الميزان في تفسير القرآن - ج ٥

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي

الميزان في تفسير القرآن - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٥
الصفحات: ٤٠٢

القشر الذي يستأصل ، قال تعالى : « فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ » وقرئ : ( فَيُسْحِتَكُمْ ) ( أي بفتح الياء ) يقال : سحته وأسحته ، ومنه السحت للمحظور الذي يلزم صاحبه العار كأنه يسحت دينه ومروءته ، قال تعالى : « أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ » أي لما يسحت دينهم ، وقال عليه‌السلام : كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به ، وسمي الرشوة سحتا. انتهى.

فكل مال اكتسب من حرام فهو سحت ، والسياق يدل على أن المراد بالسحت في الآية هو الرشا ويتبين من إيراد هذا الوصف في المقام أن علماءهم الذين بعثوا طائفة منهم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا قد أخذوا في الواقعة رشوة لتحريف حكم الله فقد كان الحكم مما يمكن أن يتضرر به بعضه فسد الباب بالرشوة ، فأخذوا الرشوة وغيروا حكم الله تعالى.

ومن هنا يظهر أن قوله تعالى : « سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ » باعتبار المجموع وصف لمجموع القوم ، وأما بحسب التوزيع فقوله : « سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ » وصف لقوله : « الَّذِينَ هادُوا » وهم المبعوثون إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن في حكمهم من التابعين ، وقوله : « أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ » وصف لقوم آخرين ، والمحصل أن اليهود منهم علماء يأكلون الرشا ، وعامة مقلدون سماعون لأكاذيبهم.

قوله تعالى : « فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ » ( إلى آخر الآية ) تخيير للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بين أن يحكم بينهم إذا حكموه أو يعرض عنهم ، ومن المعلوم أن اختيار أحد الأمرين لم يكن يصدر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا لمصلحة داعية فيئول إلى إرجاع الأمر إلى نظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ورأيه.

ثم قرر تعالى هذا التخيير بأنه ليس عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرر لو ترك الحكم فيهم وأعرض عنهم ، وبين له أنه لو حكم بينهم فليس له أن يحكم إلا بالقسط والعدل.

فيعود المضمون بالآخرة إلى أن الله سبحانه لا يرضى أن يجري بينهم إلا حكمه فإما أن يجري فيهم ذلك أو يهمل أمرهم فلا يجري من قبله صلى‌الله‌عليه‌وآله حكم آخر.

قوله تعالى : « وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ » تعجيب من فعالهم أنهم أمة ذات كتاب وشريعة وهم منكرون لنبوتك وكتابك وشريعتك ثم يبتلون بواقعة في كتابهم حكم الله فيها ، ثم يتولون بعد ما عندهم التوراة فيها حكم الله والحال أن أولئك المبتعدين من الكتاب وحكمه ليسوا

٣٤١

بالذين يؤمنون بذلك.

وعلى هذا المعنى فقوله : « ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ » أي عن حكم الواقعة مع كون التوراة عندهم وفيها حكم الله ، وقوله : « وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ » أي بالذين يؤمنون بالتوراة وحكمها ، فهم تحولوا من الإيمان بها وبحكمها إلى الكفر.

ويمكن أن يفهم من قوله : « ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ » ، التولي عما حكم به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن قوله : « وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ » نفي الإيمان بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما كان يظهر من رجوعهم إليه وتحكيمهم إياه ، أو نفي الإيمان بالتوراة وبالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جميعا ، لكن ما تقدم من المعنى أنسب لسياق الآيات.

وفي الآية تصديق ما للتوراة التي عند اليهود اليوم ، وهي التي جمعها لهم عزراء بإذن « كورش » ملك إيران بعد ما فتح بابل ، وأطلق بني إسرائيل من أسر البابليين وأذن لهم في الرجوع إلى فلسطين وتعمير الهيكل ، وهي التي كانت بيدهم في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي التي بيدهم اليوم ، فالقرآن يصدق أن فيها حكم الله ، وهو أيضا يذكر أن فيها تحريفا وتغييرا.

ويستنتج من الجميع : أن التوراة الموجودة الدائرة بينهم اليوم فيها شيء من التوراة الأصلية النازلة على موسى عليه‌السلام وأمور حرفت وغيرت إما بزيادة أو نقصان أو تغيير لفظ أو محل أو غير ذلك ، وهذا هو الذي يراه القرآن في أمر التوراة ، والبحث الوافي عنها أيضا يهدي إلى ذلك.

قوله تعالى : « إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ » (إلخ) بمنزلة التعليل لما ذكر في الآية السابقة ، وهي وما بعدها من الآيات تبين أن الله سبحانه شرع لهذه الأمم على اختلاف عهودهم شرائع ، وأودعها في كتب أنزلها إليهم ليهتدوا بها ويتبصروا بسببها ، ويرجعوا إليها فيما اختلفوا فيه ، وأمر الأنبياء والعلماء منهم أن يحكموا بها ، ويتحفظوا عليها ويقوها من التغيير والتحريف ، ولا يطلبوا في الحكم ثمنا ليس إلا قليلا ، ولا يخافوا فيها إلا الله سبحانه ولا يخشوا غيره.

وأكد ذلك عليهم وحذرهم اتباع الهوى ، وتفتين أبناء الدنيا ، وإنما شرع من الأحكام مختلفا باختلاف الأمم والأزمان ليتم الامتحان الإلهي فإن استعداد الأزمان مختلف بمرور

٣٤٢

الدهور ، ولا يستكمل المختلفان في الاستعداد شدة وضعفا بمكمل واحد من التربية العلمية والعملية على وتيرة واحدة.

فقوله : « إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ » أي شيء من الهداية يهتدي بها ، وشيء من النور يتبصر به من المعارف والأحكام على حسب حال بني إسرائيل ، ومبلغ استعدادهم ، وقد بين الله سبحانه في كتابه عامة أخلاقهم ، وخصوصيات أحوال شعبهم ومبلغ فهمهم ، فلم ينزل إليهم من الهداية إلا بعضها ومن النور إلا بعضه لسبق عهدهم وقدمة أمتهم ، وقلة استعدادهم ، قال تعالى : « وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ » ( الأعراف : ١٤٥ ).

وقوله : « يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا » إنما وصف النبيين بالإسلام وهو التسليم لله ، الذي هو الدين عند الله سبحانه للإشارة إلى أن الدين واحد ، وهو الإسلام لله وعدم الاستنكاف عن عبادته ، وليس لمؤمن بالله ـ وهو مسلم له ـ أن يستكبر عن قبول شيء من أحكامه وشرائعه.

وقوله : « وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ » أي ويحكم بها الربانيون وهم العلماء المنقطعون إلى الله علما وعملا ، أو الذين إليهم تربية الناس بعلومهم بناء على اشتقاق اللفظ من الرب أو التربية ، والأحبار وهم الخبراء من علمائهم يحكمون بما أمرهم الله به وأراده منهم أن يحفظوه من كتاب الله ، وكانوا من جهة حفظهم له وتحملهم إياه شهداء عليه لا يتطرق إليه تغيير وتحريف لحفظهم له في قلوبهم ، فقوله : « وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ » بمنزلة النتيجة لقوله : « بِمَا اسْتُحْفِظُوا » (إلخ) أي أمروا بحفظه فكانوا حافظين له بشهادتهم عليه.

وما ذكرناه من معنى الشهادة هو الذي يلوح من سياق الآية ، وربما قيل : إن المراد بها الشهادة على حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الرجم أنه ثابت في التوراة ، وقيل : إن المراد الشهادة على الكتاب أنه من عند الله وحده لا شريك له ، ولا شاهد من جهة السياق يشهد على شيء من هذين المعنيين.

وأما قوله تعالى : « فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً » فهو متفرع على قوله : « إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا » ، أي لما كانت التوراة منزلة من عندنا مشتملة على شريعة يقضي بها النبيون والربانيون والأحبار بينكم فلا تكتموا شيئا

٣٤٣

منها ولا تغيروها خوفا أو طمعا ، أما خوفا فبأن تخشوا الناس وتنسوا ربكم بل الله فاخشوا حتى لا تخشوا الناس ، وأما طمعا فبأن تشتروا بآيات الله ثمنا قليلا هو مال أو جاه دنيوي زائل باطل.

ويمكن أن يكون متفرعا على قوله : « بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ » بحسب المعنى لأنه في معنى أخذ الميثاق على الحفظ أي أخذنا منهم الميثاق على حفظ الكتاب وأشهدناهم عليه أن لا يغيروه ولا يخشوا في إظهاره غيري ، ولا يشتروا بآياتي ثمنا قليلا ، قال تعالى : « وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً » : ( آل عمران : ١٨٧ ) وقال تعالى : « فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ » : ( الأعراف : ١٧٠ ).

وهذا المعنى الثاني لعله أنسب وأوفق لما يتلوه من التأكيد والتشديد بقوله : « وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ».

قوله تعالى : « وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ـ إلى قوله وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ » السياق وخاصة بالنظر إلى قوله : « وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ » يدل على أن المراد به بيان حكم القصاص في أقسام الجنايات من القتل والقطع والجرح ، فالمقابلة الواقعة في قوله : « النَّفْسَ بِالنَّفْسِ » وغيره إنما وقعت بين المقتص له والمقتص به والمراد به أن النفس تعادل النفس في باب القصاص ، والعين تقابل العين والأنف الأنف وهكذا والباء للمقابلة كما في قولك : بعت هذا بهذا.

فيئول معنى الجمل المتسقة إلى أن النفس تقتل بالنفس ، والعين تفقأ بالعين والأنف تجدع بالأنف ، والأذن تصلم بالأذن ، والسن تقلع بالسن والجروح ذوات قصاص ، وبالجملة أن كلا من النفس وأعضاء الإنسان مقتص بمثله.

ولعل هذا هو مراد من قدر في قوله : « النَّفْسَ بِالنَّفْسِ » إن النفس مقتصة أو مقتولة بالنفس وهكذا وإلا فالتقدير بمعزل عن الحاجة ، والجمل تامة من دونه والظرف لغو.

والآية لا تخلو من إشعار بأن هذا الحكم غير الحكم الذي حكموا فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتذكره

٣٤٤

الآيات السابقة فإن السياق قد تجدد بقوله : « إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ ».

والحكم موجود في التوراة الدائرة على ما سيجيء نقله في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى : « فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ » أي فمن عفا من أولياء القصاص كولي المقتول أو نفس المجني عليه والمجروح عن الجاني ، ووهبه ما يملكه من القصاص فهو أي العفو كفارة لذنوب المتصدق أو كفارة عن الجاني في جنايته.

والظاهر من السياق أن الكلام في تقدير قولنا : فإن تصدق به من له القصاص فهو كفارة له ، وإن لم يتصدق فليحكم صاحب الحكم بما أنزله الله من القصاص ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون.

وبذلك يظهر أولا : أن الواو في قوله : « وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ » للعطف على قوله : « فَمَنْ تَصَدَّقَ » لا للاستيناف كما أن الفاء في قوله : « فَمَنْ تَصَدَّقَ » للتفريع : تفريع المفصل على المجمل ، نظير قوله تعالى في آية القصاص : « فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ » : ( البقرة : ١٧٨ ).

وثانيا : أن قوله : « وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ » ، من قبيل وضع العلة موضع معلولها والتقدير : وإن لم يتصدق فليحكم بما أنزل الله فإن من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون.

قوله تعالى : « وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ » التقفية جعل الشيء خلف الشيء وهو مأخوذ من القفا ، والآثار جمع أثر وهو ما يحصل من الشيء مما يدل عليه ، ويغلب استعماله في الشكل الحاصل من القدم ممن يضرب في الأرض ، والضمير في « آثارِهِمْ » للأنبياء.

فقوله : « وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ » استعارة بالكناية أريد بها الدلالة على أنه سلك به عليه‌السلام المسلك الذي سلكه من قبله من الأنبياء ، وهو طريق الدعوة إلى التوحيد والإسلام لله.

وقوله : « مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ » تبيين لما تقدمه من الجملة وإشارة إلى أن دعوة عيسى هي دعوة موسى عليه‌السلام من غير بينونة بينهما أصلا.

قوله تعالى : « وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ »

٣٤٥

(إلخ) سياق الآيات من جهة تعرضها لحال شريعة موسى وعيسى ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ونزولها في حق كتبهم يقضي بانطباق بعضها على بعض ولازم ذلك :

أولا : أن الإنجيل المذكور في الآية ـ ومعناها البشارة ـ كان كتابا نازلا على المسيح عليه‌السلام لا مجرد البشارة من غير كتاب غير أن الله سبحانه لم يفصل القول في كلامه في كيفية نزوله على عيسى كما فصله في خصوص التوراة والقرآن قال تعالى في حق التوراة : « قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ » : (الأعراف : ١٤٥) وقال : «أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ» : (الأعراف : ١٥٤).

وقال في خصوص القرآن : « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ » : ( الشعراء : ١٩٥ ) وقال : « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ » : ( الشعراء : ١٩٥ ) وقال : « إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » : ( التكوير : ٢١ ) وقال : « فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ » : ( عبس : ١٦ ) وهو سبحانه لم يذكر في تفصيل نزول الإنجيل ومشخصاته شيئا ، لكن ذكره نزوله على عيسى في الآية محاذيا لذكر نزول التوراة على موسى في الآية السابقة ، ونزول القرآن على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يدل على كونه كتابا في عرض الكتابين.

وثانيا : أن قوله تعالى في وصف الإنجيل : « فِيهِ هُدىً وَنُورٌ » محاذاة لقوله في وصف التوراة : « إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ » يراد به ما يشتمل عليه الكتاب من المعارف والأحكام غير أن قوله تعالى في هذه الآية ثانيا : « وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ » يدل على أن الهدى المذكور أولا غير الهدى الذي تفسيره الموعظة فالهدى المذكور أولا هو نوع المعارف التي يحصل بها الاهتداء في باب الاعتقادات ، وأما ما يهدي من المعارف إلى التقوى في الدين فهو الذي يراد بالهدى المذكور ثانيا.

وعلى هذا لا يبقى لقوله : « وَنُورٌ » من المصداق إلا الأحكام والشرائع ، والتدبر ربما ساعد على ذلك فإنها أمور يستضاء بها ويسلك في ضوئها وتنورها مسلك الحياة ، وقد قال تعالى : « أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ » : ( الأنعام : ١٢٢ ).

وقد ظهر بذلك : أن المراد بالهدى في وصف التوراة وفي وصف الإنجيل أولا هو نوع المعارف الاعتقادية كالتوحيد والمعاد ، وبالنور في الموضعين نوع الشرائع والأحكام ،

٣٤٦

وبالهدى ثانيا في وصف الإنجيل هو نوع المواعظ والنصائح ، والله أعلم.

وظهر أيضا وجه تكرار الهدى في الآية فالهدى المذكور ثانيا غير الهدى المذكور أولا وأن قوله « وَمَوْعِظَةً » من قبيل عطف التفسير والله أعلم.

وثالثا : أن قوله ثانيا في وصف الإنجيل : « وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ » ليس من قبيل التكرار لتأكيد ونحوه بل المراد به تبعية الإنجيل لشريعة التوراة فلم يكن في الإنجيل إلا الإمضاء لشريعة التوراة والدعوة إليها إلا ما استثناه عيسى المسيح على ما حكاه الله تعالى من قوله : « وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ » : ( آل عمران : ٥٠ ).

والدليل على ذلك قوله تعالى في الآية الآتية في وصف القرآن : « وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ » على ما سيجيء من البيان.

قوله تعالى : « وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ » قد مر توضيحه ، والآية تدل على أن في الإنجيل النازل على المسيح عناية خاصة بالتقوى في الدين مضافا إلى ما يشتمل عليه التوراة من المعارف الاعتقادية والأحكام العملية ، والتوراة الدائرة بينهم اليوم وإن لم يصدقها القرآن كل التصديق ، وكذا الأناجيل الأربعة المنسوبة إلى متى ومرقس ولوقا ويوحنا وإن كانت غير ما يذكره القرآن من الإنجيل النازل على المسيح نفسه لكنها مع ذلك كله تصدق هذا المعنى كما سيجيء إن شاء الله الإشارة إليه.

قوله تعالى : « وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ » (إلخ) وقد أنزل فيه تصديق التوراة في شرائعها إلا ما استثني من الأحكام المنسوخة التي ذكرت في الإنجيل النازل على عيسى عليه‌السلام ، فإن الإنجيل لما صدق التوراة فيما شرعته ، وأحل بعض ما حرم فيها كان العمل بما في التوراة في غير ما أحلها الإنجيل من المحرمات عملا بما أنزل الله في الإنجيل وهو ظاهر.

ومن هنا يظهر ضعف ما استدل بعض المفسرين بالآية على أن الإنجيل مشتمل على صرائع مفصلة كما اشتملت عليه التوراة ، ووجه الضعف ظاهر.

وأما قوله : « وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » فهو تشديد في الأمر المدلول عليه بقوله : « وَلْيَحْكُمْ » ، وقد كرر الله سبحانه هذه الكلمة للتشديد ثلاث مرات : مرتين في أمر اليهود ومرة في أمر النصارى باختلاف يسير فقال : « وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ، فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » فسجل عليهم

٣٤٧

الكفر والظلم والفسق.

ولعل الوجه في ذكر الفسق عند التعرض لما يرجع إلى النصارى ، والكفر والظلم فيما يعود إلى اليهود أن النصارى بدلوا التوحيد تثليثا ورفضوا أحكام التوراة بأخذ بولس دين المسيح دينا مستقلا منفصلا عن دين موسى مرفوعا فيه الأحكام بالتفدية فخرجت النصارى بذلك عن التوحيد وشريعته بتأول ففسقوا عن دين الله الحق ، والفسق خروج الشيء من مستقره كخروج لب التمرة عن قشرها.

وأما اليهود فلم يشتبه عليهم الأمر فيما عندهم من دين موسى عليه‌السلام وإنما ردوا الأحكام والمعارف التي كانوا على علم منها وهو الكفر بآيات الله والظلم لها.

والآيات الثلاث أعني قوله : « وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ، فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » آيات مطلقة لا تختص بقوم دون قوم ، وإن انطبقت على أهل الكتاب في هذا المقام.

وقد اختلف المفسرون في معنى كفر من لم يحكم بما أنزل الله كالقاضي يقضي بغير ما أنزل الله ، والحاكم يحكم على خلاف ما أنزل الله ، والمبتدع يستن بغير السنة وهي مسألة فقهية الحق فيها أن المخالفة لحكم شرعي أو لأي أمر ثابت في الدين في صورة العلم بثبوته والرد له توجب الكفر ، وفي صورة العلم بثبوته مع عدم الرد له توجب الفسق ، وفي صورة عدم العلم بثبوته مع الرد له لا توجب كفرا ولا فسقا لكونه قصورا يعذر فيه إلا أن يكون قصر في شيء من مقدماته وليراجع في ذلك كتب الفقه.

قوله تعالى : « وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ » هيمنة الشيء على الشيء ـ على ما يتحصل من معناها ـ كون الشيء ذا سلطة على الشيء في حفظه ومراقبته وأنواع التصرف فيه ، وهذا حال القرآن الذي وصفه الله تعالى بأنه تبيان كل شيء بالنسبة إلى ما بين يديه من الكتب السماوية : يحفظ منها الأصول

الثابتة غير المتغيرة وينسخ منها ما ينبغي أن ينسخ من الفروع التي يمكن أن يتطرق إليها التغير والتبدل حتى يناسب حال الإنسان بحسب سلوكه صراط الترقي والتكامل بمرور الزمان قال تعالى : « إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ » : ( إسراء : ٩ ) وقال : « ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها » : ( البقرة : ١٠٦ ) وقال : « الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ

٣٤٨

الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » : ( الأعراف : ١٥٧ ).

فهذه الجملة أعني قوله : « وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ » متممة لقول : « مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ » تتميم إيضاح إذ لولاها لأمكن أن يتوهم من تصديق القرآن للتوراة والإنجيل أنه يصدق ما فيهما من الشرائع والأحكام تصديق إبقاء من غير تغيير وتبديل لكن توصيفه بالهيمنة يبين أن تصديقه لها تصديق أنها معارف وشرائع حقة من عند الله ولله أن يتصرف منها فيما يشاء بالنسخ والتكميل كما يشير إليه قوله ذيلا : « وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ ».

فقول : « مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ » معناه تقرير ما فيها من المعارف والأحكام بما يناسب حال هذه الأمة فلا ينافيه ما تطرق إليها من النسخ والتكميل والزيادة كما كان المسيح عليه‌السلام أو إنجيله مصدقا للتوراة مع إحلاله بعض ما فيها من المحرمات كما حكاه الله عنه في قوله : « وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ » : ( آل عمران : ٥٠ ).

قوله تعالى : « فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِ » أي إذا كانت الشريعة النازلة إليك المودعة في الكتاب حقا وهو حق فيما وافق ما بين يديه من الكتب وحق فيما خالفه لكونه مهيمنا عليه فليس لك إلا أن تحكم بين أهل الكتاب ـ كما يؤيده ظاهر الآيات السابقة ـ أو بين الناس ـ كما تؤيده الآيات اللاحقة ـ بما أنزل الله إليك ولا تتبع أهواءهم بالإعراض والعدول عما جاءك من الحق.

ومن هنا يظهر جواز أن يراد بقوله : « فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ » الحكم بين أهل الكتاب أو الحكم بين الناس لكن تبعد المعنى الأول حاجته إلى تقدير كقولنا فاحكم بينهم إن حكمت ، فإن الله سبحانه لم يوجب عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله الحكم بينهم بل خيره بين الحكم والإعراض بقوله : « فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ » (الآية) على أن الله سبحانه ذكر المنافقين مع اليهود في أول الآيات فلا موجب لاختصاص اليهود برجوع الضمير إليهم لسبق الذكر وقد ذكر معهم غيرهم ، فالأنسب أن يرجع الضمير إلى الناس لدلالة المقام.

ويظهر أيضا أن قوله : « عَمَّا جاءَكَ » متعلق بقوله : « وَلا تَتَّبِعْ » بإشرابه معنى العدول أو الإعراض.

قوله تعالى : « لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً » قال الراغب في المفردات :

٣٤٩

الشرع نهج الطريق الواضح يقال : شرعت له طريقا والشرع مصدر ثم جعل اسما للطريق النهج فقيل له : شرع وشرع وشريعة ، وأستعير ذلك للطريقة الإلهية قال : « شِرْعَةً وَمِنْهاجاً » ـ إلى أن قال ـ قال بعضهم : سميت الشريعة شريعة تشبيها بشريعة الماء انتهى.

ولعل الشريعة بالمعنى الثاني مأخوذ من المعنى الأول لوضوح طريق الماء عندهم بكثرة الورود والصدور وقال : النهج ( بالفتح فالسكون ) : الطريق الواضح ، ونهج الأمر وأنهج وضح ، ومنهج الطريق ومنهاجه.

( كلام في معنى الشريعة )

( والفرق بينها وبين الدين والملة في عرف القرآن )

معنى الشريعة كما عرفت هو الطريقة ، والدين وكذلك الملة طريقة متخذة لكن الظاهر من القرآن أنه يستعمل الشريعة في معنى أخص من الدين كما يدل عليه قوله تعالى : « إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ » : ( آل عمران : ١٩ ) وقوله تعالى : « وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ » : ( آل عمران : ٨٥ ) إذا انضما إلى قوله : « لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً » (الآية) وقوله : « ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها » : ( الجاثية : ١٨ ).

فكان الشريعة هي الطريقة الممهدة لأمة من الأمم أو لنبي من الأنبياء الذين بعثوا بها كشريعة نوح وشريعة إبراهيم وشريعة موسى وشريعة عيسى وشريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والدين هو السنة والطريقة الإلهية العامة لجميع الأمم فالشريعة تقبل النسخ دون الدين بمعناه الوسيع.

وهناك فرق آخر وهو أن الدين ينسب إلى الواحد والجماعة كيفما كانا ، ولكن الشريعة لا تنسب إلى الواحد إلا إذا كان واضعها أو القائم بأمرها يقال : دين المسلمين ودين اليهود وشريعتهم ، ويقال : دين الله وشريعته ودين محمد وشريعته ، ويقال : دين زيد وعمرو ، ولا يقال : شريعة زيد وعمرو ، ولعل ذلك لما في لفظ الشريعة من التلميح إلى المعنى الحدثي وهو تمهيد الطريق ونصبه فمن الجائز أن يقال : الطريقة التي مهدها الله أو الطريقة التي مهدت للنبي أو للأمة الفلانية دون أن يقال : الطريقة التي مهدت لزيد إذ لا اختصاص له بشيء.

وكيف كان فالمستفاد منها أن الشريعة أخص معنى من الدين وأما قوله تعالى :

٣٥٠

« شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى » : ( الشورى : ١٣ ) فلا ينافي ذلك إذ الآية إنما تدل على أن شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله المشروعة لأمته هي مجموع وصايا الله سبحانه لنوح وإبراهيم وموسى وعيسى مضافا إليها ما أوحاه إلى محمد صلى الله عليه وآله وعليهم ، وهو كناية إما عن كون الإسلام جامعا لمزايا جميع الشرائع السابقة وزيادة ، أو عن كون الشرائع جميعا ذات حقيقة واحدة بحسب اللب وإن كانت مختلفة بحسب اختلاف الأمم في الاستعداد كما يشعر به أو يدل عليه قوله بعده : « أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ » : ( الشورى : ١٣ ).

فنسبة الشرائع الخاصة إلى الدين ـ وهو واحد والشرائع تنسخ بعضها بعضا ـ كنسبة الأحكام الجزئية في الإسلام فيها ناسخ ومنسوخ إلى أصل الدين ، فالله سبحانه لم يتعبد عباده إلا لدين واحد وهو الإسلام له إلا أنه سلك بهم لنيل ذلك مسالك مختلفة وسن لهم سننا متنوعة على حسب اختلاف استعداداتهم وتنوعها ، وهي شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وعليهم كما أنه تعالى ربما نسخ في شريعة واحدة بعض الأحكام ببعض لانقضاء مصلحة الحكم المنسوخ وظهور مصلحة الحكم الناسخ كنسخ الحبس المخلد في زنا النساء بالجلد والرجم وغير ذلك ، ويدل على ذلك قوله تعالى : « وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ » (الآية).

وأما الملة فكان المراد بها السنة الحيوية المسلوكة بين الناس ، وكان فيها معنى الإملال والإملاء فيكون هي الطريقة المأخوذة من الغير ، وليس الأصل في معناه واضحا ذاك الوضوح ، فالأشبه أن تكون مرادفة للشريعة بمعنى أن الملة كالشريعة هي الطريقة الخاصة بخلاف الدين ، وإن كان بينهما فرق من حيث إن الشريعة تستعمل فيها بعناية أنها سبيل مهده الله تعالى لسلوك الناس إليه ، والملة إنما تطلق عليها لكونها مأخوذة عن الغير بالاتباع العملي ، ولعله لذلك لا تضاف إلى الله سبحانه كما يضاف الدين والشريعة ، يقال : دين الله وشريعة الله ، ولا يقال : ملة الله.

بل إنما تضاف إلى النبي مثلا من حيث إنها سيرته وسنته أو إلى الأمة من جهة أنهم سائرون مستنون به ، قال تعالى : « مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » : ( البقرة : ١٣٥ ) وقال تعالى حكاية عن يوسف عليه‌السلام : « إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ » : ( يوسف : ٣٨ ) وقال

٣٥١

تعالى حكاية عن الكفار في قولهم لأنبيائهم : « لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا » : ( إبراهيم : ١٣ ).

فقد تلخص أن الدين في عرف القرآن أعم من الشريعة والملة وهما كالمترادفين مع فرق ما من حيث العناية اللفظية.

قوله تعالى : « وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ » بيان لسبب اختلاف الشرائع ، وليس المراد بجعلهم أمة واحدة الجعل التكويني بمعنى النوعية الواحدة فإن الناس أفراد نوع واحد يعيشون على نسق واحد كما يدل عليه قوله تعالى : « وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ » : ( الزخرف : ٣٣ ).

بل المراد أخذهم بحسب الاعتبار أمة واحدة على مستوى واحد من الاستعداد والتهيؤ حتى تشرع لهم شريعة واحدة لتقارب درجاتهم الملحوظة فقوله : « وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً » من قبيل وضع علة الشرط موضع الشرط ليتضح باستحضارها معنى الجزاء أعني قوله : « وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ » أي ليمتحنكم فيما أعطاكم وأنعم عليكم ، ولا محالة هذه العطايا المشار إليها في الآية مختلفة في الأمم ، وليست هي الاختلافات بحسب المساكن والألسنة والألوان فإن الله لم يشرع شريعتين أو أكثر في زمان واحد قط بل هي الاختلافات بحسب مرور الزمان ، وارتقاء الإنسان في مدارج الاستعداد والتهيؤ وليست التكاليف الإلهية والأحكام المشرعة إلا امتحانا إلهيا للإنسان في مختلف مواقف الحياة وإن شئت فقل : إخراجا له من القوة إلى الفعل في جانبي السعادة والشقاوة ، وإن شئت فقل : تمييزا لحزب الرحمن وعباده من حزب الشيطان فقد اختلف التعبير عنه في الكتاب العزيز ، ومآل الجميع إلى معنى واحد ، قال تعالى جريا على مسلك الامتحان : « وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ » : ( آل عمران : ١٤٢ ) إلى غير ذلك من الآيات.

وقال جريا على المسلك الثاني : « فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى » : ( طه : ١٢٤ ).

وقال جريا على المسلك الثالث : « وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً ـ إلى أن

٣٥٢

قال ـ قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ » : ( الحجر : ٤٣ ) إلى غير ذلك من الآيات.

وبالجملة لما كانت العطايا الإلهية لنوع الإنسان من الاستعداد والتهيؤ مختلفة باختلاف الأزمان ، وكانت الشريعة والسنة الإلهية الواجب إجراؤها بينهم لتتميم سعادة حياتهم وهي الامتحانات الإلهية تختلف لا محالة باختلاف مراتب الاستعدادات وتنوعها أنتج ذلك لزوم اختلاف الشرائع ، ولذلك علل تعالى ما ذكره من اختلاف الشرعة والمنهاج بأن إرادته تعلقت ببلائكم وامتحانكم فيما أنعم عليكم فقال : « لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ ».

فمعنى الآية ـ والله أعلم ـ : لكل أمة جعلنا منكم ( جعلا تشريعيا ) شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لأخذكم أمة واحدة وشرع لكم شريعة واحدة ، ولكن جعل لكم شرائع مختلفة ليمتحنكم فيماءاتاكم من النعم المختلفة ، واختلاف النعم كان يستدعي اختلاف الامتحان الذي هو عنوان التكاليف والأحكام المجعولة فلا محالة ألقي الاختلاف بين الشرائع.

وهذه الأمم المختلفة هي أمم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وعليهم كما يدل عليه ما يمتن الله به على هذه الأمة بقوله : « شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى : ( الشورى : ١٣ ).

قوله تعالى : « فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً » (إلخ) الاستباق أخذ السبق ، والمرجع مصدر ميمي من الرجوع ، والكلام متفرع على قوله : « لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً » بما له من لازم المعنى أي وجعلنا هذه الشريعة الحقة المهيمنة على سائر الشرائع شريعة لكم ، وفيه خيركم وصلاحكم لا محالة فاستبقوا الخيرات وهي الأحكام والتكاليف ، ولا تشتغلوا بأمر هذه الاختلافات التي بينكم وبين غيركم فإن مرجعكم جميعا إلى ربكم تعالى فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ويحكم بينكم حكما فصلا ، ويقضي قضاء عدلا.

قوله تعالى : « وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ » ، هذا الصدر يتحد مع ما في الآية السابقة من قوله : « أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ » ، ثم يختلفان فيما فرع على كل منهما ، ويعلم منه أن التكرار لحيازة هذه الفائدة فالآية الأولى تأمر بالحكم بما أنزل الله وتحذر اتباع أهواء الناس لأن هذا الذي أنزله الله هي الشريعة المجعولة للنبي

٣٥٣

صلى‌الله‌عليه‌وآله ولأمته فالواجب عليهم أن يستبقوا هذه الخيرات ، والآية الثانية تأمر بالحكم بما أنزل الله ، وتحذر اتباع أهواء الناس وتبين أن توليهم إن تولوا عما أنزل الله كاشف عن إضلال إلهي لهم لفسقهم وقد قال الله تعالى : « يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ » : ( البقرة : ٢٦ ).

فيتحصل مما تقدم أن هذه الآية بمنزلة البيان لبعض ما تتضمنه الآية السابقة من المعاني المفتقرة إلى البيان ، وهو أن إعراض أرباب الأهواء عن اتباع ما أنزل الله بالحق إنما هو لكونهم فاسقين ، وقد أراد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم الموجبة لفسقهم ، والإصابة هو الإضلال ظاهرا ، فقوله : « وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ » عطف على الكتاب في قوله : « وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ » كما قيل ، والأنسب حينئذ أن يكون اللام فيه مشعرة بالتلميح إلى المعنى الحدثي ، ويصير المعنى : وأنزلنا إليك ما كتب عليهم من الأحكام وأن احكم بينهم بما أنزل الله (إلخ).

وقوله : « وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ » أمره تعالى نبيه بالحذر عن فتنتهم مع كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله معصوما بعصمة الله إنما هو من جهة أن قوة العصمة لا توجب بطلان الاختيار وسقوط التكاليف المبنية عليه فإنها من سنخ الملكات العلمية ، والعلوم والإدراكات لا تخرج القوى العاملة والمحركة في الأعضاء والأعضاء الحاملة لها عن استواء نسبة الفعل والترك إليها.

كما أن العلم الجازم بكون الغذاء مسموما يعصم الإنسان عن تناوله وأكله ، لكن الأعضاء المستخدمة للتغذي كاليد والفم واللسان والأسنان من شأنها أن تعمل عملها في هذا الأكل وتتغذى به ، ومن شأنها أن تسكن فلا تعمل شيئا مع إمكان العمل لها فالفعل اختياري وإن كان كالمستحيل صدوره ما دام هذا العلم.

وقد تقدم شطر من الكلام في ذلك في الكلام على قوله تعالى : « وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً » ( النساء : ١١٣ ).

وقوله : « فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ » بيان لأمر إضلالهم إثر فسقهم كما تقدم ، وفيه رجوع إلى بدء الكلام في هذه الآيات : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ » (إلخ) ففيه تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتطييب لنفسه ، وتعليم له

٣٥٤

ما لا يدب معه الحزن في قلبه ، وهكذا فعل الله سبحانه في جل الموارد التي نهى فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أن يحزن على توليهم عن الدعوة الحقة واستنكافهم عن قبول ما يرشدهم إلى سبيل الرشاد والفلاح فبين له صلى‌الله‌عليه‌وآله أنهم ليسوا بمعجزين لله في ملكه ولا غالبين عليه بل الله غالب على أمره ، وهو الذي يضلهم بسبب فسقهم ، ويزيغ قلوبهم عن زيغ منهم ، ويجعل الرجس عليهم بسلب توفيقه عنهم واستدراجه إياهم ، قال تعالى : « وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ » : ( الأنفال : ٥٩ ) وإذا كان الأمر إلى الله سبحانه ، وهو الذي يذب عن ساحة دينه الطاهرة كل رجس نجس فلم يفته شيء مما أراده ولا وجه للحزن إذا لم يكن فائت.

ولعله إلى ذلك الإشارة بقوله : « فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ » (إلخ) دون أن يقال : فإن تولوا فإنما يريد الله (إلخ) أو ما يؤدي معناه فيئول المعنى إلى تعليم أن توليهم أنما هو بتسخير إلهي فلا ينبغي أن يحزن ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه رسول داع إلى سبيل ربه إن أحزنه شيء فإنما ينبغي أن يحزنه لغلبته إرادة الله في أمر الدعوة الدينية ، وإذا كان الله سبحانه لا يعجزه شيء بل هو الذي يسوقهم إلى هنا وهناك بتسخير إلهي وتوفيق ومكر فلا موجب للحزن.

وقد بين تعالى هذه الحقيقة بلسان آخر في قوله : « فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً » : ( الكهف : ٨ ) فبين أن الله تعالى لم يرد بإرسال الرسل والإنذار والتبشير الديني إيمان الناس جميعا على حد ما يريده الإنسان في حوائجه ومآربه ، وإنما ذلك كله امتحان وابتلاء يبتلى به الناس ليمتاز به من هو أحسن عملا ، وإلا فالدنيا وما فيها ستبطل وتفنى فلا يبقى إلا الصعيد العاري من هؤلاء الكفار المعرضين عن الحديث الحق ، ومن كل ما يتعلق به قلوبهم فلا موجب للأسف إذ لا يجر ذلك خيبة إلى سعينا ولا بطلانا لقدرتنا وكلالا لإرادتنا.

وقوله : « وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ » في محل التعليل لقوله : « أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ » (إلخ) على ما تقدم بيانه.

قوله تعالى : « أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ » تفريع بنحو الاستفهام على ما بين في الآية السابقة من توليهم مع كون ما يتولون عنه هو حكم

٣٥٥

الله النازل إليهم والحق الذي علموا أنه حق ، ويمكن أن يكون في مقام النتيجة اللازمة لما بين في جميع الآيات السابقة.

والمعنى : وإذا كانت هذه الأحكام والشرائع حقة نازلة من عند الله ولم يكن وراءها حكم حق لا يكون دونها إلا حكم الجاهلية الناشئة عن اتباع الهوى فهؤلاء الذين يتولون عن الحكم الحق ما ذا يريدون بتوليهم وليس هناك إلا حكم الجاهلية؟ أفحكم الجاهلية يبغون والحال أنه ليس أحد أحسن حكما من الله لهؤلاء المدعين للإيمان؟

فقوله : « أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ » استفهام توبيخي ، وقوله : « وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً » استفهام إنكاري أي لا أحد أحسن حكما من الله ، وإنما يتبع الحكم لحسنه ، وقوله : « لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ » في أخذ وصف اليقين تعريض لهم بأنهم إن صدقوا في دعواهم الإيمان بالله فهم يوقنون بآياته ، والذين يوقنون بآيات الله ينكرون أن يكون أحد أحسن حكما من الله سبحانه.

واعلم أن في الآيات موارد من الالتفات من التكلم وحده أو مع الغير إلى الغيبة وبالعكس كقوله : « إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ » ثم قوله : « إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ » ثم قوله : « بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ » ثم قوله : « وَاخْشَوْنِ » وهكذا ، فما كان منها يختار فيه الغيبة بلفظ الجلالة فإنما يراد به تعظيم الأمر بتعظيم صاحبه.

وما كان منها بلفظ المتكلم وحده فيراد به أن الأمر إلى الله وحده لا يداخله ولي ولا يشفع فيه شفيع ، فإذا كان ترغيبا أو وعدا فإنما القائم به هو الله سبحانه ، وهو أكرم من يفي بوعده ، وإذا كان تحذيرا أو إيعادا فهو أشد وأشق ولا يصرف عن الإنسان بشفيع ولا ولي إذ الأمر إلى الله نفسه وقد نفي كل واسطة ورفع كل سبب متخلل فافهم ذلك ، وقد مر بعض الكلام فيه في بعض المباحث السابقة.

( بحث روائي )

في المجمع في قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ » (الآية) عن الباقر عليه‌السلام : أن امرأة من خيبر ذات شرف بينهم زنت مع رجل من أشرافهم وهما محصنان ، فكرهوا رجمهما ، فأرسلوا إلى يهود المدينة وكتبوا إليهم أن يسألوا النبي عن ذلك طمعا في أن يأتي لهم برخصة فانطلق قوم منهم كعب بن الأشرف وكعب بن أسيد وشعبة بن عمرو ومالك بن الصيف وكنانة بن أبي الحقيق وغيرهم فقالوا : يا محمد

٣٥٦

أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا ما حدهما؟ فقال : وهل ترضون بقضائي في ذلك؟

قالوا : نعم ، فنزل جبرائيل بالرجم فأخبرهم بذلك ـ فأبوا أن يأخذوا به فقال جبرائيل : اجعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له ـ.

فقال النبي : هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور ـ يسكن فدكا يقال له : ابن صوريا؟

قالوا : نعم ، قال : فأي رجل هو فيكم؟ قالوا : أعلم يهودي بقي على ظهر الأرض ـ بما أنزل الله على موسى ، قال : فأرسلوا إليه ففعلوا فأتاهم عبد الله بن صوريا.

فقال له النبي : إني أنشدك الله الذي لا إله إلا هو ـ الذي أنزل التوراة على موسى ، وفلق لكم البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون ، وظلل عليكم الغمام ، وأنزل عليكم المن والسلوى ـ هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن؟ قال ابن صوريا : نعم والذي ذكرتني به ـ لو لا خشية أن يحرقني رب التوراة ـ إن كذبت أو غيرت ما اعترفت لك ، ولكن أخبرني كيف هي في كتابك يا محمد؟ قال : إذا شهد أربعة رهط عدول أنه قد أدخله فيها ـ كما يدخل الميل في المكحلة وجب عليه الرجم ، قال ابن صوريا : هكذا أنزل الله في التوراة على موسى ـ.

فقال له النبي : فما ذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله؟ قال : كنا إذا زنى الشريف تركناه ، وإذا زنى الضعيف أقمنا عليه الحد ـ فكثر الزنا في أشرافنا ـ حتى زنى ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ، ثم زنى رجل آخر فأراد الملك رجمه فقال له قومه لا ـ حتى ترجم فلانا ـ يعنون ابن عمه ـ فقلنا : تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرجم ـ يكون على الشريف والوضيع ، فوضعنا الجلد والتحميم ، وهو أن يجلدا أربعين جلدة ـ ثم يسود وجوههما ثم يحملان على حمارين ، ويجعل وجوههما من قبل دبر الحمار ـ ويطاف بهما فجعلوا هذا مكان الرجم ـ.

فقالت اليهود لابن صوريا : ما أسرع ما أخبرته به! وما كنت لما أتينا عليك بأهل ، ولكنك كنت غائبا فكرهنا أن نغتابك ـ فقال : إنه أنشدني بالتوراة ، ولو لا ذلك لما أخبرته به ، فأمر بهما النبي فرجما عند باب مسجده ، وقال : أنا أول من أحيا أمرك إذا أماتوه فأنزل الله فيه : « يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا ـ يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ ـ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ » فقام ابن صوريا فوضع يديه على ركبتي رسول الله ثم قال : هذا مقام العائذ بالله وبك أن تذكر لنا الكثير ـ الذي أمرت أن تعفو عنه فأعرض النبي عن ذلك.

ثم سأله ابن صوريا عن نومه فقال : تنام عيناي ولا ينام قلبي ، فقال : صدقت ،

٣٥٧

وأخبرني عن شبه الولد بأبيه ـ ليس فيه من شبه أمه شيء ـ أو بأمه ليس فيه من شبه أبيه شيء ، فقال : أيهما علا وسبق ماء صاحبه كان الشبه له ـ قال : قد صدقت ، فأخبرني ما للرجل من الولد وما للمرأة منه؟ قال : فأغمي على رسول الله طويلا ـ ثم خلى عنه محمرا وجهه يفيض عرقا ـ فقال : اللحم والدم والظفر والشحم للمرأة ، والعظم والعصب والعروق للرجل ـ قال له : صدقت ، أمرك أمر نبي ـ.

فأسلم ابن صوريا عند ذلك وقال : يا محمد من يأتيك من الملائكة؟ قال : جبرائيل قال : صفه لي فوصفه النبي فقال : اشهد أنه في التوراة كما قلت : وأنك رسول الله حقاً.

فلما أسلم ابن صوريا وقعت فيه اليهود وشتموه ، فلما أرادوا أن ينهضوا ـ تعلقت بنو قريظة ببني النضير فقالوا : يا محمد إخواننا بنو النضير أبونا واحد ، وديننا واحد ، ونبينا واحد ـ إذا قتلوا منا قتيلا لم يقد ، وأعطونا ديته سبعين وسقا من تمر ، وإذا قتلنا منهم قتيلا قتلوا القاتل ـ وأخذوا منا الضعف مائة وأربعين وسقا من تمر ، وإن كان القتيل امرأة قتلوا به الرجل منا ، وبالرجل منهم رجلين منا ، وبالعبد الحر منا ـ وجراحاتنا على النصف من جراحاتهم ، فاقض بيننا وبينهم ـ فأنزل الله في الرجم والقصاص الآيات :

أقول : وأسند الطبرسي في المجمع ، إلى رواية جماعة من المفسرين مضافا إلى روايته عن الباقر (ع) ، وروي ما يقرب من صدر القصة في جوامع أهل السنة وتفاسيرهم بعدة طرق عن أبي هريرة وبراء بن عازب وعبد الله بن عمر وابن عباس وغيرهم ، والروايات متقاربة ، وروي ذيل القصة في الدر المنثور ، عن عبد بن حميد وأبي الشيخ عن قتادة ، وعن ابن جرير وابن إسحاق والطبراني وابن أبي شيبة وابن المنذر وغيرهم عن ابن عباس.

أما ما وقع في الرواية من تصديق ابن صوريا وجود حكم الرجم في التوراة وأنه المراد بقوله : « وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ » (الآية) فيؤيده أيضا وجود الحكم في التوراة الدائرة اليوم بنحو يقرب مما في الحديث.

ففي الإصحاح (١) الثاني والعشرين من سفر التثنية من التوراة ما هذا نصه: [ (٢٢) إذا وجد رجل مضطجعا مع امرأة زوجة بعل ـ يقتل الاثنان : الرجل المضطجع مع المرأة والمرأة ـ فتنزع الشر من إسرائيل (٢٣) إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل ـ فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها (٢٤) فأخرجوهما كليهما إلى باب تلك المدينة ـ وارجموهما بالحجارة

__________________

(١) منقول من التوراة العربية المطبوعة في كمبروج سنة ١٩٣٥.

٣٥٨

حتى يموتا : الفتاة من أجل أنها لم تصرخ في المدينة ، والرجل من أجل أنه أذل امرأة صاحبه فتنزع الشر من وسطك.

وهذا كما ترى يخص الرجم ببعض الصور.

وأما ما وقع في الرواية من سؤالهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن حكم الدية مضافا إلى سؤالهم عن حكم زنا المحصن فقد تقدم أن الآيات لا تخلو عن تأييد لذلك ، والذي ذكرته الآية في حكم القصاص في القتل والجرح أنه مكتوب في التوراة فهو موجود في التوراة الدائرة اليوم : في الإصحاح (١) الحادي والعشرين من سفر الخروج من التوراة ما نصه: [ (١٢) من ضرب إنسانا فمات يقتل قتلا (١٣) ولكن الذي لم يتعمد بل أوقع الله في يد ـ فأنا أجعل لك مكانا يهرب إليه ... (٢٣) وإن حصلت أذية تعطي نفسا بنفس (٢٤) وعينا بعين وسنا بسن ويدا بيد ورجلا برجل (٢٥) وكيا بكي وجرحا بجرح ورضا برض ].

وفي الإصحاح الرابع والعشرين من سفر اللاويين ما نصه: [ (١٧) وإذا أمات أحد إنسانا فإنه يقتل (١٨) ومن أمات بهيمة فإنه يعوض عنها نفسا بنفس (١٩) وإذا أحدث إنسان في قرينه عيبا ـ فكما فعل كذلك يفعل به (٢٠) كسر بكسر وعين بعين وسن بسن كما أحدث عيبا في الإنسان كذلك يحدث فيه ].

وفي الدر المنثور ، أخرج أحمد وأبو داود بن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: إن الله أنزل : « وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ـ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ، الظَّالِمُونَ ، الْفاسِقُونَ » ، أنزلها الله في طائفتين من اليهود ـ قهرت إحداهما الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا ـ واصطلحوا على أن كل قتل ـ قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا ، وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق ـ فكانوا على ذلك حتى قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة ـ فنزلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يومئذ لم يظهر عليهم فقامت الذليلة فقالت : وهل كان هذا في حيين قط : دينهما واحد ، ونسبهما واحد ، وبلدهما واحد ، ودية بعضهم نصف دية بعض؟ إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا وفرقا منكم فأما ، إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك فكادت الحرب تهيج بينهم ـ ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بينهم ـ ففكرت العزيزة فقالت : والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم ، ولقد صدقوا ما أعطونا هذا إلا ضيما وقهرا لهم ، فدسوا إلى رسول الله

__________________

(١) في المصدر السابق الذكر.

٣٥٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فأخبر الله رسوله بأمرهم كله وما ذا أرادوا ـ فأنزل الله : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ـ إلى قوله ـ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » ثم قال : فيهم والله أنزلت.

أقول : وروى القصة القمي في تفسيره في حديث طويل وفيه : أن عبد الله بن أبي هو الذي كان يتكلم عن بني النضير ـ وهي العزيزة ـ ويخوف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرهم ، وأنه كان هو القائل : « إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ».

والرواية الأولى أصدق متنا من هذه لأن مضمونها أوفق وأكثر انطباقا على سياق الآيات فإن أوائل الآيات وخاصة الآيتين الأوليين لا تنطبق سياقا على ما ذكر من قصة الدية بين بني النضير وبني قريظة كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام ، وليس من البعيد أن يكون الرواية من قبيل تطبيق القصة على القرآن على حد كثير من روايات أسباب النزول ، فكأن الراوي وجد القصة تنطبق على مثل قوله : « وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ » (الآية) وما قبلها ، ثم رأى اتصال الآيات بادئة من قوله : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ » (الآية) فأخذ جميع الآيات نازلة في هذه القصة ، وقد غفل عن قصة الرجم. والله أعلم.

وفي تفسير العياشي ، عن سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إن الله إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء ، وفتح مسامع قلبه ، ووكل به ملكا يسدده ، وإذا أراد الله بعبد سوءا نكت في قلبه نكتة سوداء ، وسد مسامع قلبه ووكل به شيطانا يضله ـ.

ثم تلا هذه الآية : « فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ـ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » (الآية) وقال : « إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ » وقال : « أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ».

وفي الكافي ، بإسناده عن السكوني عن أبي عبد الله قال : السحت ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخمر ـ ومهر البغي والرشوة في الحكم وأجر الكاهن.

أقول : ما ذكره في الرواية إنما هو تعداد من غير حصر ، وأقسام السحت كثيرة كما في الروايات ، وفي هذا المعنى وما يقرب منه روايات كثيرة من طرق أئمة أهل البيت عليه‌السلام.

وفي الدر المنثور ، أخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب : أنه سئل عن السحت

٣٦٠