موسوعة حديث الثقلين - ج ٤

مركز الأبحاث العقائديّة

موسوعة حديث الثقلين - ج ٤

المؤلف:

مركز الأبحاث العقائديّة


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-66-9
ISBN الدورة:
978-600-5213-62-1

الصفحات: ٢٦٤
  الجزء ١ الجزء ٣ الجزء ٤

فالقاضي النعمان يعتقد بظهور الإمام المهدي الذي نصّ عليه الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في زمانه ، وهذه عقيدة بمفردها كفيلة بإخراج القاضي النعمان عن مذهب الإمامية ، وإدخاله في الإسماعيليّة ; لأنّها العقيدة التي استقرّ عليها الفكر الإسماعيلي.

ثالثاً : اعتقاده بالإمامة الإلهية لمن عاصره من الخلفاء الفاطميين ومن بعدهم :

قال في كتابه المجالس والمسايرات : ولقد كنت جمعت عن المهدي بالله ، والقائم بأمر الله ، والمنصور بالله صلوات الله عليهم ورحمته وبركاته ، وفيهم وفي فضائلهم من الكتب ما يطول ذكرها ، وألّفت سيرة المعز لدين الله صلوات الله عليه من الوقت الذي افضى الله عزّ وجلّ بأمر الإمامة إليه إلى اليوم ، وأنا ذائب في ذلك إلى أن ينقضي عمري ـ إن شاء الله تعالى ـ ويصلها من بعدي من عقبي وأعقابهم بتوفيق الله إيّاهم بطول بقاء وليّه ودوام عزَّه وسلطانه (١).

وقال أيضاً : أمّا بعد ، فإنّا لمّا أثرنا ما أثرناه من الفضائل والحكمة والعلم والمعرفة عن أسلاف أئمّتنا ، بنقل من أدّى ذلك عنهم إلينا ، من صالحي إخواننا ، وأخاير أسلافنا ، وكان لهم بما يحملونه من ذلك إلينا ، فضل المبلّغ الحامل ، وثواب الصادق الناقل ، دعتنا الرغبة في ثواب ذلك إلى نقل ما سمعناه ، وتأدّى إلينا ورويناه ، وأثرنا عمّن شاهدناه وأدركناه منهم صلوات الله عليهم ، إلى غيرنا ممّن غاب عن ذلك من أهل عصرنا ; لينقلوا ذلك عنّا إلى من يأتي من بعدنا ، كما نقل إلينا ما أثرناه من أدركناه عمّن مضى من قبلنا (٢).

____________

١ ـ المجالس والمسايرات : ٤٦.

٢ ـ المجالس والمسايرات : ٤٥.

٤١

وقال في كتابه اختلاف أصول المذاهب : أثبَتُ ما أعتمد في هذا الباب ، وأصلَحُ ما أحتجّ به لما قصدت إليه في هذا الكتاب ، بعد كتاب الله جلّ ذكره وسنّة رسوله ، ما عهده إليّ الإمام المعز لدين الله أمير المؤمنين ، صلّى الله عليه ، وعلى آبائه الهداة الراشدين في كتاب عهده ، كتبه لي في تأييد أمر القضاء ، رأيت إثبات نسخة منه في هذا الكتاب ; لما فيه من الحجّة لما قصدت إليه فيه ، ولكثرة فوائده ، وجزالة معانيه ، ولأنّه ممّا ولي نفسه تأليفه ، وما علمت أنّه تقدّم في عهود القضاة قبله مثله ، فرأيت مع ما فيه من الحجّة لما يدخل في هذا الكتاب إبقاء ذكره بتخليده في هذا الكتاب ، ولما في ذلك من إبقاء الذكر ، وتخليد الشرف بما ذكرني به فيه وليّ الله ، وهذه صورة ما فيه :

بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا الكتاب من عبد الله ووليّه معد أبي تميم ، الإمام المعز لدين الله ، أمير المؤمنين ، إنّ أمير المؤمنين للمحلّ الذي اصطفاه الله به من الخلافة السنيّ قدرها ، والإمامة العليّ خطرها ، وأن جعله سراجاً منيراً في أرضه ، يُهتدى به ، ويستضاء بنوره ، ونصبه علماً لخلقه ، وقائمة بحقّه ، وموطناً دائماً للإسلام.

إلى أن قال في مدح القاضي النعمان : وقد كان أمير المؤمنين الذي وقف عليه من ورعك وديانتك وأمانتك ونزاهتك وحميد طريقتك استكفاك القضاء ... ، ثمّ رأى عندما وقف عليه من صدق موالاتك ، وتوخّيك الحق في أحكامك ، وما كشف عنك الامتحان ، ومخضك به الاختبار ، وحسنت منك فيه الآثار ، توكيد ذلك لك ، وادعامه وتسديده وتقويته والزيادة فيه بكتاب منشور.

٤٢

إلى أن قال موصياً للقاضي النعمان : مقتدياً في أحكامك وقضائك بكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه ... ، وما لم تجد منه ولا في سنّة جد أمير المؤمنين محمّد رسول الله ربّ العالمين حكمه ، التمسها في مذاهب الأئمّة من ذرّيّته الطاهرين ، البررة الراشدين ، آباء مولانا أمير المؤمنين الذي استحفظهم الله أمر دينه ، وأودعهم خزائن علمه ، ومكنون وحيه ، وجعلهم هداة العباد ، وأنوار البلاد ... ، وما التبس عليك ، فأشكل واشتبه الحكم وأعضل ، ما نهيته إلى أمير المؤمنين ; ليوقفك على وجه الحكم فيه ، فتتمثّله ، وتعمل عليه ، فإنّه بقيّة خلفاء الله تعالى المهديّين ، وسلالة الأئمّة الراشدين الطاهرين ، الذين أمر الله جلّ اسمه بسؤالهم ، والاقتباس من علمهم ، وردّ الأمر إليهم ، فقال جلّ ذكره ، وتبارك اسمه : ولو ردّوه إلى الرسول وإلى ولي الأمر منهم محمّد صلى الله عليه وعلى آله لعلمه الذين يستنبطونه منهم (١).

وقال تعالى : ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) (٢).

وقال النبي الناطق والرسول الصادق : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا على الحوض » فمن اهتدى بأولياء الله في أرضه فقد اهتدى ، إلى آخر كلامه (٣).

وغيرها من النصوص العديدة التي تثبت اعتقاده باستمرار الإمامة إلى

____________

١ ـ من الواضح أنّه نقل مضمون الآية ، والآية هي : ( وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) النساء : ٨٣.

٢ ـ سورة النمل : ٤٣.

٣ ـ اختلاف أصول المذاهب : ٤٦.

٤٣

زمنه وبعد زمنه ، كما وقد خصّص فصولاً في كتابه « الهمّة في آداب أتباع الأئمّة » ذكر فيها آداب أتباع الأئمّة ، مع الأئمّة من كيفيّة المسايرة معهم ، والسلام عليهم ، والأكل والشرب في حضورهم ، والقيام والجلوس والتكلّم في مجالسهم ، وما شابهها ، فهذه أمور كلها تثبت اعتقاده باستمرار الإمامة إلى زمانه وما بعده ، كما هو واضح بأدنى تأمّل.

فصاحب هذه العقيدة كيف لا يكون إسماعيلياً؟ وكيف يمكن أن يتصوّر أنّه اثنا عشري؟!

رابعاً : ذكره للثورات الفاطمية وثناؤه عليها :

قال في كتاب افتتاح الدعوة : الحمد لله مؤيّد الحق ، وناصر أهله ... ، ولم يخل الأرض من إمام فيها للأمّة ، وقائل بالحق ، وقائم بالحجّة ، وإن تغلّب فيها المتغلّبون ، واستتر للتقية الأئمّة المستحفظون ، وأنّ لهم بكل جزيرة من جزائر الأرض داعياً لهم ، وبكل ناحية من نواحيها دليلاً عليهم ، ولو ذكرنا كل إمام منهم صلوات الله عليهم ، ومن دعا إليه ، وقام بأمره ، لطال الكتاب بذكرهم ، ولكنّا آثرنا من ذلك ذكر أمر الدعوة بأرض المغرب إلى المهدي صلوات الله عليه ، وابتداؤها فيها.

إلى أن قال : ذكر ابتداء الدعوة باليمن ، والقائم بها ، والسبب الذي كان في قيامه بأسبابها ، بدأنا بذكرهذه الدعوة المباركة ; إذ كانت أصل الدعوة التي قصدنا إلى ذكرها ، وإليهما أرسل الداعي ، ومن اليمن نفذ إلى المغرب ، وعن صاحب دعوته أخذ ، وبآدابه تأدّب.

وصاحب دعوة اليمن هو أبو القاسم الحسن بن فرح بن حوشب بن زادان الكوفي ، وسمّي منصور اليمن ; بما أتيح له من النصر ، وكان إذا قيل له ذلك ، قال لهم : المنصور إمام من أئمّة آل محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

٤٤

ثمّ قال القاضي : والأخبار بذكر المنصور ( عليه السلام ) كثيرة ، روي عن جعفر ابن محمّد صلوات الله عليه أنّه قال : منّا المهدي ، ومنّا المنصور ، وفي حديث آخر : أبشروا فتوشك أيّام الجبّارين أن تنقطع ، ثمّ يأتي الجابر الذي يجبر الله به أمّة محمّد ، وهو المهدي ، ثمّ المنصور الذي ينصر الله به الدين (١).

إلى آخر ما يذكره من أمر المنصور باليمن ، والمهدي ، ومن عاصرهم من ثوّار ، وأئمّة الفاطمية والإسماعيليّة.

وقال في شرح الأخبار : صاحب دعوة اليمن ، وهو الحسن بن فرج ابن حوشب بن دادان الكوفي ، وكان من أجلّة الدعاة وخيارهم وثقاتهم ، ومن أهل الصدق والورع والفضل والدين ، وإخلاص الولاية لأولياء الله تعالى ، وكذلك كان ، وعليه مات ، رضوان الله عليه (٢).

وغيرها من النصوص التي تثبت تأييده للدعوات الفاطمية والإسماعيليّة ، بل واعتقاده بها.

خامساً : اصطلاحه على الدعاة بنطقاء وحدود :

قال في أساس التأويل : إنّ النطقاء يأخذون عن الحدود ، كما ذكر الله في قصّة إبراهيم ، وقوله للنجم « هذا ربي » (٣).

ومن الواضح لمن له اطّلاع على أدبيات المذهب الإسماعيلي أنّ اصطلاح النطقاء والحدود وما شاكلها من أوّليّات المصطلحات الإسماعيليّة ، ومن الأمور المرتكزة عندهم.

____________

١ ـ افتتاح الدعوة ١٥ ـ ١٦.

٢ ـ شرح الأخبار ٣ : ٤٠٣.

٣ ـ أساس التأويل : ١٠٩ ، نقلاً عن فهرست المجدوع : ٢٤٦.

٤٥

وهناك الملاحظات الكثيرة الموجودة في مجموع مؤلّفات القاضي النعمان ، والتي تثبت اعتقاده بما يعتقده الإسماعيليّة في الكثير من أساسيات الاعتقاد بالإمامة وما شاكلها.

٤٦

الامر الرابع الذي يجاب به عن الوجه الاول

الذي ذكره النوري

بأن يقال : حتّى لو فرضنا أنّ القاضي النعمان لا يقبل بهذه العقائد ، وأنّ عدم ذكره لها يعني نفيه لها ، فهو لا يدلّ على أنّ القاضي النعمان من الإمامية الاثني عشرية.

النتيجة النهائية :

أنّ الأمر الأوّل الذي ذكره النوري ، واستدلّ به غير صحيح ، ولا ينفي أو يثبت شيئاً.

نعم إنّ بعض الاعتقادات التي ذكرها النوري في كلامه المتقدّم الذي نقله عن النوبختي في كتابه الفرق ، لم يرتضها القاضي النعمان ورفضها ، ولكن هذا لا يعني عدم إسماعيليّته ; لأنّ هذه العقائد موضع خلاف بينهم ، ولم يرتضها كثير من الإسماعيليّة ، فإنّ الإسماعيليّة فرق ومذاهب ، وبينهم اختلاف كثير في كثير من العقائد.

قال علي نقي منزوي في مقدّمة كتاب فهرست المجدوع : الإسماعيليّة اليوم على ثلاثة أقسام :

١ـ من يتمسّك بالظاهر من الدين ، وإن كانت كتبهم مليئة بالتأويل والباطن ، وهم المستعلية البهرة.

٤٧

٢ـ من يعمل بالظاهر تارة ويهمله تارة أخرى ، وهم النزارية الآغاخانية.

٣ـ من لا يعترف بالظاهر أبداً ، ويقولون بنسخ الشرائع كلّها ، ولا يعترفون إلاّ بالتوحيد ، ويسمّون بالموحّدين الدروز (١).

وقد رفض كثير من الإسماعيليّة هذه الاعتقادات (٢) ، ونسبوها إلى أعدائهم ، أي : أنّ أعداءهم افتروا عليهم بهذه الاعتقادات ، قال الدكتور مصطفى غالب في كتابه تاريخ الدعوة الإسماعيليّة : ولمّا شعرت الخلافة العبّاسية التي كانت تجوز مرحلة اضطراب وضعف ، ويتعاقب في خلافتها عدّة من الخلفاء الضعاف ، أقول : شعرت بخطر الحركة الإسماعيليّة الداهم ، فوكّلت رؤساء الدين ، وأصحاب المقالات الدينيّة بالطعن بمبادىء هذه الحركة ، والافتراء عليها بالأكاذيب ، ولينعتوا مذهبها ونظامها بالإباحية ، والزندقة ، والإلحاد ، والخروج عن الدين الإسلامي الحنيف ، ويطعنوا أيضاً بنسب أئمّة هذه الحركة (٣) (٤).

وقال أيضاً : فالعقيدة الأساسية الجامعة للإسماعيليّة تترسّخ في حقائق ثابتة هي :

١ـ العبادة العملية ( أي : علم الظاهر ) (٥) : وهو ما يتّصل بفرائض الدين وأركانه.

____________

١ ـ فهرست المجدوع : ٣ ، مقدّمة المحقّق.

٢ ـ التي ذكرها النوري فيما تقدّم.

٣ ـ تاريخ الدعوة الإسماعيليّة : ٥ ، مقدّمة المؤلّف.

٤ ـ نعم ، لا يمكن أن ينكر أحد أنّ بعض فرق الإسماعيليّة قد خرجوا عن الدين الإسلامي في كثير من عقائدهم كما في الدروز.

٥ ـ واُنظر كتاب تاج العقائد لعلي بن محمّد الوليد فإنّه فصّل فيه هذه الأمور على أحسن وجه.

٤٨

٢ ـ العبادة العلمية ( أي : علم الباطن ) : من تأويل ، ومُثُل عليا للتنظيمات الاجتماعية ، ومُثُل عليا للإدارة السياسية.

وكل هذه النقاط تعتبر من صميم العقائد ، تتداخل مع بعضها تداخلاً كلّياً ، وتعتمد كل واحدة على الأخرى ، فهم يقولون بالباطن والظاهر معاً ، وذهبوا إلى تكفير من اعتقد بالباطن دون الظاهر ، أو بالظاهر دون الباطن ، وفي ذلك يقول الداعي المؤيد في الدين : « من عمل بالباطن والظاهر معاً فهو منّا ، ومن عمل بأحدهما دون الآخر ، فالكلب خير منه ، وليس منّا » ومن أصول ومرتكزات العقيدة الإسماعيليّة ضرورة وجود الإمام المعصوم المنصوص عليه من نسل علي بن أبي طالب ، والنصّ على الإمام يجب أن يكون من الإمام الذي سبقه بحيث تتسلسل الإمامة في الأعقاب.

إلى أن قال : والإسماعيليّة يعتبرون من حيث الظاهر أنّ الأئمّة من البشر ، وأنّهم خلقوا من الطين ، ويتعرّضون للأمراض والآفات والموت ، مثل غيرهم من بني آدم ، ولكن في التأويلات الباطنية يسبغون عليه وجه الله ، ويد الله ، وجنب الله ... (١).

وأمّا عقيدتهم بالنبي والأئمّة فهي خالية عن التأليه وما شاكل ـ طبعاً عند بعضهم ـ قال علي بن محمّد بن الوليد ـ وهو من الفلاسفة والمتأوّلين المعروفين عند الإسماعيليّة ـ في رسالته « الإيضاح والتبيين في كيفية تسلسل ولادتي الجسم والدين » : وأشهد أنّ محمّداً خير شمس طلعت في سماء الدين ، وأرفع علم نصب لنجاة المهتدين ، وأشرف نبي ... ، وأشهد أنّ علياً أشرف وصي فصّل مجمل تنزيله ، وأوضح حقائق تأويله ... ، القائل : والله لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً ، الهالك فيه الغالي والمقصّر ،

____________

١ ـ تاريخ الدعوة الإسماعيليّة : ٣٩ ـ ٤٠.

٤٩

والناجي بولائه المؤمن المستبصر ... ، وعلى سيدة النساء وخامسة أصحاب الكساء ، درّة الفخر وممثول ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر ، فاطمة الزهراء ... ، وعلى سبطي النبوة والإمامة المتوّجين من حصانة الرسول ، وكفالة الملائكة بتاج الكرامة ، الحسن المستودع لسرّ الملكوت ، والكفيل المندوب للقيام بسكينة التابوت ، والحسين الجاري ذلك السرّ في عقبه إلى يوم الحساب ... ، وعلى الأئمّة من ولد الحسين (١).

وقال في كتابه تاج العقائد ـ موضّحاً للتشويش الذي حصل للكثير ـ : وأنّه لمّا طال الزمان ، وحدث في هذه الديار ما حدث من الغلاة ، وتشتّت أهلها ، درست تلك الكتب ، وفسدت خواطر أكثر الناس ، وجائت محن عدّة على أرباب هذا المذهب في عدّة أوقات ، أوقفت خواطرهم مع ما ورد من ديار الشام ، لمّا فتحت من المذاهب كالعادية والحاكمية والذهبية والدرزية والمحصبية والجليلية والنصيرية والتعلمية ، والذين يقولون بالحلول والتجسيم ، فاحتموا بهذا المذهب ستراً على ما هم عليه ، ودرسوا ما قد وجدوه من الكتب والحقائق ، واستمرّ الفساد ، فلم يبقَ من الدين إلاّ اسمه ، ولا من التوحيد إلاّ رسمه ، وزادت الغلبة منهم مع أسباب لا سبيل إلى ذكرها ، وجاء مقدمون يميلون إلى الدنيا ، فتصانعوا خوفاً على زوال الرئاسة ، فقلّ المتعلّم ... (٢).

وهو كلام واضح فيمن انحرف عن العقيدة الإسماعيليّة الأصليّة ، والدخلاء الذين تستّروا باسم الإسماعيليّة.

____________

١ ـ رسالة الإيضاح والتبين : ١٠٤ ـ ١٠٥ ، ضمن أربع رسائل إسماعيليّة ، صحّحها شتروطمان.

٢ ـ تاج العقائد ومعدن الفوائد ١٢ ، مقدّمة المؤلّف.

٥٠

وغيرها من النصوص التي تبيّن عقائد بعض الإسماعيليّة التي تغاير ما ذكره النوري ، ونحن لا نريد أن ندّعي عدم قول أحد منهم بهذه العقائد المذكورة ، ولكن نريد أن نبيّن أنّ هذه أمور خلافيّة بين أتباع الإسماعيليّة وعلمائهم ـ على أقلّ تقدير ـ ، وعدم ذكر القاضي النعمان لهذه العقائد لا يعني عدم إسماعيليّته.

بل الأمر أكثر من هذا ، فقد وقع اختلاف كبير في أصل تأسيس المذهب الإسماعيلي ، وكيفيّة نشوئه ، يقول الكاتب الإسماعيلي مصطفى غالب في كتاب تاريخ الدعوة الإسماعيليّة : ويستدلّ من المصادر التاريخية على أنّ هذه الحركة نشأت نشأتها الأولى سنة ١٢٨هـ ، في العراق وفارس ، كحركة دينية أوجدها الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، ولكن علماء الدعوة يذكرون بأنّ دعوتهم قديمة قدم هذا الوجود ، ولديهم ما يثبت هذا القول علمياً وعقائدياً ، وهناك قسم آخر منهم يذهب إلى القول بأنّ الدعوة الإسماعيليّة بدأت منذ عهد إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، ويستدلّون على ذلك بنظريات فلسفية وعقائدية ، وبالرغم من أنّنا نملك أكثر من مصدر يؤيّد هذه الأقوال إلاّ أنّنا نذهب مع أكثر الباحثين والمؤرّخين فنبدأ ببحث هذه الدعوة منذ عهد الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، وما بعده (١).

قال الشهرستاني في الملل والنحل : قد ذكرنا أنّ الإسماعيليّة امتازت عن الموسوية ، وعن الاثني عشرية بإثبات الإمامة لإسماعيل بن جعفر ، وهو ابنه الأكبر ، المنصوص عليه في بدء الأمر ... ، وقد ذكرنا اختلافاتهم في موته في حال حياة أبيه.

____________

١ ـ تاريخ الدعوة الإسماعيليّة : ٦ ، مقدّمة الطبعة الثانية.

٥١

قالوا : وبعد إسماعيل محمّد بن إسماعيل السابع التام ، وإنّما تمّ دور السبعة به ، ثمّ ابتدأ منه بالأئمّة المستورين الذين كانوا يسيرون في البلاد سرّاً ، ويظهرون الدعاة جهراً.

قالوا : ولن تخلو الأرض قط من إمام حي قائم ، إمّا ظاهر مكشوف ، وإمّا باطن مستور ... ، ثمّ بعد الأئمّة المستورين كان ظهور المهدي بالله ، والقائم بأمر الله ، وأولادهم نصّاً بعد نصّ على إمام بعد إمام (١) ، ومن مذهبهم أنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية (٢).

فالاختلاف في العقائد وارد جداً ، وعدم ذكر عقيدة خلافية لا يعني خروج من لم يذكرها عن المذهب ، وخصوصاً الاختلافات وصلت بهم إلى أصل التأسيس والتكوّن.

____________

١ ـ أقول : وهذا يناسب ما تقدّم نقله عن القاضي النعمان تماماً.

٢ ـ الملل والنحل ١ : ١٩١ ـ ١٩٢.

٥٢

الوجه الثاني

الذي استدلّ به النوري

قال في المستدرك : وأمّا ثانياً : فلأنّه صرّح في كتابه بكفر الباطنية ، وضلالتهم ، وخروجهم عن الدين ، فإنّه قال في باب ذكر منازل الأئمّة ( عليهم السلام ) ، وتنزيههم ممّن وضعهم بغير مواضعهم ، وتكفيرهم من ألحد فيهم ، ما لفظه : أئمّة الهدى صلوات الله عليهم ورحمته وبركاته ، خلق مكرّمون من خلق الله جلّ جلاله ، وعباد مصطفون من عباده ، افترض طاعة كل إمام منهم على أهل عصره ، وأوجب عليهم التسليم لأمره ، وجعلهم هداة خلقه إليه ... ، ليس كما زعم الضالّون المفترون بآلهة غير مربوبين ، ولا بأنبياء مرسلين ، ولمّا كان أولياء الله الأئمّة الطاهرين ... ، كان الشيطان أشدّ عداوة لأوليائهم ، وأهل طاعتهم ... ، وقعد الشيطان كل امرئ منهم من حيث يجد السبيل إليه ، وإلى الإجلاب بخيله ورجله عليه ، فمن كان منهم قصير العلم ، متخلّف الفهم ، ممّن تابع هواه ، استفزّه وأغواه ... ، وسهّل عليهم العظائم في رفض فرائض الدين ، والخروج من جملة المسلمين بفاسد أقام لهم من التأويل ، ودلّهم عليه بأسوء دليل ، فصاروا إلى الشقوة والخسران ، وانسلخوا من جملة الإيمان.

ثمّ ذكر النوري ما ذكره القاضي النعمان من قصّة أبي الخطّاب ،

٥٣

وتجويزه لأتباعه فعل المحرّمات ، وترك الواجبات ، وتأويل الأحكام.

ثمّ نقل ذمّ الإمام الصادق ( عليه السلام ) لأبي الخطّاب أشدّ الذم ، وأنّ أبا الخطّاب ومن يعتقد بعقيدته خارجون عن الإسلام.

ثمّ ذكر قول النويختي : إنّ الإسماعيليّة هم الخطّابية أتباع أبي الخطّاب محمّد بن أبي زينب الأسدي الأجدع.

إلى أن قال النوري : ومن ذلك كلّه ظهر أنّ نسبة هذا العَلم الجليل ، صاحب هذا المؤلّف الشريف إلى هذا المذهب السخيف افتراء عظيم (١).

____________

١ ـ خاتمة المستدرك ١ : ١٣٥ ـ ١٤٠.

٥٤

الرد على الوجه الثاني بأمور

الأمر الأوّل :

أنّه تقدّم أنّ الإسماعيليّة على طوائف ، وبينهم اختلاف كثير في كثير من المسائل العقائدية ، ولم يقبل بعضهم عقائد بعض ـ كما تقدّم ـ فنفي القاضي النعمان هذه العقائد لا يخرجه عن الإسماعيليّة بصورة قاطعة.

الأمر الثاني :

أنّ القاضي النعمان لم يذمّ الباطنية وأهل التأويل بشكل مطلق ، بل ذمّ من كانت تأويلاته تأويلات شيطانية مغشوشة ، بعيدة عن الصواب والحقيقة ، وهذا أمر وافقه عليه غيره من علماء الإسماعيليّة الذين لا يشكّ أحد بإسماعيليّتهم ، كما تقدّم ذلك عن الداعي المؤيّد في الدين ، والذي يدلّ على هذا المعنى أنّ القاضي النعمان يؤمن بالتأويل والباطن المعتمدين على أسس ومبادئ صحيحة من دون تدخّلات الشيطان ، لذلك فقد ألّف كتاب أساس التأويل ، وكتاب تأويل دعائم الإسلام ، وكتاب تأويل الشريعة ، وكتاب تأويل القرآن ، وغيرها.

الأمر الثالث :

قد رفض الإسماعيليّة ـ وقد تكون مسألة وفاقية بينهم ـ دعوة أنّ

٥٥

مؤسّس الإسماعيليّة هو أبو الخطّاب ، بل عندهم بطلان هذه الدعوة من الواضحات.

قال مصطفى غالب في كتابه تاريخ الدعوة الإسماعيليّة ـ بعد أن ذكر كلام المستشرق برنارد لويس ، القائل بأنّ الإسماعيليّة تأسّست على يد أبي الخطّاب ، ومن ثمّ ولده ـ : ونحن إذ نستغرب أن يأتي مستشرق مشهور مثل برنارد لويس ليطلع علينا بآراء خاطئة ، تدلّ على قصر باعه في الأبحاث الإسماعيليّة ، نقول : بأنّ جميع المخطوطات التي بين أيدينا تنفي أن تكون للإسماعيلية أيّ علاقة بالخطّابية ; لأنّ جميع المصادر الإسماعيليّة ، وأغلب المصادر السنّية والشيعية تعترف بعدم وجود تلك العلاقة ، كما وأنّ الإسماعيليين أنفسهم يعدّون الفرقة الخطّابية من الفرق المارقة المغالية (١).

فذمّ القاضي النعمان لأبي الخطّاب لا يعني أكثر من رفضه ورفض طريقته التي رفضها الكثير من الإسماعيليّة.

____________

١ ـ تاريخ الدعوة الإسماعيليّة : ١٢٧.

٥٦

الوجه الثالث

الذي استدلّ به النوري

قال في المستدرك : وأمّا ثالثاً : فلأنّ لأرباب هذا المذهب ودعاته قواعد واصطلاحات ورموزاً وإشارات ، لا أثر لها في هذا الكتاب (١) ، ولا إشارة فيه إليها ، فعندهم أنّه لابدّ في كل عصر من سبعة بهم يعتدون ، وبهم يؤمنون ، وبهم يهتدون ، وهم متفاوتون في الرتب ، إمام يؤدّي عن الله ، وهو غاية الأدلّة إلى دين الله ، وحجّة يؤدّي عن الإمام ، يحمل علمه ، وذومصّة يمصّ العلم من الحجّة ، أيّ يأخذه منه ، فهذه ثلاثة ، وأبواب وهم الدعاة ... (٢).

____________

١ ـ أي : دعائم الإسلام.

٢ ـ خاتمة المستدرك ١ : ١٤٠.

٥٧

الرد على الوجه الثالث بأمور

الأمر الأوّل :

أنّ عدم ذكر القاضي بعض العقائد الباطلة في كتابه دعائم الإسلام لا يعني عدم اعتقاده بها.

الأمر الثاني :

أنّ القاضي النعمان ذكر كثيراً من الأمور التي تتوافق مع المذهب الإسماعيلي في بقيّة كتبه ، كما تقدّم نقل ذلك ، ولا يكفي لنفي هذه الأمور عنه مجرّد عدم ذكرها في كتابه هذا ( دعائم الإسلام ) فلعلّه ليس بصدد بيان هذه الأمور ، والذي يؤيّد هذا ، ذكره لهذه العقائد في بقيّة كتبه ; لمناسبتها مواضيع تلك الكتب كما تقدّم نقل هذه الموارد في الجواب على الوجه الأوّل الذي استدلّ به.

الأمر الثالث :

أنّ القاضي النعمان قد أشار في كتابه افتتاح الدعوة بنحو مختصر إلى ما ذكره النوري من العقائد التي نسبها إلى الإسماعيليّة ، وقد تبنّاه القاضي كما هو ظاهر عبارته ، قال في افتتاح الدعوة ـ بعد الحمد والثناء ـ : ولم يخل الأرض من إمام فيها للأمّة ، وقائل بالحق ، وقائم بالحجّة ، وإن تغلّب

٥٨

فيها المتغلّبون ، واستتر للتقيّة الأئمّة المستحفظون ، وأنّ لهم بكل جزيرة من جزائر الأرض داعياً لهم ، وبكل ناحية من نواحيها دليلاً عليهم (١).

فمصطلح : قائل بالحق ، وقائم بالحجّة ، والاستتار ، والأئمّة المستحفظون ، وداعياً في جزائر الأرض ، ودليلاً عليهم ، هذه مصطلحات اختصّ بها المذهب الإسماعيلي دون غيره ، أي : اختصّ بمجموعها.

فهذا الأمر الذي استدلّ به النوري ـ أيضاً ـ لا يفي بالغرض ، ولا يثبت ما ادّعاه.

____________

١ ـ افتتاح الدعوة : ١٥.

٥٩

الوجه الرابع

الذي استدلّ به النوري

قال في المستدرك : وأمّا رابعاً : فلأنّك تجد في كتب الرجال لكثير من الفرق الباطلة ... ، علماء فقهاء ثقات ، قد أكثروا من التأليف والرواية ، وجمع الأحاديث وتدوينها ، وتلقّوها عنهم أصحابنا بالرواية والقبول ، ولا تجد في جميع الرواة رجلاً إسماعيلياً ، وإن كان ضعيفاً ، فضلاً عن كونه ثقة ، أو فقيهاً ، أو مؤلّفاً ، ومنه يظهر أنّهم كانوا في أوّل الأمر خارجين عن حدود الشرايع ، وحفظ الأخبار ، وروايتها ، وتدوينها ، غير معدودين من الرواة العلماء (١).

فما يريد قوله النوري : إنّ الإسماعيليّة منذ تأسيسها خارجة عن الدين والشريعة الإسلامية ولم يرو عنهم أحد من علمائنا ; لعدم اهتمامهم بعلم الرواية والحديث ، لذلك ليس عندهم هكذا مصنّفات يمكن النقل عنها ، فكيف يعد القاضي النعمان منهم وهو ، راو للأحاديث والأخبار ، وقد نقل عنه العلماء؟!

____________

١ ـ خاتمة المستدرك ١ : ١٤١ ، الفائدة الثانية.

٦٠