الميزان في تفسير القرآن - ج ٦

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي

الميزان في تفسير القرآن - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨١

إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ ـ أي في إنكاركم سرقة صواع الملك ـ قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ـ أي نجزي السارق باسترقاقه ـ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ـ إلى أن قال ـ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ـ وهذا هو التبديل ونوع من الفدية ـ قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ » : يوسف : ٧٩.

وربما كان يؤخذ القاتل أسيرا مملوكا ، وربما كان يفدي بواحدة من نسائه وحرمه كبنته وأخته إلى غير ذلك ، وسنة الفدية بالتزويج كانت مرسومة إلى هذه الأيام بين القبائل والعشائر في نواحينا لأن الازدواج يعد عندهم نوعا من الاسترقاق والإسارة للنساء.

ومن هنا ما ربما يعد المطيع عبدا للمطاع لأنه بإطاعته يتبع إرادته إرادة المطاع فهو مملوكه المحروم من حرية الإرادة قال تعالى : « أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ، وَأَنِ اعْبُدُونِي » : يس : ٦١ وقال : « أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ » : الجاثية : ٢٣.

وبالعكس من تملك المجتمع أو ولي الأمر المجرم المعاقب يملك المطيع المثاب من المجتمع أو ولي الأمر ما يوازن طاعته من الثواب فإن المجتمع أو الولي نقص من المكلف المطيع بواسطة التكليف شيئا من حريته الموهوبة فعليه أن يتممه كما نقص.

وهذا الذي ذكرناه هو السر في ما اشتهر : أن الوفاء بالوعد واجب دون الوعيد ؛ وذلك أن مضمون الوعد في ظرف المولوية والعبودية هو الثواب على الطاعة كما أن مضمون الوعيد هو العقاب على المعصية والثواب لما كان من حق المطيع على ولي الأمر وفي ذمته وجب عليه تأديته وتفريغ ذمته منه بخلاف العقاب فإنه من حق ولي الأمر على المكلف المجرم ، وليس من الواجب أن يتصرف الإنسان في ملكه ويستفيد من حقه إن كان له ذلك ، وللكلام تتمة.

٣ ـ العفو والمغفرة؟ : استنتجنا من البحث السابق جواز ترك المجازاة على المعصية بخلاف الطاعة ، وهو حكم فطري في الجملة مبني على أن العقاب حق للمعصي على العاصي ، وليس من الواجب إعمال الحق دائما.

٣٦١

غير أنه كما لا يجب إعمال حق العقاب دائما كذلك لا يجوز تركه دائما وإلا لغا القضاء الفطري بثبوت الحق ، ولا معنى لثبوت شيء لا أثر له ولا في وقت من الأوقات على أن إلغاء حق العقاب من رأسه هدم للقوانين الموضوعة الحافظة لبنية الاجتماع وفي هدمها هدم الاجتماع بلا ريب.

فالحكم ـ وهو جواز العفو عن الذنب ـ ثابت في الجملة ، والقضية مهملة فإن كان هناك سبب مسوغ بحسب الحكمة للعفو جاز العفو وإلا وجبت المجازاة احتراما للقوانين الحافظة لبنية المجتمع وسعادة الإنسان ، وإليه الإشارة بقوله تعالى حكاية عن عيسى عليه‌السلام : « وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » : « المائدة : ١١٨ ».

ويوجد في القرآن الكريم من أسباب المغفرة مما تمضيه الحكمة الإلهية سببان كليان :

أحدهما : توبة العبد إلى الله سبحانه أعم من رجوعه من الكفر إلى الإيمان أو رجوعه من المعصية إلى الطاعة على ما تقدم بيانه في الكلام على التوبة في الجزء الرابع من الكتاب ، قال تعالى : « (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ـ وهذه التوبة من الكفر الذي فيه وعيد العذاب الذي لا ينفع فيه ناصر شفيع ـ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) » : الزمر : ٥٥ وهذه هي التوبة من المعصية إلى الطاعة ، ولم ينف فيه نفع الشفاعة.

وقال تعالى : « إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً ، وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً » : النساء : ١٨.

وثانيهما : الشفاعة يوم القيامة قال تعالى : « وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ » : الزخرف : ٨٦ إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة المتعرضة لأمر الشفاعة ، وقد أشبعنا البحث فيها في الكلام على الشفاعة في الجزء الأول من الكتاب.

٣٦٢

ويوجد في القرآن الكريم موارد متفرقة يذكر فيها العفو من غير ذكر سببه وإن كان التدبر فيها يهدي إلى إجمال ما روعي فيها من المصلحة وهي مصلحة الدين كقوله تعالى : « وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ » : آل عمران : ١٥٢ ، وقوله تعالى : « أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ » : المجادلة : ١٣ وقوله تعالى :« لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ » : التوبة : ١١٧ وقوله تعالى : « وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ » : المائدة : ٧١ ، وقوله تعالى : « الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ » : المجادلة : ٣ ، وقوله تعالى : « (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ـ إلى أن قال ـ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) » : المائدة : ٩٥.

فهذه موارد متنوعة من العفو الإلهي وقد بينا خصوصية كل منها في الكلام على الآية المشتملة عليه من الكتاب فليراجع.

وليس من قبيل ما تقدم قوله تعالى : « عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ » : التوبة : ٤٣ فإنه دعاء نظير قولنا : غفر الله لك لم فعلت كذا وكذا ، ونظيره على الخلاف قوله تعالى « إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ » : المدثر : ١٩ وليس من ذاك القبيل أيضا قوله تعالى : « إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ، لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ » : الفتح : ٢ ، ويدل على ذلك جعل المغفرة غاية متفرعة على فتحه تعالى مكة لنبيه ولا رابطة بين مغفرة الذنب بمعنى الإثم وبين الفتح ، وسيجيء تمام الكلام في محله إن شاء الله.

٤ ـ للعفو مراتب : لما كان العفو والمغفرة يتعلق بالذنب الذي يستتبع نوعا من المجازاة والعقاب ، وللجزاء كما عرفت ـ عرض عريض ومراتب مختلفة متشتتة أتبعه العفو في اختلاف المراتب حسب اختلافه ، وليس الاختلاف الواقع في نفس الذنب أعني التبعة السيئة التي يستتبعها العمل ؛ فالاختلاف فيها مما لا سبيل إلى إنكاره ، والجزاء

٣٦٣

سواء كان عقابا أو ثوابا إنما يوزن بزنتها.

فمما لا محيص عنه في بحثنا هذا هو البحث عن الذنب واختلاف مراتبه ، والتأمل فيما يهدي إليه العقل الفطري فإن البحث وإن كان قرآنيا يراد به الحصول على ما يراه الكتاب الإلهي في هذه الحقائق غير أنه تعالى على ما بين في كلامه يكلمنا على قدر عقولنا وبالموازين الفطرية التي نزن بها الأشياء في مرحلتي النظر والعمل ، وقد مرت الإشارة إليه في موارد من الأبحاث الموضوعة في هذا الكتاب ، وقد استمد تعالى في موارد من بياناته بالعقل والفكر الإنساني ، وأيد به مقاصد كلامه فقال تعالى : (أَفَلا تَعْقِلُونَ). (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) ، وما في معناهما.

والذي يفيده الاعتبار الصحيح هو أن أول ما يتعلق به ويحترمه المجتمع الإنساني هو الأحكام العملية والسنن المحترمة التي تحفظ بالعمل بها والمداومة عليها مقاصده الإنسانية وتهديه إلى سعادته في الحياة ، ثم تضع أحكاما جزائية يجازى على طبقها المتخلف العاصي عن القوانين الاجتماعية ويثاب المطيع الممتثل.

وفي هذه المرحلة لا يسمى باسم الذنب إلا التخلف عن متون القوانين العملية ، وتحاذي الذنوب لا محالة في عددها عدد مواد الأحكام الاجتماعية ، وهذا هو المغروز المركوز في أذهاننا معاشر المسلمين أيضا من معنى لفظ الذنب والألفاظ التي تقارنه في المعنى كالسيئة والمعصية والإثم والخطيئة والحوب والفسق ونحوها.

لكن الأمر لا يقف على هذا الحد فإن الأحكام العملية إذا عمل بها وروقبت وتحفظ عليها ساق المجتمع إلى أخلاق وأوصاف مناسبة لها ملائمة لمقاصد المجتمع التي هي غاية اجتماعهم ، وهذه الأخلاق هي التي يسميها المجتمع بالفضائل الإنسانية ويحرص ويحرض عليها ، وتقابلها الرذائل.

وهي وإن كانت مختلفة باختلاف السنن والمقاصد في المجتمعات إلا أن أصل إنتاج الأحكام الاجتماعية لها مما لا سبيل إلى سدة وإعفائها عنه.

وهذه الأخلاق الفاضلة وإن كانت أوصافا روحية لا ضامن لإجرائها في مقام العمل في المجتمعات ، وكانت غير اختيارية بلا واسطة لكونها ملكات لكنها لكونها في تحققها تتبع تكرر العمل بالأحكام المقررة في المجتمع أو تكرر التخلف عن العمل كانت نفس

٣٦٤

العمل بالأحكام ضامنة لإجرائها وتعد اختيارية باختيارية مقدمتها وهي تكرر العمل ، وتتصور في مواردها أوامر عقلية متعلقه بالأخلاق الفاضلة كالشجاعة والعفة والعدالة ، ونواه عقلية تردع عن الأخلاق الرذيلة كالجبن والتهور والخمود والشره والظلم ، وكذا يتصور لها عقاب وثواب يسميان بالعقاب والثواب العقليين كالمدح والذم.

وبالجملة تتحقق بذلك مرتبة من مراتب الذنب فوق المرتبة السابق ذكرها ، وهي مرتبة التخلف عن الأحكام الخلقية والأوامر العقلية المتعلقة بها.

ولم تعد هذه الأوامر العقلية أوامر إلا من جهة التلازم بين الأعمال الواجبة التي تسوق إليها وبينها ، فهناك حاكم يحكم بالوجوب ويأمر به وهو العقل الإنساني ونظيره القول في تسمية النواهي ، العقلية نواهي وهذا دأبنا في جميع موارد التلازم فإذا فرضنا العمل بأحد المتلازمين لا نلبث دون أن نأمر بإتيان الآخر ووجوبه ، ونرى التخلف عن ذلك عصيانا لهذا الأمر العقلي ، وذنبا يستحق به نوع من المؤاخذة.

ويظهر من هنا أمر آخر وهو أن هذه الفضائل لما كانت مشتملة على واجبات لا محيص عن التلبس بها ـ ومثله اشتمال الرذائل على المحرمات ـ وعلى أمور مندوبة مستحبة هي كالزينة والهيأة الجميلة فيها ـ وهي الآداب الحسنة التي تتعلق بها أوامر عقلية استحسانية إلا أنها إذا فرضت ظرفا لأحد منا كان ما يلازمها من الآداب وهي مندوبة في نفسها ـ مأمورا به عقلا أمرا إيجابيا قضاء لحق الظرفية المفروضة ، مثال ذلك أن البدوي العائش عيشة العشائر البدوية لما كان ظرف حياته بعيدا من المستوي المتوسط في الحياة الحضرية لا يؤاخذ إلا بالضروريات من أحكام المجتمع والسنن العامة التي يناله عقله وفهمه ، وربما أتى بالوقيح من الأعمال أو الركيك من الأقوال فيغمض عنه الحضري معتذرا بقصور الفهم وبعد الدار من السواد الأعظم الذي تكرر مشاهدة الرسوم والآداب فيه أحسن معلم للناس القاطنين فيه.

ثم المتوسط من الناس الحضريين لا يؤاخذ بما يؤاخذ به الآحاد النوادر من المجتمع الذين هم أهل الفهم اللطيف والأدب الظريف ولا عذر فيما يقع من المتوسط من الناس من ترك دقائق الأدب وظرائف القول والفعل إلا أن فهمه على قدر ما يأتي به ، لا يشعر من لوازم الأدب بأزيد مما يأتي به وظرفه هو ظرفه.

٣٦٥

وما يأتي به مما لا ينبغي هو مما يؤاخذ به الأوحديون من الرجال فربما يؤاخذون بلحن خفي في كلام أو بتبطؤ يسير في حركة أو بتفويت آن غير محسوس في سكون أو التفات أو غمض عين ونحو ذلك فيعد ذلك كله ذنبا منهم ، وليس من الذنب بمعنى مخالفة المواد القانونية دينية كانت أو دنيوية ، وقد اشتهر بينهم : أن حسنات الأبرار سيئات المقربين.

وكلما دق المسلك ولطف المقام ظهرت هنالك خفايا من الذنوب كانت قبل تحقق هذا الظرف مغفولا عنها لا يحس بها الإنسان المكلف بالتكاليف ، ولا يؤاخذ بها ولي المؤاخذة والمحاسبة.

وينتهي ذلك ـ فيما يعطيه البحث الدقيق ـ إلى الأحكام الناشئة في ظرفي الحب والبغض فترى عين المبغض ـ وخاصة في حال الغضب ـ عامة الأعمال الحسنة سيئة مذمومة ، ويرى المحب إذا تاه في الغرام واستغرق في الوله أدنى غفلة قلبية عن محبوبه ذنبا عظيما وإن اهتم بعمل الجوارح بتمام أركانه ، وليس إلا أنه يرى أن قيمة أعماله في سبيل الحب على قدر توجه نفسه وانجذاب قلبه إلى محبوبه فإذا انقطع عنه بغفلة قلبية فقد أعرض عن المحبوب وانقطع عن ذكره وأبطل طهارة قلبه بذلك.

حتى أن الاشتغال بضروريات الحياة من أكل وشرب ونحوهما يعد عنده من الاجرام والعصيان نظرا إلى أن أصل الفعل وإن كان من الضروري الذي يضطر إليه الإنسان لكن كل واحد واحد من هذه الأفعال الاضطرارية من حيث أصله اختياري في نفسه ، والاشتغال به اشتغال بغير المحبوب وإعراض عنه اختيارا وهو من الذنب ، ولذلك نرى أهل الوله والغرام وكذا المحزون الكئيب ومن في عداد هؤلاء يستنكفون عن الاشتغال بأكل أو شرب أو نحوهما.

وعلى نحو من هذا القبيل ينبغي أن يحمل ما ربما يروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله : « إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله كل يوم سبعين مرة » ، وعليه يمكن أن يحمل بوجه قوله تعالى : « وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ » : المؤمن : ٥٥ وقوله : « فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً » : النصر : ٣.

وعليه يحمل ما حكى تعالى عن عدة من أنبيائه الكرام كقول نوح : « (رَبِّ اغْفِرْ لِي

٣٦٦

وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً) » : نوح : ٢٨ وقول إبراهيم : « رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ » : إبراهيم : ٤١ وقول موسى لنفسه وأخيه : « رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ » : الأعراف : ١٥١ وما حكى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ » : البقرة : ٢٨٥.

فإن الأنبياء عليهم‌السلام مع عصمتهم لا يتأتى أن تصدر عنهم المعصية ، ويقترفوا الذنب بمعنى مخالفة مادة من المواد الدينية التي هم المرسلون للدعوة إليها ، والقائمون قولا وفعلا بالتبليغ لها ، والمفترض طاعتهم من عند الله ، ولا معنى لافتراض طاعة من لا يؤمن وقوع المعصية منه ، تعالى الله عن ذلك.

وهكذا يحمل على هذا الباب ما حكي عن بعضهم عليه‌السلام من الاعتراف بالظلم ونحوه كقول ذي النون : « لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ » : الأنبياء : ٨٧ إذ كما يجوز عدهم بعض الأعمال المباحة الصادرة عنهم ذنبا لأنفسهم وطلب المغفرة من الله سبحانه ، كذلك يجوز عده ظلما من أنفسهم لأن كل ذنب ظلم.

وقد مر أن هنالك محملا آخر وهو أن يكون المراد بالظلم هو الظلم على النفس كما في قول آدم وزوجته : « رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ » : الأعراف : ٢٣.

وإياك أن تتوهم أن معنى قولنا في آية : إن لها محملا كذا ومحملا كذا هو تسليم أن ذلك من خلاف ظاهر الكلام ثم الاجتهاد في اختلاف معنى يحمل عليه الكلام ، وتطبق عليه الآيات القرآنية تحفظا على الآراء المذهبية ، واضطرارا من قبل التعصب.

وقد تقدم البحث الحر في عصمة الأنبياء عليهم‌السلام بالتدبر في الآيات أنفسها من غير اعتماد على المقدمات الغريبة الأجنبية في الجزء الثاني من الكتاب.

وقد بينا هناك وفي غيره أن ظاهر الكلام لا يقتصر في تشخيصه على الفهم العامي المتعلق بنفس الجملة المبحوث عنها بل للقرائن المقامية والكلامية المتصلة والمنفصلة ـ كالآية المتعرضة لمعنى آية أخرى ـ تأثير قاطع في الظواهر ، وخاصة في الكلام الإلهي الذي بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض ، ويصدق بعضه بعضا.

٣٦٧

والغفلة عن هذه النكتة هي التي أشاعت بين عدة من المفسرين وأهل الكلام إبداع التأويل بمعنى صرف الكلام إلى ما يخالف ظاهره ، وارتكابه في الآيات المخالفة لمذهبهم الخاص على زعمهم ؛ فتراهم يقطعون القرآن قطعا ثم يحملون كل قطعة منها على ما يفهمه العامي السوقي من كلام سوقي مثله فإذا سمعوه تعالى يقول : « (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) حملوه على أنه عليه‌السلام ـ وحاشاه ـ زعم أو أيقن أن الله سبحانه يعجز عن أخذه مع أن ما في الآية التالية : « وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ » يعده من المؤمنين ، ولا إيمان لمن شك في قدرة الله فضلا عن أن يرجح أو يقطع بعجزه.

وإذا سمعوه تعالى يقول : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) » تفهموا منه أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أذنب فغفر الله له كما يذنب الواحد منا بمخالفة أمر أو نهي مولوي من الله تنعقد بهما مسألة فرعية فقهية.

ولم يهدهم التدبر حتى بمقدار أن يرجعوا إلى سابقة الآية : « إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً » حتى ينجلي لهم أن هذا الذنب والمغفرة المتعلقة به لو كانا كالذنوب التي لنا والمغفرة التي تتعلق بها لم يكن وجه لتعليق المغفرة على فتح مكة تعليق الغاية على ذي الغاية ، وكذا لم يكن وجه لعطف ما عطف عليه أعني قوله : « وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً ، وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً » : الفتح : ٣.

وكذا إذا سمعوا سائر الآيات التي تشتمل على عثرات الأنبياء بزعمهم كالتي وردت في قصص آدم ونوح وإبراهيم ولوط ويعقوب ويوسف وداود وسليمان وأيوب ومحمد صلى الله عليه وآله وعليهم بادروا إلى الطعن في ساحة نزاهتهم ، ولم ينقبضوا عن إساءة الأدب إليهم وهم أنفسهم أولى بما رموا ولا شين كسوء الأدب.

فساقهم سوء الحظ ورداءة النظر إلى أن أبدلوا ربهم رب العالمين برب تنعته التوراة والأناجيل المحرفة قوة غيبية متجسدة تدير رحى الوجود كما يدير جبار من جبابرة الإنسان مملكته لا هم له إلا إشباع طاغية شهوته وغضبه فجهلوا مقام ربهم ثم سهوا عن مقام النبوة وعفوا مدارجهم العالية الشريفة الروحية ومقاماتهم السامية الحقيقية فعادت بذلك هاتيك النفوس الطاهرة المقدسة تماثل النفوس الرديئة الخسيسة التي ليس لها من شرف الإنسانية إلا التسمي باسمها ؛ تهلك من (١) هذا نفسه ، وتخون من ذاك عرضه ،

__________________

(١) راجع ما رووه في داود وسليمان وفي إبراهيم ولوط وغيرهم عليهم السلام.

٣٦٨

وتطمع من ذلك في ماله مع أنهم على ما لهم من الجهل لا يرضون بهذه الفضائح فيمن يتقلد أمرا من أمور دنياهم أو يتصدى يوما للقيام بمصلحة بيتهم وأهلهم فكيف يرضون بنسبة هذه الفضائح إلى الله سبحانه وهو العليم الحكيم الذي أرسل رسله إلى عباده لئلا يكون لهم حجة بعدهم؟ وليت شعري أي حجة تقوم على كافر أو فاسق إذا جاز للرسول أن يكفر أو يفجر أو يدعو إلى الشرك والوثنية ثم يتبرأ منه وينسبه إلى الشيطان؟.

وإذا ذكروا ببعض ما لأنبياء الله عليه‌السلام من العصمة الإلهية والمقامات الموهوبة والمواقف الروحية عدوا ذلك شركا بالله ، وغلوا في حق عباد الله ، وأخذوا في تلاوة قوله : « قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ».

وقد أصابوا في ردهم بوجه فإن ما يتصورونه من الرب عز اسمه وينعتونه بها من النعوت في ذاته وفعله دون ما يذكرون به من مقامات الأنبياء عليهم‌السلام وأخفض منها منزلة وقدرا ، وهذا كله من المصائب التي لقيتها الإسلام وأهله مما دسته أهل الكتاب وخاصة اليهود في الروايات وعملته أيديهم ، وحركوا بها الرحى على غير محوره ، واعتقدوا في الله سبحانه الذي ليس كمثله شيء أنه مثل الإنسان المتجبر الذي يرى لنفسه أنه حر غير مسئول فيما يفعل وهم المسئولون ، وأن ترتب المسببات على أسبابها واستيلاد المقدمات نتائجها ، واقتضاء الخصائص الوجودية صورية أو معنوية لآثارها كل ذلك جزافي لا لرابطة حقيقية.

وأن الله تعالى ختم بمحمد النبوة وأنزل عليه القرآن ، وخص موسى بالتكليم ، وعيسى بالتأييد بالروح لا لخصوصية في نفوسهم الشريفة بل لأنه أراد أن يخصهم بكذا وبكذا ، وأن ضرب موسى بعصاه الحجر فانفجرت كضرب أحدنا بعصاه الحجر غير أن الله يفجر ذاك ولا يفجر هذا ، وأن قول عيسى للموتى : قوموا بإذن الله مثل أن ينادي أحدنا بين المقابر : قوموا بإذن الله إلا أن الله يحيي أولئك ولا يحيي هؤلاء وهكذا.

وليس ذلك كله إلا قياسا لنظام التكوين إلى نظام التشريع الذي لا قوام له إلا الوضع والاصطلاح والتعاهد الذي لا يتجاوز ظرف الاجتماع سعة ، ولا يعدو دنيا الإنسان المجتمع.

٣٦٩

ولو أنهم تفطنوا قليلا وتدبروا في أطراف الآيات المتعرضة لأمر الذنب والمعصية بالمعنى المصطلح عليه ، وهي مخالفة الأمر والنهي المولويين تنبهوا إلى أن من المغفرة ما هو فوق المغفرة المعروفة.

فإن الله سبحانه يكرر في كلامه أن له عبادا يسميهم بالمخلصين مصونين عن المعصية لا مطمع فيهم للشيطان فلا ذنب ـ بالمعنى المعروف ـ لهم ولا حاجة إلى المغفرة المتعلقة بذلك الذنب ، وقد نص في حق عدة من أنبيائه كإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى أنهم مخلصون كقوله في إبراهيم وإسحاق ويعقوب : « إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ » : ص : ٤٦ ، وقوله في يوسف : « إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ » : يوسف : ٢٤ ، وقوله في موسى : « إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً » : مريم : ٥١ وقد حكى عنهم سؤال المغفرة كقول إبراهيم عليه‌السلام : « رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ » : إبراهيم : ٤١ وقول موسى عليه‌السلام : « رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ » : الأعراف : ١٥١ ولو كانت المغفرة لا يتعلق إلا بالذنب بالمعنى المعروف لم يستقم ذلك.

نعم ربما قال القائل : إنهم عليه‌السلام يعدون أنفسهم مذنبين تواضعا لله سبحانه ولا ذنب لهم لكن ينبغي لهذا القائل أن يتنبه إلى أنهم عليه‌السلام لم يخطئوا في نظرهم هذا ، ولم يجازفوا في قولهم فلشمول المغفرة لهم معنى صحيح والمسألة جدية.

على أن في دعاء إبراهيم عليه‌السلام : « رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ » دعاء لكافة المؤمنين ـ وفيهم المخلصون ـ بالمغفرة ، وكذا في دعاء نوح عليه‌السلام : « رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ » : نوح : ٢٨ شمول بإطلاقه للمخلصين ، ولا معنى لطلب المغفرة على من لا ذنب له يحتاج إلى المغفرة.

فهذا كله ينبهنا إلى أن من الذنب المتعلق به المغفرة ما هو غير الذنب بالمعنى المتعارف وكذا من المغفرة ما هي غير المغفرة بمعناها المتعارف ، وقد حكى الله تعالى عن إبراهيم قوله : « وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ » : الشعراء : ٨٢ ولعل هذا هو السبب فيما نشاهد أنه تعالى في موارد من كلامه إذا ذكر الرحمة أو الرحمة الأخروية التي هي الجنة قدم عليه ذكر المغفرة كقوله : « وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ » : المؤمنون : ١١٨ وقوله : « وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا » : البقرة : ٢٨٦ وقوله حكاية عن آدم وزوجته : « (وَإِنْ

٣٧٠

لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا) » : الأعراف : ٢٣ وقوله عن نوح عليه‌السلام : « وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي » : هود : ٤٧.

فتحصل من البيان السابق : أن للذنب مراتب مختلفة مترتبة طولا كما أن للمغفرة مراتب بحذائها ، تتعلق كل مرتبة من المغفرة بما يحاذيها من الذنب ، وليس من اللازم أن يكون كل ذنب وخطيئة متعلقا بأمر أو نهي مولوي فيعرفه ويتبينه الأفهام العامية الساذجة ، ولا أن يكون كل مغفرة متعلقة بهذا النوع من الذنب.

فالذي تبين لنا من مراتب الذنب والمغفرة بحسب البحث السابق العام مراتب أربع :

أولاها : الذنب المتعلق بالأمر والنهي المولويين وهو المخالفة لحكم شرعي فرعي أو أصلي وإن عممت التعبير قلت : مخالفة مادة من المواد القانونية دينية كانت أو غير دينية ، وتتعلق به مغفرة تحاذيه مرتبة.

والثانية : الذنب المتعلق بالحكم العقلي الخلقي والمغفرة المتعلقة به.

والثالثة : الذنب المتعلق بالحكم الأدبي ممن ظرف حياته ظرف الأدب والمغفرة المتعلقة به ، وهذان القسمان ربما لم يعدا بحسب الفهم العامي من الذنوب والمغفرات ، وربما حسبوهما منها مجازا ، وليس من المجاز في شيء لما عرفت من ترتب الآثار الحقيقية عليهما.

والرابعة : الذنب الذي يحكم به ذوق الحب والمغفرة المتعلقة به ، وفي ظرف البغض أيضا ما يشبههما ، وهذا النوع لا يعده الفهم العامي من الأقسام ، وقد أخطئوا في ذلك لا لجور منهم في الحكم والقضاء بل لقصور فهمهم عن تعقله وتبين معناه.

وربما قال القائل منهم : أنه من أوهام العشاق والمبرسمين أو تخيل شعري لا يتكئ على حقيقة عقلية ، وقد غفل عن أن هذه التصورات على أنها أوهام وتخيلات في طريق الحياة الاجتماعية هي بعينها تعود حقائق ـ وأي حقائق ـ في طريق العبودية عن حب إلهي يذيب القلب ويوله اللب ، ولا يدع للإنسان شعورا يشعر بغير ربه ، ولا إرادة يريد بها إلا ما يريده.

وحينئذ يلوح له أن التفاتة يسيرة منه إلى نفسه أو إلى مشتهاها من شيء ذنب عظيم وحجاب غليظ لا ترفعه إلا المغفرة الإلهية ، وقد عد الله سبحانه الذنب حجابا للقلب

٣٧١

عن التوجه التام إلى ربه إذ قال : « كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ » : المطففين : ١٥.

فهذا ما يعطيه البحث الجدي الذي لا يلعب فيه بالحقائق ، وربما أمكن أن يلوح لأولياء الله السالكين في عبوديتهم سبيل حبه تعالى دقائق من الذنب ولطائف من المغفرة لا تكاد تناله أيدي الأبحاث الكلية العامة.

٥ ـ هل المؤاخذة أو المغفرة تستلزم ذنبا؟ : الباحث في ديدن العقلاء من أهل الاجتماع يعثر على أنهم يبنون المؤاخذة والعقاب على التكليف الاختياري ، ومن شرائط صحته عندهم العقل ، وهناك شرائط أخر تختلف في أصلها وفي تحديد ماهياتها وحدودها المجتمعات ، ولسنا هاهنا بصدد البحث عنها.

وإنما كلامنا في العقل الذي هو قوة التمييز بين الحسن والقبح والنافع والضار والخير والشر بحسب المتوسط من حال الناس في مجتمعهم ، فإن الناس من حيث النظر الاجتماعي يرون أن في الإنسان مبدأ فعالا هذا شأنه وإن كان البحث العلمي ربما أدى إلى أنه ليست قوة من القوى الطبيعية المودعة في الإنسان كالمتخيلة والحافظة ، وإنما هي ملكة حاصلة من توافق عدة من القوى في الفعل كالعدالة.

فالمجتمعات على اختلافها ترى أن التكليف منوط بهذا المسمى عقلا فيتفرع الثواب والعقاب المتفرعين على التكليف عليه لا محالة فيثاب العاقل بطاعته ويعاقب بجرمه.

وأما غير العاقل كالصبي والمجنون والسفيه وكل مستضعف غيرهم فلا ثواب ولا عقاب على ما يأتون به من طاعة أو معصية بحقيقة معنى الثواب والعقاب ، وإن كانوا ربما يثابون قبال طاعتهم ثوابا تشويقيا أو يؤاخذون ويساسون قبال جرمهم بما يسمى عقابا تأديبا ، وهذا شائع دائر في المجتمعات حتى المجتمع الإسلامي.

وهؤلاء بالنظر إلى السعادة والشقاوة المكتسبتين بامتثال التكاليف ومخالفتها في الحياة الدنيا ، لا سعداء ولا أشقياء إذ لا تكليف لهم فلا ثواب حتى يسعدوا به ولا عقاب حتى يشقوا به ، وإن كانوا ربما يشوقون بخير أو يؤدبون بشر.

وأما بالنسبة إلى الحياة الآخرة التي يثبتها الدين الإلهي ثم يقسم الناس إلى قسمين

٣٧٢

لا ثالث لهما : السعيد والشقي أو المثاب والمعاقب فالذي يذكره القرآن الشريف في ذلك أمر إجمالي لا يتبين تفصيله إذ لا طريق عقلا إلى تشخيص تفاصيل أحوالهم بعد الدنيا ، قال تعالى : « وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ » : التوبة : ١٠٦ ، وقال تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً ، إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ، فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً » : النساء : ٩٩.

والآيات ـ كما ترى ـ تشتمل على العفو عنهم والتوبة عليهم ولا مغفرة في مورد لا ذنب هناك ، وعلى عذابهم ولا عذاب على من لا تكليف له ، غير أنك عرفت أن الذنب وكذا المغفرة والعقاب والثواب ذوات مراتب مختلفة : منها ما يتعلق بمخالفة التكليف المولوي أو العقلي ، ومنها ما يتعلق بالهيئات النفسانية الرديئة وأدران القلب التي تحجب الإنسان عن ربه ، وهؤلاء وإن كانوا في معزل من تعلق التكليف المتوقف على العقل لكنهم ليسوا بمصونين من ألواث النفوس وأستار القلوب التي يحتاج التنعم بنعيم القرب ، والحضور في ساحة القدس إلى إزالتها وعفوها والستر عليها ومغفرتها.

ولعل هذا هو المراد مما ورد في بعض الروايات : « أن الله سبحانه يحشرهم ـ ثم يخلق نارا ويأمرهم بدخولها فمن دخلها دخل الجنة ـ ومن أبى أن يدخلها دخل النار » وسيجيء ما يتعلق بالروايات من الكلام في تفسير سورة التوبة إن شاء الله ، وقد مر بعض الكلام في سورة النساء.

ومن استعمال العفو والمغفرة في غير مورد الذنب في كلامه تعالى ما تكرر وقوعه في مورد رفع الحكم بقوله تعالى : « فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » : المائدة : ٣ ، ونظيره ما في سورة الأنعام ، وقوله تعالى في رفع الوضوء عن فاقد الماء : « (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ ـ إلى أن قال ـ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) » : النساء : ٤٣ ، وقوله في حد المفسدين في الأرض : « إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » : المائدة : ٣٤ ، وقوله في رفع حكم الجهاد عن المعذورين : « (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ

٣٧٣

مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) » : التوبة : ٩١ ، إلى غير ذلك.

وقال تعالى في البلايا والمصائب التي تصيب الناس : « وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ » : الشورى : ٣٠.

وينكشف بذلك أن صفة العفو والمغفرة منه تعالى كصفتي الرحمة والهداية تتعلق بالأمور التكوينية والتشريعية جميعا فهو تعالى يعفو عن الذنوب والمعاصي فيمحوها من صحيفة الأعمال ، ويعفو عن الحكم الذي له مقتض يقتضي وضعه فيمحوه فلا يشرعه ، ويعفو عن البلايا والمصائب وأسبابها قائمة فيمحوها فلا تصيب الإنسان.

٦ ـ رابطة العمل والجزاء : قد عرفنا فيما تقدم من البحث أن الأوامر والنواهي العقلائية ـ القوانين الدائرة بينهم ـ تستعقب آثارا جميلة حسنة على امتثالها وهي الثواب ، وآثارا سيئة على مخالفتها والتمرد منها تسمى عقابا ، وأن ذلك كالحيلة يحتالون بها إلى العمل بها ، فجعلهم الجزاء الحسن للامتثال إنما هو ليكون مشوقا للعامل ، والجزاء السيئ على المخالفة ليكون العامل على خوف وحذر من التمرد.

ومن هنا يظهر أن الرابطة بين العمل والجزاء رابطة جعلية وضعية من المجتمع أو من ولي الأمر ، دعاهم إلى هذا الجعل حاجتهم الشديدة إلى العمل ليستفيدوا منه ويرفعوا به الحاجة ويسدوا به الخلة ، ولذلك تراهم إذا استغنوا وارتفعت حاجتهم إلى العمل ساهلوا في الوفاء على ما تعهدوا به من ثواب وعقاب.

ولذلك أيضا ترى الجزاء يختلف كثرة وقلة والأجر يتفاوت شدة وضعفا باختلاف الحاجة إلى العمل فكلما زادت الحاجة زاد الأجر وكلما نقصت نقص ؛ فالأمر والمأمور والمكلف والمكلف بمنزلة البائع والمشتري كل منهما يعطي شيئا ويأخذ شيئا.

والأجر والثواب بمنزلة الثمن ، والعقاب بمنزلة الدرك على من أتلف شيئا فضمن قيمته واستقرت في ذمته.

وبالجملة فهو أمر وضعي اعتباري نظير سائر العناوين والأحكام والموازين الاجتماعية التي يدور عليها رحى الاجتماع الإنساني كالرئاسة والمرئوسية والأمر والنهي والطاعة والمعصية والوجوب والحرمة والملك والمال والبيع والشراء وغير ذلك ، وإنما الحقائق

٣٧٤

هي الموجودات الخارجية والحوادث المكتنفة بها التي لا تختلف حالها بغنى وفقر وعز وذل ومدح وذم كالأرض وما يخرج منها والموت والحياة والصحة والمرض والجوع والشبع والظمأ والري.

فهذا ما عند العقلاء من أهل الاجتماع ، والله سبحانه جارانا في كلامه مجاراة بعضنا بعضا فقلب سعادتنا التي يهدينا إليها بدينه في قالب السنن الاجتماعية فأمر ونهى ورغب وحذر ، وبشر وأنذر ، ووعد بالثواب وأوعد بالعقاب فصرنا نتلقى الدين على أسهل الوجوه التي نتلقى بها السنن والقوانين الاجتماعية ، قال تعالى : « وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً » : النور : ٢١.

ولم يهمل سبحانه أمر تعليم النفوس المستعدة لإدراك الحقائق فأشار في آيات من كلامه إلى أن وراء هذه المعارف الدينية التي تشتمل عليها ظواهر الكتاب والسنة أمرا هو أعظم ، وسرا هو أنفس وأبهى فقال تعالى : « وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ » : العنكبوت : ٦٤.

فعد الحياة الدنيا لعبا لا بنية له إلا الخيال ، ولا شأن له إلا أن يشغل الإنسان عما يهمه ، وهي الدار الآخرة وسعادة الإنسان الدائمة التي لها حقيقة الحياة ، والمراد بالحياة الدنيا إن كان هو عين ما نسميه حياة دون ما يلحق بها من الشئون الحيوية من مال وجاه وملك وعزة وكرامة ونحوها فكونها لعبا ولهوا مع ما نراها من الحقائق يستلزم كون الشئون الحيوية لعبا ولهوا بطريق أولى ، وإن كان المراد الحياة الدنيوية بجميع لواحقها فالأمر أوضح.

فهذه السنن الاجتماعية والمقاصد التي يطلب بها من عز وجاه ومال وغيرها ، ثم الذي يشتمل عليه التعليم الديني من مواد ومقاصد هدانا الله سبحانه إليها بالفطرة ثم بالرسالة مثلها كمثل اللعب الذي يضعه الولي المربي العاقل للطفل الصغير الذي لا يميز صلاحه من فساده وخيره من شره ثم يجاريه فيه ليروض بدنه ويروح ذهنه ويهيئه لنظام العمل وابتغاء الفوز به ، فالذي يقع من العمل اللعبي هو من الصبي لعب جميل يهديه إلى حد العمل ، ومن الولي حكمة وعمل جدي ليس من اللعب في شيء.

وقال تعالى : « (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ، ما خَلَقْناهُما

٣٧٥

إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) » : الدخان : ٣٩ والآية قريبة المضمون من الآية السابقة.

ثم شرح تعالى كيفية تأدية هذه التربية الصورية إلى مقاصدها المعنوية في مثل عام ضربه للناس فقال : « أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ » : الرعد : ١٧.

فظهر من بيانه تعالى أن بين العمل والجزاء رابطة حقيقية وراء الرابطة الوضعية الاعتبارية التي بينهما عند أهل الاجتماع ويجري عليها ظاهر تعليمه تعالى.

٧ ـ والعمل يؤدي الرابطة إلى النفس : ثم بين تعالى أن العمل يؤدي هذه الرابطة إلى النفس من جهة الهيأة النفسانية التي تحصل لها من العمل والحالة التي تؤديها إليها فقال تعالى : « وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ » : البقرة : ٢٢٥ ، وقال :« وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ » : البقرة : ٢٨٤ وفي هذا المعنى آيات أخر كثيرة.

ويتبين بها أن جميع الآثار المترتبة على الأعمال من ثواب أو عقاب إنما تترتب بالحقيقة على ما تكسبه النفوس من طريق الأعمال ، وأن ليس للأعمال إلا الوساطة.

ثم بين تعالى أن الذي سيواجههم من الجزاء على الأعمال إنما هو نفس الأعمال بحسب الحقيقة لا كما يضع الإنسان في مجتمعة عملا ثم يردفه بجزاء بل العمل محفوظ عند الله سبحانه بانحفاظ النفس العاملة ثم يظهره الله عليها يوم تبلى السرائر قال الله تعالى : « يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً » : آل عمران : ٣٠ وقال تعالى : « لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » : التحريم : ٧ ودلالة الآيات ظاهرة ، وتلحق بها في ذلك آيات أخر كثيرة.

ومن أحسنها دلالة قوله تعالى : « لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ » : ق : ٢٢ فإن هذا إشارة إلى مقام الجزاء الحاضر ، وقد عده غافلا عنه في الدنيا بقرينة قوله : « الْيَوْمَ » ولا معنى للغفلة إلا عن أمر موجود ، ثم

٣٧٦

ذكر كشف غطائه عنه ، ولا وجه للغطاء إلا أن يكون هناك مغطى عليه ، فقد كان ما يلقاه ويبصره من الجزاء يوم القيامة حاضرا موجودا في الدنيا غير أنه لم يكشف عنه.

وهذه الآيات تفسر الآيات الأخر الظاهرة في المجازاة وبينونة العمل والجزاء لكون آيات المجازاة ناظرة إلى مرحلة الرابطة الاجتماعية الوضعية ، وهذه الآيات ناظرة إلى مرحلة الرابطة الحقيقية كما بيناه ، وقد تعرضنا لهذا البحث بعض التعرض في تفسير قوله تعالى : « خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ » : البقرة : ٧ في الجزء الأول من الكتاب فليراجعه من شاء. والله الهادي.

(تم والحمد لله).

٣٧٧
٣٧٨

الفهرس

٣٧٩

رقم الآيات

موضوع البحث

نوع البحث

رقم الصفحة

سورة المائدة

(٦٨ ـ ٨٦)

كلام في معنى التوحيد في القرآن  

(بحث قرآني)

٨٦

(٦٨ ـ ٨٦)

أيضا فيه       

(بحث روائي)

٩١

(٦٨ ـ ٨٦)

أيضا فيه       

(بحث تاريخي)

١٠٣

(١٠٥) 

عرفان النفس في تسعة فصول     

علمي وتاريخي

١٧٨

(١٠٦ ـ ١٠٩)

في معنى الشهادة         

(بحث قرآني)

٢٠٣

(١٠٦ ـ ١٠٩)

في معنى العدالة

(بحث قرآني)

٢٠٤

(١٠٦ ـ ١٠٩)

في اليمين

(بحث قرآني)

٢٠٨

(١١٦ ـ ١٢٠)

في الأدب في فصول :

(بحث قرآني)

٢٥٦

(١١٦ ـ ١٢٠)

١ ـ معنى الأدب

(بحث قرآني)

٢٥٦

(١١٦ ـ ١٢٠)

٢ ـ اختلاف الآداب

(بحث قرآني)

٢٥٧

(١١٦ ـ ١٢٠)

٣ ـ معنى الأدب الإلهي

(بحث قرآني)

٢٥٧

(١١٦ ـ ١٢٠)

٤ ـ الأدب انما ينتج مع العمل

(بحث قرآني)

٢٥٨

(١١٦ ـ ١٢٠)

٥ ـ أدب النبوة العام اجمالا

(بحث قرآني)

٢٦٠

(١١٦ ـ ١٢٠)

٦ ـ أدب الأنبياء المحكي في القرآن تفصيلا

(بحث قرآني)

٢٦٤

(١١٦ ـ ١٢٠)

٧ ـ أدبهم مع ربهم بين الناس

(بحث قرآني)

٢٩٥

(١١٦ ـ ١٢٠)

٨ ـ أدب الأنبياء مع الناس

(بحث قرآني)

٢٩٧

(١١٦ ـ ١٢٠)

في سنن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآدابه خاصة

(بحث روائي)

٣٠٢

(١١٦ ـ ١٢٠)

كلام في الرق والاستعباد في فصول :

تاريخي واجتماعي

٣٣٨

(١١٦ ـ ١٢٠)

١ ـ اعتبار العبودية لله سبحانه

(بحث تاريخي)

٣٣٩

(١١٦ ـ ١٢٠)

٢ ـ استعباد الانسان أسبابه

تاريخي واجتماعي

٣٤١

(١١٦ ـ ١٢٠)

٣ ـ نشوء الاستعباد في التاريخ

تاريخي واجتماعي

٣٤٣

(١١٦ ـ ١٢٠)

٤ ـ ما الذي يراه الاسلام في ذلك؟

تاريخي واجتماعي

٣٤٣

(١١٦ ـ ١٢٠)

٥ ـ ما هو السبيل إلى الاستعباد في الاسلام

تاريخي واجتماعي

٣٤٦

٣٨٠