الفقه والمسائل الطبيّة

الشيخ محمد آصف المحسني

الفقه والمسائل الطبيّة

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٣

من نتائج التطبيق :

إيجابيات

استنساخ أعداد كبيرة من العباقرة والموهوبين وراثياً.

سلبيات :

١ ـ فتح باب الاِنجاب بلا زواج.

٢ ـ ليست المواهب ولا الفضائل نتيجة الوراثة فحسب.

٣ ـ احتمال الكوارث المرضية الجامعة في هؤلاء المتشابهين وراثياً ، فالمعروف أنّ التغاير والتشاكل في الوراثة من أسباب حماية الجنس البشري وارتقائه (١).

ويقول طبيب آخر في هذا الموضوع :

أمّا موضوع التكاثر اللاتزاوجي الذي أطلق عليه ( الاستنساخ ) فاحب أنْ أضع فيه بعض النقاط على الحروف ، فطريقة الاستنساخ ليست وسيلة تكاثر ، أعني ليس أنّ شخصاً أنتج شخصاً آخر بوسيلة لا تزاوجية ، أي بغير تزاوج ، ولكن المهم هنا أنّ هذا الوليد تكون فيه جميع الخصائص الوراثية لهذا الكائن ، وهذا لا يحدث إطلاقاً في أي تكاثر بطريقة التزاوج ، لاَنّ كل مولود نصفه من الاُمّ ونصفه من الاَب ، أمّا هذا المولود فكله من الاَب أو كله من الاُمّ ، إذا حصل يجب ان يكون كله من الاب ، لاَجل ان يرث جميع الخصائص الممتازة.

__________________

(١) ص ١٣١ وص ١٣٢ الانجاب في ضوء الاِسلام.

١٢١

هذا الخيال صار حقيقة مؤكّدة وانتج ٢٠ ضفدعة واحدة في عملية واحدة ، فكلها معبر عنها بأنّها توائم الاب ، لانها نسخة طبق الاَصل من هذا الاَب ولكنها أصغر منه سناً ، لاَنها اُنتجت بعد عشرين سنة أو أربعين سنة ولكنها صورة دقيقة للغاية ، كأنها التوأم المتشابه (١).

وعرّف الاستنساخ أو النسخ طبيب ثالث بقوله : إنه يريد به المختصون محاولة تقديم كائن أو خلية أو جزىء يمكنه التكاثر عن غير طريق التلقيح ومن غير نقص او اضافة للمحتوى الوراثي (٢).

أقول في المقام مطالب :

١ ـ إذا حصل العلم من مذاق الشرع (٣) بعدم رضاه بتحقّق إنسان من رجل وامرأة بهذا النحو (٤) لا نكاح بينهما حتى إذا لم يستلزم الزنا وحراماً آخر فيقيد جواز العملية من الوجهة الدينية بأخذ الخليتين المذكورتين من الزوجين فإنها إنجاب بلا جماع لا بلا طرفين كما لا يخفى ، وإلاّ فلا.

٢ ـ الظاهر جواز العملية المذكورة خارج الرحم لاصالة البراءة ، نعم في صحّة نسبه الى رجل اُخذت الخلية من جسده والى امرأة صاحبة البويضة غير واضح ، فإنّه لم يخلق من مائه : ( خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب ) (٥) واما صاحبة البويضة فانها غير حامل وغير والدة ،

__________________

(١) ص ١٧٥ نفس المصدر.

(٢) ص ١٥٥ نفس المصدر.

(٣) هذا ما يسمى بالدليل اللبي في مقابل الدليل اللفظي ، والدليل اللفظي غير متوفر بنظري في المقام.

(٤) أي من مني إمرأة وخلية جسدية من رجل.

(٥) الطارق آية ٦.

١٢٢

( إنْ اُمهاتهم إلاّ اللائي ولدنهم ) (١) ، فلاحظ. وعلى كل لا مانع من فرض انسان أُم له شرعاً ( أو لا والد له ) فلا تحرم العملية المذكورة مادام ارادة هذا المولود حرة واختياره غير مسلوبة فلاحظ ، ومادام الصفات المورثة مما لم تكن مبغوضة للشرع.

٣ ـ إذا ثبت في علم الطب ـ ولما يثبت لعدم وقوع الفرض حتّى تناله التجربة ـ أنّ الكوارث المرضية الجامعة في هؤلاء المتشابهين وراثياً ذات مخاطر فتحرم العملية لاَجلها ، فكما يحرم الاضرار بالغير الموجود يحرم التوسط في إيجاد موجود محفوف بالضرر والنقص.

٤ ـ لا سلبيات للعملية سوى احتمال تلك الكوارث تعتمد عليها في منع العملية شرعاً ، وما قيل ، من سلبيات اُخر ، ضعيف أيضاً (٢).

٥ ـ إذا حملته صاحبة البويضة وولدته فإنها أُمّه جزماً ، وإنْ شككنا أو نفينا نسبه عن الرجل فإنّ مريم اُمّ عيسى عليها السلام بلا شكّ ولا والد له عليه السلام.

__________________

(١) المجادلة آية ٢.

(٢) الانجاب في ضوء الاسلام ص ١٥٦.

١٢٣

المسألة الخامسة عشرة

المستقبل البيوتكنولوجي للاِنسان ومعطيات النظام الاجتماعي

توصّل علماء الطب والبيولوجيا والكيمياء إلى اكتشاف بعض خبايا ميكانيكية الخلية الحية ، وصاغوا بعض القوانين العلمية التي تحكم الشفرة الوراثية للخلية ، ثم شرعوا بعد ذلك في هندسة المستقبل الوراثية للانواع الحية ، إما عن طريق تجزئة الخلايا ( الهندسة الوراثية ) وإما عن طريق اتحاد الخلايا ( الهندسة المشيجية ).

واستعمل العلماء هذه الطرق في التحكم في التكوين الخلقي للخلية وفي تطويرها. فهناك ما يسمى بالتكاثر بالخلايا الجسدية حيث يراود العلماء الاَمل في تحويل الخلية الجسدية الى خلية جنينية يمكن لها أن تتكاثر ، مثلها في ذلك مثل أصلها وهو البويضة الملقحة ، وذلك بعد تخليصها من القفل الكيميائي الذي يمنعها من محاكاة أصلها. ومن بين الاستخدامات المتصورة لتكنيك التكاثر بالخلايا الجسدية بعث الذات البيولوجية للاِنسان. وقوام هذا الاستخدام هو نسخ نسخة طبق الاَصل من الاِنسان الذي أخذت من جسده الخلية الجسدية. ويقال : إنه من الممكن تحقيق نفس الغرض حتى إذا أخذت الخلية من جثة الاِنسان مادام أن هذه الخلية ذاتها لم تمت. وبذلك يمكن ضمان بقاء العباقرة على قيد الحياة لتستفيد البشرية من علمهم.

ولا بأس من أن أذكر تطبيقاً آخر للاِمكانيات البيولوجية الحديثة التي

١٢٤

ترتب عليها كسر الحدود الفاصلة بين الاَنواع المختلفة للكائنات. فمما تفتقت عنه قريحة العلماء فكرة خلط خلايا بشرية بخلايا نباتية أو حيوانية لنصل بذلك الى الاِنسان الخضري ( الكلورفيلي ) أو الاِنسان المجتر. ويستهدف العلماء من أبحاثهم هذه إنتاج سلالة بشرية جديدة يدخل في تكوينها بعض الصفات النباتية أو الحيوانية المرغوبة ، كجعل الاِنسان ذاتي التغذية يعتمد على ذاته في غذائه كالنبات (التمثيل الضوئي).

ويفكر العلماء أيضاً في إنتاج طراز جديد من الجنس البشري عن طريق استخدام طريقة التكاثر الجسدي في تنمية الخلايا المختلطة ، وبعد التأكد من نجاح إنتاج هذا الطراز الجديد فيمكن تعميمه بالطريق الطبيعي أي التكاثر الجنسي.

ولم يقف التلاعب بالحياة على المستوى العضوي ، بل إن الفكر العلمي الحديث يتجه الى ابتداع طرق التحكم في إرادة الاِنسان بأجهزة الكترونية ، وهذا هو الاِنسان الالكتروني الذي يمكنه إشباع رغباته وحاجاته عن طريق أزرار مركبة على جسده.

ورغم ما يقال عن تكنولوجيا التكاثر من أنها ما زالت في طور الخيال وأنها لا تعدو أن تكون حالياً مجرد أضغاث أحلام ، إلاّ أنّ استخدامها الناجح على مستوى الحيوان والنبات ، شجع العلماء على التفكير في تطبيق قوانينها العلمية على الجنس البشري ، وما زراعة الاَجنة أو طفل الاَنبوب إلاّ تجسيد حي لطموح الاِنسان في التحكم في خلقته وصفاته ، ولعل جهود العلماء في هذا المضمار تجسد رغبة الاِنسان في التوصل إلى أكسير الحياة ليكرس بذلك خلوده وانتصاره على الموت الذي هو مع ذلك سنة الله في خلقه. ونذكر هنا أن أحد المليونيرات الاَجانب طلب إنتاج نسخة من ذاته

١٢٥

وأبدى استعداده لتمويل أبحاث التكاثر الجسدي. ومثل هذا التفكير يحمل في طياته معاني كثيرة يفهمها كل لبيب (١).

وقال بعض آخر من الاَطباء : موضوع الهندسة الوراثية في غاية الاَهمية لسبب ان تقرر ان كل القرارات الاِلهية الموجودة داخل الخلية يبدأ البحث فيها بمنتهى الدقة ، وهي تمثل ٣٠٠ مليون جزئية. العالم بدأ في دراستها علمياً واعتمد لها ١٥ مليار دولار ، فتولى ثلاث دول هذه العملية ـ أمريكا واليابان وألمانيا الغربية ، ومن المنتظر أنْ يتمّ الكشف عن هذه الجينوم أو هذه الوثيقة بعد ١٥ عاماً ... (٢).

وقيل : إنّ بداية الانسان ما هو إلاّ خلية واحدة فيها نواة إذا درسنا هذه النواة نجد أنّ فيها الحقيبة الوراثية عبارة عن ٤٦ صبغ موجودين بين ٢٣ من الاب و ٢٣ من الاُمّ ، هذه الصبغيات تحمل مورثات ، هذه المورثات سواء كانت تتحكم في الصفات الطبيعية أما الصفات المرضية عددها كبير جداً يقدر بحوالي ٢ مليون مورث لغاية الآن ، نحن الآن لم نعرف تقريباً أكثر من ( ٤٣٤٠ ) مورث بعضها يقيني وبعضها ليس بيقيني ... ربما يكون الاَب سليماً من مرض ثم يبتلى ابنه به لوجود الصفات الوراثية في نواة الخلية ، انتهى كلامه بتغيير (٣).

أقول : هذا البحث ـ من ناحية علمية ـ طويل عريض عميق جداً ، ويقال : إنّ العلم قادر على ايجاد لون خاص لشعر المولود وكيفية وجهه الى

__________________

(١) الانجاب في ضوء الاسلام ص ١٣٨ وما بعدها.

(٢) ص ٦٣٦ رؤية اسلامية لزراعة بعض الاعضاء البشرية.

(٣) ص ٤٩١ وص ٤٩٢ نفس المصدر ولم افهم وجه التفاوت بين الرقمين (٣٠٠ مليون) و (حوالي مليونين).

١٢٦

غير ذلك من الانجازات المحيرة للعقول العامية ، وتحقيق هذه المسائل واحكامه الفقهية ربما يحتاج الى تأليف مستقل ، وكل ميسر لما خلق لاَجله.

وحيث لا سبيل لي الى جزئيات هذه المسألة والى عشرين أعشارها نقتصر على ذكر بعض الاَحكام الشرعية حسب ما أدّى اليه نظري ، والله العاصم والهادي :

التغيير في جنين الانسان أو نطفته ربما يكون على نحو نعلم بعدم رضا هذا الانسان بعد ولادته وادراكه وبلوغه بل يتنفر منه ويتأذى ، بل يكون له ضررياً ، وهذا غير مباح حتّى إذا طلبه الزوجان ، إذ لا ولاية لهما على أولادهما بهذه السعة والاِطلاق ، وقد لا نعلم بذلك أو نعلم رضاه به ، وهو على أقسام :

القسم الاَول : إن التغيير قد ينجر الى ما يستلزم افراطه في الشهوة الجنسية أكثر مما هو عليه الآن أو تمايله الشديد في القتل والتعدي ، وبالجملة : يصل الانسان بوسيلة العملية الطبية والبيولوجية والكيمياوية الى حدٍّ تقوى غرائزه الحيوانية بحيث تضعف به قواه العقلانية ويختل به النظام الاجتماعي والسلوك الاَخلاقي والاقتضاء الروحاني ، وهذا حرام غير جائز بلا شبهة ومخالف لهدف خلقة الانسان. وقد لا يستلزم ذلك بل الى حد ما من الشرور وفي جوازه نظر وبحث.

القسم الثاني : قد ينجر الى ما يرغبه في الطاعات والخيرات بحيث يسلب ارادته للشرور والمعاصي ، والظاهر عدم جوازه ، لاَن الطاعة المقبولة المطلوبة من الانسان ما صدر عنه باختياره : ( ولو شاء لهداكم

١٢٧

أجمعين ) (١).

ومنه يظهر حرمة ما يرغبه في المعاصي بحيث يسلب عنه إرادة الصالحات ، بطريق أولى.

القسم الثالث : وقد يرغبه الى الاَفعال الصالحة والاخلاق الحميدة من غير سلب اختياره ، وعندي أنّه جائز بل حسن ، يظهر وجهه مما ورد في حق الاُمّ المرضعة وغير ذلك.

القسم الرابع : وقد ينجر الى سلب إرادة الانسان وجعله تابعاً في أفعاله ـ سواء كانت مباحة أو غير مباحة ـ الى إرادة الغير صالحاً كان أو شريراً ، فهذا أيضاً غير جائز ، فإنّه مضاد لغرض الخلقة ، فإنّ الله سبحانه خلق الانسان للتكامل الحاصل من العبودية وإطاعة الرب في جميع شئون الحياة ، وهذا التكامل لا يحصل إلاّ بكونه مريداً مختاراً لا مجبوراً مضطراً.

القسم الخامس : وقد ينجر الى تغييرات جسمانية بداع التجمل والتحسن ، وهذا لا بأس به في حدّ نفسه ، حتى إذا سبب طول قامته أو قصرها أو هزاله أو سمنه ، فضلاً عن بياض وجهه وشباهة عينه بعين الظبي واصفرار لون شعره ونحو ذلك.

وقد تقدم حكم بعض مانقلناه في أوّل الكلام هنا في المسائل المتقدّمة ، والله الموفّق.

__________________

(١) النحل آية ٩.

١٢٨

المسألة السادسة عشرة

التحكّم في معطيات الوراثة

عرّفت الوراثة بانتقال الصفات من الاُصول الى الفروع أو من السلف الى الخلف ، وهي تشمل الى جانب الخصائص ، الامراض القابلة للتوريث (١).

قيل : إنّ الصور المطروحة على بساط البحث لا تعدو ثلاثة أنواع هي :

١ ـ النسخ ( الاستنساخ ) ، وهو الحصول على نسخ من الكائن دون التزاوج.

٢ ـ المزج بين صفات وخصائص معينة في المخلوق بالتصرف في مورثاته.

٣ ـ استصفاء جنس معين باستبقاء عنصره في الطور الاَول للجنين (٢).

اقول : أمّا الاَوّل فقد مرّ توضيحه وحكمه.

وأمّا الثاني فقد سمّاه بعض الاَطباء بالاستبدال ، وهو كما عرفه المختصون : التمويل على ما للحامض النووي ( النوويك ) من خصائص ولا سيما خاصة الالتحام عند قصه بحيث يمكن التحكم في إبدال المورثات من خلال عمليات معقدة يعود تحقق نتائجها الى تلك الخصائص في الحامض المذكور.

__________________

(١) ص ١٤٩ الانجاب في ضوء الاسلام.

(٢) ص ١٥١ نفس المصدر.

١٢٩

فان اتجه هذا التصرف الى العلاج من علة ، سواء كانت مرضاً وراثياً قائماً بالجسم أو انحرافاً في الطبيعة الاصلية أو تقاصراً عن القدر المألوف فيها فإنّه مما يندرج التصرفات المشروعة شرعاً واما ان اتجه الى سلب الاِرادة حتّى في جانب الخير ، أو الى الانحراف بالسجايا الى الميول الشريرة ، فلا يجوز ، كما لا يجوز كل ما يؤثر على الفطرة الاَصلية سواء كان باسباب مادية منضبطة كالاسكار والتخدير والاكراه الملجىء أو باسباب أُخرى خاصة كالذي يتعاطاه السحرة النافثون في العقد أو الحسدة هواة الاصابة بالعين أو المرجفون وما الى ذلك من المؤثرات المعنوية أو النفسية السلبية أو المفسدة.

فلا يقل عن هذه التصرفات في الخطورة ما يصل اليه الانسان من نتائج بالوسائل المادية المختبرية والاجراءات الطبية ، فكل من هذا وذاك استجابة لامر الشيطان ومطاوعة لنزغاته بالقيام بالتصرف المعتبر سبباً ينشأ عنه مسببات منسجمة مع ذلك التغيير ، فإن الله ربط الاسباب بالمسببات ، والحكم كما يتعلق بالمباشر يتعلق بالتسبب إذا ما توفرت صلته السببية كما ذكره بعضهم (١) ولا يخلو عن متانة وصحة.

وأمّا الثالث وهو التحكم في جنس الجنين بعد تشخيصه (٢) فهو أيضاً في حدّ نفسه جائز ، وقد مرّ تفصيله.

__________________

(١) ص ١٥٨ نفس المصدر.

(٢) وفسر الاستصفاء بعضهم بالاصطفاء لاحد الجنسين على الآخر.

١٣٠

المسألة السابعة عشرة

حكم البيضات الفائضة

تبقى من البييضات المخصبة في اُنبوبة المختبر ، إذ يمكن تلقيح عشرين بويضة ولا يحتاج إلاّ الى اثنين أو ثلاثة ، فما هو حكم البقية الفائضة؟

الاسئلة الشرعية المتعلقة بالمقام أُمور :

١ ـ هل يجوز اهدارها والازهاق بها أو يحرم؟

٢ ـ هل يجب الدية بإهدارها؟

٣ ـ هل يعزل له من الارث سهمها؟

٤ ـ ما هو الحكم بالنسبة الى عدة صاحبتها؟

٥ ـ هل يعطّل الحد الشرعي بالنسبة الى صاحبتها؟

٦ ـ من يملك التصرف فيها؟

٧ ـ هل يجوز نقلها في رحم صاحبتها بعد وفاة زوجها أو بعد طلاقها؟

وإليك أجوبة هذه الاسئلة مستعيناً بالله تعالى :

أمّا السؤال الاَوّل فجوابه أنّه لا مصرف للبييضات الفائضة إلاّ رحم صاحبتها ايام حياة زوجها ، فإن امكن وجب إبقائها على الاَحوط حتى تنقل إليها ، وأن لم يمكن ولو بانصراف صاحبتها عنها فلا بد من اتلافها حذراً من استعمالها على نحو الحرام شرعاً.

نعم ، إذا كانت البييضات في الاُنبوبة في مسير حياتها الانسانية وامكن ذلك طبياً ولم يستلزم المؤنات الكثيرة فالاحوط لزوماً إبقاءها ، بل إذا تعلق

١٣١

بها الروح وجب حفظها مهما امكن فانها نفس محترمة يحرم اتلافها ، بلا فرق بين كونها في رحم أو في اُنبوبة أو في محل آخر.

وجواب السؤال الثاني أنّه إذا وجب اهدارها لا دية لها ، وإذا تعلق بها الروح وامكن حفظها وجب الدية جزماً على من اتلفها ، وإذا لم تتعلق بها الروح وكان في مسيرها الى الحياة الانسانية فالاحوط لزوماً وجوب الدية بالشرطين المذكورين ، ( أيّ امكان حياتها الى ولادتها في الاُنبوبة طبا ووجود من يقوم بمؤنتها ).

وعلى كلٍ الاَحوط للطبيب أنْ لا يخصب البيضات أكثر من حاجة صاحبتها.

وجواب الثالث أنّها إذا تعلق بها الروح وخرجت من الاُنبوبة انساناً حياً يرث أباه ، وقد مرّ الاشكال في نسبه الى صاحبة البويضة ، فإنّ الحكم بامومتها مع قوله تعالى : ( إنْ اُمهاتهم إلاّ اللائي ولدنهم ) (١) مشكل ، وإذا علموا بعدم خروجها حية فلا يعزل له سهم واما إذا شكّ فالاحوط عزل السهم له ، وكذا إذا علم بخروجه حياً من الاُنبوبة.

ويمكن أن يقال بعدم وجوب عزل سهم له ، لان موضوعه الحمل ولا يصدق على ما في الاُنبوبة حمل بوجه ، فاذا خرج حياً وقد قسم الورثة الارث بينهم عليهم ان يرد كل واحد من سهمهم ما يبلغ حق الحي المذكور.

وأما جواب الرابع فهو منفي جزماً ، فإن وجود البييضة في الاُنبوبة لا تجعلها حاملاً ، وهذا واضح.

__________________

(١) المجادلة آية ٢.

١٣٢

وجواب الخامس أنّه لا يعطل الحد عليها ، نعم إذا فرضنا الجنين في معرض الخروج عن الاُنبوبة حياً ولا توجد له حاضنة ومربية سواها ففي جريان الحد عليها تردد ، وتحقيقه في محله.

وجواب السادس أنْ حق الاَولوية لصاحب الحيوان المنوي وصاحبة البويضة ، وإذا مات أحدهما سقط حق الاستفادة عن البويضة المخصبة نهائياً كما ظهر مما سبق.

وأما جواب الاَخير فقد اتضح مما سبق ، وان النقل المذكور غير جائز.

بقي في المسألة أُمور ينبغي ذكرها :

١ ـ إذا اخصبت البييضة بحيوان منوي من غير الزوج ثمّ تزوج بصاحبتها ، فهل يجوز نقلها الى رحمها بعد الزواج؟ فيه وجهان أقربهما الجواز لعدم المانع ، وهذا غير من حملت من أجنبي ثم زوجته ، فإنّ الولد ولد زنا ولا يرث من الرجل ولا يخرج الولد بالعقد اللاحق عما انعقد عليه من الزنا بلا شبهة. نعم هو ولده لغةً وطباً ولكنه ليس بولده بحيث يرث منه ويورث كما مر.

٢ ـ إنّ زراعة خلايا بشرية جنينية من خلال ثقب صغير بالجمجمة بمقدار ستة مليمترات مكعبة بالاُسلوب الجراحي المجسم قد تمت في تشيكوسلوفاكيا في أغسطس ١٩٨٩ (١) ، فاذا أمكنت زراعة البييضات الفائضة في ذلك فلا بأس به شرعاً كما أنّ زراعة خلايا بشرية من جنين ساقط أيضاً لا مانع منه ، لكن جواز الاَوّل في فرض كون البييضات الفائضة

__________________

(١) ص ٦٥ رؤية إسلامية لزراعة بعض الاعضاء البشرية.

١٣٣

من صاحبة الجنين لا غير كما عرفت سابقاً ، نعم الخلايا غير المنوية من أحد لا بأس بزراعتها في بدن جنين آخر.

٣ ـ قيل : يمكن الاحتفاظ باللقيحة الى خمسين سنة ، يعني حتّى الى ما بعد المعدل الاَقصى لعمر الابوين ، إذ المعتاد أنْ لا يباشر الاطباء عملية التلقيح المجرى إلاّ ما بعد الثلاثين سنة من عمر الابوين (١).

٤ ـ قيل : إنّه يمكن استخراج خمسين بويضة من امرأة واحدة ، وإنّ أحد مراكز اطفال الانابيب كان لديه ١٢٠٨ جنيناً فائضاً أودعت الثلاجات وجمدت من ٤٣٢ امرأة أُجريت لهن عملية طفل الانبوب (٢).

أقول : للحكومة منع انشاء الاجنة الفائضة عن مقدار الحاجة بتاتاً سداً لذرائع الفساد والحرام لاَجل حصول الثروة ـ كما منعت المانيا الغربية على ما نقل ـ بل الاحسن منع استخراج البييضات الفائضة عن حاجة الزوجين مطلقاً.

__________________

(١) ص ١١١ وص ١١٢ نفس المصدر.

(٢) ص ١٧٤ نفس المصدر.

١٣٤

المسألة الثامنة عشرة

في دفع الموت في الجملة

من الممكن قدرة الطب ـ في مستقبل قريب أو بعيد ـ على حفظ الصحة العامة للبدن وحفظ خلاياه عن الفتور والفساد ، فلا يستبدل الشباب بالهرم والشيخوخة ، فيدفع الموت ويطيل عمر الانسان ، بل تأثير الطب في دفع الامراض المهلكة وتكثير النسل الانساني وطول العمر في الجملة واقع بالفعل ومن زمن ولا مجال لانكاره.

وقد يتوهم حرمة دفع الموت شرعاً لجريان سنة الله على أنّ كل نفس ذائقة الموت ، قال الله سبحانه وتعالى : ( اينما تكونوا يُدرِكْكُمُ الموت ... ) (١) ، وقال تعالى : ( والله خلقكم ثُمّ يتوفّاكم ) (٢) ، وقال سبحانه : ( قل إنّ الموت الذي تفرون منه فإنّه ملاقيكم ) (٣).

أقول : إنْ أراد هذا القائل أنّ الله تعالى أراد موت كل انسان حين أجله استناداً الى هذه الآيات وامثالها ، فلا يجوز دفعه ، لاَنّه تعجيز له تعالى! فهو هذيان والقائل به جاهل بالله وقدرته وربما لا يكون مؤمناً ، قال الله تعالى : ( وإذا قضى أمراً فإنّما يقول له كُنْ فيكون ) (٤) ، وقال تعالى : ( والله غالب على امره ) ، وقال سبحانه : ( وما كان الله ليعجزه من شيء في

__________________

(١) النساء آية ٧٨.

(٢) النحل آية ٧٠.

(٣) الجمعة آية ٨.

(٤) البقرة آية ١١٧.

١٣٥

السموات ولا في الاَرض ) (١) وقال تعالى : ( ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا أنّهم لا يعجزون ) (٢).

وبالجملة : بطلان هذا التخيل على ضوء العقل والدين غير خفي ، وقد ثبت في محله أنّ الكائنات تفتقر إليه تعالى في وجودها وصفاتها وأفعالها حدوثاً وبقاءاً.

على أنّ تأثير الاسباب في المسببات ووصول الانسان الساعي الى الاسباب أيضاً من سنة الله ومشيئته ، وقال سبحانه : ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاء ) (٣) ، وقال سبحانه : ( يا معشر الجن والاِنس إن استطعتم أنْ تنفذوا من أقطار السموات والاَرض فانفذوا لا تنفذون إلاّ بسلطان ) (٤).

وهل علم الانسان وقدرته إلاّ قطرة مفاضة من علمه وقدرته اللذين لا يتناهيان. ولب الكلام أنّ البحث في إرادته التشريعية التي هي بمعنى طلبه تعالى شيئاً أو تركاً من المكلف من طريق إرادته واختياره فقد يمتثله المكلف وقد يعصيه. لا في إرادته التكوينية التي يستحيل تخلف المراد عنها بناء على وحدة واجب الوجود واستحالة الشرك. وهذا فليكن ببال القراء في جميع مطالب هذا الكتاب وغيره.

وإن أراد القائل المذكور أنّ دفع الموت حرام على المكلفين ، فهذا شيء ممكن عقلاً لكنه باطل لعدم دليل في الكتاب والسنة يدلّ على

__________________

(١) فاطر آية ٤٤.

(٢) الانفال آية ٥٩.

(٣) البقرة آية ٢٥٥.

(٤) الرحمن آية ٣٣.

١٣٦

حرمته ، بل لا شكّ في جواز المواظبة على اساس التوصيات الطبية على صحة البدن وطول العمر ولزوم العلاج على المريض بكل الوسائل الممكنة كما سبق.

وإنْ أراد أنّ الله سبحانه وتعالى أخبر بانّ كل إنسان يموت ، وهذا يكشف عن عدم امكان دفع الموت فكل محاولة له تصبح فاشلة لا محالة فتحرم لكونها عبثاً واسرافاً للمال ، فممنوع أيضاً ، لاَن الطب لا يدّعي ـ ولا يصح له أن يدّعي ـ دفع الموت عن الانسان بنحو مطلق وأنّه لا يموت أصلاً ، ضرورة أنّ للموت أسباباً غير صحة البدن ونشاط الخلايا كالغرق والحرق والقتل وافتراس مفترس وغير ذلك والله سبحانه قادر على اماتة الانسان بكل هذه الاسباب.

والطب إنما يدّعي دفع الموت عن طريق واحد وسبب فارد ، فلا تناقض بين الاَخبار عن موت كل أحد وقدرة الطب على دفع الموت عن بعض الافراد ، وهي من قدرة الله وتقديره.

وفي الدين ما يؤيد امكان الطب على دفع الموت وتطويل العمر بحفظ الخلايا ودفع الامراض من بقاء عيسى بن مريم عليه السلام على أظهر الاَقوال ، بل وببقاء الخضر عليه السلام كما اشتهر ، وببقاء ولي العصر وناموس الدهر المهدي الموعود المنتظر ـ عجل الله تعالى فرجه ـ على عقيدتنا الشيعة الاِمامية.

فإن قيل : إنّ القرآن يقول بإنّ لكل اُمة أجل لا يستقدمون منه ساعة ولا يستأخرون (١) ، فأي أثر للطب؟ يقال له : لا شكّ في صدق القرآن في

__________________

(١) الاعراف آية ٣٤. ويونس آية ٤٩.

١٣٧

إخباره ، لكن من أين علمت أنّ أجل مَن ينتفع بالطب ويستفيد من العلم الحديث ثمانون سنة فقط لا ألف ومائة وثمانون سنة ، أو أنّه مليون سنة.

والواقع أنّ كثيراً من مدعيي العلم الذين ليسوا من الراسخين في المعارف الاسلامية وجميع الملحدين الماديين يتخيلون إرادة الله تعالى وأفعاله في عرض الاسباب الطبيعية فتحيروا ضلالة وجهالة ، بل ألحد الماديون بأنّ الاسباب المادية تغني عن الخالق المدبر المريد ، ولو علموا أنّ إرادة الله وافعاله في طول الاسباب المادية وأنّ الموجودات محتاجة الى إفاضته تعالى في جميع شؤنها حدوثاً وبقاءاً لم يضلوا ولن يلحدوا ، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أنّ هدانا الله.

نعم أجل كل إنسان يحدد في ضمن الاسباب المادية لا خارجها ، وفهم ذلك ينفعك في مقامات كثيرة بإذن الله المنان دائم الفضل.

وفي الاَخير تخيل متخيل أنّ دفع الموت يهدم تشريع الميراث الذي اهتم به الشارع ، وهو خبط عشواء ، فإنّ أحكام الاِرث يترتب على الموت وإنما اهتم بها الشارع في فرض الموت فإذا زال الموضوع أو تأخر زالت الاَحكام أو تأخرت بتبعه ، كما أنّ أحكام المتعلقة بالسفر والمسافر من قصر الصلاة وافطار صوم رمضان تزول بزواله.

وبالجملة : الاَحكام لا توجب حفظ الموضوع بل تترتب إذا تحقّق ، وليكن هذا واضحاً.

ولنا أنْ نقول على سبيل النقض والجدل : إنّ الايمان بالله وباليوم الآخر وبالرسول صلى الله عليه وآله واجب ومن أهم الواجبات ، فيجب حفظ الحياة وإطالة العمر لحفظ الاِيمان بالله تعالى وتحصيل مرضاته!

١٣٨

المسألة التاسعة عشرة

نهاية الحياة الانسانية

(١)

نظر الشريعة الاِسلامية

المفهوم من القرآن المجيد أنّ موت الاِنسان ـ وهو نهاية الحياة الاِنسانية ـ بأخذ روحه وهو انقطاع اتصال الروح وتدبيرها عن البدن انقطاعاً نهائياً غير مؤقت.

قال الله تعالى : ( الله يتوفّى الانفس حين موتها ... ) (١) ، وقال : ( قل يتوفّاكم ملك الموت الذي وُكّل بكم ) (٢) ، وقال : (الذين تتوفّاهم الملائكة ) (٣) ... وقال : ( كلّ نفس ذائقة الموت ) (٤) ، وقال : ( اخرجوا انفسكم ) (٥) ، وقال : ( إذا بلغت الحلقوم ) (٦) ، وقال : ( إذا بلغت التراقي ) (٧) ـ بناء على رجوع الضمير المستتر في كلمة ( بلغت ) الى النفس أو الروح وقوله : ( يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي الى

__________________

(١) الزمر آية ٤٢.

(٢) السجدة آية ١١.

(٣) النحل آية ٣٢.

(٤) آل عمران ١٨٣ وغيرها.

(٥) الانعام آية ٩٣.

(٦) الواقعة آية ٨٣.

(٧) القيامة آية ٢٦.

١٣٩

ربّك ... ) (١) ، وغيرها من الآيات.

وليكن هذا واضحاً مسلماً غير قابل للخلاف والنقاش في الشريعة الاسلامية (٢) … ، لكن لحظة انقطاع الروح غير محسوسة ولا منصوصة ، فهل لها علامة طبية وما هي؟ هل هي سكون القلب عن النبض كما يقول به الاَطباء القدامى؟ أو موت جذع المخ كما يعتقد به الاَطباء الجدد؟ أو كلاهما؟

لا شكّ أنّ إدراك الكليات والعواطف الانسانية كالايثار وحب العلم والكمال وحب الله تعالى وغيرها من ابرز آثار الروح والنفس الانسانية ، بل وكذا الاحساس والحركة الارادية.

وربما يتوهم متوهم أنّ الحس والحركة الارادية من خواص النفس الحيوانية دون الانسانية لثبوتهما في الحيوانات أيضاً ، لكنه توهم خاطيء ، فإنّهما وان وجدا في الحيوان والاِنسان معاً لكن ليس للانسان نفس حيوانية في قبال النفس الاِنسانية ليستند إليها الحس والحركة ، بل هما يستندان الى النفس الانسانية ، ومن هنا جعل الاستهلال والحركة في المولود علامتين لحياته في الاحاديث (٣).

كما لا شكّ في علم الطب وعلم الجنين وغيرهما لحد الآن أنّ القلب ـ كاليد والرجل والانف والكبد والكلية ونحوها ـ لا حس له ولا علم ولا إدراك ، بل هو أجنبي عن العواطف الانسانية أيضاً ، وهي من آثار المخ

__________________

(١) الفجر آية ٢٨.

(٢) والمتأمل المتدبر في هذه الآيات يفهم ان قوله تعالى : ( ثم انشأناه خلقاً آخر ) يراد به ظاهراً انشاء اتصال الروح بالجنين وبه تبدأ الحياة الانسانية. فافهم ذلك جيداً.

(٣) ص ٣٥٠ وص ٣٥١ ج ٢٤ جامع احاديث الشيعة.

١٤٠