الطبّ النبوي

شمس الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب الزّرعي [ ابن القيّم ]

الطبّ النبوي

المؤلف:

شمس الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب الزّرعي [ ابن القيّم ]


الموضوع : الطّب
المطبعة: دار إحياء الكتب العربية ـ قاهرة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٤

وهو من أعظم الفاكهة موافقة لأهل المدينة وغيرها ـ : من البلاد التي هو فاكهتهم فيها. وأنفعها للبدن : وإن كان من لم يعتده يسرع التعفن في جسده ، ويتولد عنه دم ليس بمحمود ، ويحدث (١) في إكثاره منه صداع وسوداء ، ويؤذى أسنانه. وإصلاحه بالسكنجبين ونحوه.

وفى فطر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الصوم ، عليه أو على التمر أو الماء ، تدبير لطيف جدا. فإن الصوم يخلى المعدة من الغذاء : فلا تجد الكبد فيها ما تجذ به وترسله إلى القوى والأعضاء. والحلو أسرع شئ وصولا إلى الكبد ، وأحبه إليها ـ ولا سيما إن كان رطبا ـ فيشتد قبولها له ، فتنتفع به هي والقوى. فإن لم يكن فالتمر : لحلاوته وتغذيته. فإن لم يكن فحسوات الماء : تطفئ لهيب المعدة وحرارة الصوم ، فتنتبه بعده للطعام ، وتأخذه بشهوة.

٢ ـ ( ريحان ). قال تعالى : ( فأما إن كان من المقربين ، فروح وريحان وجنة نعيم ). وقال تعالى : ( والحب ذو العصف والريحان ).

وفى صحيح مسلم ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : « من عرض عليه ريحان فلا يرده : فإنه خفيف المحمل ، طيب الرائحة ».

وفى سنن ابن ماجة ـ من حديث أسامة رضي الله عنه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : « ألا مشمر للجنة ، فإن الجنة لا خطر لها. هي ـ ورب الكعبة ـ : نور يتلألأ ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وتمرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، ومقام في أبد في دار سليمة ، وفاكهة وخضرة ، وحبرة ونعمة ، في محلة عالية بهية. قالوا : نعم يا رسول الله ، نحن المشمرون لها. قال : قولوا إن شاء الله تعالى. فقال القوم : إن شاء الله ».

الريحان : كل نبت طيب الريح. فكل أهل بلد يخصونه بشئ من ذلك : فأهل الغرب يخصونه بالآس ، وهو الذي يعرفه العرب : من الريحان. وأهل العراق والشام يخصونه بالحبق.

__________________

(١) كذا بالزاد. وفى الأصل : يحدث. وهو تحريف.

(١٦ ـ الطب النبوي)

٢٤١

فأما الآس ، فمزاجه بارد في الأولى ، يابس في الثانية. وهو ـ مع ذلك ـ مركب من قوى متضادة ، والأكثر فيه الجوهر الأرضي البارد. وفيه (١) شئ حار لطيف. وهو يجفف الرأس (٢) تجفيفا قويا. وأجزاؤه متقاربة القوة ، وهى قوة قابضة حابسة من داخل وخارج معا.

وهو قاطع للاسهال الصفراوي ، دافع للبخار الحار الرطب : إذا شم ، مفرح للقلب تفريحا شديدا. وشمه مانع للوباء ، وكذلك افتراشه في البيت.

ويبرئ الأورام الحادثة في الحالبين : إذا وضع عليها. وإذا دق ورقه وهو غض ، وضرب بالخل ، ووضع على الرأس ـ : قطع الرعاف. وإذا سحق ورقه اليابس ، وذر على القروح ذوات الرطوبة ـ : نفعها. ويقوى الأعضاء الواهية : إذا ضمد به ، وينفع داء الداحس. وإذا ذر على البثور والقروح التي في اليدين والرجلين : نفعها.

وإذا دلك به البدن : قطع العرق ، ونشف الرطوبات الفضلية ، وأذهب نتن الإبط.

وإذا جلس في طبيخه : نفع من خروج المقعدة والرحم ، ومن استرخاء المفاصل. وإذا صب على الكسور العظام التي لم تلتحم : نفعها.

ويجلو قشور الرأس وقروحه الرطبة وبثوره ، ويمسك الشعر المتساقط ويسوده. وإذا دق ورقه وصب عليه ماء يسير ، وخلط به شئ من زيت أو دهن الورد ، وضمد به ـ : وافق القروح الرطبة ، والنملة والحمرة ، والأورام الحادة والشرى والبواسير.

وحبه نافع من نفث الدم العارض في الصدر والرئة ، دابغ للمعدة. وليس بضار للصدر ولا الرئة : لجلاوته (٣). وخاصيته : النفع من استطلاق البطن مع السعال. وذلك نادر في الأدوية. وهو مدر للبول ، نافع من لذع (٤) المثانة ، وعض الرتيلاء ، ولسع العقارب.

والتخلل بعرقه مضر ، فليحذر.

__________________

(١) كذا بالزاد ١٦٦. وفى الأصل : فيه. ولعله تحريف.

(٢) هذا ليس بالزاد.

(٣) كذا بالزاد. وهو الظاهر. وفى الأصل : لحلاوته.

(٤) كذا بالزاد. وفى الأصل : لدغ. وهو تصحيف.

٢٤٢

وأما الريحان الفارسي ـ الذي يسمى ـ : الحبق. ـ فحار في أحد القولين. ينفع شمه من الصداع الحار : إذا رش عليه الماء ، ويبرد ويرطب بالعرض. وبارد في الآخر. وهل هو رطب؟ أو يابس؟ على قولين. والصحيح : أن فيه من الطبائع الأربع. ويجلب النوم.

وبزره حابس للاسهال الصفراوي ومسكن للمغص ، مقو للقلب ، نافع للأمراض السوداوية.

٣ ـ ( رمان ). قال تعالى : ( فيهما فاكهة ونخل ورمان ).

ويذكر عن ابن عباس ـ موقوفا ومرفوعا ـ : « مامن رمان ، من رمانكم هذا ، إلا وهو ملقح بحبة من رمان الجنة ». والموقوف أشبه. وذكر حرب وغيره ، عن علي ، أنه قال : « كلوا الرمان بشحمه ، فإنه دباغ المعدة ».

حلو الرمان حار رطب ، جيد للمعدة ، مقو لها بما فيه : من قبض لطيف. نافع للحلق والصدر والرئة ، جيد للسعال. وماؤه ملين للبطن ، يغذو البدن غذاء فاضلا يسيرا ، سريع التحلل : لرقته ولطافته. ويولد حرارة يسيرة في المعدة وريحا. ولذلك يعين على الباه ، ولا يصلح للمحمومين. وله خاصية عجيبة : إذا أكل بالخبز يمنعه من الفساد في المعدة.

وحامضه بارد يابس ، قابض لطيف. ينفع المعدة الملتهبة ، ويدر البول أكثر من غيره : من الرمان. ويسكن الصفراء ، ويقطع الاسهال ، ويمنع القئ ، ويلطف الفضول ، ويطفئ حرارة الكبد ، ويقوى الأعضاء. نافع من الخفقان الصفراوي ، والآلام العارضة للقلب وفم المعدة. ويقوى المعدة ، ويدفع الفضول عنها ، ويطفئ المرة الصفراء والدم.

وإذا استخرج ماؤه بشحمه ، وطبخ بيسير من العسل حتى يصير كالمرهم ، واكتحل به ـ : قطع الصفرة من العين ، ونقاها من الرطوبات الغليظة. وإذا لطخ على اللثة : نفع من الأكلة العارضة لها. وإن استخرج ماؤها بشحمهما : أطلق البطن ، وأحدر الرطوبات العفنة المرية ، ونفع من حميات الغب (١) المتطاولة.

__________________

(١) كذا بالزاد ١٦٧. أي المنقطعة التي تطرأ يوما وتنقطع آخر ، مثلا. وفى الأصل : العنب. ولعه محرف عنه.

٢٤٣

وأما الرمان المز ، فمتوسط طبعا وفعلا بين النوعين. وهذا أميل إلى لطافة الحامض قليلا. وحب الرمان مع العسل طلاء (١) للداحس والقروح الخبيثة. وأقماعه للجراحات. قالوا : ومن ابتلع ثلاثة من جنبذ الرمان ( في ) (٢) كل سنة ، أمن الرمد سنة كلها.

حرف الزاي

١ ـ ( زيت ). قال تعالى : ( يوقد من شجرة مباركة ، زيتونة لا شرقية ولا غربية ، يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار ).

وفى الترمذي وابن ماجة ـ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : « كلوا الزيت وادهنوا به ، فإنه من شجرة مباركة ». وللبيهقي وابن ماجة أيضا ، عن عبد الله ( بن عمر ) (٢) رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « ائتدموا بالزيت وادهنوا به ، فإنه من شجرة مباركة ».

الزيت حار رطب في الأولى. وغلط من قال : يابس. والزيت بحسب زيتونه : فالمعتصر من النضيج أعدله وأجوده ، ومن الفج فيه برودة ويبوسة ، ومن الزيتون الأحمر متوسط بين الزيتين ، ومن الأسود يسخن ويرطب باعتدال ، وينفع من السموم ، ويطلق البطن ، ويخرج الدود. والعتيق منه أشد تسخيبا وتحليلا. وما استخرج منه بالماء ، فهو أقل حرارة وألطف ، وأبلغ في النفع. وجميع أصنافه ملينة للبشرة ، وتبطئ الشيب.

وماء الزيتون المالح يمنع من تنفط حرق النار ، ويشد اللثة. وورقه (٣) ينفع من الحمرة والنملة والقروح الوسخة والشرى. ويمنع العرق. ومنافعه أضعاف ما ذكرناه (٤).

__________________

(١) كذا بالزاد. وفى الأصل : طلا. وهو تحريف على ما في المصباح : (طلى).

(٢) زيادة عن الزاد.

(٣) كذا بالزاد. وفى الأصل : ورقه ولعله تحريف.

(٤) بالزاد : ذكرنا.

٢٤٤

٢ ـ ( زبد ). روى أبو داود في سننه ، عن ابني بسر (١) السلميين رضي الله عنهما ، قالا : « دخل علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقدمنا له زبدا وتمرا. وكان يحب الزبد والتمر ».

الزبد حار رطب ، فيه منافع كثيرة ، منها : الانضاج والتحليل. ويبرئ الأورام التي تكون إلى جانب الاذنين والحالبين ، وأورام الفم ، وسائر الأورام التي تعرض في أبدان النساء والصبيان ـ : إذا استعمل وحده. وإذا لعق منه : نفع من نفث الدم الذي يكون من الرئة ، وأنضج الأورام العارضة فيها.

وهو ملين للطبيعة والعصب والأورام الصلبة العارضة من المرة السوداء والبلغم ، نافع من اليبس العارض في البدن. وإذا طلى على منابت أسنان الطفل : كان معينا على نباتها وطلوعها. وهو نافع من السعال العارض من البرد واليبس. ويذهب القوبي والخشونة التي في البدن ، ويلين الطبيعة. ولكنه يسقط شهوة الطعام ، ويذهب بوخامة الحلو : كالعسل والتمر.

وفى جمعه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين التمر وبينه ـ من الحكمة ـ : إصلاح كل منهما بالآخر.

٣ ـ ( زبيب ). روى فيه حديثان لا يصحان ، ( أحدهما ) : « نعم الطعام الزبيب : يطيب النكهة ، ويذيب البلغم ». ( والثاني ) : « نعم الطعام الزبيب : يذهب النصب ، ويشد العصب ، ويطفئ الغضب ، ويصفى اللون ، ويطيب النكهة ». وهذا أيضا لا يصح فيه شئ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وبعد : فأجود الزبيب ما كبر جسمه ، وسمن شحمه ولحمه ، ورق قشره ، ونزع عجمه ، وصغر حبه. وجرم الزبيب حار رطب في الأولى ، ( وحبه ) (٢) بارد يابس. وهو كالعنب المتخذ منه : الحلو منه حار ، والحامض قابض بارد ، والأبيض أشد قبضا من غيره. وإذا أكل لحمه : وافق قصبة الرئة ، ونفع من السعال ووجع الكلى والمثانة. ويقوى المعدة ، ويلين البطن.

والحلو اللحم أكثر غذاء من العنب ، وأقل غذاء من التين اليابس. وله قوة منضجة

__________________

(١) كذا بالأصل ، وسنن أبي داود ٣ / ٣٦٣ ، والتهذيب ١٢ / ٢٨٦ ، والخلاصة ٤٠٨. وفى الزاد : بشر (بالمعجمة). وهو تصحيف.

(٢) زيادة عن الزاد.

٢٤٥

هاضمة ، قابضة محللة باعتدال. وهو بالجملة : يقوى المعدة والكبد والطحال ، نافع من وجع الحلق والصدر والرئة والكلى والمثانة.

وأعدله : أو يؤكل بغير حبه. وهو يغذى غذاء صالحا ، ولا يسدد كما يفعل التمر. وإذا أكل منه بعجمه : كان أكثر نفعا للمعدة والكبد والطحال. وإذا لصق لحمه على الأظافير المتحركة : أسرع قلعها. والحلو منه ومالا عجم له نافع لأصحاب الرطوبات والبلغم. وهو يخصب الكبد وينفعها بخاصيته.

وفيه نفع للحفظ. قال الزهري : « من أحب أن يحفظ الحديث ، فليأكل الزبيب ». وكان المنصور يذكر عن جده عبد الله بن عباس : « عجمه داء ، ولحمه دواء ».

٤ ـ ( زنجبيل ) (١). قال تعالى : ( ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ).

وذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي ـ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ـ قال : « أهدى ملك الرم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جرة زنجبيل ، فأطعم كل إنسان قطعة ، وأطعمني قطعة ».

الزنجبيل حار في الثانية ، رطب في الأولى. مسخن ، معين على هضم الطعام ، ملين للبطن تليينا معتدلا ، نافع من سدد الكبد العارضة عن البرد والرطوبة ، ومن ظلمة البصر الحادثة عن الرطوبة ـ : أكلا واكتحالا. معين على الجماع. وهو محلل للرياح الغليظة الحادثة في الأمعاء والمعدة.

وبالجملة : فهو صالح للكبد والمعدة الباردتي المزاج. وإذا أخذ منه مع السكر وزن درهمين بالماء الحار ، أسهل فضولا لزجه لعابية. ويقع في المعجونات التي تحلل البلغم وتذيبه.

والمزي منه حار يابس ، يهيج الجماع ويزيد المنى ، ويسخن المعدة والكبد ، ويعين على الاستمراء ، وينشف البلغم الغالب على البدن ، ويزيد في الحفظ ، ويوافق برد الكبد

__________________

(١) هو مهدئ للمعدة ، مسكن للمغص ، طارد للأرياح. اه‍ د.

٢٤٦

والمعدة : يزيل بلتها الحادثة عن أكل الفاكهة. ويطيب النكهة ، ويدفع به ضرر الأطعمة الغليظة الباردة.

حرف السين

١ ـ ( سنا ). قد تقدم ، وتقدم « سنوت » أيضا (١). وفيه سبعة أقوال :

( أحدها ) : أنه العسل. ( الثاني ) : أنه رب عكة السمن ، يخرج خططا سوداء على السمن. ( الثالث ) : أنه حب يشبه الكمون ، وليس بكمون. ( الرابع ) : الكمون الكرماني. ( الخامس ) : أنه الشبت (٢) ( السادس ) : أنه التمر. ( السابع ) : أنه الرازيانج.

٢ ـ ( سفرجل ). روى ابن ماجة في سننه ، حديث إسماعيل بن محمد الطلحي ، عن شعيب بن حاجب ، عن أبي سعيد ، عن عبد الملك الزبيري ، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ، قال : « دخلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وبيده سفرجلة ، فقال : دونكها يا طلحة ، فإنها تجم الفؤاد ». ورواه النسائي من طريق آخر ، وقال : أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو في جماعة من أصحابه ، وبيده سفرجلة يقلبها ـ فلما جلست إليه : دحا بها إلى ، ثم قال : دونكها أبا ذر ، فإنها تشد القلب ، وتطيب النفس ، وتذهب بطخاء الصدر ».

وقد روى في السفرجل أحاديث أخر : هذه أمثلها ، ولا تصح.

والسفرجل بارد يابس ، ويختلف في ذلك باختلاف طعمه. وكله بارد قابض ، جيد للمعدة. والحلو منه أقل بردا ويبسا ، وأميل إلى الاعتدال. والحامض أشد قبضا ويبسا وبردا. وكله يسكن العطش والقئ ، ويدر البول ، ويعقل الطبع ، وينفع من قرحة الأمعاء ، ونفث الدم ، والهيضة. وينفع من الغثيان. ويمنع من تصاعد الأبخرة : إذا استعمل بعد الطعام. وحراقة أغصانه وورقه المغسولة ، كالتوتياء في فعله.

__________________

(١) راجع صفحه : ٥٧ ـ ٦٠.

(٢) كذا بالزاد ١٦٨. وهو الموافق لما تقدم (ص ٦٠). وبالأصل : الشبث ( بكسر فسكون ). وكلاهما قد ورد في القاموس : ١ / ١٥١ و ١٦٨. فليحرر المراد.

٢٤٧

وهو قبل الطعام يقبض ، وبعده يلين الطبع ، ويسرع بانحدار الثقل. والاكثار منه مضر بالعصب ، ملود للقولنج. ويطفئ المرة الصفراء المتولدة في المعدة.

وإن شوى : كان أقل لخشونته وأخف. وإذا قور وسطه ، ونزع حبه ، وجعل فيه العسل ، وطين جرمه بالعجين ، وأودع الرماد الحار ـ : نفع نفعا حسنا.

وأجود ما أكل مشويا أو مطبوخا بالعسل. وحبه ينفع من خشونة الحلق ، وقصبة الرئة ، وكثير من الأمراض. ودهنه يمنع العرق ، ويقوى المعدة. والمربى منه تقوى المعدة والكبد ، وتشد القب ، وتطيب النفس.

ومعنى « تجم الفؤاد » : تريحه. وقيل : تفتحه وتوسعه ، من « جمام الماء ». وهو : اتساعه وكثرته. و « الطخاء » للقلب مثل الغيم على السماء ، قال أبو عبيد : « الطخاء : ثقل (١) وغشاء. وتقول : ما في السماء طخاء ، أي : سحاب ظلمة ».

٣ ـ ( سواك ). في الصحيحين ـ عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : « لولا أن أشق على أمتي : لامرتهم بالسواك عند كل صلاة ». وفيهما : « أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا قام من الليل : يشوص فاه بالسواك ». وفى صحيح البخاري ـ تعليقا عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : « السواك مطهرة للفم ، مرضاة للرب ». وفى صحيح مسلم : « أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا دخل بيته : بدأ بالسواك ». والأحاديث فيه كثيرة.

وصح عنه : أنه استاك عند موته. وصح عنه أنه قال : « أكثرت عليكم في السواك ».

وأصلح ما اتخذ السواك : من خشب الأراك ونحوه. ولا ينبغي أن يؤخذ من شجرة مجهولة : فربما كانت سما. وينبغي القصد في استعماله. فإن بالغ فيه : فربما أذهب طلاوة الأسنان وصقالتها ، وهيأها لقبول الأبخرة المتصاعدة من المعدة والأوساخ. ومتى استعمل

__________________

(١) بالأصل والزاد : ثفل ( بالفاء ). وهو تصحيف. وقوله : وغشاء ، ملائم لما ذكره بعده. ولعله تفسير بالنظر إلى معناه الأصلي كما يشير إليه صنيع صاحب القاموس : ٤ / ٣٥٦. وإلا فالأصح أو الأولى ـ بالنظر للحديث ـ التعبير : « بالغشى » بفتح فسكون كما في النهاية ٣ / ٣٤. وهو : ما يعطل القوى المحركة ، والأوردة الحساسة ، لضعف القلب. وفسره بعضهم : بالاغماء. انظر المصباح ( غشى )

٢٤٨

باعتدال : جلى الأسنان ، وقوى العمود ، وأطلق اللسان ، ومنع الحفر ، وطيب النكهة ، ونقى الدماغ ، وشهى الطعام.

وأجود ما استعمل مبلولا بماء الورد ، ومن أنفعه : أصول الجوز ، قال صاحب التيسير : « زعموا أنه إذا استاك به المستاك كل خامس من الأيام : نقى الرأس. وصفى الحواس ، وأحد الذهن ».

وفى السواك عدة منافع : يطيب الفم ، ويشد اللثة ، ويقطع البلغم ، ويجلو البصر ، ويذهب بالحفر ، ويصح المعدة ، ويصفى الصوت ، ويعين على هضم الطعام ، ويسهل مجارى الكلام ، وينشط للقراءة والذكر والصلاة ، ويطرد النوم ، ويرضى الرب ، ويعجب الملائكة ، ويكثر الحسنات.

ويستحب كل وقت. ويتأكد : عند الصلاة ، والوضوء ، والانتباه من النوم ، وتغير رائحة الفم. ويستحب للمفطر والصائم في كل وقت : لعموم الأحاديث فيه ، ولحاجة الصائم إليه ، ولأنه مرضاة للرب : ( ومرضاته ) (١) مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر. ولأنه مطهرة للفم ، والطهور للصائم من أفضل أعماله.

وفى السنن ، عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه ، قال : « رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما لا أحصى ، يستاك : وهو صائم ». وقال البخاري : قال ابن عمر : « يستاك أول النهار وآخره ».

وأجمع الناس : على أن الصائم يتمضمض وجوبا واستحبابا. والمضمضة أبلغ من السواك. وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة ، ولا هي من جنس ما شرع التعبد به. وإنما ذكر « طيب الخلوف عند الله يوم القيامة » : حثا منه على الصوم ، لا حثا على إبقاء الرائحة. بل : الصائم أحوج إلى السواك من المفطر.

وأيضا : فإن رضوان الله أكبر من استطابته لخلوف في الصائم.

__________________

(١) زيادة جيدة عن الزاد ١٦٩.

٢٤٩

( وأيضا ) : فإن محبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم.

( وأيضا ) : فإن السوك لا يمنع طيب الخلوف ـ الذي يزيله السواك ـ : عند الله يوم القيامة : بل يأتي الصائم يوم القيامة : وخلوف فمه أطيب من المسك ، علامة على صيامه ، ولو أزاله بالسواك. كما أن الجريح يأتي يوم القيامة : ولون دم جرحه لون الدم ، وريحه ريح المسك. وهو مأمور بإزالته في الدنيا.

( وأيضا ) : فإن الخلوف لا يزول بالسواك. فإن سببه قائم ، وهو : خلو المعدة عن الطعام. وإنما يزول أثره ، وهو المنعقد على الأسنان واللثة.

( وأيضا ) : فإن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ علم أمته ما يستحب لهم في الصيام ، وما يكره لهم. ولم يجعل السواك من القسم المكروه : وهو يعلم أنهم يفعلونه : وقد حضهم عليه بأبلغ ألفاظ العموم والشمول : وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم ، مرارا كثيرة تفوت الاحصاء. ويعلم أنهم يقتدون به. ولم يقل لهم يوما من الدهر : لا تستاكوا بعد الزوال. وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع. والله أعلم.

٤ ـ ( سمن ). روى محمد بن جرير الطبري بإسناده ـ من حديث صهيب ، يرفعه ـ : « عليكم بألبان البقر : فإنها شفاء ، وسمنها دواء ، ولحومها داء ». رواه عن أحمد بن الحسن الترمذي : حدثنا محمد بن موسى النسائي ، حدثنا دفاع بن دغفل السدوسي ، عن عبد الحميد ابن صيفي بن صهيب ، عن أبيه ، عن جده. ولا يثبت ما في هذا الاسناد.

والسمن حار رطب في الأولى. وفيه جلاء يسير ، ولطافة ، وتفشية للأورام الحادثة من الأبدان الناعمة. وهو أقوى من الزبد : في الانضاج والتليين. وذكر جالينوس : « أنه أبرأ الأورام الحادثة في الاذن ، وفى الأرنبة ». وإذا ذلك به موضع الأسنان : نبت سريعا.

وإذا خلط عسل ولو زمر : جلا ما في الصدر والرئة ، والكيموسات الغليظة اللزجة. إلا أنه ضار بالمعدة : سيما إذا كان مزاج صاحبها بلغميا.

٢٥٠

وأما سمن البقر والمعز ، فإنه إذا شرب مع العسل : نفع من شرب السم القاتل ، ومن لدغ الحيات والعقارب. وفى كتاب ابن السنى ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : « لم يستشف الناس بشئ أفضل من السمن ».

٥ ـ ( سمك ). روى الإمام أحمد بن حنبل ، وابن ماجة في سننه ـ من حديث عبد الله بن عمر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : « أحلت لنا ميتتان ودمان : السمك والجراد ، والكبد والطحال ».

أصناف السمك كثيرة. وأجوده : ما لذ طعمه ، وطاب ريحه ، وتوسط مقداره ، وكان رقيق القشر ، ولم يكن صلب اللحم ولا يابسه ، وكان في ماء عذب جار (١) على الحصباء ، ويتغذى بالنبات ، لا الاقذار. وأصلح أماكنه : ما كان في نهر جيد الماء ، وكان يأوى إلى الأماكن الصخرية ، ثم الرملية ، والمياه الجارية العذبة التي لا قذر فيها ولا حمأة ، الكثيرة الاضطراب والتموج ، المكشوفة للشمس والرياح.

والسمك البحري فاضل محمود لطيف. والطري منه بارد رطب ، عسر الانهضام ، يولد بلغما كثيرا. إلا البحري وما جرى مجراه : فإنه يولد خلطا محمودا. وهو يخصب البدن ، ويزيد في المنى ، ويصلح الامزاج الحارة.

وأما المالح فأجوده : ما كان قريب العهد بالتملح. وهو حار يابس ، وكلما تقادم عهده : ازداد حره ويبسه. والسلور منه كثير اللزوجة ، ويسمى الجري. واليهود لا تأكله. وإذا أكل طريا : كان ملينا للبطن. وإذا ملح وعتق وأكل : صفى قصبة الرئة ، وجود الصوت. وإذا دق ووضع من خارج : أخرج السلى (٢) والفضول من عمق البدن ، من طريق أن له قوة جاذبة.

__________________

(١) كذا بالزاد ١٧٠. وصحف في الأصل : بالحاء.

(٢) هو الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن أمه ملفوفا فيه. وفى الأصل والزاد : السلا. والظاهر أنه مصحف عنه أو رسم آخر له ( كالضحى ) ، لا محرف عن « السلاء » بالمد وتشديد اللام : شوك النخل. فتأمل ، ورواجع : النهاية ٢ / ١٧٣ و ١٧٩ ، والمصباح ( سلا ).

٢٥١

وماء ملح الجري المالح إذا جلس فيه من كانت به قرحة الأمعاء ، في ابتداء العلة ، وافقه : بجذبه المواد إلى ظاهر البدن. وإذا احتقن به : أبرأ من عرق النساء (١).

وأجود ما في السمك : ما قرب من مؤخرها. والطري السمين منه يخصب البدن لحمه وودكه.

في الصحيحين ـ من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه ـ قال : « بعثنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ثلثمائة راكب ، وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه. فأتينا (٢) الساحل ، فأصابنا جوع شديد : حتى أكلنا الخبط. فألقى لنا البحر حوتا (يقال) لها : عنبر. فأكلنا منه نصف شهر ، وائتدمنا بودكه : حتى ثابت أجسامنا. فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه ، وحمل رجلا على بعيره ، ونصبه فمر تحته ».

٦ ـ ( سلق ) (٣) روى الترمذي وأبو داود ، عن أم المنذر ، قالت : « دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ومعه علي رضي الله عنه ، ولنا دوال معلقة. ( قالت ) : فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأكل ، وعلى معه يأكل. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : مه يا علي! فإنك ناقة. ( قالت ) : فجعلت لهم سلقا وشعيرا ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا علي ، فأصب من هذا : فإنه أوفق لك ». قال الترمذي : حديث حسن غريب.

السلق حار يابس في الأولى. وقيل : رطب فيها. وقيل : مركب منهما. وفيه برودة ملطفة ، وتحليل وتفتيح. وفى الأسود منه قبض ، ونفع من داء الثعلب ، والكلف ، والحزاز (٤) والثآليل : إذا يطلى بمائه. ويقتل القمل ، ويطلى به القوباء (٥) مع العسل ، ويفتح سدد الكبد والطحال.

__________________

(١) كذا بالزاد موافقا لما تقدم : ( ص ٥٦ ). وفى الأصل : النساء ( بالمد ). وهو تحريف على ما في النهاية ٢ / ١٤٢ ، والمصباح والمختار والقاموس.

(٢) كذا بالزاد ـ والزيادة الآتية عنه وعن صحيح البخاري ٧ / ٩٠ ، ومسلم ٦ / ٦٢ (أو ١٣ / ٨٧ من الشرح) ـ وبالأصل : وأتينا. ولعله تصحيف.

(٣) يقصد به السلق البحري. ولا يستعمل الان إلا في الجروح المتقيحة ، وبعض الأمراض الجلدية اه‍ د.

(٤) كذا بالزاد. أي الهبرية في الرأس كما تقدم : ص ٢٣٠. والواحدة حزازة. كما في المختار. وبالأصل : الحرارة. وهو إما مصحف عن « الحزازة » أما محرف عما أثبتناه.

(٥) بالأصل والزاد : بدون الهمزة. وهو تحريف على ما تقدم ص ٢٣٢.

٢٥٢

وأسوده يعقل البطن ولا سيما مع العدس ، وهما رديئان. والأبيض يلين مع العدس ويحقن بمائه للاسهال ، وينفع من القولنج مع المري والتوابل. وهو قليل الغذاء ردئ الكيموس ، يحرق الدم. ويصلحه الخل والخردل. والاكثار منه يولد القبض والنفخ.

حرف الشين

١ ـ ( شونيز ) هو : الحبة السوداء. وقد تقدم في حرف الحاء (١).

٢ ـ ( شبرم ) (٢) روى الترمذي وابن ماجة في سننهما ـ من حديث أسماء بنت عميس ـ قالت : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بماذا كنت تستمشين؟ قالت : بالشبرم. قال : حار يار » (٣).

الشبرم : شجر صغير وكبير كقامة الرجل وأرجح ، له قضبان حمر ملعمة ببياض ، وفى رؤوس قضبانه جمة من ورق ، وله نور صغار أصفر إلى البياض ، يسقط ويخلفه مراود صغار : فيها حب صغير مثل البطم في قدره أحمر اللون ، ولها عروق عليها قشور حمر. والمستعمل منه : قشر عروقه ، ولبن قضبانه.

وهو حار يابس في الدرجة الرابعة. ويسهل السوداء والكيموسات الغليظة والماء الأصفر والبلغم. مكرب مغث. والاكثار منه يقتل. وينبغي إذا استعمل أن ينقع في اللبن الحليب يوما وليلة ، ويغير عليه (٤) اللبن ـ في اليوم ـ مرتين أو ثلاثا ، ويخرج ويجفف في الظل ، ويخلط معه الورد والكثيراء (٥) ويشرب بماء العسل أو عصير العنب.

__________________

(١) ص ٢٢٩ ـ ٢٣١.

(٢) نبات كان يستعمل قديما ، وبطل استعماله لكثرة أنواعه وكثرة السام منها : مما أدى إلى وفاة الكثيرين من استعماله. وتستعمل بعض خلاصاته الان كمدر للبلغم اه‍ د

(٣) كذا بالزاد ١٧١ ، موافقا لما تقدم : (ص ٥٨). وصحف في الأصل بالباء الموحدة.

(٤) كذا بالزاد. وفى الأصل : على. وهو تحريف.

(٥) هي : رطوبة تحرج من أصل شجرة تكون بجبال لبنان ، كما في القاموس ١ / ١٢٥. وبالأصل والزاد : بدون همزة.

٢٥٣

والشربة منه : ما بين أربع دوانق إلى دانقين ، على حسب القوة. قال (١) حنين : « أما لبن الشبرم ، فلا خير فيه. ولا أرى شربه البتة : فقد قتل به أطباء الطرقات كثيرا من الناس ».

٣ ـ ( شعير ). روى ابن ماجة ـ من حديث عائشة ـ قالت : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ أخذ أحدا (٢) من أهله الوعك : أمر بالحساء من الشعير فصنع ، ثم أمرهم فحسوا منه ، ثم يقول : إنه ليرتو (٣) فؤاد الحزين ، ويسرو ( عن ) فؤاد السقيم : كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها ». ومعنى « يرتوه » : يشده ويقويه. و « يسرو » : يكشف ويزيل.

وقد تقدم (٤) أن هذا هو : ماء الشعير المغلى. وهو أكثر غذاء من سويقه. وهو نافع للسعال وخشونة الحلق ، صالح لقمع حدة الفضول ، مدر للبول ، جلاء لما في المعدة ، قاطع للعطش ، مطفئ (٥) للحرارة. وفيه قوة يجلو بها ويلطف ويحلل.

وصفته : أن يؤخذ من الشعير الجيد المرضوض مقدار ، ومن الماء الصافي العذب خمسة أمثاله ، ويلقى في قدر نظيف ، ويطبخ بنار معتدلة إلى أن يبقى منه خمساه ، ويصفى ويستعمل منه مقدار الحاجة محلا.

٤ ـ ( شوى ). قال الله تعالى في ضيافة خليله إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ لأضيافه : ( فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ). و ( الحنيذ ) : المشوى على الرضف ، وهى : الحجارة المحماة.

وفى الترمذي ـ عن أم سلمة رضي الله عنها ـ : « أنها قربت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جنبا

__________________

(١) كذا بالزاد. وفى الأصل : وقال. ولعله تحريف. فتأمل.

(٢) كذا بالزاد. وفى الأصل : أحد. وهو تحريف. ولفظ سنن ابن ماجة ٢ / ١٧٨ : أهله.

(٣) ورد بالأصل والزاد ـ في الموضعين ـ بالقاف. وهو خطأ وتصحيف. انظر : السنن ، والنهاية ٢ / ٦٤ ـ ٦٥. والزيادة الآتية عنهما.

(٤) ص ٩٦.

(٥) بالأصل والزاد : مطف.

٢٥٤

مشويا ، فأكل منه ، ثم قام إلى الصلاة : وما توضأ ». قال الترمذي : حديث صحيح. وفيه أيضا ، عن عبد الله بن الحرث ، قال : « أكلنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شواء في المسجد » (١). وفيه أيضا ، عن مغيرة بن شعبة ، قال : « ضفت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة ـ فأمر بجنب فشوى ، ثم أخذ الشفرة فجعل يجز لي بها منه. ( قال ) : فجاء بلال يؤذن للصلاة ، فألقى الشفرة ، فقال : ماله تربت يداه ».

أنفع الشوى : شوى الضأن الحولي ، ثم العجل اللطيف السمين. وهو حار رطب إلى اليبوسة ، كثير التوليد للسوداء. وهو من أغذية الأقوياء والأصحاء والمرتاضين. والمطبوخ أنفع وأخف على المعدة ، وأرطب منه ومن المطجن.

وأردؤه : المشوى في الشمس. والمشوى على الجمر خير من المشوى باللهيب ، وهو : الحنيذ.

٥ ـ ( شحم ). ثبت في المسند عن أنس : « أن يهوديا أضاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقدم له خبز شعير ، وإهالة سنخة ». و ( الاهالة ) : الشحم المذاب. والالية. ( والسنخة ) : المتغيرة.

وثبت في الصحيح ، عن عبد الله بن مغفل ، قال : « دلى جراب من شحم ، يوم خيبر ، فالتزمته وقلت : والله ، لا أعطى أحدا منه شيئا. فالتفت فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يضحك ، ولم يقل شيئا ». أجود الشحم : ما كان من حيوان مكتمل. وهو حار رطب. وهو أقل رطوبة من السمن. ولهذا ، لو أذيب الشحم والسمن : كان الشحم أسرع جمودا.

وهو ينع من خشونة الحلق ، ويرخى ، ويعفن. ويدفع ضرره بالليمون المملوح والزنجبيل. وشحم المعز أقبض الشحوم. وشحم التيوس أشد تحليلا ، وينفع من قروح الأمعاء. وشحم العنز أقوى في ذلك ، ويحتقن به للسحج والزحير.

__________________

(١) بالأصل بعد ذلك زيادة ليست بالزاد ، هي : « وفيه أيضا عن مغيرة بن شعبة ، قال : ضفت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شواء في المسجد ». وهى من عبث الناسخ أو الطابع.

٢٥٥

حرف الصاد

١ ـ ( صلاة ). قال الله تعالى : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ). وقال : ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ، إن الله مع الصابرين ). وقال تعالى : ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ، لا نسألك رزقا نحن نرزقك ، والعاقبة للتقوى ).

وفى السنن : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ».

وقد تقدم ذكر الاستشفاء بالصلاة من عامة الأوجاع ، قبل استحكامها (١).

والصلاة : مجلبة للرزق ، حافظة للصحة ، دافعة للأذى ، مطردة للادواء ، مقوية للقلب ، مبيضة للوجه ، مفرحة للنفس ، مذهبة للكسل ، منشطة للجوارح ، ممدة للقوى ، شارحة للصدر ، مغذية للروح ، منورة للقلب ، حافظة للنعمة ، دافعة للنقمة ، جالبة للبركة ، مبعدة من الشيطان ، مقربة من الرحمن.

وبالجملة : فلها تأثير عجيب في حفظ صحة البدن والقلب وقواهما ، ودفع المواد الرديئة عنهما. وما ابتلى رجلان بعاهة أوداء أو محنة أو بلية ، إلا كان حظ المصلى منهما أقل ، وعاقبته أسلم.

وللصلاة تأثير عجيب : في دفع شرور الدنيا ، ولا سيما إذا أعطيت حقها : من التكميل ظاهرا وباطنا. فما استدفعت شرور الدنيا والآخرة ، واستجلبت مصالحهما ـ بمثل الصلاة.

وسر ذلك : أن الصلاة صلة بالله عز وجل ، وعلى قدر صلة العبد بربه عز وجل ، تفتح عليه من الخيرات أبوابها ، وتقطع عنه من الشرور أسبابها ، وتفيض عليه مواد التوفيق من ربه عز وجل. والعافية والصحة ، والغنيمة والغنى ، والراحة والنعيم ، والافراح والمسرات ـ كلها محضرة لديه ، ومسارعة إليه.

٢ ـ ( صبر ). الصبر نصف الايمان : فإنه ماهية مركبة من صبر وشكر. كما قال

__________________

(١) راجع صفحة : ١٥٥ ـ ١٥٦ و ١٦٣ ـ ١٦٤.

٢٥٦

بعض السلف : « الايمان نصفان : نصف صبر ، ونصف شكر. قال تعالى : (إن في ذلك لايات لكل صبار شكور ».

والصبر من الايمان ، بمنزلة الرأس من الجسد. وهو ثلاثة أنواع : صبر على فرائض الله ، فلا يضيعها. وصبر عن محارمه ، فلا يرتكبها. وصبر على أقضيته وأقداره ، فلا يتسخطها. ومن استكمل هذه المراتب الثلاث : استكمل الصبر ولذة الدنيا والآخرة ونعيمهما (١) ، والفوز والظفر فيهما ـ فلا يصل إليه أحد إلا على جسر الصبر : كما لا يصل أحد إلى الجنة إلا على الصراط. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : « خير عيش أدركناه بالصبر ».

وإذا تأملت مراتب الكمال المكتسب في العالم : رأيتها كلها (منوطة بالصبر وإذا تأملت النقصان ـ الذي يذم صاحبه عليه ، ويدخل تحت قدرته ـ : رأيته كله) (٢) من عدم الصبر. فالشجاعة والعفة والجود والايثار ـ كله صبر ساعة :

فالصبر طلسم على كنز العلاء ،

من حل ذا الطلسم : فاز بكنزه

وأكثر أسقام البدن والقلب ، إنما تنشأ من عدم الصبر. فما حفظت صحة القلوب والابدان والأرواح ، بمثل الصبر. فهو : الفاروق الأكبر ، والترياق الأعظم. ولو لم يكن فيه إلا معية الله مع أهله : فإن الله مع الصابرين ، ومحبته لهم : فإن الله يحب الصابرين ، ونصره لأهله : « فإن النصر مع الصبر » (٣) ، وأنه خير لأهله : (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) (٤) ، وأنه سبب الفلاح : ( يا أيها الذين آمنوا ، اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) (٥).

__________________

(١) بالأصل والزاد ١٧٢ : « ونعيمها ». والظاهر أن أصله ما أثبتناه ، وأن قوله : ولذة ، استئناف وابتداء لاعطف على « الصبر » ، وأن قوله : فلا يصل ، خبره لا تعليل له. وصح قرنه بالفاء ، لان مبتدأه عام أشبه الشرط. وقوله : إليه. أي إلى المذكور من اللذة وما عطف عليها. ولا يبعد أن يكون مصحفا عن « إليها ». كما لا يبعد أن يكون قوله : ولذة ، أصله : وبه لذة. فتأمل.

(٢) زيادة متعينة عن الزاد. فليس قوله الآتي : « عدم » زائدا كما ظنه ق ظنا ناشئا عن عدم البحث ، والتأثر بالظاهر.

(٣) بعض حديث مشهور اه‍ ق.

(٤) اقتباس من سورة النحل : (١٢٦) اقتباس من سورة النحل : (١٢٦).

(٥) اقتباس من سورة آل عمران : (٢٠٠) وجواب « لو » حذف للعلم به ، أي : لكان ذلك حاملا عليه.

(١٧ ـ الطب النبوي)

٢٥٧

٣ ـ ( صبر ) (١). روى أبو داود في كتاب المراسيل ـ من حديث قيس بن رافع القيسي رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : « ماذا في الامرين من الشفاء؟ : الصبر والثفاء ».

وفى السنن لأبي داود ـ من حديث أم سلمة ـ قالت : « دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حين توفى أبو سلمة ـ وقد جعلت على صبرا ـ فقال : ماذا يا أم سلمة؟! فقلت : إنما هو صبر يا رسول الله ، ليس فيه طيب. قال : إنه يشب الوجه ، فلا تجعليه إلا بالليل. ونهى عنه بالنهار ».

الصبر كثير المنافع ـ لا سيما الهندي منه ـ : ينقى الفضول الصفراوية التي في الدماغ وأعصاب البصر ، وإذا طلى على الجبهة والصدغ بدهن الورد : نفع من الصداع. وينفع من قروح الانف والفم ، ويسهل السوداء والماليخوليا.

والصبر الفارسي : يذكى العقل ، ويشد (٢) الفؤاد ، وينقى الفضول الصفراوية والبلغمية من المعدة : إذا شرب منه ملعقتان بماء. ويرد الشهوة الباطلة والفاسدة. وإذا شرب في البرد : خيف أن يسهل دما.

٤ ـ ( صوم ). الصوم جنة من أدواء الروح والقلب والبدن ، منافعه تفوت الاحصاء. وله تأثير عجيب : في حفظ الصحة ، وإذابة الفضلات ، وحبس النفس عن تناول مؤذياتها ، ولا سيما : إذا كان باعتدال وقصد في أفضل أوقاته شرعا ، وحاجة البدن إليه طبعا. ثم إن فيه ـ : من إراحة القوى والأعضاء. ـ ما يحفظ عليها قواها. وفيه خاصية تقتضى إيثاره ، وهى : تفريحه للقلب عاجلا وآجلا. وهو أنفع شئ لأصحاب الأمزجة الباردة والرطبة ، وله تأثير عظيم : في حفظ صحتهم.

وهو يدخل في الأدوية الروحانية والطبيعية. وإذا راعى الصائم فيه ما ينبغي مراعاته

__________________

(١) يستعمل للان في العطارة وفى الأدوية الحديثة كمسهل ، في بعض حالات الامساك ، بمقادير معروفة

محددة اه‍ د.

(٢) أي : يقول. وفى الزاد : يمد. ولعله المراد منه التقوية أيضا.

٢٥٨

طبعا وشرعا : عظم انتفاع قلبه وبدنه به ، وحبس عنه المواد الغريبة الفاسدة التي هو مستعد لها ، وأزال المواد الرديئة الحاصلة بحسب كماله ونقصانه. ويحفظ الصائم مما ينبغي أن يتحفظ منه ، و ( يعينه على ) (١) قيامه بمقصود الصوم وسره وعلته الغائية. فإن القصد منه أمر آخر وراء ترك الطعام والشراب. وباعتبار ذلك الامر ، اختص من بين الأعمال : بأنه لله سبحانه. ولما كان وقاية وجنة بين العبد وبين ما يؤذى قلبه وبدنه عاجلا وآجلا ، قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ، كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ). فأحد مقصودي الصيام : الجنة والوقاية ، وهى حمية عظيمة النفع. والمقصود الآخر : اجتماع القلب والهم على الله تعالى ، وتوفير قوى النفس على محابه وطاعته. وقد تقدم الكلام في بعض أسرار الصوم : عند ذكر هديه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه (٢).

حرف الضاد

١ ـ ( ضب ). وثبت في الصحيحين ـ من حديث ابن عباس ـ : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عنه ـ لما قدم إليه ، وامتنع من أكله ـ : أحرام ( هو ) (٣)؟ فقال : « لا ، ولكن لم يكن بأرض قومي ، فأجدني أعافه ». وأكل بين يديه وعلى مائدته : وهو ينظر. وفى الصحيحين ـ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : « لا أحله ، ولا أحرمه ».

وهو حار يابس ، يقوى شهوة الجماع. وإذا دق ووضع على موضع الشوكة : اجتذبها.

٢ ـ ( ضفدع ). قال الإمام أحمد : « الضفدع لا يحل في الدواء ، نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتلها ». يريد الحديث الذي رواه في مسنده ـ من حديث عثمان بن عبد الرحمن

__________________

(١) زيادة ليست بالأصل ولا بالزاد ، ونحوها متعين لتصحيح الكلام وشرح المراد. وإلا كان بالكلام بعد ذلك نقص آخر ، فتأمل.

(٢) راجع : زاد المعاد ١ / ١٥٣ ـ ١٥٤.

(٣) زيادة عن الزاد ١٧٣.

٢٥٩

رضي الله عنه ـ : « أن طبيبا ذكر ضفدعا في دواء ، عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنهاه عن قتلها ».

قال صاحب القانون : « من أكل من دم الضفدع أو جرمه : ورم بدنه ، وكمد لونه ، وقذف المنى حتى يموت. ولذلك ترك الأطباء استعماله : خوفا من ضرره ».

وهى نوعان : مائية وترابية. والترابية يقتل أكلها.

حرف الطاء

١ ـ ( طيب ). ثبت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : « حبب إلي من دنياكم النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة ». وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يكثر التطيب ، وتشتد عليه الرائحة الكريهة ، وتشق عليه.

والطيب غذاء الروح التي هي مطية القوى. والقوى تتضاعف وتزيد بالطيب : كما تزيد بالغذاء والشراب ، والدعة والسرور ، ومعاشرة الأحبة ، وحدوث الأمور المحبوبة ، وغيبة من تسر غيبته ، ويثقل على الروح مشاهدته ، كالثقلاء والبغضاء : فإن معاشرتهم توهن القوى ، وتجلب الهم والغم ، وهى للروح بمنزلة الحمى للبدن ، وبمنزلة الرائحة الكريهة. ولهذا كان مما حبب الله سبحانه الصحابة نهيهم (١) ، عن التخلق بهذا الخلق في معاشرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لتأذيه بذلك. فقال : ( إذا دعيتم فأدخلوا ، فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث ، إن ذلكم كان يؤذى النبي فيستحيى منكم ، والله لا يستحيى من الحق ).

والمقصود : أن الطيب كان من أحب الأشياء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وله تأثير : في حفظ الصحة ، ودفع كثير من الآلام وأسبابها ، بسبب قوة الطبيعة به.

٢ ـ ( طين ). ورد في أحاديث موضوعة لا يصح منها شئ ، مثل حديث : « من أكل الطين فقد أعان على قتل نفسه ». ومثل حديث : « يا حميراء ، لا تأكلي الطين :

__________________

(١) بالأصل والزاد : بنهيهم. والظاهر أنه محرف عما أثبتنا ، فتأمل.

٢٦٠