الخلود في جهنّم

محمد عبد الخالق كاظم

الخلود في جهنّم

المؤلف:

محمد عبد الخالق كاظم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 964-7741-74-X
الصفحات: ٢٣٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

على أنه يحسن ممن أحسن اليه بعض الناس وأساء اليه بإساءة لا تظهر مزية أحدهما على الآخر أن يمدحه على أحدهما ويذمّه على الآخر ، بأن يقول : أحسنت إليّ بكذا وكذا ، ويمدحه ويشكره ثم يقول : لكنك أسأت اليّ بكذا وكذا ، ويعنفه وينكته. ١ وقال بمضمونه العلامة الحلي أيضاً. ٢

٢. نقد الأدلية النقلية

أ) الآيات القرآنية : وهي عمومات آيات الوعيد التي ذكر فيها الخلود في النار أو ما في معنى الخلود ، حيث قالوا : إن هذه الآيات عامة في الكافر والفاسق ، مستدلين بها على خلود الفساق في النار. ويرد على هذا القول أمور منها :

١. إن هذه الآيات غير شاملة للفساق ، بل هي مختصة للكفار ، قال الشيخ المفيد ( المتوفىٰ ٤١٣ ه‍ ) : كل آية تتضمن ذكر الخلود في النار ، فانّما هي في الكفار دون أهل المعرفة بالله تعالى بدلائل العقول والكتاب المسطور والخبر الظاهر والمشهور والاجماع والرأي السابق لأهل البدع من أصحاب الوعيد. ٣

وقال النسفي ( المتوفىٰ ٥٠٨ ه‍ ) : والأصل عندنا أن ما كان من الآيات الواردة في الوعيد مقروناً بذكر الخلود ، فهو في المستحلين لذلك لما أنهم كفروا باستحلال ذلك ، فأوعدهم على كفرهم في الحقيقة ، وذكر تلك الجريمة لكونها سبباً للكفر وطريقاً إليه ، ولهذا قلنا في تأويل قوله تعالى : ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ... ) أي معتمداً لإيمانه ، أي قتله لأجل أنه مؤمن ، ومن هذا قصده في القتل يكون كافراً. ٤

وقال عضد الدين الأيجي ( المتوفىٰ ٧٥٦ ه‍ ) : لا نسلم أن من له حسنات

________________

١. تهذيب الاحكام ، ص ١٩٨.

٢. راجع : العلامة الحلي ، مناهج اليقين في اصول الدين ، ص ٣٥٤.

٣. الشيخ المفيد ، تصحيح الاعتقاد ، ص ١١٩.

٤. أبو المعين النسفي ، تبصرة الادلة ، ج ٢ ، ص ٧٧٤.

١٢١

من الايمان والطاعات فقد أحاطت به خطيئته ، ولا نسلم أن من اكتسب خطيئة فقد تعدّي حدوده ، بل بعض حدوده والمراد من قوله تعالى : ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا ... ) أي قتلة لأنه مؤمن ولا يكون ، ذلك القاتل إلّا كافراً. ١ فالآيات التي تمسكت بها المعتزلة في رأي الايجي لا تتناول مرتكب الكبيرة بل هي مختصة بالكفار. وذهب إلى هذا الرأي أيضاً ابن نوبخت ، ٢ والسيد مرتضى ، ٣ وذكره جمع من المتكلمين كأحد الوجوه في هذه المسألة. ٤

وإمام الحرمين الجويني ( المتوفىٰ ٤٧٨ ه‍ ) في ردّه على المعتزلة في تمسكهم بآية قتل العمد لإثبات خلود مرتكب الكبيرة في النار حيث قال : وقد قال ابن عباس في تأول الآية ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا ) مستحلاً لقتله ، والعمد على الحقيقة إنما يصدر من المستحل ، فأما من يعتقد أن القتل من أعظم الكبائر فيجرئه هواه ويزعه اعتقاده فلا يقدم على الأمر إلا خائفاً وجلاً ، وآية ذلك أن الرب تعالى لما ذكر القصاص ووجوبه لم يقرنه بالوعيد والخلود ، وحيث ذكر الخلود لم يتعرض لوجوب القصاص ، وذلك أصدق دلالة على أن التوعد بالخلود للكافر المستحل الذي لا تجري عليه ظواهر الاحكام ، فان الحربي الذي لم يلتزم أحكامنا إذا قتل لم يقض عليه بوجوب القصاص. ٥

٢. إن هذه الآيات معارضة مع آيات الخلود في الوعد كقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ٦ وكذلك معارضة مع آيات تتضمن القطع بغفران الله

________________

١. راجع : الشريف الجرجاني ، مناهج اليقين ، ج ٤ ، ص ٣٣٣.

٢. راجع : العلامة الحلي ، شرح الياقوت ، ص ١٧٤.

٣. راجع : المرتضى علم الهدى ، شرح جمل العلم والعمل ، ص ١٤٤.

٤. راجع : اللوامع الالهية ، ص ٣٩٧ ؛ شرح التجريد ، ص ٢٤٢ ؛ شرح المقاصد ، ج ٥ ، ص ١٣٣.

٥. اما الحرمين الجويني ، الارشاد ، ص ٣٢٦.

٦. الاعراف ، ٤٢.

١٢٢

تعالى لمستحقي العقاب وهي :

أولاً : قوله تعالى : ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ ... ) ، ١ ولفظ ( على ) تفيد الحال ، فيقتضي أن الغفران يحصل في حال الظلم ، لظاهر اللفظ.

ثانياً : قوله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ... ) ٢ ، ولم يشترط التوبة ولا صغر المعصية فيه ، فينبغي أن يحمل على عمومه إلّا ما أخرجه الدليل من عقاب الكفار.

ثالثاً : قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ... ) ٣ والاستدلال بالآية من وجهين :

أحدهما : إنه قطع تعالى على أنه لا يغفر الشرك ، ونحن نعلم أنه ما نفى غفران الشرك على كل حال ، وإنما نفى أن يغفره مع عدم التوبة ، فينبغي أن يكون ما أثبته من غفران ما دون الشرك يكون أيضاً مع عدم التوبة حتى لا يكون فرق بين النفي والاثبات.

ثانيهما : إنه علق غفران ما دون الشرك بالمشيئة ، فوجب أن لا يكون مشروطاً بالتوبة ، لأنّ الغفران معها واجب ، ولا شيء من الواجب معلق بالمشيئة. ٤

٣. ينتقض قولهم بالأدلة التي سوف نذكرها للامامية والاشاعرة وغيرهم في إثبات انقطاع عذاب مرتكب الكبيرة.

ب) الأحاديث : الأحاديث التي رووها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واستدلوا بها في اثبات خلود مرتكب الكبيرة في النار ، هي أحاديث مطروحة بمعارضتها للكتاب ، وهي الآيات القرآنية التي تتضمن العفو والمغفرة عن المذنبين من دون توبة ، والتي أشرنا اليها فيما سبق ، وكذلك فهي معارضة للأحاديث المتواترة

________________

١. الرعد ، ٦.

٢. الزمر ، ٥٣.

٣. النساء ، ٤٨.

٤. راجع : شرح جمل العلم والعمل ، ص ١٥٣ ؛ اللوامع الالهية ، ص ٤٠٦ ، ٤٠٧ ؛ العلامة الحلي ، مناهج اليقين في اصول الدين ، ص ٣٥٧.

١٢٣

والمنقولة من الفريقين ، والتي أشارت إلى خروج بعض أهل النار من النار بعد أن صاروا حمماً ، ١ وأيضاً معارضة لحديث الشفاعة المروي بطرق كثيرة وألفاظ مختلفة من قبل الفريقين أيضاً ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي » ٢ فدل الحديث الشريف على شمول الشفاعة لأهل الكبائر وخروجهم من النار بالشفاعة.

والمتكلمون ممن ذهبوا إلى صحة أحاديث الخلود ، حملوها على الاستحلال ، جمعاً بينها وبين الأحاديث التي دلت على خروج المذنبين من النار. ٣

الخوارج

ظهرت الخوارج بعد قضية الحكمين في حرب صفّين ، وذلك عندما مني جيش معاوية بالهزيمة رفعوا المصاحف داعين إلى التحكم بالقرآن ، ورفضه أمير المؤمنين عليه‌السلام مصراً على القتال ، ولكن جماعة الخوارج من جيشه أجبروه على قبول التحكيم ، وعندما أراد أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يبعث عبد الله بن العباس رفضت الخوارج ذلك وطلبوا منه أن يبعث أبا موسى الأشعري ، فلما انتهى أمر التحكيم إلى النهاية التي إنتهى اليها جاءوا من بعد ذلك واعتبروا التحكيم جريمة كبيرة وطالبوه أن يتوب عما ارتكب ، لأنه كفر بتحكيمه ، ورفعوا شعار : « لا حكم إلّا لله » مع أنهم هم الذين حملوا علياً عليه‌السلام على التحكيم وحملوه أيضاً على قبول محكّم معين ، وعرف هؤلاء باسم المحكّمة الأولىٰ ، فهؤلاء يكّفرون علياً عليه‌السلام وعثمان ومعاوية والحكمين ـ أبو موسى الاشعري وعمرو بن العاص ـ ومن هؤلاء افترقت فرق الخوارج كلها ، والفرق المعروفة

________________

١. راجع : اللوامع الالهية ، ص ٣٩٦ ؛ تبصرة الادلة ، ج ٢ ، ص ٧٩٣ ؛ شرح المقاصد ، ج ٥ ، ص ١٣٦.

٢. راجع : الشريف الجرجاني ، مناهج اليقين ، ج ٤ ، ص ٣٤١ ؛ الخواجة الطوسي ، شرح التجريد ، ص ٤٤٤.

٣. راجع : تبصرة الادلة ، ج ٢ ، ص ٧٩٣.

١٢٤

والأساسية للخوارج هي : الأزارقة ، والنجدات ، والبيهسية ، والعجاردة ، والثعالبة ، والاباضية ، والصفرية ، والباقون فروعهم. ١

مباني الخوارج في خلود مرتكب الكبيرة في النار

قولهم في الايمان

ذهب بعض المتكلمين ٢ إلى أن الايمان عند الخوارج عبارة عن المعرفة بالقلب والاقرار باللسان ، وإن كال طاعة فهي إيمان. ويؤيده تعريف النجدات من الخوارج للايمان بأنه هو الاقرار بالله تعالى وملائكته ورسله ، وترك الفعل المحرم عقلاً ، ومن أخل بشيء من ذلك كفر ، فأما ما ليس في العقل تحريمه من الأمور الشرعية فليس من الايمان. ٣

ويؤيده أيضاً ما نقله الشهرستاني ، قال : وقال أبوبيهس : الايمان هو العلم بالقلب دون القول والعمل ، ويحكى أنه قال : الايمان هو الاقرار والعلم ، وليس هو أحد الأمرين دون الآخر وعامة البيهسية قالوا : إن العلم والاقرار والعمل كله إيمان. ٤

وذهب البعض الآخر من المتكلمين إلى أن الايمان عند الخوارج ـ كما عند المعتزلة ـ عبارة عن جميع أفعال الجوارح من الطاعات بأسرها فرضاً ونفلاً. ٥

ويؤيده ما نقله البغدادي بقوله : وقالت الخوارج برجوع الايمان إلى جميع

________________

١. راجع : محمد ابو زهرة ، تاريخ المذاهب الاسلامية ، ص ٦٠ ؛ الحسن بن موسى النوبختي ، فرق الشيعة ، ص ٦ ؛ الدكتور محمد جواد مشكور ، فرهنگ فرق اسلامى ، ص ١٨٦ ، ١٨٧ ؛ عبد الكريم الشهرستاني ، الملل والنحل ، ج ١ ، ص ١١٥.

٢. راجع : ابن حزم الأندلسي ، الاصول والفروع ، ص ٩ ؛ الشريف الجرجاني ، مناهج اليقين ، ج ٥ ، ص ١٧٦.

٣. احمد الشرفي القاسمي ، عدة الاكياس ، ج ٢ ، ص ٢٥٠.

٤. الملل والنحل ، ج ١ ، ص ١٢٦.

٥. الشهيد الثاني ، حقائق الايمان ، ص ٥٤.

١٢٥

الفرائض مع ترك الكبائر ١ ، وكيف ما كان فالأمر المشترك بين هذه التعاريف هو كون فعل الطاعات واجتناب المحرمات من شرائط الايمان ، فالذي يترك الطاعات أو يرتكب المعاصي والمحرمات يكون خارجاً من الايمان عند الخوارج.

ويذهب الخوارج إلى أن الايمان والكفر ضدّان كالحياة والموت وكالحركة والسكون ، وأن الشخص لا يخرج من الايمان إلا ويدخل في الكفر ، فمن لم يكن مؤمناً كان كافراً لا محالة ، مستشهدين على ذلك بقوله تعالى : ( ... إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) ٢. ٣

وبما أن مرتكب الكبيرة عند الخوارج خارج من الايمان وزائل عنه الايمان ، ولهذا أجمعوا على إكفار مرتكب الكبيرة إلّا النجدات منهم ٤ ـ كما سوف نبيّنه ـ واختلفوا في كفره ، فقال بعضهم : كافر غير مشرك ، وذهب فريق آخر : أنه كافر مشرك. وفريق ثالث قالوا : بأنه كافر كفر نعمته ، لأنهم يفرقون بين الكفر والشرك ، والشرك عندهم نوع مخصوص من الكفر ، ٥ ولذلك قالت الأباضية إن تحريم الذبيحة والدفن في مقابر المسلمين ونحو ذلك من الأحكام ، إنما تجري على المشركين لا على الكفار. ٦

الأزارقة والصفرية اعتبروا مرتكبي الكبائر كفاراً مشركين ، قال البغدادي : وكانت الصفرية من الخوارج يقولون في مرتكبي الذنوب بأنهم كفرة مشركون كما قالته الأزارقة. ٧

والصفرية الزيادية : قالت إن ما كان من الكبائر مما ليس فيه حد لعظم قدره مثل ترك الصلاة والفرار من الزحف ، فانه يكفر بذلك ، ٨ وأما ما كان من

________________

١. أصول الدين ، ص ٢٤٩.

٢. الانسان ، ٣.

٣. أبو القاسم البرادي ، تاريخ الاباضية وعقيدتها ، ص ١١.

٤. راجع : أبو الحسن الأشعري ، مقالات الاسلاميين ، ص ٨٦.

٥. راجع : عدة الاكياس ، ج ٢ ، ص ٢٦٢.

٦. راجع : المصدر السابق.

٧. عبد القاهر البغدادي ، الفرق بين الفرق ، ص ١١٧.

٨. راجع : الملل والنحل ، ج ١ ، ص ١٣٤.

١٢٦

الأعمال عليه حدّ واقع لا يسمى صاحبه الا بالاسم الموضوع له كزانٍ وسارق وقاذف ونحوه ، وليس صاحبه كافراً ولا مشركاً ، ١ والمحكّمة الأولى كانوا يقولون إنهم كفرة ولا مشركون. ٢

أما النجدات من الخوارج فقالوا : إن اصحاب الذنوب منهم غير خارجين من الايمان ، والمذنبين من غيرهم كفار ، وقالوا لا ندري لعلّ الله يعذب المؤمنين بقدر ذنوبهم في غير النار. ٣

وقالوا : من نظر نظرة صغيرة أو كذب كذبة صغيرة واصر عليها ، فهو مشرك ، ومن زنى وسرق وشرب الخمر غير مصر عليه فهو مسلم إذا كان من موافقيه على دينه. ٤

وقالوا : إن صاحب الكبيرة من موافقتهم كافر نعمة وليس فيه كفر دين. ٥

وقالت الأباضية : إنّ مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ، لانه لا يلتزم بما يقتضيه الايمان ، ومع ذلك فهو ليس بمشرك لانه يقر بالتوحيد ، فهو عندهم كافر كفر نعمة لا كفر ملة. ٦

وقالت الفضيلية من الخوارج : إن كل معصية صغرت أو كبرت فهي شرك ، وإن صغائر المعاصي مثل كبائرها. ٧

رأي الخوارج في مرتكب الكبيرة

قال صاحب كتاب في الأديان ـ وهو أباضي ـ بعد أن استشهد بقوله تعالى : ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ) ، ٨ وقوله تعالى : ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ

________________

١. راجع : الفرق بين الفرق ، ص ٧٠.

٢. راجع : مصدر السابق ، ص ٦٢.

٣. أبو سعيد الحميري ، الحور العين ، ص ١٧٠.

٤. راجع : الفرق بين الفرق ، ص ٦٨ ؛ مقالات الاسلاميين ، ص ٩١.

٥. راجع : الفرق بين الفرق ، ص ٥٦.

٦. راجع : تاريخ الاباضية وعقيدتها ، ص ١١ ، ١٢ ؛ الملل والنحل ، ج ١ ، ص ١٣٤.

٧. حور العين ، ص ١٧٧.

٨. زمر ، ٧٢.

١٢٧

جَهَنَّمَ زُمَرًا ) ١ وقوله تعالى : ( وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) ، ٢ قال : فقد سمىٰ الله من دخل النار كافراً لعيناً ، وكل من عصى الله بكبيرة ومات مصراً عليها فقد كفر بنعمة الله ، ويخلد في النار بكبيرته. وقال أيضاً : إن صاحب الكبيرة إذا مات مصراً يرى حسناته محبطة وسيئاته مثبتة ، وصاحب التوبة والاقلاع عن المعصية يرى حسناته مثبتة وسيئاته محبطة. ٣ لأن مرتكب الكبيرة كافر عندهم ، والكافر حسناته محبطة ، فيكون مخلداً في النار.

فالخوارج مجمعون على خلود مرتكب الكبيرة في النار ، وحتى عند الذين اعتبروه كافر نعمة كما هو واضح. وقد نقل البرادي عن الأباضيية قولهم : إن مرتكبي الكبائر والمذنبين مع المسلمين في أحكام الدنيا لاقرارهم بالتوحيد ، وهم مع المشركين في أحكام الآخرة لعدم وفائهم بايمانهم ، ولمخالفتهم ما يستلزمه التوحيد من عمل وترك. ٤

أما الأزارقة الذين اعتبروا المذنبين كفار ملة فأجمعوا على أن من ارتكب كبيرة من الكبائر كفر كفر ملة ، وخرج به عن الاسلام ، ويكون مخلداً في النار مع سائر الكفار ، واستدلوا عليه بكفر إبليس وقالوا : ما ارتكب إلّا كبيرة حيث أمر بالسجود لآدم عليه‌السلام وإلا فهو عارف بالله. ٥ وحكى النسفي عن نجدة قوله : إن صاحب الكبيرة لا يخلد بل يعذب بقدر ذنبه ، ولا يجوز العفو عنه ، ثم كانت عاقبة أمره دخول الجنة. ٦ والظاهر أن هذا قولهم في مواقفيهم ، وأما مخالفوهم فقد اعتبروا كفاراً ، ويلازمه أنهم قائلون بخلوده في النار.

وبما أنّ الخوارج قالوا بكفر أهل المعاصي والذنوب ، لذا لا تشملهم

________________

١. الزمر ، ٧١.

٢. آل عمران ، ١٣١.

٣. في الاديان والفرق ، ص ٨٥ ؛ نقلاً عن : الدكتور غالب عواجي ، الخوارج ، ص ٣٤٦ ، ٣٤٧.

٤. راجع : تاريخ الاباضية وعقيدتها ، ص ١٢.

٥. الملل والنحل ، ج ١ ، ص ١٢٢.

٦. راجع : تبصرة الادلة ، ج ٢ ، ص ٧٦٧.

١٢٨

الشفاعة والمغفرة والعفو الالهي ، قال الاباضي سالم بن حمود السمائلي : وكذلك الشفاعة لأهل الكبائر لا تصح بعد ما صاروا أعداء الله ، فلا يكون فيهم مرضي ، وقال : قد ثبت عقلاً أن الشفاعة للعاصي رضاء بعصيانه ، وإغضاء عن بطلانه ، وقبول لعدوانه. ١ وقال أيضاً : والقول بخروج العصاة من النار لا يصح بعد ما صاروا أعداء الله عزوجل فأوجب لهم النار وأدخلهم فيها ، وقد حكم بين العباد ، وقرر من أول الأمر أن عاصيه يصير إلى النار ... فلو أخرجه من النار لكان هذا خرقاً لتلك الآية الكريمة المعبرة بمفهومها ومنطوقها على ردّ ذلك كله ، مع أن النصوص النقلية مصرحة بعدم الخروج من النار. ٢

وقال أيضاً : أما قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من ايمان » ، أي لا يدخلها أبداً ، والمعنى يخرج من حكم دخولها ، لا أنه يدخلها ثم يخرج منها كما هو المتبادر. ٣

أدلة الخوارج في خلود مرتكب الكبيرة في النار

يتمسك الخوارج بعمومات آيات الوعيد التي تمسكت بها المعتزلة بالاضافة إلى آيات الوعيد الخاصة بالكفار ، ومن هذه الآيات :

قوله تعالى : ( وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا ... ) ، قالوا : والذنوب كلها في تحقيق اسم العصيان واحد. ثم إن الله تعالى أخبر أن من يعصيه يدخله ناراً خالداً فيها ، ثم قال : ( لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ) ، وقال تعالى : ( وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) ، وقال تعالى : ( ... وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) ، وقال تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ) ، وقال تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ ) قسم

________________

١. راجع : سالم بن حمود السمائلي ، أصدق المناهج في تمييز الاباضية من الخوارج ، ص ٢٧.

٢. راجع : المصدر السابق ، ص ٢٧ ، ٢٨.

٣. المصدر السابق ، ص ٣٥.

١٢٩

الناس قسمين : أحدهما أصحاب اليمين وهم المؤمنون ، والثاني أصحاب الشمال وهم الكافرون ، والعاصي من أصحاب الشمال. ١

واستدلوا أيضاً بأحاديث مروية عن النبي ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يزني الزاني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق وهو مؤمن ، ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن ».

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الصلاة عماد الدين ، فمن أقامها فقد أقام الدين ، ومن تركها فقد هدم الدين ». ٢

مذاهب أهل السنة

الأشاعرة

الأشاعرة أتباع المدرسة الكلامية لأبي الحسن علي بن إسماعيل الاشعري ، الذي ولد في البصرة سنة ( ٢٦٠ ه‍ ) ، وتوفي في بغداد سنة ( ٣٢٤ ه‍ ) ، وكان الأشعري على مذهب الاعتزال ، ومن تلاميذ أبي علي الجبائي حتى الأربعين من عمره ، وكان الجبائي زوجاً لأمه ، وبعد سن الأربعين ترك مذهب الإعتزال واعلن توبته في المسجد الجامع في البصرة عن مذهب الاعتزال سنة ( ٣٠٠ ه‍ ) ، ومال إلى أهل الحديث متّبعاً المذهب الشافعي في الفقه ، وأسّس مذهبه الذي سمّي بالمذهب الاشعري فيما بعد. ومن شخصيات الأشاعرة الذين كان لهم الدور الكبير في تقوية وترويج المذهب الأشعري هو أبوبكر الباقلاني ، وإمام الحرمين الجويني ، وأبو حامد الغزالي ، والفخر الرازي ، والقاضي عضد الدين الأيجي ، والشريف الجرجاني ، والتفتازاني. ٣

________________

١. راجع : تبصرة الادلة ، ج ٢ ، ص ٧٦٧.

٢. أبو المعين النسفي ، بحر الكلام ، ص ١٨٤.

٣. راجع : فرهنگ فرق اسلامى ، ص ٥٤ ـ ٥٩ ؛ تاريخ المذاهب الاسلامية ، ص ١٦٠.

١٣٠

مباني الأشاعرة في وعيد مرتكب الكبيرة

١. قولهم في ايمان مرتكب الكبيرة

أجمعت الأشاعرة إلى أن الايمان هو التصديق القلبي.

فقال الباقلاني : « وأعلم أن حقيقة الايمان هو التصديق... واعلم أن محل التصديق هو القلب ». ١

وقال عبد القاهر البغدادي : إنّ أصل الايمان المعرفة ، والتصديق بالقلب. ٢

وقال الفخر الرازي : الايمان عبارة عن تصديق الرسول بكل ما علم مجيئه به. ٣

وقال عضد الدين الأيجي : الايمان عندنا التصديق للرسول فيما علم مجيئه به ضرورة.

فتفصيلاً فيما علم تفصيلاً ، وإجمالاً فيما علم إجمالاً. ٤

وبناءً على ما تقدم ترى الأشاعرة أن مرتكب الكبيرة لا يخرج بفسقه من الايمان ، فقال الرازي ٥ : صاحب الكبيرة عندنا مؤمن مطيع بايمانه عاص بفسقه ، وقال صاحب المقاصد ٦ : صاحب الكبيرة عندنا مؤمن ، وذهب الايجي ٧ أيضاً إلى مثله.

٢. العفو الالهي

أجمعت الاشاعرة على وقوع العفو الالهي مستدلين على جوازه بكون العقاب حقه فيحسن إسقاطه ، وأن فيه نفعاً للعبد من غير ضرر لأحد ، واستدلوا أيضاً على وقوعه بالآيات القرآنية ، منها قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ

________________

١. ابوبكر الباقلاني ، الانصاف ، ص ٤٨ ، ٤٩.

٢. الفرق بين الفرق ، ص ٣٣٩.

٣. تلخيص المحصل ، ص ٤٠١.

٤. مناهج اليقين ، ج ٤ ، ص ٣٥١ ، ٣٥٢.

٥. شرح التجريد ، ص ٤٠٣.

٦. شرح المقاصد ، ج ٥ ، ص ٢٠٠.

٧. راجع : مناهج اليقين ، ج ٤ ، ص ٣٦٤.

١٣١

عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ ) ، ١ وقوله تعالى : ( أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ ) ، ٢ وقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) ، ٣ وقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) ، ٤. ٥

٣. الشفاعة

أجمعت الاشاعرة على ثبوت الشفاعة ، فقال الاهيجى : أجمعت الأمة على ثبوت أصل الشفاعة المقبولة له عليه الصلاة والسلام ، ولكن هي عندنا لأهل الكبائر من الأمة في إسقاط العقاب عنهم ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « شفاعتي لاهل الكبائر من أمتي » ولقوله تعالى : ( ... وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ... ) ، ٦ أي ولذنب المؤمنين لدلالة القرينة ، وطلب المغفرة لذنب المؤمن شفاعة. ٧

رأي الأشاعرة في وعيد مرتكب الكبيرة

بما أن الأشاعرة قد قالوا بايمان مرتكب الكبيرة وجواز شمول العفو الالهي له ، وأثبتوا الشفاعة في حق مرتكب الكبيرة ، لذلك ذهبوا الى أن مرتكب الكبيرة إن مات بلا توبة ، فالمذهب عندهم عدم القطع بالعفو أو العقاب ، بل إن شاء الله عفا وإن شاء عذب ، وإذا عذبهم لا يتركهم في النار دائماً ، لان الخلود في النار لا يكون إلّا للكفرة. ٨

________________

١. الشورى ، ٢٥.

٢. الشورى ، ٣٤.

٣. الزمر ، ٥٣.

٤. النساء ، ٤٨.

٥. راجع : شرح المقاصد ، ج ٥ ، ص ١٤٩ ؛ مناهج اليقين ، ج ٤ ، ص ٣٤٠.

٦. محمد ، ١٩.

٧. مناهج اليقين ، ج ٤ ، ص ٣٤١ ؛ وراجع : شرح المقاصد ، ج ٥ ، ص ١٥٧.

٨. راجع : شرح المقاصد ، ج ٥ ، ص ١٣٢ ؛ الفرق بين الفرق ، ص ٣٣٩ ؛ الاربعين في اصول الدين ، ص ٢٣٧ ؛ مناهج اليقين ، ج ٤ ، ص ٣٣١ ، ٣٣٢.

١٣٢

دليل الأشاعرة على انقطاع عقاب مرتكب الكبيرة

قالوا : إن هذا الفاسق إما أن لا يكون مستحقاً للعقاب ، أو يكون مستحقاً للعقاب لكنه مع ذلك مستحق للثواب ، ومتى كان الأمر كذلك وجب أن يكون العقاب منقطعاً.

وبيانه : أن هذا الفاسق قبل أن صدر عنه هذا الفسق كان من أهل الثواب بحكم إيمانه وسائر طاعاته ، أما عندنا فبحكم الوعد ، وأما عند الخصم فبحكم الاستحقاق ، وإذا صدر عنه الفسق بعد ذلك فإما أن يصير بسبب ذلك مستحقاً للعقاب ، أو لا يصير كذلك ، فان لم يصر مستحقاً للعقاب فوجب أن لا يعاقب فضلاً عن أن يكون عقابه دائماً ، وأما إن قلنا إنه صار بفسقه مستحقاً للعقاب ، فنقول : استحقاق العقاب لا يزيل ما كان ثابتاً له من استحقاق الثواب ، وإذا كان كذلك وجب أن لا يكون عقابه دائماً. ١

الماتريدة

الماتريدية أتباع محمد بن محمد بن محمود أبو منصور الماتريدي المنسوب إلى منطقة ماتريد الواقعة في سمرقد ، ويعتبر الماتريدي من أئمة الكلام لأهل عند أهل السنة والجماعة ، وكان من أتباع أبي حنفية في المسائل الفقهية ، وتوفي الماتريدي في سمرقند سنة ٣٣٣ ه‍ ويعتبر أتباع المذهب الحنفي من أتباع الماتريدي في المسائل الإعتقادية.

والماتريدي في علم الكلام أقل شهرة من الاشعري ، والسبب في ذلك هو قلة التأليفات لعلماء الحنفية في المسائل الكلامية. ٢

________________

١. الاربعين في اصول الدين ، ص ٢٣٧.

٢. راجع : فرهنگ فرق اسلامى ، ص ٣٧٩.

١٣٣

مباني الماتريدية في وعيد مرتكب الكبيرة

١. قولهم في ايمان مرتكب الكبيرة

يرى الماتريدي أن الايمان عبارة عن التصديق القلبي ، ١ فقال : إن الايمان هو التصديق ، ٢ وقال في موضع آخر : أحق ما يكون به الايمان القلوب بالسمع والعقل جميعاً. ٣

وبالنسبة الى ايمان مرتكب الكبيرة فقال النسفي : قال أهل الحق : من اقترف كبيرة غير مستحل لها ولا مستخف بمن نهى عنها ، بل لغلبة شهوة أو حمية يرجو الله تعالى أن يغفر له ويخاف أن يعذّبه ، فهذا اسمه مؤمن بقي على ما كان عليه من الايمان لم يزل عنه إيمانه ، ولم ينتقص ، ولا يخرج أحد من الايمان إلّا من الباب الذي دخل منه. ٤ وقال به أيضا الماتريدي. ٥

٢. العفو الإلهي

قال الماتريدي : إن العفو عن الكافر عفو في غير موضع العفو ، لأنه منكر المنعم ، ويرى ذلك حقاً ، فيكون في ذلك تضييع العفو وإبطال النعمة ، ولا كذلك أمر سائر المآثم ، بل يعرف صاحبها المنعم ، فله أعظم الموضع ، ولإكرامه أعظم المحل ، فجائز المغفرة له والعفو عنه في الحكمة. ٦

٣. الشفاعة

الماتريدي ٧ والنسفي ٨ قالوا بثبوت الشفاعة ، وأنها جاء القرآن بها والآثار عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والشفاعة في المعهود تكون عند زلّات يستوجب بها المقت

________________

١. راجع : تبصرة الادلة ، ج ٢ ، ص ٧٧٩.

٢. ابو منصور الماتريدي ، التوحيد ، ص ٣٣٢.

٣. المصدر السابق ، ص ٣٧٣.

٤. تبصرة الادلة ، ج ٢ ، ص ٧٦٦.

٥. راجع : الماتريدي ، التوحيد ، ص ٣٣٢.

٦. المصدر السابق ، ص ٣٦٢.

٧. المصدر السابق ، ص ٣٦٥.

٨. راجع : تبصرة الادلة ، ج ٢ ، ص ٧٩٣ ؛ بحر الكلام ، ص ٢٨٤.

١٣٤

والعقوبة ، فيعفى عن مرتكبها بشفاعة الأخيار ، واستدلوا على اثبات الشفاعة لمرتكب الكبيرة بقوله تعالى في حق الكافرين : ( فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ) وقالوا : لو كان لا شفاعة لغير الكافرين لم يكن بتخصيص الكافر بالذكر في تقبيح أمرهم معنى ، وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي » ، والأخبار الكثيرة في خروج أقوام من النار.

رأي الماتريدية في وعيد مرتكب الكبيرة

الماتريدية قالوا بارجاء صاحب الكبيرة إلى مشيئة الله ، فقالوا : لو مات مرتكب الكبيرة من غير توبة فللّه فيه المشيئة إن شاء عفا عنه بفضله وكرمه ، أو ببركة ما معه من الايمان والحسنات ، أو بشفاعة بعض الأخيار ، وإن شاء عذبه بقدر ذنبه ثم عاقبة أمره الجنة لا محالة ولا يخلد في النار. ١ وقد ذهبوا إلى القول بالارجاء تبعاً لأبي حنيفة الذي كان يسمى مرجئياً لتأخيره أمر صاحب الكبيرة إلى الله ، وقد روي عنه أنه قيل له : ممّن أخذت الارجاء ؟ فقال : من الملائكة عليهم‌السلام حيث قالوا : ( لاَ عِلْمَ لَنَا ). ٢

السلفية

يقول البوطي : السلف هو القرون الأولى من عمر هذه الأمة. ٣ ومفهوم السلف لا يشير فقط إلى مرحلة زمنية معينة اختلف في تحديدها ، وإنما ارتبطت هذه الفترة الزمينة بمفهوم آخر هو الذي أعطى للسلف والسلفية مفهومه الاصطلاحي وهو ( الخيرية ) ، وهذا مفهوم استنبط من حديث رواه كل من البخاري ومسلم ، فعن عبد الله بن مسعود قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « خير الناس قرني ، ثم الذين

________________

١. راجع : الماتريدي ، التوحيد ، ص ٣٨٣ ؛ تبصرة الأدلة ، ج ٢ ص ٧٦٦.

٢. راجع : الماتريدي ، التوحيد ، ص ٢٨٢ ؛ تبصرة الادلة ، ج ٢ ، ص ٧٦٦.

٣. نقلاً عن : السيد محمد الكثيري ، السلفية بين أهل السنة والامامية ، ص ٢٢.

١٣٥

يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ، ويمينه شهادته ». أي أفضل الناس هم من عايشوا الرسول وهم الصحابة ، ثم من عايشه الصحابة وهم التابعون ، ثم من عايش التابعون ، وقد سمى هؤلاء التابعين بالسلف الصالح. ١

والمقصود بالسلفية هم أولئك الذين ظهروا في القرن الرابع الهجري ، وكانوا من الحنابلة ، وزعموا أن جملة آرائهم تنتهي إلى الامام أحمد بن حنبل الذي أحيى عقيدة السلف وحارب دونها ، ثم تجدد ظهورهم في القرن السابع الهجري ، أحياه شيخ الإسلام ( ابن تيمية ) وشدّد في الدعوة اليه ، ثم ظهرت تلك الآراء في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري أحياها محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية.

يتبين من هذا التعريف بأن دعاة السلفية أو مذهب السلف هم شريحة من أتباع المذهب الحنبلي ، والقاريء والمطّلع لكتب السلفية من المعاصرين سيجد أن الدعوة ( الحشوية الحنبلية ) قد قامت من رقادها ، ٢ وفيما يلي استعراض لآراء بعض رواد السلفية في مسألة الوعيد :

١. ابن تيمية

الأول : قوله في ايمان مرتكب الكبيرة

يذهب ابن تيمية في تعريف الايمان إلى مذهب أهل الحديث ، وهو أن الايمان اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالاركان ، قال : إن الدين والايمان قول وعمل ؛ قول بالقلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح. ٣

فيتبين أن مرتكب الكبيرة مؤمن في رأي ابن تيمية ، لأن الأخوة الايمانية

________________

١. المصدر السابق ، ص ٢٣.

٢. المصدر السابق ، ص ٣٨ ـ ٤٠.

٣. صالح الفوزان ، شرح العقيدة الواسطية ، ص ١٧٨.

١٣٦

ثابتة مع المعاصي ، فهو مؤمن ناقص الايمان ، أو مؤمن بايمانه فاسق بكبيرته ، فلا يعطى الاسم المطلق ، ولا يسلب مطلق الاسم. ١

الثاني : قوله في الشفاعة النبوية والعفو الالهي

يقول ابن تيمية : إن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في القيامة ثلاث شفاعات : أما الشفاعة الأولى فيشفع في أهل الموقف حتى يقضي بينهم بعد أن يتراجع الانبياء عليه‌السلام عن الشفاعة حتى ينتهى إليه ، وأما الشفاعة الثانية فيشفع في أهل الجنة بأن يدخلوا الجنة ، وهاتان الشفاعتان خاصتان له. وأما الشفاعة الثالثة فيشفع فيمن استحق النار ، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم ، فيشفع فيمن استحق النار أن لايدخلها ، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها.

وقال : ويخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة ، بل بفضله ورحمته ، ويبقى في الجنة فضل عمّن دخلها من أهل الدنيا ، فينشيء الله أقواماً فيدخلهم الجنة. ٢

الثالث : قوله في وعيد مرتكب الكبيرة

يقول ابن تيمية : إن أهل السنة والجماعة لا يكفّرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر ، كما يفعله الخوارج ، ولا يسلبون الفاسق الملي الاسلام بالكلية ولا يخلدونه في النار ، كما تقول المعتزلة. ٣

فمرتكب الكبيرة ليس بمخلد في النار في رأيه لعدم زوال اسم الايمان عنه كما أشرنا.

الرابع : قوله في وعيد الكفار

الظاهر أن ابن تيمية يذهب إلى القول بفناء النار وانقطاع عذاب الكفار ، وقد

________________

١. راجع : المصدر السابق.

٢. راجع : المصدر السابق ، ص ١٥٦.

٣. راجع : المصدر السابق ، ص ١٧٨.

١٣٧

نسب اليه هذا القول تلميذه ابن قيم الجوزي ، ١ والسفاريني الحنبلي ٢ ( المتوفى ١١٨٩ ه‍ ) ، ويؤيده ما نقله صديق حسن القنوجي ( المتوى ١٣٠٧ ه‍ ) حيث قال : وقد نقل شيخ الاسلام ابن تيمية القول بفنائها عن جمع من الصحابة والتابعين ، وقد نصرها هذا القول ابن القيم كشيخه ابن تيمية ، وهو مذهب متروك. ٣

ويؤيده أيضاً ما نقله السقّاف عن الالباني ومضمونه : بأن رد ابن تيمية القول بفناء الجنة والنار ، إنما يعني الرد على من قال بفناء الجنة فقط من الجهمية دون من قال بفناء النار ، وأنه هو نفسه ـ أعني ابن تيمية ـ يقول بفنائها ، وليس هذا فقط ، بل وأن أهلها يدخلون الجنة بعد ذلك.... ٤ وينقل السقاف بأن أحد المقلدين لابن تيمية وابن القيم واسمه ( عبد الكريم صالح الحميد ) قد ألف كتاباً للدفاع عن ابن تيمية وتلميذه والرد على الالباني وسمّاه ( القول المختار لبيان فناء النار ). ٥

٢. ابن القيم الجوزية ( ٧٥١ ه‍ )

ابن القيم من القائلين بفناء النار وانقطاع عذاب الكفار ، وقد استدل على قوله هذا بأقوال منسوبة إلى عدد من الصحابة أمثال عمر وابن مسعود وأبي هريرة وآخرين ، واستند أيضاً على بعض الآيات القرآنية المشعرة بظاهرها على انقطاع العذاب ، مثل قوله تعالى ( لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ) وقوله تعالى : ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ

________________

١. راجع : حادي الأرواح ، ص ٢٤٨.

٢. راجع : محمد السفاريني ، لوامع الانوار الالهية وسواطع الاسرار الأثرية ، ج ٢ ، ص ٢٣٥.

٣. حسن صديق القنوجي ، فتح البيان ، ج ٦ ، ص ٢٥٣.

٤. راجع : الالباني ، مقدمة كتاب رفع الستار لابطال أدلة القائلين بفناء النار للصنعاني ، نقلاً عن : كتاب حسن السقاف ، البشارة والإتحاف لما بين ابن تيمية والألباني في العقيدة من الاختلاف ، ص ١٥.

٥. المصدر السابق ، ص ١٦ ، ١٧.

١٣٨

السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ) ونحوه وتمسك أيضاً بالرحمة الالهية ، وأن رحمته سبقت غضبه ، وأن الانسان خلق على فطرة التوحيد ، والكفر أمر عارضي قابل للزوال ، وأن القرآن قد دلّ على خلود الكفار في النار ولم يدل على بقاء النار وعدم فنائها ، ١ وهذه خلاصة ما ذكره ابن القيم في هذه المسألة ، وسنبحثه بمزيد من التفصيل في محله إن شاء الله.

مذاهب الشيعة

الشيعة الاثنا عشرية ( الامامية )

الشيعة اصطلاحاً : علم لأتباع أمير المؤمنين عليه‌السلام الموالين له والمعتقدين لامامته بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل مع نفي الامامة عن غيره ، ٢ والشيعة الإثنا عشرية فرقة من الشيعة الأكثر عدداً قياساً للفرق الشيعة الاخرى ، وسميت بالإثني عشرية لأنهم يعتقدون باثني عشر إماماً من بني هاشم يبدأون من الامام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ثم ابنه الحسن والحسين عليهما‌السلام ، ثم تسعة من أبناء الحسين عليه‌السلام تاسعهم هو الإمام محمد بن الحسن المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ٣ وسمّيت هذه الفرقة أيضاً ، لأنهم يؤمنون بوجوب الامامة ووجودها في كل زمان ، ويوجبون النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام ٤ ولذلك فهم يرون الإمامة منصباً إلهياً يتم إختياره وتعيينه من قبل الله عزّوجل ، ويبلغه الرسول الى الاُمة ، وأن الإمام يجب أن يكون معصوماً من الذنوب والمعاصي لله تعالى ، وعالماً بجميع علوم الدين. ٥ وأن الله عز وجل قد عيّن بالفعل أمير المؤمنين

________________

١. راجع : حادي الارواح ، ص ٢٤٨ ، ٢٧٣ ؛ ابن القيم الجوزية ، مختصر الصواعق المرسلة ، ج ١ ص ٢١٦ ـ ٢٣٠ ، وابن القيم ، شفاء العليل ، ص ٤٣١ ـ ٤٥٧.

٢. راجع : الشيخ المفيد ، أوائل المقالات ، ص ٣٥ ؛ الدكتور عبد الله فياض ، تاريخ الامامية ، ص ٣١.

٣. راجع : الشيخ السبحاني ، الملل والنحل ، ج ٦ ، ص ٤٣٥.

٤. راجع : أوائل المقالات ، ص ٣٥.

٥. راجع : المصدر السابق ، ص ٣٩ ، ٤٠.

١٣٩

علي بن أبي طالب إماماً في حياته ، ونص عليه بعد وفاته في أحاديث عديدة ومتواترة منها حديث الغدير ، وحديث المنزلة وغيرهما ، من الأحاديث ١ وأن القرآن الكريم دلّ في العديد من آياته على امامته ،

منها قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ٢ وقوله تعالى : ( ... أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ... ) ، ٣. ٤

وللشيعة الإمامية إعتقادات يتفردون بها عن غيرهم ، منها القول بالبداء ، والقول بالرجعة ، ٥ والتقية ، وأخيراً القول بالغيبة ، وأن المام الحجة بن الحسن العسكري هو الامام الغائب ، وهو المهدي الموعود في الأحاديث والروايات ، وأنه سوف يظهر قبل آخر الزمان فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. ٦

مباني الشيعة الامامية في مرتكب الكبيرة

١. قولهم في ايمان مرتكب الكبيرة

يذهب السيد المرتضى ٧ والشيخ الطوسي ٨ والفاضل المقداد السيوري ٩ وابن نوبخت ١٠ والمحقق الحلي ١١ إلى ان الايمان عبارة عن التصديق بالقلب.

________________

١. راجع : العلامة الحلي ، كشف المراد ، ص ٣٩٣ ـ ٣٩٥ ؛ الشيخ السبحاني ، الملل والنحل ، ٤٣ ـ ٦٦ ؛ السيد مرتضى علم الهدى ، شرح جمل العلم والعمل ، ص ٢٠٣ ـ ٢١٤.

٢. المائدة ، ٥٥.

٣. النساء ، ٥٩.

٤. راجع : كشف المراد ، ص ٣٩٤ ـ ٣٩٨.

٥. راجع : أوائل المقالات ، ص ٤٦.

٦. راجع : الشيخ الصدوق ، إكمال الدين ، ج ١ ، ص ٩٤ ـ ٩٦ ؛ الشيخ السبحاني الملل والنحل ، ص ٣٠١ ـ ٣٠٤.

٧. راجع : المرتضى علم الهدى ، الذخيرة ، ص ٥٣٦.

٨. راجع : الشيخ الطوسي ، الاقتصاد ، ص ٢٢٧.

٩. راجع : اللوامع الالهية ، ص ٣٩١.

١٠. راجع : شرح الياقوت ، ص ١٧٩.

١١. راجع : المحقق الحلي ، المسلك في اصول الدين ، ص ١٤٦ ، ١٤٧.

١٤٠