الطبّ النبوي

شمس الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب الزّرعي [ ابن القيّم ]

الطبّ النبوي

المؤلف:

شمس الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب الزّرعي [ ابن القيّم ]


الموضوع : الطّب
المطبعة: دار إحياء الكتب العربية ـ قاهرة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٤

ليبين لهم أن الله سبحانه هو الذي يمرض ويشفى. ونهى عن القرب منه : ليتبين لهم أن هذه من الأسباب التي جعلها الله مفضية إلى مسبباتها. ففي نهيه : إثبات الأسباب ، وفى فعله : بيان أنها لا تستقل بشئ ، بل الرب سبحانه إن شاء سلبها قواها فلا تؤثر شيئا ، وإن شاء أبقى عليها قواها فأثرت.

وقالت فرقة أخرى : بل هذه الأحاديث فيها الناسخ والمنسوخ ، فينظر في تاريخها : فإن علم المتأخر منها حكم بأنه الناسخ ، وإلا توقفنا فيها.

وقالت فرقة أخرى : بل بعضها محفوظ ، وبعضها غير محفوظ. وتكلمت في حديث « لا عدوى » وقالت : قد كان أبو هريرة يرويه أولا ، ثم شك فيه فتركه ، وراجعوه فيه وقالوا له : سمعناك تحدث ، فأبى أن يحدث به. قال أبو سلمة : فلا أدرى أنسى أبو هريرة؟ أم نسخ أحد الحديثين الآخر؟. وأما حديث جابر : « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ بيد مجذوم ، فأدخلها معه في القصعة » ، فحديث لا يثبت ولا يصح ، وغاية ما قال فيه الترمذي : أنه غريب لم يصححه ، ولم يحسنه. وقد قال شعبة وغيره : اتقوا هذه الغرائب. قال الترمذي : ويروى هذا من فعل عمر ، وهو أثبت. فهذا شأن هذين الحديثين اللذين عورض بهما أحاديث النهى ـ : أحدهما رجع أبو هريرة عن التحديث به وأنكره ، والثاني لا يصح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والله أعلم وقد أشبعنا الكلام في هذه المسألة ، في كتاب المفتاح (١) ، بأطول من هذا. وبالله التوفيق.

فصل في هديه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المنع من؟؟ التداوي بالمحرمات

روى أبو داود في سننه ـ من حديث أبي الدرداء ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « إن الله أنزل الداء والدواء ، وجعل لكل (داء) (٢) دواء. فتداووا ولا تداووا بالمحرم » (٣).

__________________

(١) ص ٥٨٩ ـ ٥٩٠ ، ٦٠٢ ـ ٦٠٧ ، ٦١٣ ـ ٦٢٠ ، ٦٢٢ ط ثانية.

(٢) زيادة عن الزاد ١١٤ متعينة ثابتة.

(٣) وأخرجه أيضا الطبراني. ورجاله ثقات اه‍ ق.

١٢١

وذكر البخاري في صحيحه ـ عن ابن مسعود (١) ـ : « إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم » (٢).

وفى السنن عن أبي هريرة ، قال : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الدواء الخبيث » (٣).

وفى صحيح مسلم ـ عن طارق بن سويد الجعفي ـ : « أنه سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الخمر ، فنهاه أو كره أن يصنعها. فقال : إنما أصنعها للدواء فقال : إنه ليس بدواء ، ولكنه داء ».

وفى السنن : « أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سئل عن الخمر : يجعل في الدواء ، فقال : إنها داء ، وليست بالدواء ». رواه أبو داود والترمذي.

وفى صحيح مسلم ، عن طارق بن سويد الحضرمي ، قال : « قلت : يا رسول الله ، إن بأرضنا أعنابا نعتصرها ، فنشرب منها؟ قال : لا. فراجعته ، قلت : إنا نستشفى للمريض. قال : إن ذلك ليس بشفاء ، ولكنه داء » (٤).

وفى سنن النسائي : « أن طبيبا ذكر ضفدعا في دواء عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنهاه عن قتلها » (٥).

ويذكر عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : « من تداوى بالخمر فلا شفاه الله » (٦).

المعالجة بالمحرمات قبيحة : عقلا وشرعا. أما الشرع ، فما ذكرنا : من هذه الأحاديث وغيرها.

وأما العقل ، فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه. فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيبا عقوبة لها ، كما حرمه على بني إسرائيل بقوله : ( فبظلم من الذين هادوا ، حرمنا

__________________

(١) كذا بالزاد. وفى الأصل : أبى. وهو تصحيف.

(٢) هذا الحديث رواه البخاري معلقا ، ووصله الطبراني بإسناد رجاله رجال الصحيح. وأخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه والبزار وأبو يعلى والطبراني. ورجال أبى يعلى ثقات. عن أم سلمة اه‍ ق.

(٣) أخرجه أبو داود والترمذي اه‍ ق.

(٤) أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي اه‍ ق.

(٥) وأخرجه أيضا أبو داود وأحمد والحاكم عن عبد الرحمن بن عثمان. وإسناده قوى اه‍ ق.

(٦) أخرج أبو نعيم في الطب نحوه اه‍ ق. بل بلفظ : « من تداوى بحرام لم يجعل الله فيه شفاء » ، كما في الفتح الكبير ٣ / ١٧٧.

١٢٢

عليهم طيبات أحلت لهم ). وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم ، لخبثه. وتحريمه له حمية لهم ، وصيانة عن تناوله. فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل ، فإنه وإن أثر في إزالتها ، لكنه يعقب سقما أعظم منه في القلب ، بقوة الخبث الذي فيه. فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سقم البدن ، بسقم القلب.

وأيضا : فإن تحريمه يقتضى تجنبه والبعد (١) عنه بكل طريق ، وفى اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته. وهذا ضد مقصود الشارع.

وأيضا : فإنه داء كما نص عليه صاحب الشريعة ، فلا يجوز أن يتخذ دواء.

وأيضا : فإنه يكسب الطبيعة والروح صفة الخبث ، لان الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالا بينا. فإذا كانت كيفيته (٢) خبيثة : أكسب الطبيعة منه خبثا ، فكيف إذا كان خبيثا في ذاته!. ولهذا حرم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة ، لما تكتسب النفس : من هيأة الخبث وصفته.

وأيضا : فإن في إباحة التداوي به ، ولا سيما إذا كانت النفوس تميل إليه ، ذريعة إلى تناوله للشهوة (٣) واللذة ، لا سيما إذا عرفت النفوس أنه نافع لها ، مزيل لاسقامها ، جالب لشفائها. فهذا أحب شئ إليها. والشارع سد الذريعة إلى تناوله بكل ممكن. ولا ريب أن بين سد الذريعة إلى تناوله ، وفتح الذريعة إلى تناوله ـ تناقضا وتعارضا.

وأيضا : فإن في هذا الدواء المحرم من الأدواء ، ما يزيد على ما يظن فيه من الشفاء. وليفرض الكلام في أم الخبائث التي ما جعل الله لنا فيها شفاء قط : فإنها شديدة المضرة بالدماغ الذي هو مركز العقل عند الأطباء وكثير من الفقهاء والمتكلمين. قال أبقراط في أثناء كلامه في الأمراض الحادة : « ضرر الخمرة بالرأس شديد : لأنه يسرع الارتفاع إليه ، ويرتفع بارتفاعه الاخلاط التي تعلو في البدن. وهو لذلك (٤) يضر بالذهن ». وقال صاحب الكامل : « إن خاصية الشراب الاضرار بالدماغ والعصب ».

__________________

(١) كذا بالزاد ١١٤. وفى الأصل : وابعد. وهو تصحيف.

(٢) بالأصل كيفية. وهو تصحيف. والتصحيح من عبارة الزاد : كيفيته. اكتسبت.

(٣) كذا بالزاد. وفى الأصل : تناول الشهوة. ولعله تحريف.

(٤) بالزاد ١١٥ : كذلك.

١٢٣

وأما غيره من الأدوية المحرمة ، فنوعان : (أحدهما) : تعافه النفس ، ولا تنبعث لمساعدته الطبيعة على دفع المرض. كالسموم ولحوم الأفاعي ، وغيرها : من المستقذرات. فيبقى كلا على الطبيعة مثقلا لها ، فيصير حينئذ داء لا دواء. (والثاني) : مالا تعافه النفس ، كالشراب الذي تستعمله الحوامل مثلا. فهذا ضرره أكثر من نفعه. والعقل يقضى بتحريم ذلك. فالعقل والفطرة مطابق للشرع في ذلك.

وههنا سر لطيف في كون المحرمات لا يستشفى بها : فإن شرط الشفاء بالدواء ، تلقيه بالقبول واعتقاد منفعته ، وما جعل الله فيه من بركة الشفاء. فإن النافع هو المبارك ، وأنفع الأشياء أبركها ، والمبارك من الناس أينما كان ، هو : الذي ينتفع به حيث حل. ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين ، مما يحول بينه وبين اعتقاد بركتها ومنفعتها وبين حسن ظنه بها ، وتلقى طبعه لها بالقبول. بل كلما كان العبد أعظم إيمانا : كان أكره لها ، وأسوأ اعتقادا فيها ، وطبعه أكره شئ لها. فإذا تناولها في هذه الحال : كانت داء له لا دواء ، إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها ، وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة. وهذا ينافي الايمان. فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجه داء. والله أعلم.

فصل في هديه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في علاج القمل

الذي في الرأس وإزالته

في الصحيحين عن كعب بن عجرة ، قال « كان بي أذى من رأسي ، فحملت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والقمل يتناثر على وجهي ـ فقال : ما كنت أرى الجهد قد بلغ بك ما أرى » ، وفى رواية : « فأمره : أن يحلق رأسه ، وأن يطعم فرقا بين ستة ، أو يهدى شاة ، أو يصوم ثلاثة أيام (١) ».

القمل يتولد في الرأس والبدن من شيئين : خارج عن البدن ، وداخل فيه. فالخارج : الوسخ والدنس المركب في سطح الجسد. والثاني : من خلط ردئ عفن ، تدفعه الطبيعة بين الجلد

__________________

(١) كان ذلك في الحج. والحديث أخرجه أيضا أحمد اه‍ ق

١٢٤

واللحم ، فيتعفن بالرطوبة الدموية في البشرة بعد خروجها من المسام ، فيكون منه القمل ، وأكثر ما يكون ذلك : بعد العلل والأسقام ، بسبب الأوساخ. وإنما كان في رؤوس الصبيان أكثر : لكثرة رطوباتهم ، وتعاطيهم الأسباب التي تولد القمل. ولذلك حلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رؤوس بنى جعفر. ومن أكبر علاجه : حلق الرأس لينفتح مسام الأبخرة ، فتتصاعد الأبخرة الرديئة ، فتضعف مادة الخلط. وينبغي أن يطلى الرأس بعد ذلك ، بالأدوية التي تقتل القمل وتمنع تولده.

وحلق الرأس ثلاثة أنواع أحدها (١) نسك وقربة ، والثاني بدعة وشرك ، والثالث حاجة ودواء. ( فالأول ) : الحلق في أحد النسكين : الحج أو العمرة. ( والثاني ) : حلق الرأس لغير الله سبحانه. كما يحلقها المريدون لشيوخهم ، فيقول أحدهم : أنا حلقت رأسي لفلان ، وأنت حلقته لفلان. وهذا بمنزلة أن يقول : سجدت لفلان. فإن حلق الرأس خضوع وعبودية وذل ، ولهذا كان من تمام الحج. حتى إنه عند الشافعي ـ رحمه الله ـ ركن من أركانه : لا يتم إلا به. فإنه وضع النواصي بين يدي ربها : خضوعا لعظمته ، وتذللا لعزته. وهو من أبلغ أنواع العبودية. ولهذا كانت العرب : إذا أرادت إذلال الأسير منهم وعتقه ، حلقوا رأسه وأطلقوه. فجاء شيوخ الضلال والمزاحمون للربوبية ـ الذين أساس مشيختهم على الشرك والبدعة ـ فأرادوا من مريديهم أن يتعبدوا لهم ، فزينوا لهم ( حلق رؤوسهم لهم ) (٢) كما زينوا لهم السجود لهم ، وسموه بغير اسمه ، وقالوا : هو وضع الرأس بين يدي الشيخ. ولعمر الله : إن السجود لله هو : وضع الرأس بين يديه سبحانه. وزينوا لهم : أن ينذروا لهم ، ويتوبوا لهم ، ويحلفوا بأسمائهم. وهذا هو اتخاذهم أربابا وآلهة من دون الله. قال تعالى : ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ، ثم يقول للناس : كونوا عبادا لي من دون الله ، ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم

__________________

(١) كذا بالزاد ١١٥. وفى الأصل : أحدهما. وهو تحريف.

(٢) زيادة متعينة عن الزاد.

١٢٥

تدرسون. ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ، أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون؟! ).

وأشرف العبودية : عبودية الصلاة. وقد تقاسمها الشيوخ والمتشبهون بالعلماء والجبابرة فأخذ الشيوخ منها أشرف ما فيها ، وهو : السجود. وأخذ المتشبهون بالعلماء منها الركوع ، فإذا لقى بعضهم بعضا : ركع له كما يركع المصلى لربه سواء. وأخذ الجبابرة منهم القيام ، فيقوم الأحرار والعبيد على رؤوسهم عبودية لهم ، وهم جلوس.

وقد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عن هذه الأمور الثلاثة ، على التفصيل. فتعاطيها مخالفة صريحة له. فنهى عن السجود لغير الله ، وقال : « لا ينبغي لاحد أن يسجد لاحد » ، وأنكر على معاذ لما سجد له ، وقال : « مه » ، وتحريم هذا معلوم من دينه بالضرورة. وتجويز من جوزه (١) لغير الله ، مراغمة لله ورسوله. وهو من أبلغ أنواع العبودية. فإذا جوز ( هذا المشرك ) هذا النوع للبشر : فقد جوز عبودية غير الله. وقد صح « أنه قيل له : الرجل يلقى أخاه ، أينحنى له؟ قال : لا. قيل : أيلتزمه ويقبله؟ قال : لا قيل : أيصافحه؟ قال : نعم ».

وأيضا : فالانحناء عند التحية سجود. ومنه قوله تعالى : (وادخلوا الباب سجدا) ، أي منحنين. وإلا : فلا يمكن (٢) السجود والدخول على الجباه.

وصح عنه النهى عن القيام وهو جالس ، كما تعظم الأعاجم بعضها بعضا ، حتى منع (٣) ذلك في الصلاة ، وأمرهم إذا صلى جالسا : أن يصلوا جلوسا وهم أصحاء لا عذر لهم ، لئلا يقوموا على رأسه وهو جالس. مع أن قيامهم لله. فكيف إذا كان القيام تعظيما وعبودية لغيره سبحانه!.

والمقصود : أن النفوس الجاهلة الضالة أسقطت عبودية الله سبحانه ، وأشركت فيها من يعظمه من الخلق ، فسجدت لغير الله ، وركعت له وقامت بين يديه قيام الصلاة ، وحلفت بغيره ، ونذرت لغيره ، وحلقت لغيره ، وذبحت لغيره ، وطافت لغير بيته ، وعظمته بالحب

__________________

(١) كذا بالزاد ١١٦ والزيادة الآتية عنه. وبالأصل : جوز. وهو تحريف.

(٢) بالزاد : فلا يمكن الدخول.

(٣) بالزاد : منع من ذلك.

١٢٦

والخوف والرجاء والطاعة كما يعظم الخالق بل أشد ، وسوت من تعبده من المخلوقين ، برب العالمين. وهؤلاء : هم المضادون لدعوة الرسل ، وهم الذين بربهم يعدلون ، وهم الذين يقولون ـ وهم في النار مع آلهتم يختصمون ـ : ( تالله إن كنا لفى ضلال مبين ، إذ نسويكم برب العالمين ) ، وهم الذين قال فيهم : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ، والذين آمنوا أشد حبا لله ). وهذا كله من الشرك ، والله لا يغفر أن يشرك به.

فهذا فصل معترض في هديه في حلق الرأس ، ولعله أهم مما قصد من الكلام فيه. والله أعلم.

فصول

في هديه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في العلاج بالأدوية الروحانية الإلهية المفردة ، والمركبة منها ومن الأدوية الطبيعية.

فصل في هديه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في علاج المصاب بالعين

روى مسلم في صحيحه ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « العين حق ، ولو كان شئ سابق القدر : لسبقته العين » (١) وفى صحيحه أيضا عن أنس : « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رخص في الرقية من الحمة والعين والنملة ». وفى الصحيحين ، من حديث أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « العين حق » (٢).

وفى سنن أبي داود ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : « كان يؤمر العائن فيتوضأ ، ثم يغتسل منه المعين » (٣). وفى الصحيحين عن عائشة ، قالت : « أمرني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو أمر أن نسترقى (٤) من العين » (٥).

__________________

(١) وأخرجه أيضا أحمد وابن حبان والحاكم والطبراني اه‍ ق.

(٢) وأخرجه أيضا أبو داود وابن ماجة وأحمد اه‍ ق.

(٣) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وأبو نعيم والإسماعيلي اه‍ ق.

(٤) كذا بالزاد ١٠٦. وفى الأصل : يسترقى.

(٥) وأخرج أيضا مسلم وابن حبان عن ابن عباس يرفعه : « وإذا استغسلتم فاغسلوا » اه‍ ق.

١٢٧

وذكر الترمذي ـ من حديث سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عروة بن عامر ، عن عبيد بن رفاعة الزرقي ـ : « أن أسماء بنت عميس قالت : يا رسول الله ، إن بنى جعفر تصيبهم العين ، أفأسترقي لهم؟ فقال : نعم ، فلو كان شئ يسبق القضاء ، لسبقته العين » (١). قال الترمذي : حديث حسن صحيح.

وروى مالك رحمه الله ، عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة (٢) بن سهل بن حنيف ، قال : « رأى عامر بن ربيعة ، سهل بن حنيف يغتسل ، فقال : والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة عذراء. قال : فلبط سهل ، فأتى؟؟ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عامرا ، فتغيظ عليه ، وقال : علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت ، اغتسل له. فغسل له عامر وجهه ويديه ، ومرفقيه وركبتيه ، وأطراف رجليه ، وداخلة إزاره في قدح ، ثم صب عليه. فراح مع الناس » (٣).

وروى مالك رحمه الله أيضا ـ عن محمد بن أبي أمامة بن سهل ، عن أبيه ـ (هذا الحديث ، وقال فيه : « إن العين حق ، توضأ له. فتوضأ له » وذكر عبد الرزاق ـ عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه ـ) (٤) مرفوعا : « العين حق ، ولو كان شئ سابق القدر : لسبقته العين ، فإذا (٥) استغسل أحدكم فليغتسل ». ووصله صحيح.

قال الترمذي : يؤمر الرجل العائن بقدح ، فيدخل كفه في فيه فيتمضمض ، ثم يمجه (٦) في القدح ، ويغسل وجهه في القدح ، ثم يدخل يده اليسرى ، فيصب على ركبته اليمنى في القدح ، ثم يدخل يده اليمنى ، فيصب على ركبته اليسرى ، ثم يغسل داخله إزاره ، ولا يوضع

__________________

(١) وأخرجه أيضا النسائي وأحمد اه‍ ق.

(٢) كذا بالأصل والزاد. وفى الموطأ بهامش شرح الزرقاني ٤ / ٣١٩ و ٣٢١ ، والسيوطي ٣ / ١١٨ ـ ١١٩ : أسامة. وهو تصحيف. انظر : شرح الزرقاني ، والتهذيب ١ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤ و ١٢ / ١٣ ، والخلاصة ٣٨ و ٣٩٩.

(٣) وأخرجه أيضا النسائي وابن ماجة وأحمد ، وابن حبان والحاكم في صحيحيهما اه‍ ق.

(٤) زيادة متعينة عن الزاد ١١٧. وراجع الموطأ.

(٥) بالزاد : وإذا.

(٦) كذا بالزاد. وفى الأصل : يمحيه. وهو تصحيف.

١٢٨

القدح في الأرض ، ثم يصب على رأس الرجل الذي يصيبه (العين) (١) ، من خلفه ، صبة واحدة.

والعين عينان : عين إنسية ، وعين جنية. فقد صح عن أم سلمة : « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رأى في بيتها جارية في وجهها سعفة ، فقال : استرقوا لها ، فإن بها النظرة » (٢).

قال الحسين بن مسعود الفراء : وقوله « سعفة » أي : نظرة ، يعنى من الجن. يقول : بها عين أصابتها من نظر الجن ، أنفذ من أسنة الرماح.

ويذكر عن جابر ـ يرفعه ـ : « إن العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر » (٣). وعن أبي سعيد : « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان يتعوذ من الجان ، ومن عين الانسان » (٤).

فأبطلت طائفة ـ ممن قل نصيبهم من السمع والعقل ـ أمر العين ، وقالوا : إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها. وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل ، ومن أغلظهم حجابا ، وأكثفهم طباعا ، وأبعدهم من معرفة الأرواح والنفوس وصفاتها ، وأفعالها وتأثيراتها.

وعقلاء الأمم ـ على اختلاف مللهم ونحلهم ـ لا تدفع أمر العين ولا تنكره : وإن اختلفوا في سببه ، ووجهة (٥) تأثير العين. فقالت طائفة : إن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة ، انبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين ، فيتضرر. قالوا : ولا يستنكر هذا ، كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى ، تتصل بالانسان فيهلك. وهذا أمر قد اشتهر عن نوع من الأفاعي : أنها إذا وقع بصرها على الانسان هلك ، فكذلك العائن.

وقالت فرقة أخرى : لا يستبعد أن ينبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية ، فتتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه ، فيحصل له الضرر.

__________________

(١) زيادة عن الزاد.

(٢) أخرجه البخاري ومسلم والحاكم وأبو نعيم والإسماعيلي في مستخرجيهما والطبراني اه‍ ق.

(٣) أخرجه البزار بسند حسن بمعناه اه‍ ق.

(٤) أخرجه الترمذي وحسنه ، والنسائي اه‍ ق.

(٥) كذا بالزاد. وفى الأصل : وجهة. ولعله تحريف.

(٩ ـ الطب النبوي)

١٢٩

وقالت فرقة أخرى : قد أجرى الله العادة بخلق ما يشاء من الضرر ، عند مقابلة عين العائن لمن يعينه من غير أن يكون منه قوة ، ولا سبب ، ولا تأثير أصلا.

وهذا مذهب منكري الأسباب والقوى والتأثيرات في العالم. وهؤلاء قد سدوا على أنفسهم باب العلل والتأثيرات والأسباب ، وخالفوا العقلاء أجمعين. ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة ، وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة. ولا يمكن العاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام : فإنه أمر مشاهد محسوس. وأنت ترى الوجه : كيف يحمر حمرة شديدة : إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحى منه ، ويصفر صفرة شديدة : عند نظر من يخافه إليه. وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه. وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح. ولشدة ارتباطها بالعين ، ينسب (١) ( الفعل ) إليها ، وليست هي الفاعلة ، وإنما التأثير للروح. والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها ، وكيفياتها وخواصها. فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينا. ولهذا أمر الله سبحانه رسوله : أن يستعيذ به من شره.

وتأثير الحاسد في أذى المحسود ، أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الانسانية. وهو أصل الإصابة بالعين. فإن النفس الخبيثة الحاسدة ، تتكيف بكيفية خبيثة ، وتقابل المحسود ، فتؤثر بتلك الخاصية (٢). وأشبه الأشياء بهذا الأفعى : فإن السم كامن فيها بالقوة ، فإذا قابلت عدوها : انبعث منها قوة غضبية ، وتكيفت نفسها بكيفية خبيثة مؤذية. فمنها : ما تشتد كيفيتها ونقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين. ومنها : ما يؤثر في طمس البصر. كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في الابتروذي الطفيتين (٣) من الحيات : « إنهما يلتمسان البصر ، ويسقطان الحبل ». ومنها : ما تؤثر في الانسان كيفيتها بمجرد الرؤية ، من غير اتصال به ، لشدة خبث تلك النفس وكيفيتها الخبيثة المؤثرة.

والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية ، كما يظنه من قل علمه ومعرفته بالطبيعة

__________________

(١) كذا بالزاد ١١٧. والزيادة عنه. وفى الأصل : نسبت وهو تصحيف.

(٢) كذا بالزاد. وفى الأصل : الخاصة. وهو تحريف.

(٣) سمى بذلك : لان على ظهره خطين يشبهان الطفيتين ، أي الخوصتين اه‍ ق بتصرف.

١٣٠

والشريعة. بل التأثير يكون تارة بالاتصال ، وتارة بالمقابلة ، وتارة بالرؤية ، وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه ، وتارة بالأدعية والرقى والتعوذات ، وتارة بالوهم والتخيل.

ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية ، بل قد يكون أعمى ، فيوصف له الشئ فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره. وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية. وقد قال تعالى لنبيه : ( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ) ، وقال : ( قل أعوذ برب الفلق ، من شر ما خلق ، ومن شر غاسق إذا وقب ، ومن شر ) النفاثات في العقد ، ومن شر حاسد إذا حسد). فكل عائن حاسد ، وليس كل حاسد عائنا. فلما كان الحاسد أعم من العائن : كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن. وهى : سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن ، نحو المحسود والمعين ، تصيبه تارة وتخطئه تارة. فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه : أثرت فيه ولا بد ، وإن صادفته حذرا شاكي السلاح ، لا منفذ فيه للسهام ـ : لم تؤثر فيه ، وربما ردت السهام على صاحبها. وهذا بمثابة الرمي الحسى سواء. فهذا من النفوس والأرواح ، وذاك من الأجسام والأشباح. وأصله من إعجاب العائن بالشئ ، ثم يتبعه (١) كيفية نفسه الخبيثة ، ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرة إلى المعين.

وقد يعين الرجل نفسه ، وقد يعين بغير إرادته ، بل بطبعه. وهذا أردأ ما يكون من النوع الإنساني. وقد قال أصحابنا وغيرهم من الفقهاء : « (إن) (٢) من عرف بذلك : حبسه الامام ، وأجرى له ما ينفق عليه إلى الموت ». وهذا هو الصواب قطعا.

( فصل ) والمقصود العلاج النبوي لهذه العلة. وهو أنواع.

وقد روى أبو داود في سننه ، عن سهل بن حنيف ، قال : « مررنا بسيل ، فدخلت فاغتسلت فيه ، فخرجت محموما. فنمى ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : مروا أبا ثابت يتعوذه. ( قال ) فقلت : يا سيدي ، والرقى صالحة؟ فقال : لا رقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة (٣) » والنفس : العين ، يقال : أصابت فلانا نفس ، أي عين. والنافس : العائن. واللدغة :

__________________

(١) بالزاد ١١٨ : تتبعه.

(٢) زيادة عن الزاد.

(٣) وأخرجه أيضا الحاكم اه‍ ق.

١٣١

بدال مهملة وغين (١) معجمة ، وهى ضربة العقرب ونحوها.

( فمن التعوذات والرقى ) : الاكثار من قراءة المعوذتين وفاتحة الكتاب وآية الكرسي.

( ومنها ) : التعوذات النبوية ، نحو : أعوذ بكلمات الله التامات (من شر ما خلق.

ونحو : أعوذ بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة. ونحو : أعوذ بكلمات الله التامات) (٢) التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ، من شر ما خلق وذرأ وبرأ ، ومن شر ما ينزل من السماء ، ومن شر ما يعرج فيها ، ومن شر ماذرأ في الأرض ، ومن شر ما يخرج منها ، ومن شر فتن الليل والنهار ، ومن شر طوارق الليل والنهار ، إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان.

( ومنها ) : أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ، ومن شر عباده ، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون.

( ومنها ) : اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامات ، من شر ما أنت آخذ بناصيته ، اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم ، اللهم إنه لا يهزم جندك ، ولا يخلف وعدك ، سبحانك وبحمدك.

( ومنها ) : أعوذ بوجه الله العظيم الذي لا شئ أعظم منه ، وبكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ، وبأسماء (٣) الله الحسنى ـ ما علمت منها وما لم أعلم ـ من شر ما خلق وذرأ وبرأ ، ومن شر كل ذي شر لا أطيق شره ، ومن شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته ، إن ربى على صراط مستقيم.

( ومنها ) : اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت ، عليك توكلت ، وأنت رب العرش العظيم ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، أعلم أن الله على كل شئ قدير ، وأن الله قد أحاط بكل شئ علما ، وأحصى كل شئ عددا. اللهم إني أعوذ بك من

__________________

(١) كذا بالزاد ١١٨ ، وفى الأصل : وغير. وهو تصحيف.

(٢) الزيادة عن الزاد.

(٣) بالزاد : وأسماء.

١٣٢

من شر نفسي وشر الشيطان وشركه ، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ، إن ربى على صراط مستقيم وان شاء قال : تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو إلهي وإله كل شئ ، واعتصمت بربى ورب كل شئ ، وتوكلت على الحي الذي لا يموت ، واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله ، حسبي الله ونعم الوكيل ، حسبي الرب من العباد ، حسبي الخالق من المخلوق ، حسبي الرازق من المرزوق ، حسبي الله (١) هو حسبي ، حسبي الذي بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ولا يجار عليه ، حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا ، وليس (٢) وراء الله مرمى ، حسبي الله لا إله إلا هو ، عليه توكلت ، وهو رب العرش العظيم.

ومن جرب هذه الدعوات والعوذ : عرف مقدار منفعتها ، وشدة الحاجة إليها. وهى تمنع وصول أثر العائن وتدفعه بعد وصوله ، بحسب قوة إيمان قائلها ، وقوة نفسه واستعداده ، وقوة توكله وثبات قلبه ، فإنها سلاح ، والسلاح بضاربه.

( فصل ) وإذا كان العائن يخشى ضرر عينه وإصابتها للمعين ، فليدفع شرها بقوله : اللهم بارك عليه ، كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لعامر بن ربيعة ـ لما عان سهل بن حنيف ـ : « ألا بركت » ، أي قلت : اللهم بارك عليه.

ومما يدفع به إصابة العين ، قول : ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله. روى هشام بن عروة عن أبيه : أنه كان إذا رأى شيئا يعجبه ، أو دخل حائطا من حيطانه ـ قال : « ما شاء الله لا قوة إلا بالله ».

ومنها : رقية جبريل عليه‌السلام ، للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ التي رواها مسلم في صحيحه ـ : « باسم الله أرقيك ، من كل داء يؤذيك ، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك ، باسم الله أرقيك (٣) ».

ورأى جماعة من السلف : أن يكتب له الآيات من القرآن ، ثم يشربها. قال مجاهد : « لا بأس أن يكتب القرآن ويغسله ويسقيه المريض ». ومثله عن أبي قلابة. ويذكر عن

__________________

(١) بالزاد ١١٩ : الذي.

(٢) بالزاد : ليس.

(٣) وأخرجه أيضا الترمذي وحسنه ، والنسائي اه‍ ق.

١٣٣

ابن عباس : أنه أمر أن يكتب لامرأة يعسر عليها ولادها ، آيتان (١) من القرآن ، يغسل ويسقى. وقال أيوب : « رأيت أبا قلابة كتب كتابا من القرآن ، ثم غسله بماء وسقاه رجلا كان به وجع ».

( فصل ) ومنها : أن يؤمر العائن بغسل مغابنه وأطرافه ، وداخلة إزاره ـ وفيه قولان :

( أحدهما ) : أنه فرجه. ( والثاني ) : أنه طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده من الجانب الأيمن. ثم يصب على رأس المعين من خلفه بغتة. وهذا مما لا يناله علاج الأطباء ، ولا ينتفع به من أنكره ، أو سخر منه ، أو شك فيه ، أو فعله مجربا : لا يعتقد أن ذلك ينفعه.

وإذا كان في الطبيعة خواص لا تعرف الأطباء عللها البتة ـ بل هي عندهم خارجة عن قياس الطبيعة تفعل (٢) بالخاصية : فما الذي ينكره زنادقتهم وجهلتهم من الخواص الشرعية؟! هذا مع أن في المعالجة بهذا الإستغسال ، ما تشهد له العقول الصحيحة ، وتقر لمناسبته. فاعلم أن ترياق سم الحية : في لحمها ، وأن علاج تأثير النفس الغضبية في تسكين غضبها وإطفاء ناره : بوضع يدك عليه ، والمسح عليه ، وتسكين غضبه. وذلك بمنزلة رجل : معه شعلة من نار ، وقد أراد أن يقذفك بها ، فصببت عليها الماء وهى في يده ، حتى طفئت. ولذلك أمر العائن أن يقول : اللهم بارك عليه ، ليدفع تلك الكيفية الخبيثة بالدعاء الذي هو إحسان إلى المعين. فإن دواء الشئ بضده. ولما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد ، لأنها تطلب النفوذ فلا تجد أرق من المغابن وداخلة الازار ـ ولا سيما إن كان كناية عن الفرج ـ : فإذا غسلت بالماء بطل تأثيرها وعملها. (وأيضا) (٣) : فهذه المواضع للأرواح الشيطانية بها اختصاص. والمقصود : أن غسلها بالماء يطفئ تلك النارية ، ويذهب بتلك السمية. وفيه أمر آخر ، وهو : وصول أثر الغسل إلى القلب ، من أرق المواضع وأسرعها تنفيذا ، فيطفئ تلك النارية والسمية بالماء ، فيشفى المعين. وهذا كما أن ذوات السموم إذا قتلت بعد لسعها : خف أثر اللسعة عن الملسوع ووجد راحته. فإن أنفسها تمد أذاها بعد لسعها

__________________

(١) بالأصل : آيتين. وهو تصحيف ، يدل عليه أن لفظ الزد أثر.

(٢) بالزاد ١١٩ : يفعل. وهو تصحيف.

(٣) زيادة عن الزاد.

١٣٤

وتوصله إلى الملسوع ، فإذا قتلت : خف الألم. وهذا مشاهد : وإن كان من أسبابه فرح الملسوع واشتفاء نفسه بقتل عدوه ، فتقوى الطبيعة على الألم فتدفعه. وبالجملة : غسل العائن يذهب تلك الكيفية التي ظهرت منه ، وإنما ينفع غسله عند تكيف نفسه بتلك الكيفية.

فإن قيل : فقد ظهرت مناسبة الغسل ، فما مناسبة صب ذلك الماء على المعين؟.

قيل : هو في غاية المناسبة. فإن ذلك الماء (١) أطفأ تلك النارية ، وأبطل تلك الكيفية الرديئة من الفاعل ، فكما طفئت به النار (٢) القائمة بالفاعل ، طفئت به وأبطلت عن المحل المتأثر ، بعد ملابسته للمؤثر العائن. والماء الذي يطفأ به الحديد ، يدخل في أدوية عدة طبيعية ذكرها الأطباء. فهذا الذي طفئ به نارية العائن. لا يستنكر أن يدخل في دواء يناسب هذا الدواء.

وبالجملة فطب الطبائعية وعلاجهم بالنسبة إلى العلاج النبوي ، كطب الطرقية بالنسبة إلى طبهم ، بل أقل. فإن التفاوت الذي بينهم وبين الأنبياء أعظم وأعظم من التفاوت الذي بينهم وبين الطرقية ، بما لا يدرك الانسان مقداره. فقد ظهر لك عقد الاخاء الذي بين الحكمة والشرع ، وعدم مناقضة أحدهما للآخر. والله يهدى من يشاء إلى الصواب ، ويفتح لمن أدام قرع باب التوفيق منه كل باب. وله النعمة السابقة ، والحجة البالغة.

( فصل ) ومن علاج ذلك أيضا والاحتراز منه : ستر محاسن من يخاف عليه العين ، بما يردها عنه. كما ذكر البغوي في كتاب شرح السنة : « أن عثمان رضي الله عنه ، رأى صبيا مليحا ، فقال : دسموا نونته لئلا تصيبه العين » ، ثم قال في تفسيره : ومعنى « دسموا نونته » أي : سودوا نونته ، والنونة : النقرة التي تكون في ذقن الصبى الصغير.

وقال الخطابي في غريب الحديث له : « عن عثمان أنه رأى صبيا تأخذه العين ، فقال : دسموا نونته. فقال أبو عمرو : سألت أحمد بن يحيى عنه ، فقال : أراد بالنونة النقرة التي في ذقنه ، والتدسيم : التسويد. أراد : سودوا ذلك الموضع من ذقنه ، ليرد العين. قال : ومن هذا حديث عائشة : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خطب ذات يوم وعلى رأسه عمامة دسماء ، أي : سوداء » ، أراد الاستشهاد على (٣) اللفظة. ومن هذا أخذ الشاعر قوله :

__________________

(١) في الزاد ١٢٠ : الماء ماء طفئ به تلك النارية.

(٢) بالزاد : النارية.

(٣) كذا بالزاد. وفى الأصل : عن. وهو تصحيف.

١٣٥

ما كان أحوج ذا الكمال إلى

عيب يوقيه من العين!

( فصل ) ومن الرقي التي ترد العين ، ما ذكر عن أبي عبد الله التياحي : « أنه كان

في بعض أسفاره للحج أو الغزو ، على ناقة فارهة ، وكان في الرفقة رجل عائن قلما (١) نظر إلى شئ إلا أتلفه. فقيل لأبي عبد الله : احفظ ناقتك من العائن. فقال : ليس له إلى ناقتي سبيل. فأخبر العائن بقوله ، فتحين غيبة أبى عبد الله : فجاء إلى رحله ، فنظر إلى الناقة ، فاضطربت وسقطت. فجاء أبو عبد الله ، فأخبر : أن العائن قد عانها ، وهى كما ترى فقال :

دلوني عليه. فدل ، فوقف عليه : وقال باسم الله ، حبس حابس ، وحجر يابس وشهاب قابس ، رددت عين العائن عليه ، وعلى أحب الناس إليه ، (فارجع البصر هل ترى من فطور ، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) فخرجت حدقتا العائن ، وقامت الناقة ، لا بأس بها ».

فصل في هديه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في العلاج العام

لكل شكوى ، بالرقية الإلهية

روى أبو داود في سننه ، من حديث أبي الدرداء ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : « من اشتكى منكم شيئا أو اشتكاه أخ له ، فليقل : ربنا الله الذي في السماء ، تقدس اسمك وأمرك (٢) في السماء والأرض ، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض ، واغفر لنا حوبنا وخطايانا ، أنت رب الطيبين ، أنزل رحمة من عندك ، وشفاء من شفائك على هذا الوجع. فيبرأ بإذن الله ».

وفى صحيح مسلم ـ عن أبي سعيد الخدري ـ : « أن جبريل عليه‌السلام أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا محمد ، اشتكيت؟ قال : نعم. فقال جبريل عليه‌السلام : باسم الله أرقيك ، من

__________________

(١) كذا بالزاد ١٢٠. وفى الأصل : فما. ولعله تصحيف.

(٢) في سنن أبي داود ٤ / ١٢ : أمرك. ولعله تحريف. وفى سائر النص اختلاف. وانظر الفتح الكبير ٣ / ١٦١.

١٣٦

كل داء يؤذيك ، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك ، باسم الله أرقيك ».

فإن قيل : فما تقولون في الحديث الذي رواه أبو داود : « لا رقية إلا من عين أو حمة » ، والحمة : ذوات السموم كلها؟.

فالجواب : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يرد به نفى جواز الرقية في غيرها ، بل المراد به : لا رقية أولى وأنفع منها في العين والحمة. ويدل عليه سياق الحديث ، فإن سهل بن حنيف قال له لما أصابته العين : أو في الرقي خير؟ فقال : « لا رقية إلا في نفس أو حمة » ، ويدل (١) عليه سائر أحاديث الرقي العامة والخاصة. وقد روى أبو داود من حديث أنس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « لا رقية إلا من عين ، أو حمة ، أو دم لا يرقأ ». (٢) وفى صحيح مسلم عنه أيضا : « رخص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الرقية من العين والحمة والنملة ».

فصل في هديه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في رقية اللديغ بالفاتحة

أخرجا في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري ، قال : « انطلق نفر من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سفرة سافروها ، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب ، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم. فلدغ سيد ذلك الحي ، فسعوا له بكل شئ لا ينفعه شئ. فقام بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا ، لعلهم أن يكون عند بعضهم شئ فأتوهم فقالوا : يا أيها الرهط ، إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شئ لا ينفعه شئ (٣) ، فهل عند أحد منكم من شئ؟ فقال بعضهم : نعم ، والله إني لارقى ، ولكن استضفناكم فلم تضيفونا ، فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلا. فصالحوهم على قطيع من الغنم. فانطلق يتفل عليه ، ويقرأ الحمد لله رب العالمين. فكأنما نشط من عقال. فانطلق يمشى وما به قلبة. قال : فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه ، فقال بعضهم : اقتسموا. فقال الذي رقى : لا تفعلوا حتى نأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

__________________

(١) كذا بالزاد ١٢١. وهو الظاهر. وفى الأصل : يدل.

(٢) وأخرجه أيضا الحاكم في صحيحه. اه‍ ق. وهذا لفظ الأصل والفتح الكبير ٣ / ٣٤٤. وفى الزاد وسنن أبي داود ٤ / ١١ : أو دم يرقأ. وهو تحريف.

(٣) هذا لم يرد في الزاد.

١٣٧

فنذكر له الذي كان ، فننظر ما يأمرنا. فقدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذكروا له ذلك. فقال : وما يدريك أنها رقية. ثم قال : قد أصبتم ، اقتسموا واضربوا لي معكم سهما (١) ». وقد روى ابن ماجة في سننه ، من حديث على ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « خير الدواء القرآن ».

ومن المعلوم أن بعض الكلام له خواص ومنافع مجربة ، فما الظن بكلام رب العالمين : الذي فضله على كل كلام كفضل الله على خلقه ، الذي هو الشفاء التام ، والعصمة النافعة ، والنور الهادي ، والرحمة العامة ، الذي لو أنزل على جبل لتصدع من عظمته وجلالته. قال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ). و « من » ههنا لبيان الجنس ، لا للتبعيض. هذا أصح القولين. كقوله تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ). وكلهم من الذين آمنوا وعملوا الصالحات؟. فما الظن بفاتحة الكتاب : التي لم ينزل في القرآن ولا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها ، المتضمنة لجميع معاني كتب الله ، المشتملة على ذكر أصول أسماء الرب ومجامعها ، وهى : الله والرب والرحمن والرحيم (٢) ، وإثبات المعاد ، وذكر التوحيدين : توحيد الربوبية ، وتوحيد الإلهية ، وذكر الافتقار إلى الرب سبحانه في طلب الإعانة ، وطلب الهداية ، وتخصيصه سبحانه بذلك ، وذكر أفضل الدعاء على الاطلاق وأنفعه وأفرضه ، وما العباد أحوج شئ إليه ، وهو : الهداية إلى صراطه المستقيم المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته ، بفعل ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه ، والاستقامة عليه إلى الممات. ويتضمن ذكر أصناف الخلائق وانقسامهم إلى منعم عليه : بمعرفته (٣) الحق والعمل به ومحبته وإيثاره ، ومغضوب عليه : بعدوله عن الحق بعد معرفته له ، وضال : بعدم معرفته له. وهؤلاء أقسام الخليقة. مع تضمنها لاثبات القدر والشرع ، والأسماء والصفات ، والمعاد والنبوات ، وتزكية النفوس ، وإصلاح القلوب ، وذكر عدل الله وإحسانه ، والرد على جميع أهل البدع والباطل

__________________

(١) أخرجه أيضا الترمذي وابن ماجة وأحمد. اه‍ ق.

(٢) هذا سقط من الزاد ١٢١. (٣) بالزاد : بمعرفة. وكلاهما صحيح.

١٣٨

كما ذكرنا ذلك في كتابنا الكبير في شرحها؟!. وحقيق بسورة هذا بعض شأنها : أن يستشفى بها من الأدواء ، ويرقى بها اللديغ.

وبالجملة : فما تضمنته الفاتحة ـ : من إخلاص العبودية ، والثناء على الله ، وتفويض الامر كله إليه ، والاستعانة به والتوكل عليه ، وسؤاله مجامع النعم كلها ، وهى : الهداية التي تجلب النعم ، وتدفع النقم. ـ من أعظم الأدوية الشافية الكافية.

وقد قيل : إن موضع الرقية منها : ( إياك نعبد وإياك نستعين ). ولا ريب أن هاتين الكلمتين من أقوى أجزاء هذا الدواء ، فإن فيهما ـ : من عموم التفويض والتوكل ، والالتجاء والاستعانة ، والافتقار والطلب ، والجمع بين أعلى الغايات ، وهى : عبادة الرب وحده ، وأشرف الوسائل ، وهى : الاستعانة به على عبادته. ـ ما ليس في غيرها.

ولقد مر بي وقت بمكة : سقمت فيه ، وفقدت الطبيب والدواء ، فكنت أتعالج بها : آخذ شربة من ماء زمزم ، وأقرؤها عليها مرارا ، ثم أشربه (١). فوجدت بذلك البرء التام. ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع ، فأنتفع بها غاية الانتفاع.

( فصل ) وفى تأثير الرقي بالفاتحة وغيرها ، في علاج ذوات السموم ، سر بديع. فإن ذوات السموم أثرت بكيفيات نفوسها الخبيثة كما تقدم ، وسلاحها : حمتها (٢) التي تلدغ بها ، وهى لا تلدغ حتى تغضب ، فإذا غضبت : ثار فيها السموم ، فتقذفه بآلتها (٣). وقد جعل الله سبحانه لكل داء دواء ، ولكل شئ ضدا. ونفس (٤) الراقي تفعل في نفس المرقى ، فيقع بين نفسيهما (٥) فعل وانفعال ـ كما يقع بين الداء والدواء ـ : فتقوى نفس المرقى وقوته بالرقية على ذلك الداء ، فيدفعه بإذن الله. ومدار تأثير الأدوية والأدواء ، على الفعل والانفعال. وهو كما يقع بين الداء والدواء الطبيعيين ، يقع بين الداء والدواء

__________________

(١) كذا بالزاد ١٢٢. وفى الأصل : أشرب. ولعله تحريف.

(٢) بالأصل والزاد : حماتها. وهو تحريف. وأصل « الحمة » : السم. ثم أطلقت على إبرة نحو العقرب للمجاورة : لان السم يخرج منها. انظر : النهاية ١ / ٢٦٢ ، والمختار والمصباح (حمى).

(٣) كذا بالزاد. وفى الأصل : بالنهار. وهو تصحيف.

(٤) بالزاد : نفس. وهو تحريف.

(٥) بالأصل والزاد : نفسهما. ولعله تحريف.

١٣٩

الروحانيين ، والروحاني والطبيعي. وفى النفث والتفل استعانة بتلك الرطوبة والهواء ، والنفس المباشر للرقية والذكر والدعاء. فإن الرقية تخرج من قلب الراقي وفمه ، فإذا صاحبها شئ من أجزاء باطنه ـ من الريق والهواء والنفس ـ : كانت أتم تأثيرا ، وأقوى فعلا ونفوذا ، ويحصل بالازدواج بينهما كيفية مؤثرة ، شبيهة بالكيفية الحادثة عند تركيب الأدوية.

وبالجملة : فنفس الراقي تقابل تلك النفوس الخبيثة ، وتزيد بكيفية نفسه ، وتستعين بالرقية وبالنفث (١) على إزالة ذلك الأثر. وكلما كانت كيفية نفس الراق أقوى ، كانت الرقية أتم ، واستعانته بنفثه كاستعانة تلك النفوس الرديئة بلسعها. وفى النفث (١) سر آخر : فإنه مما تستعين به الأرواح الطيبة والخبيثة. ولهذا تفعله السحرة ، كما يفعله أهل الايمان. قال تعالى : ( ومن شر النفاثات في العقد ). وذلك : لان النفس تتكيف بكيفية الغضب والمحاربة ، وترسل أنفاسها سهاما لها ، وتمدها بالنفث والتفل الذي معه شئ من ريق (٢) مصاحب لكيفية مؤثرة. والسواحر تستعين بالنفث استعانة بينة : وإن لم يتصل بجسم المسحور ، بل ينفث على العقدة ويعقدها ويتكلم بالسحر ، فيعمل ذلك في المسحور (٣) : بتوسط الأرواح السفلية الخبيثة ، فتقابلها الروح الزكية الطيبة ، بكيفية الدفع والتكلم بالرقية ، وتستعين بالنفث ، فأيهما قوى كان الحكم له. ومقابلة الأرواح بعضها لبعض ومحاربتها وآلتها ، من جنس مقابلة الأجسام ومحاربتها وآلتها سواء. بل الأصل في المحاربة والتقابل للأرواح ، والأجسام آلتها وجندها. ولكن : من غلب عليه الحس لا يشعر بتأثيرات الأرواح وأفعالها وانفعالاتها ، لاستيلاء سلطان الحس عليه ، وبعده من عالم الأرواح وأحكامها وأفعالها.

والمقصود : أن الروح إذا كانت قوية ، وتكيفت بمعانى الفاتحة ، واستعانت بالنفث

__________________

(١) كذا بالزاد. وفى الأصل : « وبالنفس .. وفى النفس ». وهو تصحيف.

(٢) بالزاد ١٢٢ : الريق. وما في الأصل أحسن.

(٣) كذا بالزاد. وفى الأصل : بالمسحور. ولعله تحريف.

١٤٠