الخلود في جهنّم

محمد عبد الخالق كاظم

الخلود في جهنّم

المؤلف:

محمد عبد الخالق كاظم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 964-7741-74-X
الصفحات: ٢٣٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

Description: F:Book-LibraryENDQUEUEKholoud-Jahannamimagesimage001.gif

١

Description: F:Book-LibraryENDQUEUEKholoud-Jahannamimagesimage002.gif

٢
Description: F:Book-LibraryENDQUEUEKholoud-Jahannamimagesimage003.gif
٣

٤



كلمة الناشر

يظهر البحث والتحقيق في تاريخ الفكر والتفكر البشري المكانة الرفيعة لبحث المعاد في الوقت الذي يثبت فيه النظر العميق أهمية المعاد في إعطاء المعنىٰ للحياة ، ولذا يُعتبر الاعتقاد بالمعاد أرضية مناسبة للتصديق بقضايا أخرى التي علىٰ اساس قبولها أو عدم قبولها تظهر مذاهب ومدارس فكرية متعددة ، ومن هذه القضايا : وجود الروح وعدم وجودها ، ماهية وحقيقة الروح ، بقاء الروح أو فناء الروح ، الحساب والجزاء و ... ونحوها من قبيل هذه المواضيع.

وأنَّ واحداً من أهم المسائل المتعلقة والمرتبطة بالمعاد هي مسألة الجنة والنار ، فإن مجال الاختلاف في بحث نار جهنم والعذاب واسع جداً ، لأن هناك بعض يرى ان العذاب لايتناسب مع الرحمة الإلهية الواسعة ، بل يكون ذلك مضاداً بها ، بينما يرىٰ البعض الآخر ان ذلك ناشيء من العدالة المطلقة لله تعالى ، في حين يرىٰ آخرون استناداً علىٰ ظاهر الآيات

٥

والروايات ان العذاب متوجه ومتعلق بالجسم ، ولذا نراهم يصرون علىٰ القول بالمعاد الجسماني.

وهناك قراءة جديدة يعتمدها بعض المفكرين والفلاسفة استناداً منهم علىٰ النظر العقلي والعرفاني تبيّن كيفية المعاد والثواب والعقاب.

والكتاب الذي بين يديك يحمل عنواناً الخلود في جهنم أثر الشيخ الفاضل المحترم محمد عبد الخالق كاظم ، تناول فيه المؤلف الابعاد المختلفة والمتعددة لهذا الموضوع ، بالاضافة الىٰ تبيين آراء ونظريات المفسرين والمتكلمين والفلاسفة حوله.

وقد أخذت معاونية التحقيق في المركز العالمي للدراسات الاسلامية علىٰ نفسها بذل قصارى جهدها مع كامل رعايتها وعنايتها لتقديم ثمرات المحققين والباحثين الأفاضل الىٰ طلابها مع فائق تقديرها واحترامها لهم ، ودعائها لهم بالتوفيق المستمر.

المركز العالمي للدراسات الإسلامية

معاونية التحقيق

محرم الحرام ١٤٢٦ / ١٣٨٣ ش

٦



الفهرس

المقدمة ١١

اُمور تمهيدية عامة ١٧

١. الخلود في جهنم لغةً ١٧

٢. لمحة تأريخية إلى مسألة الخلود في جهنم ١٩

٣. الخلود في جهنم عند الأديان ٢٢

الأول : الأديان المصرية القديمة ٢٢

الثاني : الديانة الزرادشتية ( المجوسية ) ٢٣

الثالث : الديانة الفيدية ( الديانة الهندية القديمة ) ٢٤

الرابع : الديانة اليهودية ٢٤

الخامس : الديانة المسيحية ٢٥

آراء المفسرين حول الخلود في جهنم ٢٧

أدلة المثبتين للخلود في جهنم ٢٨

١. دلالة لفظ الخلود على الدوام ٢٨

تفسير آيات الخلود في النار ٣٠

الخلاصة ٣٨

٢. دلالة لفظ المقيم على الدوام ٤٠

الخلاصة ٤٥

٣. دلالة عدم الخروج وعدم الغياب عن النار على دوام العقاب ٤٦

الخلاصة ٥٢

٤. دلالة نفي الموت عن أهل النار على دوام العقاب ٥٤

الخلاصة ٥٨

٥. دلالة المنع من دخول الجنة على الخلود في جهنم ٥٩

أدلة النافين للخلود في جهنم ٦٢

١. محدودية العذاب ٦٢

٢. دلالة الاستثناء عن الخلود على انقطاع العذاب ٦٣

٣. دلالة اللبث أحقاباً في النار على محدودية البقاء في جهنم ٧٩

أقوال اللغويين في معنى الحقب ٨٠

آية الحقب عند المفسرين ٨٠

النتيجة ٨٢

٧

الخلاصة ٨٥

المخلدون في النار في نظر القرآن ٨٧

١. الكفار والمشركون ٨٧

الشرك في الرؤية القرآنية ٩٢

٢. المنافقون ٩٤

٣. الغارقون في الذنوب ٩٦

٤. قاتل المؤمن ٩٧

٥. آكل الربا ١٠٤

الخلاصة ١٠٥

الخلود في جهنم عند المتكلمين ١٠٧

المعتزلة ١٠٨

مباني المعتزلة في وعيد مرتكب الكبيرة ١٠٩

١. الايمان ١٠٩

٢. المنزلة بين المنزلتين ١٠٩

٣. التحابط والتكفير ١١٠

٤. العفو الالهي ١١١

٥. الشفاعة ١١١

رأي المعتزلة في مرتكب الكبيرة ١١٢

أدلة المعتزلة في خلود مرتكب الكبيرة في النار ١١٢

الأدلة العقلية ١١٢

١. دليل المنع عن الاستحقاق والتفضّل لمرتكب الكبيرة ١١٢

٢. دليل المنع من اجتماع استحقاق الثواب والعقاب ١١٣

٣. دليل قبح ذم المحسن ١١٣

الأدلة النقلية ١١٤

١. الآيات القرآنية ١١٤

٢. الروايات ١١٥

التحقيق في أدلة المعتزلة ١١٥

١. نقد قولهم في الإيمان ١١٥

٢. نقد قولهم في الاحباط ١١٦

الأدلة على بطلان الاحباط ١١٧

الادلة على بطلان الموازنة ١١٨

نقد الأدلة المعتزلة في خلود مرتكب الكبيرة في النار ١١٩

١. الأدلة العقلية ١١٩

٢. نقد الأدلية النقلية ١٢١

الخوارج ١٢٤

مباني الخوارج في خلود مرتكب الكبيرة في النار ١٢٥

قولهم في الايمان ١٢٥

رأي الخوارج في مرتكب الكبيرة ١٢٧

أدلة الخوارج في خلود مرتكب الكبيرة في النار ١٢٩

مذاهب أهل السنة ١٣٠

الأشاعرة ١٣٠

٨

مباني الأشاعرة في وعيد مرتكب الكبيرة ١٣١

١. قولهم في ايمان مرتكب الكبيرة ١٣١

٢. العفو الالهي ١٣١

٣. الشفاعة ١٣٢

رأي الأشاعرة في وعيد مرتكب الكبيرة ١٣٢

دليل الأشاعرة على انقطاع عقاب مرتكب الكبيرة ١٣٣

الماتريدة ١٣٣

مباني الماتريدية في وعيد مرتكب الكبيرة ١٣٤

١. قولهم في ايمان مرتكب الكبيرة ١٣٤

٢. العفو الإلهي ١٣٤

٣. الشفاعة ١٣٤

رأي الماتريدية في وعيد مرتكب الكبيرة ١٣٥

السلفية ١٣٥

١. ابن تيمية ١٣٦

الأول : قوله في ايمان مرتكب الكبيرة ١٣٦

الثاني : قوله في الشفاعة النبوية والعفو الالهي ١٣٧

الثالث : قوله في وعيد مرتكب الكبيرة ١٣٧

الرابع : قوله في وعيد الكفار ١٣٧

٢. ابن القيم الجوزية ( ٧٥١ ه‍ ) ١٣٨

مذاهب الشيعة ١٣٩

الشيعة الاثنا عشرية ( الامامية ) ١٣٩

مباني الشيعة الامامية في مرتكب الكبيرة ١٤٠

١. قولهم في ايمان مرتكب الكبيرة ١٤٠

٢. العفو الالهي ١٤١

٣. الشفاعة ١٤٢

رأى الشيعة الامامية في وعيد مرتكب الكبيرة ١٤٣

أدلة الامامية على انقطاع وعيد مرتكب الكبيرة ١٤٣

مباني الزيدية في وعيد مرتكب الكبيرة ١٤٥

١. قولهم في ايمان مرتكب الكبيرة ١٤٥

٢. الاحباط والتكفير ١٤٦

٣. العفو الالهي ١٤٨

رأي الزيدية في وعيد مرتكب الكبيرة ١٥٠

أدلة الزيدية في خلود مرتكب الكبيرة في النار ١٥٠

١. الدليل العقلي ١٥٠

٢. الدليل النقلي ١٥٠

الإسماعيلية ١٥٢

رأى الاسماعيلية في الوعيد ١٥٣

الأولى : قولهم في الايمان ١٥٣

الثانية : قولهم في الكفر والشرك ١٥٥

الثالثة : قولهم في أركان الدين ١٥٦

٩

الرابعة : قولهم في العبادة ١٥٦

الخامسة : قولهم في العفو الشفاعة ١٥٧

السادسة : قولهم في معاصي الموالين للائمة وعدم الموالين ١٥٨

النتائج ١٥٩

الخلاصة ١٦٢

آراء المخالفين للخلود في النار ١٦٥

التحقيق في أقوال المخالفين ١٦٦

١. الصحابة ١٦٦

٢. ابن تيمية وابن قيم الجوزية ١٦٨

نقد أدلة ابن القيم ١٧٠

٣. الشيخ محمد عبده ١٧١

٤. الشيخ محمود شلتوت ١٧١

٥. الدكتور محمد صادقي ١٧٢

٦. الجهم بن صفوان ( المتوفى ١٢٨ ه‍ ) ١٧٣

٧. أبو الهذيل العلاّف ( ١٣٥ ـ ٢٣٥ ه‍ ) ١٧٤

التحقيق في قول أبي الهذيل العلاف والجهم بن صفوان ١٧٥

٨. قول مجهول القائل ١٧٦

٩. محمد عزة دروزه ١٧٧

التحقيق في القول الثامن والتاسع ١٧٨

١٠. محمد إقبال اللاهوري ( المتوفى ١٩٣٨ م ) ١٧٩

التحقيق في قول محمد اقبال ١٧٩

الخلاصة ١٨٠

الخلود في جهنم عند الفلاسفة ١٨٣

١. أبو نصر الفارابي ( المتوفى ٣٣٩ ه‍ ) ١٨٣

٢. الشيخ الرئيس ابن سينا ( المتوفى ٤٢٨ ه‍ ) ١٩٠

٣. ابن طفيل الأندلسي ( المتوفى ٥٨١ ه‍ ) ١٩٦

٤. شهاب الدين السهروردي ( المتوفى ٥٨٧ ه‍ ) ١٩٩

٥. صدر الدين الشيرازي ( المتوفى ١٠٥٠ ه‍ ) ٢٠١

أ) منافاة العذاب الأبدي مع الإيجاد والعلية ٢٠٢

ب) منافاة العذاب الأبدي مع الرحمة الالهية الشاملة للكل ٢٠٣

ج) ثبات وبقاء الفطرة وعرضية الهيئات الردية الموجبة للعذاب ٢٠٣

اثبات رجوع صدرالدين الشيرازي عن نظرية الخلود النوعي ٢٠٤

٦. ملا محسن الفيض الكاشاني ( المتوفى ١٠٩٢ ه‍ ) ٢٠٦

٧. ملا هادي السبزواري ( المتوفى ١٢٨٨ ه‍ ) ٢٠٩

٨. العلامة محمد حسين الطباطبائي ( ١٤٠٢ ه‍ ) ٢١٠

٩. جلال الدين الآشتياني ٢١٥

إنتقادات الآشتياني للعرفاء في قولهم بانقطاع العذاب عن الكفار ٢١٩

الخلاصة ٢٢٢

المصادر ٢٢٧

المصادر العربية ٢٢٧

المصادر الفارسية ٢٣٥

١٠



المقدمة

الحمدلله رب العالمين فاطر السّموات والارضين باعث الأنبياء والمرسلين والصلاة والسلام على أكرم الخلائق اجمعين وافضل الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

هذا الكتاب يتناول مفهوماً هاماً من المفاهيم الدينية بحيث يستحق الوقوف عنده والتوجه اليه لكونه يشكل جزء مهماً من أبحاث المعاد حيث أن الإعتقاد بالمعاد يعد من العناصر الاساسية في كل الاديان السماوية ، بل وفي كثير من المذاهب الوضعية وانه يمثل ركناً من اركان الدين الإسلامي الحنيف كالتوحيد والنبوة ، وهذا المفهوم هو مفهوم الخلود في جهنم ، وبما ان هذا المفهوم قد كان مورداً للبحث والتحقيق من قبل علماء الإسلام بمختلف طوائفهم من المفسرين والمتكلمين والفلاسفة ، مما دفعنا الى دراسة آراء المفسرين أوّلاً حول هذا المفهوم الذي تضمنته العشرات من الآيات القرآنية تصريحاً أو تلويحاً ، ومن ثم البحث في آراء المتكلمين بمختلف مذاهبهم من السنة والشيعة وغيرهم وأخيراً الاطلاع على آراء الفلاسفة المسلمين من المشائين والاشراقيين ومدرسة الحكمة المتعالية ، وتحليل هذه الآراء وتمحيصها للوصول الى النتائج المقنعة شرعاً وعقلاً في هذا الموضوع.

١١

وبما ان هذا الموضوع قد وقعت مورد خلاف بين المفسرين من جهة وبين المتكلمين من جهة أخرى بالاضافة الى الإشكلات العقلية الكثيرة المطروحة من قبل بعض الفلاسفة والمتكلمين ، فاقتضت الضرورة البحث عنه ، وبناء على ذلك ، فالهدف الأساسي من البحث هو حل هذه المعضلة كمسألة عقائدية والوقوف على آراء علماء الإسلام من المفسرين والمتكلمين والفلاسفة ، بالاضافة الى : انه يقوي الجانب الروحي والمعنوي عند الانسان فالمعاد والبحوث المرتبطة به تهدف أساساً وبالأخص في المجال القرآني والتفسيري الى تقوية وترسيخ البعد الايماني عند المسلمين ، ومن هنا تأتي أهمية هذا البحث فان ترسيخ عقيدة الخلود في جهنم في النفوس مفيد للحياة الدنيوية والأخروية لانه ترسيخ لإنسانية الانسان ، لكونه يجعل الحياة الإنسانية حياة سعيدة بعيدة عن الظلم والفساد ، وتضعيفها تقوية للفساد والطغيان الذي بات علامة بارزة للعصر الذي نعيش فيه نتيجة بعدنا عن الايمان والاعتقاد بالمعاد والمسائل المرتبطة به ومن ضمنها مسألة الخلود في جهنم وفي كل ذلك دلالة واضحة على اهمية هذا البحث وضرورته لتأثيره العظيم في اصلاح الحياة الدنيوية والأخروية.

ومفهوم الخلود في جهنم قد طرح قبل كل شيء في القرآن الكريم ، مما دفع علماء الإسلام الى ان يتناولوه في طوايا ابحائهم وتحقيقاتهم العلمية ولكن عندما تتبعنا الكثير من مؤلفات هؤلاء لم نجد من بحث في هذا الموضوع بصورة متكاملة ومستقلة خصوصاً المتقدمين سواء كان مفسروهم او متكلموهم أو فلاسفتهم امثال الشيخ المفيد ، والسيد مرتضى علم الهدى ، والشيخ الطوسي ، والطبرسي ، والعلامة الحلي ، ومقداد السّيوري ، والجرجاني ، والتفتازاني ، والفخر الرازي ، والفارابي ، وابن سينا وآخرون ، فقد بحث هؤلاء حول هذا المفهوم إما بإشارات عابرة ضمن تفسيرهم لآيات الخلود في جهنم ،

١٢

كما هو حال المفسرين ، أو ضمن بحثهم عن وعيد مرتكب الكبيرة أهو مخلد في النار ام لا ، كما فعل المتكلمون ، أو الاقتصار على النظر العقلي للموضوع ضمن بحثهم عن الشر أو السعادة والشقاوة الأخروية كما كان ديدن الفلاسفة.

وبعد التطور والتوسع الذي طرأ على التحقيقات والبحوث العقلية والفلسفية وتأثر البحوث الكلامية والتفسيرية بتلك الابحاث العقلية ، توسع البحث حول هذا المفهوم ، وأوّل من كتب عنه هم السلفية ، وبالأخص ابن قيم الجوزية ، وقد تحدث عن الخلود في جهنم بصورة مفصلة نسيباً في كتابه حادي الأرواح ، وكان البحث بحثاً كلامياً أراد به انكار الخلود الابدي وإثبات انقطاع العذاب عن الكفار ، وأشار اليه ايضاً في العديد من كتبه الأخرى ، وبمرور الزمن توسع البحث حول هذا المفهوم أكثر فأكثر ، فمثلاً نجد صدر الدين الشيرازي يتناول هذا المفهوم بالبحث والتحقيق في تفسيره وكتابه الأسفار الأربعة والشواهد الربوبية والعرشية متأثراً بالعرفاء ، وتبعه تلميذه الفيض الكاشاني في كتابه اصول المعارف.

واما المعاصرون فنجد منهم الدكتور محمد صادقي يتطرق الى هذا المفهوم في كتابه الفرقان في تفسير القرآن محاولاً إثبات انقطاع العذاب عن الكفار تبعاً لابن قيم الجوزية ، فما نجد العلامة الطباطبايي في كتابه الميزان في تفسير القرآن يحاول اثبات الخلود في جهنم وردّ الإشكالات العقلية الواردة عليه بالإستناد الى الأدلّة القرآنية والعقلية ، ثم يأتي جلال الدين الآشتياني ، ويحاول الدفاع عن الخلود بأسلوب عقلي وردّ الإشكالات الواردة عليه ، وذلك بشرحه على كتاب زاد المسافر لصدر الدين الشيرازي وفي مقدمته لكتاب اصول المعارف للفيض الكاشاني.

إن من يؤلف كتاباً أو يبحث موضوعاً فانه يهدف إما الى ابتداع واختراع ما لم يسبق إليه غيره ، أو شيء ناقص يتممه ، أو غامض يشرحه ، أو طويل مسهب

١٣

يختصره دون الإخلال بمعانيه أو متفرق يجمعه أو متخلط يرتبه ويحسن نظمه وهكذا. وبحث الخلود في جهنم ليس ابتداعاً واختراعاً جديداً لانه مطروح مسبقاً في الكتاب والسنة وقبل ذلك في الكتب المقدسة للأديان السماوية وإنما الجديد في الأمر هو جمع المعلومات المتفرقة والمختلطة في طوايا كتب التفسير والكلام والفلسفة ونظمها وترتيبها وترتيباً منطقياً بحلّة جديدة ومنسجمة في مضامينها وبيان المطالب المطروحة بصورة يسهل فهمها ، حيث لم أجد ـ وفق مساحة اطلاعي ـ من بحث في هذا الموضوع أو كتب عنه بهذه الصورة لا في الجانب التفسيري ولا الكلامي ولا الفلسفي لانه ليس من السهل البحث في موضوع متشابك الأبعاد ومتشتت المذاهب في خصوصه ، والذي يعد جزءاً من مسائل المعاد ، وهذه المسائل كما نعلم من الغيبيات التي لا يمكن اثبات جزئياتها أو فروعها إلّا عن طريق الوحي وهذا الموضوع الهام عقائديا قد أخبرنا الوحي به في الكتاب وأكدته الأحاديث الشريفة وروايات المعصومين عليهم‌السلام وان الأدلة العقلية التي اقيمت على إثبات الخلود في جهنم لا يمكن الإعتماد عليها لوحدها كمسألة مسلم بها عقلياً لولا الوحي الالهي الذي أخبرنا به فالإدلة العقلية تعتبر مؤيدات لإثبات إخبار الوحي بوجود الخلود في جهنم ، كما ان وجود بعض الآيات القرآنية الدالة بظاهرها على انقطاع العذاب عن الكفار مما زاد من مشكلة البحث في هذا الموضوع وايضاً وجود بعض الإشكالات العقلية على القول بالخلود في جهنم حتى جعلت البعض من علماء الإسلام أن يذهب إلى القول بإنقطاع العذاب عن الكفار ولأجل هذا كله فقد صرح صدرالدين الشيرازي بان هذا المسألة ـ أي بحث الخلود في جهنم ـ من ( المسائل العويصة ) ووضفها المحقق السبزواري بانها ( من الأسرار التي لا تفهمها العقول وتضرها وتهلكها ).

يتبع الباحث في كل موضوع منهجاً مجدداً واسلوباً معيناً من بين وفرة

١٤

المناهج وتعددها مثل ، المنهج النقلي ، والمنهج العقلي ، والمنهج التجريبي ، والمنهج الوجداني ، والمنهج التكاملي وما إلى ذلك والموضوع الذي نبتغي البحث فيه يتضمن أقساماً متعددة من العلوم يحتاج البحث في كل قسم منها ابتاع منهج معين وبناءاً على ذلك فان بحثنا عن الخلود في جهنم في الجانب التفسيري يحتاج الى تداول أو مزاولة المنهج النقلي بالإستناد الى الكتاب والسنة فيما البحث في القسم الكلامي بحاجة الى المنهج التكاملي ، بمعنى استخدام أكثر من منهج في البحث فيستخدم تارة المنهج العقلي في إثبات بعض الآراء أو نفيها وتارة أخرى يستخدم المنهج النقلي من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وروايات المعصومين عليهم‌السلام وتارة ثالثة يستفاد من المنهجين معاً في اثبات رأي أو إبطاله وتفنيده. إمّا القسم الفلسفي للموضوع فيفتقد الى المنهج العقلي وحده.

وفي الختام أقدم جزيل شكري وتقديري لكل الأساتذة الذين قدموا لنا يد العون في إتمام هذا الكتاب وأخص منهم بالذكر آية الله الدكتور أحمد البهشتي ، كما أشكر معاونية التحقيق في المركز العالمي للدراسات الإسلامية والاخوة العاملين في دار النشر التابعة للمركز على ما بذلوه من الجهود المضنية في إخراج هذا الكتاب بهذه الحلة القشيبة ، ومن الله التوفيق.

محمد عبد الخالق كاظم

قم المقدسة ـ ٢٩ محرم الحرام ١٤٢٦ ه‍

١٥
١٦



١

اُمور تمهيدية عامة

١. الخلود في جهنم لغةً

الأول : الخلود : ذكر اللغويون للخلود معنيين :

أولاً : ان الخلود موضوع لدوام البقاء ، وقد ذهب اليه معظم اللغويين ، قال ابن منظور ( المتوفى ٧١١ ه‍ ) : الخلد دوام البقاء في دار لا يخرج منها. خلد يخلد خلداً وخلوداً : بقي وأقام. ودار الخلد : الآخرة لبقاء أهلها فيها ، وقال أيضاً : وأهل الجنة خالدون مخلدون آخر الأبد ، وأخلد الله أهل الجنة إخلاداً ، وقوله تعالى : ( يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ) ١ أي يعمل عمل من لا يظن مع يساره أنه يموت.

والمخلد من الرجال : الذي أسن ولم يشب كأنّه مخلّد لذلك. ٢ وذهب الأزهري ( المتوفى ٣٧٠ ه‍ ) أيضاً إلى هذا المعنى. ٣ وقال الجوهري ( المتوفى ٣٩٣ ه‍ ) : الخلد دوام البقاء ، تقول : خلد الرجل يخلد خلوداً ، وأخلده الله

________________

١. الهمزة ، ٣.

٢. ابن منظور الافريقي ، لسان العرب ، ج ٣ ، ص ١٦٤ ، ٦٥.

٣. راجع : محمد بن احمد الازهري ، تهذيب اللغة ، ج ٧ ، ص ٢٧٧.

١٧

وخلّده تخليداً ، وقيل لأثافي الصخور خوالد لبقائها بعد دورس الأطلال. ١

وقال ابن فارس ( المتوفى ٣٩٥ ه‍ ) : خلد : الخاء واللام والدال أصل واحد يدل على الثبات والملازمة فيقال خلد : أقام ، وأخلد أيضاً ، ومنه : جنة الخلد. ويقال : أخلد إلى الأرض إذا لصق بها ، قال تعالى : ( وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ ) ، ٢ فأما قوله تعالى : ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ ) ٣ فهو من الخلد ، وهو البقاء ، أي لا يموتون. ٤

ثانياً : أن الخلود بمعنى طول المكث ، قال الراغب الاصفهاني ( المتوفى ٤٢٥ ه‍ ) : الخلود هو تبري الشيء من اعتراض الفساد ، وبقاؤه على الحالة التي هو عليها ، وكل ما يتباطأ عنه التغيير والفساد تصفه العرب بالخلود ، كقولهم للاثافي خوالد ، وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها.

يقال : خلد يخلد خلوداً ، قال تعالى : ( لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ) ، ٥ والخلد : اسم للجزء الذي يبقى من الانسان على حالته ، فلا يستحيل مادام الانسان حياً استحالة سائر أعضائه ، وأصل المخلد : الذي يبقى مدة طويلة ، ومنه قيل : رجل مخلد لمن أبطأ عنه الشيب ، ودابة مخلّدة : هي التي تبقى ثناياها حتى تخرج رباعيتها ، ثم استعير للمتبقي دائماً. والخلود في الجنة : بقاء الأشياء على الحالة التي عليها من غير اعترض الفساد. ٦

الثاني : جهنم قال ابن منظور : الجهنّام : القعر البعيد ، وبئر جهنّم وجهنّام بكسر الجيم والهاء : بعيدة القعر ، وبه سميت جهنّم لبعد قعرها ولم يقولوا جهنّام فيها. ٧

________________

١. اسماعيل بن حماد الجوهري ، الصحاح ، ج ٢ ، ص ٤٦٩.

٢. الأعراف ، ١٩٦.

٣. الإنسان ، ١٩.

٤. أحمد بن فارس ، معجم مقاييس اللغة ، ج ٢ ، ص ٢٠٧ ، ٢٠٨.

٥. الشعراء ، ١٢٩.

٦. الراغب الأصفهاني ، مفردات الفاظ القرآن ، ص ٢٩١ ، ٢٩٢.

٧. لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ١١٢٢.

١٨

وقال الزبيدي : جهنّم كعملّس ، أي بعيدة القعر ، وبه سميت جهنم. ١

وإختلف اللغويون في أصل الكلمة هل إنها عربية أم أعجمية ، فقال الأزهري : في جهنم قولان : قال يونس : جهنم اسم للنار التي يعذب الله بها في الآخرة ، وهي أعجمية لا تجري للتعريف والعجمة ، وقيل : جهنم اسم عربي سميت نار الآخرة بها لبعد قعرها ، وإنما لم تجر لثقل التعريف مع التأني. ٢

وقال الجوهري : جهنم : من أسماء النار التي يعذب بها الله عزّوجل عباده ، وهو ملحق بالخماسي بتشديد الحرف الثالث منه ، ولاتجرى للمعرفة والتأنيث ، ويقال : هو فارسي معرّب. ٣

قال ابن منظور : وقال ابن خالويه ، بئر جهنام للبعيدة القعر ، ومنه سميت جهنم ، قال : فهذا يدل أنها عربية. ٤

٢. لمحة تأريخية إلى مسألة الخلود في جهنم

أشار القرآن الكريم إلى مسألة الخلود في جهنم مؤكداً عليه في العشرات من الآيات القرآنية ، وفي مقابل ذلك لم تنقل لنا كتب الأحاديث في هذه المسألة تساؤلاً أو اعتراضاً من الصحابة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سوى ما أشكله أحد علماء اليهود معترضاً على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بكون الخلود منافياً للعدل الإلهي ، وجواب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن إشكاله. ٥ وهذا يدل ، على أن المسلمين في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بل وحتى في عصر التابعين كانوا يعتبرون مسألة الخلود في جهنم من الأمور البديهية بحيث لم يسألوا عن المقصود من معنى الخلود أهو الدوام الأبدي أم المكث الطويل ؟

أما ما رواه أهل السنة من حديثين عن أبي أمامة فقد صرحوا أنفسهم

________________

١. محمد مرتضى الزبيدي ، تاج العروس ، ج ٨ ، ص ٢٣٥.

٢. تهذيب اللغة ، ج ٦ ، ص ٥١٥.

٣. الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٨٩٢.

٤. لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ١١٢.

٥. الشيخ الصدوق ، التوحيد ، ص ٣٨٧.

١٩

بضعفها ، فقد نقل الطبراني عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبي أمامة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليأتين على جهنم يوم كأنها ورق هاج أحمر تخفق أبوابها ». وقد ضعّف الطبراني هذا الحديث بقوله : وفيه جعفر بن الزبير ، وهو ضعيف. ١

وقال ابن القيم : وقد نقل الخطيب في تاريخه عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يأتي على جهنم يوم ما فيها من بني آدم أحد تخفق أبوابها كأنها أبواب الموحدين ». وقال ابن القيم : وليس العمدة على هذا وحده ، فان إسناده ضعيف ، وقد روي من وجه آخر عن ابن مسعود. ٢

وأما ما نقل عن بعض اصحابة من أقوال متناقضة بشأن الخلود في النار أمثال عمر وابن مسعود وأبي هريرة ـ ستأتي الاشارة اليها في محلها ـ فهي ، بغض النظر عن صحتها أو سقمها ، أقوال معدودة ، ولا يمكن التأكد من صدورها من هؤلاء الصحابة ، فلا يمكن التعويل على هذه الأقوال في اثبات وجود معارضة واختلاف على مسألة الخلود في جهنم بين الأصحاب.

وقد أثير موضوع الخلود في جهنم وطفا إلى واجهة الساحة الفكرية مع ظهور الخوارج الذين أجمعوا على كفر مرتكب الكبيرة وخلوده في النار ، فأصبح الناس منذ ذلك الوقت مختلفين في أصحاب الذنوب من أمة الاسلام ، ودارت دائرة هذا الخلاف الجدلي في مرتكب الكبيرة إلى زمن الحسن البصري حيث إتفق في زمانه أن حدثت فتنة الأزارقة ، واحتدّ الخلاف فرجعوا إلى البصري الذي كان يقلي دروساً في التفسير والحديث في مسجد البصرة ، فحكم بأن مرتكب الكبيرة منافق ، وعارضه تلميذه واصل بن عطاء وقال : إنّه

________________

١. راجع : ابن القيم الجوزي ، شفاء العليل ، ص ٤٤٠.

٢. راجع : المصدر السابق ، ص ٤٤٣.

٢٠