سلمان الفارسي في مواجهة التحدّي

السيد جعفر مرتضى العاملي

سلمان الفارسي في مواجهة التحدّي

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : التراجم
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٣

وإذا كانت عبارة : « أفرّ ـ والله ـ من الكبر » من كلام سلمان .. وتكون العبارة التي بعدها ، وهي قوله : « فتفر منه ، وتحمله علي .. الخ ». هي جواب عمر له ـ إذا كان كذلك ـ فانها أيضاً صريحة في أن الخليفة يريد أن يفر من الكبر ، بواسطة تزويجه ابنته لسلمان .. فمعنى ذلك هو أن ما قاله عمرو بن العاص لسلمان : من أن الخليفة يريد أن يتواضع بتزويجه ابنته ، يكون صحيحاً ..

فالنتيجة تكون واحدة على كلا الحالتين ، وهي أنه يعتبر تزويج غير العربي تواضعاً ، وتنزلاً في مقام الشرف والكرامة ..

نعم .. وهذا ما يتناسب مع أفكار وسياسات الخليفة ، بالنسبة للعرب ، وللموالي ..

تماماً على عكس سياسات علي أمير المؤمنين ، والاُئمة من ولده ، عليهم الصلاة والسلام ، ثم شيعتهم الاخيار؛ فانهم كانوا لا يرون لبني إسماعيل فضلا على بني اسحاق ..

وقد كان لكل من السياستين آثارهما ، الايجابية والسلبية ، ولسوف نوضح ذلك فيما يأتي من مطالب إن شاء الله تعالى ..

ولسوف نجد : أن نهج الخليفة الثاني ، هو الذي استأثر بالعناية والرعاية ، سواء في عهد الدولة الاموية ، أو بعدها .. ثم لم نزل نجد ملامحه وآثاره تختفي تارة ، وتظهر اُخرى ، عبر العصور وحتى يومنا هذا ..

عجمة سلمان اسطورة :

عن أبي عثمان ، قال : كان سلمان لا يفقه كلامه ، من شدة عجمته. وكان يسمي الخشب : خشبان (١).

__________________

(١) راجع : ذكر أخبار اصبهان ج ١ ص ٥٥ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢١١ والفائق ج ١ ص ٣٧٢

١٠١

ونقول : إن ذلك لا يصح ، ولعله وضع بدوافع عنصرية ، للحط من شأن سلمان رحمه‌الله. وذلك لما يلي :

١ ـ ان ابن قتيبة قال : أنا أنكر هذا الحديث. ثم استدل على ذلك بقوله : « وقد قدمنا من كلامه مايضارع فصحاء العرب » (١). ثم ذكر : أن « خشبان » في اللغة صحيح جيد ، وأنه جمع لجمع خشب ، كجمل ، وجملان وسلق وسلقان (٢).

وقال الزمخشري ، وابن الاثير : « قد أنكر هذا الحديث ، لاُن كلامه يضارع كلام الفصحاء والخشبان في جمع الخشب صحيح ، ومروي. ونظيره : سلق ، وسلقان ، وحمل وحملان ، وقال :

كأنهم بجنوب القاع خشبان

ولا مزيد على ما يتعاون على ثبوته القياس ، والرواية .. » (٣).

٢ ـ قد تقدم في رواية الامام مالك ، عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبدالرحمان : أن النبي الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قد انتصر لسلمان ، وبلال ، وصهيب ، ورد على قيس بن مطاطية ؛ فكان مما قاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« .. إن الرب واحد ، والاب واحد ، وليست العربية بأحدكم ، من أب ، ولا اُم. وإنما هي اللسان ؛ فمن تكلم بالعربية ؛ فهو عربي » (٤).

____________

والنهاية في اللغة ج ٢ ص ٣٢ وطبقات المحدثين بأصبهان ج ١ ص ٢٢٤ وفي هامشه عن : غريب الحديث لابن قتيبة ج ٢ ص ٢٦٨.

(١) راجع غريب الحديث ج ٢ ص ٢٦٢ ، على ما ورد في هامش طبقات المحدثين بأصبهان ج ١ ص ٢٢٤.

(٢) راجع هامش طبقات المحدثين ج ١ ص ٢٢٤ عن غريب الحديث لابن قتيبة ج ٢ ص ٢٦٨ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢١١.

(٣) الفائق ج ١ ص ٣٧٢ وراجع : النهاية لابن الاثير ج ٢ ص ٣٢.

(٤) تهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢٠٠ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٢٥٣ ، عن كنز العمال ج ٧ ص ٤٦ ، المنار ج ١١ ص ٢٥٨ ـ ٢٥٩ واقتضاء الصراط المستقيم ص ١٦٩ عن السلفي.

١٠٢

فلعله يمكن أن يستفاد من جواب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا : أن هؤلاء لأنهم كانوا يتكلمون بالعربية ، فهم عرب إذن ، فلا يصح لقيس بن مطاطية أن يفتخر عليهم بعروبته ، فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد أن يفند دعوى افضلية العرب عليهم ، عن طريق ادخالهم في جملة العرب ، لانهم يحسنون التكلم بلغتهم.

وهذا .. ما لعله قد اشير إليه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فمن تكلم بالعربية فهو عربي. مستفيداً من فاء التفريع ، التي يمكن دعوى ظهورها في ذلك.

٣ ـ وكيف يمكن أن نتصور إنساناً ـ كسلمان ـ في فهمه وعلمه ، ودقة ملاحظته ، يعيش في المجتمع العربي عشرات السنين ، فلا يتعلم لغته ، حتى كان لا يفهم كلامه من شدة البلادة؟!!

٤ ـ وتقدم : أيضاً : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين حفر الخندق قد دعا الله سبحانه : أن يطلق لسان سلمان ، ولو ببيت من الشعر ، فأطلق الله لسانه بثلاثة أبيات.

٥ ـ وفي حديث اسلامه رضوان الله عليه ، نجد نصاً يقول في ضمن حديث : إن جبرئيل تفل في فيه ، فجعل سلمان يتكلم بالعربية الفصيح (١).

٦ ـ وبعد .. فان لسلمان ـ كما قال ابن قتيبة ـ رسائل ، وخطباً ، وكلمات نقلها المؤرخون ، والمحدثون عنه تعتبر في غاية الفصاحة والبلاغة (٢). وهي وحدها كافية في ردّ مدعى أبي عثمان وغيره.

هذا .. وأما ما نجده في رواية اخرى ، رواها المحاملي ، عن أبي سليمان ، قال : لما ورد علينا سلمان الفارسي المدائن ، أتيناه نستقريه ،

__________________

(١) الدرجات الرفيعة ص ٢٠٥ عن شواهد النبوة ، ونفس الرحمان ص ١٥.

(٢) راجع : نفس الرحمان ، والاحتجاج ج ١ والبحار ، وتهذيب تاريخ دمشق ، وقاموس الرجال وغير ذلك من المصادر.

١٠٣

يعني : نقرأ عليه. فقال : إن القرآن عربي ؛ فاستقروه رجلاً عربياً.

فكان يقرينا زيد ، ويأخذ عليه سلمان ، فاذا أخطأ ردّ عليه (١).

إن هذه الرواية ، لا تضر ، فان فصاحة سلمان ، لا يلزم منها أن تكون لهجته سليمة في الغاية ، فلعل شيئاً من اللهجة الفارسية ، كان لا يزال فيها. ولم يكن يحب أن يتأثروا حتى ولو بهذا المقدار ، كما أن استقراءهم إياه يدل دلالة واضحة ، على أنّهم يرونه أهلاً لذلك ، ولا يرون فيه عجمة الى حد تمنع من ذلك. ونعتقد : أن السبب في هذه التهمة هو عمر بن الخطاب ، فانه هو الذي قال عن سلمان « الطمطماني » (٢) وذلك في محاولة لانتقاص شخصية سلمان ، واستجابة لرغبة أكيدة في الحطّ من قدره رحمه‌الله.

ولعله قد كان ثمة لكنة لدى سلمان ، ولكنّها لا تصل الى حد الطمطمأنية والعجمة ، لما ذكرناه آنفاً.

الحقد الاعمى :

وأخيراً .. فإننا لا نستغرب كثيراً حين نجد المستشرقين ، يطعنون في ديننا ، ويهاجمون مقدساتنا ، ويشككون في أبده بديهيات الاسلام والقرآن وأجلاها ، وأشدها وضوحاً لدى العقل ، وأقواها رسوخاً في الفطرة.

فقد عرفنا : أنهم العدو الحاقد والطامع ، والمستعمر الذي يعمل بكل ما اوتي من قوة وحول من أجل تدميرنا ، والاستئثار بمقدراتنا ، والعبث بمقدساتنا ، والسخرية بمثلنا وقيمنا.

وقد يستخدم ـ هذا العدو المستعمر ـ من أجل تحقيق اهدافه الشريرة : الحديد ، والنار تارة .. وقد يلجأ إلى اسلوب التضليل ، والتشكيك ، والمكر والحيلة ، تارة اخرى ..

فلا عجب إذن .. رأيناهم يعتبرون سلمان الفارسي شخصية قلقة ، أو

__________________

(١) تهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ١٥ وعن المصنف لابن أبي شيبة ج ١٠ ص ٤٦٠ وج ١٢ ص ١٩٢.

(٢) ستأتي المصادر لذلك إن شاء الله.

١٠٤

اسطورة تاريخية ، أو أنه من الموالي لا يحق له التصدي لبعض الامور ، أو ما إلى ذلك (١) .. فانهم يحاولون ما هو أعظم من ذلك وأخطر ، وهو النيل من رسول الاسلام الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعبث بالقرآن ومفاهيمه ، وتشويه حقائقه ، ومسخ تشريعاته وتهجينها.

نعم .. لا عجب من ذلك كله .. وانما العجب كل العجب : من اولئك الذين يعتبرون أنفسهم ، ويعتبرهم الناس مسلمين ، ويحملون هوية الاسلام ، ويرفعون شعاراته ، حيث نجدهم : أشد كيداً للاسلام ، وأكثر اصراراً على تشويه معالمه ، وأعظم أثراً في تقويض دعائمه.

ولا نريد حشد الشواهد والادلة الكثيرة ، على ان هؤلاء قد تربوا على أيدي اولئك ، وتخرجوا من مدرستهم ، وتأثروا بأفكارهم ومفاهيمهم ، ونفثوا فيهم سمومهم المهلكة ؛ فان ذلك كالنار على المنار ، وكالشمس في رابعة النهار.

ولعل ذلك كان أمراً طبيعياً ما دام أن هؤلاء حين اتصلوا باولئك الشياطين المهرة ، لم يكونوا قد استضاءوا بنور العلم ، ولا كانت لديهم حصانة كافية ، ولا وعي للاسلام ومفاهيمه يمكّنهم من الصمود في وجه الهجمة الشرسة ، التي تستهدف تشويه شخصيتهم ، ومسخ كل وجودهم ، وتدمير كل طاقاتهم ، من قبل تلك الوحوش الكاسرة .. هذا إلى جانب شعور بالحقارة ، واحساس بالضعف ، وانبهار تام بمظاهر الحضارة الخادعة ، التي وجدوها عندهم .. فضاعوا ، وأضاعوا وضلوا الطريق وأضلوا ، وعجزوا عن فهم الاُمور ، وعن تقييمها ، ولم يمكنهم وضع الاُمور في نصابها ، بوعي ، وبمسؤولية ، وتعقل ..

فكان أن وجد فيهم اولئك الاعداء الحاقدون ، غاية أمانيهم ، ومنتهى مقاصدهم ؛ وأصبحوا دمية طيعة في أيديهم ، يوجون إليهم زخرف القول غروراً ..

وكان أن سمعنا ورأينا من هؤلاء ، الذين ينسبون أنفسهم إلى الاسلام ،

__________________

(١) راجع : سلمان الفارسي ، للعلامة السبيتي ، ابتداءً من ٤٩.

١٠٥

كل عظيمة ، وارتكبوا في حق دينهم وامتهم ، أبشع الجرائم ، وافظعها ، ولا نريد أن نفيض في ذكر نماذج من جرائمهم تلك ، فان ذلك يفوق حد الاحصاء .. ولكننا نقول ـ على سبيل الإجمال ـ :

إنه لم يَسلَم منهم شيء على الاطلاق .. فهم قد شككوا في العقائد ، وأثاروا الشبهات حول كثير منها في أذهان الكثيرين من البسطاء والسذج وشوهوا الكثير من التعاليم والمفاهيم الاسلامية ، أو كذبوا بها ، ومسخوا المعاني القرآنية ، وعبثوا بتعاليمه وأحكامه ..

وفيما يرتبط بالشخصيات الاسلامية فقد حاولوا تصغير شأنها ، والمس بكراماتها ، والنيل منها ، وبصورة ، أو باخرى .. وكان لسمان ـ موضوع بحثنا ـ نصيب دَسِم في هذا المجال ، حتى لقد قالوا عنه : إنه يظهر أنه من خصوم الاسلام الباطنيين (١).

ولا ندري كيف اكتشفوا هذا السر المكنون ، الذي لم يكتشفه أحد سواهم ، وأين وما هي تلك النشاطات الهدامة ، التي كان يمارسها سلمان ، والتي استحق لاجلها هذا الوسام الخطير .. وتلك هي حياته ، وتلك هي مواقفه ، وممارساته ، فليراجعها الباحثون ، وليعكف عليها الدارسون ، فهل يمكن أن يكتشفوا من خلالها إلا كل خير وصلاح ، واستقامة وفلاح ، وغيرةٍ على الاسلام ، وتفانٍ في سبيله؟!

وبعد .. فانهم قد وصفوا الاشتر بـ « المارق » (٢).

أما أبو ذر ، فقد اعتبروه جلفاً ، جافاً ، قاسياً ، واعرابياً (٣).

بل لم يسلم منهم الحسنان عليهما‌السلام (٤) ولا امهما فاطمة صلوات الله

__________________

(١) وصفه بذلك محمد عبدالله عنان. راجع : دراسات وبحوث في التاريخ والاسلام ج ٢ ص ٢٣٨.

(٢) الصواعق المحرقة ص ٣٨.

(٣) أبو ذر .. والحق المر ص ٢٠.

(٤) راجع : التاريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية ج ٢ ص ٤٩ و ٢٠١ و ٢٠٢ و ٣٥ و ٣٦.

١٠٦

وسلامه عليها .. (١).

كل ذلك بغضاً بعلي عليه‌السلام ، وبكل من يتعاطف معه ، وينسج على منواله ، وانتصاراً للخليفة الثالث عثمان الذي كان لابي ذر ، والاشتر موقف منه معروف.

ولسمان ذنب آخر .. وهو أنه لم يكن عربياً ، فلابد وأن يتعرض أيضاً لرياح الحقد العنصري البغيض لاُن أسيادهم المستشرقين هكذا يريدون (٢) ، فان ذلك محقق لرغبتهم ، ويصب في مصلحتهم.

١٠٧

الفصل الثاني :

التمييز العنصري

أحداث .. ومواقف

١٠٨
١٠٩

توطئة لابدّ منها :

إننا لانريد هنا : أن نؤرخ لقضية التمييز العنصري ، لدى الشعوب المختلفة ، ولا استكشاف جذوره وآثاره قبل الاسلام وبعده ، ولا دراسة دوافعه النفسية ، ومناشئه ، ولا معالجة النظريات التي جاءت لتقرر ، وتبرر ، لا لتبني وتحرّر ..

وإنما نريد أن نلمح إلى بعض ما يرتبط بهذه القضية ـ على سبيل الايجاز والاشارة ـ وفي حدود ما يمس الواقع الذي عاشه المسلمون ، بعد وفاة الرسول الاُعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما عانوه من آثار وسلبيات ، انتجتها ، وخلفتها سياسات لها هذا الطابع ، وتصب في هذا الاتجاه ..

فنقول :

إن تاريخ هذه السياسة بعد ظهور الاسلام ، يرجع إلى عهد الخليفة الثاني عمعر بن الخطاب ، وهو المخطط والمؤسس لها ، والمصرّ على تنفيذها ، ثم سار الامويون على نهجه ، ونسجوا على منواله ، ونفذوا ما رسمه لهم بكل دقة وامانة ، وحزم ..

وقبل أن نلم ببعض ما حفظه لنا التاريخ من مواقف ، وتشريعات ، وقرارات ، من قبل ذلك المؤسس القوي والعتيد ، نلمح إلى بعض ما تمس الحاجة إلى الالماح إليه ، من ملاحظات ، وافكار ، ترتبط بهذه السياسة ، في الفترة التي تلت عهد مؤسسها ، ورائدها الاول .. وبالتحديد .. في عهد

١١٠

الامويين ، على أساس أن نعتبر هذا فصلاً تمهيدياً ، لذلك الفصل الذي نتحدث فيه عن سياسات الخليفة الثاني في هذا المجال.

وبما أن سياسة التمييز هذه ، لم تلق معارضة جديدة وحقيقة إلا من قبل أهل البيت عليهم‌السلام ، وعلى رأسهم سيدهم علي أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه .. فاننا سوف نذكر نبذة عن هذا الامر أيضاً ونتلمس بعض آثارها .. كل ذلك على سبيل الايجاز والاشارة بحول ا‏ وقوته ، ومنّه وكرمه ..

فلنبدأ هنا ببعض ما يرتبط بالسياسة الاموية وما تلاها ، وما يرتبط بها ، فنقول :

الاُمويون وسياسة التمييز العنصري :

لقد كانت السياسة الاموية تقوم على أساس التمييز بين العرب وغيرهم ، ممن يعبرون عنهم بـ « الحمراء » تارة ، بملاحظة اختلاف لون بشرتهم ، وبـ « الموالي » اخرى (١).

بل لقد تعدت السياسة الاموية ذلك إلى إثارة النعرات القبلية بين العرب أنفسهم ، كالقيسية المضرية ، واليمانية ؛ فتارة يؤيدون هؤلاء ، واخرى يؤيدون اولئك ، حسبما تقتضيه مصالحهم الخاصة ، وطموحاتهم في التسلط ، وبسط نفوذهم على البلاد والعباد.

وقد استمروا على تأييد اليمانية إلى زمان هشام بن عبدالملك ، الذي عدل إلى المضرية فقربهم ، واستمروا على ذلك إلى حين سقوط الدولة الاموية ، على يد أبي مسلم الخراساني والعباسيين ، الذين اتخذوا جانب اليمانية ، حتى لقد أرسل إبراهيم الامام ، الزعيم العباسي إلى داعيته أبي مسلم ، يأمره باكرام

__________________

(١) الموالي هم : اما أسرى استرقوا ، ثم اعتقوا ، وهم قلة .. وأما هم من غير العرب ، دخلوا الاسلام ؛ فحالفوا بعض القبائل العربية ؛ لضمان الحماية اللازمة ، أو لغير ذلك .. مع العلم بأن محالفتهم لهذه القبيلة ، أو لتلك ، يفيدها في تعزيز دورها وتأكيده بصورة عامة بين سائر القبائل.

١١١

اليمنيين ، وأن يبيد خضراء مضر ، ولا يدع على الارض منهم دياراً (١).

ضريبة الانحراف عن الخطّ الاسلامي :

وهذا التمييز ، وإن كان له جذور عميقة في تاريخ البشر قبل ظهور الاسلام ، لدى قدماء اليونان ، ولدى غيرهم أيضاً ..

ثم ظهر الاسلام في الجزيزة العربية ، واعلن حرباً لا هوادة فيها على هذه النزعة ، وعلى كل مظاهرها ورموزها ، حتى اضطرها إلى التراجع والانحسار أمام قوة اندفاعه ، وعمقها ..

ولو أن الاسلام بقي هو صاحب القرار على الساحة ، لاقتلعت كل جذورها ، وعفيت جميع آثارها .. وإلى أبد الآبدين ..

غير أنّه بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حينما استطاعت فئة معينة أن تختلس القرار السياسي من أصحابه الشرعيين ، ولم تكن معظم المواقع في هيكلية الحكم التي أقامتها تمتلك المناعات الكافية ، ولا الدوافع الحقيقية في مجال الالتزام والحركة ، ولا القدرات الفكرية أو العلمية الغنية ، والقوية ، والاصيلة في فهم الاسلام وتشريعاته ، لا في المجال النظري ، ولا على صعيد العمل والموقف .. الاُمر الذي أفسح المجال لكثير من النزعات ، والانحرافات للظهور ، والاعراب عن نفسها من جديد. ووجدت الكثيرين على استعداد لدعمها ، وتوفير الشرعية لها ، عن طريق جعل الحديث على لسان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ ليصبح الإنحراف ديناً ، والهوى شريعة ..

* * *

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي الحنفي ج ٣ ص ٢٦٨/٢٦٧ وتاريخ الامم والملوك ج ٧ ص ٣٤٤ والكامل في التاريخ ج ٥ ص ٣٤٨ والامامة والسياسة ج ٢ ص ١٣٧ وارجع : البداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٨ والعقد الفريد ج ٤ ص ٤٧٩ والنزاع والتخاصم ص ٤٥ وضحى الاسلام ج ١ ص ٣٢.

١١٢

العرب .. والفتوحات :

ثم .. وبعد أن فتح العرب البلاد ، واستجاب لدعوة الاسلام العباد ، وارتبط الناس من غير العرب بكثير من القبائل العربية برابطة الولاء ، ورأى العرب : أنهم المنتصرون ، وأنهم المتفضلون ، وأنهم يملكون جمعي مصادر القوة ، وقد ذل لهم العزيز ، وضعف لديهم القوي .. فانهم قد بدأوا يعاملون هؤلاء الناس من موقع السيادة والهيمنة ، والإستئثار ، والغطرسة ، والاستهتار ..

ولم يقتصر الامر في ذلك على الحكام ، بل قد تعداهم إلى مختلف فئات الشعب ، وطبقاته .. حتى لقد ظهرت آثار ذلك في الفتاوى الفقهية ، والنظريات العقائدية لدى كثر من الذين تصدوا للفتوى ، وللتنظير في مجال الاعتقادات ..

وقد حفظ التاريخ لنا الكثير الكثير ، مما يثبت حقيقة هذه النظرة ، ويعطي صورة واضحة عن هذا التعامل القبيح ، والرذل ، سواء على مستوى السياسة المعتمدة والمدروسة في واقع الحكم ، أو على مستوى التعامل العفوي ، واليومي لدى عامة الناس ، وفي مختلف المواضع والمواقع ..

تمحل الاعذار لا يجدي :

ولئن حاول البعض : اعتبار ما ورد مما يشير إلى ظاهرة احتقار العرب للموالي ، من قبيل الحالات النادرة ، التي يسجلها العلماء؛ لما فيها من صفة الندرة والشذوذ ، كما وشكك في بعض ما يذكر من ارهاق الموالي بالضرائب ، وحرمانهم من العطاء وغير ذلك ..

لئن حاول هذا البعض ذلك .. (١).

__________________

(١) عبدالعزيز الدوري : الجذور التاريخية للشعوبية ص ١٦ ـ ٢٠.

١١٣

فانها كانت محاولة فاشلة وعقيمة ، وليس لها أية قيمة علمية ، وذلك لانها ـ لو صحت ـ فلسوف تعني ، لنا : أننا سوف لن نستطيع إثبات أية حقيقة تاريخية على الاطلاق ، بل أننا سوف نشك حتى في وجود معاوية ، وعلي عليه‌السلام ، وفي واقعة صفين ، والجمل ، وكربلاء. ولسوف لن نصدق بعد الآن .. بحدوث الطوفان ، ولا بسقوط الاندلس ، ولن يمكن أيضاً إثبات صفة الكرم والشجاعة للعرب ، ولا غير ذلك من امور ..

وذلك لان ما نقل إلينا حول مسألة التمييز العنصري ـ إن كان لا يثبت هذا الامر ، وهو بهذه الكثرة العجيبة والمفرطة ـ فإنه لا يمكن اثبات أي شيء من الحقائق المشار إليها آنفاً ، على الاطلاق.

وكيف يمكن اعتبار الفتاوى الفقهية ، المتأثرة بهذه النزعة ، والتي تعمل بموجبها فرق كبيرة ، ومنتشرة في طول البلاد وعرضها ـ كيف يمكن اعتبارها ـ من الامور الشاذة والنادرة؟! ولسوف يأتي بعض من ذلك في مسائل الزواج ، والارث ، فانتظر ..

هذا إلى جانب هذا الاُمر زخماً عقائدياً ، كان ولا يزال راسخاً في عقل السواد الاعظم من الناس ، ولمدة قرون عديدة ؛ حتى لنجد ابن تيمية يقرر ذلك بصورة صريحة وواضحة ، ويرسله ارسال المسلمات ؛ فيقول :

« .. فان الذي عليه أهل السنة والجماعة : اعتقاد : أن جنس العرب أفضل من جنس العجم ؛ عبرانيهم وسريانيهم ، رومهم وفرسهم ، وغيرهم (١) .. » واستدل على ذلك بان العرب أفهم من غيرهم ، واحفظ ، وأقدر على البيان (٢).

هذا .. ولسوف نجد في هذا الفصل ، وفي الذي يليه طائفة كبيرة من النصوص ، عن كثير من المصادر ، تظهر التنوع والاختلاف الشديد في الموارد ، وفي طبيعة الاُمور ، التي ظهرت فيها هذه النزعة اليهودية البغيضة!! فان من

__________________

(١) اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٤٨.

(٢) اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٦٠.

١١٤

الواضح : أنه لا يمكن أن يربط بين هذه المتفرقات ، ويجمع تلك المختلفات ، إلا عصبية راسخة ، وبواعث لا شعورية عميقة.

هذا كله .. إلى جانب نصوص كثيرة ، لم نتعرض لها ؛ لاننا لسنا بصدد دراسة مستوعبة وشاملة لهذه القضية ، وإنما هدفنا مجرد الالماح والاشارة .. مع تأكيدنا على أن دراسة مختلف مظاهر هذا الاتجاه ، وما كان له من آثار عبر التاريخ على المجتمعات ، وفي الحروب ، والحركات ، حتى ليقال :

إن تمييز العرب على غيرهم ، كان هو السبب في ضياع الاندلس ، فضلاً عما سوى ذلك من قضايا كبيرة ، وأحداث خطيرة ، عانى منها العالم الاسلامي عبر التاريخ .. (١).

نعم .. إن دراسة كهذه ، تحتاج إلى مزيد من التتبع والاستقصاء ، وإلى كثير من الوقت والجهد ، لسنا الآن مهيئين له ، ولا قادرين على توفيره ..

تطوير اسلوب الصراع :

وأخيراً .. فلا يفوتنا التنبيه على أن هذا الصراع قد اتخذ طابعاً نظرياً فكرياً أيضاً ، فاقيمت الحجج والبراهين ، وكتبت الرسائل والبحوث ، لاثبات فضل العرب ، على غيرهم. وقد استمر ذلك إلى عهود متأخرة ، وقد أدلى ابن تيمية (٢) بدلوه في هذا المجال ، كما صنع غيره.

وقد كان من الطبيعي : أن يجهد اولئك المضطهدون ، والمهدورة كراماتهم ، والمسلوبة حقوقهم ، في سبيل اثبات مساواتهم للعرب ، واقناعهم : بأنه لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ، والعمل الصالح ..

ولكننا لم نجد شيئاً ذابال ، في هذا المجال في عهد الامويين ، ولعل ذلك

__________________

(١) راجع : الاسلام والمشكلة العنصرية ص ٩٧ ـ ١٠٣.

(٢) راجع : اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٤٢ ـ ١٧٠.

١١٥

يرجع إلى أنهم ما كانوا يجرؤون على الظهور في أيامهم (١) ، لانهم كانوا من أشد الناس في هذا الامر ، وكانوا يفرضون سياساتهم على الناس بالقوة والقهر ..

أما بعد ذلك ، فنجد الدعوة إلى التسوية قد نشطت ، وكتبت في ذلك الرسائل ، واحتجوا لها بمختلف الحجج (٢).

ولكن ذلك لا يعني : أن الدولة العباسية لم تكن حساسة تجاه هذا الامر ، بل الامر على عكس ذلك تماماً؛ فانها منذ بداياتها قد تصدت لهؤلاء ، ولكن بذكاء ، وحنكة ، وتحت شعارات خادعة ، وما كرة ، من قبيل الاتهام بالزندقة ، كما سنشير إليه فيما يأتي إن شاء الله تعالى..

الشعوبية هم دعاة التسوية :

وقد عرف دعاة التسوية هؤلاء باسم : « الشعوبية ».

قال ابن تيمية : « ذهبت فرقة من الناس : إلى أن لا فضل لجنس العرب على جنس العمم ، وهؤلاء ، يسمون : الشعوبية » (٣).

قال الجاحظ : « .. ونبدأ على اسم الله ، بذكر مذهب الشعوبية ، ومن يتحلى باسم : التسوية .. » (٤).

وقال ابن عبدربه : « .. قول الشعوبية ، وهم أهل التسوية .. » (٥).

وقال ابن منظور ، وغيره : « الشعوبي : الذي يصغر شان العرب ، ولا يرى لهم فضلاً على غيرهم » (٦).

__________________

(١) راجع : تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ، جزء ٤ ص ٣٤٤ عن الاغاني ج ٤ ص ١٢٥.

(٢) راجع : العقد الفريد ج ٣ ص ٤٠٣ ـ ٤١٧ والفهرست لابن النديم ص ١٢٤ ونوادر المخطوطات ج ١ ص ٣٣١ إلى آخر الكتاب. والبيان والتبيين ج ٣ ص ٥ فما بعدها ، وغير ذلك.

(٣) اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٤٩.

(٤) البيان والتبيين ج ٣ ص ٥.

(٥) العقد الفريد ج ٣ ص ٤٠٣ وراجع ص ٤٠٥ و ٤٠٨ وراجع : الجذور التاريخية للشعوبية ص ٩.

(٦) لسان العرب ج ١ ص ٥٠٠ وأساس البلاغة ص ٢٣٦ والنهاية في اللغة ج ٢ص ٤٧٨.

١١٦

أي أن من لا يرى للعرب فضلاً على غيرهم ؛ فهو يصغر من شأنهم ؛ فهو إذن : شعوبي.

ويدل على ذلك قول الخليل : « الشعوبي : الذي يصغر شأن العرب ، فلا يرى لهم فضلاً » (١) حيث عطف بالفاء.

هذا .. وقد شذ من أخذته العصبية منهم ، ففضل العجم على العرب ، كابن غرسية ، واسماعيل بن يسار (٢).

أما في عصرنا هذا ، فقد أصبح لفظ « الشعوبية » يطلق على خصوص من يفضل العجم على العرب (٣).

نماذج عنصرية اموية :

ونحن نذكر هنا نماذج قليلة من النصوص ، التي توضح سياسة الدولة الاموية ، وكذلك مواقف الناس وتوجهاتهم ، في مجال التمييز العنصري ، في تلك الحقبة من الزمن فنقول :

١ ـ قالوا : إنّ الحجاج قد أمر أن لا يؤم في الكوفة إلاّ عربي (٤).

٢ ـ ولما ولىّ الحجاج سعيد بن جبير قضاء الكوفة ، قال أهل الكوفة :

لا يصلح للقضاء إلاّ عربي!!

فاستقضى الحجاج أبا بردة بن أبي موسى الاشعري ، وأمره أن لا يقطع أمراً

__________________

(١) العين ج ١ ص ٢٦٣.

(٢) راجع : رسالة ابن غرسية في نوادر المخطوطات ج ١ ص ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ، واجوبتها الاربعة من قبل علماء الاندلس ، في نفس الكتاب ، والفهرست لابن النديم ص ١٣٧ و ١٣٣ و ١١٨ والحيوان ج ٤ ص ٤٤٨ / ٤٤٩ حول يونس بن أبي فروة ، وكذا في أمالي المرتضى ج ١ ص ١٣٢.

(٣) راجع : الاسلام والمشكلة العنصرية ص ٩٣.

(٤) ضحى الاسلام ج ١ ص ٢٤ ، والعقد الفريد ج ٢ ص ٢٣٣ وراجع ص ٢٣٥ وراجع أيضاً : وفيات الاعيان ، لابن خلكان ج ٢ ص ٣٧٣ وراجع : شذرات الذهب ج ١ ص ١٠٩.

١١٧

دون سعيد بن جبير (١).

٣ ـ « وهو [اعني الحجاج] أول من نقش على يد كل رجل اسم قريته ، ورده إليها ، وأخرج الموالي من بين العرب » (٢).

٤ ـ ويذكرون : أنه طرد غير العرب من البصرة ، والبلاد المجاورة لها ، واجتمعوا يندبون : وامحمّدا ، وأحمدا ، ولا يعرفون أين يذهبون ، ولا عجب أن نرى أهل البصرة يلحقون بهم ، ويشتركون معهم في نعي ما نزل بهم من حيث وظلم (٣).

٥ ـ بل لقد قالوا : لا يقطع الصلاة إلاّ كلب ، أو حمار ، أو مولى (٤).

وذكر في بعض النصوص : المرأة ، بدل المولى ، وهذا الاحتقار للمرأة مأخوذ من اليهود ، كما يعلم بالمراجعة إلى كتبهم الدينية.

٦ ـ وقد أراد معاوية أن يقتل شطراً من الموالي ، عندما رأهم قد كثروا ؛ فنهاه الاحنف عن ذلك (٥). وقيل : إن زياداً هو الذي أراد ذلك (٦).

٧ ـ وتزوج رجل من الموالي بنتاً من أعراب بني سليم ؛ فركب محمد بن بشير الخارجي إلى المدينة ، وواليها يؤمئذٍ إبراهيم بن هشام بن إسماعيل ، فشكا إليه ذلك ، ففرق الوالي بين المولى وزوجته ، وضربه ماءتي سوط ، وحلق رأسه ، وحاجبه ، ولحيته ؛ فقال محمد بن بشير في جملة أبيان له :

__________________

(١) وفيات الاعيان ج ٢ ص ٣٧٣ ، وضحى الاسلام ج ١ ص ٢٤ ، وراجع : تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني جزء ٤ ص ٣٤٣.

(٢) الاوائل ج ٢ ص ٦١ وراجع : العقد الفريد ج ٣ ص ٣١٦/٣١٧ وشذرات الذهب ج ١ ص ١٠٩ وضحى الاسلام ج ١ ص ٢٤.

(٣) السيادة العربية والشيعة والاسرائيليات ص ٥٧/٥٦ والكامل لابن الاثير ج ٤ ص ٤٦٥ وراجع : تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الاول جزء ٢ ص ٢٧٤ وراجع : ربيع الاُبرار ج ٣ ص ٦٠٠ وضحى الاسلام ج ١ ص ٢٤ عن محاضرات الادباء ج ١ ص ٢١٨.

(٤) العقد الفريد ج ٣ ص ٤١٣ وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني جزء ٤ ص ٣٤١.

(٥) المصدران السابقان.

(٦) محاضرات الادباء ج ١ ص ٣٥٠.

١١٨

قضيت بسنة وحكمت عدلاً

لم ترث الخلافة من بعيد (١)

٨ ـ وكان طاووس لا يأكل ذبيحة الزنجي ، وكان يقول : وهل رأيت في زنجي خيراً قط؟ (٢).

٩ ـ ويقول : هو عبد مشوه الخلق (٣).

١٠ ـ ولم تفشل ثورة المختار ، إلاّ لانه استعان فيها بغير العرب ، فتفرق العرب عنه لذلك (٤).

وكان من جملة ما نقموه عليه أن قالوا : « .. ولقد أدنى موالينا ؛ فحملهم على الدواب ، واعطاهم فيئنا » (٥).

١١ ـ ويقول أبو الفرج : « .. كان العرب إلى أن جاءت الدولة العباسية ، إذا جاء العربي من السوق ؛ ومعه شيء ، ورأى مولى ، دفعه إليه ؛ فلا يمتنع » (٦).

١٢ ـ بل كان لا يلي الخلافة أحد من أبناء المولدين ، الذين ولدوا من امهات اعجميات (٧).

١٣ ـ ويذكرون من اسباب ثورة زيد بن علي بن الحسين عليه‌السلام : ما جرى بينه وبين هشام بن عبدالملك ، الذي قرر عدم صلاحية زيد للخلافة ؛

__________________

(١) الاغاني ج ١٤ ص ١٥٠ وضحى الاسلام ج ١ ص ٢٣ و ٢٤ وراجع : محاضرات الادباء ج ١ ص ٣٥٠ .. ما هو بهذا المعنى.

(٢) المصنف للصنعاني ج ٤ ص ٤٨٥ وراجع : الالمام ج ١ ص ١٨٦.

(٣) الالمام ج ١ ص ١٨٦.

(٤) راجع : الاخبار الطوال ص ٢٩٩ و ٣٠٠ و ٣٠٤ والكامل في التاريخ ج ٤ ص ٢٢٧ و ٢٣١ و ٢٦٨/٢٦٩. والسيادة العربية والشيعة والاسرائيليات ص ٤٠ وراجع : تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الاول جزء ٢ ص ٢٨٢/٢٨٣.

(٥) الكامل في التاريخ ج ٤ ص ٢٣١ وتاريخ الامم والملوك ج ٦ ص ٤٤ ط دار المعارف بمصر.

(٦) ضحى الاسلام ج ١ ص ٢٥.

(٧) راجع : العقد الفريد ج ٦ ص ١٣٠/١٣١ وضحى الاسلام ج ١ ص ٢٥ وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني جزء ٤ ص ٣٤٣.

١١٩

لاُنّه ابن أمة ..

وقد ردّ عليه زيد رضوان الله تعالى عليه بالنقض باسماعيل عليه‌السلام ، الذي لم يمنع كونه ابن امة : أن بعثه ا‏لله تعالى نبياً ، فراجع نص الحوار بينهما في مصادره (١).

١٤ ـ وقد نافع بن جبير بن مطعم ، رجلاً من أهل الموالي ، يصلي به ؛ فقالوا له في ذلك ؛ فقال : إنما أردت أن أتواضع ‏ بالصلاة خلفه (٢).

١٥ ـ « وكان نافع بن جبير هذا إذا مرت به جنازة ، قال : من هذا؟ فاذا قالوا : قرشي ، قال : واقوماه ، واذا قالوا : عربي ، قال : وابلدتاه (وامادتاه) واذا قالوا : مولى : قال : من مال الله ، يأخذ ما شاء ، ويدع ما شاء » (٣).

وقال ابن عبدربه :

١٦ ـ وكانوا لا يكنونهم بالكنى ، ولا يدعونهم إلاّ بالاسماء والالقاب.

١٧ ـ ولا يمشون في الصف معهم.

١٨ ـ ولا يقدمونهم في الموكب.

١٩ ـ وإن حضروا طعاماً ، قاموا على رؤوسهم.

٢٠ ـ وإن اطعموا المولى ، لسنه ، وفضله ، وعلمه ، أجلسوه في طرف الخوان ؛ لئلا يخفى على الناظر : أنه ليس من العرب.

٢١ ـ ولا يدعونهم يصلون على الجنائز ، إذا حضر أحد من العرب ، وإن كان الذي يحضر غريراً.

٢٢ ـ وكان الخاطب لا يخطب المرأة منهم إلى أبيها ، ولا إلى أخيها ، وإنما

__________________

(١) راجع : ارشاد المفيد ص ٢٦٨ والبحار ج ٤٦ ص ١٨٧/١٨٦ والعقد الفريد ج ٦ ص ١٢٨ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢٣ و ٢٤ وعمدة الطالب ص ٢٥٥/٢٥٦ والبيان والتبيين ج ١ ص ٣١٠ وربيع الاُبرار ج ٣ ص ٣٣ ومروج الذهب ج ٣ ص ٢٠٦ وتاريخ الامم والملوك ج ٧ ص ١٦٥ والكامل في التاريخ ج ٥ ص ٢٣٢ وبهجة الآمال ج ٤ ص ٢٣٢ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٢٦٠.

(٢) العقد الفريد ج ٣ ص ٤١٢/٤١٣.

(٣) العقد الفريد ج ٣ ص ٤١٣ والكامل للمبرد ج ٤ ص ١٥.

١٢٠