كتاب من لا يحضره الفقيه - ج ٣

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

كتاب من لا يحضره الفقيه - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: علي اكبر الغفّاري
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦١٢

باب

* ( الدين والقرض ) * (١)

٣٦٧٩ ـ روى الحسن بن محبوب ، عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : تعوذوا بالله من غلبة الدين ، وغلبة الرجال ، وبوار الأيم » (٢).

٣٦٨٠ ـ وروى السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال

__________________

والخمس المتعلقين بالأموال من دون مدخلية لاذن المالك ورضاه كالوضوء من النهر الكبير والصلاة في الأراضي المتسعة ، ولا مجال للتمسك للحرمة بقاعدة قبح التصرف في مال الغير بغير اذنه ، روى الشيخ في التهذيب ج ٢ ص ١٤٣ باسناده عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « سألته عن الرجل يمر بالنخل والسنبل والثمر أفيجوز له أن يأكل منها من غير اذن صاحبها من ضرورة أو من غير ضرورة؟ قال : لا بأس ». وعن محمد بن مروان قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « أمر بالثمرة فآكل منها؟ قال كل ولا تحمل ، قلت جعلت فداك ان التجار قد اشتروها ونقدوا أموالهم ، قال : اشتروا ما ليس لهم ».

(١) في بعض النسخ « والقروض » وفى بعضها « والقراض ».

(٢) « غلبة الرجال » ففي المرآة قال النووي : كأنه يريد به هيجان النفس من شدة الشبق واضافته إلى المعمول ، أي يغلبهم ذلك وقال الطيبي : اما أن يكون اضافته إلى الفاعل أي قهر الديان إياه وغلبتهم عليه بالتقاضي وليس له ما يقضى دينه ، أو إلى المفعول بأن لا يكون أحد يعاونه على قضاء ديونه من رجاله وأصحابه ـ انتهى. أقول : ويحتمل أن يكون المراد به غلبة الجبارين عليه ومظلوميته ، أو غلبة النساء على الرجال ، وقيل : هي العلة الملعونة. وقال ابن الأثير بوار الأيم كسادها ، من بارت السوق إذا كسدت ، والأيم ـ ككيس التي لا زوج لها وهي مع ذلك لا يرغب فيها ، وروى المصنف في معاني الأخبار ص ٣٤٣ مسندا عن عبد الملك بن عبد الله القمي قال : « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام الكاهلي وأنا عنده أكان علي عليه‌السلام يتعوذ من بوار الأيم؟ فقال نعم ، وليس حيث تذهب إنما كان يتعوذ من الباهات ، والعامة يقولون : بوار الأيم وليس كما يقولون » ، وقبل الأيم كل من الرجل و المرأة إذا فقدا زوجهما.

١٨١

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إياكم والدين فإنه شين للدين » (١).

٣٦٨١ ـ وقال علي عليه‌السلام : « إياكم والدين فإنه هم بالليل وذل بالنهار ».

٣٦٨٢ ـ وقال علي عليه‌السلام : « إياكم والدين فإنه مذلة بالنهار ، ومهمة بالليل وقضاء في الدنيا ، وقضاء في الآخرة » (٢).

٣٦٨٣ ـ وروي عن معاوية بن وهب قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « إنه ذكر لنا أن رجلا من الأنصار مات وعليه ديناران دينا فلم يصل عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : صلوا على أخيكم حتى ضمنهما عنه بعض قراباته (٣) ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ذاك الحق ، ثم قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنما فعل ذلك ليتعظوا (٤) وليرد بعضهم على بعض ، ولئلا يستخفوا بالدين ، (٥) وقد مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليه دين ، وقتل أمير المؤمنين عليه‌السلام وعليه دين ، ومات الحسن عليه‌السلام وعليه دين ، وقتل الحسين عليه‌السلام وعليه دين ».

٣٦٨٤ ـ وروي عن موسى بن بكر عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال : « من طلب الرزق من حله فغلب (٦) فليستقرض على الله عزوجل وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

٣٦٨٥ ـ وروى الميثمي (٧) ، عن أبي موسى قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) الشين بفتح المعجمة خلاف الزين.

(٢) « مذلة » اسم مكان من الذل ، وفى القاموس همه الامر هما ومهمة ـ بفتح الميم والهاء ـ حزنه كأهمه فاهتم.

(٣) لعله كان مستخفا بالدين ولا ينوى قضاءه ، أو لم يكن له وجه الدين ومن يؤدى عنه كما يدل غلبه آخر هذا الخبر وغيه من الاخبار. ( المرآة )

(٤) في بعض النسخ « ليتعاطوا » والتعاطي التناول ، ولعل المراد هنا أن يجرى بين الناس القرض ورده فإنه إذا لم يفت قرض أحد عند أحد يقدم كل أحد على الاقراض بخلاف مألوفات. ( مراد )

(٥) يفهم منه أن الرجل كان مستخفا بالدين ولا ينوى قضاءه والا فمع عدم التقصير كيف ترك صلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة عليه.

(٦) أي افتقر.

(٧) الظاهر هو أحمد بن الحسن الميثمي وهو واقفي موثق ، فالطريق إليه صحيح ، و أبو موسى هو عمر بن يزيد الصيقل ظاهرا لروايته عنه في غير مورد وهو ثقة.

١٨٢

« جعلت فداك يستقرض الرجل ويحج؟ قال : نعم ، قلت : يستقرض ويتزوج؟ قال : نعم إنه ينتظر رزق الله غدوة وعشية ».

٣٦٨٦ ـ وروي عن أبي ثمامة (١) قال : قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام : « إني أريد أن الازم مكة والمدينة وعلي دين فما تقول؟ قال : ارجع إلى مؤدي دينك (٢) وانظر أن تلقى الله عزوجل وليس عليك دين فإن المؤمن لا يخون ».

٣٦٨٧ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « من كان عليه دين ينوي قضاءه كان معه من الله عزوجل حافظان يعينانه على الأداء عن أمانته ، فان قصرت نيته عن الأداء قصرا عنه من المعونة بقدر ما قصر من نيته ».

٣٦٨٨ ـ وروي عن أبان ، عن بشار عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « أول قطرة من دم الشهيد كفارة لذنوبه إلا الدين (٣) ، فان كفارته قضاؤه ».

٣٦٨٩ ـ وروى أبو خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أيما رجل أتى رجلا فاستقرض منه مالا وفي نيته ألا يؤديه فذلك اللص العادي » (٤).

__________________

(١) في الكافي « عن أبي تمامة » بالتاء المثناة من فوق. وقال من المشيخة وما كان فيه عن أبي ثمامة فقد رويته عن ماجيلويه ومحمد بن موسى والحسين بن إبراهيم ، عن علي ابن إبراهيم عن أبيه ، عن أبي ثمامة صاحب أبى جعفر الثاني عليه‌السلام. وقيل عنوان الصدوق لرجل في المشيخة ونقل طريقه إليه مشعر بكونه لا يقصر عن حسن ، وأقول : هذا إذا ما لم ينصوا على ضعفه ، والا فجماعة من المعنونين في المشيخة كانوا ضعفاء * وقد قال الوحيد البهبهاني في التعليقة : عده خالي من الحسان. ويحتمل قريبا أن يكون هو أبا تمام الطائي الشاعر و هو من أصحاب أبي جعفر الثاني عليه‌السلام.

(٢) في الكافي « ارجع فأده إلى مودى دينك ».

(٣) أي مع التأخير وامكان الأداء ومطالبة الغريم.

(٤) أي مثله في العقاب ، ويحتمل حرمة الانتفاع به أيضا الا أن يتوب وينوى الأداء ، ويحتمل لزوم لاستدانة به مرة أخرى لأن العقد الأول كان باطلا لأن العقود تابع للقصود ، ويحتمل الاكتفاء بالنية لأن العقد وقع صحيحا ويجب عليه أداؤه وإن كان آثما بالنية ( م ت ) أقول : أبو خديجة هو سالم بن مكرم والطريق إليه ضعيف بأبي سمينة الصيرفي.

* كأحمد بن هلال وعمرو بن شمر وأبى جميلة مفضل بن صالح.

١٨٣

٣٦٩٠ ـ وروى سماعة بن مهران (١) قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « الرجل منا يكون عنده الشئ يتبلغ به (٢) وعليه دين أيطعمه عياله حتى يأتيه الله عزوجل بميسرة فيقضي دينه؟ أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان وشدة المكاسب ، أو يقبل الصدقة (٣)؟ فقال : يقضي بما عنده دينه ولا يأكل أموال الناس إلا وعنده ما يؤدي إليهم إن الله عزوجل يقول « ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ».

٣٦٩١ ـ وروى أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « من حبس حق امرئ مسلم وهو يقدر على أن يعطيه إياه مخافة من أنه إن خرج ذلك الحق من يده أن يفتقر ، كان الله عزوجل أقدر على أن يفقره منه على أن يغني نفسه بحبسه ذلك الحق (٤).

٣٦٩٢ ـ وروى إسماعيل بن أبي فديك (٥) ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : « إن الله عزوجل مع صاحب الدين حتى يؤديه ما لم يأخذه مما يحرم عليه » (٦).

٣٦٩٣ ـ وروي عن بريد العجلي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « إن علي دينا لأيتام وأخاف إن بعت ضيعتي بقيت ومالي شئ ، قال : لا تبع ضيعتك ولكن

__________________

(١) رواه الكليني في الكافي ج ٥ ص ٩٥ في الصحيح عنه.

(٢) يعنى يتوسل به إلى المعاش ، والبلغة ما يتبلغ من العيش ، وتبلغ بكذا اكتفى به.

(٣) بميسرة أي سعة ، وضمن الاستقراض معنى الحمل أي حال كونه حاملا ثقل الدين على ظهره ، وفى التهذيب « خيب الزمان » وهو بمعنى الحرمان والخسران ( الوافي ) و قال المولى المجلسي قوله « أو يقبل الصدقة » عطف على « يستقرض » أي إذا أدى دينه مما في يده فلابد من أحد الامرين اما الاستقراض أو قبول الصدقة فكأنه يعتذر لاكل ما في يده فأجاب عليه‌السلام بأنه يؤدى ولا يستقرض لعدم الوجه بل يتوكل على الله ويقبل الصدقة.

(٤) أي كان قدرة الله تعالى على افقار ذلك الحابس أشد من قدرة ذلك الحابس على اغناء نفسه بحبس ذلك الحق فضمير منه راجع إلى الحابس.

(٥) إسماعيل بن أبي فديك معنون في المشيخة والطريق إليه ضعيف بمحمد بن سنان.

(٦) أي يقصد عدم الأداء أو يكون ثمن محرم أو ربا مثلا. ( م ت )

١٨٤

أعط بعضا وأمسك بعضا » (١).

٣٦٩٤ ـ وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليس من غريم ينطلق من عنده غريمه راضيا إلا صلت عليه دواب الأرض ونون البحور (٢) وليس من غريم ينطلق صاحبه غضبان وهو ملي إلا كتب الله عزوجل بكل يوم يحبسه [ أ ] وليلة ظلما » (٣).

٣٦٩٥ ـ وروى إبراهيم بن عبد الحميد ، (٤) عن خضر بن عمرو النخعي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يكون له على الرجل مال فيجحده ، قال : إن استحلفه فليس له أن يأخذ منه بعد اليمين شيئا ، وإن حبسه فليس له أن يأخذ منه شيئا (٥) ، وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقه ».

٣٦٩٦ ـ وروى علي بن رئاب ، عن سليمان بن خالد قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وقع لي عنده مال فكابرني عليه وحلف ، ثم وقع له عندي مال أفآخذه مكان مالي الذي أخذه وأحلف عليه كما صنع هو؟ فقال : إن خانك فلا تخنه ، ولا

__________________

(١) أي مع رخصة الولي أو أنه عليه‌السلام رخص لولايته العامة. ويستفاد من الخبر جواز التأخير مع الضرورة. وفى الكافي ج ٥ ص ٩٦ « ان على دينا وأظنه قال ، لا يتام ».

(٢) لم أجده من طريقنا ، ورواه البيهقي في شعب الايمان عن خولة بنت قيس بن فهد النجارية امرأة حمزة بن عبد المطلب ، وقوله « صلت عليه دواب الأرض » أي دعت له بالمغفرة ، والمراد بنون البحار حيتانها.

(٣) في شعب الايمان « ولا غريم يلوى غريمه وهو يقدر الا كتب الله عليه في كل يوم وليلة اثما ».

(٤) واقفي موثق والطريق إليه حسن كالصحيح بإبراهيم بن هاشم رواه عن ابن أبي عمير عنه كما في الكافي وخضر بن عمر ومجهول.

(٥) جملة « وان حبسه فليس له أن يأخذ منه شيئا » ليست في الكافي والتهذيب ولعلها من الراوي مؤكدة لما سبق أي إذا حبسه باليمين فلا يأخذ شيئا بعد ذلك. وفى بعض النسخ « فإذا احتسبه » من الاحتساب أي ان قال : أمرك إلى الله أو أنت مع الله أو ترك الحلف تعظيما لله فحينئذ ليس له المطالبة لكن الأصحاب لم يذكروا غير اليمين في الاسقاط بل اختلفوا في اليمين فبعضهم ذهب إلى أنه لا يسقط الا بشرط الاسقاط.

١٨٥

تدخل فيما عبته عليه » (١).

٣٦٩٧ ـ وروى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : « الرجل يكون لي عليه حق فيجحدنيه ، ثم يستودعني مالا ألي أن آخذ مالي عنده؟ قال : لا ، هذه الخيانة » (٢).

٣٦٩٨ ـ وروى زيد الشحام قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : « من ائتمنك بأمانة فأدها إليه ، ومن خانك فلا تخنه ».

٣٦٩٩ ـ وروى الحسن بن محبوب ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « رجل كان له على رجل مال فجحده إياه وذهب به منه ، ثم صار إليه بعد ذلك منه (٣) للرجل الذي ذهب بماله مال مثله أيأخذه مكان ماله الذي ذهب به منه؟ قال : نعم ، يقول : « اللهم إني إنما آخذ هذا مكان مالي الذي أخذه مني » (٤).

٣٧٠٠ ـ وفي خبر آخر ليونس بن عبد الرحمن ، عن أبي بكر الحضرمي مثله ، إلا أنه قال يقول : « اللهم إني لم آخذ ما أخذت منه خيانة ولا ظلما ولكني أخذته مكان حقي » (٥).

٣٧٠١ ـ وفي خبر آخر : « إن استحلفه على ما أخذ منه فجائز له أن يحلف

__________________

(١) يدل على عدم جواز المقاصة بعد الاحلاف كما هو المشهور بين الأصحاب ، بل لا نعلم فيه مخالفا الا أن يكذب المنكر نفسه بعد ذلك. ( المرآة ) وطريق المصنف إلى علي بن رئاب صحيح وهو ثقة.

(٢) الطريق إلى معاوية بن عمار صحيح ، ولعله محمول على الحلف أو ضرب من الكراهة لورود أخبار في الجواز راجع التهذيب ج ٢ ص ١٠٥ والاستبصار ج ٥٢ و ٥٣.

(٣) يعنى بعد صدور الجحد منه.

(٤) قال في الدروس : تجوز المقاصة المشروعة في الوديعة على كراهة وينبغي أن يقول ما في رواية أبى بكر الحضرمي. ( المرآة )

(٥) المطلوب اما التكلم بتلك العبارات أو القصد إلى تلك المعاني ، ويؤيد الأخير اختلاف العبارات المنقولة والأحوط التكلم بإحديها والأولى الجمع ( م ت ) أقول : يمكن أن يقال : المقصود قصد القصاص ليمتاز عن السرقة.

١٨٦

إذا قال هذه الكلمة ».

قال مصنف هذا الكتاب ـ رحمه‌الله ـ : هذه الأخبار متفقة المعاني غير مختلفة ، وذلك أنه متى حلفه على ماله فليس له أن يأخذ منه بعد ذلك شيئا.

٣٧٠٢ ـ لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من حلف بالله فليصدق ، ومن حلف له بالله فليرض ، ومن لم يرض فليس من الله [ في شئ ] ».

وإن حلف من غير أن يحلفه ثم طالبه بحقه أو أخذ منه أو مما يصير إليه من ماله لم يكن بداخل في النهي ، وكذلك إن استودعه مالا فليس له أن يأخذ منه شيئا لأنها أمانة ائتمنه عليها فلا يجوز له أن يخونه كما خانه ، ومتى لم يحلفه على ماله ولم يأتمنه على أمانة ، وإنما صار إليه له مال أو وقع عنده فجائز له أن يأخذ منه حقه بعد أن يقول ما أمر به مما قد ذكرته ، فهذا وجه اتفاق هذه الأخبار ، ولا حول ولا قوة إلا بالله (١).

٣٧٠٣ ـ وقد روى محمد بن أبي عمير ، عن داود بن زربي قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : « إني أعامل قوما فربما أرسلوا إلي فأخذوا مني الجارية والدابة فذهبوا بها مني ، ثم يدور لهم المال عندي فآخذ منه بقدر ما أخذوا مني؟ فقال : خذ منهم بقدر ما أخذوا منك ولا تزد عليه ».

٣٧٠٤ ـ وروى الحسن بن محبوب ، عن هذيل بن حنان أخي جعفر بن حنان الصيرفي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « إني دفعت إلى أخي جعفر مالا فهو يعطيني ما أنفقه وأحج منه وأتصدق ، وقد سألت من عندنا فذكروا أن ذلك فاسد لا يحل وأنا أحب أن انتهي في ذلك إلى قولك ، فقال : أكان يصلك قبل أن تدفع إليه مالك؟ قلت : نعم ، قال : خذ منه ما يعطيك وكل واشرب وحج وتصدق فإذا قدمت العراق

__________________

(١) لو كانت الاخبار ما ذكر فقط لكان الجمع حسنا لكن وردت أخبار في جواز التقاص من الأمانة أيضا الا أن تحمل على الأمانة المالكية دون الشرعية لكن فيها ما يدل على جواز التقاص في الأمانة المالكية أيضا كما في خبر شهاب ( الذي رواه الشيخ في التهذيب ج ٢ ص ١٠٥ ) فالجمع بالكراهة والجواز أحسن كما فعله المتأخرون. ( م ت )

١٨٧

فقل : جعفر بن محمد أفتاني بهذا » (١).

٣٧٠٥ ـ وسأل سماعة أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل ينزل على الرجل وله عليه دين أيأكل من طعامه؟ فقال : نعم يأكل من طعامه ثلاثة أيام ولا يأكل بعد ذلك شيئا » (٢).

٣٧٠٦ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « في قول الله عزوجل : « لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس « فقال : يعني بالمعروف القرض » (٣).

٣٧٠٧ ـ وروي عن الصباح بن سيابة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « إن عبد الله بن أبي يعفور أمرني أن أسألك ، قال : إنا نستقرض الخبز من الجيران فنرد أصغر منه أو أكبر ، فقال عليه‌السلام : نحن نستقرض الجوز الستين والسبعين عددا فيكون فيه الصغيرة والكبيرة فلا بأس » (٤).

٣٧٠٨ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : « من أقرض قرضا إلى ميسرة كان ماله في زكاة وكان هو في صلاة من الملائكة عليه حتى يقبضه » (٥).

٣٧٠٩ ـ وروى إسماعيل بن مسلم عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهما‌السلام أنه كان يقول : « إذا كان على الرجل دين ثم مات حل الدين » (٦).

__________________

(١) يدل على أن القرض إذا جر نفعا بدون أن يكون فيه شرط الربح لا بأس به.

(٢) رواه الكليني بسند موثق.

(٣) رواه الكليني ج ٤ ص ٣٤ في الحسن كالصحيح.

(٤) الظاهر أن الخبز في بعض البلاد من المعدود فالرخصة بهذا الاعتبار ، أو لأنه لما كان التفاوت يسيرا ، بل كانوا يزنون العجين غالبا فلذا جوز ( م ت ) ولعله محمول على ما إذا لم يعلم التفاوت والا فيعتبر الوزن.

(٥) رواه الكليني ج ٣ ص ٥٥٨ باب القرض انه حمى الزكاة بسند ضعيف ، وقوله « إلى ميسرة » أي إلى وقت يصير ذا يسر. وقوله « يقبضه » في بعض النسخ والكافي « يقضيه ».

(٦) مروى مسندا في التهذيب ج ٢ ص ٦٠ وفيه « إذا كان على الرجل دين إلى أجل ومات الرجل حل الدين » ووجهه أن الميت لا ذمة له.

١٨٨

٣٧١٠ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « إذا مات الميت حل ماله وما عليه » (١).

٣٧١١ ـ وروى الحسن بن محبوب ، عن الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يموت وعليه دين فيضمنه ضامن للغرماء؟ قال : إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمة الميت ».

٣٧١٢ ـ وروى إبراهيم بن عبد الحميد ، عن الحسن بن خنيس قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « إن لعبد الرحمن بن سيابة دينا على رجل وقد مات فكلمناه أن يحلله فأبى ، قال : ويحه أما يعلم أن له بكل درهم عشرة إذا حلله ، وإذا لم يحلله فإنما له درهم بدل درهم » (٢).

٣٧١٣ ـ وروى السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : « أتى رجل عليا عليه‌السلام فقال : إني كسبت مالا أغمضت في طلبه حلالا وحراما (٣) فقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه ولا الحرام فقد اختلط علي فقال علي عليه‌السلام : أخرج خمس مالك فإن الله عزوجل قد رضي من الانسان بالخمس وسائر المال كله لك حلال » (٤).

٣٧١٤ ـ وروى أبو البختري وهب بن وهب ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : « قضى علي عليه‌السلام في رجل مات وترك ورثة فأقر أحد الورثة بدين على أبيه

__________________

(١) مروى في الكافي ج ٥ ص ٩٥ بسند مرسل مجهول كما في التهذيب عن أبي بصير ، وفى الدروس : يحل الديون المؤجلة بموت الغريم ولو مات المدين لم يحل الا على رواية أبي بصير. واختاره الشيخ والقاضي والحلبي وحكى عن أبي الصلاح وابن البراج. والمشهور عدم العمل به بالنظر إلى ماله وما تقدم يدل على حلول ما عليه دون ماله ، فالأحوط بالنظر إلى المديون أن يؤدى لانتقال المال إلى الورثة ، وقيل : يمكن الحمل على الاستحباب.

(٢) تقدم تحت رقم ١٧٤ ورواه الكليني ج ٤ ص ٣٦.

(٣) أي ما لاحظت الحرام والحلال في تحصيله أو تساهلت في أحكام البيع والشراء فخلطت الحلال بالحرام.

(٤) تقدم نحوه تحت رقم ١٦٥٥ ، وحمل على مجهولية قدر المال وصاحبه ، ومصرفه مصرف الصدقات لا مصرف الخمس كما ذهب إليه بعض.

١٨٩

أنه يلزمه ذلك في حصته بقدر ما ورث ، ولا يكون ذلك في ماله كله (١) ، فإن أقر اثنان من الورثة وكانا عدلين أجيز ذلك على الورثة ، وإن لم يكونا عدلين الزما في حصتهما بقدر ما ورثا ، وكذلك إن أقر بعض الورثة بأخ أو أخت إنما يلزمه في حصته ، وقال علي عليه‌السلام (٢) : من أقر لأخيه فهو شريك في المال ولا يثبت نسبه ، وإذا أقر اثنان فكذلك إلا أن يكونا عدلين فيلحق نسبه ويضرب في الميراث معهم ».

٣٧١٥ ـ وروى إبراهيم بن هاشم « أن محمد بن أبي عمير ـ رضي‌الله‌عنه – كان رجلا بزازا فذهب ماله وافتقر وكان له على رجل عشرة آلاف درهم ، فباع دارا له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم وحمل المال إلى بابه ، فخرج إليه محمد بن أبي عمير فقال : ما هذا؟ قال : هذا مالك الذي لك علي ، قال : ورثته؟ قال : لا ، قال : وهب لك؟ قال : لا ، قال : فقال ، فهو ثمن ضيعة بعتها؟ قال : لا ، قال : فما هو؟ قال : بعت داري التي أسكنها لأقضي ديني ، فقال محمد بن أبي عمير ـ رضي‌الله‌عنه ـ : حدثني ذريح المحاربي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « لا يخرج الرجل عن مسقط رأسه بالدين « إرفعها فلا حاجة لي فيها ، والله إني محتاج في وقتي هذا إلى درهم وما يدخل ملكي منها درهم » (٣).

وكان شيخنا محمد بن الحسن ـ رضي‌الله‌عنه ـ يروي أنها إن كانت الدار واسعة يكتفى صاحبها ببعضها فعليه أن يسكن منها ما يحتاج إليه ويقضي ببقيتها دينه ، وكذلك إن كفته دار بدون ثمنها باعها واشترى بثمنها دارا ليسكنها ويقضي

__________________

(١) ظاهره أنه يؤدى بنسبة نصيبه من جميع المال فيكون قوله « كله » تأكيدا لقوله « ذلك » وفى التهذيب ج ٢ ص ٣٧٩ كما في المتن وفى ص ٦٣ منه « ذلك كله في ماله » وهو صريح ، ويمكن أن يكون المراد أنه لا يلزمه باقراره أكثر مما ورث فيكون « كله » مجرورا تأكيدا لقوله « ماله ».

(٢) تتمة لحديث وهب كما يظهر من التهذيب.

(٣) لعله مع رضا المدين لم يحرم القبول لكنه ـ رحمه‌الله ـ لم يقبل لكثرة ورعه.

١٩٠

بباقي الثمن دينه (١).

٣٧١٦ ـ وكتب يونس بن عبد الرحمن إلى الرضا عليه‌السلام « أنه كان لي على رجل عشرة دراهم وإن السلطان أسقط تلك الدراهم وجاء بدراهم أعلى من تلك الدراهم وفي تلك الدراهم الأولى اليوم وضيعة فأي شئ لي عليه ، الدراهم الأولى التي أسقطها السلطان؟ أو الدراهم التي أجازها السلطان؟ فكتب : لك الدراهم الأولى ».

قال مصنف هذا الكتاب ـ رحمه‌الله ـ : كان شيخنا محمد بن الحسن ـ رضي‌الله‌عنه ـ يروي حديثا في أن له الدراهم التي تجوز بين الناس (٢).

والحديثان متفقان غير مختلفين فمتى كان للرجل على الرجل دراهم بنقد معروف فليس له إلا ذلك النقد ، ومتى كان له على الرجل دراهم بوزن معلوم بغير نقد معروف فإنما له الدراهم التي تجوز بين الناس.

باب

* ( التجارة وآدابها وفضلها وفقهها ) *

٣٧١٧ ـ قال الصادق عليه‌السلام : « التجارة تزيد في العقل » (٣).

__________________

(١) في التهذيب ج ٢ ص ٦٢ باسناده عن محمد بن علي بن محبوب ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة قال : « سمعت جعفر بن محمد عليهما‌السلام وسئل عن رجل عليه دين وله نصيب في دار وهي تغل غلة ، فربما بلغت غلتها قوته وربما لم يبلغ حتى يستدين فان هو باع الدار وقضى دينه بقي لا دار له ، فقال إن كان في داره ما يقضى به دينه ويفضل منها ما يكفيه وعياله فليبع الدار والا فلا ».

(٢) لعل المراد من الحديث ما رواه الكليني ج ٥ ص ٢٥٢ في الموثق عن يونس قال « كتبت إلى أبى الحسن الرضا عليه‌السلام أن لي على رجل ثلاثة آلاف درهم وكانت تلك الدراهم تنفق بين الناس تلك الأيام وليست تنفق اليوم فلي عليه تلك الدراهم بأعيانها أو ما ينفق اليوم بين الناس؟ قال : فكتب إلى لك أن تأخذ منه ما ينفق بين الناس كما أعطيته ما ينفق بين الناس » يعنى بقيمة الدراهم الأولى ما ينفق بين الناس قاله الشيخ في الاستبصار رفعا للتنافي وقال : لأنه يجوز أن تسقط الدراهم الأولى حتى لا يكاد تؤخذ أصلا فلا يلزمه أخذها وهولا ينفع بها وإنما له قيمة دراهمه الأولة وليس له المطالبة بالدراهم التي تكون في الحال.

(٣) المراد بالعقل المكتسب وهو عقل المعاش.

١٩١

٣٧١٨ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « ترك التجارة مذهبة للعقل » (١).

٣٧١٩ ـ وروي عن المعلى بن خنيس أنه قال : « رآني أبو عبد الله عليه‌السلام وقد تأخرت عن السوق ، فقال لي : اغد إلى عزك » (٢).

٣٧٢٠ ـ وروي عن روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في قول الله عزوجل : « رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله » قال : كانوا أصحاب تجارة فإذا حضرت الصلاة تركوا التجارة وانطلقوا إلى الصلاة ، وهم أعظم أجرا ممن لم يتجر ».

٣٧٢١ ـ وروى هارون بن حمزة ، عن علي بن عبد العزيز قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ما فعل عمر بن مسلم (٣)؟ قلت : جعلت فداك أقبل على العبادة وترك التجارة فقال : ويحه أما علم أن تارك الطلب لا يستجاب له دعوة؟! أن قوما من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما نزلت : « ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب « أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا : قد كفينا ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأرسل إليهم فقال : ما حملكم على ما صنعتم؟! قالوا : يا رسول الله تكفل الله عزوجل بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة فقال : إنه من فعل ذلك لم يستجب الله له ، عليكم بالطلب ، ثم قال : إني لأبغض الرجل فاغرا فاه إلى ربه يقول : ارزقني و يترك الطلب ».

٣٧٢٢ ـ وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « اتجروا بارك الله لكم ، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إن الرزق عشرة أجزاء تسعة في التجارة وواحد في غيرها » (٤).

__________________

(١) ذلك لمن كان مشتغلا بها ثم تركها ويحتمل الأعم وفى الكافي « ترك التجارة ينقص العقل ».

(٢) أي إلى ما هو سبب لعزك.

(٣) الظاهر أنه أخو معاذ بن مسلم الهراء كما ذكره البهبهاني في التعليقة.

(٤) روى سعيد بن منصور في سننه ـ على ما في الجامع الصغير ـ عن نعيم بن عبد الرحمن

١٩٢

٣٧٢٣ ـ وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « تعرضوا للتجارة فإن فيها لكم غنى عما في أيدي الناس » (١).

٣٧٢٤ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « لا تدعوا التجارة فتهونوا (٢) اتجروا بارك الله لكم » روى ذلك شريف بن سابق التفليسي عن الفضل بن أبي قرة السمندي.

٣٧٢٥ ـ وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ، ثم ارتطم ، فلا يقعدن في السوق إلا من يعقل الشراء والبيع » (٣).

٣٧٢٦ ـ و « كان علي عليه‌السلام (٤) بالكوفة يغتدي كل بكرة فيطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا ، ومعه الدرة على عاتقه ، وكان لها طرفان ، وكانت تسمى السبيبة (٥) قال : فيقف على أهل كل سوق فيناديهم : يا معشر التجار (٦) قدموا الاستخارة وتبركوا بالسهولة (٧) واقتربوا من المبتاعين ، وتزينوا بالحلم ، وتجافوا عن

__________________

الأزدي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « تسعة أعشار الرزق في التجارة والعشر في المواشي » وفى رواية بدل المواشي « السائمات » وقال الزمخشري وهي الناج فمرجعهما واحد.

(١) رواه الكليني ج ٥ ص ١٤٩ مسندا.

(٢) من الهون وهو من قبيل لا تكفر تدخل الجنة ، وفى بعض النسخ « فتمونوا » على صيغة المفعول من التفعيل والتمون كثرة النفقة.

(٣) ارتطم في الوحل أي وقع فيه وقوعا لا يقدر معه على الخروج منه. والخبر رواه الكليني بسند لا يقصر عن القوى.

(٤) رواه الكليني ج ٥ ص ١٥١ بسند حسن ، عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ الخ.

(٥) الدرة ـ بالكسر السوط الذي يضرب به ولعل تسميتها بالسبيبة لكونها متخذة من السب وهو بالكسر جلد البقر المدبوغ بالقرظ يتخذ منها النعال ( المرآة ) وفى الصحاح « السب بكسر السين : شقة كتان رقيقة ، والسبيبة ـ بالفتح ـ مثله »

(٦) في الكافي « فينادى : يا معشر التجار اتقوا الله عزوجل ، فإذا سمعوا صوته عليه‌السلام ألقوا ما بأيدهم وارعوا إليه بقلوبهم وسمعوا بأذانهم فيقول عليه‌السلام : قدموا الاستخارة « ـ الخ ».

(٧) أي اطلبوا الخير من الله في أوله ، وابتغوا البركة أيضا منه بالسهولة في البيع والشراء أي بكونكم سهل البيع والشراء والقضاء والاقتضاء ، « واقتربوا من المبتاعين » أي بالكلام الحسن والبشاشة وحسن الخلق ، أولا تغالوا في الثمن ليوجب تنفر المشترى. وزاد في الكافي بعد قوله « بالحلم » « وتناهوا عن اليمين ، وجانبوا الكذب ».

١٩٣

الظلم ، وأنصفوا المظلومين ، ولا تقربوا الربا ، وأوفوا الكيل والميزان ، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ، ولا تعثوا في الأرض مفسدين (١) ، قال : فيطوف في جميع أسواق الكوفة ثم يرجع فيقعد للناس ».

٣٧٢٧ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : « من باع واشترى فليحفظ خمس خصال وإلا فلا يشترين ولا يبيعن : الربا ، والحلف ، وكتمان العيوب ، والمدح إذا باع والذم إذا اشترى » (٣).

٣٧٢٨ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا معشر التجار ارفعوا رؤوسكم فقد وضح لكم الطريق ، تبعثون يوم القيامة فجارا إلا من صدق حديثه ».

٣٧٢٩ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « التاجر فاجر والفاجر في النار إلا من أخذ الحق وأعطى الحق ».

٣٧٣٠ ـ وقال عليه‌السلام : « يا معشر التجار صونوا أموالكم بالصدقة (٤) تكفر عنكم ذنوبكم وأيمانكم التي تحلفون فيها تطيب لكم تجارتكم ».

٣٧٣١ ـ وروي عن الأصبغ بن نباتة قال : « سمعت عليا عليه‌السلام يقول على المنبر :

__________________

(١) هذه الجمل مقتبسة من كتاب الله العزيز سورة الأعراف : ٨٥.

(٢) مروى في الكافي ج ٥ ص ١٥٠ مسندا عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن جده صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٣) أما تحريم الربا والحلف على الكذب فواضح ولا خلاف فيه وأما الحلف على الصدق فالمشهور كراهته وكذا مدح البايع وذم المشترى ان لم يشتملا على الكذب ، وأما كتمان العيب فحرام على الأشهر ويكون له الخيار فيما يطلع عليه وفيما لم يمكن الاطلاع عليه كمزج اللبن بالماء فحرام بلا خلاف.

(٤) أي أحفظوا ، وفى بعض النسخ « شوبوا أموالكم بالصدقة ».

١٩٤

يا معشر التجار الفقه ثم المتجر ، الفقه ثم المتجر (١) ، والله للربا في هذه الأمة دبيب أخفى من دبيب النمل على الصفا ، صونوا أموالكم بالصدقة (٢) ، التاجر فاجر ، والفاجر في النار إلا من أخذ الحق وأعطي الحق ».

٣٧٣٢ ـ وروى حفص بن البختري ، عن الحسين بن المنذر قال : قلت لأبي ـ عبد الله عليه‌السلام : « دفعت إلي امرأتي مالا أعمل به ما شئت فأشتري من مالها الجارية أطأها؟ قال : لا إنما دفعت إليك لتقر عينها وأنت تريد أن تسخن عينها » (٣).

٣٧٣٣ ـ وروى عثمان بن عيسى ، عن ميسر (٤) قال : قلت له : « يجيئني الرجل فيقول : تشتري لي؟ فيكون ما عندي خيرا من متاع السوق ، قال : إن أمنت ألا يتهمك فأعطه من عندك ، وإن خفت أن يتهمك فاشتر له من السوق ».

٣٧٣٤ ـ وروى إسماعيل بن مسلم عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : « أنزل الله تعالى على بعض أنبيائه عليهم‌السلام للكريم فكارم (٥) وللسمح فسامح ، وللشحيح

__________________

(١) المتجر مصدر ميمي بمعنى التجارة.

(٢) مروى في الكافي ج ٥ ص ١٥٠ وفيه « شوبوا أيمانكم بالصدق » وفى بعض نسخ الفقيه « شوبوا أموالكم بالصدقة » والشوب الخلط.

(٣) في المحكى عن الدروس أنه لو ملكته مالا كره التسري ، ويحتمل كراهية جعله صداقا الا باذنها ، وروى الشيخ في التهذيب ج ٢ ص ١٠٥ في الصحيح عن هشام وغيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل تدفع إليه امرأته المال فتقول له : اعمل ما شئت أله أن يشترى الجارية يطأها؟ قال : ليس له ذلك » ، وذلك لان القرينة قائمة على أن هذا خارج عن المأذون ، ويمكن حملها على الكراهة ( كذا في هامش التهذيب ».

(٤) عثمان بن عيسى ممن توقف العلامة فيما ينفرد به لكن صحح طريق الصدوق إلى معاوية بن شريح وهو فيه ، وحسن طريقه إلى سماعة وهو فيه أيضا ، وأما ميسر بن عبد العزيز فهو ممدوح بل ثقة.

(٥) أي إذا عاملت مع الكريم فعامله بالكرم. ويطلق الكرم على الجود والتعظيم و شرف النفس وعلى الأخلاق الحسنة والكل مناسب. ( م ت )

١٩٥

فشاحح ، وعند الشكس فالتو » (١).

٣٧٣٥ ـ وقال علي عليه‌السلام : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : السماح وجه من الرباح ـ قال عليه‌السلام ذلك لرجل يوصيه ومعه سلعة يبيعها ـ ».

٣٧٣٦ ـ و « مر علي عليه‌السلام على جارية قد اشترت لحما من قصاب وهي تقول : زدني ، فقال له علي عليه‌السلام : زدها فإنه أعظم للبركة » (٣).

٣٧٣٧ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن الله تبارك وتعالى يحب العبد يكون سهل البيع ، سهل الشراء ، سهل القضاء ، سهل الاقتضاء » (٤).

٣٧٣٨ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « أيما مسلم أقال مسلما ندامة في البيع أقاله الله عثرته يوم القيامة » (٥).

٣٧٣٩ ـ وقال علي عليه‌السلام : « مر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على رجل ومعه سلعة يريد بيعها فقال : عليك بأول السوق ».

٣٧٤٠ ـ وقال عليه‌السلام : « صاحب السلعة أحق بالسوم » (٦).

٣٧٤١ ـ و « نهى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ». (٧)

__________________

(١) رجل شكس ـ ككتف ـ أن صعب الخلق ، والتوى رأسه أمال وأعرض.

(٢) رواه الكليني ج ٥ ص ١٥٢ باسناده عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا : « السماحة من الرباح » وفى النهاية المسامحة المساهلة ، ومنه الحديث المشهور « السماح رباح » أي المساهلة في الأشياء يربح صاحبها ، وفى القاموس الرباح ـ كسحاب ـ اسم ما يربح.

(٣) مروى في الكافي بالسند المذكور سابقا.

(٤) يعنى سهل القضاء للدين الذي عليه. وسهل الاقتضاء للدين الذي له على غيره.

(٥) الإقالة : فسخ البيع بعد لزومه ، والخبر رواه الكليني ج ٥ ص ١٥٣ عن أبي حمزة عنه عليه‌السلام.

(٦) المراد أن البايع أحق بالمساومة والابتداء بالسعر كما فهمه الشهيد ـ رحمه‌الله ـ أو أحق بتسعير ثمن المتاع من المشترى أو الوكيل ، والخبر مروى في الكافي باسناده عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٧) مروى في الكافي بسند مرفوع وحمل على الكراهة.

١٩٦

٣٧٤٢ ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « ماكس المشتري فإنه أطيب للنفس وإن أعطى الجزيل ، (١) فإن المغبون في بيعه وشرائه غير محمود ولا مأجور ».

٣٧٤٣ ـ وقال عليه‌السلام : « لا تماكس في أربعة أشياء : في الأضحية ، وفي الكفن ، وفي ثمن نسمة ، وفي الكرى إلى مكة » (٢).

٣٧٤٤ ـ وكان علي بن الحسين زين العابدين عليهما‌السلام يقول لقهرمانه : « إذا أردت أن تشتري لي من حوائج الحج شيئا فاشتر ولا تماكس ، وروى ذلك زياد القندي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ».

( الوفاء والبخس ) (٣)

٣٧٤٥ ـ وروى ميسر ، عن حفص (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : « رجل من نيته الوفاء وهو إذا كال لم يحسن أن يكيل ، فقال : ما يقول الذين حوله؟ قال : قلت يقولون : لا يوفي ، قال : هو ممن لا ينبغي له أن يكيل » (٥).

٣٧٤٦ ـ وروى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من أخذ الميزان بيده فنوى أن يأخذ لنفسه وافيا لم يأخذه إلا راجحا ، ومن أعطى فنوى أن يعطي

__________________

(١) لعل المراد بالمماكسة المنع من التفريط الموجب للغبن فلا ينافي استحباب المساهلة أي ترك الافراط ، فالمراد بالجزيل الجزيل في نفسه لا بالنسبة إلى السلعة. ( سلطان )

(٢) رواه المؤلف في الخصال باب الأربعة في حديث مرفوع عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وحمل على الكراهة لما روى عن رجل يسمى سوادة قال « كنا جماعة بمنى فعزت الأضاحي فنظرنا فإذا أبو عبد الله صلوات الله عليه واقف على قطيع يساوم بغنم ويماكسهم مكاسا شديدا فوقفنا ننتظر فلما فرغ أقبل علينا فقال : أظنكم قد تعجبتم من مكاسى؟ فقلنا : نعم ، فقال : ان المغبون لا محمود ولا مأجور ». والمماكسة في البيع : التناقص في الثمن.

(٣) العنوان زيادة منا.

(٤) رواه الكليني مسندا عن مثنى الحناط عن بعض أصحابنا عنه عليه‌السلام.

(٥) ظاهره كراهة تعرض الكيل والوزن لمن لا يحسنها كما ذكره الأصحاب ، ويحتمل عدم الجواز لوجوب العلم بإيفاء الحق. ( المرآة )

١٩٧

سواء لم يعط إلا ناقصا » (١).

٣٧٤٧ ـ وروى حماد بن بشير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يكون الوفاء حتى يميل اللسان » (٢).

٣٧٤٨ ـ وفي خبر آخر : « لا يكون الوفاء حتى يرجح » (٣).

٣٧٤٩ ـ وروي عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « آخذ الدراهم من الرجل فأزنها ثم أفرقها ويفضل في يدي منها فضل ، قال : أليس تحرى الوفاء؟ قلت : بلى ، قال : لا بأس » (٤).

[ العربون ] (٥)

٣٧٥٠ ـ وروى وهب بن وهب ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام « أن عليا عليه‌السلام كان يقول : « لا يجوز العربون إلا أن يكون نقدا من الثمن » (٦).

__________________

(١) الحاصل أنه ينبغي نية اعطاء الزيادة حتى يحصل الوفاء والا فالنفس مائلة إلى أخذ الراجح واعطاء الناقص ، فينخدع من نفسه ذلك كثيرا ، والمحكى عن دروس الشهيد استحباب قبض الناقص واعطاء الراجح.

(٢) في الكافي ج ٥ ص ١٥٩ « حتى يميل الميزان » وظاهره الوجوب من باب المقدمة ويمكن أن يكون المراد بالوفاء الوفاء الكامل فيحمل على الاستحباب ، ولكن لا ينبغي ترك العمل بظاهر الخبر.

(٣) مروى في الكافي بسند حسن كالصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وفى القاموس رجح الميزان : مال ورجح ـ من باب التفعيل ـ أعطاه راجحا.

(٤) لأنه يمكن أن يكون حصول الفضل من مسامحة الطرف فإنه مستحبة من الطرفين.

(٥) العنوان زيادة منا.

(٦) قال في النهاية : « العربان ـ بفتح العين والراء ـ هو أن تشترى السلعة وتدفع إلى صاحبها شيئا على أنه ان أمضى البيع حسب من الثمن وان لم يمض كان لصاحب السلعة ولم يرتجعه المشترى ، يقال : أعرب في كذا وعرب وعربن وهو عربان ـ كقربان ـ وعربون ـ كعرجون ـ وعربون ، قيل سمى بذلك لان فيه اعرابا لعقد البيع ، أي اصلاحا وإزالة فساد لئلا يملكه غيره باشترائه وهو بيع باطل عند الفقهاء لما فيه من الشرط والغرر وأجازه أحمد وروى عن ابن عمر اجازته وحديث النهى منقطع » ، وقال في المختلف : قال ابن الجنيد : العربون من الثمن ولو شرط المشترى للبايع أنه ان جاء بالثمن والا فالعربون له كان ذلك عوضا عما عنه من النفع والتصرف في سلعته ، والمعتمد أن يكون من جملة الثمن فان امتنع المشترى من دفع الثمن وفسخ البايع البيع وجب عليه رد العربون للأصل ولرواية وهب.

١٩٨

( باب السوق )

٣٧٥١ ـ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « جاء أعرابي من بني عامر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله عن شر بقاع الأرض وخير بقاع الأرض ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : شر بقاع الأرض الأسواق وهي ميدان إبليس يغدو برايته ويضع كرسيه ويبث ذريته فبين مطفف في قفيز ، أو طايش في ميزان (١) ، أو سارق في ذرع ، أو كاذب في سلعة ، فيقول : عليكم برجل مات أبوه (٢) وأبوكم حي فلا يزال مع ذلك أول داخل وآخر خارج (٣) ثم قال عليه‌السلام : وخير البقاع المساجد ، وأحبهم إلى الله عزوجل أولهم دخولاً وآخرهم خروجا منها ».

٣٧٥٢ ـ وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل ».

باب

* ( ثواب الدعاء في الأسواق ) *

٣٧٥٣ ـ روى عاصم بن حميد ، عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من دخل سوقا أو مسجد جماعة فقال مرة واحدة : « أشهد أن لا إله إلا الله وحده

__________________

(١) الطيش الخفة.

(٢) أي يقول الشيطان لذريته : عليكم باغواء رجل من أبناء آدم أبى البشر وهو ميت لا يعاون أولاده وأنا أبوكم أعاونكم على اغواء بني آدم.

(٣) أي فلا يزال الشيطان مع هذا القول أول داخل في السوق وآخر خارج منه.

١٩٩

لا شريك له ، والله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله « عدلت له حجة مبرورة ».

٣٧٥٤ ـ وروى عبد الله بن حماد الأنصاري ، عن سدير قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام « يا أبا الفضل أمالك في السوق مكان تقعد فيه تعامل الناس؟ قال : قلت : بلى ، قال : إعلم أنه ما من رجل يغدو ويروح إلى مجلسه وسوقه فيقول حين يضع رجله في السوق » اللهم إني أسألك خيرها وخير أهلها ، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها « إلا وكل الله عزوجل به من يحفظه ويحفظ عليه حتى يرجع إلى منزله فيقول له : قد أجرتك من شرها وشر أهلها يومك هذا ، فإذا جلس مكانه حين يجلس فيقول : « أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اللهم إني أسألك من فضلك حلالا طيبا ، وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم ، وأعوذ بك من صفقة خاسرة ويمين كاذبة « فإذا قال ذلك قال الملك الموكل : أبشر فما في سوقك اليوم أحد أوفر نصيبا منك وسيأتيك ما قسم الله لك موفرا حلالا طيبا مباركا فيه ».

٣٧٥٥ ـ وروي « أن من ذكر الله عزوجل في الأسواق غفر الله له بعدد ما فيها من فصيح وأعجم ـ والفصيح ما يتكلم ، والأعجم ما لا يتكلم ـ ».

٣٧٥٦ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : من ذكر الله عزوجل في الأسواق غفر له بعدد أهلها ».

باب

* ( الدعاء عند شراء المتاع للتجارة ) *

٣٧٥٧ ـ روى العلاء ، عن محمد بن مسلم قال : قال أحدهما عليهما‌السلام : « إذا اشتريت متاعا فكبر الله ثلاثا ثم قل : « اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من خيرك فاجعل لي فيه خيرا ، اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من فضلك فاجعل لي فيه فضلا ، اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من رزقك فاجعل لي فيه رزقا » ثم أعد كل واحدة منها

٢٠٠