الفقه والمسائل الطبيّة

الشيخ محمد آصف المحسني

الفقه والمسائل الطبيّة

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٣

أثناء عملية جراحية أو أسباب أُخرى في الغدد الاَُخرى ، وربما يتأخر سن اليأس الى ما بعد سن الخامسة والخمسين والحيض ، فاذا كان الطمث منتظماً فلا بأس من ذلك ، لكن اذا حدث تغيير في كميته وأصبح غير منتظم وجب استشارة الطبيبة النسائية ، إذ ربما يكون ذلك لاَخذ هرمونات أُنثوية أو وجود أورام حبيثة (مثل الاَورام الليفية) وأورام سرطانية بالرحم أو أورام على المبيض ... (١).

أقول : مطالب هذه المسألة تحتاج الى توضيح طبي أكثر من ذلك ، ثم إلى تفكيك استنباط الاَطباء الحدسي والاِحصائيات غير البالغة حد الثبوت اليقيني عن ما يشاهد حساً بالآلات الحديثية. والذي يصلح للاعتماد عليه في الفقه وتحديد الاَحكام وحتّى تأويل النصوص المخالفة هو الثاني لا غير ، فإنّ الاستنباط الحدسي أو الاِحصاء الظني غير حجّة لاَحد.

( الفصل الرابع ) : في المباحث الفقهية المتعلّقة بالمقام ، وهي ثلاثة على ما يخطر ببالي عاجلاً :

( الاَوّل ) : تحديد سن اليأس وانتهاء الحيض ، فإنّ الفقهاء اختلفوا فيه على أقوال ثلاثة : فعن المشهور أنّ المرأة غير القرشية (٢) وغير النبطية تيأس ببلوغ الخمسين سنة ، وأما هما فبلوغ ستين سنة ، وعن جمع أنّ يأس مطلق النساء ببلوغ الخمسين بلا فرق بين القرشية والنبطية وبين غيرهما ، وعن العلامة رحمه الله ـ في بعض كتبه ـ أنّه ببلوغ الستين مطلقاً من مبدء ولادتها (٣).

ولا دليل معتبر على واحد من هذه الاَقوال رغم ادعاء بعض الفقهاء

__________________

(١) ص ٤٣٤ الى ص ٤٣٦ نفس المصدر.

(٢) القرشية : المنتسبة الى النضر بن كنانة.

(٣) لاحظ ص ١٦١ ج ٣ من الجواهر.

٢٤١

صحّة بعض الاَحاديث المستدلّ بها سنداً ، فإنّه اشتباه على الاَقوى.

( الثاني ) : هل للحيض حقيقة ممتازة طبياً عن دم الاستحاضة (١) ودم النفاس ودم البكارة ودم القرحة ونحوها؟ فاذا ثبت ذلك طبياً لابد للفقهاء والنساء اللاتي يحضن من الرجوع الى الطبيبات أو الاَطباء الاختصاصيين بذلك ، فإنّهم أهل الخبرة وهم أهل الذكر في المقام.

ولدم الحيض أحكام الزامية كثيرة وتشخيصه مهم جداً بحسب الشرع كحرمة الدخول والمكث في المساجد ، وسقوط الصلاة ، ووجوب قضاء الصوم وسقوط وجوب ادائه ، وغير ذلك ومع تعيينه طبياً وقطعياً لا يجب بل لا يسوغ الرجوع الى الامارات الظنية وان كانت منصوصه فانها مختصة بفرض عدم العلم بالواقع.

تقول طبيبة : لا يمكن التفرقة بين دم الحيض ودم الاستحاضة لاَنّ المصدر واحد والتثمين واحد ولكن يمكن التفرقة بالفحص الاكلينكي ودراسة التاريخ بين المرضى واستبعاد أي حمل أو استبعاد أي مرض آخر موجود (٢).

ثم تقول : قد يكون هنا اختلاف دقيق ولكن في اللون والشكل ، وقد يكون هناك اختلاف كيمياوي دقيق كوجود زيادة بعض الانزيمات ، ولكن هذا لا نستعمله في الاَحوال العادية في المختبرات للبحث أو للتفرقة (٣).

وقال طبيب : إنّ الحيض والاستحاضة تعبير فقهي لبيان أحكامهما الشرعية ، ولا فرق بينهما.

__________________

(١) المستفاد من بعض الاحاديث تغير دم الاستحاضة والحيض ماهية.

(٢) ص ٦٨٠ الرؤية الاسلامية لبعض الممارسات الطبية.

(٣) ص ٦٨٤ نفس المصدر.

٢٤٢

وقال طبيب آخر : أنا أعرف هرمونا بالتحديد اسمه « بروستجلاندين » هذا الهرمون لا شكّ هو الهرمون المسبب لدم الحيض هو الهرمون الذي يجعل الرحم يتقلص لخروج دم الحيض فأنا أتوقع أنه في حالة دم الحيض بالذات تكون نسبته عالية أما في حالة دم الاستحاضة تكون نسبته قليلة ، فهذا من ضمن الاشياء التي نستطيع أن نأخذها من باب البحث والدراسة (١).

فاذا وفّق الطب يوماً للتحديد النهائي الواضح بين الحيض وسائر الدماء فينفع الفقه والفقهاء ، ومن جملة ما ينتفع به هو سن اليأس ونهاية دم الحيض ، ولها ثمرات وفوائد فقهية للنساء المتدينات. بل تنتفع به جميع الحوائض في كل شهر وكذا أزواجهن.

( الثالث ) : بلوغ الصبية حسب الروايات المعتبرة بأُمور :

١ ـ ففي معتبرة ابن أبي عمير (٢) عن غير واحد عن الصادق عليه السلام : حد بلوغ المرأة تسع سنين.

٢ ـ وفي موثقة عمار عنه عليه السلام ... والجارية مثل ذلك ان أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم (٣).

ومقتضى الجمع بينهما حمل الحديث الاَول على الاستحباب. لكن في الجواهر ( في كتاب الحجر ) : نعم المشهور بين الاَصحاب بل المستقر عليه المذهب هو بلوغ الاَُنثى بكمال تسع (٤). وأورد صاحب الجواهر رحمه الله

__________________

(١) ص ٦٨٩ وص ٦٩٠ نفس المصدر.

(٢) ص ٣٥٢ وص ٢٥٤ ج ١ جامع أحاديث الشيعة.

(٣) ص ٣٢ ج ١ الوسائل.

(٤) جواهر الكلام كتاب الحجر.

٢٤٣

على موثّقة عمار باشتمالها على خلاف ما أجمع عليه الامامية من عدم زيادة بلوغ الجارية على العشر (١).

ومن أطمانّ بالحكم الشرعي بهذا المقدار من الشهرة والاجماع المنقول فهو وإلاّ فمقتضى الجمع بين الحديثين ما عرفت.

٣ ـ في موثّقة عمّار المتقدّمة وصحيحة محمّد بن مسلم ومعتبرة إسحاق بن عمار وصحيح ابن الحجاج كما ذكرناها في أوائل الجزء الثالث من كتابنا حدود الشريعة هو تحقق بلوغها بالحيض ، وحمل الروايات على أنّ الحيض كاشف لا محقّق للبلوغ خلاف الظاهر ، لكن المستفاد من قوله تعالى : ( وابتلوا اليتامى اذا بلغوا النكاح فإنْ آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ) ( النساء ٦ ) أنّ انقطاع اليتم ببلوغ النكاح ـ أي أهلية الجماع ـ نعم في الماليات يعتبر موانسة الرشد والخلو من السفه. ثمّ اليتامى جمع اليتيم واليتيمة ، ولا ينافي في عمومها لهما قوله : ( بلغوا ) وضمائر الجمع المذكور في الآية ( هم ) لاحتمال إرادة التغليب. ولا فرق بين اليتيم وغيره في هذا الحكم بلا شبهة.

وبما عرفت من قول الطبيبة المتقدمة يتّحد هذا مع سابقه أي : الاَمر الثالث كما لا يخفى : ولعل التعويل على هذا القول ـ أي تحقّق بلوغها بالحيض ـ أظهر الاَقوال ، ولا ينافيه التحديد بثلاث عشرة سنة في موثقة عمار ، لتصريح الامام بقوله. أو حاضت قبل ذلك. ولولا فتوى المشهور لرددت رواية ابن أبي عمير بمخالفته للاعتبارات العقلائية كما لا يخفى ، وعلى كل هي لا تقاوم الروايات المعتبرة الدالة على تحقق البلوغ بالحيض

__________________

(١) المصدر.

٢٤٤

كما لا يخفى ، فلتحمل على الندب.

وإنْ تم ما ذكرناه فبلوغ الصبية بدم الحيض واستعدادها للنكاح أو أن يأتي عليها ثلاث عشرة سنة كما في موثّقة عمار ، إلاّ أنْ يقال : إنّ قضية صدرها أنّ بلوغ الغلام أيضاً بثلاث عشرة سنة ، وفيها : « فان احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم » ، والحال أنّ المشهور المدّعى عليه الاِجماع ـ كما في الجواهر ـ ( في كتاب الحجر ) أنّ بلوغه بخمسة عشرة سنة ، فلاحظ وتأمل.

ثمّ إنّه يأتي في المسألة الآتية إمكان جمع الحيض وعدمه مع الحمل إنّ شاء الله تعالى.

٢٤٥

المسألة التاسعة والعشرون

أقل مدة الحمل وأكثرها ودم النفاس

١ ـ يحدث الحمل نتيجة اتحاد الحيوان المنوي الناضج مع البويضة الناضجة التي تخرج من المبيض اثناء ظاهرة التبويض ( في منتصف الدورة الشهرية ) ... وينمو الغشاء المبطن للرحم أكثر ليحتضن ويغذي الجنين القادم ، وبذلك تنقطع العادة الشهرية ، ومدة الحمل الطبيعي هي ٢٨٠ يوماً من أوّل لآخر الطمث ، ولكن يوجد خلاف كبير في مدة الحمل ... فتكون حوالي ٤٢ أُسبوعاً ، فتكون ولادة قبل التمام التي تحدث بعد إتمام ٢٨ أُسبوعاً وقبل إتمام ٣٧ أُسبوعاً ويسمى الولد خديجاً (١) ، وولادة جنين كامل النمو تحدث بعد إتمام ٣٧ أُسبوعاً وقبل إتمام ٤٢ أُسبوعاً.

٢ ـ أكثر مدة الحمل :

والولادة بعد التمام تحدث بعد ٢٤ أُسبوعاً ولا يوجد موعد محدد للولادة بعد التمام لاَن يوم التقليح غير محدود بالضبط ، وفي بعض الاحصائيات تبين أنّه ٢٥% من الحوامل يلدن في الاَُسبوع الثاني والاَربعين (٢٩٤ يوماً) و ١٢% في الاَُسبوع ٤٣ (٣٠١ يوماً) و ٣% من الحوامل يلدن في الاَُسبوع ٤٤ ( ٣٠٨ يوماً ).

وكذلك الاِحصائيات تبيّن أنّ وفاة المواليد حول الميلاد تزيد وتتضاعف بازدياد مدة الحمل عن ٤٢ أُسبوعاً لسبب تليف المشيمة ،

__________________

(١) الخديج ناقص الخلق أو قبل تمام الايام.

٢٤٦

ولذلك يجب التأكد من موعد آخر طمث ، واذا تعذر ذلك فالآن يوجد وسائل حديثة لمعرفة عمر الجنين داخل الرحم (١).

وقال طبيب ماهر : التي تقول إنّ زوجها مات ، وبعد أربع سنين ولدت ، هذا بقدر ما نعلم علمياً محال ، ولو ولد بعد أربع سنين لازم الولد ينزل وله اسنان وشعره طويل لاَنه جنين فينمو ويكبر كل يوم ... كون المشيمة تخدم أربع سنين لم يعرف هذا ولا يمكن (٢).

٣ ـ أقل مدّة الحمل :

اذا حدثت الولادة قبل الشهر الثامن يكون ذلك إجهاضاً ، لكن في بعض المراكز المتخصّصة لرعاية الاَطفال الخدج يمكن المحافظة والعناية على الاَطفال الخدج حتّى ولو كانوا في ستة أشهر ، أو كان وزنهم ٨٠٠ غرام أو أكثر.

واذا حدث نزيف أثناء الحمل لا يسمى ذلك حيضة ، بل سببه إما اجهاض في الشهور الاَُولى للحمل وقبل الاَُسبوع ٢٨ وإما غير ذلك من العوارض (٣).

وقال طبيب آخر : إنّ كون أقل الحمل ستة أشهر كلام علمي لا شكّ فيه إذ الآن مع تطور الاَجهزة العلمية الحديثة استطاعوا أن يحتفظوا بهذا الطفل الخديج الذي وصل وزنه إلى ٨٠٠ غرام ، وهذا صحيح لاني رأيت هؤلاء الاَطفال في بريطانيا ان يصلوا عمراً كاملاً من الحياة بهذا الوزن القليل

__________________

(١) ص ٤٣٦ وص ٤٣٧ الرؤية الاسلامية لبعض الممارسات الطبية.

(٢) ص ٦٨٢ نفس المصدر.

(٣) ص ٤٣٨ نفس المصدر.

٢٤٧

والذي هو ستة شهور من الحياة (١).

وقال بعضهم : وربما تمكنوا من انقاذ أجنة عمرها عشرون أُسبوعاً أو ما حولها في المستقبل القريب (٢).

٤ ـ سائل النفاس :

هو عبارة عن الافرازات التي تخرج من الرحم بعد الولادة ، ويكون عبارة عن دم في أوّل أربعة أيام ثمّ يفتح لونه وتقل كمية الدم حتّى يصبح عبارة عن مخاط لا لون له بعد عشرة أيّام وقد تستمر إلى اربعة أسابيع ، فأقل مدة لدم النفاس هي من أُسبوع الى عشرة أيام ، وأكثر مدة له هي فترة النفاس أي ستة أسابيع أو ٤٢ يوماً ( أي مدة عودة الجهاز التناسلي الى وضعه الطبيعي قبل الحمل (٣) ) ، واذا طالت مدة النزيف دلّ ذلك على وجود بقايا من المشيمة ويظل الرحم متضمماً ... (٤).

أقول : يستلخّص ما نقلناه من الاَطباء في أُمور :

أوّلاً : إنّ مدة الحمل الطبيعي تسعة أشهر وعشرة أيام أو أكثر من عشرة أيام اذا كان بعض الشهور الهلالية التي نقصدها في المقام ناقصةً غير تامة.

ثانياً : أقل مدة الحمل ٢٨ أُسبوعاً بزيادة يوم أو أيام ( بعد إتمام ٢٨ أُسبوعاً وقبل إتمام ٣٧ أُسبوعاً ) أي ستة أشهر وستة عشر يوماً ، بل أكثر ان كان بعض الشهور ناقصاً على قول : وستة أشهر على قول آخر ، لكن مع

__________________

(١) ص ٦٨٩ نفس المصدر.

(٢) ص ٢١٣ رؤية إسلامية لزراعة بعض الاَعضاء البشرية.

(٣) وهذا ينافي حديث العرزمي الآتي كما لا يخفى إلاّ ان يحمل حمل الحسين عليه السلام بعد عشرة أيام من الحالات النادرة الاستثنائية التي لا يمكن احاطة علم الطب بها.

(٤) ص ٤٣٩ الرؤية الاسلامية لبعض الممارسات الطبية.

٢٤٨

لزوم رعاية طبية وأجهزة حديثة. وتقدم عن بعضهم احتمال انقاذ اجنة عمرها ما يقل عن خمسة أشهر بعشرة أيام ، وولادة جنين كامل النمو تحدث بعد ٢٥٩ يوماً الى ٢٩٣ يوماً.

وأكثر مدة الحمل ـ حسب مجرد بعض الاحصائيات دون دليل قطعي ـ علمي ٣٠٨ يوماً ( عشرة شهور وثمانية أيام أو أكثر من ثمانية اذا كان بعض الشهور ناقصاً ) (١) وأما طول الحمل سنوات فهو غير ممكن.

ثالثاً : إنّ دم الحيض لا يجامع الحمل على قول طبيبة.

ورابعاً : إنّ أقل دم النفاس سبعة أيام الى عشرة أيّام وأكثرها ٤٢ يوماً.

وإليك بيان الاَحكام الفقهية المتعلّقة بالمقام في فصول أربعة :

الاَول أكثر الحمل. وفي صحيح حماد بن عثمان : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : ما تقول في رجل له أربع نسوة وطلق واحدة منهن وهو غائب عنهن ، متى يجوز له ان يتزوج؟ قال : بعد تسعة أشهر وفيها أجلان فساد الحيض وفساد الحمل (٢).

أقول : الظاهر من قوله : « بعد تسعة أشهر » أنّه بعدها من الطلاق لامن الدخول بالمطلقة ، فلا يستفاد من الرواية أنّ أكثر مدة الحمل تسعة أشهر فقط ، فإنّ الحمل من حين الوطء دون الطلاق قطعاً ، فتدلّ على أنّ أكثرها

__________________

(١) ثم ان كان المراد من الطمث في قول الطبيبة التي نقلنا كلامها أولاً (من أول يوم لآخر طمث) هو الطمث الذي حبس لاجل الحمل فتزيد المدة في التقديرات المذكورة بأيام آخر فان مبدء الحمل باخصاب البييضة اتفاقاً. وان كان المراد منه الطمث السابق على الحمل فتنقص المدة بأيام كما لا يخفى والظاهر ارادة الوجه الثاني.

(٢) ص ٤٧٩ ج ١٥ الوسائل.

٢٤٩

أزيد من تسعة أشهر قطعاً.

وفي صحيح ابن الحجاج عن الكاظم عليه السلام : اذا طلّق الرجل امرأته فادّعت حبلاً انتظر بها ( انتظرت ـ الجواهر ) تسعة أشهر ، فان ولدت وإلاّ اعتدت بثلاثة أشهر ثم قد بانت منه (١).

استظهر منه صاحب العروة الوثقى رحمه الله أنّ أكثر الحمل سنة (٢) ، واستظهرنا منه أنّه تسعة أشهر ، فلاحظ كتابنا حدود الشريعة (٣) ، لكنه مبنيّ على عد الاشهر المذكورة من حين الوطء لا من حين ادعاء الحبل وإلاّ لدلت على أن أكثر الحمل أكثر من تسعة أشهر.

قال المحقق الحلي رحمه الله في الشرائع : ولو طلقت فادعت الحمل صبر عليها أقصى الحمل وهو تسعة أشهر ( من حين الوطء ) ، وفي رواية سنة ، وليست مشهورة.

ويقول الشارح رحمه الله في جواهره : إلاّ أنك قد سمعت ... اختيار المصنّف كونه عشرة لا تسعة ... واحسن شيء تحمل عليه هذه النصوص تفاوت مراتب الاَقصى ، ففي الغالب عدم تأخره عن التسعة وبذلك حده الشارع في جملة من الاَحكام ، وربما بلغ السنة لكنّه من الافراد النادرة التي لا تنافي إجراء الاَحكام على التسعة (٤).

أقول : لم تثبت غلبة عدم تأخره عن التسعة ـ لا سيما بملاحظة ما تقدم من قول الاَطباء ، ولم يثبت تحديد الشارع بالتسعة أيضاً ، ولم يدل

__________________

(١) ص ٤٤٢ نفس المصدر.

(٢) لاحظ الجزء الثاني من العروة الوثقى.

(٣) ص ٣٣٥ وص ٣٣٦ ج ٣.

(٤) ص ٢٥٧ وص ٢٥٨ ج ٣٢.

٢٥٠

دليل معتبر على أنّ أكثره السنة حتّى يحتاج الى ما ذكره من بيان الغالب والنادر ، فما ذكره هذا الفقيه الجليل كلّه ضعيف.

( الثاني ) : في أقل الحمل.

في صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام : اذا كان للرجل منكم الجارية يطؤها فيعتقها فاعتدت ونكحت فان وضعت لخمسة أشهر فإنه (من) مولاها اعتقها وان وضعت بعد ما تزوجت لستة أشهر فانه لزوجها الاَخير (١).

يظهر منه أنّ أقل الحمل ستة أشهر ، بناء على عد المدة من حين الوطء لا من حين العتق أو النكاح.

وفي معتبرة العرزمي عن الصادق عليه السلام قال : كان بين الحسن والحسين عليهما السلام طهر وكان بينهما في الميلاد ستة أشهر وعشراً (٢).

وفي رواية غير معتبرة سنداً : ولم يعش مولود قط لستة أشهر غير الحسين بن علي وعيسى بن مريم عليهما السلام (٣).

أقول : قد اشتهر أنّ قوله تعالى : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) (٤) بضميمة قوله تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أنْ يتم الرضاعة ) (٥) يدلّ على أنّ أقل الحمل ستة أشهر ، ويدلّ عليه بعض الروايات غير المعتبرة أيضاً ، لكنه محل نظر أو منع ، فإنّه لا دليل على وجوب الاِرضاع حولين كاملين بل قوله تعالى : ( لمن أراد أن يتم

__________________

(١) ص ٣١٨ ج ٢١ جامع الاحاديث.

(٢) ص ٣١٩ نفس المصدر.

(٣) بحار الانوار ج ١٤ ص ٢٠٧.

(٤) الاحقاف آية ١٥.

(٥) البقرة آية ٢٣٣.

٢٥١

الرضاعة ) يدلّ عل عدمه ، بل في الجواهر ( ج ٣١ ص ٢٧٦ ) : لا خلاف في جواز الاقتصار على أحد وعشرين شهراً فيحتمل أنه تسعة أشهر! بل لا بدّ أنْ يكون كذلك ، وإلاّ لكان الاكثر هو الولادة عن ستة أشهر؛ ولا يخفى ضعفه ، فإنّ المستفاد من الآية المباركة نظارتها إلى الاَفراد الغالبة دون النادرة جزماً ، لكن قوله تعالى : ( ووصينا الانسان بوالديه حملته أُمه وهناً على وهن وفصاله في عامين ) ( لقمان ١٤ ) يصلح قرينة على أنّ المراد بالحمل في قوله : ( وحمله وفصاله ) ستّة أشهر. لكن يحتمل أنّ الفصال في هذه الآية محمول على المرتبة الكاملة المستحبة ، ولا يفسر قوله تعالى : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) ، فافهم المقام ولا منافاة بين كون أقل الحمل ستة أشهر وبين ما ذكره الاَطباء من عدم بقاء المولود من دون رعاية طبية مفقودة في أوائل الاسلام ، فان نظر الطب الى الغالب ولا إحاطة له بجميع الاَفراد والحالات النادرة جزماً.

( الثالث ) جمع الحيض مع الحمل وعدمه.

عدم الجمع ـ كما ذكرته طبيبة على ما سبق ـ هو أحد الاَقوال في الفقه ، ذهب إليه المحقّق في الشرائع ، ونقله صاحب الجواهر عن المفيد وابن ادريس ، ويدل عليه بعض الاَحاديث.

وعن المشهور صحة الحيض مع الحمل ، ويدلّ عليه جملة من الاَحاديث المعتبرة ، وعن جماعة من الفقهاء تقييد جمعهما بما اذا رأت الحامل الدم في العادة أو مع التقدم قليلاً ، لا ما اذا تأخّر عنها عشرين يوماً ، ويدلّ عليه حديث الحسين بن نعيم الصحاف ، والكلام في المقام طويل ، لاحظ الجواهر ( ص ٢٦١ الى ص ٢٦٦ ج ٣ ).

واذا حملنا الاَحاديث الدالة على صحّة الحيض مع الحمل على الفرد

٢٥٢

غير الغالب ترتفع المنافاة بينها وبين الطب إنْ أثبت عدم الجمع بطريق علمي كما ذكرنا في سابقه ، أو يحمل الروايات على أن الدم المذكور في أيام الحمل وان لم يكن دم حيض إلاّ أنّه محكوم باحكامه ، فافهم.

( الرابع ) : أقل النفاس وأكثره :

ففي فقهنا أنّه لاحد لقليله ، فيجوز أن يكون لحظة وأكثره عشرة أيام كما عن المشهور ، وعن جمع أنّه ١٨ يوماً ، وعن ابن أبي عقيل أنه ٢١ يوماً ولا منافاة بين قول المشهور ما نقلناه عن بعض الاَطباء إنْ صح علمياً ، لامكان أنّ الشارع إنّما رتّب أحكامه على ماله لون الدم كما في الاَيام العشرة ، لا على ما لا لون له.

فائدة مهمة

قال بعض الاَطباء الماهرين : لا تعتبر الحيضة الواحدة دليلاً على براءة الرحم ... فنزول دم مرة بعد مرة أُخرى قد يحدث من رحم حامل.

أقول : وهذا من أحد الدلائل على جعل العدة ثلاثة قروء ، فافهم واغتنم.

٢٥٣

المسألة الثلاثون

بعض الاَعمال التجميلية

( المطلب الاَوّل ) في ما يتعلق بشعر :

١ ـ يجوز وصل الشعر للمرأة مطلقاً سواء شعر مرأة أُخرى أو شعر حيوان أو شعر صناعي ولا اشكال في ذلك للواصلة والمستوصلة على الاَقوى إذ لا دليل على حرمته ، وما ورد من بعض الروايات ضعيف سنداً ، على أنّه يمكن حمله وحمل ما ورد من طريق أهل السنة من أنّه صلى الله عليه وآله لعن الواصلة والمستوصلة (١) على التدليس ، فقد تقدم أنّه حرام ، وفي غير التدليس كالمرأة المزوجة أو التي لا تريد الزواج أو التي تخبر خطيبها بحقيقة الحال فلا بأس به لاصالة البراءة.

نعم الوصل بشعر الحيوان المحرم أكله أو نجس العين إذ لم يتيسر فصله حين الوضوء والصلاة لا يجوز ، لكن المنع ليس راجعاً إلى نفس العمل بل إلى بُطلان الصلاة ، فهو غير مخصوص بالشعر بل يجري في مطلق الاَعمال المؤدية الى عدم التمكن من إيقاع الصلاة وغيرها من الواجبات على وجهها الصحيح ، فالمنع عرضي لا ذاتي.

ثم إنّ فقهاء أهل السنة أختلفوا في علة حرمة الوصل المذكور بعد الاتفاق على اصل الحرمة في الجملة (٢).

__________________

(١) الرؤية الاسلامية لبعض الممارسات الطبية ص ٤٦٧.

(٢) ص ٤٦٦ إلى ص ٥٣٦ من الرؤية الاسلامية لبعض الممارسات الطبية فانا اخذنا أقوال أهل السنة من هناك.

٢٥٤

فعن الشافعية والحنابلة أنّ المعنى الذي لاَجله حرم الوصل هو التدليس مطلقاً ، سواء شعر الآدمي أو غيره.

أقول : وهذا هو الذي اخترته وقلت لا إنه يحرم اذا لم يتحقق فيه التدليس.

واعلم أنّ التدليس غير محرم لذاته وانما يحرم لاَجل الاِضرار بالغير ، فلا بأس به في غيره كما في الهبات والضيافات وبغرض حفظ الوقار والمقام عند الناس ، وأيضاً لا يصدق التدليس بفعل يوجب مجرد رغبة المشتري والخاطب مع علمهما بحقيقة الحال ، وإلاّ فيحرم مطلق التزيين كلبس اللباس الملون وتسريح الشعر وقصر اللحية للرجال ونحو ذلك ، على أنّ جملة مما مثلوه للتدليس فهو من أفراد التزيين في هذه الازمان بل في كثير من الازمنة السابقة لعلم الرجال والنساء بالحال. وكأن الفقهاء كانوا منعزلين عن هذه الاَشياء والاعمال وأهلهما فظنوها من التدليس. وعلى كل تشخيص الموضوع موكول الى العرف ولا عبرة بنظر الفقيه (١).

وعن المالكية والظاهرية أنه التغيير ، فالتدليس بتغيير خلق الله (٢).

أقول : أمّا التدليس فقد عرفت حرمته فهو صحيح ، وأما تغيير خلق الله فصدقه على وصل الشعر ممنوع جداً وإلاّ لحرم قصره ولو جزئياً على المرأة وعلى الرجل ، وهو كما ترى واضح البطلان ، وكذا حرم ازالة الشعر عن جميع البدن. والاعتذار عن جواز ذلك بالتخصيص الشائع في الاَحكام باطل ، فإنّ تخصيص العمومات وتقييد المطلقات وإن كان أمراً شائعاً في

__________________

(١) لاحظ مادة التدليس في مكاسب الشيخ الاَنصاري قدس سره ص ٢١ وص ٢٢.

(٢) الرؤية الاسلامية لبعض الممارسات الطبية ص ٤٧٢.

٢٥٥

الفقه غير أنّ ذلك مخصوص بما لم يأب العموم عن التخصيص كما في المقام. فان قوله تعالى : ( ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ) لا يقبل التخصيص ، فإنّ معناه أنّ أمر الشيطان في إزالة الشعر يجوز اتباعه!!! ولا شيء من أمر الشيطان بجائز الاتباع ، فافهم فإنه دقيق وبالتأمل يليق.

والحق أنّ الآية من المتشابهات فإنّ كثيراً من الاَفعال الجائزة عند المسلمين يعد من تغيير الخلق ، ولا يلتزم أحد بحرمتها فيلزم تخصيص الاَكثر المستهجن وهو قبيح ، ولا يصدر عن الحكيم كما قرر في أُصول الفقه. نعم ان قلنا بان المراد بخلق الله ، دين الله ـ كما رجحناه سابقاً زال التشابه عنها.

وعن الحنفية أنّه التدليس باستعمال جزء من الآدمي ، فلا يجوز الانتفاع باجزاء الآدمي لكرامته ، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه المنفصلة (١).

أقول : أرجع الى قضاء العقلاء في عصرك وزمانك فلا ترونهم يقضون بمنافاة وصل شعر إمرأة بشعر إمرأة للكرامة الاِنسانية بوجه من الوجوه ، بل هو أولى من دفن الشعر تحت التراب لاستفادة انسان كريم آخر منه ، على أنّ التدليس لا يخص شعر الآدمي بل يتحقق في غيره قطعاً في مثل زماننا.

٢ ـ الاَقوى جواز حلق المرأة شعر رأسها لعدم دليل على الحرمة ، وإنما يحرم عليهن في حالة الاحرام بلا خلاف يجده صاحب الجواهر وعن العلامة في مختلفه الاجماع على الحرمة وفي حج الجواهر : فإنّ الظاهر عدم حرمته عليها في غير المصاب المقتضي للجزع ... وعليه يحمل ما ورد عن

__________________

(١) لاحظ جواهر الكلام ، كتاب الحج.

٢٥٦

طريق أهل السنة من المنع ، واما تقصير الشعر كما تعارف اليوم فلا مانع منه شرعاً (١).

نعم اذا قلنا بحرمة التشبيه بالرجال وعكسه وحلقت بقصده حرم لاَجله ، لكننا لم نجد دليلاً معتبراً على حرمة التشبيه.

٣ ـ لا بأس بنتف الشيب على الرجل والمرأة وخضابه كما لا بأس باستعمال الشيب بالمعالجة ، نعم نتف الشيب اذاكان بقصد تدليس الغير يحرم (٢) ، وأما ما رواه أبو داود والترمذي من المنع فان تم سنداً فهو محمول على الكراهة للقرينة الموجودة في الحديثين المذكورين في سننهما ، واستفادة الحرمة منهما غير صحيحة.

٤ ـ يجوز النماص لعدم دليل على المنع ولا أظن بفقهائنا تحريمه وان لم أفز على كلامهم لضعف ما يدلّ عليه ، وبالجملة حاله حال النتف ، لكن فقهاء أهل السنة حرموه. وان اختلفوا في خصوصياته (٣).

٥ ـ يجوز علاج الشعر جراحياً بإجراء عملية زرع الشعر في الرأس بحيث يكون نامياً بشرط مراعاة المماثلة بين الفاعل والمريض ، ولا يتصور هنا تدليس فإنه اظهار خلاف الواقع وفي المقام تغيير الواقع ، والفرق بينهما غير خفي.

٦ ـ بناء على حرمة حلق اللحية على الذكور هل يجوز لهم فعل ما يمنع عن نبات اللحية كالكوسج؟ فالحلق المحرم رفع وهذا دفع ، والفرق بينهما واضح.

__________________

(١) لعدم وجود دليل على المنع فيرجع الى أصالة البرائة.

(٢) الرؤية الاسلامية لبعض الممارسات الطبية ص ٤٧٨.

(٣) المصدر ص ٤٧٩.

٢٥٧

والظاهر أنّه لا مانع منه إلاّ أن يدّعي أحد فهم منعه من مذاق الشرع كما لعله غير بعيد فيما اذا حلق مرة ـ حراماً أو غير حرام كما في فرض الغفلة أو المرض ـ ثم حلق كلّ يوم حتّى لا تنبت اللحية فإنّ هذا الحلق الثانوي المتكرر كلّ يوم وإنْ لم يصدق عليه حلق اللحية لكن حرمته مما يسهل فهمها من مذاق الشرع. بل لو قلنا بأنّ حكم اللحية من الواجبات بعنوان إبقاء اللحية أو نحوه لحرم القسم الاَوّل أيضاً ، والظاهر أنّه داخل في المحرمات لكن على نحو الاحتياط عندنا.

وهل يجوز للنساء فعل ما ينبت اللحية على ذقنهن؟

اما المزوجة التي لا يرضى زوجها به فلا شكّ في أنه لا يجوز له فانه تضييع لحق الزوج وموجب لتنفره عنها ، وأما غيرها فالمنع مبني على الفهم من مذاق الشرع أو على حرمة التشبيه بالرجال اذا قصدته ، وإذا أوجب اهانتها فيحرم من أجلها.

المطلب الثاني : في بعض أنواع أُخر من التجميل :

١ ـ يجوز التزيين للنساء بما تعارف اليوم ويستعملنه في الشفة والعين والخد والظفر وشعر الرأس. سواء كن مزوجات أو خليات بشروط.

أوّلاً : عدم كون المادة المزينة حاجباً عن وصول الماء الى محل استعماله عن البدن فيبطل به الوضوء والغسل والتيمم ثم يبطل الصلاة والطواف ، وما يحمر به أظفار النساء في هذه الاَزمان كذلك؛ نعم وجدت أخيراً مادة تزيله فلا بد للمسلمات من إزالته بها حين الوضوء أو الغسل أو التيمم ، ويجب على الاَزواج أمر نسائهم بذلك.

ثانياً : عدم إبداء الزينة للاَجانب فانا وان قلنا بعدم ستر الوجه والكفين عليهن لكن لا بد من المحافظة على الزينة المثيرة لشهوة الرجال

٢٥٨

بها.

ثالثاً : عدم كون المادة المستعملة للزينة من حيوان نجس أو مما لا يؤكل لحمه وإلاّ فلا بدّ من تطهير البدن عند الصلاة والوضوء ، وإذا تنجس الشفة يحرم الاَكل اذا تنجس المأكول تنجس الشفة على القول بمنجسية المتنجس مطلقاً.

رابعاً : لم يقصدن بذلك اضلال الشباب وإذاعة الفجور.

٢ ـ يجوز الوشم وفسّره علي بن غراب ـ كما عن معاني الاَخبار للصدوق رحمه الله ـ بالوشم في يد المرأة أو في شيء من بدنها ، بأن تغرز بدنها أو ظهر كفها بابرة حتّى تؤثر فيه ثم تحشوها بالكحل أو شيء عن النورة فتخضر ، ورواية علي بن غراب ضعيفة ، وعلي مجهول ويمكن حملها وحمل ما ورد من طريق أهل السنة (١) على التدليس في تلك الاَزمان ، إذ الوشم في زماننا لا يحصل به التدليس غالباً ، واليوم أصبح الوشم في الرجل أكثر منه في النساء ، ومن العجيب أنّ رجلاً غطّى جسده كلّه بالوشم وتحمل عذاباً شديداً في سبيله حيث بقي يتعرض للوخز بالابر يومياً لمدة ست ساعات على مدى أربع سنوات.

أقول : لا لوم على مَن يدعي حرمة الوشم بهذا الحد لا لاجل تحمل الاِيلام إذ لا دليل على حرمته ، بل لحطّ مقام الانسانية واشتغاله في هذه المدة الكثيرة بهذه الاعمال الباطلة ، وان الله تعالى لا يرضى للانسان بذلك ، وقد ذكرنا في محله حرمة الاشتغال بالملاهي.

٣ ـ يجوز إزالة النمش والبقع الجلدية في الوجه وسائر البدن

__________________

(١) المصدر السابق ص ٤٩٦ و ٤٩٧.

٢٥٩

بعمليات جراحية كما تعارفت بشرط المماثلة كما سبق ، ومن تفوّه بحرمته فقد تعسف وتحكم.

٤ ـ يجوز تجميل الاسنان بالتفليج ، وهو في اللغة من فلج الاسنان ، باعد بينها ، والفلج في الاسنان تباعد ما بين الثنايا والرباعيات خلقة ، فان تكلف فهو التفليج ، وهو عبارة عن برد الاسنان بمبرد ونحوه لتحديدها وتحسينها (١) ، وما روي في النهي عنه لم يثبت عندنا سنداً ، وقد حرمه فقهاء أهل السنة.

والحاصل : إنّ تحسين الاَسنان وتعويضها اذا فسدت لا إشكال فيه ، ونشكر الله في سعة رحمة تكويناً وتشريعاً ، واما جواز استعمال الذهب لشد الاسنان فحكمة حرمةً وجوازاً مبني على حكم استعمال الذهب ، فإنْ قلنا بتحريم التزيين بالذهب فيمكن القول بحرمته ، وإنْ قلنا بأنّ المحرم لبسه فلا يحرم ، بل لا يحرم حينئذٍ ستر الاسنان المصنوعة بالذهب كما يفعله بعضهم.

وفي الشرائع والجواهر : وكذا يحرم التختم بالذهب بل ومطلق التحلّي به للرجال بلا خلاف أجده ، بل الاجماع بقسميه عليه. بل قال في موضع آخر : إجماعاً أو ضرورة (٢).

وفي موثّقة عمار عن الصادق عليه السلام : لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلّي فيه لاَنه من لباس أهل الجنة (٣).

وفي صحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في حديث ان اسنانه

__________________

(١) الرؤية الاسلامية لبعض الممارسات الطبية ص ٥٠٨.

(٢) جواهر الكلام ٤١ ص ٥٤.

(٣) ص ٣٠٠ ج ٢ الوسائل.

٢٦٠