الطبّ النبوي

شمس الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب الزّرعي [ ابن القيّم ]

الطبّ النبوي

المؤلف:

شمس الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب الزّرعي [ ابن القيّم ]


الموضوع : الطّب
المطبعة: دار إحياء الكتب العربية ـ قاهرة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٤

وقال الرازي في كتابه الكبير : « إذا كانت القوة قوية والحمى حادة جدا ـ والنضج بين ، ولا ورم في الجوف ، ولا فتق ـ : ينفع الماء البارد شربا. وإن كان العليل خصب البدن ، والزمان حار ، وكان معتادا لاستعمال الماء البارد من خارج ـ : فليؤذن فيه ».

وقوله : « الحمى من فيح جهنم » ، هو : شدة لهبها وانتشارها. ونظيره قوله : « شدة الحر من فيح جهنم ». وفيه وجهان :

( أحدهما ) : أن ذلك أنموذج ورقيقة اشتقت من جهنم ، ليستدل بها العباد عليها ويعتبروا بها. ثم إن الله سبحانه قدر ظهورها بأسباب تقتضيها. كما أن الروح والفرح والسرور واللذة : من نعيم الجنة ، أظهرها الله في هذه الدار : عبرة ودلالة ، وقدر ظهورها بأسباب توجبها.

( والثاني ) : أن يكون المراد التشبيه ، فشبه شدة الحمى ولهبها بفوح جهنم ، وشبه شدة الحربة أيضا. تنبيها للنفوس على شدة عذاب النار ، وأن هذه الحرارة العظيمة مشبهة بفيحها. وهو : ما يصيب من قرب منها : من حرها.

وقوله : « فابردوها » ، روى بوجهين : بقطع الهمزة وفتحها ، رباعي من « أبرد الشئ » : إذا صيره باردا ، مثل « أسخنه » : إذا صيره سخنا. والثاني : بهمزة الوصل مضمومة ، من « برد الشئ يبرده ». وهو أفصح : لغة واستعمالا. والرباعي لغة رديئة عندهم. قال الحماسي :

إذا وجدت لهيب الحب في كبدي :

أقبلت نحو سقاء القوم أبترد

هبني بردت ببرد الماء ظاهره

فمن لنار على الأحشاء تتقد؟!

وقوله : « بالماء » ، فيه قولان : ( أحدهما ) : أنه كل ماء. وهو الصحيح.

( والثاني ) : أنه ماء زمزم. واحتج أصحاب هذا القول ، بما رواه البخاري في صحيحه ، عن أبي جمرة نصر (١) بن عمران الضبعي ، قال : « كنت أجالس ابن عباس بمكة ،

__________________

(١) بالأصل : « حمزة نصر » : وبالزاد (ص ٧٢) : « جمرة نضر ». وكلاهما قد وقع فيه تصحيف والصواب ما أثبتناه. راجع تهذيب التهذيب (١٠ / ٤٣١) ، والخلاصة (ص ٣٤٤ : ط الخشاب).

٢١

فأخذتني الحمى فقال : ابردها عنك بماء زمزم ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : إن الحمى من فيح جهنم ، فابردوها بالماء » ، أو قال : « بماء زمزم ».

وراوى هذا قد شك فيه. ولو جزم به : لكان أمرا لأهل مكة : بماء زمزم ، إذ هو متيسر عندهم ، ولغيرهم : بما عندهم من الماء.

ثم اختلف من قال : إنه على عمومه ، هل المراد به : الصدقة بالماء؟ أو استعماله؟ على قولين. والصحيح : أنه استعماله. وأظن : أن الذي حمل من قال : المراد الصدقة به ، أنه أشكل عليه استعمال الماء البارد في الحمى ، ولم يفهم وجهه. مع أن لقوله وجها حسنا ، وهو : أن الجزاء من جنس العمل. فكما أخمد لهيب العطش عن الظمآن بالماء البارد ، أخمد الله لهيب الحمى عنه : جزاء وفاقا. ولكن هذا يؤخذ من فقه الحديث وإشارته. وأما المراد به : فاستعماله.

وقد ذكر أبو نعيم وغيره ـ من حديث أنس ، يرفعه ـ : « إذا حم أحدكم : فليرش عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر » (١).

وفى سنن ابن ماجة ـ عن أبي هريرة يرفعه ـ : « الحمى من كير جهنم ، فنحوها عنكم بالماء البارد » (٢).

وفى المسند وغيره ـ من حديث الحسن ، عن سمرة يرفعه ـ : « الحمى قطعة من النار ، فابردوها عنكم بالماء البارد » (٣).

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا حم دعا بقربة من ماء ، فأفرغها على رأسه ، فاغتسل.

__________________

(١) أبو نعيم هو : صاحب كتاب « حلية الأولياء ». وأخرج الحديث أيضا : النسائي ، والحاكم في صحيحه ، والضياء ( المقدسي ) في « المختارة » ـ وشرطه فيها أحسن من شرط الحاكم في صحيحه ـ وأبو يعلى والطبراني في الأوسط. ورجاله ثقات. اه‍ ق.

(٢) هذا الحديث لم يخرجه ـ من أصحاب الكتب الستة ـ غير ابن ماجة ، ولم يخرجه مالك ، ولا أحمد ، ولا الدارمي ، ولا الحاكم. ولكن السندي شارحه ( شارح سنن ابن ماجة ) نقل : أنه صحيح ورجاله ثقات. و ( الكير ) هو : كير الحداد ، على جعل مثله لجهنم : تشبيها ، أو تخبيلا. اه‍ ق.

(٣) وأخرجه : الحاكم في صحيحه ، والطبراني في الأوسط ، والبزار. اه‍ ق.

٢٢

وفى السنن من حديث أبي هريرة ، قال : « ذكرت الحمى عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسبها رجل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تسبها ، فإنها تنفى الذنوب كما تنفى النار خبث الحديد » (١).

لما كانت الحمى يتبعها حمية عن الأغذية الرديئة ، وتناول الأغذية والأدوية النافعة ، وفى ذلك إعانة على تنقية البدن ، ونفى أخباثه وفضوله ، وتصفيته من مواده الرديئة ، وتفعل فيه كما تفعل النار في الحديد : في نفى خبثه ، وتصفية جوهره ـ : كانت أشبه الأشياء بنار الكير التي تصفى جوهر الحديد. وهذا القدر هو المعلوم عند أطباء الأبدان ، وأما تصفيتها القلب من وسخه ودرنه ، وإخراجها خبائثه ـ : فأمر يعلمه أطباء القلوب ، ويجدونه : كما أخبرهم به نبيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولكن مرض القلب إذا صار مأيوسا (٢) عن برئه : لم ينفع فيه هذا العلاج.

فالحمى تنفع البدن والقلب. وما كان بهذه المثابة : فسبه ظلم وعدوان.

وذكرت مرة ـ وأنا محموم ـ قول بعض الشعراء يسبها :

زارت مكفرة الذنوب ، وودعت

تبا لها : من زائر ومودع

قالت ـ وقد عزمت على ترحالها ـ :

ماذا تريد؟ فقلت : أن لا ترجعي

فقلت : تباله ، إذ سب ما نهى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن سبه. ولو قال :

زارت مكفرة الذنوب لصبها

أهلا بها : من زائر ، ومودع

قالت ـ وقد عزمت على ترحالها ـ :

ماذا تريد؟ فقلت : أن لا تقلعي

ـ : لكان أولى به ، ولأقلعت عنه. فأقلعت عنى سريعا.

وقد روى في أثر ـ لا أعرف حاله (٣) : « حمى يوم كفارة سنة ». وفيه قولان :

__________________

(١) وأخرج مسلم عن جابر ، نحوه. اه‍ ق.

(٢) أي : ميؤوسا. من « أيس » مقلوب « يئس » اه‍ ق.

(٣) أي. درجته من الصحة. اه‍ ق.

٢٣

( أحدهما ) : أن الحمى تدخل في كل الأعضاء والمفاصل ، وعدتها ثلثمائة وستون مفصلا فتكفر عنه ـ بعدد كل مفصل ـ ذنوب يوم.

( والثاني ) : أنها تؤثر في البدن تأثيرا لا يزول بالكلية إلى سنة ، كما قيل في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : « من شرب الخمر : لم تقبل له صلاة أربعين يوما » ـ : إن أثر الخمر يبقى في جوف العبد وعروقه وأعضائه ، أربعين يوما. والله أعلم.

قال أبو هريرة : « ما من مرض يصيبني أحب إلي من الحمى : لأنها تدخل في كل عضو منى ، وإن الله سبحانه يعطى كل عضو حظه من الاجر ».

وقد روى الترمذي في جامعه ـ من حديث رافع بن خديج ، يرفعه ـ : « إذا أصابت أحدكم الحمى ـ وإنما الحمى قطعة من النار ـ فليطفئها بالماء البارد ، ويستقبل نهرا جاريا. فليستقبل جرية الماء بعد الفجر ، وقبل طلوع الشمس. وليقل : باسم الله ، اللهم : اشف عبدك ، وصدق رسولك. وينغمس فيه ثلاث غمسات ، ثلاثة أيام. فإن برئ ، وإلا : ففي خمس ، فإن لم يبرأ في خمس : فسبع ، فإنها لا تكاد تجاوز السبع بإذن الله » (١).

قلت : وهو ينفع فعله ـ في فصل الصيف ، في البلاد الحارة ـ على الشرائط التي تقدمت. فإن الماء في ذلك الوقت أبرد ما يكون : لبعده من ملاقاة الشمس ، ووفور القوى في ذلك الوقت : لما أفادها النوم والسكون وبرد الهواء. فيجتمع قوة القوى ، وقوة الدواء ـ وهو الماء البارد ـ على حرارة الحمى العرضية ، أو الغب الخالصة ـ أعنى : التي لا ورم معها ، ولا شئ من الاعراض الرديئة ، والمواد الفاسدة. فيطفئها بإذن الله ، لا سيما

__________________

(١) هذا النص المنسوب لرافع بن خديج سهوا ، هو : نص حديث الترمذي عن ثوبان ، وقال عقبه : غريب. لجهالة الرجل الراوي عن ثوبان في سنده. وأخرجه أحمد عن رجل يقال له : سعيد ، من أهل الشام. أي نكرة تحوطه الجهالة. أما المروى عن رافع بن خديج ، فهو نص آخر. وهو : « الحمى من فور جهنم ، فأبردوها بالماء ». أخرجه : البخاري ، ومسلم والترمذي وصححه ، والنسائي ، وابن ماجة ، والدارمي ، وأحمد. و « فور جهنم » هو : وهجها وشدة حرها. و « من » في الحديث : بيانية. فيكون الاظهر : أن الكلام على التشبيه ، كما سبق في أحد وجهين للمؤلف ، في شرح حديث : « شدة الحر من فيح جهنم ». اه‍ ق.

٢٤

في أحد الأيام المذكورة في الحديث. وهى الأيام التي يقع فيها بحران الأمراض الحادة كثيرا. لا سيما في البلاد المذكورة : لرقة أخلاط سكانها ، وسرعة انفعالهم عن الدواء النافع.

فصل في هديه في علاج استطلاق البطن

في الصحيحين ـ من حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري ـ : « أن رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : إن أخي يشتكى بطنه ، وفى رواية : استطلق بطنه ، فقال : اسقه. عسلا. فذهب ثم رجع ، فقال : قد سقيته فلم يغن عنه شيئا. وفى لفظ : فلم يزده إلا استطلاقا. مرتين أو ثلاثا ، كل ذلك يقول له : اسقه عسلا. فقال له في الثالثة أو الرابعة : صدق الله وكذب بطن أخيك (١) ». وفى صحيح مسلم ، في لفظ له : « إن أخي عرب بطنه » ، أي : فسد هضمه ، واعتلت معدته. والاسم : « العرب » بفتح الراء ، و « الذرب » أيضا.

والعسل فيه منافع عظيمة : فإنه جلاء للأوساخ التي في العروق والأمعاء وغيرها (٢) ، محلل للرطوبات : أكلا وطلاء ، نافع للمشايخ وأصحاب البلغم ، ومن كان مزاجه باردا رطبا. وهو مغذ ، ملين للطبيعة ، حافظ لقوى المعاجين ولما استودع فيه ، مذهب لكيفيات الأدوية الكريهة ، منق للكبد والصدر ، مدر للبول ، موافق للسعال الكائن عن البلغم. وإذا شرب حارا بدهن الورد : نفع من نهش الهوام وشرب الأفيون. وإن شرب وحده ممزوجا بماء : نفع من عضة الكلب الكلب ، وأكل الفطر (٣) القتال. وإذا جعل فيه

__________________

(١) وأخرجه أيضا : أحمد ، والترمذي ، والنسائي. و « الاستطلاق » هو : الاسهال. ومثله : « العرب » و « الذرب » في الحديث بعده. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « صدق الله » الخ ، إشارة إلى قوله تعالى في النحل : ( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه ، فيه شفاء للناس ). اه‍ ق.

(٢) كذا بالزاد ( ص ٧٣ ). وفى الأصل : « وغيرهم ». وهو تصحيف.

(٣) الفطر ( بضمتين! ) : نوع من الكمأة قتال. اه‍ ق. وفى الزاد : « القطر » بالقاف. وهو تصحيف.

٢٥

اللحم الطري : حفظ طراوته ثلاثة أشهر. وكذلك : إن جعل فيه القثاء والخيار والقرع والباذنجان. ويحفظ كثيرا من الفاكهة ستة أشهر. ويحفظ جثة الموتى. ويسمى : الحافظ الأمين. وإذ لطخ به البدن المقمل والشعر : قتل قمله وصئبانه (١) ، وطول الشعر وحسنه ونعمه. وإن اكتحل به : جلا ظلمة البصر. وإن استن به : بيض الأسنان وصقلها ، وحفظ صحتها وصحة اللثة ، ويفتح أفواه العروق ، ويدر الطمث. ولعقه على الريق : يذهب البلغم ، ويغسل خمل المعدة ، ويدفع الفضلات عنها ، ويسخنها تسخينا معتدلا ، ويفتح سددها ، ويفعل ذلك بالكبد والكلى (٢) والمثانة. وهو أقل ضررا لسدد الكبد والطحال من كل حلو.

وهو ـ مع هذا كله ـ مأمون الغائلة ، قليل المضار ، مضر بالعرض للصفراويين. ودفعها : بالخل ونحوه ، فيعود حينئذ نافعا له جدا.

وهو غذاء مع الأغذية ، ودواء مع الأدوية ، وشراب مع الأشربة ، وحلو مع الحلو ، وطلاء مع الأطلية ، ومفرح مع المفرحات. فما خلق لنا شئ في معناه : أفضل منه ولا مثله ، ولا قريب منه. ولم يكن معول القدماء إلا عليه. وأكثر كتب القدماء لا ذكر فيها للسكر البتة ، ولا يعرفونه ، فإنه حديث العهد : حدث قريبا.

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يشربه بالماء على الريق. وفى ذلك سر بديع في حفظ الصحة ، لا يدركه إلا الفطن الفاضل. وسنذكر ذلك ـ إن شاء الله ـ عند ذكر هديه : في حفظ الصحة.

وفى سنن ابن ماجة مرفوعا ، من حديث أبي هريرة ـ : « من لعق ثلاث غدوات كل شهر : لم يصبه عظيم البلاء (٣) ».

__________________

(١) كذا بالزاد. أي : بيضه. وفى الأصل : « صبيانه » ، وهو تصحيف طريف.

(٢) كذا بالزاد. وفى الأصل : « والكلا ».

(٣) في سنده : الزبير بن سعيد ، وهو متروك ، ومع ذلك فهو منقطع ، قال البخاري : لا نعرف له سماعا عن أبي هريرة. و « الغدوات » : جمع « غدوة » ، وهى أول النهار. والتقدير : من لعق العسل ثلاث غدوات الخ. اه‍ ق. أو لعل كلمة « منه » أو « من العسل » قد سقطت من الناسخ أو الراوي.

٢٦

وفى أثر آخر : « عليكم بالشفاءين : العسل والقرآن (١) ».

فجمع بين الطب البشرى والإلهي ، وبين طب الأبدان وطب الأرواح ، وبين الدواء الأرضي والدواء السمائي.

إذا عرف هذا : فهذا الذي وصف له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم العسل ، كان استطلاق بطنه : عن تخمة أصابته عن امتلاء ، فأمره بشرب العسل : لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء ، فإن العسل فيه جلاء ودفع للفضول. وكان قد أصاب المعدة أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيه للزوجتها : فإن المعدة لها خمل كخمل المنشفة ، فإذا علقت بها الاخلاط اللزجة : أفسدتها وأفسدت الغذاء. فدواؤها بما يجلوها من تلك الاخلاط. والعسل جلاء ، والعسل من أحسن ما عولج به هذا الداء : لا سيما إن مزج بالماء الحار.

وفى تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع ، وهو : أن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب حال الداء : إن قصر عنه لم يزله بالكلية ، وإن جاوزه أوهن القوى (٢) فأحدث ضررا آخر. فلما أمره أن يسقيه العسل : سقاه مقدارا لا يفي بمقاومة الداء ، ولا يبلغ الغرض. فلما أخبره : علم أن الذي سقاه لا يبلغ مقدار الحاجة. فلما تكرر ترداده إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أكد عليه المعاودة : ليصل إلى المقدار المقاوم للداء. فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء : برئ بإذن الله. واعتبار مقادير الأدوية وكيفياتها ، ومقدار قوة المرض والمريض ـ من أكبر قواعد الطب.

وفى قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « صدق ( الله ) (٣) وكذب بطن أخيك » ، إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء ، وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه ، ولكن : لكذب البطن ، وكثرة المادة الفاسدة فيه. فأمره بتكرار الدواء : لكثرة المادة.

وليس طبه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كطب الأطباء ، فإن طب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : متيقن قطعي

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجة ، والحاكم في صحيحه ـ وقال : على شرط الشيخين. وأقره الذهبي ـ عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ مرفوعا. اه‍ ق.

(٢) أوهن القوى : أضعفها.! اه‍ ق.

(٣) زيادة متعينة : عن الزاد ( ص ٧٤ ).

٢٧

إلهي : صادر عن الوحي ، ومشكاة النبوة ، وكمال العقل. وطب غيره أكثره حدس (١) وظنون وتجارب ، ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة ، فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء له ، وكمال التلقي له : بالايمان والاذعان. فهذا القرآن ـ الذي هو شفاء لما في الصدور ـ إن لم يتلق هذا التلقي : لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها ، بل لا يزيد المنافقين إلا رجسا إلى رجسهم ، ومرضا إلى مرضهم. وأين يقع (٢) طب الأبدان منه؟! فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطيبة : كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة ، والقلوب الحية. فإعراض الناس عن طب النبوة : كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الذي هو : الشفاء النافع. وليس ذلك لقصور في الدواء ، ولكن : لخبث الطبيعة ، وفساد المحل وعدم قبوله. والله الموفق.

( فصل ) وقد اختلف الناس في قوله تعالى : ( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه : فيه شفاء للناس ) ، هل الضمير في « فيه » راجع إلى الشراب؟ أو راجع إلى القرآن؟ ـ على قولين ، الصحيح ( منهما ) : رجوعه إلى الشراب. وهو قول ابن مسعود ، وابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والأكثرين. فإنه هو المذكور ، والكلام سيق لأجله. ولا ذكر للقرآن في الآية. وهذا الحديث الصحيح ـ وهو قوله : « صدق الله » ـ كالصريح فيه. والله تعالى أعلم.

فصل في هديه في الطاعون وعلاجه ، والاحتراز منه

في الصحيحين ـ عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ـ : « أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد : ماذا سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في الطاعون؟ فقال أسامة : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل ، وعلى من كان قبلكم ، فإذا سمعتم به بأرض : فلا تدخلوا عليه ، وإذا وقع بأرض ـ وأنتم بها ـ فلا تخرجوا منها فرارا منه (٣).

__________________

(١) الحدس : التخمين.! اه‍ ق

(٢) كذا بالأصل. وفى الزاد : « يقطع » ، وهو تحريف.

(٣) هذا هو ما يتبع حتى الآن : في الوقاية من الطاعون. فإن أصيبت قرية ما بهذا المرض : عمل حولها (كردون صحى) : يمنع أي شخص من الخروج منها ، ويمنع دخول أي شخص إليها ، ما عدا الأطباء

٢٨

وفى الصحيحين أيضا : عن حفصة بنت سيرين ، قالت : قال أنس بن مالك : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « الطاعون شهادة لكل مسلم (١) ».

الطاعون من حيث اللغة : نوع من الوباء. قاله صاحب الصحاح. وهو عند أهل الطب : ورم ردئ قتال ، يخرج معه تلهب شديد مؤلم جدا ، يتجاوز المقدار في ذلك ، ويصير ما حوله في الأكثر أسود أو أخضر أو أكمد ، ويؤول أمره إلى التقرح سريعا. وفى الأكثر يحدث في ثلاث مواضع : في الإبط. وخلف الاذن والأرنبة ، وفى اللحوم الرخوة (٢).

وفى أثر عن عائشة : « أنها قالت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الطعن قد عرفناه ، فما الطاعون؟ قال : غدة كغدة البعير يخرج في المراق والإبط (٣) ».

قال الأطباء : إذا وقع الخراج في اللحوم الرخوة والمغابن ، وخلف الاذن والأرنبة ، وكان من جنس فاسد سمى ـ يسمى : طاعونا. وسببه : دم ردئ مائل إلى العفونة والفساد ، مستحيل إلى جوهر سمى : يفسد العضو ، ويغير ما يليه ، وربما رشح دما وصديدا ، ويؤدى (٤) إلى القلب كيفية رديئة : فيحدث القئ والخفقان والغشى. وهذا الاسم ـ وإن كان يعم كل ورم يؤدى إلى القلب كيفية رديئة ، حتى يصير لذلك قتالا ـ فإنه يختص به الحادث في اللحم الغددي (٥) : لأنه لرداءته لا يقبله من الأعضاء ، إلا ما كان أضعف بالطبع. وأردؤه : ما حدث في الإبط وخلف الاذن ، لقربهما من الأعضاء التي هي أرأس. وأسلمه : الأحمر ، ثم الأصفر. والذي إلى السواد : فلا يفلت منه أحد.

__________________

والمعاونين لهم. وبذلك يمنع المرض من الانتشار خارج هذه القرية ، ويحصر المرضى في مكان واحد يسهل فيه مراقبتهم وعلاجهم. اه‍ د.

وأخرج الشيخان الحديث أيضا : عن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه وأسامة. والحديث أخرجه أيضا : مالك والنسائي وأحمد ومحمد (بن الحسن) في موطئه. اه‍ ق

(١) وأخرجه أيضا أحمد في مسنده اه‍ ق

(٢) مرض الطاعون تجئ عدواه من البراغيث المحملة بالميكروب من الفيران. وغالبا ما يلدغ البرغوث الساق ، ثم الذراع ، ثم الوجه. وهذا يفسر وجود الطاعون الدملي في الأوردة أو تحت الإبط ، أو الرقبة كما ذكر. اه‍ د.

(٣) أخرجه : أحمد ، والطبراني في الأوسط ، وأبو نعيم في فوائد أبى بكر بن خلاد ، وابن خزيمة بسند حسن. اه‍ ق.

(٤) كذا بالزاد (ص ٧٥). وفى الأصل : « ويؤوى » ، وهو تصحيف.

(٥) كذا بالزاد. وفى الأصل : « الغدوي » وهو تصحيف.

٢٩

ولما كان الطاعون يكثر في الوباء وفى البلاد الحربية (١) ، عبر عنه : بالوباء ، كما قال الخليل : « الوباء : الطاعون ». وقيل : هو كل مرض يعم.

والتحقيق : أن بين الوباء والطاعون عموما وخصوصا (مطلقا) ، فكل طاعون وباء ، وليس كل وباء طاعونا. وكذلك الأمراض العامة : أعم من الطاعون ، فإنه واحد منها.

والطواعين : خراجات ، وقروح ، وأورام رديئة حادثة في المواضع المتقدم ذكرها : قلت : هذه القروح والأورام والخراجات (٢) ، هي : آثار الطاعون ، وليست نفسه.

ولكن الأطباء لما لم تدرك منه إلا الأثر الظاهر : جعلوه نفس الطاعون.

والطاعون يعبر به عن ثلاثة أمور :

( أحدها) : هذا الأثر الظاهر ، وهو الذي ذكره الأطباء.

( والثاني ) : الموت الحادث عنه. وهو المراد بالحديث الصحيح ، في قوله : « الطاعون شهادة لكل مسلم ».

( والثالث ) : السبب الفاعل لهذا الداء.

وقد ورد في الحديث الصحيح : « أنه بقية رجز أرسل على بني إسرائيل » ، وورد فيه : « أنه وخز الجن » (٣) وجاء : « أنه دعوة نبي » (٤).

وهذه العلل والأسباب ليس عند الأطباء ما يدفعها ، كما ليس عندهم ما يدل عليها. والرسل تخبر بالأمور الغائبة. وهذه الآثار التي أدركوها من أمر الطاعون ، ليس معهم ما ينفى أن تكون بتوسط الأرواح : فإن تأثير الأرواح في الطبيعة وأمراضها وهلاكها ، أمر لا ينكره إلا من هو أجهل الناس بالأرواح وتأثيراتها ، وانفعال الأجسام وطبائعها عنها. والله سبحانه قد يجعل لهذه الأرواح تصرفا في أجسام بني آدم : عند حدوث الوباء ،

__________________

(١) كذا بالأصل. وفى الزاد (ص ٧٥) : « الوبية » ولعل الصواب : « الحرية » فليحرر.

(٢) كذا بالأصل. وفى الزاد : « والجراحات ». ولعله تصحيف.

(٣) أخرجه : الطبراني في الأوسط ، وأبو نعيم في فوائد أبى بكر بن خلاد عن عائشة. وأخرجه أحمد : عن أبي موسى بإسناد رجاله ثقات. وأخرجه الطبراني عنه أيضا. اه‍ ق.

(٤) في البخاري ومسلم : « أنه رجز أرسل على بني إسرائيل ». فلعله دعوة نبي من أنبيائهم. اه‍ ق.

٣٠

وفساد الهواء. كما يجعل لها تصرفا : عند غلبة بعض المواد الرديئة ، التي تحدث للنفوس هيئة رديئة ، ولا سيما : عند هيجان الدم والمرة السوداء ، وعند هيجان المنى. فإن الأرواح الشيطانية تتمكن من فعلها بصاحب هذه العوارض ، مالا تتمكن من غيره ـ : ما لم يدفعها دافع أقوى من هذه الأسباب : من الذكر والدعاء ، والابتهال والتضرع ، والصدقة ، وقراءة القرآن. فإنه يستنزل لذلك من الأرواح الملكية ، ما يقهر هذه الأرواح الخبيثة ، ويبطل شرها ، ويدفع تأثيرها. وقد جربنا ـ نحن وغيرنا ـ هذا مرارا لا يحصيها إلا الله ، ورأينا لاستنزال هذه الأرواح الطيبة ، واستجلاب قربها ـ تأثيرا عظيما : في تقوية الطبيعة ، ودفع المواد الرديئة. وهذا يكون قبل استحكامها وتمكنها. ولا يكاد يخرم. فمن وفقه الله : بادر عند إحساسه بأسباب الشر ، إلى هذه الأسباب : التي تدفعها عنه. وهى له من أنفع الدواء. وإذا أراد الله عز وجل إنفاذ قضائه وقدره : أغفل قلب العبد عن معرفتها وتصورها وإرادتها ، فلا يشعر بها ، ولا يريدها : ليقضى الله فيه أمرا كان مفعولا.

وسنزيد هذا المعنى ـ إن شاء الله تعالى ـ إيضاحا وبيانا : عند الكلام على التداوي بالرقى والعوذ النبوية ، والاذكار والدعوات ، وفعل الخيرات. ونبين : أن نسبة طب الأطباء إلى هذا الطب النبوي ، كنسبة طب الطرقية والعجائز إلى طبهم. كما اعترف به حذاقهم وأئمتهم : ونبين : أن الطبيعة الانسانية أشد شئ انفعالا عن الأرواح ، وأن قوى العوذ (١) والرقى والدعوات فوق قوى الأدوية : حتى إنها تبطل قوى السموم القاتلة.

والمقصود : أن فساد الهواء جزء من أجزاء السبب التام والعلة الفاعلة للطاعون ، وأن (٢) فساد جوهر الهواء الموجب لحدوث الوباء. وفساده يكون لاستحالة جوهره إلى الرداءة : لغلبة إحدى الكيفيات الرديئة عليه ، كالعفونة والنتن والسمية ، في أي وقت كان من أوقات السنة ، وإن كان أكثر حدوثه : في أواخر الصيف ، وفى الخريف غالبا. لكثرة اجتماع

__________________

(١) جمع « عوذة » وهى الرقية. فعطف « الرقي » عليها للتفسير. وسميت « عوذة » : لأنها يعوذ بها المريض ، أي يمتنع من المرض.! اه‍ ق.

(٢) كذا بالأصل. وفى الزاد (ص ٧٦) : « فإن » ، وكل صحيح كما لا يخفى.

٣١

الفضلات المرارية الحادة وغيرها في فصل الصيف ، وعدم تحللها في آخره. وفى الخريف : لبرد الجو ، وردغة (١) الأبخرة والفضلات التي كانت تتحلل في زمن الصيف ، فتنحصر فتسخن وتعفن : فتحدث الأمراض العفنة. ولا سيما : إذا صادفت (٢) البدن مستعدا قابلا ، رهلا ، قليل الحركة ، كثير المواد. فهذا لا يكاد يفلت من العطب.

وأصح الفصول فيه : فصل الربيع ، قال أبقراط (٣) : « إن في الخريف أشد ما يكون من الأمراض وأقتل ، وأما الربيع : فأصح الأوقات كلها ، وأقلها موتا ». وقد جرت عادة الصيادلة ومجهزي الموتى : أنهم يستدينون ويتسلفون في الربيع والصيف ، على فصل الخريف. فهو ربيعهم ، وهم أشوق شئ إليه ، وأفرح بقدومه.

وقد روى في حديث : « إذا طلع النجم : ارتفعت العاهة عن كل بلد ». وفسر : بطلوع الثريا ، وفسر : بطلوع النبات زمن الربيع. ومنه : ( النجم والشجر يسجدان ) ، فإن كمال طلوعه وتمامه يكون في فصل الربيع ، وهو : الفصل الذي ترتفع فيه الآفات.

وأما الثريا : فالامراض تكثر وقت طلوعها مع الفجر وسقوطها. قال التميمي في كتاب « مادة البقاء » : « أشد أوقات السنة فسادا ، وأعظمها بلية على الأجساد ـ وقتان : ( أحدهما ) : وقت سقوط الثريا للمغيب عند طلوع الفجر ، ( والثاني ) : وقت طلوعها من المشرق قبل طلوع الشمس على العالم ، بمنزلة (٤) من منازل القمر. وهو : وقت تصرم فصل الربيع وانقضائه. غير أن الفساد الكائن عند طلوعها ، أقل ضررا من الفساد الكائن عند سقوطها ».

وقال أبو محمد بن قتيبة : « يقال : ما طلعت الثريا ولا نأت إلا بعاهة في الناس ، والإبل وغروبها أعوه (٥) من طلوعها ».

وفى الحديث قول ثالث ـ ولعله أولى الأقوال به ـ : أن المراد بالنجم : الثريا ، وبالعاهة :

__________________

(١) كذا بالأصل. وفى الزاد : « وردعه للأبخرة ». وهو تصحيف.

(٢) كذا بالزاد. وفى الأصل : « صادف ». والظاهر أن النقص من الناسخ أو الطابع.

(٣) كذا بالأصل. وفى الزاد : (ص ٧٦) : « بقراط » ، ولعل كلا منهما صحيح. وليراجع.

(٤) كذا بالأصل. وفى الزاد : « لمنزلة » ، وكلاهما صحيح.

(٥) أي : أشد عاهة وإصابة. من « عاه الشئ » : إذا أصابته آفة. اه‍ ق. وهذا لفظ الأصل. وفى الزاد : « أعود » ، وهو تصحيف غريب

٣٢

الآفة التي تلحق الزرع والثمار ، في فصل الشتاء وصدر فصل الربيع. فحصل الامن عليها : عند طلوع الثريا في الوقت المذكور. ولذلك نهى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن بيع الثمرة وشرائها : قبل أن يبدو صلاحها.

والمقصود الكلام على هديه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عند وقوع الطاعون.

( فصل ) وقد جمع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ للأمة في نهيه عن الدخول إلى الأرض التي هو بها ، ونهيه عن الخروج منها بعد وقوعه ، كمال التحرز منه. فإن في الدخول في الأرض التي هو بها : تعريضا (١) للبلاء ، وموافاة له في محل سلطانه ، وإعانة الانسان على نفسه. وهذا مخالف للشرع والعقل. بل تجنبه الدخول إلى أرضه : من باب الحمية التي أرشد الله سبحانه إليها ، وهى : حمية عن الأمكنة والأهوية المؤذية.

وأما نهيه عن الخروج من بلده ، ففيه معنيان :

( أحدهما ) : حمل النفوس على الثقة بالله ، والتوكل عليه ، والصبر على أقضيته والرضا بها.

( والثاني ) : ما قاله أئمة الطب : أنه يجب على كل محترز من الوباء ، أن يخرج من (٢) بدنه الرطوبات الفضلية ، ويقلل الغذاء ، ويميل إلى التدبير المجفف من كل وجه ، إلا الرياضة والحمام : فإنهما يجب أن يحذرا. لان البدن لا يخلو غالبا من فضل ردئ كامن فيه ، فتثيره (٣) الرياضة والحمام ، ويخلطانه بالكيموس الجيد. وذلك يجلب علة عظيمة. بل يجب عند وقوع الطاعون : السكون والدعة ، وتسكين هيجان الاخلاط. ولا يمكن الخروج من أرض الوباء والسفر منها ، إلا بحركة شديدة. وهى مضرة جدا.

هذا كلام أفضل الأطباء والمتأخرين. فظهر المعنى الطبي من الحديث النبوي ، وما فيه : من علاج القلب والبدن ، وصلاحهما.

فإن قيل : ففي قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « لا تخرجوا فرارا منه » ، ما يبطل أن يكون

__________________

(١) كذا بالأصل. وفى الزاد : تعرضا. وكل صواب.

(٢) كذا بالأصل. وفى الزاد (ص ٧٧) : « عن ».

(٣) كذا بالزاد. وفى الأصل : « فتثير ». وهو تحريف.

(٣ ـ الطب النبوي)

٣٣

أراد هذا المعنى الذي ذكرتموه ، وأنه لا يمنع الخروج لعارض ، ولا يحبس مسافرا عن سفره.

قيل : لم يقل أحد ـ طبيب ولا غيره ـ : إن الناس يتركون حركاتهم عند الطواعين ، ويصيرون بمنزلة الجمادات. وإنما ينبغي فيه التقليل (١) من الحركة بحسب الامكان. والفار منه لا موجب لحركته إلا مجرد الفرار منه ، ودعته وسكونه : أنفع لقلبه وبدنه ، وأقرب إلى توكله على الله تعالى واستسلامه لقضائه. وأما من لا يستغنى عن الحركة ـ : كالصناع ، والاجراء ، والمسافرين ، والبرد ، وغيرهم. ـ فلا يقال لهم : اتركوا حركاتكم جملة ، وإن أمروا : أن يتركوا منها ما لا حاجة لهم إليه : كحركة المسافر فارا منه. والله تعالى أعلم.

وفى المنع من الدخول إلى الأرض التي قد وقع بها ، عدة حكم :

( أحدها ) : تجنب الأسباب المؤذية ، والبعد منها.

( الثاني ) : الاخذ بالعافية التي هي مادة المعاش والمعاد.

( الثالث ) : أن لا يستنشقوا الهواء الذي قد عفن وفسد ، فيمرضون.

( الرابع ) : أن لا يجاوروا المرضى الذين قد مرضوا بذلك ، فيحصل لهم بمجاورتهم ، من جنس أمراضهم.

وفى سنن أبي داود مرفوعا : « إن من العرق التلف » (٢). قال ابن قتيبة : العرق : مداناة الوباء ، ومداناة المرضى.

( الخامس ) : حمية النفوس عن الطيرة والعدوي ، فإنها تتأثر بهما : فإن الطيرة على من تطير بها.

وبالجملة ففي النهى عن الدخول في أرضه : الامر بالحذر والحمية ، والنهى عن التعرض لأسباب التلف. وفى النهى عن الفرار منه : الامر بالتوكل والتسليم والتفويض. فالأول تأديب وتعليم ، والثاني تفويض وتسليم.

وفى الصحيح : « أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام ، حتى إذا كان بسرغ لقيه

__________________

(١) كذا بالأصل. وفى الزاد : « التقلل ».

(٢) وأخرجه أيضا : أحمد ، والبيهقي في شعب الايمان عن فروة بن مسيك. اه‍ ق.

٣٤

أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه ، فأخبروه : أن الوباء قد وقع بالشام. فاختلفوا ، فقال لابن عباس : ادع لي المهاجرين الأولين. قال : فدعوتهم ، فاستشارهم ، وأخبرهم : أن الوباء قد وقع بالشام. فاختلفوا ، فقال له بعضهم : خرجت لأمر ، فلا نرى أن ترجع عنه. وقال آخرون : معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء. فقال عمر : ارتفعوا عنى. ثم قال : ادع لي الأنصار. فدعوتهم له ، فاستشارهم. فسلكوا سبيل المهاجرين ، واختلفوا كاختلافهم. فقال : ارتفعوا عنى. ثم قال : ادع لي من ههنا من مشيخة قريش : من مهاجرة الفتح. فدعوتهم له ، فلم يختلف عليه منهم رجلان ، قالوا : نرى أن ترجع بالناس ، ولا تقدمهم على هذا الوباء. فأذن عمر في الناس : إني مصبح على ظهر. فأصبحوا عليه. فقال أبو عبيدة بن الجراح : يا أمير المؤمنين ، أفرارا من قدر الله تعالى؟!. قال : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ، نعم : نفر من قدر الله تعالى إلى قدر الله تعالى ، أرأيت : لو كان لك إبل فهبطت واديا له عدوتان : إحداهما (١) خصبة ، والاخرى جدبة ، ألست إن رعيتها الخصبة : رعيتها بقدر الله تعالى ، وإن رعيتها الجدبة : رعيتها بقدر الله؟!. قال : فجاء عبد الرحمن بن عوف ـ وكان متغيبا في بعض حاجاته ـ فقال : إن عندي في هذا علما ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : « إذا كان بأرض وأنتم بها : فلا تخرجوا فرارا منه ، وإذا سمعتم به بأرض : فلا تقدموا عليه (٢) ».

فصل في هديه في داء الاستسقاء وعلاجه

في الصحيحين ـ من حديث أنس بن مالك ـ قال : « قدم رهط من عرينة وعكل ، على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاجتووا المدينة ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : لو خرجتم إلى إبل الصدقة ، فشربتم من أبوالها وألبانها. ففعلوا. فلما صحوا : عمدوا إلى الرعاة ، فقتلوهم واستاقوا الإبل ،

__________________

(١) هذا هو الأولى المناسب. وفى الأصل والزاد ( ص ٧٧ ) : « أحدهما ». ولا يبعد تحريفه.

(٢) وأخرجه أيضا : مسلم وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وأحمد. و « سرغ » ـ بفتح فسكون ـ : موضع بالشام. و « الظهر » المراد به المطايا ، لأنها تركب على ظهورها. و « العدوتان » تثنية « عدوة » ، وهما : جانبا الوادي. اه‍ ق.

٣٥

وحاربوا الله ورسوله. فبعث رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في آثارهم ، فأخذوا : فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم ، وألقاهم في الشمس حتى ماتوا ».

والدليل على أن هذا المرض كان الاستسقاء ، ما رواه مسلم في صحيحه ـ في هذا الحديث ـ أنهم قالوا : « إنا اجتوينا المدينة ، فعظمت بطوننا ، وارتهشت أعضاؤنا » وذكر تمام الحديث (١).

والجوى : داء من أدواء الجوف. والاستسقاء : مرض مادي ، سببه : مادة غريبة باردة ، تتخلل الأعضاء ، فتربو لها : إما الأعضاء الظاهرة كلها ، وإما المواضع الخالية من النواحي التي فيها تدبير الغذاء والاخلاط. وأقسامه ثلاثة : لحمي وهو أصعبها ، وزقي ، وطبلي.

ولما كانت الأدوية المحتاج إليها في علاجه ، هي الأدوية الجالبة التي فيها إطلاق معتدل ، وإدرار بحسب الحاجة ـ وهذه الأمور موجودة في أبوال الإبل وألبانها ـ : أمرهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشربها. فإن في لبن اللقاح جلاء وتليينا ، وإدرارا وتلطيفا وتفتيحا للسدد ، إذا كان أكثر رعيها الشيح والقيصوم والبابونج والأقحوان والإذخر ، وغير ذلك : من الأدوية النافعة للاستسقاء.

وهذا المرض لا يكون إلا مع آفة في الكبد خاصة (٢) ، أو مع مشاركة. وأكثرها عن السدد فيها. ولبن اللقاح العربية نافع من السدد ، لما فيه : من التفتيح والمنافع المذكورة. قال الرازي : « لبن اللقاح يشفى أوجاع الكبد ، وفساد المزاج ». وقال الإسرائيلي : « لبن اللقاح : أرق الألبان ، وأكثرها مائية وحدة ، وأقلها غذاء. فلذلك صار أقواها على تلطيف الفضول ، وإطلاق البطن ، وتفتيح السدد. ويدل على ذلك ملوحته اليسيرة التي فيه لافراط حرارة حيوانية بالطبع. ولذلك صار أخص الألبان بتطرية الكبد ، وتفتيح سددها ، وتحليل صلابة الطعام (٣) : إذا كان حديثا ، والنفع من الاستسقاء خاصة : إذا استعمل لحرارته التي

__________________

(١) وأخرجه أيضا : أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وأحمد. اه‍ ق.

(٢) الاستسقاء : مرض يتميز بانتفاخ البطن نتيجة لوجود سائل مصلى داخل التجويف البريتوني. وأسبابه عديدة ، أهمها : تليف الكبد نتيجة بلهارسيا ، هبوط القلب ، الدرن البريتوني ، إلخ. وعلاجه ينصب على علاج السبب له ، مع عمل عملية بذل بطن ، لاستخراج السائل في حالة الشدة. اه‍ د.

(٣) كذا بالأصل وفى الزاد (ص ٧٨) : « الطحال »!!.

٣٦

يخرج بها من الضرع ، مع بول الفصيل وهو حار ، كما يخرج من الحيوان. فإن ذلك مما يزيد في ملوحته ، وتقطيعه الفضول ، وإطلاقه البطن. فإن تعذر انحداره وإطلاقه البطن : وجب أن يطلق بدواء مسهل. قال صاحب القانون : « ولا يلتفت إلى ما يقال : من أن طبيعة اللبن مضادة لعلاج الاستسقاء. قال : واعلم أن لبن النوق دواء نافع ، لما فيه : من الجلاء برفق ، وما فيه : من خاصية. وإن هذا اللبن شديد المنفعة. فلو أن إنسانا أقام عليه بدل الماء والطعام : شفى به. وقد جرب ذلك في قوم : دفعوا إلى بلاد العرب ، فقادتهم الضرورة إلى ذلك ، فعوفوا. وأنفع الأبوال : بول الجمل الاعرابى ، وهو النجيب » انتهى.

وفى القصة دليل على التداوي والتطبب : وعلى طهارة بول مأكول اللحم : فإن التداوي بالمحرمات غير جائز (١) ، ولم يؤمروا ـ مع قرب عهدهم بالاسلام ـ بغسل أفواههم ، وما أصابته ثيابهم من أبوالها ، للصلاة. وتأخير البيان لا يجوز عن وقت الحاجة. وعلى مقابلة الجاني بمثل ما فعل ، فإن هؤلاء قتلوا الراعي ، وسملوا عينيه. ثبت ذلك في صحيح مسلم. وعلى قتل الجماعة وأخذ أطرافهم بالواحد. وعلى أنه إذا اجتمع في حق الجاني حد وقصاص : استوفيا معا. فإن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قطع أيديهم وأرجلهم : حدا لله على جرأتهم (٢) ، وقتلهم : لقتلهم الراعي. وعلى أن المحارب : إذا أخذ المال وقتل ، قطعت يده ورجله في مقام واحد ، وقتل. وعلى أن الجنايات : إذا تعددت تغلظت عقوباتها ، فإن هؤلاء : ارتدوا بعد إسلامهم ، وقتلوا النفس ، ومثلوا بالمقتول ، وأخذوا المال ، وجاهروا بالمحاربة. وعلى أن حكم ردة (٣) المحاربين حكم مباشرهم ، فإنه من المعلوم أن كل واحد منهم لم يباشر القتل بنفسه ، ولا سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك. وعلى أن قتل الغيلة يوجب قتل القاتل حدا : فلا يسقطه العفو ، ولا تعتبر فيه المكافأة. وهذا مذهب أهل المدينة ، وأحد الوجهين في مذهب أحمد : اختاره شيخنا (٤) ، وأفتى به.

__________________

(١) هذا غير متفق عليه! ودليل المجيز : أنه حينئذ لا يكون حراما.!!. اه‍ ق.

(٢) كذا بالأصل. وفى الزاد (ص ٧٨) : « حرابهم » ، ولعله مصحف عنه ، أو عن « حرابتهم ».

(٣) كذا بالأصل. وفى الزاد : « ردء ». والظاهر أن كليهما مصحف عن « ردع ». فليراجع.

(٤) هو : شيخ الاسلام ابن تيمية الحنبلي!! اه‍ ق.

٣٧

فصل في هديه في علاج الجرح

في الصحيحين عن أبي حازم : « أنه سمع سهل بن سعد يسأل عما دووي به جرح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يوم أحد. فقال : جرح وجهه ، وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه. وكانت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : تغسل الدم ، وكان علي بن أبي طالب يسكب عليها بالمجن. فلما رأت فاطمة الدم لا يزيد إلا كثرة : أخذت قطعة حصير فأحرقتها ، حتى إذا صارت رمادا : ألصقته بالجرح ، فاستمسك الدم » (١) برماد الحصير المعمول من البردى. وله فعل قوى في حبس الدم : لان فيه تجفيفا قويا ، وقلة لذع. فإن الأدوية القوية التجفيف ، إذا كان فيها لذع : هيجت الدم وجلبته.

وهذا الرماد إذا نفح (٢) وحده أو مع الخل في أنف الراعف : قطع رعافه.

وقال صاحب القانون : « البردى ينفع من النزف ويمنعه ، ويذر على الجراحات الطرية فيدملها. والقرطاس المصري كان قديما يعمل منه. ومزاجه بارد يابس ورماد [ ٥ ] (٣) نافع من آكلة الفم ، ويحبس نفث الدم ، ويمنع القروح الخبيثة أن تسعى ».

فصل في هديه في العلاج بشرب العسل

والحجامة والكي

في صحيح البخاري : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : « الشفاء في ثلاث : شربة عسل ، وشرطة محجم ، وكية نار. وأنا أنهى أمتي عن الكي » (٤).

قال أبو عبد الله المازري (٥) : « الأمراض الامتلائية : إما أن تكون دموية ،

__________________

(١) وأخرجه أيضا : أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وأحمد. و « المجن » هو : الترس الذي يتقى به المقاتل. اه‍ ق.

(٢) كذا بالأصل. وفى الزاد (ص ٧٩) : « نفخ » بالمعجمة. ولعله تصحيف.

(٣) زيادة متعينة : عن الزاد.

(٤) وأخرجه أيضا : ابن ماجة ، وأحمد ، والبزار. اه‍ ق.

(٥) كذا بالزاد (ص ٧٩). وفى الأصل : « المارزي » ، وهو تصحيف.

٣٨

أو صفراوية ، أو بلغمية ، أو سوداوية. فإن كانت دموية : فشفاؤها إخراج الدم. وإن كانت من الأقسام الثلاثة الباقية : فشفاؤها بالاسهال الذي يليق بكل خلط منها. وكأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نبه بالعسل على المسهلات ، وبالحجامة على الفصد. وقد قال بعض الناس : إن الفصد يدخل في قوله : شرطة محجم ، فإذا أعيا الدواء : فآخر الطب الكي. فذكره ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من (١) الأدوية : لأنه يستعمل عند غلبة الطباع لقوى الأدوية ، وحيث لا ينفع الدواء المشروب. وقوله : أنا أنهى أمتي عن الكي ، وفى الحديث الآخر : وما أحب أن أكتوي (٢). إشارة إلى أن يؤخر العلاج به : حتى تدفع الضرورة إليه ، ولا يعجل التداوي به ، لما فيه : من استعجال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي ». انتهى كلامه.

وقال بعض الأطباء : الأمراض المزاجية إما أن تكون بمادة أو بغير مادة ، والمادية منها : إما حارة ، أو باردة ، أو رطبة ، أو يابسة ، أو ما تركب منها. وهذه الكيفيات الأربع منها كيفيتان فاعلتان ـ وهما : الحرارة والبرودة. ـ وكيفيتان منفعلتان ، وهما : الرطوبة واليبوسة. ويلزم من غلبة إحدى الكيفيتين (٣) الفاعلتين ، استصحاب كيفية منفعلة معها. وكذلك كان لكل واحد من الاخلاط الموجودة في البدن وسائر المركبات ، كيفيتان : فاعلة ومنفعلة.

فحصل من ذلك : أن أصل الأمراض المزاجية ، هي التابعة لاقوى كيفيات الاخلاط ، التي هي : الحرارة والبرودة. فجاء (٤) كلام النبوة في أصل معالجة الأمراض ـ التي هي الحارة والباردة ـ على طريق التمثيل. فإن كان المرض حارا : عالجناه بإخراج الدم : بالفصد كان ، أو بالحجامة. لان في ذلك استفراغا للمادة ، وتبريدا للمزاج (٥). وإن كان باردا :

__________________

(١) كذا بالأصل. وفى الزاد : « في » ، وكل صحيح.

(٢) أخرجه : البخاري ، ومسلم ، وأحمد عن جابر. اه‍ ق.

(٣) كذا بالزاد. وفى الأصل : « الكيفيبن » ، وهو تحريف.

(٤) كذا بالأصل. وفى الزاد (ص ٧٩) : « فحاصل ». وكلاهما صحيح.

(٥) عبارة الأصل : « وتبريدا للخراج ». وعبارة الزاد : « تبريد للمزاج ». والصواب ما أثبتناه.

٣٩

عالجناه بالتسخين ، وذلك موجود في العسل. فإن كان يحتاج مع ذلك إلى استفراغ المادة الباردة ، فالعسل أيضا يفعل في ذلك لما فيه : من الانضاج والتقطيع ، والتلطيف ، والجلاء ، والتليين. فيحصل بذلك استفراغ تلك المادة : برفق ، وأمن من نكاية المسهلات القوية.

وأما الكي : فلان كل واحد من الأمراض المادية ، إما أن يكون حادا (١) : فيكون سريع الافضاء (٢) لاحد الطرفين ، فلا يحتاج إليه فيه. وإما أن يكون مزمنا ، وأفضل علاجه بعد الاستفراغ : الكي في الأعضاء التي يجوز فيها الكي. لأنه لا يكون مزمنا إلا عن مادة باردة غليظة : قد رسخت في العضو ، وأفسدت مزاجه ، وأحالت جميع ما يتصل إليه إلى مشابهة جوهرها ، فيشتعل (٣) في ذلك العضو. فيستخرج بالكي تلك المادة ، من ذلك المكان الذي هي (٤) فيه ، بإفناء الجزء الناري الموجود : بالكي لتلك المادة.

فتعلمنا بهذا الحديث الشريف أخذ معالجة الأمراض المادية جميعها ، كما استنبطنا معالجة الأمراض الساذجة من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « إن شدة الحمى من فيح جهنم ، فأبردوها بالماء ».

( فصل ) وأما الحجامة ، ففي سنن ابن ماجة ـ من حديث جبارة (٥) بن المغلس ، وهو ضعيف ، عن كثير بن سليم ـ قال : سمعت أنس بن مالك ، يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « ما مررت ليلة أسرى بي بملا ، إلا قالوا : يا محمد ، مر أمتك بالحجامة » (٦). وروى الترمذي في جامعه ـ من حديث ابن عباس ـ هذا الحديث ، وقال فيه : « عليك بالحجامة يا محمد » (٧).

__________________

(١) كذا بالأصل والزاد. وهو صحيح.

(٢) كذا بالأصل. وفى الزاد : « الانقضاء ». ولعله تحريف.

(٣) عبارة الأصل : « ما يتصل ... فيستعمل ». وعبارة الزاد (ص ٨٠) : « ما يصل .. فيشتعل ».

(٤) كذا بالأصل أي : المادة. وفى الزاد : « هو ». وهو صحيح : من حيث إن المادة مرض.

(٥) كذا بالأصل. وفى الزاد : (جنادة). وهو تصحيف. انظر : تهذيب التهذيب (٢ / ٥٧) ، والخلاصة (ص ٥٥).

(٦) فيه غير جبارة ـ الذي ضعفه ـ ضعيف آخر ، هو : كثير بن سليم. اه‍ ق.

(٧) أخرجه : أحمد ، والحاكم. وفى إسناده : عباد بن منصور ، وهو ضعيف. اه‍ ق.

٤٠