الطبّ النبوي

شمس الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب الزّرعي [ ابن القيّم ]

الطبّ النبوي

المؤلف:

شمس الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب الزّرعي [ ابن القيّم ]


الموضوع : الطّب
المطبعة: دار إحياء الكتب العربية ـ قاهرة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٤

٥ ـ ( إذخر ) (١) ثبت في الصحيح ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال في مكة : « لا يختلى خلاها ». قال له العباس رضي الله عنه : « إلا الإذخر يا رسول الله ، فإنه لقينهم ولبيوتهم. فقال : « إلا الإذخر ».

والإذخر حار في الثانية ، يابس في الأولى. لطيف مفتح للسدد وأفواه العروق ، يدر البول والطمث ، ويفتت الحصا ، ويحلل الأورام الصلبة في المعدة والكبد والكليتين : شربا وضمادا. وأصله : يقوى عمود الأسنان والمعدة ، ويسكن الغثيان ويعقل البطن.

حرف الباء

١ ـ ( بطيخ ). روى أبو داود والترمذي ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أنه كان يأكل البطيخ بالرطب ، يقول : « يدفع حر هذا برد هذا ». وفى البطيخ عدة أحاديث لا يصح منها شئ غير هذا الحديث الواحد.

والمراد به : الأخضر. وهو بارد رطب ، وفيه جلاء. وهو أسرع انحدارا عن المعدة من القثاء والخيار. وهو سريع الاستحالة إلى أي خلط كان صادفه في المعدة. وإذا كان آكله محرورا : انتفع به جدا ، وإن كان مبرودا : دفع ضرره بيسير من الزنجبيل ونحوه.

وينبغي أكله قبل الطعام ، ويتبع به. وإلا غثى وقيأ (٢). وقال بعض الأطباء : « إنه قبل الطعام يغسل البطن غسلا ، ويذهب بالداء أصلا ».

٢ ـ ( بلح ). روى النسائي وابن ماجة في سننهما ـ من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « كلو البلح بالتمر. فإن الشيطان إذا نظر إلى ابن آدم يأكل البلح بالتمر ، يقول. بقى ابن آدم حتى أكل الحديث بالعتيق ». وفى رواية : « كلو البلح بالتمر ، فإن الشيطان

__________________

(١) ويسمى أيضا : طيب العرب. يمضغه الهنود فيحدث تنبها في الجهاز العصبي. ويستخرج منه زيت طيار يفيد خارجيا لعلاج الروماتزم اه‍ د.

(٢) كذا بالزاد ١٥٧. وفى الأصل : وقيى ، ولعله من باب تسهيل الهمزة.

٢٢١

يحزن إذا رأى ابن آدم يأكله ، يقول : عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق ». رواه البزار في مسنده ، وهذا لفظه.

قلت : الباء في الحديث بمعنى « مع » ، أي : كلوا هذا مع هذا.

قال بعض أطباء الاسلام : « إنما أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأكل البلخ بالتمر ، ولم يأمر بأكل البسر مع التمر ـ : لان البلح بارد يابس ، والتمر حار رطب ، ففي كل منهما إصلاح للآخر. وليس كذلك البسر مع التمر : فإن كل واحد منهما حار ، وإن كانت حرارة التمر أكثر ». ولا ينبغي ـ من جهة الطب ـ الجمع بين حارين أو باردين ، كما تقدم.

وفى هذا الحديث : التنبيه على صحة أصل صناعة الطب ، ومراعاة التدبير الذي يصلح في دفع كيفيات الأغذية والأدوية بعضها ببعض ، ومراعاة القانون الطبي الذي يحفظ به الصحة.

وفى البلح برودة ويبوسة. وهو ينفع الفم واللثة والمعدة. وهو ردئ للصدر والرئة : بالخشونة التي فيه ، بطئ في المعدة ، يسير التغذية. وهو للنخلة كالحصرم لشجرة العنب. وهما جميعا يولدان رياحا وقراقر ونفخا ، ولا سيما : إذا شرب عليهما (١) الماء. ودفع مضرتهما (١) : بالتمر أو بالعسل والزبد.

٣ ـ ( بسر ). ثبت في الصحيح : « أن أبا الهيثم بن التيهان لما ضافه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، جاءهم بعذق ـ وهو من النخلة كالعنقود من العنب ـ فقال له : هلا انتقيت لنا من رطبه! فقال : أحببت أن تتنقوا من بسره ورطبه ».

البسر حار يابس ، ويبسه أكثر من حره. ينشف الرطوبة ، ويدبغ المعدة ، ويحبس البطن ، وينفع اللثة والفم. وأنفعه : ما كان هشا وحلوا. وكثرة أكله وأكل البلح يحدث السدد في الأحشاء.

٤ ـ ( بيض ). ذكر البيهقي في شعب الايمان ، أثرا مرفوعا : « أن نبيا من الأنبياء

__________________

(١) بالأصل : « عليها .. مضرتها ». وبالزاد ١٥٨ : « عليها .. مضرتهما ». وأصلهما ما ذكرنا.

٢٢٢

شكا إلى الله سبحانه الضعف ، فأمره بأكل البيض ». وفى ثبوته نظر.

ويختار من البيض الحديث على العتيق ، وبيض الدجاج على سائر بيض الطير. وهو معتدل يميل إلى البرودة قليلا.

قال صاحب القانون : « ومحه حار رطب ، يولد دما صحيحا محمودا ، ويغذى غذاء يسيرا ، ويسرع الانحدار من المعدة : إذا كان رخوا ». وقال غيره : « مح البيض مسكن للألم ، مملس للحلق وقصبة الرئة ، نافع للحلق والسعال وقروح الرئة والكلى والمثانة ، مذهب للخشونة لا سيما إذا أخذ بدهن اللوز الحلو ، ومنضج لما في الصدر ملين له ، مسهل لخشونة الحلق ».

وبياضه إذا قطر في العين الوارمة ورما حارا : برده وسكن الوجع ، وإذا لطخ به حرق النار أول ما يعرض له (١) : لم يدعه يتنفط ، وإذا لطخ به الوجه : منع من (٢) الاحتراق العارض من الشمس ، وإذا خلط بالكندر ولطخ على الجبهة : نفع من النزلة.

وذكره صاحب القانون في الأدوية القلبية ، ثم قال : « وهو ـ وإن لم يكن من الأدوية المطلقة ـ فإنه مما له مدخل في تقوية القلب جدا ، أعنى : الصفرة. وهى تجمع ثلاثة معان : سرعة الاستحالة إلى الدم ، وقلة الفضل ، وكون الدم المتولد منه مجانسا للدم الذي يغذو القلب خفيفا مندفعا إليه بسرعة. ولذلك هو أوفق ما يتلافى به عادية الأمراض المحللة لجوهر الروح ».

٥ ـ ( بصل ). روى أبو داود في سننه ، عن عائشة رضي الله عنها : أنها سئلت عن البصل ، فقالت : « إن آخر طعام أكله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان فيه بصل ».

وثبت عنه في الصحيحين : « أنه منع آكله من دخول المسجد ».

والبصل حار في الثالثة ، وفيه رطوبة فضلية. ينفع من تغير المياه ، ويدفع ريح السموم ، ويفتق الشهوة ، ويقوى المعدة ، ويهيج الباه ، ويزيد في المني ، ويحسن اللون ، ويقطع البلغم ، ويجلو المعدة.

__________________

(١) بالزاد : أوما. وهو تحريف.

(٢) هذا ليس بالزاد.

٢٢٣

وبزره يذهب البهق ، ويدلك به حول داء الثعلب فينفع جدا. وهو بالملح يقلع الثآليل. وإذا شمه من شرب دواء مسهلا : منعه من القئ والغثيان ، وأذهب رائحة ذلك الدواء. وإذا تسعط بمائه : نقى الرأس. ويقطر في الاذن : لثقل السمع والطنين والقيح والماء الحادث في الاذنين. وينفع من الماء النازل في العينين اكتحالا : يكتحل ببزره مع العسل ، لبياض العين.

والمطبوخ منه كثير الغذاء : ينفع من اليرقان والسعال وخشونة الصدر ، ويدر البول ، ويلين الطبع. وينفع من عضة الكلب غير الكلب ، إذا نطل عليها ماؤه بملح وسذاب. وإذا احتمل : فتح أفواه البواسير.

( فصل ) وأما ضرره : فإنه يورث الشقيقة ، ويصدع الرأس ، ويولد أرياحا ، ويظلم البصر. وكثرة أكله : تورث النسيان ، ويفسد العقل ، ويغير رائحة الفم والنكهة ، ويؤذى الجليس والملائكة. وإماتته طبخا تذهب بهذه المضرات منه.

وفى السنن : « أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر آكله وآكل الثوم : أن يميتهما طبخا ».

ويذهب رائحته مضغ ورق السذاب عليه.

٦ ـ ( باذنجان ). في الحديث الموضوع المختلق على رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « الباذنجان لما أكل له ». وهذا الكلام مما يستقبح نسبته إلى آحاد العقلاء ، فضلا عن الأنبياء.

وبعد ، فهو نوعان ، أبيض وأسود. وفيه خلاف : هل هو بارد؟ أو حار؟ والصحيح : أنه حار. وهو مولد للسوداء والبواسير والسدد والسرطان والجذام ، ويفسد اللون ويسوده ، ويضربنتن الفم. والأبيض منه المستطيل عار من ذلك.

حرف التاء

١ ـ ( تمر ). ثبت في الصحيح عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « من تصبح بسبع تمرات ( وفى لفظ : من تمر العالية ) ، لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر ». وثبت عنه أنه قال : « بيت لا تمر فيه

٢٢٤

جياع أهله ». وثبت عنه (١) : أنه أكل التمر بالزبد ، وأكل التمر بالخبز ، وأكله مفردا.

وهو حار في الثانية. وهل هو رطب في الأولى؟ أو يابس فيها؟ على قولين.

وهو : مقو للكبد ، ملين للطبع ، يزيد في الباه ولا سيما مع حب الصنوبر ، ويبرئ من خشونة الحلق. ومن لم يعتده ـ : كأهل البلاد الباردة. ـ فإنه يورث لهم السدد ، ويؤذى الأسنان ، ويهيج الصداع. ودفع ضرره باللوز والخشخاش.

وهو من أكثر الثمار تغذية للبدن ، بما فيه : من الجوهر الحار الرطب. وأكله على الريق يقتل الدود : فإنه ـ مع حرارته ـ فيه قوة ترياقية ، فإذا أديم استعماله على الريق : جفف (٢) مادة الدود وأضعفه ، وقلله أو قتله. وهو فاكهة وغذاء ودواء وشراب وحلوى.

٢ ـ ( تين ). لما لم يكن التين بأرض الحجاز والمدينة ، لم يأت له ذكر في السنة. فإن أرضه تنافى أرض النخل. ولكن : قد أقسم الله به في كتابه ، لكثرة منافعه وفوائده. والصحيح : أن المقسم به هو التين المعروف.

وهو حار. وفى رطوبته ويبوسته قولان. وأجوده : الأبيض الناضج القشر ، يجلو رمل الكلى والمثانة ، ويؤمن من السموم. وهو أغذا (٣) من جميع الفواكه ، وينفع خشونة الحلق والصدر وقصبة الرئة ، ويغسل الكبد والطحال ، وينقى الخلط البلغمي من المعدة ، ويغذو البدن غذاء جيدا. إلا أنه يولد القمل : إذا أكثر منه جدا.

ويابسه : يغذو وينفع العصب ، وهو مع الجوز واللوز محمود. قال جالينوس : « وإذ أكل مع الجوز والسذاب ـ قبل أخذ السم القاتل ـ : نفع وحفظ من الضرر ».

ويذكر عن أبي الدرداء : « أهدى إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم طبق من تين ، فقال : كلوا. وأكل منه وقال : لو قلت : إن فاكهة نزلت من الجنة ، قلت هذه. لان فاكهة الجنة بلا عجم.

__________________

(١) هذا ليس بالزاد ١٥٩.

(٢) بالزاد خفف. وما بالأصل أولى.

(٣) كذا بالأصل. وبالزاد : أغذي. وكل صحيح. وقد رسمه ق هكذا : « أغذأ » ، ثم قال : أي أشد تغذية ، أفعل تفضيل من غذاء يغذوه اه‍. وهو من أعجب ما شاهدنا في التصحيح. فراجع المختار والمصباح وغيرهما.

(١٥ ـ الطب النبوي)

٢٢٥

فكلوا منها : فإنها تقطع البواسير ، وتنفع من النقرس ». وفى ثبوت هذا نظر.

واللحم منه أجود ، و ( هو ) يعطش المحرورين ، ويسكن العطش الكائن عن البلغم المالح ، وينفع السعال المزمن ، ويدر البول ، ويفتح سدد الكبد والطحال ، ويوافق الكلى والمثانة. ولاكله على الريق منفعة عجيبة : في تفتيح مجارى الغذاء ، وخصوصا باللوز والجوز. وأكله مع الأغذية الغليظة ردئ جدا.

والتوت الأبيض قريب منه. ولكنه (١) أقل تغذية ، وأضر بالمعدة.

٣ ـ ( تلبينه ). قد تقدم : أنها ماء الشعير المطحون. وذكرنا منافعها ، وأنها أنفع لأهل الحجاز من ماء الشعير الصحيح (٢).

حرف الثاء

١ ـ ( ثلج ). ثبت في الصحيح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : « اللهم ، اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ». وفى هذا الحديث ـ من الفقه ـ أن الداء يداوى بضده. فإن في الخطايا ، من الحرارة والحريق ، ما يضاد الثلج والبرد والماء البارد.

ولا يقال : إن الماء الحار أبلغ في إزالة الوسخ. لان في الماء البارد ـ : من تصليب الجسم وتقويته. ـ ما ليس في الحار. والخطايا توجب أثرين : التدنيس والارخاء. فالمطلوب تداويها بما ينظف القلب ويصلبه. فذكر الماء البارد والثلج والبرد ، إشارة إلى هذين الامرين.

وبعد : فالثلج بارد على الأصح. وغلط من قال : حار. وشبهته : تولد الحيوان فيه. وهذا لا يدل على حرارته : فإنه يتولد في الفواكه الباردة ، وفى الخل. وأما تعطيشة : فلتهييجه الحرارة ، لا لحرارته في نفسه.

ويضر المعدة والعصب. وإذا كان وجع الأسنان من حرارة مفرطة : سكنها.

٢ ـ ( ثوم ). هو قريب من البصل. وفى الحديث : « من أكلهما فليمتهما طبخا »

__________________

(١) بالزاد : لكنه والزيادة السابقة حسنة.

(٢) فراجع صفحة : ٩٤ ـ ٩٦.

٢٢٦

وأهدى إليه طعام فيه ثوم ، فأرسل به إلى أبى أيوب الأنصاري ، فقال : يا رسول الله ، تكرهه وترسل به إلي؟! فقال : « إني أناجي من لا تناجى ».

وبعد : فهو حار يابس في الرابعة ، يسخن إسخانا قويا ، ويجفف تجفيفا بالغا نافعا (١) للمبرودين ولمن مزاجه بلغمي ، ولمن أشرف على الوقوع في الفالج. وهو مجفف للمني ، مفتح للسدد ، محلل للرياح الغليظة ، هاضم للطعام ، قاطع للعطش ، مطلق للبطن ، مدر للبول. يقوم في لسع الهوام وجميع الأورام الباردة ، مقام الترياق. وإذا دق وعمل به (٢) ضماد على نهش الحيات ، أو في لسع العقارب ـ : نفعها ، وجذب السموم منها ، ويسخن البدن ، ويزيد في حرارته ، ويقطع البلغم ، ويحلل النفخ ، ويصفى الحلق ، ويحفظ صحة أكثر الأبدان ، وينفع من تغير المياه والسعال المزمن. ويؤكل نيئا (٣) ومطبوخا ومشويا. وينفع من وجع الصدر من البرد ، ويخرج العلق من الحلق. وإذا دق مع الخل والملح والعسل ، ثم وضع على الضرس المتأكل : فتته وأسقطه ، وعلى الضرس الوجع : سكن وجعه. وإن دق منه مقدار درهمين ، وأخذ مع ماء العسل ـ : أخرج البلغم والدود. وإذا طلى بالعسل على البهق : نفع.

ومن مضاره : أنه يصدع ويضر الدماغ والعينين ، ويضعف البصر والباه ، ويعطش ، ويهيج الصفراء ، ويجيف رائحة الفم. ويذهب رائحته : أن يمضغ عليه ورق السذاب.

٣ ـ ( ثريد ). ثبت في الصحيحين عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : « فضل عائشة على النساء : كفضل الثريد على سائر الطعام ».

والثريد ـ وإن كان مركبا ـ فإنه مركب من خبز ولحم. فالخبز أفضل الأقوات ، واللحم سيد الادام. فإذا اجتمعا : لم يكن بعدهما غاية.

وتنازع الناس : أيهما أفضل؟ والصواب : أن الحاجة إلى الخبز أكثر وأعم ، واللحم أجل وأفضل ، وهو أشبه بجوهر البدن من كل ما عداه ، وهو طعام أهل الجنة. وقد قال تعالى لمن طلب البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل : (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي

__________________

(١) بالزاد ١٦٠ : نافع. وما في الأصل أحسن.

(٢) بالأصل والزاد : فيه!.

(٣) كذا بالزاد. وفى الأصل : نيا. وهو لغة عامية على ما في المصباح : (نئ).

٢٢٧

هو خير؟!). وكثير من السلف : على أن الفوم هو (١) الحنطة. وعلى هذا : فالآية نص على أن اللحم خير من الحنطة. والله سبحانه أعلم.

حرف الجيم

١ ـ ( جمار ) وهو : قلب النخل. ثبت في الصحيحين ، عن عبد الله بن عمر ، قال : بينا نحن عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جلوس ، إذ أتى بجمار نخلة ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « إن من الشجر شجرة مثل الرجل المسلم لا يسقط ورقها » الحديث.

والجمار بارد يابس في الأولى : يختم القروح ، وينفع من نفث الدم ، واستطلاق البطن ، وغلبة المرة الصفراء ، وثائرة الدم. وليس بردئ الكيموس. ويغذو غذاء يسيرا. وهو بطئ الهضم. وشجرته كلها منافع. ولهذا مثلها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بالرجل المسلم : لكثرة خيره ومنافعه.

٢ ـ ( جبن ). في السنن ـ عن عبد الله بن عمر ـ : « أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بجبنة ، في تبوك ، فدعا بسكين ، وسمى وقطع ». رواه أبو داود. وأكله الصحابة رضي الله عنهم بالشام والعراق.

والرطب غير المملوح : جيد للمعدة ، هين السلوك في الأعضاء ، يزيد في اللحم ، ويلين البطن تليينا معتدلا. والمملوح أقل غذاء من الرطب ، وهو ردئ للمعدة ، مؤذ للأمعاء. والعتيق يعقل البطن ـ وكذا المشوى ـ وينفع القروح ، ويمنع الاسهال.

وهو بارد رطب. فإن استعمل مشويا : كان أصلح لمزاجه. فإن النار تصلحه وتعدله ، وتلطف جوهره ، وتطيب طعمه ورائحته. والعتيق المالح حار يابس. وشيه يصلحه أيضا : بتلطيف جوهره ، وكسر حرافته. لما تجذبه النار منه : من الاجزاء الحارة اليابسة المناسبة لها. والمملح منه يهزل ، ويولد حصاة الكلى والمثانة. وهو ردئ للمعدة. وخلطه بالملطفات أردأ : بسبب تنفيذها له إلى المعدة.

__________________

(١) هذا وجملة « والله سبحانه أعلم » لم يردا بالزاد.

٢٢٨

حرف الحاء

١ ـ ( حناء ). قد تقدمت الأحاديث في فضله وذكر منافعه. فأغنى عن إعادته (١).

٢ ـ ( حبة السوداء ). ثبت في الصحيحين ـ من حديث أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : « عليكم بهذه الحبة السوداء. فإن فيها شفاء من كل داء ، إلا السام ». (٢) و ( السام ) : الموت.

( الحبة السوداء ) هي : الشونيز ، في لغة الفرس. وهى : الكمون الأسود ، وتسمى : الكمون الهندي (٣). قال الحربي عن الحسن (رضي الله عنه) : إنها الخردل. وحكى الهروي : أنها الحبة الخضراء ، ثمرة البطم. وكلاهما وهم. والصواب : أنها الشونيز.

وهى كثيرة المنافع جدا. وقوله : « شفاء من كل داء » ، مثل قوله تعالى : ( تدمر كل شئ بأمر ربها ) ، أي : كل شئ يقبل التدمير ، ونظائره. وهى نافعة من جميع الأمراض الباردة. وتدخل في الأمراض الحارة اليابسة بالعرض ، فتوصل قوى الأدوية الباردة الرطبة إليها ، بسرعة تنفيذها : إذا أخذ يسيرها.

وقد نص صاحب القانون وغيره ، على الزعفران في قرص الكافور ، لسرعة تنفيذه وإبصاله قوته. وله نظائر يعرفها حذاق الصناعة. ولا تستبعد منفعة الحار في أمراض حارة بالخاصية. فإنك تجد ذلك في أدوية كثيرة ، منها : الانزروت (٤) وما يركب معه من أدوية الرمد ، كالسكر وغيره من المفردات الحارة. والرمد ورم حار : باتفاق الأطباء. وكذلك نفع الكبريت الحار جدا من الجرب.

__________________

(١) راجع صفحة : ٦٦ ـ ٧٠.

(٢) وأخرجه أيضا الترمذي وأحمد وابن حبان. وأخرجه أيضا البخاري وابن ماجة وأحمد عن عائشة رضي الله عنها اه‍ ق.

(٣) وتسمى أيضا : حبة البركة. ويستخرج من بذرها زيت يستعمل في السعال ، وهو مهضم وطارد للأرياح اه‍ د. والزيادة الآتية عن الزاد ١٦١.

(٤) كذا بالأصل والزاد هنا وفيما سيأتي. وقد علق عليه ق بقوله : لعله « الانزوت » بدون راء : نوع من الكحل اه‍.

٢٢٩

والشونيز حار يابس في الثالثة : مذهب للنفخ ، مخرج لحب القرع ، نافع من البرص وحمى الربع والبلغمية ، مفتح للسدد ، ومحلل للرياح ، مجفف لبلة المعدة ورطوبتها. وإن دق وعجن بالعسل ، وشرب بالماء الحار : أذاب الحصاة التي تكون في الكليتين والمثانة. ويدر (١) البول والحيض واللبن : إذا أديم شربه أياما. وإن سخن بالخل ، وطلى على البطن ـ : قتل حب القرع. فإن عجن بماء الحنظل الرطب أو المطبوخ : كان فعله في إخراج الدود أقوى.

ويجلو ويقطع ويحلل ، ويشفى من الزكام البارد : إذا دق وصر في خرقة واشتم دائما : أذهبه.

ودهنه نافع لداء (٢) الحية ، ومن الثآليل والخيلان. وإذا شرب منه مثقال بماء : نفع من البهر وضيق النفس. والضماد به ينفع من الصداع البارد. وإذا نقع منه سبع حبات عددا في لبن امرأة ، وسعط به صاحب اليرقان ـ : نفعه نفعا بليغا.

وإذا طبخ بخل ، وتمضمض به : نفع من وجع الأسنان عن برد. وإذا استعط به مسحوقا : نفع من ابتداء الماء العارض في العين. وإن ضمد به مع الخل : قلع البثور والجرب المتقرح ، وحلل الأورام البلغمية المزمنة ، والأورام الصلبة.

وينفع من اللقوة : إذا تسعط بدهنه. وإذا شرب منه مقدار نصف مثقال إلى مثقال : نفع من لسع الرتيلاء. وإن سحق ناعما ، وخلط بدهن الحبة الخضراء ، وقطر منه في الاذن ثلاث قطرات ـ : نفع من البرد العارض فيها ، والريح والسدد.

وإن قلى ، ثم دق ناعما ، ثم نقع في زيت ، وقطر في الانف ثلاث قطرات أو أربع : نفع من الزكام العارض معه عطاس كثير.

وإذا أحرق ، وخلط بشمع مذاب بدهن السوسن أو دهن الحناء ، وطلى به القروح الخارجة من الساقين ، بعد غسلها بالخل ـ : نفعها وأزال القروح.

وإذا سحق بخل ، وطلى به البرص والبهق الأسود والحزاز (٣) الغليظ ـ : نفعها وأبرأها.

__________________

(١) هذا هو الظاهر. وفى الزاد : وتدر.

(٢) كذا بالزاد. وفى الأصل : داء. وهو تحريف.

(٣) كذا بالزاد. أي الهبرية في الرأس. انظر : المختار والقاموس (حزز). وفى الأصل : الخزاز (بالخاء المعجمة). وهو تصحيف.

٢٣٠

وإذا سحق ناعما ، واستف منه كل يوم درهمين بماء بارد ، من عضه (١) كلب كلب ، قبل أن يفرغ (٢) من الماء ـ : نفعه نفعا بليغا ، وأمن على نفسه من الهلاك. وإذا سعط بدهنه : نفع من الفالج والكزاز ، وقطع موادهما. وإذا دخن به : طرد الهوام.

وإذا أذيب الانزروت بماء ، ولطخ على داخل الحلقة ، ثم ذر عليها الشونيز ـ : كان من الذرورات الجيدة ، العجيبة النفع من البواسير. ومنافعه أضعاف ما ذكرنا. والشربة منه درهمان. وزعم قوم : أن الاكثار منه قاتل.

٣ ـ ( حرير ). قد تقدم : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أباحه للزبير ولعبد الرحمن بن عوف ، من

حكة كانت بهما. وتقدم منافعه ومزاجه. فلا حاجة إلى إعادته (٣).

٤ ـ ( حرف ) (٤). قال أبو حنيفة ( الدينوري ) : « هذا هو : الحب الذي يتداوى

به ، وهو : الثفاء (٥) الذي جاء فيه الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ونباته يقال له : الحرف ، وتسميه العامة : ( حب ) الرشاد ». وقال أبو عبيد : « الثفاء هو الحرف ».

قلت : والحديث الذي أشار إليه ، ما رواه أبو عبيد وغيره ـ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : « ماذا في الامرين من الشفاء؟ : الثفاء والصبر ». ورواه أبو داود في المراسيل (٦).

وقوته في الحرارة واليبوسة ، في الدرجة الثالثة. وهو : يسخن ويلين البطن ، ويخرج

__________________

(١) بالأصل والزاد : عضة. وهو تصحيف فتأمل.

(٢) يعنى : قبل أن ينتهى من تناوله ، لا بعده. وبالأصل والزاد : يفزع. والظاهر أنه مصحف عنه

(٣) فراجع صفحة : ٦٠ ـ ٦٤

(٤) نبات حشيشي ، وتسمى بذوره : حب الرشاد. يستعمل كمدر للعاب ، طارد للأرياح ومقو جنسي اه‍ د.

(٥) بالأصل والزاد : الشفاء وهو تصحيف طريف. انظر : النهاية ١ / ١٢٩ ، واللسان ١ / ٢٣. والزيادة الآتية عنه : ١٠ / ٣٩٠ ، والأولى للتوصيح.

(٦) في سند هذا الحديث إلى ابن عباس ـ كما ذكر ابن الديبع ـ رزين. وهو ضعيف. وأخرج ابن السنى وأبو نعيم بإسناد ضعيف عن أبي هريرة : « عليكم بالثفاء ، فإن الله جعل فيه شفاء من كل داء » اه‍ ق.

٢٣١

الدود وحب القرع ، ويحلل أورام الطحال ، ويحرك شهوة الجماع ، ويجلو الجرب المتقرح والقوباء (١).

وإذا ضمد به مع العسل : حلل ورم الطحال. وإذا طبخ مع الحناء : أخرج الفضول التي في الصدر. وشربه ينفع من نهش الهوام ولسعها.

وإذا دخن به في موضع : طرد الهوام عنه ، ويمسك الشعر المتساقط. وإذا خلط بسويق الشعير والخل ، وتضمد به : نفع من عرق النساء ، وحلل الأورام الحارة في آخرها.

وإذا تضمد به مع الماء : أنضج الدماميل. وينفع من الاسترخاء في جميع الأعضاء ، ويزيد في الباه ، ويشهى الطعام. وينفع الربو وعسرة النفس وغلظ الطحال ، وينقى الرئة ، ويذر الطمث. وينفع من عرق النساء ووجع حق الورك ـ مما يخرج من الفضول ـ : إذا شرب أو احتقن به. ويجلو ما في الصدر والرئة : من البلغم اللزج.

وإن شرب منه بعد سحقه ، وزن خمسة دراهم بالماء الحار ـ : أسهل الطبيعة ، وحلل الرياح ، ونفع من وجع القولنج البارد السبب. وإذا سحق وشرب : نفع من البرص.

وإن لطخ عليه وعلى البهق الأبيض بالخل : نفع منهما ، وينفع من الصداع الحادث من البرد والبلغم. وإن قلى وشرب : عقل الطبع ـ لا سيما إذا لم يسحق ـ : لتحلل لزوجته بالقلى. وإذا غسل بمائه الرأس : نقاه من الأوساخ والرطوبات اللزجة.

قال جالينوس : « قوته مثل قوة بزر الخردل. ولذلك قد يسخن به أوجاع الورك المعروفة بالنسا ، وأوجاع الرأس ، وكل واحد من العلل التي تحتاج إلى التسخين. كما يسخن بزر الخردل. وقد يخلط أيضا في أدوية يسقاها أصحاب الربو : من طريق أن الامر فيه معلوم أنه يقطع الاخلاط الغليظة تقطيعا قويا ، كما يقطعها بزر الخردل. لأنه شبيه به في كل شئ ».

٥ ـ ( حلبة ). يذكر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « أنه عاد سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ بمكة ، فقال : ادعوا له طبيبا. فدعى الحارث بن كلدة ، فنظر إليه فقال : ليس عليه

__________________

(١) كذا بالزاد ١٦٢ وبالأصل : القوبا. وهو تحريف على ما في المصباح : (قوب).

٢٣٢

بأس ، فاتخذوا له فريقة ـ وهى : الحلبة مع تمر عجوة رطبة يطبخان فيحساهما. ـ ففعل ذلك ، فبرأ » (١).

وقوة الحلبة من الحرارة في الدرجة الثانية ، ومن اليبوسة في الأولى.

وإذا طبخت بالماء : لينت الحلق والصدر والبطن ، وتسكن السعال والخشونة والربو وعسر النفس ، وتزيد في الباه. وهى جيدة للريح والبلغم والبواسير ، محدرة الكيموسات المرتبكة في الأمعاء. وتحلل البلغم اللزج من الصدر ، وتنفع من الدبيلات وأمراض الرئة. وتستعمل لهذه الأدواء في الأحشاء ، مع السمن والفانيذ.

وإذا شربت مع وزن خمسة دراهم فوة (٢) : أدرت الحيض. وإذا طبخت وغسل بها الشعر : جعدته وأذهبت الحزاز.

ودقيقها إذا خلط بالنطرون والخل ، وضمد به ـ : حلل ورم الطحال. وقد تجلس المرأة في الماء الذي طبخت فيه الحلبة ، فتنتفع به من وجع الرحم العارض من ورم فيه. وإذا ضمد به الأورام الصلبة القليلة الحرارة : نفعتها وحللتها. وإذا شرب ماؤها نفع من المغص العارض من الرياح ، وأزلق الأمعاء.

وإذا أكلت مطبوخة بالتمر أو العسل أو التين ، على الريق ـ : حللت البلغم اللزج العارض في الصدر والمعدة ، ونفعت من السعال المتطاول منه.

وهى نافعة من الحصر ، مطلقة للبطن. وإذا وضعت على الظفر المتشنج : أصلحته. ودهنها ينفع ـ إذا خلط بالشمع ـ من الشقاق العارض من البرد. ومنافعها أضعاف ما ذكرنا.

ويذكر عن القاسم بن عبد الرحمن ، أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « استشفوا بالحلبة ». وقال بعض الأطباء : « لو علم الناس منافعها ، لاشتروها بوزنها ذهبا ».

__________________

(١) بالزاد : فبرئ. وكل صحيح. والأولى لغة أهل الحجاز ، كما في المختار.

(٢) كسكرة : عروق يصبغ بها تنفع الكبد والطحال. أنظر : المختار ف وا) ، والقاموس ٤ / ٢٩٠.

٢٣٣

حرف الخاء

١ ـ ( خبز ). ثبت في الصحيح ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : « تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة ، يتكفؤها الجبار بيده نزلا لأهل الجنة ».

وروى أبو داود في سننه ـ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ـ قال : « كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الثريد من الخبز ، والثريد من الحيس ».

وروى أبو داود في سننه أيضا ـ من حديث ابن عمر رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « وددت أن عندي خبزة بيضاء ، من برة سمراء : ملبقة بسمن ولبن. فقام رجل من القوم ، فاتخذه فجاء به. فقال : في أي شئ كان هذا السمن؟ فقال : في عكة ضب. فقال : ارفعه ».

وذكر البيهقي ـ من حديث عائشة رضي الله عنها ، ترفعه ـ : « أكرموا الخبز. ومن كرامته : أن لا ينتظر به الأدم ». والموقوف أشبه. فلا يثبت رفعه ، ولا رفع ما قبله.

وأما حديث النهى عن قطع الخبز بالسكين ، فباطل : لا أصل له عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وإنما المروى : النهى عن قطع اللحم بالسكين. ولا يصح أيضا. قال مهنأ (١) : « سألت أحمد عن حديث أبي معشر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تقطعوا اللحم بالسكين ، فإن ذلك من فعل الأعاجم. فقال : ليس بصحيح ، ولا يعرف هذا ، وحديث عمرو بن أمية خلاف هذا ، وحديث المغيرة ». يعنى بحديث عمرو بن أمية : « كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحتز من لحم الشاة ». وبحديث (٢) المغيرة : « أنه لما أضافه : أمر بجنب فشوى ، ثم أخذ الشفرة فجعل يحز ».

( فصل ) وأحمد أنواع الخبز : أجودها اختمارا ، وعجنا. ثم خبز التنور أجود أصنافه ،

__________________

(١) بالزاد ١٦٣ : مهنا ( بدون همزة ). ولعل حذفها للتخفيف. انظر المصباح.

(٢) كذا بالزاد. وهو الظاهر المناسب. وفى الأصل : وفى حديث.

٢٣٤

وبعده خبز الفرن. ثم خبز الملة في المرتبة الثالثة ، وأجوده : ما اتخذ من الحنطة الحديثة.

وأكثر أنواعه تغذية : خبز السميد ، و ( هو ) أبطؤها هضما لقلة نخالته. ويتلوه خبز الحوارى ، ثم الخشكار.

وأحمد أوقات أكله : في آخر اليوم الذي خبز فيه. واللين منه أكثر تليينا وغذاء وترطيبا ، وأسرع انحدارا. واليابس بخلافه.

ومزاج الخبز من البر حار في وسط الدرجة الثانية ، وقريب من الاعتدال في الرطوبة واليبوسة. واليبس يغلب على ما جففته النار منه ، والرطوبة على ضده.

وفى خبز الحنطة خاصية ، وهو : أنه يسمن سريعا. وخبز القطائف يولد خلطا غليظا ، والفتيت نفاخ بطئ الهضم. والمعمول باللبن مسدد ، كثير الغذاء ، بطئ الانحدار.

وخبز الشعير بارد يابس في الأولى. وهو أفل غذاء من خبز الحنطة.

٢ ـ ( خل ). روى مسلم في صحيحه ـ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ـ : « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سأل أهله الادام ، فقالوا : ما عندنا إلا خل. فدعا به ، وجعل يأكل ويقول : نعم الادام الخل ، ( نعم الادام الخل ) (١) ». وفى سنن ابن ماجة ـ عن أم سعيد رضي الله عنها ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : « نعم الادام الخل ، اللهم : بارك في الخل. ولم يفتقر بيت فيه الخل ». الخل مركب من الحرارة والبرودة ، وهى (٢) أغلب عليه. وهو يابس في الثالثة ، قوى التجفيف. يمنع من انصباب المواد ، ويلطف الطبيعة.

وخل الخمر : ينفع المعدة الملتهبة ، ويقمع الصفراء ، ويدفع ضرر الأدوية القتالة ، ويحلل اللبن والدم : إذا جمدا (٣) في الجوف. وينفع الطحال ، ويدبغ المعدة ، ويعقل البطن ويقطع العطش ، ويمنع الورم حيث يريد أن يحدث. ويعين على الهضم ، ويضاد البلغم

__________________

(١) زيادة عن الزاد لعلها سقطت من الأصل. والزيادة السابقة جيدة.

(٢) هذا لبس بالزاد. وذكره أولى.

(٣) كذا بالزاد. وفى الأصل : ولعله تحريف

٢٣٥

ويلطف الأغذية الغليظة ، ويرق الدم.

وإذا شرب بالملح : نفع من أكل الفطر (١) القتال. وإذا احتسى : قطع العلق المتعلق بأصل الحنك. وإذا تمضمض به مسخنا : نفع من وجع الأسنان ، وقوى اللثة.

وهو نافع للداحس : إذا طلى به ، والنملة ، والأورام الحارة ، وحرق النار. وهو مشه للاكل ، مطيب للمعدة ، صالح للشباب ، وفى الصيف لسكان البلاد الحارة.

٣ ـ ( خلال ). فيه حديثان لا يثبتان : ( أحدهما ) يروى من حديث أبي أيوب الأنصاري ـ يرفعه ـ : « يا حبذا المتخللون من الطعام! إنه ليس شئ أشد على الملك من بقية تبقى في الفم ، من الطعام ». وفيه واصل بن السائب ، قال البخاري والرازي : منكر الحديث. وقال النسائي والأزدي : متروك الحديث.

( الثاني ) يروى من حديث ابن عباس ، قال عبد الله بن أحمد : « سألت أبى عن شيخ روى عنه صالح الوحاظي ـ يقال له : محمد بن عبد الملك الأنصاري ـ : حدثنا عطاء عن ابن عباس ، قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتخلل بالليط والآس ، وقال : إنهما يسقيان عروق الجذام. فقال : إني (٢) رأيت محمد بن عبد الملك ، وكان أعمى ، يضع الحديث ويكذب ».

وبعد : فالخلال نافع اللثة والأسنان ، حافظ لصحتها ، نافع من تغير النكهة. وأجوده : ما اتخذ من عيدان الأخلة ، وخشب الزيتون ، والخلاف. والتخلل بالقصب والآس والريحان والبادروج (٣) مضر.

حرف الدال

١ ـ ( دهن ). روى الترمذي في كتاب الشمائل ـ من حديث أنس بن مالك

__________________

(١) بالزاد : القطر. وهو تصحيف.

(٢) بالزاد ١٦٤ : أبى. وكل صحيح كما لا يخفى.

(٣) كذا بالأصل والزاد. والذي في تذكرة داود ـ على ما قال ق ـ : بالحاء.

٢٣٦

رضي الله عنهما ـ قال (١) : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكثر دهن رأسه ، وتسريح لحيته ، ويكثر القناع. كأن ثوبه ثوب زيات ».

الدهن يسد مسام البدن ، ويمنع ما يتحلل منه. وإذا استعمل بعد الاغتسال بالماء الحار : حسن البدن ورطبه. وإن دهن به الشعر : حسنه وطوله ، ونفع من الحصبة ، ودفع أكثر الآفات عنه. وفى الترمذي ـ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، مرفوعا ـ : « كلوا الزيت ، وادهنوا به ». وسيأتى إن شاء الله تعالى.

والدهن في البلاد الحارة ـ : كالحجاز ونحوه ـ. من آكد أسباب حفظ الصحة ، وإصلاح البدن. وهو كالضروري لهم. وأما البلاد الباردة : فلا يحتاج إليه أهلها. والالحاح به في الرأس ، فيه خطر بالبصر.

وأنفع الادهان البسيطة : الزيت ، ثم السمن ، ثم الشيرج.

وأما المركبة ، فمنها بارد رطب : كدهن البنفسج. ـ ينفع من الصداع الحار ، وينوم أصحاب السهر ، ويرطب الدماغ ، وينفع من الشقاق وغلبة اليبس والجفاف ، ويطلى به الجرب والحكة اليابسة ، فينفعها. ويسهل حركة المفاصل ، ويصلح لأصحاب الأمزجة الحارة ، في زمن (٢) الصيف.

وفيه حديثان باطلان موضوعان على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (أحدهما) : « فضل دهن البنفسج على سائر الادهان ، كفضلي على سائر الناس ». (والثاني) : « فضل دهن البنفسج على سائر الادهان ، كفضل الاسلام على سائر الأديان ».

ومنها حار رطب : كدهن البان. وليس دهن زهره ، بل : دهن يستخرج من حب أبيض أغبر نحو الفستق ، كثير الدهنية والدسم. ينفع من صلابة العصب ويلينه. وينفع من البرش والنمش والكلف والبهق ، ويسهل بلغما غليظا ، ويلين الأوتار اليابسة ، ويسخن العصب.

__________________

(١) كذا بالزاد. وفى الأصل : قيل. ولعله تصحيف.

(٢) بالزاد زيادة : أيام.

٢٣٧

وقد روى فيه حديث باطل مختلق لا أصل له : « ادهنوا بالبان. فإنه أحظى لكم عند نسائكم ».

ومن منافعه : أن يجلو الأسنان ويكسبها بهجة ، وينقيها من الصدأ (١). ومن مسح به وجهه ورأسه : لم يصبه حصبة (٢) ولا شقاق. وإذا دهن به حقوه ومذاكيره وما والاها : نفع من برد الكليتين وتقطير البول.

حرف الذال

١ ـ ( ذريرة ). ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : « طيبت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيدي بذريرة ، في حجة الوداع ، لحله وإحرامه ».

تقدم الكلام في الذريرة ومنافعها وماهيتها (٣). فلا حاجة لإعادته.

٢ ـ ( ذباب ). تقدم في حديث أبي هريرة المتفق عليه ، في أمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغمس الذباب في الطعام إذا سقط فيه ، لأجل الشفاء الذي في جناحه. وهو كالترياق للسم الذي في الجناح الآخر. وذكرنا منافع الذباب هناك (٤).

٣ ـ ( ذهب ). روى أبو داود والترمذي : « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رخص لعرفجة ابن أسعد ـ لما قطع أنفه يوم الكلاب ، واتخذ أنفا من ورق ، فأنتن عليه ـ فأمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن يتخذ أنفا من ذهب ». وليس لعرفجة عندهم غير هذا الحديث الواحد.

الذهب : زينة الدنيا ، وطلسم الوجود ، ومفرح النفوس ، ومقوى الظهور ، وسر الله في أرضه. مزاجه (٥) في سائر الكيفيات ، وفيه حرارة لطيفة تدخل في سائر المعجونات اللطيفة والمفرحات. وهو أعدل المعدنيات على الاطلاق وأشرفها.

__________________

(١) بالأصل والزاد : الصدى. وهو تصحيف إن لم يكن من باب التخفيف. انظر القاموس : (صدأ).

(٢) بالأصل والزاد : حصا. والظاهر أنه محرف عما أثبتنا ، فتأمل.

(٣) راجع صفحة : ٩٠.

(٤) راجع صفحة : ٨٨ ، ٨٩.

(٥) بالزاد : ومزاجه. وكل صحيح.

٢٣٨

ومن خواصه : أنه إذا دفن في الأرض : لم يضره التراب ولم ينقصه شيئا. وبرادته إذا خلطت بالأدوية : نفعت من ضعف القلب والرجفان العارض من السوداء. وينفع من حديث النفس ، والحزن والغم ، والفزع والعشق. ويسمن البدن ويقويه ، ويذهب الصفار ، ويحسن اللون. وينفع من الجذام وجميع الأوجاع والأمراض السوداوية. ويدخل بخاصية في أدوية داء الثعلب وداء الحية ، شربا وطلاء. ويجلو العين ويقويها ، وينفع من كثير من أمراضها ، ويقوى جميع الأعضاء.

وإمساكه في الفم يزيل البخر. ومن كان به مرض يحتاج إلى الكي ، وكوى به ـ : لم يتنفط موضعه ، ويبرأ سريعا. وإن اتخذ منه ميلا واكتحل به : قوى العين وجلاها. وإن اتخذ منه خاتم فصه منه ، وأحمى وكوى به قوادم أجنحة الحمام ـ : ألفت أبراجها ، ولم تنتقل عنها.

وله خاصية عجيبة في تقوية النفوس ، لأجلها أبيح في الحرب والسلاح منه ما أبيح.

وقد روى الترمذي ـ من حديث بريدة العصري رضي الله عنه ـ قال : « دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يوم الفتح : وعلى سيفه ذهب وفضة ».

وهو معشوق النفوس التي متى ظفرت به : سلاها عن غيره من محبوبات الدنيا.

قال تعالى : ( زين للناس حب الشهوات : من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ، والخيل المسومة والانعام والحرث ).

وفى الصحيحين ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : « لو كان لابن آدم واد من ذهب : لابتغى إليه ثانيا. ولو كان له ثان : لابتغى ثالثا. ولا يملا جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب ».

هذا وإنه أعظم حائل بين الخليقة وبين فوزها الأكبر يوم معادها ، وأعظم شئ عصى الله به. وبه قطعت الأرحام ، وأريقت الدماء ، واستحلت المحارم ، ومنعت الحقوق ، وتظالم العباد. وهو المرغب في الدنيا وعاجلها ، والمزهد في الآخرة وما أعده الله

٢٣٩

لأوليائه فيها. فكم أميت به من حق ، وأحيى به من باطل ، ونصر به ظالم ، وقهر به مظلوم. وما أحسن ما قال فيه أبو قاسم (١) الحريري :

تبا له من خادع مماذق

أصفر ذي وجهين كالمنافق

يبدو بوصفين لعين الرامق :

زينة معشوق ، ولون عاشق

وحبه عند ذوي الحقائق

يدعو إلى ارتكاب سخط الخالق

لولاه : لم تقطع يمين السارق

ولا بدت مظلمة من فاسق

ولا اشمأز باخل من طارق ،

ولا اشتكى الممطول مطل العائق

ولا أستعيذ من حسود راشق.

وشر ما فيه من الخلائق :

أن ليس يغنى عنك في المضايق ،

إلا إذا فر فرار الآبق

حرف الراء

١ ـ ( رطب ). قال الله تعالى لمريم : ( وهزي إليك بجذع (٢) النخلة : تساقط عليك رطبا جنيا. فكلى واشربي وقرى عينا ).

وفى الصحيحين ، عن عبد الله بن جعفر ، قال : « رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأكل القثاء بالرطب ».

وفي سنن أبي داود ، عن أنس ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلى ، فإن لم تكن رطبات : فتمرات. فإن لم تكن تمرات : حسا حسوات من ماء ».

طبع الرطب طبع المياه : حار رطب يقوى المعدة الباردة ويوافقها ، ويزيد في الباه ، ويخصب البدن ، ويوافق أصحاب الأمزجة الباردة ، ويغذو غذاء كثيرا :

__________________

(١) بالزاد ١٦٥. أبو القاسم. والأبيات في المقامة الدينارية بزيادة : (ص ٢٩ ، ٣٠ : ط الحسينية. أو ١ / ٦٥ ـ ٦٧ من شرح الشريشي : ط بولاق).

(٢) كذا بالزاد وسورة مريم : (٢٥). وصحف في الأصل بالزاي.

٢٤٠