ٢

وقال إسماعيل حقي البروسي : ( إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) المكث : ثياب مع انتظار ، أي مقيمون في العذاب أبداً لا خلاص لكم منه بموت ولا بغيره. ٣

وقال البيضاوي : ( قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) لا خلاص لكم بموت ولا بغيره. ٤

وقال الزمخشري : ( مَاكِثُونَ ) لابثون ، وفيه استهزاء ، والمراد خالدون. ٥

فقد تبين بما مر بان الآية معناه : إنّ المجرمين ، أي الكفار ـ كما قال العلامة الطبرسي ٦ والفخر الرازي ٧ والآلوسي ، ٨ وهو المفهوم من سياق الآية حيث عقّبه تعالى بقوله : ( لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) ـ ينادون مالكاً خازن النار ، ويطلبون منه أن يسأل ربه أن يقضي عليهم بالموت ويفنيهم من الوجود حتى يستريحوا من العذاب ، ويجيبهم مالك بأنكم باقون ومقيمون في نار جهنم وماكثون فيها أبداً ، ففي هذا الجواب إشارة إلى رد طلبهم من الله سبحانه بإعدامهم من الوجود بالموت ، كأنه قال إنكم لاتموتون ، بل تبقون في العذاب أبداً.

الخلاصة

الآيات القرآنية التي تنفي الموت في النار بعضها تنفي الموت والحياة معاً. كما في قوله تعالى : ( وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ) وقد تقدم تفسيره ، وكذلك في قوله تعالى : ( إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا

________________

١. تفسير المراغي ، ج ٢٥ ، ص ١١١.

٢. مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٥٧.

٣. روح البيان ، ج ٨ ، ص ٣٩٣.

٤. تفسير البيضاوي ، ج ٥ ، ص ١٥٤.

٥. تفسير الكشاف ، ج ٤ ، ص ٢٦٤.

٦. راجع : مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٥٧.

٧. راجع : تفسير الكبير ، ج ٢٧ ، ص ٢٢٦.

٨. راجع : روح المعاني ، ج ٢٥ ، ص ١٠٣.

٩. الأعلى ، ١١ ـ ١٣.

٥٨

فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ) ١ فنفي الموت في هاتين الآيتين بمعنى دوام البقاء في النار والخلود فيها ونفي الحياة الطيبة عنهم بمعنى دوام العقاب دواماً أبدياً. هاتان الآيتان كما تدلان على الخلود الأبدي في النار تدلان أيضاً على الخلود الأبدي في العذاب.

وهاتان الآيتان مختصتان بالكفار ، وقد ثبت فيما سبق اختصاص الآية الأولى بالكفار أما الآية الثانية فهي أيضاً مختصة بالكفار ، لأنّه قابل سبحانه المجرمين مع المؤمنين ، حيث قال تعالى عقيب هذه الآية : ( وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ ) الآية. فالمقصود من المجرمين في الآية هم غير المؤمنين ، وهم الكفار.

وفي آية أخرى ينفي فيها سبحانه الموت عن الكفار ، وينفي معه تخفيف العذاب عنهم ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَٰلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ) ، الآية واضحة أنها تشير بمعناها إلى مضمون الآيتين السابقتين ، لأن نفي الموت إشارة إلى الخلود في النار ، ونفي التخفيف إشارة إلى دوام العذاب ، فهذه الآية أيضاً كالآيتيتن السابقتين تدل على البقاء الأبدي في جهنم ، كما تدل على دوام العذاب.

وهناك آية أخرى ينفي فيها سبحانه الموت عن المجرمين بلسان مالك خازن النار عندما يناديه المجرمون بأن يطلب من ربه أن يقضي عليهم بالموت ويعدمهم ليستريحوا عن العذاب ، فيجيبهم مالك بقوله : ( إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) أي باقون الى الأبد في النار ، فنفى الموت بإثبات البقاء الأبدي في النار.

٥. دلالة المنع من دخول الجنة على الخلود في جهنم

ومن الآيات التي أشارت إلى عدم دخول الكفار الجنة هي قوله تعالى :

( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ

________________

١. طه ، ٧٤.

٥٩

الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ )١

قوله : ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا ) أي الذين كذبوا دين الله وبما جاء به من الأدلة على توحيده والنبوة والبعث والجزاء واستكبروا عن قبولها.

وقوله : ( لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ) أي لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم كما يفتح لأرواح المؤمنين ، كما عن ابن عباس. ٢ وقيل : لا تفتح لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم أبواب السماء ، ولا يصعد لهم في حياتهم قول ولا عمل. ٣ وقيل : لا يصعد لهم عمل صالح. ٤

وقال العلامة الطباطبائي ٥ : والذي نفاه الله تعالى من تفتيح أبواب السماء مطلق في نفسه يشمل الفتح لولوج أدعيتهم وصعود أعمالهم ودخول أرواحهم ، غير أن تعقيبه بقوله : ( وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ) الخ كالقرينة على أن المراد نفي أن يفتح بابها لدخولهم الجنة ، فان ظاهر كلامه أنّ الجنة في السماء كما هو في قوله : ( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ). ٦

وروي عن أبي جعفر الصادق عليه‌السلام أنه قال : « أما المؤمنون فترفع أعمالهم وأرواحهم إلى السماء ، فتفتح لهم أبوابها ، وأما الكافر فيصعد بعمله وروحه حتى إذا بلغ إلى السماء فنادى مناد ، إهبطوا به إلى سجين ، وهو واد بحضرموت يقال له برهوت ». ٧

ولامنافاة بين هذه الرواية وبين ماذهب اليه العلامة الطباطبائي ، فكون أعمال المؤمنين وأرواحهم تصعد الى السماء صحيح ، ولكن مورد الآية مختص بصعود الأرواح لدخول الجنة.

________________

١. الأعراف ، ٤٠.

٢. راجع : مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٤١٨ ؛ تفسير القرطبي ، ج ٧ ، ص ٢٠٦ ؛ روح المعاني ، ج ٨ ، ص ١١٨.

٣. راجع : تفسير المراغي ، ج ٨ ، ص ١٥١.

٤. تفسير الكشاف ، ج ٢ ، ص ١٠٣.

٥. تفسير الميزان ، ج ٨ ، ص ١١٥.

٦. الذاريات ، ٢٢.

٧. مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٤١٨.

٦٠