مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-66-9
ISBN الدورة:
الصفحات: ٢٦٤
وقال في مقدّمة كتاب افتتاح الدعوة للقاضي النعمان : فالنعمان تعتبر أقواله صادقة ومقدّسة بالنسبة للإسماعيليّين ; لأنّها مستقاة من مصادر وينابيع كان للنعمان فيها حضور ، ويكفيه فخراً أنّه استلهمها من أربعة أئمّة فاطميين معصومين ، أوّلهم : المهدي ، في الأعوام التسعة الأخيرة من حكمه ، وثانيهم : القائم بأمر الله الخليفة الفاطمي الثاني ، وثالثهم : المنصور بالله ، ورابعهم : الإمام المعز لدين الله الذي أناط به رتبة داعي الدعاة وقاضي القضاة (١).
وقال الكاتب الإسماعيلي المعروف ـ مصطفى غالب ـ في مقدّمة كتاب اختلاف أصول المذاهب للقاضي النعمان في حديثه عن القاضي النعمان : كان من أشهر فقهاء المذهب الفاطمي ، ومن أكثرهم تصنيفاً وتأليفاً حتّى أنّ مؤلّفاته اعتبرت من الأسس التي بنى عليها من جاء بعده من علماء المذهب الإسماعيلي ، ولا تزال كتبه حتّى اليوم من أبرز وأشهر وأعمق المؤلّفات الإسماعيليّة المذهبية.
ثمّ قال : ولا صحّة لما قيل بأنّه كان مالكي المذهب ، كما وأنّنا نؤكّد بأنّه ولد من أبوين إسماعيليين ، تثقّف الثقافة المذهبيّة على أبيه الذي كان بدوره ـ كما قلنا ـ من كبار دعاة الإسماعيليّة في دور التقيّة والستر (٢).
فتبيّن من خلال جميع ما تقدّم أنّه لا يوجد دليل يمكن التعويل عليه لإثبات إماميّة القاضي النعمان ، بل الأمر على العكس تماماً فإنّه توجد عدّة شواهد وقرائن تثبت إسماعيليّة القاضي النعمان ظاهراً (٣).
____________
١ ـ افتتاح الدعوة : ٦ ، مقدّمة المحقّق.
٢ ـ اختلاف أصول المذاهب : ٩ ـ ١٠ ، مقدّمة المحقّق.
٣ ـ وانظر في ترجمته أيضاً : مقدّمة كتاب المجالس والمسايرات ، مقدّمة كتاب
كتاب : شرح الأخبار
قال القاضي النعمان في مقدّمة كتابه هذا : آثرت من الأخبار ، وجمعت من الآثار في فضل الأئمّة الأبرار حسب ما وجدته ، وغاية ما أمكنني واستطعته ، فصحّحت من ذلك ما بسطته في كتابي هذا ، وألّفته بأن عرضته على وليّ الأمر ، وصاحب الزمان والعصر ، مولاي الإمام المعز لدين الله ، أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وعلى سلفه وخلفه ، أثبتّ منه ما أثبته ، وصحّ عنده وعرفه ، وآثره من آبائه الطاهرين ، وأجاز لي سماعه منه (١).
نسبه إليه ابن شهر آشوب في معالم العلماء ، قال : وكتبه حسان ، منها : شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار (٢).
وكذا نسبه إليه في المناقب (٣).
ونسبه إليه الشيخ النوري في خاتمة المستدرك ، قال : كتاب شرح الأخبار للقاضي النعمان المذكور أيضاً ، وهو مقصور في الفضائل والمناقب ، وشطر من المثالب.
ثمّ قال : عثرنا بحمد الله تعالى على نسخة عتيقة منه ، إلاّ أنّه ناقص من أوّله وآخره (٤).
____________
١ ـ شرح الأخبار ١ : ٨٨ ، مقدّمة المؤلّف.
٢ ـ معالم العلماء : ١٢٦ [ ٨٥٣ ].
٣ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ : ١٨٥.
٤ ـ خاتمة المستدرك ١ : ١٦٠ ، الفائدة الثانية.
ونسبه إليه الشيخ عبّاس القمّي في الكنى والألقاب (١) ، وإسماعيل باشا البغدادي في هدية العارفين (٢) ، وخير الدين الزركلي في الأعلام (٣).
قال العلاّمة في الذريعة : شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار للقاضي أبي حنيفة نعمان بن محمّد بن منصور المصري الشيعي ، صاحب ( دعائم الإسلام ) المتوفّى سنة ٣٦٣ هـ ، كانت نسخة منه في مكتبة الميرزا حسين النوري في النجف ... ، وهو غير ( شرح كتاب الأخبار ) في الفقه المختصر من الدعائم كما ذكرناه في ج١ ص٣١٠ ، بل هذا في الفضائل (٤).
هذا وقد اتفقت المصادر على أنّ شرح الأخبار للقاضي النعمان ، ولكن الأفندي شكّك في ذلك ، قال في الرياض : ثمّ إنّه قد نسب ابن شهر آشوب في بعض مواضع المناقب إلى القاضي النعمان كتاب شرح الأخبار ، وينقل فيه عنه ، وقد صرّح بذلك في معالم العلماء أيضاً ، ولكن الحق عندي أنّ ذلك سهو منه ( قدس سره ) فإنّ ابن شهر آشوب قد صرّح في مواضع أخر من مناقبه المذكور بأنّ شرح الأخبار من مؤلّفات ابن فياض من أصحابنا ، وأغرب منه أنّه قد عدّ هو نفسه هذا الكتاب في معالم العلماء المذكور في الكتب التي لم يعلم مؤلّفها ، فتدبّر (٥).
ولكن يرد على كلام الأفندي أمور :
الأمر الأوّل :
أنّ الأفندي اعترف بأنّ ابن شهر آشوب تارة نسبه لابن فياض ،
____________
١ ـ الكنى والألقاب ٢ : ٢٨٧.
٢ ـ هدية العارفين ٢ : ٤٩٥.
٣ ـ الأعلام ٨ : ٤٨.
٤ ـ الذريعة ١٣ : ٦٦.
٥ ـ رياض العلماء ٥ : ٢٧٥.
وأخرى نسبه للقاضي النعمان ، فلماذا رجّح صاحب الرياض النسبة لابن فياض مع أنّ الناسب واحد ، والكتاب المنسوب واحد؟!
الأمر الثاني :
أنّ من يراجع كتاب معالم العلماء يجد العبارة ـ التي نقلناها عن المعالم ـ واضحة في أنّ ابن شهر آشوب كان يعتقد باتحاد ابن فياض مع القاضي النعمان ، ومع الاتحاد يرتفع الإشكال من الأساس.
الأمر الثالث :
أنّ ما ادّعاه الأفندي أخيراً من أنّ ابن شهر آشوب عدّ كتاب شرح الأخبار من الكتب التي لا يعلم مؤلّفها ، هذه الدعوة غير موجودة في كتاب معالم العلماء المطبوع ، فلم يذكر ابن شهر آشوب كتاب شرح الأخبار في فصل الكتب التي لا يعلم مؤلّفها (١).
قال النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) ـ بعد أن أثبت نسبة الكتاب للقاضي النعمان ـ : ومن الغريب بعد ذلك ما في رياض العلماء ، قال : وقد نسب ابن شهر آشوب في بعض المواضع ... ، إلى آخر العبارة المتقدّمة التي نقلناها عن الرياض.
ثمّ قال النوري : ولكنّه رحمه الله استدرك بخطّه في حاشية الكتاب فقال : ولكن يظهر من نسخ المعالم أنّ ابن فياض هو القاضي النعمان ، فتأمّل ولاحظ (٢).
____________
١ ـ انظر : معالم العلماء : ١٤٥ ، فصل : فيما جهل مصنّفه.
٢ ـ خاتمة المستدرك ١ : ١٦١ ، الفائدة الثانية.
قال محقّق كتاب المستدرك في الهامش : علماً أنّ نسخة الرياض المطبوعة خالية منه (١).
قال الشيخ إسماعيل المجدوع في فهرسته : كتاب شرح الأخبار في فضل الأئمّة الأطهار لسيدنا الداعي الأجل النعمان بن محمّد ( قس ) وهو ستّة عشر جزءاً ، قال في ابتداء الكتاب : [ قال القاضي ... ] هذا قوله ، بيّن فيه من أين أتى بما أتى به ، وكيف صحّحه ، ولِمَ سمّي كتابه بما سمّي به ، وكيف جمع ما جمع فيه وألّفه.
فأوّل ما في الجزء الأوّل من هذا الكتاب قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » ، ثُمّ تابع هذا القول بعينه كما أتى عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مواضع شتّى وروايات متفرّقة ممّا تزيد ألفاظه وتنقص ، ومعناه واحد ، ثُمّ أخذ في شرحه ، وتثبيته ، والاحتجاج عليه ممّا يتلوه من أمثاله .. ، ثُمّ بعد القول المذكور قوله : « عليّ مني وأنا منه » ثُمّ قوله : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى » ثُمّ قوله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » وفيه بيان ولايته ( عليه السلام ) ، وأمر غدير خمّ ... ، ثُمّ ذكر نصّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على عليّ بالوصية والخلافة وأمرة المؤمنين ، وشيء من الاحتجاج على مخالفيه ، ثُمّ الإخبار بأنّ عليّاً ( عليه السلام ) أحبّ الخلق إلى الله تعالى ، وإلى رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وخير الخلق والبشر ، وأنّه لا يحبّه إلاّ مؤمن ، ولا يبغضه إلاّ منافق ، وغير ذلك مما هو في معناه.
وفي ابتداء الجزء الثاني منه بيان سبق علي ( عليه السلام ) إلى الإسلام ، وخديجة ، وما هو في معناه ، ثُمّ ذكر إيخاء النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بينه وبين
____________
١ ـ خاتمة المستدرك ١ : ١٦٢ ، هامش رقم (١).
عليّ ( عليه السلام ) ، ثُمّ ما جاء النص به في تفضيل عليّ باسمه ، ثُمّ ذكر ما جاء من الأمر بطاعة عليّ ( عليه السلام ) والنهي عن مفارقته ، ثمّ ذكر الأمر بولاية علي ( عليه السلام ) وولاية الأئمّة من ذرّيّته.
ثمّ الجزء الثالث منه في جهاد علي ( عليه السلام ) مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في كُلّ غزواته ، وخدمته له ، وشيء من الاحتجاج فيه.
ثمّ الجزء الرابع في جهاده ( عليه السلام ) جموع الناكثين والقاسطين والمارقين. ثمّ الجزء الخامس في بقيّة أخبار القاسطين ، وتمام أمر المارقين ، وفيه بعض نكت من الاحتجاج على من حارب علياً ( عليه السلام ) ومن خذله.
ثمّ الجزء السادس في تمام الاحتجاج المذكور ، وفيه نكت وجوامع من أخبار معاوية لعنه الله وسلفه وخلفه ، تبيّن عن سوء اعتقادهم ، وما كانوا عليه.
ثمّ الجزء السابع في مناقب علي ( عليه السلام ) وفضائله وسوالفه ، والرد على الحشوية فيما يروونه بزعمهم من فضائل أبي بكر وعمر وغير ذلك من أشباهه.
ثمّ الجزء الثامن منه في ابتدائه بيان ما جاء في الأمر بطاعة علي ( عليه السلام ) ، واتّباعه ، والكون معه ، ثُمّ ذكر ما أسرّه وعهده رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إليه ، ثُمّ أخبار دعاء النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثُمّ بيان علم عليّ ( عليه السلام ) ، وما ذكر من أحكامه وقضاياه ، وأمر النبيّ بردّ ما اختلفوا فيه إليه.
في ابتداء الجزء التاسع منه ذكر ما نزل من الوحي والقرآن في علي ، وولاية الأئمّة من ذرّيّته ، ثمّ مناقب ومآثر له من وجوه شتّى.
وفي ابتداء الجزء العاشر منه ذكر مصابه وصفاته وكيفيّته ، ثمّ أخبار شهادة الرسول له بالجنّة ، وذكر ماله في الآخرة ، ثمّ ما جاء من الأخبار مجملاً في ذكر أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
ثمّ الجزء الحادي عشر منه فيه تمام ما جاء من الأخبار مجملاً في ذكر أهل بيته ، ثمّ ذكر فضيلة خديجة بنت خويلد زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثمّ ذكر فضل فاطمة ( عليها السلام ) بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثمّ ذكر ما جاء في فضل الحسن والحسين ( عليهما السلام ).
ثمّ الجزء الثاني عشر فيه تمام فضائل الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، ثمّ ذكر ما ارتكب به الحسن ( عليه السلام ) إلى أن سمّ فمات مسموماً ، ثمّ ذكر ما ارتكبوه من الحسين ( عليه السلام ).
في ابتداء الجزء الثالث عشر منه ذكر من قتل مع الحسين ( عليه السلام ) من أهل بيته ، ثمّ ذكر فضائل أهل بيت علي ( عليهم السلام ) ، ثمّ ذكر فضائل الأئمّة من ولد الحسين ( عليه السلام ) إلى أبي جعفر محمّد بن علي.
وفي ابتداء الجزء الرابع عشر منه ذكر مولانا جعفر بن محمّد ، وما كان من أمر الشيعة وحماقتهم ، وذكر مولانا إسماعيل بن جعفر ( عليه السلام ) ، ومحمّد بن إسماعيل ، والأئمّة المستورين ، وما كان في عصر كل واحد منهم من أمر متغلّبيهم ، وما آلت إليه عاقبة أمورهم ، ثمّ ذكر معالم المهدي ( عليه السلام ).
وفي ابتداء الجزء الخامس عشر منه تمام ذكر معالمه وبشاراته ، ثمّ ذكر آياته ( عليه السلام ).
ثمّ الجزء السادس عشر منه في صفات شيعة علي ( عليه السلام ) وأولاده ، وما
أعدّه الله لهم في الآخرة من الكرامة ، وذكر وصاياهم لهم ...
فهذه فهرسة أجزاء الكتاب بتمامها ، وهو كتاب شريف فاضل منيف ، قلّ ما يوجد في خزانة الدعوة الهادية مثله ; لاستيعابه جميع أقسام الفضل ووجوهه لأولياء الله وأوليائهم مع التبيين والشرح فيما أشكل على الواقف من الأخبار والآثار والاحتجاجات في أثنائها ، وغير ذلك مما ذكرنا فيه (١).
قال السيّد الجلالي في مقدّمة الكتاب : واسمه الكامل « شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار » وقد استعرض فيه النعمان النقاط الهامّة في حياة أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) إلى الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، وتوسّع في ما يتعلّق بفضائل الإمام علي ( عليه السلام ) ، وردّ شبهات المخالفين ، ثمّ انتصر فيه للإسماعيلية.
ثمّ ذكر السيّد الجلالي تحت عنوان « نسخ الكتاب » نسخاً كثيرة لهذا الكتاب (٢).
____________
١ ـ فهرست المجدوع : ٦٩ ـ ٧٢.
٢ ـ شرح الأخبار ١ : ٧١ ـ ٧٦ ، مقدّمة السيّد محمّد حسين الجلالي.
(٢) اختلاف أصول المذاهب
الحديث :
الأوّل : قال : وقال النبي الناطق ، والرسول الصادق : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا على الحوض » (١).
الثاني : قال : وفي آيات كثيرة يذمّ فيها من قلّد من لم يؤمر بتقليده ، ويؤمر باتّباع من لم يؤمر بتقليده ، ويأمر باتّباع من أمر الله باتّباعه ، وقد رويناه عن ابن عمر أنّه قال : سمعت رسول الله يقول : « العلي في ثلاثة : آية محكمة ، وفريضة عادلة ، وسنّة قائمة ، وما سوى ذلك فهو ضلال » وقال : « تركت فيكم أمرين لن يضلّوا ما إن تمسّكوا بهما ، كتاب الله وسنتّي ، وإنّي أخاف على أمّتي من بعدي من أعمال ثلاثة : من حكم جائر ، وزلّة عالم ، وهوى متّبع ».
وهذه هي روايتهم ، وفيها أكبر الحجّة ، على من قلّد أسلافهم منهم ، وأمّا الثابت من الرواية الصحيحة أنّ النبي ، قال : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، كهاتين » وجمع بين اصبعيه المسبحتين من يديه ، وقرنهما وساوى بينهما ، وقال : « ولا أقول كهاتين » ، وقرن بين اصبعيه الوسطى والمسبحة من يده
____________
١ ـ اختلاف أصول المذاهب : ٤٩.
اليمنى ; « لأنّ إحداهما تسبق الأخرى ، ألا وإنّ مثلهما فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تركها غرق » (١).
الثالث : قال : ويكون الصاحب في ذلك نعتاً ، ويجري مجرى الاسم ، فيكون على هذا قوله : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم » يعني به : الأئمّة من أهل بيته ، فهم القدوة الذين يهتدي بهم المهتدون ، الذين خبّر عنهم بأنّهم وكتاب الله الثقلان « لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » (٢).
الرابع : قال : فإن قال قائل : أنتم تأخذون عن أئمّتكم ما لا تجدون في كتاب الله عزّ وجلّ نصّه ، ولا في سنّة رسوله بيانه ، وأخذكم عنهم تقليداً منكم لهم ، فلم تنكرون التقليد على غيركم؟
قلنا لهم : بئس ما تأوّلتم ومثّلتم ، تهتم ، أنّنا لم نقلّد أئّمتنا من قبل أنفسنا كما قلّدتمّ أنتم من اتّبعتموه ، وقلّدتموه من أسلافكم ، قبل أنفسكم ، وهم يدفعون تقليدكم ، ولكن امتثلنا في الرد إليهم فيما جهلناه ، ولم نعلمه لقول الله : ( ... ) ، وقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا » (٣).
____________
١ ـ اختلاف أصول المذاهب : ٥٨.
٢ ـ اختلاف أصول المذاهب : ٦٤.
٣ ـ اختلاف أصول المذاهب : ٧٠.
كتاب : اختلاف أصول المذاهب
قال القاضي النعمان في مفتتح كتابه هذا ـ بعد الحمد والصلاة ـ : أمّا بعد ، فإنّي رأيت أهل القبلة بعد اتّفاقهم على ظاهر نصّ القرآن ، وتصديق الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد اختلفوا في الفتوى في كثير من الفروع ، وفي بعض الأصول ، وفي وجوه كثيرة من التأويل ، وذهبوا في ذلك مذاهب ، وتفرّقوا فرقاً ، وتحزّبوا أحزاباً ، بعد أن سمعوا قول الله تعالى وتلوه : ( أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ) (١) وقوله : ... ، فذمّ جلّ ثناؤه التفريق والاختلاف ، ودعا إلى الاجتماع والائتلاف ، وأمر بذلك ، وحضّ عليه في إقامة الدين ، ونهى عن التفريق فيه ، وقد رأيت ، وبالله أستعين ، وعليه أتوكّل ، وعلى تأييد وليّه وإرشاده ومواده أعوّل ، وإيّاه لفاقتي أسترشد وأستعد ، ومن زواخر بحره أغترف واستمد ، بأن أبسط في هذا الكتاب ، وأبدأ فيه بعلّة اختلافهم ، والذي دعاهم إليه وحملهم عليه ، وسببهم فيه ، وأتلوه بذكر جملة أقوالهم ، وما أحلّوه لنفسهم ، وبيان فساده عليهم ، وأشفعه بذكر أهل الحقّ فيما اختلفوا فيه ، وإيضاحه وبيانه ، والشواهد له ، والدلائل عليه ، ثُمّ أذكر بعد ذلك قول كُلّ فرقة واحتجاجها بما قالته ، والرد عليه فيما فارقت فيه الحق في ذلك بحسب ما أخذناه عن أئمّتنا عليهم الصلاة والسلام (٢).
____________
١ ـ سورة الشورى : ١٣.
٢ ـ اختلاف أصول المذاهب : ٢٩ ـ ٣٠.
جاء في أوّل مخطوطة هذا الكتاب : قال قاضي القضاة النعمان عبد العزيز بن محمّد بن النعمان ، رويت هذا الكتاب ، وهو « اختلاف أصول المذاهب والردّ على من خالف الحق فيها » ، عن أبي القاضي محمّد بن النعمان ، رضي الله عنه وأرضاه ، ورواه أبي عن أبيه القاضي النعمان بن محمّد بن أحمد بن منصور بن حيون التميمي ، رضي الله عنه وأرضاه ، وأكرم منقلبه ومثواه ، مصنّف هذا الكتاب ، بعد عرضه إيّاه على مولانا وسيدنا الإمام المعز لدين الله أمير المؤمنين ، وعلى آبائه الطاهرين ، وأبنائه الأكرمين ، وأجازه له ، ومكان تصنيفه ، وروايته له ولولده من بعد ، بعد عرض كل راو منهم له على إمام زمانه ، واستئذانه إيّاه في روايته عنه ، فأجاز مولانا العزيز بالله لوالدي محمّد بن النعمان قاضيه إجازة ثانية ، فعرضت ذلك على مولانا الإمام الحاكم بأمر الله ، إمام العصر ، فأجاز لي روايته ، وأطلق إليّ إملاءه على عبيده ، ووقّع على ظهره توقيعاً معظّماً بخطّ يده الغالية : « أجزنا سماع هذا الكتاب وإملاءه لقاضينا عبد العزيز بن محمّد بن النعمان ، والحمد لله ربّ العالمين » (١).
ونسبه القاضي النعمان إلى نفسه في كتابه شرح الأخبار (٢).
ونسبه إليه ابن شهر آشوب في معالم العلماء تحت عنوان « أصول المذاهب » (٣).
ونسبه إليه أيضاً : المختار المسبحي في تاريخه ، كما عن ابن خلّكان (٤).
____________
١ ـ اختلاف أصول المذاهب : ٢٧ ـ ٢٨.
٢ ـ شرح الأخبار ٣ : ٣١٨.
٣ ـ معالم العلماء : ١٢٦.
٤ ـ وفيات الأعيان ٤ : ٥٨٦ ، حرف النون ، الوافي بالوفيات ٢٧ : ٩٥ ، تاريخ
ونسبه إليه السيّد الأمين في أعيان الشيعة (١) ، والحاجي خليفة في كشف الظنون (٢) ، والزركلي في الأعلام (٣) ، والبغدادي في معجم المؤلّفين (٤).
ونسبه إليه الطهراني في الذريعة ، واحتمل أن يكون اختلاف أصول المذاهب هو نفسه اختلاف الفقهاء (٥).
وعلّق على هذا السيّد الجلالي في مقدّمة كتاب شرح الأخبار ، قال : وقد أصاب شيخنا العلاّمة رحمه الله في كون المراد به كتاب اختلاف الفقهاء الذي ذكره ابن خلّكان (٦).
قال محقّق الكتاب مصطفى غالب في المقدمة : وكتاب اختلاف أصول المذاهب الذي نضعه الآن بين أيدي الباحثين هو أحد مؤلّفات القاضي النعمان بن محمّد العديدة ، وقد أتى على ذكره أكثر المؤرّخين ، والجدير بالذكر أنّ الأئمّة الإسماعيليين كانوا يخصّصون الجوائز القيّمة لكل من يحفظ هذا الكتاب ، كما وأنّ أولاد النعمان وأحفاده كانوا يقرؤونه على الناس في الجوامع ، ولقد أمدّنا هذا الكتاب بوثيقة ذات قيمة تاريخية هامّة ، وهي نصّ سجل تعيين القاضي النعمان بالمنصورية وأعمالها ، وإطلاق النظر له فيمن تظلّم إليه من أهل المدن التي فيها القضاة والحكام وغيرهم بجميع
____________
الإسلام للذهبي ٢٦ : ٣١٦ ، وفيات سنة ٣٦٣هـ.
١ ـ أعيان الشيعة ١٠ : ٢٢٣.
٢ ـ كشف الظنون ١ : ٣٢.
٣ ـ الأعلام ٨ : ٤١.
٤ ـ معجم المؤلّفين ١٣ : ١٠٧.
٥ ـ الذريعة ١ : ٣٦٠.
٦ ـ شرح الأخبار ١ : ٤٤ ، مقدّمة السيّد محمّد حسين الجلالي.
الكور ، وإنفاذ الحق على من وجب عليه ، واعطاؤه مستحقّه ، وفيه نقف على مدى اعتماد الإمام المعز على النعمان ... ، وتاريخ كتابة هذا السجل هو يوم الاثنين لليلتين بقيتا من شهر ربيع الأول ، سنة ثلاثمائة وثلاث وأربعين هـ ، ولقد تصدّى النعمان في هذا الكتاب للرد على خصوم المذهب الإسماعيلي (١).
وقال المجدوع في فهرسته : وهو كتاب عجيب بليغ كاف فيما بني عليه ، استوعب فيه دلائل كل منهم ، وذكر جميع ما قالوه في دعواهم جملة ، ثمّ الردّ عليهم في ذلك تفصيلاً (٢).
هذا ، وقد ذكر السيّد محمّد حسين الجلالي عدّة نسخ للكتاب في تقديمه لكتاب شرح الأخبار للقاضي النعمان (٣).
____________
١ ـ اختلاف أصول المذاهب : ٢٢ ـ ٢٣ ، مقدّمة المحقّق.
٢ ـ فهرست المجدوع : ٩٧.
٣ ـ شرح الأخبار ١ : ٤٤ ، المقدّمة.
(٣) دعائم الإسلام
الحديث :
قال : وروينا عن أبي ذر رحمة الله عليه أنّه شهد الموسم بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فلمّا احتفل الناس في الطواف ، وقف بباب الكعبة ، وأخذ بحلقة الباب ، وقال : يا أيّها الناس ، ثلاثا ، واجتمعوا ، ووقفوا ، وأنصتوا ، فقال : من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري ، أحدّثكم بما سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سمعته يقول حيث احتضر : « إنّي تارك فيكم الثقلين : ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا على الحوض كهاتين » ، وجمع بين اصبعيه المسبحتين من يديه ، وقرنهما وساوى بينهما ، وقال : « ولا أقول كهاتين » ، وقرن بين اصبعيه الوسطى والمسبحة من يده اليمنى « لا أحدهما تسبق الأخرى ، ألا وإنّ مثلهما فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تركها غرق » (١).
____________
١ ـ دعائم الإسلام ١ : ٢٧ ـ ٢٨.
كتاب : دعائم الإسلام
قال القاضي النعمان في مقدّمة كتابه هذا ـ بعد الحمد والثناء ـ : فإنّه لمّا كثرت الدعاوي والآراء ، واختلفت المذاهب والأهواء ، واخترعت الأقاويل اختراعاً ، وصارت الأمّة فرقاً وأشياعاً ، ودثر أكثر السنن فانقطع ، ونجم حادث البدع وارتفع ... ، فقد رأينا ـ وبالله التوفيق ـ عند ظهور ما ذكرناه أن نبسط كتاباً جامعاً مختصراً ، يسهل حفظه ، ويقرب مأخذه ، ويغني ما فيه من جمل الأقاويل عن الإسهاب والتطويل ، نقتصر فيه على الثابت الصحيح ممّا رويناه عن الأئمّة من أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من جملة ما اختلفت فيه الرواة عنهم في دعائم الإسلام ، وذكر الحلال والحرام ، والقضايا والأحكام ، فقد روينا عن أبي جعفر محمّد بن علي ( عليه السلام ) أنّه قال : « بني الإسلام على سبع دعائم : الولاية ، وهي أفضلها ، وبها وبالولي يوصل إلى معرفتها ، والطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد ، فهذه دعائم الإسلام نذكرها إن شاء الله بعد ذكر الإيمان الذي لا يقبل الله تعالى عملاً إلاّ به ، ولا يزكو عنده إلاّ من كان من أهله ، ونشفعها بذكر الحلال والحرام ، والقضايا والأحكام ; لما في ذلك من التعبّد ، والمفروضات في الأشربة ، والبياعات ، والمأكولات ، والمشروبات ، والطلاق ، والمناكحات ، والمواريث ، والشهادات ، وسائر أبواب الفقه المثبتات الواجبات (١).
____________
١ ـ دعائم الإسلام ١ : ٣ ، مقدّمة المؤلّف.
نسبه إليه الذهبي في تاريخ الإسلام ، قال : وللنعمان كتاب دعائم الإسلام ، ثلاثون مجلّداً في مذهب القوم (١).
وكذا نسبه إليه الصفدي في الوافي بالوفيات (٢).
قال الداعي إدريس القرشي ( ت ٨٧٢ هـ ) في سبب تأليف هذا الكتاب في كتابه عيون الأخبار : حضر القاضي النعمان بن محمّد وجماعة من الدعاة عند أمير المؤمنين المعز لدين الله ، فذكروا الأقاويل التي اخترعت ، والمذاهب والآراء التي افترقت بها فرق الإسلام ، وما اجتمعت ، وما أتت به علماؤها ، وابتدعت ، وتسامت إليه من العلم بغير برهان مبين وادعت ، فذكر أمير المؤمنين المعز لدين الله ( عليه السلام ) فيما رواه آباؤه الطاهرون : « لتسلكن سبيل الأمم قبلكم ذراعا بذراع ، وباعاً بباع ، حتّى لو سلكوا خشرم دبر لسلكتموه » ، ثمّ ذكر لهم المعز لدين الله « إذا ظهرت البدع في أمّتي فليظهر العالم علمه ، وإلاّ فعليه لعنة الله » ونظر إلى القاضي النعمان بن محمّد فقال : أنت المعني بذلك في هذا الأوان يا نعمان ، ثمّ أمره بتأليف كتاب الدعائم ، وأصّل له أصوله ، وفرّع له فروعه ، وأخبره بصحيح الروايات عن الطاهرين من آبائه ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (٣).
قال العلاّمة المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) في البحار : وكتاب دعائم الإسلام تأليف القاضي النعمان بن محمّد ، وقد ينسب إلى الصدوق ، وهو خطأ (٤).
____________
١ ـ تاريخ الإسلام ٢٦ : ٣١٦ ، وفيات سنة ٣٦٣ هـ.
٢ ـ الوافي بالوفيات ٢٧ : ٩٥.
٣ ـ فهرست المجدوع : ١٨ ، عن عيون الأخبار.
٤ ـ بحار الأنوار ١ : ٢٠ ، مصادر الكتاب.