سلمان الفارسي في مواجهة التحدّي

السيد جعفر مرتضى العاملي

سلمان الفارسي في مواجهة التحدّي

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : التراجم
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٣

يخطبها إلى مواليها ، فان رضي ، زوِّج ؛ والارُدَّ ؛ فان زَوَّج الاب والاخ بغير رأي مواليه ، فسخ النكاح ، وإن كان قد دخل بها ، وكان سفاحاً غير نكاح.

٢٣ ـ وحينما كلّم حمران ، مولى عثمان ، عامر بن عبدالقيس ، المعروف بزهده ، وعبادته ، وتقشفه ، واخباته ونسكه ـ كلّمه ـ عند عبدالله بن عامر صاحب العراق ، في تشنيعه على عثمان ، أنكر عامر ذلك ؛ فقال له حمران : لا كثَّر الله فينا مثلك ..

فقال له عامر : بل كثَّر الله فينا مثلك.

فقيل له :أيدعو عليك ، وتدعو له؟!

قال : نعم ، يكسحون طرقنا ، ويخرزون خفافنا ، ويحكون ثيابنا.

فاستوى ابن عامر جالساً ، وكان متكئاً ؛ فقال : ما كنت أظنك تعرف هذا الباب ؛ لفضلك ، وزهادتك.

فقال : ليس كل ما ظننت أني لا أعرفه ، لا أعرف.

٢٤ ـ وكان عقيل بن علّفة المري ، يصهر إليه الخلفاء ، وقال لعبدالملك بن مروان ؛ إذ خطب إليه ابنته الجرباء : جنبني هجناء ولدك.

٢٥ ـ ودخل أحد بني العنبر على سوار القاضي ، فقال : إن أبي مات ، وتركني ، وأخاً لي ، وخط خطين. ثم قال : وهجينا. ثم خط خطاً ناحية ، فكيف يقسم المال؟

فلما أخبره سوار : أن المال بينهم أثلاثاً ، قال : ما أحسبك فهمت عني ، إنه تركني ، وأخي ، وهجيناً ؛ فكيف يأخذ الهجين كما آخذ أنا ، وكما يأخذ أخي؟!

قال : أجل ..

فغضب الاعرابي ، ثم اقبل على سوار ، فقال : والله ، لقد علمت : أنك قليل الخالات بالدهناء.

١٢١

قال سوار : لا يضرني ذلك عند الله شيئاً (١).

٢٦ ـ ويروى : أن ناسكاً من بني الهجيم بن عمرو بن تميم كان يقول في قصصه : اللهم اغفر للعرب خاصة ، وللموالي عامة ، وأما العجم فهم عبيدك ، والاُمر إليك (٢).

٢٧ ـ ولما فرغ الحجاج من بناء واسط ، أمر بإخراج كل نبطي بها ، وقال : لا يدخلون مدينتي ؛ فانهم مفسدة (٣).

٢٨ ـ ولم وصل بسر بن أبي ارطاة إلى صنعاء قتل مائة شيخ من ابناء فارس ؛ لان ابني عبيدالله بن العباس كانا مستترين في بيت امرأة من ابنائهم ، تعرف بابنة بزرج (٤).

٢٩ ـ وحول اهتمام معاوية بالعرب ، تأسياً بسياسة سلفه عمر بن الخطاب ، نجد عمرو بن عتبة يقول :

« .. ما استدرّ لعمي كلام قط ، فقطعه ، حتى يذكر العرب بفضل ، أو يوصي فيهم بخير » (٥).

وسيأتي المزيد من الشواهد على هذه السياسة حين الكلام على اتجاه الموالي نحو العلوم وتحصيلها فانتظر ، هذا بالاضافة إلى ما سوف نورده حين الكلام على سياسة الخليفة الثاني في هذه المجال ..

بقي أن نشير إلى أن ظاهرة توليه بني امية الدواوين للموالي ، دون العرب لا تشكل خرقاً لهذه السياسة ، وذلك لانهم كانوا مجبرين على ذلك ، بسبب أن العرب كانوا لا يكتبون ، ولا يحسبون (٦).

__________________

(١) راجع : العقد الفريد ج ٣ ص ٤١٢ ـ ٤١٥.

(٢) الكامل للمبرد ج ٤ ص ١٦.

(٣) معجم البلدان ج ٥ ص ٣٥٠ ومحاضرات الادباء ج ١ ص ٣٥٠.

(٤) الغدير ج ١١ ص ٢٧.

(٥) العقد الفريد ج ٣ ص ٣٢٣. وينقل عمر بن عتبة بن عمه معاوية اموراً اُخرى في هذا المجال ، فلتراجع في المصدر المذكور.

(٦) تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني جزء ٤ ص ٣٤٢ عن المسعودي ج ٢ ص ١١٤.

١٢٢

في عهد العباسيين :

أما في عهد العباسيين ، فقد كانت التقلبات السياسية ، التي كان لغير العرب دور كبير فيها وفي صنعها ، وتوجيهها ـ كان لها ـ تأثير بارز على ظهور التعصبات العرقية ، والعنصرية بين حين وآخر ، على درجات متفاوتة من القوة والضعف ، وقد صاحب ذلك تهيؤ الفرصة أمام غير العرب ، للتعبير عن رأيهم في هذه القضية ، والدفاع عن مبدأ المساواة بين الناس ، بقوة وبحرية ..

ولكن موضوع التمييز العرقي ، والشعور العنصري ، بقي له دوره في كثير من المواضع والمواقع ، وكان له تأثيره في كثير من التقلبات ، والمواقف ، ولا نريد هنا تقصي هذا الامر ، وإنما نريد فقط الالماح إلى مورد أو موردين ظهر فيهما هذا الامر جلياً وواضحاً ، ونكل أمر تقصي ذلك إلى من يهمه هذا الاُمر.

فنقول : إنه عدا عن الفتن العرقية والثورات العنصرية التي ظهرت في اكناف واطراف الدولة الاسلامية هنا وهناك ، وهي كثيرة جداً (١) فاننا نجد :

١ ـ إنه يظهر : أن سياسة الاتهام بالزندقة ، التي تعني لزوم قتل المتهم بها ، ـ هذه السياسة ـ يرجع تاريخها إلى عهد بني اُمية ، ثم تبناها العباسيون بصورة أكثر فعالية ، وحزماً ، وتشدداً. وكانت هذه التهمة تمثل اسلوب الانتقام الناجح من الخصوم ، من دون أن يثير أية سلبيات ظاهرة ، بل ان فيها ايجابية اظهار الهيئة الحاكمة حريصة على الشريعة ، مهمتة بأمر الدين ، متجلببة جلباب التقوى ، والخشية والورع.

وقد طالت هذه التهمة الموالي بالدرجة الاولى ، وخصوصاً المثقفين والواعين منهم ، ويظهر من بعض النصوص: أن الموالي كانوا مستهدفين ـ هم والشيعة ـ

__________________

(١) راجع : على سبيل المثال الفتن والحروب التي جرت في عهد الرشيد ما بين سنة ١٧٠ و ١٨٥ فإن في ذلك مقنعاً وكفاية ، لمن أراد الرشد والهداية.

١٢٣

بصورة رئيسية ، وأساسية ، يقول الجاحظ :

« .. فان عامة من ارتاب بالاسلام ، إنما كان ذلك أول رأي « الشعوبية » ، والتمادي فيه ، وطول الجدال المؤدي إلى القتال ؛ فإذا أبغض شيئاً ، أبغض أهله .. إلخ » (١).

وقد ادعى البعض: أن أغلب الزنادقة ، كانوا من الموالي ، أما العرب ؛ فلم يوصف منهم بالزندقة سوى أربعة أشخاص ، لا غير (٢)!!

٢ ـ ويذكر المؤرخون : أن الخليفة الراضي لم يكن يتناول شيئاً من أسود (٣).

٣ ـ وقد قرروا : أن ضياع الاندلس كان سببه التمييز بين العرب ، وغيرهم (٤).

قوالب حضارية خادعة :

هذا .. وقد استمر هذا الاتجاه بالظهور والاختفاء بين حين وآخر ، حتى لقد دافع ابن تيمية بحرارة ، عن عقيدة أهل السنة والجماعة ، في أن جنس العرب أفضل من جنس العجم ، حسبما تقدم ولكن أصبح الجهر بهذا الاُمر صعباً ، ومستهجناً ، وثقيلاً. فكان أن ظهر أخيراً في قوالب حضارية (!!) ، وشعارات خادعة ، وتحت اسماء مضللة ، ومطاطة ، وغائمة .. إن اختلفت في عباراتها وطروحاتها في الظاهر ، فهي متفقة من حيث المضمون والجوهر ، ثم من حيث الآثار والنتائج ، وهذه القوالب من قبيل : الغرب ، والشرق ، والاوربية ، والآسيوية ، والقومية والوطنية.

__________________

(١) الحيوان: ج ٧ ص ٢٢٠ ، الجذور التاريخية للزندقة والشعوبية عن البيان والتبيين : ج ٣ ص ١٤ ولم نجده فيه ، ولعلّه قد اشتبه عليه الامر.

(٢) الزندقة والشعوبية ص ٢١.

(٣) الالمام ج ١ ص ١٨٦.

(٤) راجع : الاسلام والمشكلة العنصرية ص ٩٧ ـ ١٠٣.

١٢٤

ونحو ذلك ..

وذلك لاُنّ شعار القومية العربية مثلاً ، والقومية الفارسية ، والقومية الكردية .. وما إلى ذلك من امور ، تعطى على أساسها الامتيازات ، وترسم انطلاقاً منها السياسات .. ـ إن هذه الشعارات ـ ما هي إلاّ ذلك التعبير الفني الخادع ، الذي يستبطن التمييز العرقي ، والعنصري ، بأبشع أنواعه.

ولعل أول من استخدام كلمة « القومية » ـ فيما نعلم ـ هو أبو يحيى بن مسعدة ، في رسالته التي كتبت في القرن السادس الهجري ، وردّ فيها على ابن غرسية (١).

وبعد .. فان من الواضح : أن التعصب للوطن بما هو وطن ، وللكردية والفارسية ، والعربية والاوربية وغيرها ، واعطاء الامتيازات ، ثم حرمان الآخرين ، على أساس هذا الانتماء ، أو ذاك ، وعدمه ، لا يبعد في مضمونه الحقيقي عن واقع التمييز العنصري ، وما دام أن اعطاء الامتيازات على اساسه ، يؤول إلى جعل أمر غير اختياري منشأ للامتيازات ، وللحرمان منها .. الامر الذي لن يكون قادراً على المساهمة في تكامل الانسان في انسانيته ، وملكاته الخيرة والنافعة ، لا من قريب ، ولا من بعيد ، تماماً كما هو الحال في التمييز على أساس الجمال ، أو اللون ، أو اللغة ، أو الطبقة ، أو ما إلى ذلك ..

ومن هنا .. فان الحاجة تمس إلى توضيح ذلك للناس ، وبيان خلفياته وابعاده المختلفة ؛ ليكون الناس على بصيرة من أمرهم ، وليتأكد لهم صحة وسلامة النظرة الاسلامية الواقعية في هذا المجال ، ولتلتزم البشرية بتعاليم الاسلام ، ويهديه القويم ، في اعتبار التقوى أساساً للتفاضل ، ومعياراً لتقييم الانسان في انسانيته ، وفي ما يصدر عنه من أعمال ومواقف.

__________________

(١) راجع: نوادر المخطوطات ج ١ ص ٢٧٧.

١٢٥

الفصل الثالث:

سياستان :

لا تلتقيان ..

١٢٦
١٢٧

الخليفة الثاني وسياسة التمييز العنصري :

إنه عدا عن اننا نجد اتهاماً صريحاً موجهاً من قبل العباس بن عبدالمطلب إلى عمر بن الخطاب ، بانه كان ينطلق في مواقفه من أبي سفيان حينما طالب بقتله في فتح مكة من الروح القبلية والتعصب لعشيرته ، فقد قال له العباس: مهلا يا عمر ، أما والله ، ان لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، ولكنك عرفت: انه من رجال بني عبدمناف (١).

نعم .. عدا عن ذلك ، فان لدينا الكثير من النصوص التي تدل على أنّ الخليفة الثاني كان يصر على تمييز العرب على كل من عداهم ، وأن كل همه كان منصرفاً إلى تأكيد ذلك وتثبيته ؛ ليكون سياسة متبعة بعده ، يأخذها الخلف عن السلف.

ومن جهة اُخرى فإنه كان يبخس غير العرب حقوقهم ، ويمتهن كراماتهم ، ويعتدى على شخصيتهم في سياساته ، وتشريعاته ، ومواقفه ، في الظروف ، والمناسبات ، والاُحوال المختلفة.

ولبيان طرف من ذلك نشير إلى سياساته هذه في مجالين :

__________________

(١) حياة الصحابة ج ١ ص ١٥٤ عن مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٦٧ وقال : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٩١ عن البيهقي.

١٢٨

المجال الاوّل : تفضيل العرب :

فبالنسبة إلى سياسته في تفضيل العرب ، فاننا نشير إلى ما يلي :

إن من كلماته المعروفة والمأثورة عنه ، قوله : « ليس على عربي ملك » (١).

ويقول : « إنّي كرهت أن يصير السبي سنة على العرب » (٢). وقد اعتق سبي اليمن ، وهن حبالى ، وفرق بينهن وبين من اشتراهن (٣).

واعتق كل مصل من سبي العرب ، وشرط عليهم : أن يخدموا الخليفة من بعده ثلاث سنين (٤).

وكان في وصيته : أن يعتق كل عربي في مال ا‏لله. وللامير من بعده عليهم ثلاث سنوات ، يليهم مثلما كان يليهم عمر (٥).

ولا ندري سرّ هذا الشرط ، ولا مبرراته بالتحديد ، إلا إذا كان يقصد خليفة معينا لديه ، يعدّ العدة لفرضه على الناس ، عن طريق اختراع شورى الستة اشخاص ، الذين اختارهم بعناية فائقة ، مما جعله يطمئن إلى حقيقة النتيجة ، التي سوف ينتهون إليها.

وحدد فداء العربي مقداراً معيناً من الإبل ، ولكن ما حدده قد اختلف أيضاً (٦) ولعل ذلك يرجع إلى أنه قد تقلب رأيه وتبدل من وقت الآخر ..

__________________

(١) الاموال ص ١٩٧ و ١٩٨ و ١٩٩ والايضاح ص ٢٤٩ وقضاء أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ص ٢٦٤ عنه وتاريخ الامم والملوك ج ٢ ص ٥٤٩ ط الاستقامة وسنن البيهقي ج ٩ ص ٧٣ و ٧٤ ونيل الاُوطار ج ٨ ص ١٥٠ ، والمسترشد في امامة علي عليه‌السلام ص ١١٥ وراجع المصنف للصنعاني ج ١٠ ص ١٠٣ ـ ١٠٥ وج ٧ ص ٢٧٨ و ٢٧٩ والنظم الاسلامية لصبحي الصالح ص ٤٦٣.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٣٩.

(٣) الايضاح ص ٢٤٩.

(٤) راجع : المصنف لعبدالرزاق ج ٨ ص ٣٨٠ و ٣٨١ وج ٩ ص ١٦٨.

(٥) راجع المصنف للصنعاني ج ٨ ص ٣٨٠ و ٣٨١ وج ٩ ص ١٦٨.

(٦) راجع في ذلك : المصنف للصنعاني ج ١٠ ص ١٠٤ و ٣٠٢ و ١٠٣ وج ٧ ص ٢٧٨ و ٢٧٩ وتاريخ الامم والملوك ج ٢ ص ٥٤٩ ط الاستقامة وغير ذلك.

١٢٩

ولذلك نظائر في آرائه وفي قراراته ، كما في بعض مسائل الارث (١).

ومما يروي عنه : أنه لما ولي قال : إنه لقبيح بالعرب أن يملك بعضهم بعضاً ، وقد وسع الله عزّوجل ، وفتح الاُعاجم ، واستشار في فداء سبايا العرب في الجاهلية والاسلام ، الاّ امرأة ولدت لسيدها ... إلخ (٢).

ورد سبي الجاهلية ، واولاد الاماء منهم احراراً إلى عشائرهم ، على فدية يؤدونها إلى الذين اسلموا وهم في أيديهم ، قال : وهذا مشهور من رأيه (٣).

كما أنه قد أمر بردّ سبي مناذر ، وكل ما أصابوه منهم ، على اعتبار : أنها من قرى السواد (٤).

وردّ سبي ميسان ، رغم أن بعضهم قد وطأ جاريته زماناً ، فردّها ولا يعلم إن كانت حاملاً منه أم لا (٥).

وكان إذا بعث عماله شرط عليهم شروطاً منها : « .. لا تضربوا العرب ؛ فتذلوها ، ولا تجمروها فتفتنوها ، ولا تعتلوا عليها ؛ فتحرموها » (٦).

كما أنه قد أخذ من نصارى بني تغلب العشر ، ومن نصارى العرب نصف العشر (٧).

ولعل سياسة عمر هذه ، هي التي دفعت البعض ، لان يبادر إلى نسبة بعض الاقوال إلى رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تتضمن الاُمر بحب العرب ،

__________________

(١) راجع : الغدير ج ٦.

(٢) راجع : الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٨٢ وتاريخ الاُمم والملوك ط الاستقامة ج ٢ ص ٥٤٩ وقضاء أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ص ٢٦٣ / ٢٦٤.

(٣) الاموال ص ١٩٧.

(٤) الاموال ص ٢٠٥ وفتوح البلدان ص ٤٦٥.

(٥) الاموال ص ٢٠٥.

(٦) راجع: المصنف للصنعاني ج ١١ ص ٣٢٥ وتاريخ الامم والملوك ط الاستقامة ج ٣ ص ٢٧٣ والمسترشد في امامة علي بن أبي طالب ص ١١٥ ومستدرك الحاكم ج ٤ ص ٤٣٩ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٨٢ عن كنز العمال ج ٣ ص ١٤٨ عن البيهقي عن ابن أبي شيبة والنظم الاسلامية ص ٣١٠ وعن البيهقي ج ٩ ص ٣٩ وج ١ ص ٢٧٩.

(٧) المصنف للصنعاني ج ٦ ص ٩٩.

١٣٠

وتحذر من بغضهم (١).

وبعضها يدعي ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد اختص سلمان بالنهي عن بغض العرب (٢).

كما أن سياسة عمر هذه تجاه العرب ، لعلها هي التي جعلته يأمن جانبهم ، حتى إنه ليقول : « قد كنت أظنّ : أن العرب لن يقتلني » (٣) وفي لفظ آخر : « ما كانت العرب لتقتلني » (٤).

المجال الثاني : تجني الخليفة على غير العرب :

أما رأي عمر وسياساته تجاه غير العرب ، فرغم أنه هو نفسه يقول : « إني تعلمت العدل من كسرى ، وذكر خشيته وسيرته » (٥).

ولم يتعلم ذلك من أي شخصية عربية ، حتى من النبيّ الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ورغم أننا لا نجد في سيرة كسرى هذا العدل المدعى ، الذي تعلمه عمر ، ولا تلك الخشية التي نسبها إليه!! وإن كنا ربما نجد اليسير من الظواهر الخادعة ، التي تخفي وراءها الكثير من الظلم والجور ، والفساد ، والقسوة ..

نعم .. إننا رغم ذلك نجد سياسة عمر تجاه غير العرب قد كانت قاسية وظالمة ، وليس فيها ما يصحح وصفها بالعدل والإنصاف ..

هذه السياسة التي طبقها الامويون بعده بحذافيرها ، واستمرت آثارها

__________________

(١) راجع على سبيل المثال : ذكر أخبار اصبهان ج ١ ص ٩٩ وكشف الاستار ج ١ ص ٥١ ولسان الميزان ج ١ ص ٣٥٤ واقتضاء الصراط المستقيم ص ١٤٨ و ١٤٩ و ١٥٨ و ١٥٧ و ١٥٦ و ١٥٥ وتاريخ جرجان ص ٥٣٩ والعقد الفريد ج ٣ ص ٣٢٤ وميزان الاعتدال ج ١ ص ١٨٥ ومجمع الزوائد ج ١٠ ص ٢٧ وج ١ ص ٨٩ عن البزار والطبراني في الاوسط وحياة الصحابة ج ٢ ص ٤١٥ وضحى الاسلام ج ١ ص ٧٦.

(٢) راجع : المصادر المتقدمة ، فان بعضها قد ذكر ذلك.

(٣) المصنف للصنعاني ج ٥ ص ٤٧٦.

(٤) تاريخ عمر بن الخطاب ص ٢٤٠.

(٥) أحسن التقاسيم ص ١٨.

١٣١

تتفاعل ، وتتلاقح قروناً من الزمن بعد ذلك ، بل إننا لا نزال نجد هذه الاکثار تظهر بصورة أو باخرى حتى يومنا هذا ، حسما المحنا إليه ..

ونحن نذكر فيما يلي بعض النصوص التي توضح هذه السياسة ، وهي التالية :

سياسات الخليفة بالتفصيل :

١ ـ تحريم المدينة على غير العرب :

« كان عمر لا يترك أحداً من العجم يدخل المدينة .. » (١).

وحين طعن عمر ، وعنف ابن عباس ، لحبّه وأبيه كثرة العلوج بالمدينة ، قال له أن شئت فعلت ؛ أي قتلناهم. قال : كذبت. بعد ما تكلموا بلسانكم ، وصلوا إلى قبلتكم ، وحجوا حجكم؟! (٢).

٢ ـ بيع الجار النبطي :

وقد نقل المأمون العباسي : أن عمر بن الخطاب كان يقول : من كان جاره نبطياً ، واحتاج إلى ثمنه فليبعه (٣).

٣ ـ لاقود لغير العربي من العربي :

وقد طلب عبادة بن الصامت من نبطي : أن يمسك له دابته ، فرفض ،

__________________

(١) مروج الذهب ج ٢ ص ٣٢٠ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٤٧٤. وراجع : مجمع الزوائد ج ٩ ص ٧٥ عن الطبراني ، وطبقات ابن سعد ط صادر ج ٣ ص ٣٤٩ والمجروحون ج ٣ ص ٣٥٠ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٢٩ وتاريخ عمر بن الخطاب ص ٢٣٨ و ٢٤١.

(٢) تاريخ عمر بنا الخطاب ص ٢٤٣.

(٣) عيون الاخبار لابن قتيبة ج ١ ص ١٣٠ وكتاب بغداد لطيفور ص ٣٨/٤٠ ط سنة ١٣٨٨ هـ. والمحاسن والمساوي ج ٢ ص ٢٧٨ والزهد والرقائق ، قسم ما رواه نعيم بن حماد ص ٥٢ ومحاضرات الادباء ج ١ ص ٣٥٠ ، وقضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ص ٢٦٤ عن ابن قتيبة ، والحموي ، وراجع : الايضاح لابن شاذان ص ٤٨٦.

١٣٢

فضربه عبادة ؛ فشجه ؛ فأراد عمر أن يقتص له منه ؛ فقال له زيد بن ثابت :

أتقيد عبدك من أخيك؟.

فترك عمر القود ، وقضى عليه بالدية (١).

٤ ـ زيّ العجم :

وقد كتب عمر إلى من كان مع عتبة بن فرقد بآذربايجان : « .. وإياكم والتنعم ، وزيّ العجم » (٢).

وليس ذلك لاجل أن في ذلك تشبهاً للمسلم بغير المسلم ، فانه لم يكن بينهما هذا التمايز الواضح في الزي ، بحيث يعدّ هذا زيّ مسلم ، وذاك زيّ كافر ، فإن الناس كانوا يتوافدون على الدخول في الاسلام من جميع الامم ، وما كانوا يؤمرون بتغيير زيّهم إلى زيّ آخر خاص بالمسلمين ..

بل لقد ادعى ابن تيمية : ان الشريعة حين تنهى عن مشابهة الاعاجم ، دخل في ذلك الاعاجم الكفار والمسلمون معاً (٣).

٥ ـ رطانة الاعاجم ، ونقش الخاتم بالعربية :

وعن عمر بن الخطاب ، أنه قال : « لا تعلموا رطانة الاعاجم » (٤).

وسمع ـ وهو يطوف ـ رجلين خلفه ، يرطنان ؛ فالتفت إليهما ، وقال : ابتغيا

__________________

(١) تهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ٤٤٦ وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٣١ وسنن البيهقي ج ٨ ص ٣٢ وسير اعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٤٠ وكنز العمال ج ٧ ص ٣٠٣.

(٢) السنن الكبرى ج ١٠ ص ١٤ والمصنف للصنعاني ج ١١ ص ٨٦ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٨٠١ عن كنز العمال ج ٨ ص ٥٨ عن البيهقي ، وعن أبي ذر الهروي في الجامع.

(٣) راجع : اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٦٢.

(٤) السنن الكبرى ج ٩ ص ٢٣٤ وراجع : المصنف للصنعاني ج ١ ص ٤١١ واقتضاء الصراط المستقيم ص ٢٠٥ و ١٩٩ عن مصنف ابن أبي شيبة ، والتراتيب الادارية ج ١ ص ٢٠٥ و ٢٠٦.

١٣٣

إلى العربية سبيلاً (١).

وعنه أنه قال : تعلموا العربية ؛ فانها تزيد في المروءة (٢).

فاذا كان التكلم بالعربية يزيد في المروءة بزعمه ؛ فان التكلم بالفارسية يوجب ذهاب المروءة بنظره أيضاً.

فقد رووا عنه قوله : « من تكلم بالفارسية ؛ فقد خبّ ، ومن خبّ ذهبت مروءته » (٣).

قال الكتاني : وقد استفسد ابن رشد ما جاء عن مالك ، وعن عمر ، من ذم تعاطي لغة الاعاجم (٤).

وبعد .. فان الخليفة قد نهى أيضاً ؛ أن ينقش في الخاتم بالعربية (٥) ولعله ترفعاً باللغة عن الابتذال!!

تحفظ لابد منه :

وبعد .. فاننا نعتقد : أن أبا هريرة أراد التزلف إلى الخليفة وإلى من يسيرون على خطه ، ويتبعون سياسته ، حينما روى الحديث المرفوع : « أبغض الكلام إلى الله الفارسية » (٦).

وذلك لاُن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تكلم بالفارسية مع أبي

__________________

(١) المصنف للصنعاني ج ٥ ص ٤٩٦/٤٩٧ وتاريخ جرجان ص ٤٨٦.

(٢) ربيع الابرار ج ٣ ص ٥٤٥.

(٣) ربيع الابرار ج ١ ص ٧٩٦ وتاريخ جرجان ص ٤٨٦ واقتضاء الصراط المستقيم ص ٢٠٥ وراجع ص ٢٠٦ عن مصنف ابن أبي شيبة.

(٤) التراتيب الادارية ج ١ ص ٢٠٥.

(٥) راجع : طبقات ابن سعد ط صادر ج ٤ ص ١٧٦ وج ٦ ص ٤١ وط ليدن ج ٧ ص ١١ والفائق ج ٢ ص ٣٤٩ و ٣٥٠ وراجع : جامع البيان ج ٤ ص ٤٠.

(٦) لسان الميزان ج ١ ص ٤٠٦ وميزان الاعتدال ج ١ ص ٢٣٠ والمجروحون ج ١ ص ١٢٩.

وذكر في : اقتضاء الصراط المستقيم ص ٢٠٥ نسبة الرواية التالية إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كان يحسن: أن يتكلم بالعربية ؛ فلا يتكلم بالفارسية ، فانه يورث النفاق ».

١٣٤

هريرة بالذات (١) ، فضلاً عن موارد اخرى رويت عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ..

كما أننا لا نكاد نصدق ما يروى : من أن الملائكة حول العرش يتكلمون بالفارسية (٢).

٦ ـ ولاية المولى على العرب:

عن عبدالرحمان بن أبي ليلى ، قال : خرجت مع عمر (رض) إلى مكة ؛ فاستقبلنا أمير مكة : نافع بن علقمة (رض) ، فقال :

من استخلف على أهل مكة؟

قال : عبدالرحمان بن أبزى (رض).

قال : عمدت إلى رجل من الموالي ؛ فاستخلفته على من بها من قريش ، وأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟.

قال : نعم. وجدته أقرأ للكتاب ، ومكة أرض مختصرة ؛ فاحببت أن يسمعوا كتاب ا‏لله ، من رجل حسن القراءة.

قال : نعم ما رأيت ، إن عبدالرحمان بن ابزى ممن يرفع ا‏لله بالقرآن (٣).

فنراه يعتبر : أن كونه من الموالي من موجبات ضعته ونقصه ، لولا أن رفعه ا‏لله بالقرآن.

٧ ـ التفضيل بالعطاء :

وفيما يرتبط بتفضيله العرب على العجم في العطاء ، فانه أمر معروف ،

__________________

(١) مسند أحمد ج ٢ ص ٣٩٠ والرصف ج ١ ص ٨٣ وسنن ابن ماجة ، في الطب ، باب : الصلاة شفاء رقم ٣٤٥٨ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٤٨ وقد ذكر تكلمه مع جابر بالفارسية أيضاً.

وفي المعجم الصغير ج ١ ص ٢١٤ ما يدل على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرف الفارسية أيضاً ، فراجعه ، وراجع سواه.

(٢) المجروحون ج ١ ص ٢٣٢.

(٣) حياة الصحابة ج ٣ ص ١٥٠ عن كنز العمال ج ٥ ص ٢١٦ عن أبي يعلى. والمصنف للصنعاني ج ١١ ص ٤٣٩ وفي هامشه عن مسلم ، وأبي يعلى ، ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٢١٦.

١٣٥

ومشهور أيضاً (١) فانه كتب الناس على قدر انسابهم ؛ فلما انقضت العرب ذكر العجم (٢).

قال ابن شاذان : « .. فلم تزل العصبية ثابتة في الناس ، منذ ذاك ، إلى يومنا هذا » (٣).

وقد أجرى سياسة التمييز هذه حتى بالنسبة لنساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال الجاحظ : « فضل القرشيات من نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على غيرهن » (٤).

ويكفي أن نشير هنا إلى أنه قد أعطى جويرية ستة آلاف درهم ، بينما أعطى عائشة اثني عشر ألف درهم ، وقال : لا أجعل سبية كابنة أبي بكر الصديق (٥).

٨ ـ الكفاءة في النكاح :

أضف إلى جميع ما تقدّم : أنه نهى : أن يتزوج العجم في العرب ، وقال : لامنعن فروجهن إلا من الاكفاء (٦).

وعند الجاحظ أنه قال : « زوجوا الاكفاء. وكان أشد منه ( أي من أبي

__________________

(١) راجع : شرح النهج للمعتزلي الحنفي ج ٨ ص ١١١ والعثمانية للجاحظ ص ٢١١ والمسترشد في امامة علي عليه‌السلام ص ١١٥ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٥٣/١٥٢ وبهج الصباغة ج ١٢ ص ٢٠٢ وتلخيص الشافي ج ٤ هامش ١٤/١٥ عن مصادر عديدة. وراجع : طبقات ابن سعد ج ٣ ص ١٢٢ و ٢١٢ ٢١٦ والسنن الكبرى ج ٦ ص ٣٥٠ و ٣٤٩ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٣ و ٤ و ٦ وكنز العمال ج ٣ ص ٣٠٩ و ٣١٥ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٢٢٨ ـ ٢٣٥ وتاريخ الامم والملوك. وليراجع كل مورد تحدث فيه المؤرخون عن تدوين الدواوين في عهد عمر بن الخطاب.

(٢) راجع : اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٥٩.

(٣) الايضاح ص ٢٥٢.

(٤) العثمانية ص ٢١١.

(٥) أنساب الاشراف ، قسم سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ص ٤٤٢ وراجع : تاريخ الامم والملوك ج ٢ صد٦١٤.

(٦) الايضاح ص ٢٨٠ و ٢٨٦ وفي هوامشه عن عدد من المصادر ، وراجع : الاستغاثة ص ٤٥ والمسترشد في امامة علي عليه‌السلام ص ١١٤ والسنن الكبرى ج ٧ ص ١٣٣ والمصنف للصنعاني ج ٦ ص ١٥٢

١٣٦

بكر ) في أمر المناكح » (١).

وصاروا يفرقون بين العربية والموالي (٢).

وقد انعكس ذلك على الفقه أيضاً ، فقد : قالت الحنفية : « قريش بعضها اكفاء لبعض ، ومن كان له أبوان في الاسلام فصاعداً من الموالي ، فهم اكفاء (٣).

وفي التذكرة : أن الحنفية ، وبعض الشافعية ، قد أفتوا بأن العجم ليسوا اكفاء للعرب. أما الثوري ، فكان يرى التفريق بين المولى والعربية وشدد فيه وله فتاوى عجيبة اخرى لا مجال لذكرها هنا (٤).

وقال ابن رشد : « قال سفيان الثوري وأحمد : لا تزوج العربية من مولى ، وقال أبو حنيفة واصحابه : لا تزوج قرشية إلا من قرشي ، ولا عربية الا من عربي » (٥).

كما ويلاحظ هنا : أنهم قد وضعوا بعض ما يسمى بالروايات ، ونسبوها الى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦).

ونكاد نظن : أن الخليفة الثاني ، قد استفاد ذلك من كسرى ، الذي تعلم منه العدل أيضاً .. وذلك لان أنوشيروان اشترط على معدي كرب شروطاً ، منها : أن الفرس تزوج باليمن ، ولا تتزوج اليمن منها. وفي ذلك يقول الشاعر :

على أن ينكحوا النسوان منهم

لا ينكحوا في الفار سينا (٧)

__________________

و ١٥٤ وراجع : نفس الرحمان ص ٢٩ ومحاضرات الادباء ، المجلد الثاني جزء ٣ ص ٢٠٨.

(١) العثمانية ص ٢١١.

(٢) الايضاح ص ٢٨٦.

(٣) الاسلام والمشكلة العنصرية ص ٦٧ عن الجامع الصغير لمحمد بن الحسن ص ٣٢ هامش كتاب الخراج لابي يوسف ط بولاق.

(٤) راجع : المصنف للصنعاني ج ٦ ص ١٥٤ وكلام أبي حنيفة في ضحى الاسلام ج ١ ص ٧٧ وكلام الشافعية في كتاب : الاسلام والمشكلة العنصرية ص ٦٧ عن كتاب : التنبيه في الفقه الشافعي ص ٩٥. وراجع : اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٥٩.

(٥) بداية المجتهد : ج ٢ ص ٣٥١.

(٦) راجع : كشف الاستار ج ٢ ص ١٦١ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ٢٧٥.

(٧) مروج الذهب ج ٢ ص ٥٦. ويلاحظ : أن الشطر الثاني غير مستقيم. ولعل الصحيح : وألاّ ينكحوا في الفارسينا.

١٣٧

وبعد .. فاننا نجد عمر بن عبدالعزيز الاموي يقتفي خطى عمر بن الخطّاب في هذا المجال؛ فهو يقول :

لا يتزوج من الموالي في العرب إلا الاشتر البطر ، ولا يتزوج من العرب في الموالي إلا الطمع الطبع ، وقال :

لا خير في طمع يهدي الى طمع

وغفة من قوام العيش تكفيني (١)

وقال الجاحظ : « وقالت الزنج للعرب : من جهلكم أنكم رأيتمونا لكم اكفاء في الجاهلية في نسائكم ؛ فلما جاء الاسلام رأيتم ذلك فاسداً » (٢).

وزعم الاصمعي ، قال : سمعت أعرابياً يقول لآخر :

أترى هذه العجم تنكح نساءنا في الجنة؟!

قال : أرى ذلك ـ والله‏ ـ بالاعمال الصالحة.

قال : توطأ ـ والله ـ رقابنا قبل ذلك (٣).

٩ ـ قرار يعجز الخليفة عن تنفيذه :

ولما ورد سبي الفرس إلى المدينة أراد عمر أن يبيع النساء ، ويجعل الرجال عبيداً للعرب ، وعزم على أن يحملوا الضعيف ، والشيخ الكبير في الطواف حو البيت على ظهورهم.

ولكن أمير المؤمنين عليّاً عليه‌السلام رفض ذلك ، وأعتق نصيبه ، ونصيب بني هاشم ، فتبعه المهاجرون والانصار ، ففات على عمر ما كان أراده (٤).

__________________

(١) الفائق ج ١ ص ٣٥٣.

(٢) رسائل الجاحظ ج ١ ص ١٩٧.

(٣) الكامل للمبرد ج ٤ ص ١٦.

(٤) نفس الرحمان ج ١٤٤ ودلائل الامامة ص ٨١ و ٨٢ والبحار ج ٤٦ ص ١٥/١٦ وج ٩٧ ص ٥٦ وج ٤٥ ص ٣٣٠ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ٤٨.

١٣٨

١٠ ـ محاولة استئصال غير العرب :

وقد أرسل عمر إلى أبي موسى الاشعري ، عامله بالبصرة حسب ما ورد في رسالة معاوية لزياد : « .. أعرض من قبلك من أهل البصرة ؛ فمن وجدت من الموالي ، ومن اسلم من الاعاجم قد بلغ خمسة أشبار ؛ فقدمه ؛ فاضرب عنقه » (١).

فشاور أبو موسى زياداً ، فنهاه زياد عن ذلك ، وأمره أن يراجع عمر في ذلك ، فكتب إليه ، وأرسل زياداً إليه بالكتاب ، فلم يزل بعمر حتى ردّه عن رأيه ، وخوفه فرقة الناس ، فرجع ..

وقال له : « مايؤمنك ، وقد عاديت أهل هذا البيت : أن يثوروا إلى علي ؛ فينهض بهم ، فيزيل ملكك؟! ».

فكفّ عن ذلك.

ثم تذكر الرسالة سبب اقدام عمر على هذا الإجراء ، وهي امور هامة يجدر بالباحث الاطلاع عليها ، ويقول فيها أيضاً معاوية لزياد :

« .. فلو كنت يا أخي لم ترد عمر عن ذلك لجرت سنته ، ولا ستأصلهم ا‏لله ، وقطع أصلهم. وإذن .. لاستنت به الخلفاء بعده ، حتى لا يبقى منه شعر ، ولا ظفر ، ولا نافخ نار إلخ .. » (٢).

١١ ـ أوامر وقرارات لا تطاق :

وقد جاء في رسالة معاوية لزياد بن أبيه ، المشار إليها آنفاً : الاوامر والقرارات التالية :

« .. وانظر إلى الموالي ، ومن أسلم من الاعاجم ؛ فخذهم بسنة عمر بن

__________________

(١) سليم بن قيس ص ١٤٢ وراجع: نفس الرحمان ص ١٤٤ وسفينة البحار ج ٢ ص ١٦٥.

(٢) راجع: كتاب سليم بن قيس ص ١٤٢ ـ ١٤٣ ونفس الرحمان ص ١٤٤.

١٣٩

الخطاب ؛ فان في ذلك خزيهم وذلّهم :

ان تنكح العرب فيهم.

ولا تنكحوهم.

وأن يرثهم العرب.

ولا يرثونهم.

ولا تقصر بهم في عطائهم ، وأرزاقهم ..

وأن يقدموا في المغازي : يصلحون الطريق ، ويقطعون الشجر.

ولا يؤم أحد منهم العرب في صلاة.

ولا يتقدم أحد منهم في الصف الاُول ، إذا حضرت العرب ، إلا أن يتموا الصف.

ولا تولّ أحداً منهم ثغراً من ثغور المسلمين ، ولا مصراً من امصارهم.

ولا يلي أحد منهم قضاء المسلمين.

ولا أحكامهم.

فان هذه سنة عمر فيهم ، وسيرته .. ».

إلى أن قال :

« .. وفي رواية اخرى : يا أخي لولا أن عمر سنّ دية الموالي على النصف من دية العرب ـ وذلك أقرب للتقوى ـ لما كان للعرب فضل على العجم.

فاذا جاءك كتابي هذا ..

فأذلّ العجم.

وأهنهم.

واقصهم.

ولا تستعن بأحد منهم.

ولا تقض له حاجة » (١).

__________________

(١) راجع : كتاب سليم بن قيس ص ١٤٠ و ١٤١ ونفس الرحمان ص ١٤٤ وسفينة البحار ج ٢ ص ١٦٥.

١٤٠