كتاب من لا يحضره الفقيه - ج ٤

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

كتاب من لا يحضره الفقيه - ج ٤

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: علي اكبر الغفّاري
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٨٩

٥٨٢٣ ـ « احثوا في وجوه المداحين التراب » (١).

٥٨٢٤ ـ « استنزلوا الرزق بالصدقة ».

٥٨٢٥ ـ « ادفعوا البلاء بالدعاء ».

٥٨٢٦ ـ « جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ».

٥٨٢٧ ـ « ما نقص مال من صدقة » (٢).

٥٨٢٨ ـ « لا صدقة وذو رحم محتاج »

٥٨٢٩ ـ ـ « الصحة والفراغ نعمتان مكفورتان » (٣).

٥٨٣٠ ـ « عفو الملك أبقى للملك » (٤).

٥٨٣١ ـ « هبة الرجل لزوجته تزيد في عفتها ».

٥٨٣٢ ـ « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ».

٥٨٣٣ ـ « وروى لي محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي‌الله‌عنه عن أحمد ابن محمد بن سعيد الهمداني قال : حدثني الحسن بن القاسم قراءة قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن المعلى قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن خالد قال : حدثنا عبد الله بن بكر المرادي ، عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي ابن الحسين ، عن أبيه ( عليهما‌السلام ) قال : « بينا أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) ذات يوم جالس مع أصحابه يعبيهم للحرب (٥) إذا أتاه شيخ عليه شحبة السفر (٦) ، فقال : أين أمير المؤمنين؟ فقيل : هو ذا فسلم عليه ، ثم قال : يا أمير المؤمنين إني أتيتك من ناحية الشام وأنا

__________________

(١) أي خيبوهم ولا تعطوهم شيئا. ( م ت )

(٢) في جامع الترمذي « ما نقصت صدقة من مال »

(٣) أي مستورتان لا يعرف حقهما ولا قدرهما ما كانتا حاصلتان لا حد.

(٤) رواه الرافعي هكذا « عفو الملوك أبقى للملك ».

(٥) أي يهيئهم للحرب بالتعليم أو دفع الزاد والراحلة وأمثالهما.

(٦) بالحاء المهملة والباء الموحدة ، والشاحب : المتغير اللون والجسم من مرض أو سفر أو نحوهما. ( م ت )

٣٨١

شيخ كبير قد سمعت فيك من الفضل مالا أحصى وإني أظنك ستغتال فعلمني مما علمك الله ، قال : نعم يا شيخ : من اعتدل يوماه فهو مغبون (١) ومن كانت الدنيا همته اشتدت حسرته عند فراقها ، ومن كان غده شر يوميه فهو محروم ، ومن لم يبال بمارزى (٢) من آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك ، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى ، ومن كان في نقص فالموت خير له ، يا شيخ : ارض للناس ما ترضى لنفسك ، وائت إلى الناس ما تحب أن يؤتى إليك ، ثم أقبل على أصحابه فقال : أيها الناس أما ترون إلى أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى فبين صريع يتلوى (٣) ، وبين عائد ومعود (٤) وآخر بنفسه يجود ، وآخر لا يرجى ، وآخر مسجى (٥) وطالب الدنيا والموت يطلبه ، وغافل وليس بمغفول عنه ، وعلى أثر الماضي يصير الباقي (٦).

فقال له زيد بن صوحان العبدي : يا أمير المؤمنين أي سلطان أغلب وأقوى؟ قال : الهوى ، قال : فأي ذل أذل؟ قال : الحرص على الدنيا ، قال : فأي فقر أشد؟ قال : الكفر بعد الايمان ، قال : فأي دعوة أضل؟ قال : الداعي بما لا يكون ، (٧)

__________________

(١) أي يجب أن يكون المؤمن في كل يوم في الزيادة في العلم واصلاح النفس والعمل بالاخلاص والحضور والقرب إلى الله تعالى والا فهو مغبون في عمره ونفسه.

(٢) الرزاء : النقص.

(٣) أي أحوالهم متفرقة فاما أن يكون ساقطا من المرض وينقلب من جانب إلى آخر.

(٤) أي أحدهم مريض والاخر يذهب إلى عبادته ، ولا يتفكرون في أن المرض باب الموت وهو لكل نفس لازم يمكن أن يجيئ بغتة. ( م ت )

(٥) جاد بالمال : بذله ، وجاد بنفسه : سمح بها عند الموت وحالة النزع ، وقوله : « وآخر لا يرجى » أي حياته من شدة المرض ، و « آخر مسجى » أي ميت مغطى بثوب ، وآخر طالب للدنيا أي هو في غفلة من أن الموت يطلبه.

(٦) الأثر ـ محركة ـ والأثر ـ بكسر الهمزة ـ كلاهما بمعنى ، ومعنى الجملة أن الباقين يعلمون أن مدار هذه الدنيا الفانية على هذه الأحوال ومع ذلك لا ينتبهون.

(٧) أي الداعي الذي طلب في الدنيا الرفاهية أو الخلود.

٣٨٢

قال : فأي عمل أفضل؟ قال : التقوى ، قال : فأي عمل أنجح؟ قال : طلب ما عند الله عز وجل ، قال : فأي صاحب لك شر؟ قال : المزين لك معصية الله عزوجل ، قال : فأي الخلق أشقى؟ قال : من باع دينه بدنيا غيره (١) ، قال : فأي الخلق أقوى؟ قال : الحليم ، قال : فأي الخلق أشح؟ قال : من أخذ المال من غير حله فجعله في غير حقه ، قال : فأي الناس أكيس؟ قال : من أبصر رشده من غيه فمال إلى رشده ، قال : فمن أحلم الناس؟ قال : الذي لا يغضب ، قال : فأي الناس أثبت رأيا؟ قال : من لم يغره الناس من نفسه ومن لم تغره الدنيا بتشوفها (٢) قال : فأي الناس أحمق (٣) قال : المغتر بالدنيا وهو يرى ما فيها من تقلب أحوالها ، قال : فأي الناس أشد حسرة؟ قال : الذي حرم الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ، قال : فأي الخلق أعمى؟ قال : الذي عمل لغير الله ، يطلب بعمله الثواب من عند الله عزوجل ، قال : فأي القنوع أفضل؟ قال : القانع بما أعطاه الله عزوجل ، قال : فأي المصائب أشد؟ قال : المصيبة بالدين (٤) قال : فأي الأعمال أحب إلى الله عزوجل؟ قال : انتظار الفرج؟ قال : فأي الناس خير عند الله؟ قال أخوفهم لله وأعملهم بالتقوى وأزهدهم في الدنيا؟ قال : فأي الكلام أفضل عند الله عزوجل؟ قال : كثرة ذكره والتضرع إليه بالدعاء ، قال : فأي القول أصدق؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، قال : فأي الأعمال أعظم عند الله عزوجل؟ قال : التسليم والورع ، قال : فأي الناس أصدق؟ قال : من صدق في المواطن (٥).

__________________

(١) كالشهادة بالباطل لأجل الغير ، أو ترك الشهادة بالحق.

(٢) بالفاء أي تزينها ، وفي بعض النسخ « بتسوفها » من التسويف والظاهر كونه مصحفا.

(٣) ظاهره بقرينة السياق أنه على أفعل التفضيل أي أشد حماقة ، ويحتمل أن المراد مطلق الأحمق.

(٤) « الدين » اما بكسر الدال والمراد من المصيبة به ترك الطاعات أو فعل المعاصي ، واما بفتحها والمعنى ظاهر ، وفي بعض النسخ « في الدين ».

(٥) أي في كل موضع أو خصوص مواضع الحرب.

٣٨٣

ثم أقبل ( عليه‌السلام ) على الشيخ فقال : يا شيخ إن الله عزوجل خلق خلفا ضيق الدنيا عليهم نظرا لهم فزهدهم فيها وفي حطامها ، فرغبوا في دار السلام التي دعاهم إليها وصبروا على ضيق المعيشة وصبروا على المكروه ، واشتاقوا إلى ما عند الله عزوجل من الكرامة ، فبذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان الله ، وكانت خاتمة أعمالهم الشهادة فلقوا الله عزوجل وهو عنهم راض وعلموا أن الموت سبيل من مضى ومن بقي ، فتزودوا لآخرتهم غير الذهب والفضة ، ولبسوا الخشن ، وصبروا على البلوى (١) ، وقدموا الفضل ، وأحبوا في الله وأبغضوا في الله عزوجل ، أولئك المصابيح ، وأهل النعيم في الآخرة والسلام.

قال الشيخ : فأين أذهب وأدع الجنة وأنا أراها وأرى أهلها معك يا أمير المؤمنين جهزني بقوة أتقوى بها على عدوك ، فأعطاه أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) سلاحا وحمله وكان في الحرب بين يدي أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) يضرب قدما (٢) وأمير المؤمنين عليه‌السلام يعجب مما يصنع ، فلما اشتد الحرب أقدم فرسه حتى قتل رحمة الله عليه وأتبعه رجل من أصحاب أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) فوجده صريعا ووجد دابته ووجد سيفه في ذراعه ، فلما انقضت الحرب أتى أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) بدابته وسلاحه وصلى عليه أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : هذا والله السعيد حقا ، فترحموا على أخيكم.

٥٨٣٤ ـ وقال أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) في وصيته لابنه محمد بن الحنفية رضي‌الله‌عنه : يا بنى إياك والاتكال على الأماني فإنها بضائع النوكى (٣) وتثبيط عن

__________________

(١) في بعض النسخ « على الطوى » أي الجوع

(٢) بضمتين أي شجاعا : أو لم يحول وجهه عن الحرب.

(٣) الاتكال : الاعتماد ، والأماني جمع الأمنية وهي التمنيات الباطلة أكاذيب الشيطان ، ولعل المراد تسويف التوبة ، والنوكي ـ بالفتح كسكرى ـ جمع أنوك أي الأحمق ، والنوك ـ بالضم والفتح ـ الحمق أي الحمقى ليس لهم رأس مال الا أكاذيب الشيطان فإنه يقول أخر التوبة إلى آخر العمر ، ولا يدرى الضعيف ولا يعلم أنه لعله في آخر ساعاته ، والتثبيط : التعويق.

٣٨٤

الآخرة ، ومن خير حظ المرء قرين صالح ، جالس أهل الخير تكن منهم ، باين أهل الشر ومن يصدك عن الله عزوجل وذكر الموت بالأباطيل المزخرفة والأراجيف الملفقة تبن منهم ، ولا يغلبن عليك سوء الظن بالله عزوجل ، فإنه لن يدع بينك وبين خليلك صلحا (١) ، اذك بالأدب قلبك كما تذكى النار بالحطب (٢) فنعم العون الأدب للنحيزة (٣) والتجارب لذي اللب ، اضمم آراء الرجال بعضها إلى بعض ثم اختر أقربها إلى الصواب وأبعدها من الارتياب (٤) ، يا بنى لا شرف أعلى من الاسلام ، ولا كرم أعز من التقوى ، ولا معقل أحرز من الورع ، (٥) ولا شفيع أنجح من التوبة ، ولا لباس أجمل من العافية ، ولا وقاية أمنع من السلامة ، ولا كنز أغنى من القنوع ، ولا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت ، ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة وتبوأ خفض الدعة (٦) ، الحرص داع إلى التقحم في

__________________

(١) أي إذا رأيت من إخوانك مخالفة لله تعالى لا يغلبن عليك أنه لا يغفره الله سبحانه مع أنك في أعمالك تحسن الظن به وتعتقد أن الله تعالى سيغفر لك ، فإذا أسأت الظن بالله بالنظر إليه فلا يبقى بينك وبين خليلك صلحا.

(٢) أي نور بالأدب مع الله سبحانه قلبك بالمداومة على الذكر ومراعاة الحياء منه فان القلب يموت بترك الذكر وينطفي نوره حتى يران ويطبع عليه ، وروى عن سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : « وانه ليغان على قلبي وانى لأستغفر الله في كل يوم سبعين مرة »

(٣) في اللغة : النحيزة : الطبيعة ، يقال : هو كريم النحيزة أي كريم النفس. وفي بعض النسخ « للخيرة » أي الأخيار.

(٤) كما في قوله تعالى « فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ».

(٥) المعقل : الحصن فان من تجنب عن الشبهات نجا من المهلكات.

(٦) البلغة ـ بضم الباء الموحدة ـ : ما يكتفي به من المعاش واضافتها إلى الكفاف بيانية ، « فقد انتظم » أي سلسلة الراحة فاستراح من جميع الآلام والغموم ، « وتبوأ خفض الدعة » أي سكن مسكن سعة العيش والراحة ( م ت ) أقول : الدعة خفض العيش : فإضافة الخفض إلى الدعة للتأكيد.

٣٨٥

الذنوب (١) الق عنك واردات الهموم بعزائم الصبر ، عود نفسك الصبر ، فنعم الخلق الصبر ، واحملها (٢) على ما أصابك من أهوال الدنيا وهمومها ، فاز الفائزون ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى فإنه جنة من الفاقة. وألجئ نفسك في الأمور كلها إلى الله الواحد القهار (٣) فإنك تلجئها إلى كهف حصين ، وحرز حريز ، ومانع عزيز (٤) ، وأخلص المسألة لربك (٥) فإن بيده الخير والشر ، والاعطاء والمنع ، والصلة والحرمان.

وقال ( عليه‌السلام ) في هذه الوصية : يا بنى الرزق رزقان : رزق تطلبه ورزق يطلبك فإن لم تأته أتاك (٦) فلا تحمل هم سنتك على هم يومك ، وكفاك كل يوم ما هو فيه فإن تكن السنة من عمرك فإن الله عزوجل سيأتيك في كل غد بجديد ما قسم لك وإن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بغم وهم ما ليس لك ، واعلم أنه (٧) لن يسبقك إلى رزقك طالب ، ولن يغلبك عليه غالب ، ولن يحتجب عنك ما قدر لك ، فكم رأيت من طالب متعب نفسه مقتر عليه رزقه ، ومقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير وكل مقرون به الفناء ، اليوم لك وأنت من بلوغ غد على غير يقين ، ولرب مستقبل يوما ليس بمستدبره (٨) ومغبوط في أول ليلة قام في آخرها بواكيه ، فلا يغرنك

__________________

(١) التقحم : التهجم في المهالك بلا روية ، والمراد أن الحريص لا يقنع بالحلال

(٢) الضمير المؤنث راجع إلى النفس والجملة الآتية إلى « الفاقة » تفصيل لمعنى الصبر.

(٣) ألجئ أمر من الالجاء أي بالتوكل والتفويض.

(٤) أي فإنك حينئذ أي حين ما تلجئها إلى الله عزوجل تلجئها إلى حصن حصين.

(٥) أي لا تسأل أحدا غيره سبحانه وتعالى فان أزمة الأمور طرأ بيده.

(٦) ما تطلبه هو الزيادة ، وما يطلبك هو الكفاف والله ضامن له كما قال « هو الرزاق ذو القوة المتين » وقال : « وفي السماء رزقكم وما توعدون ».

(٧) قوله عليه‌السلام « واعلم ـ الخ » لبيان أن الرزق مقدر مقسوم ، لا يزيده اتعاب متعب ، ولا ينقصه اقتصاد مقتصد في الطلب.

(٨) بل يموت قبل اليوم أو في اليوم ، واللام في « لرب » جواب قسم محذوف ، وقوله « مغبوط » عطف على « مستقبل » ومعناه من يتمنى الناس حاله.

٣٨٦

من الله طول حلول النعم وإبطاء موارد النقم (١) ، فإنه لو خشي الفوت عاجل بالعقوبة قبل الموت.

يا بنى : اقبل من الحكماء مواعظهم (٢) وتدبر أحكامهم ، وكن آخذ الناس بما تأمر به وأكف الناس عما تنهى عنه ، وأمر بالمعروف تكن من أهله ، فإن استتمام الأمور عند الله تبارك وتعالى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وتفقه في الدين فإن الفقهاء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكنهم ورثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر.

واعلم أن طالب العلم يستغفر له من في السماوات والأرض حتى الطير في جو السماء والحوت في البحر ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى به ، وفيه شرف الدنيا والفوز بالجنة يوم القيامة ، لان الفقهاء هم الدعاة إلى الجنان والا دلاء ، على الله تبارك وتعالى وأحسن إلى جميع الناس كما تحب أن يحسن إليك ، وارض لهم ما ترضاه لنفسك ، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك ، وحسن مع جميع الناس خلقك حتى إذا غبت عنهم حنوا إليك (٣) وإذا مت بكوا عليك وقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا تكن من الذين يقال عند موته : الحمد لله رب العالمين.

واعلم أن رأس العقل بعد الايمان بالله عزوجل مدارأة الناس ، ولا خير فيمن لا يعاشر بالمعروف من لابد من معاشرته حتى يجعل الله إلى الخلاص منه سبيلا ، فإني وجدت جميع ما يتعايش به الناس وبه يتعاشرون ملء مكيال ثلثاه استحسان وثلثه تغافل (٤) ، وما خلق الله عزوجل شيئا أحسن من الكلام ولا أقبح منه ، بالكلام

__________________

(١) لان ذلك ربما كان استدراجا فحسبته نعمة ، وقوله « فإنه » أي فان الله عزوجل.

(٢) أي العلماء الذين يعلمون ما يصلح العبد وما يفسده ، وقد أشار تعالى إليهم وقال : « ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا ».

(٣) من الحنين بمعنى الاشتياق ، حن إليه أي اشتاق.

(٤) المراد بالاستحسان عد شئ حسنا وهو فيما يمكن من الافعال حمله على أنه حسن وفيما لا يمكن ذلك فيه ينبغي حمله على التغافل. ( مراد )

٣٨٧

ابيضت الوجوه ، وبالكلام اسودت الوجوه ، واعلم أن الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به فإذا تكلمت به صرت في وثاقه ، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك ورقك ، فإن اللسان كلب عقور فإن أنت خليته عقر ، ورب كلمة سلبت نعمة ، من سيب عذاره (١) قاده إلى كل كريهة وفضيحة ، ثم لم يخلص من دهره إلا على مقت من الله عزوجل وذم من الناس (٢).

قد خاطر بنفسه من استغنى برأيه (٣) ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ ، من تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفظعات النوائب (٤) ، والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم ، والعاقل من وعظته التجارب ، وفي التجارب علم مستأنف ، وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال (٥) ، الأيام تهتك لك عن السرائر الكامنة ، تفهم وصيتي هذه ولا تذهبن عنك صفحا (٦) فإن خير القول ما نفع.

__________________

(١) أي أرسل نفسه بلا لجام الدين والعقل ولم يقيد بأحكامهما من الأوامر والنواهي ، والمذار من الفرس كالعارض من الانسان ، وسمى اللجام عذارا تسمية باسم موضعه وهو كناية عن العنان ، ولعل الضمير في « عذاره » للسان.

(٢) لم يخلص من دهره كناية عن الموت ، وفي بعض النسخ : « لم يتخلص دهره » وفي بعضها « لم يتخلص من وهدة » ، والمقت : البغض والعداوة.

(٣) خاطر بنفسه أي أوقع نفسه في الخطر.

(٤) المفظع : الشنيع والصعب ، والنوائب جمع نائبة وهي المصيبة والحادثة ومفظعات والطاء المهملة فيمكن حينئذ أن يقرء بفتح الطاء من قبيل قوله عزوجل « قطعت لهم ثياب من نار » وأن يقرء بكسر الطاء أي النوائب المقطعة للأوصال.

(٥) أي في العسر والانتقال من الشدة إلى الرخاء ومن الرخاء إلى الشدة والصحة والمرض يعرف الكمال والنقص باعتبار الاستقامة وعدمها.

(٦) الهتك : حرق الستر عما وراءه ، و « صفحا » مفعول له أو حال من فاعل « تذهبن » أي بأن تعرض عنها بصفحة وجه قلبك ، وقوله « فان خير القول ـ الخ » تعليل للنهي عن الاعراض عن النصيحة فإنها حينئذ تضيع حيث لا تنفع فلا يكون فيه خير بالنسبة إلى المنصوح.

٣٨٨

إعلم يا بنى أنه لا بدلك من حسن الارتياد (١) وبلاغك من الزاد مع خفة الظهر ، فلا تحمل على ظهرك فوق طاقتك فيكون عليك ثقلا في حشرك ونشرك في القيامة ، فبئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.

واعلم أن أمامك مهالك ومهاوي (٢) وجسورا وعقبة كوودا لا محالة أنت هابطها (٣) وأن مهبطها إما على جنة أو على نار ، فارتد لنفسك قبل نزولك إياها (٤) و إذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل زادك إلى القيامة فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمله (٥) وأكثر من تزوده وأنت قادر عليه ، فلعلك تطلبه فلا تجده ، وإياك أن تثق لتحميل زادك بمن لا ورع له ولا أمانة فيكون مثلك مثل ظمآن رأى سرابا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا فتبقى في القيامة منقطعا بك (٦).

وقال ( عليه‌السلام ) في هذه الوصية : يا بنى البغي سائق إلى الحين ، (٧) لن يهلك امرء عرف قدره ، من حصن شهوته صان قدره (٨) قيمة كل امرء ما يحسن ، الاعتبار يفيدك الرشاد ، (٩) أشرف الغنى ترك المنى ، الحرص فقر حاضر ، المودة قرابة

__________________

(١) الارتياد : الطلب والمراد هنا طلب ما فيه صلاح.

(٢) من أهوال يوم القيامة ، والجسور جمع الجسر.

(٣) قوله : « كؤودا » أي شاقه ، والهبوط النزول.

(٤) فارتد لنفسك أي اختر لها قبل نزولك فيها الجنة بأن يكون مهبطك إليها.

(٥) أي تصدق في الدنيا على الفقراء فكأنهم حملة زادك.

(٦) لما حث على التصدق وشبهه بحمل الزاد على من يتصدق عليه ليوصله إلى القيامة شبه التصدق على على غير المستحق بحمل الزاد على من لا ورع له فيذهب بالزاد فلم يصل إليه حين الاحتياج ، ومعنى منقطعا بك أن يقطعك عن الزاد أي تبقى لا زاد لك. ( مراد )

(٧) الحين ـ بفتح المهملة ـ : الهلاك والمحنة ، وفي بعض النسخ « الجبن » ولعله تصحيف.

(٨) في بعض النسخ « من حظر شهوته » أي منعها ، وحصن أي حفظ.

(٩) الاعتبار من العبور والمقصود الاتعاظ ، قال الجرجاني في التعريفات : الاعتبار أن يرى الدنيا للفناء والعاملين فيها للموت ، وعمرانها للخراب ، وقيل : الاعتبار اسم المعتبرة وهي رؤية فناء الدنيا كلها باستعمال النظر في فناء جزئها ، وقيل الاعتبار من العبر وهو شق النهر والبحر يعنى يرى المعتبر نفسه على حرف من مقامات الدنيا.

٣٨٩

مستفادة (١) ، صديقك أخوك لأبيك وأمك وليس كل أخ لك من أبيك وأمك صديقك لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك ، كم من بعيد أقرب منك من قريب ، وصول معدم خير من مثر جاف (٢) ، الموعظة كهف لمن وعاها ، من من بمعروفه أفسده (٣) ، من أساء خلقه عذب نفسه وكانت البغضة أولى به ، ليس من العدل القضاء بالظن على الثقة (٤).

ما أقبح الأشر عند الظفر (٥) والكآبة عند النائبة (٦) المعضلة ، القسوة على الجار ، والخلاف على الصاحب (٧) والحنث من ذي المروءة (٨) ، والغدر من السلطان.

كفر النعم موق (٩) ومجالسة الأحمق شوم ، اعرف الحق لمن عرفه لك شريفا كان أو وضيعا ، من ترك القصد جار (١٠) ، من تعدى الحق ضاق مذهبه ، كم من دنف

__________________

(١) بل هو أحسن القرابة ، فان الأغلب أن الأقارب كالعقارب ، فإذا استفاد قرابة بالمودة باعطاء المال أو العلم أو المعاونة في الأمور صار بمنزلة الأخ والأب والام. ( م ت )

(٢) المعدم : الفقير ، والمثرى : ذو الثروة ، والجاف فاعل من الجفاء.

(٣) كما قال سبحانه « لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ».

(٤) أي إذا كنت تثق بأحد في الدين والديانة والمحبة وغيرها فما لم يحصل لك اليقين بزوال ذلك لا تحكم عليه بالزوال بمجرد الظن فان الظن لا يغنى من الحق شيئا. ( م ت )

(٥) الأشر : البطر والنشاط والطغيان والتجاوز عن الحد.

(٦) الكآبة : الحزن والغم ، والمعضلة : الشديدة ، أي ما أقبح الجزع والحزن عند المصيبة الشديدة ، وفي بعض النسخ « والكآبة عند النائبة ، والغلطة والقسوة على الجار » ولعل لفظة الغلظة تفسير للقسوة لبعض المحشين وكتبها فوق السطر فوهم الكاتب وأدخلها في المتن أو كانت كلمة المعضلة تفسيرا للنائبة للمحشى كالغلظة أيضا.

(٧) أي ما أقبح مخالفة الصاحب لا سيما في السفر.

(٨) الحنث : الخلف في اليمين ، والاثم ، وفي بعض النسخ « الخبث » بالخاء المعجمة والباء الموحدة.

(٩) الموق ـ بضم الميم ـ الحمق في غباوة أي كفران النعمة من الحماقة.

(١٠) بالجيم من الجور ، وقد يقرء بالحاء المهملة من الحيرة أي من ترك التوسط في الأمور مال عن الحق لا محالة له أو تحير.

٣٩٠

قد نجا وصحيح قد هوى (١) ، قد يكون اليأس إدراكا والطمع هلاكا ، استعتب من رجوت عتابه ، (٢) لا تبيتن من امرء على غدر ، الغدر شر لباس المرء المسلم ، من غدر ما أخلق أن لا يوفى له ، الفساد يبير الكثير (٣) ، والاقتصاد ينمى اليسير ، من الكرم الوفاء بالذمم ، من كرم ساد ، ومن تفهم ازداد ، امحض أخاك النصيحة وساعده على كل حال ما لم يحملك على معصية الله عزوجل زل معه حيث زال (٤) لا تصرم أخاك على ارتياب ، ولا تقطعه دون استعتاب (٥) لعل له غدرا وأنت تلوم ، اقبل من متنصل عذره فتنالك الشفاعة (٦).

وأكرم الذين بهم تصول ، وازدد لهم طول الصحبة برا وإكراما وتبجيلا وتعظيما (٧) فليس جزاء من عظم شأنك أن تضع من قدره ، ولا جزاء من سرك أن تسوءه ، أكثر البر ما استطعت لجليسك فإنك إذا شئت رأيت رشده ، من كساه الحياء ثوبه اختفى عن العيون عيبه ، من تحرى القصد خفت عليه المؤن (٨) ، من لم يعط

__________________

(١) « دنف » أي المبتلى بمرض مزمن ، و « هوى » أي مات أو مرض

(٢) أي استرض من خفت عتابه قبل أن يعاتبك ، من الرجو وهو الخوف.

(٣) ما أخلق أي ما أليق ، وأباره أي أهلكه.

(٤) أي وافقه في جميع الأمور الا في المعاصي وهذه الجملة مقدمة على الجملة السابقة في المعنى.

(٥) أي لا تقطع أخاك بمجرد سوء الظن به في محبته أو فسقه ، وإذا وصل إليك منه خلاف فاسأله عن ذلك لأي شئ فعله أو قاله لعله يلقى إليك عذره ويرضيك فلا تقطعه قبل ذلك.

(٦) المتنصل : المعتذر ، ولعل المراد بالشفاعة شفاعة النبي والأئمة عليهم‌السلام في القيامة ، أو هي كناية عن قبول عذره في القيامة ان لم يكن معذورا.

(٧) التبجيل : التعظيم أي أكرم أقرباءك وأصدقاءك واخوانك ومن كان من حاشيتك فان بهم تصول على عدوك فينبغي أن يراعى حشمتهم بزيادة البر والاحسان والاكرام والتوقير بالنسبة إليهم.

(٨) المؤن ـ بضم الميم وفتح الهمزة ـ جمع المؤونة أي الثقل والقوت.

٣٩١

نفسه شهوتها أصاب رشده ، مع كل شدة رخاء ومع كل اكلة غصص (١) ، لا تنال نعمة إلا بعد أذى ، لن لمن غاظك تظفر بطلبتك ، ساعات الهموم ساعات الكفارات و الساعات تنفد عمرك ، لا خير في لذة بعدها النار ، وما خير بخير بعده النار ، وما شر بشر بعده الجنة ، كل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية ، لا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه ، فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه ، ولا يكونن أخوك على قطيعتك أقوى منك على صلته ، ولا على الإساءة إليك أقوى منك على الاحسان إليه.

يا بنى إذا قويت فاقو على طاعة الله عزوجل ، وإذا ضعفت فاضعف عن معصية الله عزوجل ، وإن استطعت أن لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فافعل (٢) فإنه أدوم لجمالها وأرخى لبالها وأحسن لحالها ، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة فدارها (٣) على كل حال وأحسن الصحبة لها فيصفو عيشك ، احتمل القضاء بالرضا (٤) وإن أحببت أن تجمع خير الدنيا والآخرة فاقطع طمعك مما في أيدي الناس ، و السلام عليك ورحمة الله وبركاته. هذا آخر وصيته ( عليه‌السلام ) لمحمد بن الحنفية.

٥٨٣٥ ـ وروى محمد بن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، وهشام بن سالم ، ومحمد بن حمران عن الصادق ( عليه‌السلام ) قال : « عجبت لمن فزع من أربع كيف لا يفزع إلى أربع ، عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله عزوجل » حسبنا الله ونعم الوكيل فإني سمعت الله عزوجل يقول بعقبها : « فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء » (٥).

__________________

(١) الغصص جمع الغصة وهي أن تقع في الحلق فلم تكد تسيغه ، والمراد أن مع كل لذة من لذات الدنيا أفات وبليات.

(٢) أي لا تكلفها ما جاوز نفسها ، أو لا تفوض إليها مهما أمكنك أمورك.

(٣) القهرمان ـ بفتح القاف والراء ـ : الوكيل والأمين والمفوض إليه أمور البيت والدار. وقوله عليه‌السلام « فدارها » من المداراة.

(٤) أي ارض عن الله تعالى فيما قدر وقضى لا سيما بالنظر إلى نفسك فإنه تعالى لا يفعل بعباده الا الأصلح. ( م ت )

(٥) آل عمران : ١٧٤.

٣٩٢

وعجبت لمن اغتم كيف لا يفزع إلى قوله تعالى : « لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين » فإني سمعت الله عزوجل يقول بعقبها : « فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين » (١) وعجبت لمن مكر به كيف لا يفزع إلى قوله تعالى « وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد » (٢) فإني سمعت الله عزوجل يقول بعقبها : « فوقاه الله سيئات ما مكروا » ، وعجبت لمن أراد الدنيا وزينتها كيف لا يفزع إلى قوله تعالى : « ما شاء الله لا قوة إلا بالله » فإني سمعت الله عزوجل يقول بعقبها : « إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك الآية » (٣). و « عسى »موجبة. (٤)

٥٨٣٦ ـ وروى محمد بن زياد الأزدي ، عن أبان بن عثمان الأحمر عن الصادق جعفر بن محمد ( عليهما‌السلام ) » أنه جاء إليه رجل فقال له : بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله علمني موعظة فقال له ( عليه‌السلام ) : إن كان الله تبارك وتعالى قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا؟! وإن كان الرزق مقسوما فالحرص لماذا ، وإن كان الحساب حقا فالجمع لماذا؟! وإن كان الخلف (٥) من الله عزوجل حقا فالبخل لماذا؟! وإن كانت العقوبة من الله عزوجل النار فالمعصية لماذا؟! وإن كان الموت حقا فالفرح لماذا؟! وإن كان العرض على الله عزوجل حقا فالمكر لماذا؟! وإن كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا؟! وإن كان الممر على الصراط حقا فالعجب لماذا؟! وإن كان كل شئ بقضاء من الله وقدره فالحزن لماذا؟! وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها

__________________

(١) الأنبياء : ٨٨.

(٢) المؤمن : ٤٤ قاله مؤمن آل فرعون عندما أرادوا قتله (٣) الكهف : ٤١.

(٤) أي يراد منها وجوب متعلقها وتحققها وليست لمجرد الترجي ( مراد ) وقال المولى المجلسي أي ما ورد من أمثاله في كلام الله تعالى فهو وعد واجب فان أمثاله من الكريم بمنزلة الواقع سيما إذا كان من الأكرمين.

(٥) الخلف ـ بفتح الخاء المعجمة ـ : العوض ، والمراد العوض في الدنيا والآخرة.

٣٩٣

لماذا (١)؟!.

٥٨٣٧ ـ وقال عليه‌السلام : « إني لارحم ثلاثة وحق لهم أن يرحموا : عزيز أصابته مذلة بعد العز ، وغنى أصابته حاجة بعد الغنى ، وعالم يستخف به أهله والجهلة » (٢).

٥٨٣٨ ـ وقال ( عليه‌السلام ) : « خمس هن كما أقول : ليست لبخيل راحة ، ولا لحسود لذة ، ولا للمملوك وفاء (٣) ، ولا لكذوب مروءة ، ولا يسود سفيه » (٤).

٥٨٣٩ ـ وقال رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : « إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم » (٥).

٥٨٤٠ ـ وروى يونس بن ظبيان (٦) عن الصادق جعفر بن محمد ( عليهما‌السلام ) أنه قال :  « الاشتهار بالعبادة ريبة (٧) ، إن أبى حدثني عن أبيه ، عن جده ( عليهم‌السلام ) إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أعبد الناس من أقام الفرائض (٨) ، وأسخى الناس من أدى

__________________

(١) الخبر رواه المصنف بلفظه في الأمالي المجلس الثاني مسندا عن محمد بن زياد الأزدي عنه عليه‌السلام.

(٢) رواه المصنف في الخصال ص ٨٧ بسند صحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٣) كذا وفي نسخة « ولا لملوك وفاء » ورواه المصنف في الخصال ص ١ ٢٧ مسندا عن أبي علي بن راشد رفعه إلى الصادق عليه‌السلام وفيه « ولا لملوك ».

(٤) أي لا يصير السفيه سيد القوم في الحقيقة.

(٥) رواه المصنف في الأمالي المجلس الثالث في الضعيف عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٦) رواه المصنف في الأمالي المجلس السادس بسند ضعيف عن يونس بن ظبيان

(٧) أي يحصل الشك في اخلاصه أو يخاف أن يدخله العجب والكبر والرياء والسمعة فكلما كان أخفى كان بالاخلاص أنسب ، والظاهر أن ما بعده استشهاد له ويكون المراد أن اظهار الواجبات كاف في العبادات الظاهرة لأنها بعيد من الرياء لما يفعلها جميع الناس

(٨) الحصر إضافي بالنسبة إلى من يقيم النوافل رياء ، أو يكون المراد جميع الفرائض التي منها اجتناب المحرمات ، والأول أظهر. ( م ت )

٣٩٤

زكاة ماله ، وأزهد الناس من اجتنب الحرام ، وأتقى الناس من قال الحق فيما له وعليه ، وأعدل الناس من رضى للناس ما يرضى لنفسه وكره لهم ما يكره لنفسه ، وأكيس الناس من كان أشد ذكرا للموت ، وأغبط الناس من كان تحت التراب قد أمن العقاب ويرجو الثواب ، وأغفل الناس من لم يتعظ بتغير الدنيا من حال إلى حال ، وأعظم الناس في الدنيا خطرا من لم يجعل للدنيا عنده خطرا (١) ، وأعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه ، وأشجع الناس من غلب هواه ، وأكثر الناس قيمة أكثرهم علما ، وأقل الناس قيمة أقلهم علما ، وأقل الناس لذة الحسود ، وأقل الناس راحة البخيل ، وأبخل الناس من بخل بما افترض الله عزوجل عليه ، وأولى الناس بالحق أعلمهم به ، وأقل الناس حرمة الفاسق (٢) وأقل الناس وفاء المملوك (٣) ، وأقل الناس صديقا الملك ، وأفقر الناس الطامع ، وأغنى الناس من لم يكن للحرص أسيرا ، وأفضل الناس إيمانا أحسنهم خلفا ، وأكرم الناس أتقاهم ، وأعظم الناس قدرا من ترك مالا يعنيه ، وأورع الناس من ترك المراء وإن كان محقا ، وأقل الناس مروءة من كان كاذبا ، وأشقى الناس الملوك ، وأمقت الناس المتكبر وأشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب ، وأحكم الناس من فر من جهال الناس (٤) ، وأسعد الناس من خالط كرام الناس ، وأعقل الناس أشدهم مدارأة للناس ، وأولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة ، وأعتى الناس من قتل غير قاتله (٥) أو ضرب

__________________

(١) الخطر ـ محركة : القدر والمنزلة.

(٢) ولهذا لا غيبة له وان كانت الغيبة في غير فسقه.

(٣) في بعض النسخ « الملوك ».

(٤) في بعض النسخ « أحلم الناس الخ » والمعنى أن أكثر الناس عقلا أو علما ـ على اختلاف النسخ ـ من فرض الجهال والمراد من الجهل الجهل الذي في مقابل العقل لا ما يقابل السلم ، أو المراد به الجهل المركب دون البسيط لأنه لا ينبغي على العالم ترك تعليم الجاهل إذا كان في مقام التعليم.

(٥) أي قتل من لا يريد قتله ، وهكذا المعنى في الجملة الآتية ، وقد تقدم.

٣٩٥

غير ضاربه ، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأحق الناس بالذنب السفيه المغتاب (١) ، وأذل الناس من أهان الناس ، وأحزم الناس أكظمهم للغيظ ، وأصلح الناس أصلحهم للناس ، وخير الناس من انتفع به الناس ».

٥٨٤١ ـ و « مر أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) (٢) برجل يتكلم بفضول الكلام فوقف عليه ثم قال : يا هذا إنك تملى على حافظيك كتابا إلى ربك فتكلم بما يعنيك ودع ما لا يعنيك ».

٥٨٤٢ ـ وقال ( عليه‌السلام ) (٣) : « لا يزال الرجل المسلم يكتب محسنا ما دام ساكتا فإذا تكلم كتب محسنا أو مسيئا ».

٥٨٤٣ ـ وقال الصادق ( عليه‌السلام ) : « الصمت كنز وافر ، وزين الحليم ، وستر الجاهل ». (٤)

٥٨٤٤ ـ وقال ( عليه‌السلام ) : « كلام في حق خير من سكوت على باطل » (٥).

٥٨٤٥ ـ وروى إسماعيل بن مسلم ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ( عليهم‌السلام ) قال : « قال أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) : كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة : من كانت الآخرة همه كفاه الله همه من الدنيا ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، ومن أصلح فيما بينه وبين الله أصلح الله فيما بينه وبين الناس » (٦).

٦ ٥٨٤ ـ وقال رسول ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : « طوبى لمن طال عمره ، وحسن عمله ، فحسن

__________________

(١) أي الذي يسفه في الحضور ويغتاب في الغيبة. ( م ت )

(٢)رواه المصنف في الأمالي المجلس التاسع مسندا عن سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام.

(٣) رواه الكليني ج ٢ ص ١١٦ يسند مرسل عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٤) رواه المؤلف والمفيد في الاختصاص ٢٣٢ عن داود الرقي عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٥) وقد يكون السكوت حراما والكلام واجبا ، ففي النهج « لا خير في الصمت عن الحكم ، كما أنه لا خير في القول بالجهل ».

(٦) رواه المصنف في الخصال ص ١٢٩ طبع مكتبة الصدوق.

٣٩٦

منقلبه إذ رضى عنه ربه ، وويل لمن طال عمره ، وساء عمله ، فساء منقلبه إذا سخط عليه ربه عزوجل » (١).

٥٨٤٧ ـ وروى عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ( عليهما‌السلام ) قال : « أوحى الله عزوجل إلى رسوله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أني شكرت لجعفر ابن أبي طالب أربع خصال فدعاه النبي ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فأخبره ، فقال لولا أن الله تبارك وتعالى أخبرك ما أخبرتك ، ما شربت خمرا قط لأني علمت أنى إن شربتها زال عقلي ، وما كذبت قط لان الكذب ينقص المروءة ، وما زنيت قط لأني خفت أني إذا عملت عمل بي ، وما عبدت صنما قط لأني علمت أنه لا يضر ولا ينفع ، قال : فضرب النبي ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يده على عاتقه وقال : حق على الله عزوجل أن يجعل لك جناحين تطير بهما مع الملائكة في الجنة ».

٥٨٤٨ ـ وقال رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) (٢) قال الله جل جلاله : « عبادي كلكم ضال إلا من هديته (٣) ، وكلكم فقير إلا من أغنيته (٤) وكلكم مذنب إلا من عصمته ».

٥٨٤٩ ـ وفي رواية السكوني قال : قال على ( عليه‌السلام ) : « مامن يوم يمر على ابن آدم إلا قال له ذلك اليوم : أنا يوم جديد ، وأنا عليك شهيد ، فقل في خيرا ، واعمل في خيرا ، أشهد لك به يوم القيامة ، فإنك لن تراني بعد هذا أبدا ».

__________________

(١) رواه المصنف في الحسن كالصحيح عن عبد الله بن فضل الهاشمي من حديث الصادق عن آبائه عليهم‌السلام. وروى أبو نعيم صدره في الحلية عن عبد الله بن بسر عن النبي (ص).

(٢) رواه المصنف في الأمالي المجلس الثاني والعشرين عن علقمة بن محمد الحضرمي عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عن النبي صلوات الله عليهم.

(٣) بالهدايات الخاصة أو الأعم بحيث يشمل هدايات الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام والأول أظهر ، والظاهر أن تحصل بالعامة كما قال تعالى « والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ». ( م ت )

(٤) أي بالغنا المعنوي والظاهري والباطني. ( م ت )

٣٩٧

٥٨٥٠ ـ وفى رواية مسعدة بن صدقة (١) قال : قال رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : « للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة من الله عزوجل عليه (٢) : الا جلال له في عينه ، والود له في صدره ، والمواساة له في ماله ، وأن يحرم غيبته (٣) وأن يعوده في مرضه ، وأن يشيع جنازته ، وأن لا يقول فيه بعد موته إلا خيرا ».

٥٨٥١ ـ وروى ابن أبي عمير ، عن أبي زياد النهدي ، عن عبد الله بن وهب (٤) عن الصادق جعفر بن محمد ( عليهما‌السلام ) قال : « حسب المؤمن من الله نصرة أن يرى عدوه يعمل بمعاصي الله عزوجل ».

٥٨٥٢ ـ وروى ابن أبي عمير ، عن معاوية بن وهب (٥) عن الصادق جعفر بن محمد ( عليهما‌السلام ) قال : « اصبر على أعداء النعم فإنك لن تكافى من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه » (٦).

٥٨٥٣ ـ وروى المعلى بن محمد البصري ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، عن عمر [ و ] ابن زياد ، عن مدرك بن عبد الرحمن عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد ( عليهما‌السلام ) قال :

__________________

(١) رواه المصنف في الخصال ص ٣٥١ عن أبيه ، عن الحميري ، عن هارون بن مسلم عنه عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام بدون ذكر « قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » وفي الأمالي المجلس التاسع مسندا عن مسعدة عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٢) زاد في الخصال « والله سائله عما صنع فيها » والمراد بالوجوب اللزوم.

(٣) زاد في الخصال هنا « وأن يحب له ما يحب لنفسه » والظاهر زيادتها من النساخ لأنه تصير الحقوق ثمانية مع أنه قال « سبعة ».

(٤) رواه في الأمالي المجلس الثامن والخمسين وفيه عن أبي زياد النهدي عن عبد الله ابن بكير عن الصادق عليه‌السلام.

(٥) رواه الكليني ج ٢ ص ١١٠ بسند حسن كالصحيح عن معاوية بن وهب ، عن معاذ ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام كما في الأمالي للمصنف فالظاهر سقوطه من قلم النساخ.

(٦) أريد بأعداء النعم الحساد ، وبالعصيان الحسد وما يترتب عليه ، وبالطاعة الصبر وكظم الغيظ.

٣٩٨

« إذا كان يوم القيامة جمع الله عزوجل الناس في صعيد واحد ووضعت الموازين فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء » (١).

٥٨٥٤ ـ وروى محمد بن أبي عمير ، عن عبد الله بن القاسم ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده عن علي ( عليهم‌السلام ) قال : « كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو ، فإن موسى بن عمران ( عليه‌السلام ) خرج يقتبس لأهله نارا فكلمه الله عزوجل فرجع نبيا ، وخرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان ( عليه‌السلام ) ، وخرج سحرة فرعون يطلبون العزة لفرعون فرجعوا مؤمنين » (٢).

٥٨٥٥ ـ وروى عبد الله بن عباس عن رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنه قال « أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل (٣).

٥٨٥٦ ـ و « نزل جبرئيل ( عليه‌السلام ) (٤) على النبي ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فقال له : يا جبرئيل عظني فقال له : يا محمد عش شئت فإنك ميت ، واحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه ، شرف المؤمن صلاته بالليل ، وعزه كف الأذى عن الناس ».

٥٨٥٧ ـ وروى الحسن بن موسى الخشاب ، عن غياث بن كلوب ، عن إسحاق ابن عمار عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه ( عليهم‌السلام ) » أن عليا ( عليه‌السلام ) كان يقول : ما من

__________________

(١) رواه في الأمالي المجلس الثاني والثلاثين مسندا عن المعلى.

(٢) رواه الأمالي المجلس الثالث والثلاثين مسندا عن ابن أبي عمير.

(٣) رواه الطبراني في الكبير ، وعبد الرزاق في الجامع عن ابن عباس كما في الجامع الصغير. والمراد بحملة القرآن حفاظه العاملون بمقتضاه ويمكن أن يكون المراد الأئمة عليهم‌السلام لكونهم حفاظه وحملة معانيه ، والأول أظهر. والمراد بأصحاب الليل الذين يحيونه بالتهجد وتلاوة الكتاب والذكر والاستغفار.

(٤) رواه في الأمالي المجلس الحادي والأربعين بسند عامي عن سهل بن سهل قال : « جاء جبرئيل إلى النبي (ص) فقال : يا محمد عش ما شئت ـ الخ ».

٣٩٩

أحد ابتلى وإن عظمت بلواه بأحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء (١).

٥٨٥٨ ـ وروى علي بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد (٢) ، عن الحارث بن محمد ابن النعمان الأحول صاحب الطاق ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبد الله الصادق عن آبائه ( عليهما‌السلام ) قال : « قال رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : من أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله ، ومن أحب أن يكون أتقى الناس فليتوكل على الله تعالى ، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما عند الله عزوجل أوثق منه بما في يده ، ثم قال ( عليه‌السلام ) : ألا أنبئكم بشر الناس ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من أبغض الناس وأبغضه الناس ثم قال : ألا أنبئكم بشر من هذا؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الذي لا يقيل عثرة ، ولا يقبل معذرة ، ولا يغفر ذنبا ، ثم قال : ألا أنبئكم بشر من هذا؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من لا يؤمن شره ، ولا يرجى خيره ، إن عيسى بن مريم عليه‌السلام قام في بني إسرائيل فقال : يا بني إسرائيل لا تحدثوا بالحكمة الجهال فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ، ولا تعينوا الظالم على ظلمه فيبطل فضلكم ، الأمور ثلاثة : أمر تبين لك رشده فاتبعه ، وأمر تبين لك غيه فاجتنبه ، وأمر اختلف فيه فرده إلى الله عزوجل ».

٥٨٥٩ ـ وروى الحسن بن علي بن فضال ، عن الحسن بن الجهم ، عن الفضيل بن يسار قال : قال الصادق جعفر بن محمد ( عليهما‌السلام ) : « ما ضعف بدن عما قويت عليه النية ».

٥٨٦٠ ـ وروى ابن فضال ، عن غالب بن عثمان ، عن شعيب العقرقوفي عن الصادق جعفر بن محمد ( عليهما‌السلام ) قال « من ملك نفسه إذا رغب ، وإذا رهب ، وإذا اشتهى وإذا غضب ، وإذا رضى حرم الله جسده على النار ».

١ ٥٨٦ ـ و « سئل الصادق ( عليه‌السلام ) عن الزاهد في الدنيا قال : الذي يترك حلالها

__________________

(١) رواه في الأمالي المجلس الخامس والأربعين ، ويدل على أنه كما يلزم لرفع البلاء في المرض كذلك يلزم لدفع المرض في الصحة والدفع أسهل. ( م ت )

(٢) في الأمالي « عن علي بن عبد الله الوراق ، عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه ، عن الحسين بن سعيد عن الحارث ـ الخ ».

٤٠٠