الميزان في تفسير القرآن - ج ٦

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي

الميزان في تفسير القرآن - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨١

وهذا هو الذي دعا أنبياء الحق إلى صراحة القول وصدق اللهجة وإن كان ذلك في بعض الموارد مما لا يرتضيه سنة المداهنة والتساهل والأدب الكاذب الدائر في المجتمعات غير الدينية.

ومن أدبهم مع الناس في معاشرتهم وسيرتهم فيهم احترام الضعفاء والأقوياء على حد سواء والإكثار والمبالغة في حق أهل العلم والتقوى منهم فإنهم لما بنوا على أساس العبودية وتربية النفس الإنسانية تفرع عليه تسوية الحكم في الغني والفقير والصغير والكبير والرجل والمرأة والمولى والعبد والحاكم والمحكوم والأمير والمأمور والسلطان والرعية ، وعند ذلك لغا تمايز الصفات ، واختصاص الأقوياء بمزايا اجتماعية ، وبطل تقسم الوجدان والفقدان والحرمان والتنعم والسعادة والشقاء بين صفتي الغنى والفقر والقوة والضعف ، وأن للقوي والغني من كل مكانة أعلاها ، ومن كل عيشة أنعمها ، ومن كل مجاهدة أروحها وأسهلها ، ومن كل وظيفة أخفها بل كان الناس في ذلك شرعا سواء ، قال : « يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ » : الحجرات : ١٣ وتبدل استكبار الأقوياء بقوتهم ومباهاة الأغنياء بغنيتهم تواضعا للحق ومسارعة إلى المغفرة والرحمة ، وتسابقا في الخيرات وجهادا في سبيل الله وابتغاء لمرضاته.

واحترم حينئذ للفقراء كما للأغنياء ، وتؤدب مع الضعفاء كما مع الأغنياء بل اختص هؤلاء بمزيد شفقة ورأفة ورحمة ، قال تعالى يؤدب نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً » : الكهف : ٢٨ وقال تعالى : « وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ » : الأنعام : ٥٢ ، وقال : « لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ » : الحجر : ٨٩.

ويشتمل على هذا الأدب الجميل ما حكاه الله من محاورة بين نوح عليه‌السلام وقومه إذ قال : « (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ ، قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ

٣٠١

لَها كارِهُونَ ، وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ـ أي في تحقيركم أمر الفقير الضعيف ـ وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ، وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ ـ أي لا أدعي شيئا يميزني منكم بمزية إلا أني رسول إليكم ـ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ ـ أي من الخير والسعادة اللذين يرجيان منهم ـ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) » : هود : ٣١.

ونظيره في نفي التمييز قول شعيب لقومه على ما حكاه الله : « وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ » : هود : ٨٨ ، وقال الله تعالى يعرف رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله للناس : « لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ » : التوبة : ١٢٨ وقال أيضا : « وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ » : التوبة : ٦١ وقال أيضا : « وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » : القلم : ٤ وقال أيضا وفيه جماع ما تقدم : « وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ » : الأنبياء : ١٠٧.

وهذه الآيات وإن كانت بحسب المعنى المطابقي ناظرة إلى أخلاقه صلى‌الله‌عليه‌وآله الحسنة دون أدبه الذي هو أمر وراء الخلق إلا أن نوع الأدب ـ كما تقدم بيانه ـ يستفاد من نوع الخلق ، على أن نفس الأدب من الأخلاق الفرعية.

(بحث روائي آخر)

الآيات القرآنية التي يستفاد منها خلقه صلى‌الله‌عليه‌وآله الكريم وأدبه الجميل أكثرها واردة في صورة الأمر والنهي ، ولذلك رأينا أن نورد في هذا المقام روايات من سننه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها مجامع أخلاقه التي تلوح إلى أدبه الإلهي الجميل ، وهي مع ذلك متأيدة بالآيات الشريفة القرآنية.

١ ـ في معاني الأخبار ، بطريق عن أبي هالة التميمي عن الحسن بن علي عليه‌السلام وبطريق آخر عن الرضا عن آبائه عن علي بن الحسين عن الحسن بن علي عليه‌السلام ،

٣٠٢

وبطريق آخر عن رجل من ولد أبي هالة عن الحسن بن علي عليه‌السلام :

قال : سألت خالي هند بن أبي هالة ، وكان وصافا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا أشتهي أن يصف لي منه شيئا لعلي أتعلق به ـ فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخما مفخما ـ يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع وأقصر من المشذب ، عظيم الهامة ، رجل الشعر ، إن تفرقت عقيقته فرق ـ وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفرة ، أزهر اللون ، واسع الجبين ، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن ، بينهما عرق يدره الغضب ـ له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم ، كث اللحية ، سهل الخدين ، ضليع الفم ، مفلج ، أشنب ، مفلج الأسنان ، دقيق المشربة ، كان عنقه جيد دمية في صفاء الفضة ، معتدل الخلق ، بادنا متماسكا ، سواء البطن والصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس ، عريض الصدر ، أنور المتجرد ، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط ، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك ، أشعر الذراعين والمنكبين وأعلى الصدر ، طويل الزندين ، رحب الراحة ، شثن الكفين والقدمين ، سائل الأطراف ، سبط القصب ، خمصان الأخمصين ، فسيح القدمين ينبو عنهما الماء ، إذا زال زال قلعا ، يخطو تكفؤا ، ويمشي هونا ، ذريع المشية ، إذا مشى كأنما ينحط في صبب ، وإذا التفت التفت جميعا ، خافض الطرف ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جل نظره الملاحظة يبدر من لقيه بالسلام.

قال : فقلت له : صف لي منطقه ، فقال : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله متواصل الأحزان ، دائم الفكر ليس له راحة ، طويل الصمت لا يتكلم في غير حاجة ، يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه ، يتكلم بجوامع الكلم فصلا لا فضول فيه ولا تقصير ، دمثا ليس بالجافي ولا بالمهين ، يعظم عنده النعمة وإن دقت ، لا يذم منها شيئا غير أنه كان لا يذم ذواقا ولا يمدحه ، ولا تغضيه الدنيا وما كان لها ، فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ، إذا أشار أشار بكفه كلها ، وإذا تعجب قلبها ، وإذا تحدث اتصل بها ـ فضرب راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى ، وإذا غضب أعرض وانشاح ، وإذا غضب غض طرفه جل ضحكه التبسم ، يفتر عن مثل حب الغمام.

قال الصدوق : إلى هنا رواية القاسم بن المنيع عن إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد ، والباقي رواية عبد الرحمن إلى آخره :

قال الحسن عليه‌السلام : فكتمتها الحسين عليه‌السلام زمانا ـ ثم حدثته به فوجدته قد سبقني

٣٠٣

إليه ـ فسألته عنه فوجدته قد سأل أباه عليه‌السلام ـ عن مدخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومخرجه ومجلسه وشكله ـ فلم يدع منه شيئا.

قال الحسين عليه‌السلام قد سألت أبي عليه‌السلام عن مدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فقال : كان دخوله في نفسه مأذونا له في ذلك ، فإذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء : جزء لله ، وجزء لأهله ، وجزء لنفسه ، ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس ـ فيرد ذلك بالخاصة على العامة ، ولا يدخر عنهم منه شيئا.

وكان من سيرته صلى‌الله‌عليه‌وآله في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بأدبه ، وقسمه على قدر فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ، ومنهم ذو الحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ، ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم ، وبإخبارهم بالذي ينبغي ، ويقول : ليبلغ الشاهد منكم الغائب ، وأبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته ـ فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يقدر على إبلاغها ـ ثبت الله قدميه يوم القيامة ، لا يذكر عنده إلا ذلك ، ولا يقبل من أحد غيره ، يدخلون روادا ، ولا يفترقون إلا عن ذواق ويخرجون أدلة.

وسألته عن مخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف كان يصنع فيه؟ فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخزن لسانه إلا عما كان يعنيه ، ويؤلفهم ولا ينفرهم ، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ، ويحذر الناس ويحترس منهم ـ من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه ، ويتفقد أصحابه ، ويسأل الناس عن الناس ، ويحسن الحسن ويقويه ، ويقبح القبيح ويوهنه ، معتدل الأمر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا ويميلوا ، ولا يقصر عن الحق ولا يجوزه ، الذين يلونه من الناس خيارهم ، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة للمسلمين ، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة وموازرة.

قال عليه‌السلام فسألته عن مجلسه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : كان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر ، لا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها ـ وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ـ ويأمر بذلك ، ويعطي كل جلسائه نصيبه ، ولا يحسب أحد من جلسائه أن أحدا أكرم عليه منه ، من جالسه صابره حتى يكون هو المنصرف ، من سأله حاجة لم يرجع إلا بها أو بميسور من القول ، قد وسع الناس منه خلقه فصار لهم أبا ، وكانوا عنده في

٣٠٤

الحق سواء ، مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة ، ولا ترفع فيه الأصوات ، ولا يؤبن فيه الحرم ، ولا تثنى فلتاته ، متعادلين ، متواصلين فيه بالتقوى ، متواضعين ، يوقرون الكبير ، ويرحمون الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ، ويحفظون الغريب.

فقلت : كيف كانت سيرته صلى‌الله‌عليه‌وآله في جلسائه؟ فقال عليه‌السلام : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ولا غليظ ـ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ، ولا مداح ، يتغافل عما لا يشتهي ، فلا يؤيس منه ولا يخيب منه مؤمليه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء والإكثار وما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ولا يعيره ، ولا يطلب عثراته ولا عورته ، ولا يتكلم إلا فيما رجى ثوابه ، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأن على رءوسهم الطير ، فإذا سكت تكلموا ، ولا يتنازعون عنده الحديث ، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ ، حديثهم عنده حديث أوليتهم ، يضحك مما يضحكون منه ، ويتعجب مما يتعجبون منه ، ويصبر للغريب على الجفوة في مسألته ومنطقه ـ حتى إن كان أصحابه يستجلبونهم ، ويقول : إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه ، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ ، ولا يقطع على أحد كلامه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام.

قال : فسألته عن سكوت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فقال عليه‌السلام كان سكوته صلى‌الله‌عليه‌وآله على أربع : على الحلم والحذر والتقدير والتفكير : فأما التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس ، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى ، وجمع له الحلم والصبر فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه ، وجمع له الحذر في أربع : أخذه بالحسن ليقتدي به ، وتركه القبيح لينتهي عنه ، واجتهاده الرأي في صلاح أمته ، والقيام فيما جمع له خير الدنيا والآخرة :.

أقول : ورواه في مكارم الأخلاق نقلا من كتاب محمد بن إسحاق بن إبراهيم الطالقاني بروايته عن ثقاته عن الحسن والحسين عليه‌السلام ؛ قال في البحار : والرواية من الأخبار المشهورة روته العامة في أكثر كتبهم ، انتهى.

وقد روي في معناها أو معنى بعض أجزائها روايات كثيرة عن الصحابة.

قوله : « المربوع » الذي بين الطويل والقصير ، والمشذب الطويل الذي لا كثير

٣٠٥

لحم على بدنه ، ورجل الشعر من باب علم فهو رجل بالفتح والسكون أي كان بين السبط والجعد ، والعقيقة الخصلة السبطة من الشعر ، وأزهر اللون أي لونه مشرق صاف ، والأزج من الحاجب ما رق وطال ، والسوابغ من الحاجب هي الواسعة ، والقرن بفتحتين اقتران ما بينها ، والشمم ارتفاع قصبة الأنف مع حسن واستواء ، وكث اللحية المجتمع شعرها إذا كثف من غير طول ، وسهل الخد مستوية من غير لحم كثير ، وضليع الفم أي وسيعه ويعد في الرجال من المحاسن ، والمفلج من الفلجة بفتحتين إذا تباعد ما بين قدميه أو يديه أو أسنانه ، والأشنب أبيض الأسنان.

والمشربة الشعر وسط الصدر إلى البطن ، والدمية بالضم الغزال ، والمنكب مجتمع رأس الكتف والعضد ، والكراديس جمع كردوس وهو العظمان إذا التقيا في مفصل ، وأنور المتجرد كان المتجرد اسم فاعل من التجرد وهو التعري من لباس ونحوه ، والمراد أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان جميل الظاهر حسن الخلقة في بدنه إذا تجرد عن اللباس.

واللبة بالضم فالتشديد موضع القلادة من الصدر والسرة معروفة ، والزند موصل الذراع من الكف ، ورحب الراحة أي وسيعها ، والشثن بفتحتين الغلظ في القدمين والكفين ، وسبط القصب أي سهل العظام مسترسلها من غير نتو ، أخمص القدم ، الموضع الذي لا يصل الأرض منها ، والخمصان ضامر البطن فخمصان الأخمصين أي كونهما ذا نتو وارتفاع بالغ من الأرض ، والفسحة هي الوسعة ، والقلع بفتحتين القوة في المشي.

والتكفؤ في المشي الميد والتمايل فيه ، وذريع المشية أي السريع فيها ، والصبب ما انحدر من الطريق أو الأرض ، وخافض الطرف تفسيره ما بعده من قوله : « نظره إلى الأرض » « إلخ ».

والأشداق جمع شدق ـ بالكسر فالسكون ـ وهو زاوية الفم من باطن الخدين ، وافتتاح الكلام واختتامه بالأشداق كناية عن الفصاحة ، يقال : تشدق أي لوى شدقه للتفصح ، والدمث من الدماثة وتفسيره ما بعده وهو قوله : « ليس بالجافي ولا بالمهين » والذواق بالفتح ما يذاق من طعام ، وانشاح من النشوح أي أعرض ، ويفتر عن مثل حب الغمام افتر الرجل افترارا أي ضحك ضحكا حسنا ، وحب الغمام البرد ، والمراد أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يضحك ضحكا حسنا يبدو به أسنانه.

٣٠٦

وقوله : « فيرد ذلك بالخاصة على العامة » « إلخ » ، المراد أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن كان في جزئه الذي لنفسه خلا بنفسه عن الناس لكنه لا ينقطع عنهم بالكلية بل يرتبط بواسطة خاصته بالناس فيجيبهم في مسائلهم ويقضي حوائجهم ، ولا يدخر عنهم من جزء نفسه شيئا ، والرواد جمع رائد وهو الذي يتقدم القوم أو القافلة يطلب لهم مرعى أو منزلا ونحو ذلك.

وقوله : « لا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها » المراد بها المجالس أي لا يعين لنفسه مجلسا خاصا بين الجلساء حذرا من التصدر والتقدم فقوله : « وإذا انتهى » « إلخ » ، كالمفسر له ، ولا تؤبن فيه الحرم أي لا تعاب عنده حرمات الناس ، والأبنة بالضم العيب ، والحرم بالضم فالفتح جمع حرمة.

وقوله : « ولا تثنى فلتاته » من التثنية بمعنى التكرار ، والفلتات جمع فلتة وهي العثرة أي إذا وقعت فيه فلتة من أحد جلسائه بينها لهم فراقبوا للتحذر من الوقوع فيها ثانيا ، والبشر بالكسر فالسكون بشاشة الوجه ، والصخاب الشديد الصياح.

وقوله : « حديثهم عنده حديث أوليتهم » الأولية جمع ولي ، وكان المراد به التالي التابع والمعنى أنهم كانوا يتكلمون واحدا بعد آخر بالتناوب من غير أن يداخل أحدهم كلام الآخر أو يتوسطه أو يشاغبوا فيه ، وقوله : « حتى إن كان أصحابه يستجلبونهم » أي يريدون جلبهم عنه وتخليصه منهم.

وقوله : « ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ » أي في مقابل نعمة أنعمها على أحدهم وهو الشكر الممدوح من كافأه بمعنى جازاه ، أو من المكافاة بمعنى المساواة أي ممن يثني بما يستحقه من الثناء على ما أنعم به من غير إطراء وإغراق ، وقوله : « ولا يقطع على أحد كلامه حتى يجوز » أي يتعدى عن الحق فيقطعه حينئذ بنهي أو قيام ، والاستفزاز الاستخفاف والإزعاج.

٢ ـ وفي الإحياء ، : : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله أفصح الناس منطقا وأحلاهم ـ إلى أن قال ـ وكان يتكلم بجوامع الكلم لا فضول ولا تقصير ـ كأنه يتبع بعضه بعضا ، بين كلامه توقف يحفظه سامعه ويعيه ، كان جهير الصوت أحسن الناس نغمة.

٣ ـ وفي التهذيب ، بإسناده عن إسحاق بن جعفر عن أخيه موسى عن آبائه عن

٣٠٧

علي عليه‌السلام قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : بعثت بمكارم الأخلاق ومحاسنها.

٤ ـ وفي مكارم الأخلاق ، عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أشد حياء من العذراء في خدرها ، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه.

٥ ـ وفي الكافي ، بإسناده عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام ـ يذكر أنه أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ملك فقال : إن الله يخيرك ـ أن تكون عبدا رسولا متواضعا أو ملكا رسولا.

قال : فنظر إلى جبرئيل وأومأ بيده أن تواضع ـ فقال : عبدا رسولا متواضعا ، فقال الرسول : مع أنه لا ينقصك مما عند ربك شيئا ، قال : ومعه مفاتيح خزائن الأرض.

٦ ـ وفي نهج البلاغة ، قال عليه‌السلام : فتأس بنبيك الأطهر الأطيب ـ إلى أن قال ـ قضم الدنيا ، قضما ـ ولم يعرها طرفا ، أهضم أهل الدنيا كشحا ، وأخمصهم من الدنيا بطنا ، عرضت عليه الدنيا عرضا فأبى أن يقبلها ، وعلم أن الله سبحانه أبغض شيئا فأبغضه ، وصغر شيئا فصغره ، ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض الله ـ وتعظيمنا لما صغر الله ـ لكفى به شقاقا لله ومحادة عن أمر الله ، ولقد كان رسول الله يأكل على الأرض ـ ويجلس جلسة العبد ، ويخصف بيده نعله ، ويركب الحمار العاري ويردف خلفه ، ويكون الستر على باب بيته ـ فيكون عليه التصاوير فيقول : يا فلانة ـ لإحدى أزواجه ـ غيبيه عني ـ فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها ، فأعرض عن الدنيا بقلبه ، وأمات ذكرها عن نفسه ، وأحب أن يغيب زينتها عن عينه ـ لكيلا يتخذ منها رياشا ، ولا يعتقدها قرارا ، ولا يرجو فيها مقاما ، فأخرجها من النفس ، وأشخصها عن القلب ، وغيبها عن البصر ، وكذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه ـ وأن يذكر عنده.

٧ ـ وفي الإحتجاج ، عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسن بن علي عن أبيه علي عليه‌السلام في خبر طويل : وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يبكي ـ حتى يبتل مصلاه خشية من الله عز وجل من غير جرم، الحديث.

٨ ـ وفي المناقب ، : وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يبكي حتى يغشى عليه فقيل له : أليس قد غفر

٣٠٨

الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : أفلا أكون عبدا شكورا؟ وكذلك كان غشيات علي بن أبي طالب وصيه في مقاماته.

أقول : بناء سؤال السائل على تقدير كون الغرض من العبادة هو الأمن من العذاب وقد ورد : أنه عبادة العبيد ، وبناء جوابه صلى‌الله‌عليه‌وآله على كون الداعي هو الشكر لله سبحانه ، وهو عبادة الكرام ، وهو قسم آخر من أقسام العبادة ، وقد ورد في المأثور عن أئمة أهل البيت عليه‌السلام : أن من العبادة ما تكون خوفا من العقاب وهو عبادة العبيد ، ومنها ما تكون طمعا في الثواب وهو عبادة التجار ، ومنها ما تكون شكرا لله سبحانه ، وفي بعض الروايات حبا لله تعالى ، وفي بعضها لأنه أهل له.

وقد استقصينا البحث في معنى الروايات في تفسير قوله تعالى : « وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ » : آل عمران : ١٤٤ في الجزء الرابع من الكتاب ، وبينا هناك أن الشكر لله في عبادته هو الإخلاص له ، وأن الشاكرين هم المخلصون (بفتح اللام) من عباد الله المعنيون بمثل قوله تعالى : « سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ، إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ » : الصافات : ١٦٠.

٩ ـ وفي إرشاد الديلمي ، : أن إبراهيم عليه‌السلام كان يسمع منه في صلاته أزيز ـ كأزيز الوجل من خوف الله تعالى ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك.

١٠ ـ وفي تفسير أبي الفتوح ، عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزل قوله تعالى : « (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) ـ اشتغل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذكر الله ـ حتى قال الكفار : إنه جن.

١١ ـ وفي الكافي ، بإسناده عن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوب إلى الله في كل يوم سبعين مرة ، قلت : أكان يقول : أستغفر الله وأتوب إليه؟ قال : لا ولكن كان يقول : أتوب إلى الله ، قلت كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوب ولا يعود ، ونحن نتوب ونعود ، قال : الله المستعان.

١٢ ـ وفي مكارم الأخلاق ، نقلا من كتاب النبوة عن علي عليه‌السلام : أنه كان إذا وصف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : قال : كان أجود الناس كفا ، وأجرأ الناس صدرا ، وأصدق الناس لهجة ، وأوفاهم ذمة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشيرة ، من رآه بديهة هابه ،

٣٠٩

ومن خالطه معرفة أحبه ، لم أر قبله ولا بعده مثله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١٣ ـ وفي الكافي ، بإسناده عن عمر بن علي عن أبيه عليه‌السلام قال : كانت من أيمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا وأستغفر الله.

١٤ ـ وفي إحياء العلوم ، : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا اشتد وجده أكثر من مس لحيته الكريمة.

١٥ ـ وفيه ، : وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله أسخى الناس لا يثبت عنده دينار ولا درهم ، وإن فضل شيء ولم يجد من يعطيه وفجأ الليل ـ لم يأو إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه ، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط ـ من أيسر ما يجد من التمر والشعير ، ويضع سائر ذلك في سبيل الله.

لا يسأل شيئا إلا أعطاه ـ ثم يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه ـ حتى إنه ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء ، قال : وينفذ الحق ـ وإن عاد ذلك عليه بالضرر أو على أصحابه ، قال : ويمشي وحده بين أعدائه بلا حارس ، قال : لا يهوله شيء من أمور الدنيا.

قال : ويجالس الفقراء ، ويؤاكل المساكين ، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم ، يصل ذوي رحمة من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم ، لا يجفو على أحد ، يقبل معذرة المعتذر إليه.

قال : وكان له عبيد وإماء ـ من غير أن يرتفع عليهم في مأكل ولا ملبس ، لا يمضي له وقت من غير عمل لله تعالى ـ أو لما لا بد منه من صلاح نفسه ، يخرج إلى بساتين أصحابه ـ لا يحتقر مسكينا لفقره أو زمانته ، ولا يهاب ملكا لملكه ، يدعو هذا وهذا إلى الله دعاء مستويا.

١٦ ـ وفيه ، قال : وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله أبعد الناس غضبا وأسرعهم رضى ، وكان أرأف الناس بالناس ، وخير الناس للناس ، وأنفع الناس للناس.

١٧ ـ وفيه ، قال : وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سر ورضي فهو أحسن الناس رضى ، فإن وعظ وعظ بجد ، وإن غضب ـ ولا يغضب إلا لله ـ لم يقم لغضبه شيء ، وكذلك كان في أموره كلها ، وكان إذا نزل به الأمر فوض الأمر إلى الله ، وتبرأ من الحول والقوة ، واستنزل الهدى.

٣١٠

أقول : والتوكل على الله وتفويض الأمور إليه والتبري من الحول والقوة واستنزال الهدى من الله يرجع بعضها إلى بعض وينشأ الجميع من أصل واحد ، وهو أن للأمور استنادا إلى الإرادة الإلهية الغالبة غير المغلوبة والقدرة القاهرة غير المتناهية ، وقد أطبق على الندب إلى ذلك الكتاب والسنة كقوله تعالى : « وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ » : إبراهيم : ١٢ وقوله : « وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ » : المؤمن : ٤٤ وقوله : « وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ » : الطلاق : ٣ وقوله : « أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ » : الأعراف : ٥٤ وقوله : « وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى » : النجم : ٤٢ إلى غير ذلك من الآيات ، والروايات في هذه المعاني فوق حد الإحصاء.

والتخلق بهذه الأخلاق والتأدب بهذه الآداب على أنه يجري بالإنسان مجرى الحقائق ويطبق عمله على ما ينبغي أن ينطبق عليه من الواقع ويقره على دين الفطرة فإن حقيقة الأمر هو رجوع الأمور بحسب الحقيقة إلى الله سبحانه كما قال : « أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ » : الشورى : ٥٣ ، له فائدة قيمة هي أن اتكاء الإنسان واعتماده على ربه ـ وهو يعرفه بقدرة غير متناهية وإرادة قاهرة غير مغلوبة ـ يمد إرادته ويشيد أركان عزيمته فلا ينثلم عن كل مانع يبدو له ، ولا تنفسح عن كل تعب أو عناء يستقبله ، ولا يزيلها كل تسويل نفساني ووسوسة شيطانية تظهر لسره في صورة الخطورات الوهمية.

(من سننه وأدبه في العشرة)

١٨ ـ وفي إرشاد الديلمي ، قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يرقع ثوبه ، ويخصف نعله ، ويحلب شاته ، ويأكل مع العبد ويجلس على الأرض ، ويركب الحمار ويردف ، ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجته من السوق إلى أهله ، ويصافح الغني والفقير ، ولا ينزع يده من يد أحد حتى ينزعها هو ، ويسلم على من استقبله من غني وفقير وكبير وصغير ، ولا يحقر ما دعي إليه ولو إلى حشف التمر.

وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله خفيف المئونة ، كريم الطبيعة ، جميل المعاشرة ، طلق الوجه ، بساما من غير ضحك ، محزونا من غير عبوس ، متواضعا من غير مذلة ، جوادا من غير سرف ـ رقيق القلب ، رحيما بكل مسلم ، ولم يتجش من شبع قط ، ولم يمد يده إلى طمع قط.

١٩ ـ وفي مكارم الأخلاق ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه كان ينظر في المرآة ويرجل

٣١١

جمته ويتمشط ، وربما نظر في الماء وسوى جمته فيه ، ولقد كان يتجمل لأصحابه فضلا على تجمله لأهله ، وقال : صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله يحب من عبده ـ إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمل.

٢٠ ـ وفي العلل ، والعيون ، والمجالس ، بإسناده عن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خمس لا أدعهن حتى الممات : الأكل على الأرض مع العبيد ، وركوبي مؤكفا ، وحلبي العنز بيدي ، ولبس الصوف ، والتسليم على الصبيان لتكون سنة من بعدي.

٢١ ـ وفي الفقيه ، عن علي عليه‌السلام : أنه قال لرجل من بني سعد : ألا أحدثك عني وعن فاطمة ـ إلى أن قال ـ فغدا علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن في لحافنا ـ فقال : السلام عليكم فسكتنا واستحيينا لمكاننا ـ ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : السلام عليكم فسكتنا ، ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : السلام عليكم فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف ، وقد كان يفعل ذلك فيسلم ثلاثا فإن أذن له وإلا انصرف ؛ فقلنا : وعليك السلام يا رسول الله ادخل فدخل ، الخبر.

٢٢ ـ وفي الكافي ، بإسناده عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسلم على النساء ويرددن عليه السلام ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يسلم على النساء ـ وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن ، ويقول : أتخوف أن يعجبني صوتها ـ فيدخل علي أكثر مما أطلب من الأجر.

أقول: ورواه الصدوق مرسلا ، وكذا سبط الطبرسي في المشكاة ، نقلا عن كتاب المحاسن.

٢٣ ـ وفيه ، بإسناده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني رفعه قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يجلس ثلاثا : القرفصاء وهو أن يقيم ساقيه ويستقبلهما بيده ، ويشد يده في ذراعه ، وكان يجثو على ركبتيه ، وكان يثني رجلا واحدة ويبسط عليها الأخرى ، ولم ير متربعا قط.

٢٤ ـ وفي المكارم ، نقلا من كتاب النبوة عن علي عليه‌السلام قال : ما صافح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحدا قط فنزع يده من يده ـ حتى يكون هو الذي ينزع يده ، وما فاوضه أحد قط في حاجة أو حديث فانصرف ـ حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف ، وما نازعه أحد قط الحديث ـ فيسكت حتى يكون هو الذي يسكت ، وما رئي مقدما رجله

٣١٢

بين يدي جليس له قط.

ولا خير بين أمرين إلا أخذ بأشدهما ، وما انتصر لنفسه من مظلمة حتى ينتهك محارم الله ـ فيكون حينئذ غضبه لله تبارك وتعالى ، وما أكل متكئا قط حتى فارق الدنيا ، وما سئل شيئا قط فقال لا ، وما رد سائل حاجة قط إلا أتى بها أو بميسور من القول ، وكان أخف الناس صلاة في تمام ، وكان أقصر الناس خطبة وأقلهم هذرا ، وكان يعرف بالريح الطيب إذا أقبل ، وكان إذا أكل مع القوم ـ كان أول من يبدأ وآخر من يرفع يده ، وكان إذا أكل أكل مما يليه ، فإذا كان الرطب والتمر جالت يده ، وإذا شرب شرب ثلاثة أنفاس ، وكان يمص الماء مصا ولا يعبه عبا ، وكان يمينه لطعامه وشرابه وأخذه وعطائه ـ فكان لا يأخذ إلا بيمينه ، ولا يعطي إلا بيمينه ، وكان شماله لما سوى ذلك من بدنه ـ وكان يحب التيمن في جميع أموره ـ في لبسه وتنعله وترجله.

وكان إذا دعا دعا ثلاثا ، وإذا تكلم تكلم وترا ، وإذا استأذن استأذن ثلاثا ، وكان كلامه فصلا يتبينه كل من سمعه ، وإذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه ، وإذا رأيته قلت : أفلج وليس بأفلج.

وكان نظره اللحظ بعينه ، وكان لا يكلم أحدا بشيء يكرهه ، وكان إذا مشى كأنما ينحط في صبب ، وكان يقول : إن خياركم أحسنكم أخلاقا ، وكان لا يذم ذواقا ولا يمدحه ، ولا يتنازع أصحاب الحديث عنده ، وكان المحدث عنه يقول : لم أر بعيني مثله قبله ولا بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٢٥ ـ وفي الكافي ، بإسناده عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقسم لحظاته بين أصحابه ـ فينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسوية. قال : ولم يبسط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجليه بين أصحابه قط ، وإن كان ليصافحه الرجل ـ فما يترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده من يده ـ حتى يكون هو التارك ـ فلما فطنوا لذلك كان الرجل إذا صافحه مال بيده ـ فنزعها من يده.

٢٦ ـ وفي المكارم ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا حدث بحديث تبسم في حديثه.

٢٧ ـ وفيه ، عن يونس الشيباني قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : كيف مداعبة بعضكم بعضا؟ قلت : قليلا. قال : هلا تفعلوا؟ فإن المداعبة من حسن الخلق ، وإنك

٣١٣

لتدخل بها السرور على أخيك ، ولقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يداعب الرجل يريد به أن يسره.

وفيه ، عن أبي القاسم الكوفي في كتاب الأخلاق ، عن الصادق عليه‌السلام قال : ما من مؤمن إلا وفيه دعابة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يداعب ولا يقول إلا حقا.

٢٩ ـ وفي الكافي ، بإسناده عن معمر بن خلاد قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك ـ الرجل يكون مع القوم ـ فيمضي بينهم كلام يمزحون ويضحكون؟ فقال : لا بأس ما لم يكن ، فظننت أنه عنى الفحش.

ثم قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأتيه الأعرابي ـ فيأتي إليه بالهدية ثم يقول مكانه : أعطنا ثمن هديتنا فيضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وكان إذا اغتم يقول : ما فعل الأعرابي ليته أتانا.

٣٠ ـ وفي الكافي ، بإسناده عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر ما يجلس تجاه القبلة.

٣١ ـ وفي المكارم ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يؤتى بالصبي الصغير ـ ليدعو له بالبركة فيضعه في حجره تكرمة لأهله ، وربما بال الصبي عليه فيصيح بعض من رآه حين يبول ـ فيقول صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تزرموا بالصبي حتى يقضي بوله ـ ثم يفرغ له من دعائه أو تسميته ، ويبلغ سرور أهله فيه ، ولا يرون أنه يتأذى ببول صبيهم ـ فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعده.

٣٢ ـ وفيه ، روي : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا يدع أحدا يمشي معه ـ إذا كان راكبا حتى يحمله معه ـ فإن أبى قال : تقدم أمامي وأدركني في المكان الذي تريد.

٣٣ ـ وفيه ، عن أبي القاسم الكوفي في كتاب الأخلاق ، : وجاء في الآثار : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينتقم لنفسه من أحد قط ـ بل كان يعفو ويصفح.

٣٤ ـ وفيه ، : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه ـ فإن كان غائبا دعا له ، وإن كان شاهدا زاره ، وإن كان مريضا عاده.

٣٥ ـ وفيه ، : عن أنس قال : خدمت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تسع سنين فما أعلم أنه قال لي

٣١٤

قط : هلا فعلت كذا وكذا؟ ولا عاب علي شيئا قط.

٣٦ ـ وفي الإحياء ، قال : قال أنس : والذي بعثه بالحق ما قال لي في شيء قط كرهه : لم فعلته؟ ولا لامني نساؤه إلا قال : دعوه إنما كان هذا بكتاب وقدر.

٣٧ ـ وفيه ، عن أنس : وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لا يدعوه أحد من أصحابه وغيرهم إلا قال : لبيك.

٣٨ وفيه ، عنه : ولقد كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعو أصحابه بكناهم ـ إكراما لهم واستمالة لقلوبهم ، ويكني من لم يكن له كنية فكان يدعى بما كناه به ، ويكني أيضا النساء اللاتي لهن الأولاد واللاتي لم يلدن ، ويكني الصبيان فيستلين به قلوبهم.

٣٩ ـ وفيه ، : وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته ـ فإن أبى أن يقبلها عزم عليه حتى يفعل.

٤٠ ـ وفي الكافي ، بإسناده عن عجلان قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام ـ فجاء سائل فقام عليه‌السلام إلى مكيل فيه تمر فملأ يده فناوله ، ثم جاء آخر فسأله فقام فأخذ بيده فناوله ـ ثم جاء آخر فسأله فقام فأخذ بيده فناوله ، ثم جاء آخر فقال (ع) : الله رازقنا وإياك.

ثم قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ـ لا يسأله أحد من الدنيا شيئا إلا أعطاه ـ فأرسلت إليه امرأة ابنا لها فقالت : انطلق إليه فاسأله فإن قال : ليس عندنا شيء ـ فقل : أعطني قميصك ، قال : فأخذ قميصه فرمى به (وفي نسخة أخرى فأعطاه) فأدبه الله على القصد ـ فقال : « وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ ـ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ».

٤١ ـ وفيه ، بإسناده عن جابر عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة.

٤٢ ـ وفيه ، عن موسى بن عمران بن بزيع قال : قلت للرضا (ع) : جعلت فداك إن الناس رووا ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أخذ في طريق رجع في غيره! كذا كان؟ قال : فقال نعم ـ فأنا أفعله كثيرا فافعله ، ثم قال لي : أما إنه أرزق لك.

٤٣ ـ وفي الإقبال ، بإسناده عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخرج بعد طلوع الشمس.

٣١٥

٤٤ ـ وفي الكافي ، بإسناده عن عبد الله بن المغيرة عمن ذكره قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل منزلا ـ قعد في أدنى المجلس إليه حين يدخل.

أقول : ورواه سبط الطبرسي في المشكاة ، نقلا عن المحاسن ، وغيره.

ومن سننه وآدابه صلى‌الله‌عليه‌وآله في التنظف والزينة ما في المكارم ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إذا غسل رأسه ولحيته غسلهما بالسدر.

٤٦ ـ وفي الجعفريات ، بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يرجل شعره ، وأكثر ما كان يرجل بالماء ، ويقول : كفى بالماء طيبا للمؤمن.

٤٧ ـ وفي الفقيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن المجوس جزوا لحاهم ووفروا شواربهم ، وإنا نحن نجز الشوارب ونعفي اللحى.

٤٨ ـ وفي الكافي ، بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من السنة تقليم الأظفار.

٤٩ ـ وفي الفقيه ، : روي : من السنة دفن الشعر والظفر والدم.

٥٠ ـ وفيه ، بإسناده عن محمد بن مسلم : أنه سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن الخضاب ـ فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يختضب ، وهذا شعره عندنا.

٥١ ـ وفي المكارم ، : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يطلي فيطليه من يطلي ـ حتى إذا بلغ ما تحت الإزار تولاه بنفسه.

٥٢ ـ وفي الفقيه ، : قال علي عليه‌السلام : نتف الإبط ينفي الرائحة الكريهة ـ وهو طهور وسنة مما أمر به الطيب عليه‌السلام.

٥٣ ـ وفي المكارم ، : كان له صلى‌الله‌عليه‌وآله مكحلة يكتحل بها في كل ليلة ـ وكان كحله الإثمد.

٥٤ ـ وفي الكافي ، بإسناده عن أبي أسامة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من سنن المرسلين السواك.

٣١٦

٥٥ ـ وفي الفقيه ، بإسناده عن علي عليه‌السلام في حديث الأربعمائة قال : والسواك مرضاة الله وسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومطهرة للفم.

أقول : والأخبار في استنانه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالسواك من طرق الفريقين كثيرة جدا.

٥٦ ـ وفي الفقيه ، : قال الصادق عليه‌السلام : أربع من أخلاق الأنبياء : التطيب والتنظيف بالموسى ـ وحلق الجسد بالنورة وكثرة الطروقة.

٥٧ ـ وفي الكافي ، بإسناده عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ممسكة ـ إذا هو توضأ أخذها بيده وهي رطبة ـ فكان إذا خرج عرفوا أنه رسول الله ص.

٥٨ ـ وفي المكارم ، : كان لا يعرض له طيب إلا تطيب ، ويقول : هو طيب ريحه خفيف محمله ، وإن لم يتطيب وضع إصبعه في ذلك الطيب ثم لعق منه.

٥٩ ـ وفيه ، : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يستجمر بالعود القماري.

٦٠ ـ وفي ذخيرة المعاد ، : وكان أي المسك أحب الطيب إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٦١ ـ وفي الكافي ، بإسناده عن إسحاق الطويل العطار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ينفق في الطيب ـ أكثر مما ينفق في الطعام.

٦٢ ـ وفيه ، بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الطيب في الشارب ـ من أخلاق النبيين وكرامة للكاتبين.

٦٣ ـ وفيه ، بإسناده عن السكن الخزاز قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : حق على كل محتلم في كل جمعة أخذ شاربه وأظفاره ـ ومس شيء من الطيب ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان يوم الجمعة ـ ولم يكن عنده طيب ـ دعا ببعض خمر نسائه فبلها في الماء ـ ثم وضعها على وجهه.

٦٤ ـ وفي الفقيه ، بإسناده عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إذا أتى بطيب يوم الفطر بدأ بنسائه.

٦٥ ـ وفي المكارم ، : وكان يدهن صلى‌الله‌عليه‌وآله بأصناف من الدهن ، قال وكان (ص)

٣١٧

يدهن بالبنفسج ويقول : هو أفضل الأدهان.

٦٦ ـ ومن آدابه صلى‌الله‌عليه‌وآله في السفر ما في الفقيه ، بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسافر يوم الخميس.

أقول : وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة.

٦٧ ـ وفي أمان الأخطار ، ومصباح الزائر ، قال : ذكر صاحب كتاب عوارف المعارف : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا سافر حمل معه خمسة أشياء : المرآة والمكحلة والمذرى والسواك ، قال : وفي رواية أخرى : والمقراض.

أقول : ورواه في المكارم والجعفريات.

٦٨ ـ وفي المكارم ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إذا مشى مشى مشيا يعرف أنه ليس بعاجز ولا كسلان.

٦٩ ـ وفي الفقيه ، بإسناده عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سفره إذا هبط هلل وإذا صعد كبر.

٧٠ ـ وفي لب اللباب ، للقطب : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه لم يرتحل من منزل إلا وصلى فيه ركعتين ، وقال : حتى يشهد علي بالصلاة.

٧١ ـ وفي الفقيه ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا ودع المؤمنين ـ قال : زودكم الله التقوى ، ووجهكم إلى كل خير ، وقضى لكم كل حاجة ، وسلم لكم دينكم ودنياكم ، وردكم سالمين إلي غانمين.

أقول : والروايات في دعائه صلى‌الله‌عليه‌وآله عند الوداع مختلفة لكنها على اختلافها متفقة في الدعاء بالسلامة والغنيمة.

٧٢ ـ وفي الجعفريات ، بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليه‌السلام : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول للقادم من مكة : تقبل الله نسكك ، وغفر ذنبك ، وأخلف عليك نفقتك.

٧٣ ـ ومن آدابه صلى‌الله‌عليه‌وآله في الملابس وما يتعلق بها ما في الإحياء ، : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يلبس

٣١٨

من الثياب ما وجد من إزار أو رداء ، أو قميص أو جبة أو غير ذلك ، وكان يعجبه الثياب الخضر ، وكان أكثر ثيابه البياض ، ويقول : ألبسوها أحياءكم ، وكفنوا فيها موتاكم.

وكان يلبس القباء المحشو للحرب وغير الحرب ، وكان له قباء سندس فيلبسه فيحسن خضرته على بياض لونه ، وكانت ثيابه كلها مشمرة فوق الكعبين ، ويكون الإزار فوق ذلك إلى نصف الساق ـ وكان قميصه مشدود الإزار ـ وربما حل الإزار في الصلاة وغيرها.

. وكانت له ملحفة مصبوغة بالزعفران ، وربما صلى بالناس فيها وحدها ، وربما لبس الكساء وحده ليس عليه غيره ، وكان له كساء ملبد يلبسه ويقول : إنما أنا عبد ألبس كما يلبس العبد ، وكان له ثوبان لجمعته خاصة سوى ثيابه في غير الجمعة ، وربما لبس الإزار الواحد ليس عليه غيره ، ويعقد طرفيه بين كتفيه ، وربما أم به الناس على الجنائز ، وربما صلى في بيته في الإزار الواحد ـ ملتحفا به محالفا بين طرفيه ـ ويكون ذلك الأزر الذي جامع فيه يومئذ ، وكان ربما صلى بالليل في الإزار ـ ويرتدي ببعض الثوب مما يلي هدبه ، ويلقي البقية على بعض نسائه فيصلي كذلك.

ولقد كان له كساء أسود فوهبه فقالت له أم سلمة ، بأبي أنت وأمي ما فعل ذلك الكساء الأسود؟ فقال : كسوته. فقالت : ما رأيت شيئا قط كان أحسن من بياضك على سواده ـ وقال أنس : وربما رأيته يصلي بنا الظهر في شمله عاقدا بين طرفيها ، وكان يتختم ، وربما خرج وفي خاتمه الخيط المربوط يتذكر بها الشيء ، وكان يختم به على الكتب ويقول : الخاتم على الكتاب خير من التهمة.

وكان يلبس القلانس تحت العمائم وبغير عمامة ، وربما نزع قلنسوته من رأسه فجعلها سترة بين يديه ثم يصلي إليها ، وربما لم تكن العمامة فيشد العصابة على رأسه وعلى جبهته ، وكانت له عمامة تسمى السحاب ـ فوهبها من علي فربما طلع علي فيها فيقول صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتاكم علي في السحاب.

وكان إذا لبس ثوبا لبسه من قبل ميامنه ـ ويقول : الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في الناس ، وإذا نزع ثوبه أخرجه من مياسره ، وكان إذا لبس جديدا أعطى خلق ثيابه مسكينا ـ ثم يقول : ما من مسلم يكسو مسلما من سمل ثيابه ،

٣١٩

لا يكسوه إلا لله إلا كان في ضمان الله ـ وحرزه وخيره ما واراه حيا وميتا.

وكان له فراش من أدم حشوه ليف ـ طوله ذراعان أو نحوه وعرضه ذراع وشبر أو نحوه ، وكانت له عباءة تفرش له حيثما تنقل تثنى طاقين تحته ، وكان ينام على الحصير ليس تحته شيء غيره.

وكان من خلقه تسمية دوابه وسلاحه ومتاعه ؛ وكان اسم رايته العقاب ، وسيفه الذي يشهد به الحروب ذا الفقار ، وكان له سيف يقال له : المخذم ، وآخر يقال له : الرسوب ، وآخر يقال له القضيب ، وكانت قبضة سيفه محلاة بالفضة ، وكان يلبس المنطقة من الأدم فيها ثلاث حلق من فضة ، وكان اسم قوسه الكتوم وجعبته الكافور ، وكان اسم ناقته العضباء ، واسم بغلته الدلدل ، وكان اسم حماره يعفور ، واسم شاته التي يشرب لبنها عينة.

وكان له مطهرة من فخار يتوضأ فيها ويشرب منها ـ فيرسل الناس أولادهم الصغار الذين قد عقلوا ـ فيدخلون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يدفعون عنه ، فإذا وجدوا في المطهرة ماء شربوا منه ـ ومسحوا على وجوههم وأجسادهم ـ يبتغون بذلك البركة.

٧٤ ـ وفي الجعفريات ، عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يلبس من القلانس المضربة ـ إلى أن قال ـ وكان له درع يقال له ذات الفضول ـ وكانت له ثلاث حلقات من فضة ، بين يديها واحدة واثنتان من خلفها ، الخبر.

٧٥ ـ وفي العوالي ، : روي : أنه كان له صلى‌الله‌عليه‌وآله عمامة سوداء يتعمم بها ويصلي فيها.

أقول : وروي أن عمامته صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت ثلاث أكوار أو خمسا.

٧٦ ـ وفي الخصال ، بإسناده عن علي في الحديث الأربعمائة قال : البسوا الثياب القطن فإنها لباس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ولم يكن يلبس الشعر والصوف إلا من علة.

أقول : ورواه الصدوق أيضا مرسلا ، ورواه الصفواني في كتاب التعريف ، ويتبين بهذا معنى ما مر من لبسه صلى‌الله‌عليه‌وآله الصوف وأنه لا منافاة.

٧٧ ـ وفي الفقيه ، بإسناده عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق عن أبيه عليه‌السلام قال : كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنزة في أسفلها عكاز ـ يتوكأ عليها ويخرجها في العيدين يصلي إليها.

٣٢٠