الفقه والمسائل الطبيّة

الشيخ محمد آصف المحسني

الفقه والمسائل الطبيّة

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٣

الفقيه عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كلما كان في الانسان اثنين ( اثنان ـ يب ) ففيهما الدية في احداهما ( احدهما ـ يب ) نصف الدية ، وما كان ( فيه ئل ) واحداً ففيه الدية (١).

أقول : تقييد الخبر أو انصرافه إلى خصوص الاعضاء محتاج إلى دليل قرينة كقوله عليه السلام في أولّ الخبر : « اثنين » ، وإلاّ فالخبر يشمل الصفات النفسية أيضاً مضافاً إلى قواه البدنية ، لاَنّ الموضوع هو الانسان ، وهو مركب من البدن والنفس دون خصوص البدن.

وربما يورد على ما ذكره صاحب الجواهر أيضاً ، أنّ الاَجزاء في الحر ليست قيمتها منسوبة إلى قيمة الانفس كما هو كذلك في السلعة فتشبيه السلعة بالنفس غير ظاهر الوجه بل قد يكون قيمة الاجزاء عشرين أضعاف قيمة الكل ، واللازم في الارش هو التقدير حسب المناسبات العرفية المستفادة من حكم الشارع بمقادير الدية ، ويمكن أنّ يجاب عنه بأنّه أهمل في باب الديات ، مثلاً يد الخطاط الماهر وبعض اهل الصنعة لها منافع كثيرة مع عدم الاختلاف في دية قطع اليد.

٤ ـ على الحكومة أنْ تراقب كل المرضى بالاَمراض المعدية على أنْ لاينقلوا العدوى إلى الاصحاء مراقبة بمقدار اللازم لا أزيد ، والاَمراض في العدوى مختلفة ، وقد تقدم في المسألة السابقة أنّ مرض الايدز أخف الامراض المعدية ، فلا بأس بذهاب المريض به إلى معاهد التعليم والتعلم والمعامل والمؤسسات الحكومية وغيرها ، وإنما يراقبون في خصوص الطرق الاَربعة الناقلة إلاّ إذا ثبتت العدوى بغيرها أيضاً ، فتتسع المراقبة.

__________________

(١) ص ٣٧٨ ج ٢٦ جامع احاديث الشيعة.

٣٠١

فائدة طبية حول الاَمراض المعدية

الامراض المعدية التي تنتقل من المريض إلى آخر تختلف طرق ووسائل انتقالها من مرض إلى آخر ، فمنها ما ينتقل بواسطة التنفس كأمراض الجهاز التنفسي كالانفلونزا الرئوي ، ومنها ما ينتقل بواسطة الفم كامراض الجهاز الهضمي مثل الدوسنتاريا والتيفوئيد ، ومنها ما ينتقل عن طريق المعاشرة الجنسية مثل الزهري والسيلان ، ومنها ما ينتقل بطريق الملامسة كالجدري والجذام ، وبعضها ينتقل بواسطة الحقن أو نقل الدم كالالتهاب الكبدي الفيروسي ، أو بواسطة وخز الحشرات كالملاريا التي تنقلها البعوضة أو الطاعون الذي تنقله الفئران والبراغيث ، وقد يكون للمرض الواحد اكثر من وسيلة لانتقاله كالايدز ، إذْ تحقق أنّه ينتقل بالاتصال الجنسي وعن طريق الدم ومشتقاته كزراعة الاعضاء والمخدرات التي تؤخذ عن طريق الحقن (١).

٥ ـ إذا احتمل الطبيب عند نقل دم أحد ولو بتوسط زرع عضو منه في بدن الغير إنّ صاحب الدم مبتلى بالايدز أو مرض معدٍ آخر فهل يجب عليه الفحص حتّى الاطمئنان بعدمه أو لا يجب عملاً باصالة الصحة أو إصالة عدم حدوث المرض المعدي أو إصالة البراءة عن وجوب الفحص؟ فيه وجهان.

وربما يقال : إنّ الاَصل في النفوس والفروج والاَموال الكثيرة هو الاحتياط دون البراءة ومقامنا داخل في الاَوّل فانّ مرض الايدز مهلك لا

__________________

(١) ص ١٤٥ رؤية اسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الايدز.

٣٠٢

علاج له لحدّ الآن ، لكن هذا القول باطلاقه لا دليل له ويجري الاستصحاب وإصالة البراءة في كثير من جزئيات تلك الموارد الثلاثة كما أوضحه سيدنا الاستاذ الحكيم رحمه الله في الجملة في بعض مجالس دروسه المباركة.

نعم إذا اشترط عليه المريض أو الحكومة الاسلامية الفحص وجب لقوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (١) ولقوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الاَمر منكم ) ، وأمّا إذا علم الطبيب بأنّه في فرض ترك الفحص يبتلى جمع من المرضى بفيروس الايدز لا محالة ، فلا يبعد وجوب الفحص عليه ، فتأمل.

٦ ـ لا يجوز للمريض بالمرض المعدي التزويج أو التزوج بالصحيح الغافل فإنّه إضرار به وهو واضح ، وإذا كان المرض مهلكاً ولا يتيسر التحفظ منه للسالم من الزوجين لا يجوز للسالم إجابة المريض للزواج ـ بل لكلّ مصاحبة مؤدية إلى انتقال المرض المهلك إليه ـ لاَنه من الالقاء في التهلكة. نعم إذا تباينا على ترك المجامعة ـ في مثل مرض الايدز ـ جاز النكاح ولم يحرم (٢) ، وعلى كل إذا رضيا بالنكاح صح النكاح وان حرم إنْ أوجب الاضرار بالنفس ، فالحكم الوضعي غير الحكم التكليفي ، فتدبّر فيه.

٧ ـ إذا تزوّج أو زُوّج جهلاً ، بالمريض المعدي ثمّ علم فهل له فسخ العقد إذا كانت العدوى مهلكة أو مضرة إلى درجة كبيرة ولم يتيسر التحفظ منها إلاّ بحرج شديد؟

ج : أما للزوج فثبوت الخيار له في غاية الاشكال لما يستفاد من

__________________

(١) تقدم مصدره.

(٢) ويمكن أنْ يقال بعدم حرمة النكاح في مثل الايدز دائماً وانما المحرم هو الجماع فإنه الطريق إلى الانتقال ، نعم هو من مقدمات الحرام.

٣٠٣

الحصر الوارد في بعض الروايات الواردة في العيوب على ما يأتي في المسألة الآتية ، فإنها ظاهرة في نفي الخيار في غير العيوب المذكورة في الرواية ، نعم له أنْ يطلقها بل يجب عليه في الفرض المذكور. وأما للزوجة فلا يبعد ثبوت الخيار له لقاعدة لا ضرر التي استدل بها لثبوت بعض الخيارات في باب المعاملات ، ولقاعدة نفي الحرج (١).

وأي ضرر من ابتلائها بالمرض المهلك أو تدهور صحتها شديداً وفي مرض الايدز بحرمانها من لذّة الجماع ما دام العمر ، إلاّ أنْ تلتذ بالدخول ولو مع استعمال الزوج الرفال والعازل الذكري ، وقلنا بكفاية ذلك لحقها ، فلا خيار لها حينئذٍ. إلاّ أنْ يقال : إنّ زوجها في معرض الموت فلها الخيار من هذه الجهة ويلحق بالايدز كل مرض مهلك سريع ، فتأمل.

وغاية ما في الباب أنْ يأمر الحاكم الشرعي الزوج بالطلاق احتياطاً فان عصى تفسخ هي النكاح ويطلقها الحاكم ولاية احتياطاً.

وعدم ذهاب مشهور فقهائنا إلى ثبوت الخيار بالاَمراض المعدية أولاً غير ثابت ، لاَنّ كثيراً منهم لا تصنيف لهم أو لم تصل إلينا مصنفاتهم وتأليفاتهم. وثانياً أنّ ضرر الاَمراض المعدية لم يكن واضحة للناس والفقهاء. وثالثاً أنّه غير مانع عن الفتوى بالدليل ، وهو قاعدتا نفي الحرج

__________________

(١) هذا بناء على عدم شمول صحيح الحلبي الآتي المروي في الفقيه في المسألة الآتية لعيوب الرجل كما عن جماعة ، وعليه فالحصر فيه ثابت في الرجل وانه لا يرد النكاح إلاّ من عيوب ، وأمّا بناءً على الارجح من شموله لعيوب كل من الزوجين وجواز رد النكاح لكلّ منهما فالحصر ثابت لكليهما ، فيمكن أنْ يرفع اليد عنه هنا لقاعدتي نفي الحرج والضرر كما رفع اليد عنه في بعض الموارد الاَُخر كما ستعرف ، وهاتان القاعدتان جاريتان في حق الرجل والمرأة. إلاّ أنْ يقال : إنّ جواز الطلاق من طرف الزوج يمنع عن جريان قاعدة الحرج والضرر ، فتأملّ.

٣٠٤

والضرر الرافعتان للزوم العقد بالنسبة إليها وأمّا ما في الجواهر من قول مؤلفه الكبير رحمه الله : على أنّ العدوى مع اقتضائها التعدية إلى كل مرض معدٍ مما لا يقول به الخصم يمكن رفعه بايجاب التجنب (١) ، فهو ضعيف فإنّ الزوجية التي يجب تجنب أحدهما عن الآخر فيهما حرجية أشد الحرج ، وأي فائدة لهذا الزواج الفاقد للسكون والمودة والرحمة؟! وليس هو من الامساك بالمعروف.

وربما يتمسك لخيارها بقوله تعالى : ( الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان ) (٢).

وبمكن أنْ نتمسك له أيضاً بقوله تعالى : ( وإذا طّلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ) (٣). إذ لا فرق بين الامساك المسبوق بالطلاق بعد الرجوع وبين الامساك الابتدائي المسبوق بالنكاح في الحكم ، ومعلوم أنّ إمساك الزوجة من قبل الزوج المبتلى بالعدوى أو المريض بالمرض المهلك قريباً في أول الزواج ليس بمعروف. وإذا قصد الزوج المريض بامساكها إضرارها فهو مدول قوله تعالى : ( ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ).

لكن الكلام أولاً أنّ هذا كله يوجب الخيار لها أو أنه يسبب جواز إجبار الحاكم الزوج على الامساك بالمعروف وعدم الامساك للاعتداء ، وثانياً

__________________

(١) الجواهر ج ٣٠ ص ٣٣٠.

(٢) ويحتمل أنّ المراد من الامساك بالمعروف هو الامساك لسكون النفس اليها لا لاخذ المهر منها كلاً أو بعضها كما قال تعالى بعد ذلك ( ولايحل لكم أن تاخذوا مما آتيتموهن شيئاً ) ، إلاّ ان يقال ان الاطلاق لا يقيد بالاحتمال وقوله لا يحل لكم حكم آخر لا عين الامساك بالمعروف فانه خلاف الظاهر.

(٣) البقرة آية ٢٣١.

٣٠٥

في أنّه لو لم يقبل الزوج أمر الحاكم ولم يطلقها أو لم يصلح شأنه ـ إذا كانت المشكلة اختيارية غير قهرية كالامراض المعدية ـ فما هو الموقف؟ هل يثبت الخيار للزوجة أو يطلقها الحاكم ولايةً عليه؟

ثمّ إذا لم يتم الاستدلال بالآيات ولا بقاعدتي نفي الضرر والحرج بل ولا بقاعدة نفي العسر على ثبوت الخيار لها يمكن أنْ نثبته لاَجل التدليس ، فإنّ المرأة لو علمت بحال خاطبها وأنّه مبتلى بالعدوى والمرض المهلك لما رضيت بالزواج منه قطعاً (١) ، اللّهم إلاّ بعض النساء لاغراض خاصة ، وهو نادر ، والسلامة من مثل هذه الامراض وان لم تشترط صريحة في العقد لكنها مما يبنى الزوجان عليها ويجريان عقد النكاح عليها ، ولا فرق على الاَظهر بين الشرط المذكور صريحاً في العقد وبين الشرط المبني عليه العقد ، وسيأتي في المسألة الآتية بعض الكلام حول التدليس إن شاء الله.

٨ ـ لا يجب على الزوجة التمكين من الزوج المريض إذا احتملت الضرر المهم بالمباشرة وربما لا يجوز إذا كان الضرر مهلكاً أو شبهه ، كما لا يجب على الزوج وطء الزوجة المريضة بالايدز ونحوه لذلك إذا كان احتمال الضرر بعد تثبيته راجحاً عند العقلاء ، وبالجملة : حرمة الاضرار بالنفس أهم من وجوب أداء حق الزوجين ، فتقدم عليه عند التزاحم ، نعم لا مانع من سائر الاستمتاعات في مرض الايدز لما سبق من عدم نقل العدوى بها. وكذا يجب أداء حق الزوجين في الوطء إذا اطمأنا بقول الطبيب الثقة الماهر بعدم العدوى مع استعمال الرفال والعازل الذكري.

وعلى الجملة : ليس البحث في الصغريات وكيفية العدوى وإنّما

__________________

(١) وسكوت الزوج عن مرضه مع بناء الناس على اصالة الصحة وغفلة الزوجة عن احتمال مرضه تدليس.

٣٠٦

البحث في أصل كلي وأنّ حفظ الضرر المهم مقدم على حقوق الزوجين ، وتشخيص الضرر كماً وكيفاً موكول إلى الطب.

٩ ـ لا يجوز دخول المرضى بالامراض المعدية في المدارس والمعامل والدوائر ، ويجب على أولياء الاَطفال منعهم عن المدارس ، وأما المصابون بالايدز فلا بأس بذهابهم بين الناس مع الرقابة على مسألة الدم والمباشرة.

١٠ ـ لا يجب عزل الصبي عن أُمه المصابة بالايدز ، بل لا يجوز ، لحق الحضانة ، وذلك لما مر من عدم نقل العدوى باللبن مع التحفظ على مسألة الدم ، والاَحسن عدم إيجار المرضعة المصابة بالايدز ، نعم يجب عزله عن الاَُم المصابة بمرض يعدي باللبن أو بالتماس الجسمي ويسقط حق حضانتها.

١١ ـ لا يجوز إجهاض الجنين المصاب بالايدز بعد تعلق الروح به قطعاً ، واما قبله فان كانت الاصابة به مظنونة فكذلك ، وإنْ كانت مقطوعة طباً فالحكم بجواز اجهاضه مشكل جدّاً ، وان فرض موته أثناء سنة بعد ولادته.

١٢ ـ إذا فرضنا قيام فئة ـ من الرجال أو النساء ـ بأمر حكومات كافرة عدوة للمسلمين بنشر الايدز بين المسلمين ، فحكم هؤلاء الفئة حكم الساعين في الارض فساداً.

١٣ ـ ليس كل مصاب بالايدز مجرماً ، لاَنّه قد ينتقل المرض إليه من دون تقصير له ولا تخلف عن حكم شرعي ، فلا يجوز بهم سوء الظن.

١٤ ـ هل يجوز اشتراط السلامة من الايدز وكل مرض معدي في النكاح؟ الظاهر عدم المانع منه.

٣٠٧

١٥ ـ هل يحق للدولة تحتم الفحص عن الايدز بل عن كل مرض معد عن كل من يريد التزويج والتزوج ، وان استلزم مؤنة كثيرة على الزوجين؟ الاَُولى إحالة هذا الحكم إلى الحاكم الشرعي فيحكم باللزوم أو عدمه حسب شرائط الظروف والوضع الصحي ، وقيل : إنّ في خلال الاشهر الثلاثة الاَُولى من العدوى يمكن أنْ لا يظهر الايدز.

١٦ ـ قيل : إنّه لا مانع من زواج المصاب والمصابة بالايدز لعدم الضرر عليها حنيئذٍ ، وقيل : إنّ جماعهما يمكن أن يساعد على اضعاف صحة كل منهما ، وبالتالي يمكن ان تظهر ذرية جديدة مصابة بالايدز ، وتظهر وحدات جديدة للفيروس ، إنّ فيروس الايدز يغير جلده من آن إلى آخر (١).

أقول : إذا كان احتمال الضرر المزيد ثبت طبياً وكانت الزيادة خطيرة فلا يبعد تحريم الوطء عليهما.

ثم إنّه يمكن أنْ يقال : إنه لا فرق في الحكم بين نقل فيروس الايدز إلى انسان سالم وبين توليد انسان مريض بالايدز من الاَوّل ، فإنّ العقل يقبّح كليهما ، وعليه فلا يحل للزوجين ما يوجب حمل الزوجة بجنين يعلمان ابتلائه بالايدز ونحوه من الامراض المهلكة ، والله العالم.

١٧ ـ هل يضمن الطبيب إذا نقل العدوى إلى سالم عمداً أو سهواً؟ تقدم بحثه مفصلاً في المسألة الثالثة في أوائل الكتاب فلا نعيده هنا ، فلاحظ.

١٨ ـ هل يجوز للمصاب أو المصابة الاحبال والحمل إذا لم يعلما

__________________

(١) ص ٣٢٧ رؤية اسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الايدز.

٣٠٨

بابتلاء الجنين بالمرض والاَصل عدم ابتلائه به بعد ما تقدم في المسألة السابقة من كون نسبة إصابة الجنين بالايدز غير عالية؟ فيه وجهان.

١٩ ـ ولو اختلف الزوجان فرغب أحدهما في الحمل وامتنع الآخر عنه ، فالظاهر أنّه لا وجه لاجبار الممتنع لا سيما في مثل الايدز ، فتفطر القلب حزناً وأسىً على الوليد الذي يتمزق ويحترق ، ولا علاج له ولا دواء.

٢٠ ـ هل مرض الايدز مرض الموت؟ ومرض الموت يمنع فيه المريض عن التبرعات المنجرة الزائدة عن الثلث في ماله عند جمع كثير من فقهائنا المحققين رضي الله عنهم (١) ، فتشخيصه مهم ومفيد.

قال بعض الفضلاء من أهل السنة (٢) : إنّ الفقهاء اختلفوا في التعريف بمرض الموت اختلافاً كثيراً لا يرجع إلى نصّ من كتاب وسنة وإنّما مردّه إلى الاجتهاد والنظر ، فقال بعضهم : مرض الموت هو الذي يقعد الانسان عن عمله المعتاد في حال الصحة ... وعن ابن عابدين ـ إنْ علم أنّ به مرضاً مهلكاً غالباً وهو يزداد إلى الموت فهو المقبر ، وإنْ لم يعلم أنه مهلك يعتبر العجز عن الخروج للمصالح ... ( رد المختار ٢ / ٧١٦ ) وقيدته مجلّة الاَحكام العدلية ( ١٥٩٥م ) بأنْ يموت المريض قبل مرور سنة من الاصابة به ، وقيل غير ذلك.

وقال أيضاً : والذي يستخلص من كلام جمهور الفقهاء وتقريرات محققيهم أنّ مرض الموت هو المرض المخوف الذي يتصل بالموت ولو لم يكن الموت بسببه ( الام للشافعي ٤ / ٣٥ ـ مغني المحتاج ٣ / ٥٠ ) فعلى هذا يشترط لتحققه أنْ يتوافر فيه وصفان :

__________________

(١) الجواهر ج ٢٦ ص ٦٣.

(٢) ص ٤٦١ رؤية اسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الايدز.

٣٠٩

أحدهما : أنْ يكون مخوفاً ، أي يغلب الهلاك منه عادة أو يكثر ... ويكفي الآن وقد تقّدّم علم الطب أنْ يرجع إلى الاَطباء الخبراء في طبيعة المرض وأعراضه.

ثانيهما : أنْ يتّصل المرض بالموت سواء وقع الموت بسببه أم بسبب آخر خارجي عن المرض كقتل أو غرق أو حريق أو تصادم أو غير ذلك.

وألحقوا بالمريض مرض الموت في الحكم اشخاصاً في حالات مختلفة ليس فيها مرض أو اعتلال صحة وإنما توافر فيها الوصفان المشترطان.

١ ـ ما إذاكان الشخص في الحرب والتحمت المعركة واختلطت الطائفتان في القتال ، قالوا : فإنّ توقع التلف هنا كتوقع المرض أو أكثر.

٢ ـ ما إذا قدم الشخص للقتل سواء أكان ذلك قصاصاً أو غير ذلك.

٣ ـ الاسير والمحبوس إذا كانا من العادة أنْ يقتلا.

٤ ـ ما إذا ركب البحر وتموج واضطرب وهبت الريح وخاف الغرق فهو مخوف.

أقول : يلحق به راكب السيارة والطائرة في بعض الحالات.

٥ ـ المراة الحامل إذا اتاها الطلق ( بناء على شرائط الظروف القديمة ).

ويشترط في هذه الحالات كلها وما أشبهها أنْ يتّصل حال خوف الهلاك الغالب أو الكثير بالموت حتّى تلحق بمرض الموت.

وقال : بناء على هذا فإنّه يمكننا اعتبار المصاب بمرض الايدز في مرض الموت نظراً لتوفر مناط التعليل فيه ( كونه مخوفاً واتّصاله بالموت ).

وقال بعض آخر من أهل العلم من أهل السنة (١) : مرض الموت هو

__________________

(١) ص ٥٢٣ نفس المصدر.

٣١٠

المرض الذي يعقبه الموت ... ومرض الايدز يمر بمراحل مرحلة الاصابة ، مرحلة الكمون ، مرحلة التهيج والقضاء ... وفي هذه المرحلة فقط يمكن اعتباره مرض الموت ( فإنّه يصل إلى حد انهاك الجسم وقتل قوة المناعة في الجسم أو ظهور أمراض عصبية قاتلة ).

أقول : الظاهر أنّ كل مَن يقول بأنّ مرض الايدز مرض الموت يقصد هذه المرحلة ، ولا بد أنْ يكون كذلك.

وأما إلحاق الاشخاص الآخرين الذين ذكرنا اسماءهم في الموصوفين بمرض الموت ففيه بحث فان ما استدل به لمنع نفوذ التبرعات الزائدة عن الثلث في المال من الاحاديث الواردة من طريق الشيعة ليس الموضوع فيها مرض الموت ، بل في جملة منها « عند موته » ، وفي بعضها « حضره الموت » وفي بعضها ـ في حق المرأة ـ « في مرضها » وعلى هذا فلا يبعد شمول قوله عليه السلام « عند موته » أولئك الاَشخاص ومن يشابههم بلا حاجة إلى الالحاق. والعمدة في المقام هو البحث عن دلالة تلك الاَحاديث على منع التبرعات المذكورة ولكنها لا تخلو عن نظر ، ولذا ذهب الآخرون إلى صحتها ، وتحقيقه لا يناسب هذا الكتاب فارجع إلى الكتب المبسوطة.

وعلى كلّ ليس عنوان مرض الموت مذكوراً في الاَحاديث المعتبرة ظاهراً ، فإنْ قلنا بحجر المريض عن التبرعات المذكورة فلابدّ من الاكتفاء على القدر المتيقن ، وفي غيره يرجع إلى صحتها لبطلان القياس عندنا.

٣١١

المسألة الثامنة والثلاثون

في العيوب المجوزة لفسخ النكاح

نذكر أوّلاً الاحاديث المعتبرة سنداً ونذكر بعض الاَحاديث غير المعتبرة أيضاً لعلّة ما ، ولكن نصرّح بضعفها أو النظر فيها ، ونحن لا نرى في الاحاديث الضعيفة سنداً ، اعتباراً وحجية فلا نعتمد عليها.

١ ـ صحيح عبد الرحمن بن أبي عبدالله في الكتب الاَربعة عن أبي عبدالله عليه السلام قال : المرأة تُرد من أربعة أشياء من البرص والجذام والجنون والقرن و ( هو ـ كا ـ تهذيبين ) العفل (١) ما لم يقع عليها ، فاذا وقع عليها فلا (٢).

أقول : أي إذا وقع عليها بعد علمه بالعيب فلا تُرد المرأة كما يفهم مما يأتي.

٢ ـ صحيح الحلبي المروي في الكافي عن أبي عبدالله عليه السلام قال سألته عن رجل تزوج الى قوم فاذا امرأته عوراء ولم يبينوا له؟ قال : يُرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل (٣).

أقول يمكن أنْ يقال : إنّ مفاده مفاد الحديث السابق في أنّ العيوب عيوب المرأة فقط ، أما أولاً فلذكر كلمة العفل الخاص بالمرأة ، وأمّا ثانياً فلاحتمال كون الفعل المضارع ( يرد ) مبني للفاعل والضمير المستتر

__________________

(١) العفل نبات لحم ينبت في قبل المرأة وهو القرن كما قيل.

(٢ و ٣) ص ١٦٧ ج ٢١ جامع الاحاديث.

٣١٢

المرفوع فيه يرجع الى الرجل ، وعليه فلا يدلّ الحديث على أنّ هذه العيوب في الرجل أيضاً ، تجوز الخيار والرد.

ورواه في الفقيه عن حمّاد عن الحلبي هكذا : عن أبي عبدالله عليه السلام أنّه قال في رجل يتزوج الى قوم فاذا امرأته عوراء ولم يبنوا له ، قال : لا ترد (وقال ـ ئل) إنما يُرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل ، قلت : أرأيت إنْ كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال : لها المهر بما استحل من فرجها ويغرم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق اليها (١).

ورواه الشيخ في التهذيبين عن حماد لكن طريقه اليه غير مذكور في المشيخة (٢) ، ولا عبرة بالطريق المذكور في فهرسته على ما حققناه في محله.

ثم إنّ اسم حماد منصرف الى ابن عثمان أو ابن عيسى ، وطريق الصدوق الى كليهما معتبر في مشيخة الفقيه (٣).

ثم أنّ احتمال كون الفعل ( يرد ) هنا مبنياً للمفعول أقرب أو انسب ، فان الفعل السابق ( ترد ) كذلك جزماً (٤).

لا يقال : إنّ الكلام في عيوب المرأة فلا يشمل عيوب الرجل.

فانه يقال : العبرة باطلاق كلام الامام عليه السلام دون كلام السائل ، على أنّ

__________________

(١) ص ١٦٧ وص ١٦٨ نفس المصدر.

(٢) نفس المصدر.

(٣) وفي نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى تصريح بأنّه ابن عثمان ، وهو مؤيد لا دليل لان النوادر لم تصل الى المجلسي والحر رحمهما الله بسند معتبر.

(٤) لكن في الجواهر (ص ٣١٩ ج ٣٠) نقل الحديث هكذا : لا يرد. أي بصيغة الغائب المذكور فيحتمل كونه مجهولاً كما يحتمل كونه معلوماً لكن في ص ٣٦٣ ج ٣٠ ضبطها بـ : لا ترد فلعل الاَول من غلط الطابع أو الكاتب.

٣١٣

الانسب على فرض إرادة عيوب المرأة فقط التعبير بـ : « انما ترد من البرص » دون التعبير بـ : « انما يرد النكاح » ، واختصاص العفل بالمرأة لا ينافي ارادة الرجل والمرأة كما لا يخفى ، وسؤال الراوي بعد ذلك سؤال مستقل يتعلق ببعض مصاديق الجواب وهذا الوجه عندي أظهر بلحاظ الحديث وعليه فهذه العيوب مجوزة للرد سواء كانت في المرأة أو في الرجل ، والله تعالى أعلم وإنْ قال صاحب الجواهر ( ج ٣٠ ص ٣١٩ ) : ولعلّه لذا ( أي لاحتمال كون الفعل معلوماً ورجوع الضمير الى الرجل ) لم يحكم الاكثر كما ستعرف بالخيار لها في الجذام والبرص ... وعلى كلّ حال فالاستدلال ، لا يخلو عن اشكال ، انتهى. أقول : لكن المشهور قالوا بخيارها بجنونه.

وعلى كلّ مقتضى الحصر عدم جواز ردّ النكاح عن غير هذه العيوب.

٣ ـ صحيح أبي عبيدة المروي في الكافي عن أبي جعفر عليه السلام ، قال في رجل تزوج امرأة من وليها فوجد بها عيباً بعد ما دخل بها؟ قال : فقال : إذا دلست العفلاء ( نفسها ) والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها ( من يب ) زمانة ظاهرة فانها تُردّ على أهلها من غير طلاق ويأخذ الزوج المهر من وليها الذي كان دلسها ، فان لم يكن وليها علم بشيء من ذلك فلا شيء ( له ) وترد الى أهلها. قال : وان اصاب الزوج شيئاً مما أخذت منه فهو له ، وان لم يصب شيئاً فلا شيء له. وقال : وتعتد منه عدة المطلقة ان كان دخل بها وان لم يكن دخل بها فلا عدة عليها ( له ـ يب ) ولا مهر لها (١).

٤ ـ صحيح داود بن سرحان المروي في التهذيب عن أبي عبدالله عليه السلام في الرجل يتزوج المرأة فيوتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء ، قال : ترد

__________________

(١ و ٢) ص ١٦٩ ج ٢١ جامع الاحاديث.

٣١٤

على وليها ويكون لها المهر على وليها ، وان كان بها زمانة لا يراها الرجال أُجيزت شهادة النساء عليها (١).

٥ ـ معتبرة غياث عن جعفر عن أبيه علي : في رجل تزوج امرأة فوجدها برصاء أو جذماء ، قال : إن كان لم يدخل بها ولم يبيّن له ، فان شاء طلق وان شاء امسك ولا صداق لها وإذا دخل بها فهي امرأته (٢).

أقول : يحمل الطلاق على معناه اللغوي والدخول على الدخول بعد العلم بالعيب جمعاً بينه وبين ما مرّ.

٦ ـ صحيح معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة فعلم بعد ما تزوجها انها كانت زنت ، قال : إنْ شاء زوجها أنْ يأخذ الصداق من الذي زوجها ولها الصداق بما استحل من فرجها ، وان شاء تركها (٣)

أقول : ظاهر الحديث هو تخيير الزوج بين رد الزوجة وتركها لا بين أخذ المهر وعدمه.

٧ ـ صحيح أبي الصباح قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة فوجد بها قرناً؟ قال : فقال : هذه لا تحبل ولا يقدر زوجها على مجامعتها ، يردها على أهلها صاغرة ولا مهر لها ، قلت : فان كان دخل بها؟ قال : إنْ كان علم بذلك قبل أنْ ينكحها ـ يعني المجامعة ـ ثمّ جامعها فقد رضي بها ، وان لم يعلم إلاّ بعد ما جامعها ، فإنْ شاء بعد أمسك ، وإنْ شاء طلق (٤).

__________________

(١) ص ١٦٩ ج ٢١ جامع الاحاديث.

(٢) ص ١٧٠ نفس المصدر.

(٣) ص ١٦٥ المصدر.

(٤) ص ١٧١ المصدر.

٣١٥

فالمستفاد من هذه الاَحاديث التي اعتمدنا عليها لاعتبار اسنادها أُمور :

١ ـ للزوج ردّ زوجته عن البرص والجذام والجنون والعفل والقرن وهذا مما لا اشكال فيه ، وكذا له ردها عن الافضاء والزمانة إذا دلست للحديث الثالث ، وكذا له رد العمياء والعرجاء للحديث الرابع ، ومن زنت قبل الزواج للحديث السادس ، فله خيار الفسخ بهذه العيوب إذا لم يكن عالماً بها قبل العقد أو لم يدخل بها بعد العلم بها ، وإلاّ فلا خيار له.

٢ ـ ألحق المشهور كما في الجواهر (١) الرتق بالعيوب المذكورة ، وقال صاحب الجواهر رحمه الله : بل الظاهر دخوله في العفل ، وهو كون الفرج ملتحماً على وجه ليس للذكر مدخل فيه.

أقول : الحديث السادس يشمله بمدلوله المطابقي.

وعن الغزالي إلحاق ضيق المنفذ زائداً على المعتاد بحيث لا يمكن وطؤها إلاّ بافضائها به (٢) ، ونفى البأس عنه في الجواهر (٣).

أقول : وهو كذلك للحديث السادس.

٣ ـ وفي محكي المصباح أن الزمانة مرض يدوم زماناً طويلاً. وعن الصحاح أنها آفة تكون في الحيوانات ، ورجل زمن أي مبتلى بين الزمانة. وفي المنجد : الزمانة : العاهة ، عدم بعض الاعضاء ، تعطيل القوي ، الحب.

وقيل : إنّ المتبادر في أعصارنا منها الاقعاد والاصل عدم النقل ، والظاهر هو مدرك فتوى السيد الاستاذ الخوئي قدس سره حيث فسره في كتابه توضيح المسائل بـ زمين گير ، ولكنه ضعيف فان قوله في صحيح ابن

__________________

(١) ص ٣٣٧ ج ٣٠.

(٢) جواهر الكلام ج ٣٠ ص ٣٣٨.

(٣) ص ٣٣٨ ج ٣٠.

٣١٦

سرحان « وان كن بها زمانة لا يراها الرجال ». ظاهر في ارادة الاعم من الاقعاد فإنه يراه الرجال والنساء معاً ، والظاهر أنّ الامام بعد ما ذكر العرجاء البرصاء والعمياء ـ وهي من الزمانة الظاهرة للرجال والنساء ـ أراد أنْ يذكر الزمانة المخفية على الرجال ، لكن لا دليل على تعيين الزمانة المقصودة للامام عليه السلام في هذا الخبر ولا يصح الالتزام بها إذا فسرناها بمطلق العاهة الطويلة زماناً ، نعم الاقعاد من اظهر مصاديقها ولعله المراد في صحيح أبي عبيدة ولعل هذا الصحيح هو مدرك سيدنا الاستاذ في فتواه ، ويمكن ان نحمل عليه ما في صحيح ابن سرحان ونقول إنّ الاقعاد ربما يكون ظاهراً للرجال والنساء ، وربما لا يظهر إلاّ على النساء لاحتياج معرفته لمزيد الدقة الموقوف على خلع الخمار ، لكن فيه اشكال وبحث.

وأمّا شمولها للاَمراض المعدية المهلكة التي لا علاج لها كالايدز مثلاً إذا تحول من الكمون الى المرض ففيه وجهان ، من صحة الانطباق ، ومن عدم ذهاب المشهور إليه.

وفي شمولها لمقطوعة اليد أو الرجل أو الاذنين أو مجدوعة الانف أو مقطوعة الشفتين ومنحنية الظهر ومن لا شعر على رأسها وجهان أيضاً ، من صدق الزمانة ـ ولو مع الاَخذ بمصاديق الزمانة الظاهرة ـ ، ومن أولوية بعضها من العرجاء ، ومن عدم فتوى المشهور بثبوت الخيار ، فتأمّل.

٤ ـ لم ينقل عن المشهور جواز الفسخ بزناها قبل العقد خلافاً الظاهر الحديث السابع (١) ولا بوضع حملها من الزنا قبل العقد خلافاً الصحيح الحلبي (٢) ، ولا بزناها بعد العقد وقبل الدخول مع قول الكاظم عليه السلام

__________________

(١) لاحظ ص ١١٧ ج ٣٠ الجواهر.

(٢) لاحظه في ص ٦٠١ ج ١٤ الوسائل.

٣١٧

في صحيح الفضيل بن يونس : يفرق بينهما وتحد الحد ولا صداق لها ، ولا بزناه بعد العقد مع دلالة صحيحة علي بن جعفر على التفريق بينه وبين أهله ، نعم التفريق غير الخيار كما لا يخفى ، لكن المشهور لم يقل به ظاهراً ولعله لصحيحة رفاعة أنّه لا يفرق بينهما إذا زنى قبل أنْ يدخل بها (١) في خصوص زنا الرجل ، ولا بد لتحقيق هذا الموضوع من الرجوع الى الكتب الفقهية المفصلة.

٥ ـ تعرضت جملة من هذه الروايات لحكم المهر ورده ، ولا موجب لبحثه هنا ، ومَن شاء التحقيق فيه فعليه الرجوع الى المطولات الفقهية.

هذا كله ما يتعلق بعيوب المرأة. وأما عيوب الرجل الموجبة لخيارها والمجوزة لرد الزوج فقد ثبت بعضها في ما سبق وهو البرص والجذام والجنون على الاظهر.

وأما البقية فإليك نقل أحاديثها المعتبرة :

١ ـ موثّقة سماعة عن الصادق عليه السلام أنّ خصياً دلس نفسه لامرأة ، قال : يفرق بينهما وتأخذ المرأة منه صداقها ويوجع ظهره كما دلّس نفسه (٢).

٢ ـ موثّقة بكير المروية في الكتب الاَربعة عن أحدهما عليه السلام في خصّي دلّس نفسه لامرأة مسلمة فتزوجها ، فقال : يفرق بينهما إنْ شاءت ( المرأة ) ويوجع رأسه ، وان رضيت ( به ) واقامت معه لم يكن لها بعد رضاها ( به ) أنْ تأباه (٣).

__________________

(١) ص ٦١٦ المصدر.

(٢) ص ١٧٣ ج ٢١ جامع الاحاديث.

(٣) ص ١٧٣ ج ٢١ جامع الاحاديث.

٣١٨

٣ ـ صحيح أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن امرأة أبتلى زوجها فلا يقدر على الجماع أتفارقه؟ قال : نعم إنْ شاءت (١).

أقول : مدلول الحديث أنّه إذا عجز الزوج ـ بأي سبب كان ـ عن الجماع فللزوجة الخيار ، وبطريق أولى يثبت لها الخيار إذا كان الزوج عاجزاً عنه قبل الزواج ، وهو ظاهر. ويعارضه الحديث السابع على وجه.

٤ ـ موثّقة عمار عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن رجل أخذ عن امرأته فلا يقدر على اتيانها ، فقال : إن كان لا يقدر على اتيان غيرها من النساء فلا يمسكها إلاّ برضاها بذلك وإنْ كان يقدر على غيرها فلا بأس بامساكها (٢).

أقول : في الحديث احتمالان :

الاَوّل : أنّ التفصيل ناظر الى وظيفة الزوج في جواز الامساك مطلقاً أو مشروطاً برضاها ، وأما المرأة فلها الفسخ سواء قدر هو على غيرها أم لا عملاً بالحديث الاَوّل.

الثاني : أنّ القدر المتيقن في مقام التخاطب في التفصيل هو فرض أخذ الزوج عن زوجها ، وقد فسره بعضهم بالسحر. وفي المنجد : اخذه : سحره ، الاخذة رقية كالسحر يؤخذ بها. ويحتمل كونه مقيداً لاطلاق الحديث السابق ولكن لا اعتمد على التقييد المحتمل المذكور على نحو الاطلاق بل في خصوص المسحور كما عرفت.

٥ ـ صحيحة محمّد بن مسلم ـ على المشهور ـ عن أبي جعفر عليه السلام قال : العنين يتربص به سنة ، ثم إن شاءت امرأته تزوجت وان شاءت

__________________

(١) ص ١٧٥ نفس المصدر.

(٢) ص ١٧٥ نفس المصدر.

٣١٩

أقامت (١).

أقول : في طريق الشيخ الى الحسين بن سعيد اشكال ذكرناه في كتابنا بحوث في علم الرجال ( الطبعة الثالثة ) فما لم أفز على حله لا اعتمد على ما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد كهذه الرواية.

٦ ـ موثّق حسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام أنه كان يقضي في العنين أنْ يؤجل سنة من يوم ترافعه الامرأة (٢).

أقول : لا دليل على وصول نسخة من مصدر هذه الرواية ـ وهو كتاب قرب الاسناد ـ الى المجلسي والحر ـ رحمهما الله ـ بسند معتبر ، بل الظاهر أنّهما ينقلان عنه وجادة ، ولا اعتبار به.

٧ ـ موثّقة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليه السلام ان علياً كان يقول : إذا تزوج ( الرجل ) امرأة فوقع عليها مرة ثم أعرض عنها فليس لها الخيار لتصبر فقد ابتليت وليس لامهات الاَولاد ولا للاماء ما لم يمسها من الدهر إلاّ مرة واحدة خيار (٣).

أقول : قوله عليه السلام : « ثمّ اعرض عنها » فيه إجمال وغير ظاهر في مَن عجز عن الوطء ، فلاحظ. وعلى تقدير إرادته منه فهو معارض بالحديث الثالث.

٨ ـ صحيح أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : ... وهي بكر فزعمت أنّه لم يصل إليها فان مثل هذا تعرف ( تعرفه ) النساء فلينظر إليها من يوثق به منهن فاذا ذكرت أنّها عذراء فعلى الاِمام أنْ يؤجله سنة ( واحدة ) فان وصل إليها وإلاّ فرق بينهما واعطيت نصف الصداق ولا عدة

__________________

(١ و ٢) ص ١٧٦ نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر والحديث لا يخلو عن اجمال ويمكن ان نجعل ذيله قرينة على ارادة الامة من صدره والله العالم.

٣٢٠