موسوعة حديث الثقلين - ج ٤

مركز الأبحاث العقائديّة

موسوعة حديث الثقلين - ج ٤

المؤلف:

مركز الأبحاث العقائديّة


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-66-9
ISBN الدورة:
978-600-5213-62-1

الصفحات: ٢٦٤
  الجزء ١ الجزء ٣ الجزء ٤

ولكن لم يرتض بعض المحققين هذا الرأي ، قال الأفندي ( ت حدود ١١٣٠ هـ ) في رياض العلماء : وقد اختلف في مذهبه ، فقيل : إنّه إسماعيلي ، وقيل : إنّه شيعي اثني عشري ، وقيل : إنّه مالكي. وعندي أنّه اثني عشري (١) ، تأمّل.

ولكن أوردناه في القسم الأوّل من كتابنا هذا لما ذهب إليه الأستاد الاستناد أيّده الله تعالى من كونه من أصحابنا.

ثمّ قال الأفندي : وأمّا الشيخ المعاصر ( قدس سره ) فقد اقتصر في أمل الآمل على إيراد كلام ابن خلّكان.

ثمّ قال : واعلم أنّ غاية ما يظهر من كلام ابن خلّكان وأضرابه أنّ هذا القاضي صار إمامياً بعد ما كان مالكياً ، ولم يعلم صيرورته اثنا عشرياً ، وهو المطلوب ، فتأمّل.

____________

١ ـ الظاهر يوجد سقط في عبارة : « وعندي أنّه اثني عشري » وأنّها : « وعندي أنّه ليس اثني عشري » وذلك لعدة قرائن :

القرينة الأولى : أنّ عبارة المتن لا تناسب الاستدراك الذي ذكره بعدها ، وهو قوله : « ولكن أوردناه في القسم الأول ... » ; لأنّ القسم الأوّل من رياض العلماء هو القسم الذي ذكر فيه خاصّة أصحابنا الإماميّة الاثنى عشرية ، فلو كان رأيه أنّ القاضي النعمان اثنا عشري لما علّل ذكره هنا برأي صاحب البحار ، بل سوف يكون ذكره هنا حسب منهج هذا الكتاب ، فكأنّه يريد بكلامه دفع إشكال مقدّر ، وهو : لماذا أوردته إذن في القسم الأوّل؟ وهذا السؤال لا يصحّ إلاّ إذا كان رأي المصنّف أنّ النعمان ليس اثني عشرياً ، لذلك دفع هذا الإشكال بقوله : « ولكن أوردناه في القسم الأوّل من كتابنا هذا لما ذهب إليه الأستاد الاستناد ... » أي : صاحب البحار.

القرينة الثانية : أنّه سوف يذكر بعد صفحة أنّ القاضي النعمان لم يثبت كونه اثني عشري ، كما سنذكره في المتن.

القرينة الثالثة : أنّ العبارة من جهة إعرابية لا تستقيم ، فإنّ الأنسب أن تكون : « وعندي أنّه اثنا عشري » لا « وعندي أنّه اثني عشري » أمّا إذا وضعنا « ليس » فتستقيم العبارة وتكون « أنّه ليس اثني عشرياً ».

٢١

لأنّ كونه من الإمامية يشمل سائر مذاهب الشيعة وطوائفها ، بل كلّها ، فمن أين علم أنّه كان من أصحابنا ، وأنّه اتّقى الخلفاء الإسماعيليّة؟

فهل هنا إلاّ مجرد دعوى واحتمال ; إذ ما الدليل على أنّه لم يكن إسماعيلياً حقيقة من بين مذاهب الإمامية ، فتأمّل. على أنّ ابن شهر آشوب ـ كما عرفت ـ قد صرّح في معالم العلماء بأنّ هذا القاضي لم يكن إمامياً أصلا ، فتأمّل (١).

فكلام صاحب الرياض واضح في أنّه لا يعتقد باثني عشرية القاضي النعمان.

وقال الخوانساري في روضات الجنات ـ بعد أن ذكر كلام ابن خلّكان ، والمجلسي ، والحر العاملي ـ : ولكن الظاهر عندي أنّه لم يكن من الإمامية الحقّة ، وإن كان في كتبه يظهر الميل إلى طريقة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، والرواية من أحاديثهم من جهة مصلحة وقته ، والتقرّب إلى السلاطين من أولادهم ، وذلك لما حقّقناه مراراً في ذيل تراجم كثير ممّن كان يتوهّم في حقّهم هذا الأمر بمحض ما يشاهد في كلماتهم من المناقب والمثالب المتين ، يجريهم الله تعالى على ألسنتهم الناطقة لطفاً منه بالمستضعفين من البريّة ، وأنت تعلم أنّه لو كان لهذه النسبة واقعاً لذكر سلفنا الصالحون ، وقدماؤنا الحاذقون بأمثال هذه الشوؤن ، ولم يكن يخفى ذلك إلى زمان صاحب الأمل ...

ومن جملة من نسبه إلى الإمامية ، ونسب كتاب دعائم الإسلام إليه هو سيدنا العلاّمة الطباطبائي في فوائده الرجالية ، فإنّه قال في طي ما قال :

____________

١ ـ رياض العلماء ٥ : ٢٧٥.

٢٢

وكتاب الدعائم كتاب حسن ، جيّد ، يصدق ما قد قيل فيه ، إلاّ أنّه لم يرو فيه عمّن بعد الصادق ( عليه السلام ) من الأئمّة ; خوفاً من الخلفاء الإسماعيليّة ، حيث كان قاضياً منصوباً من قبلهم بمصر ، لكنّه قد أبدى من وراء ستر التقيّة حقيقة مذهبه بما لا يخفى على اللبيب (١).

____________

١ ـ روضات الجنّات ٨ : ١٤٧ [ ٧٢٥ ].

٢٣

نظرة فاحصة

لما استدلّ به النوري

وقد حاول الشيخ النوري في المستدرك إثبات أنّ القاضي النعمان من الشيعة الاثني عشرية ، ودافع عن ذلك دفاعاً شديداً ، وذكر عدّة وجوه وقرائن على ذلك ، وناقش من لم يرتض هذا الأمر ، وقد تطرّق أوّلاً إلى قضيّة أنّه لم يرو عن الأئمّة بعد الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، وأثبت خلافها ، ونحن سنركّز البحث مع النوري لتوسعته البحث أكثر من غيره ، ومع الرد عليه يتضح الجواب على من ذهب إلى ما ذهب إليه ،

قال في المستدرك : والأمر كما قالوا (١) ، إلاّ أنّي رأيت فيه (٢) الرواية عن أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) ، وعن الرضا ( عليه السلام ) ، ففي كتاب الوصايا : عن ابن أبي عمير أنّه قال : كنت جالساً على باب أبي جعفر ( عليه السلام ) ، إذ أقبلت امرأة فقالت : استأذن لي على أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قيل لها : وما تريدين منه؟ قالت : ...

والمراد به أبو جعفر الثاني ( عليه السلام ) قطعاً ; لأنّ ابن أبي عمير لم يدرك

____________

١ ـ أي : في أنّ النعمان لم يرو عن الأئمّة ( عليهم السلام ) بعد الصادق ( عليه السلام ).

٢ ـ أي : كتاب دعائم الإسلام.

٢٤

الصادق ( عليه السلام ) ، فضلاً عن الباقر ( عليه السلام ) ، بل أدرك الكاظم ( عليه السلام ) ، ولم يرو عنه ، وإنّما هو من أصحاب الرضا والجواد ( عليهما السلام ) وهو من مشاهير الرواة ...

وفي كتاب الوقف عن أبي جعفر محمّد بن علي ( عليهما السلام ) أنّ بعض أصحابه كتب إليه : « أنّ فلاناً ابتاع ضيعة ، وجعل لك في الوقف الخمس » ، إلى آخر الخبر المروي في الكافي والتهذيب والفقيه ، مسنداً عن علي بن مهزيار ، قال : « كتبت إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) إلى آخره ، وعلي من أصحاب الجواد والرضا ( عليهما السلام ) ، لم يدرك قبلهما من الأئمّة ( عليهم السلام ) أحداً ، فلاحظ.

وفي كتاب الميراث عن حذيفة بن منصور ، قال : مات أخ لي ، وترك ابنته ، فأمرت إسماعيل بن جابر أن يسأل أبا الحسن علياً « صلوات الله عليه » عن ذلك ، فسأله فقال : « المال كله لابنته » (١) (٢)

فأراد النوري بكلامه هذا أن يدفع الإشكال الوارد على القاضي النعمان من أنّه لم يرو عن الأئمّة بعد الإمام الصادق ( عليه السلام ) الذي هو قرينة على إسماعيليّته ، فأثبت صاحب المستدرك روايته عن الأئمّة بعد الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، وهذا يكون قرينة على عدم إسماعيليّته ; لأنّه خلاف عقيدتهم في الأئمّة ، ولكن ناقش أكثر من واحد هذه الموارد التي ذكرها النوري :

____________

١ ـ خاتمة المستدرك ١ : ١٣٣.

٢ ـ سيأتي وجه الاستدلال بهذه الرواية عند نقاشها.

٢٥

نقاش المورد الأول :

إنّ المورد الأوّل الذي ذكره النوري غير موجود في الدعائم أصلاً ، أي : لم يروَ عن محمّد بن أبي عمير عن أبي جعفر ، بل إنّ ما موجود في الدعائم هو عن الحكم بن عيينة قال : « كنت جالساً على باب أبي جعفر ( عليه السلام ) إذ أقبلت امرأة ... » (١).

وهذا الخبر مروي أيضاً في الكافي (٢) ، والاستبصار (٣) ، والتهذيب (٤) ، والفقيه (٥) ، وغيرها.

وفي هذه المصادر : عن محمّد بن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن زكريا بن يحيى الشعيري ، عن الحكم بن عتيبة (٦).

قال السيّد محمّد حسين الجلالي ـ مقدِّم كتاب شرح الأخبار للقاضي النعمان ـ : ليس في سند المطبوع ابن أبي عمير ، بل روي عن الحكم بن عيينة (٧).

____________

١ ـ دعائم الإسلام ٢ : ٣٦٠.

٢ ـ الكافي ٧ : ٢٤.

٣ ـ الاستبصار ٤ : ١١٤.

٤ ـ تهذيب الأحكام ٩ : ١٦٤.

٥ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٢٣.

٦ ـ الظاهر يوجد تصحيف ، أي : تصحيف ابن عتيبة إلى ابن عيينة في دعائم الإسلام.

٧ ـ شرح الأخبار ١ : ٣١ ، المقدّمة.

٢٦

فالمورد الأوّل غير ثابت ، وعلى فرض ثبوته ، أي : روايته عن ابن أبي عمير ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، فقد ناقش السيّد الخوئي في ذلك أيضاً ، قال في معجم رجال الحديث : أقول : قد تقدّم أنّ المسمّى بمحمّد بن أبي عمير رجلان : أحدهما ، وهو المعروف ، أدرك الكاظم والرضا والجواد ( عليهما السلام ) ، والثاني من أصحاب الصادق ( عليه السلام ) ، وقد مات في زمن الكاظم ( عليه السلام ) ، والمناقشة المزبورة مبنية على أن يكون المراد بابن أبي عمير هو الأوّل ، ولكنه لم يثبت ، بل الظاهر أنّ المراد به الثاني ; لانصراف أبي جعفر إلى الباقر ( عليه السلام ) ، ولا أقلّ من التردّد والاجمال (١).

فهذا المورد غير ثابت.

____________

١ ـ معجم رجال الحديث ٢٠ : ١٨٤.

٢٧

نقاش المورد الثاني :

المورد الثاني الذي ذكره النوري هو رواية القاضي النعمان عن أبي جعفر محمّد بن علي ( عليهما السلام ) ، واستظهر أنّ أبا جعفر هو الإمام الجواد ( عليه السلام ) ; وذلك لأنّه قد رويت هذه الرواية في الكافي والتهذيب والفقيه عن علي بن مهزيار ، عن أبي جعفر ، وعلي بن مهزيار من أصحاب الرضا والجواد ( عليهما السلام ).

إذن قد ثبتت رواية القاضي النعمان عن الأئمّة ( عليهم السلام ) بعد الإمام الصادق ( عليه السلام ).

وقد ناقش السيّد الخوئي في هذا الاستدلال ، قال : أقول : إنّ ما رواه المشايخ الثلاثة لا شكّ في أنّ المراد بأبي جعفر ( عليه السلام ) فيه هو الجواد ، إلاّ أنّه لا يكون دالاًّ على إرادة أبي جعفر ( عليه السلام ) من رواية دعائم الإسلام ; إذ من الممكن أن تكون القصّة متكرّرة ، فكما كتب علي بن مهزيار إلى الجواد ( عليه السلام ) كتب شخص آخر إلى الباقر ( عليه السلام ) ، ويمكن أن تكون القصّة واحدة نسبها المشايخ الثلاثة إلى الجواد ( عليه السلام ) ، ونسبه القاضي النعمان إلى الباقر ( عليه السلام ) (١).

قال السيّد محمّد حسين الجلالي ـ مقدِّم كتاب شرح الأخبار للقاضي النعمان ـ : ليس في المطبوع عنوان كتاب الوقف ، وإنّما هو مدرج تحت عنوان كتاب العطايا ، والحديث هو برقم ١٢٩٠ ، ويبتدىء هكذا : « وعنه

____________

١ ـ معجم رجال الحديث ٢٠ : ١٨٥.

٢٨

[ أبي جعفر محمّد بن علي ] أنّ بعض أصحابه كتب إليه أنّ فلاناً ابتاع ضيعة ... ».

وما أكثر الروايات المتفقة نصّاً والمختلفة إسناداً ، فإنّ وجود تخريج للحديث في كتبنا لا يعني اتّحادهما (١).

أقول : إنّ احتمال وحدة السند بين ما في الدعائم وكتبنا الحديثية وإن كان ممكناً إلاّ أنّ هذا بحاجة إلى قرينة واضحة تثبته ، خصوصاً فيما نحن فيه ; لأنّ القاضي النعمان لم يرو عن الأئمّة بعد الصادق ( عليه السلام ) في بقيّة كتبه ، فإثبات روايته عن باقي الأئمّة ( عليهم السلام ) بحاجة إلى دليل قوي ، ولا يكتفى بهذا الاحتمال.

____________

١ ـ شرح الأخبار ١ : ٣٠ ، المقدّمة.

٢٩

نقاش المورد الثالث :

المورد الثالث الذي ذكره النوري وأثبت فيه رواية القاضي النعمان عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، وذلك من خلال استبعاد أن يروي إسماعيل بن جابر عن الإمام علي ( عليه السلام ) ; لأنّه من أصحاب الباقر ( عليه السلام ) فروايته عن أبي الحسن عليّ ، تعني روايته عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) لا الإمام عليّ ( عليه السلام ).

ولكن هذا المورد الذي ذكره النوري غير موجود في كتاب الدعائم أصلاً ، وهذه الرواية غير مذكورة في كتب الحديث الأخرى ، قال محقّق كتاب المستدرك : لم نعثر على هذه الرواية في النسخة المطبوعة من الدعائم ، ولم نعثر عليها في الكتب الحديثية ، ولعلّها مذكورة في نسخته (١).

وقد ناقش السيّد الخوئي هذا المورد حتّى على فرض وجوده ، قال في المعجم : أقول : ليست في هذه الرواية قرينة على أنّ المراد بأبي الحسن هو الرضا ( عليه السلام ) ، ومن المحتمل أن يراد به أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وذلك من جهة أنّ إسماعيل بن جابر من أصحاب الباقر ( عليه السلام ) ، وكما يبعد سؤاله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ; لتأخّر زمانه عن زمانه ( عليه السلام ) ، كذلك يبعد سؤال الرضا ( عليه السلام ) ; لتقدّم زمانه على زمانه ( عليه السلام ) ، فالرواية في نفسها لا تخلو عن شيء (٢).

إذن إلى الآن لم تثبت رواية القاضي النعمان عن الأئمّة ( عليهم السلام ) بعد الإمام الصادق ( عليه السلام ).

____________

١ ـ خاتمة المستدرك ١ : ١٣٣ ، في الهامش رقم (٣).

٢ ـ معجم رجال الحديث ٢٠ : ١٨٦.

٣٠

قرائن وملاحظات على اثني عشرية القاضي النعمان :

تطرّق النوري إلى عدّة قرائن وملاحظات أثبت من خلالها أنّ القاضي النعمان من الإمامية الاثني عشرية ، وأنّه ليس إسماعيلياً ، قال في خاتمة المستدرك :

الثالث : في تصريح الجماعة بأنّه أظهر الحق تحت أستار التقيّة لمن نظر فيه متعمّقاً وهو الحق لا مرية فيه ، بل لا يحتاج إلى التعمّق في النظر (١).

الوجه الأوّل الذي استدل به النوري :

قال : أمّا أوّلاً : فلأنّ الإسماعيليّة الخالصة ـ كما صرّح به الشيخ الجليل الحسن بن موسى النوبختي في كتاب الفرق ـ هم الذين أنكروا موت إسماعيل في حياة أبيه ، وقالوا : كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس ; لأنّه خاف ، فغيّبه عنهم ، وزعموا أنّ إسماعيل لا يموت حتّى يملك الأرض ، يقوم بأمر الناس ، وأنّه هو القائم.

وأمّا الباطنيّة منهم فلهم ألقاب كثيرة ، ومقالات شنيعة ، وزعموا ـ كما في الكتاب المذكور ـ أنّ الله عزّ وجلّ بدا له في إمامة جعفر ( عليه السلام ) وإسماعيل ، فصيّرها في محمّد بن إسماعيل ، وزعموا أنّه حي لم يمت ، وأنّه يبعث بالرسالة وبشريعة جديدة ، ينسخ فيها شريعة محمّد النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأنّه من أُولي العزم ... ، وزعموا أنّ جميع الأشياء التي

____________

١ ـ خاتمة المستدرك ١ : ١٣٣.

٣١

فرضها الله عزّ وجلّ على عباده ، وسنّها نبيّه ، وأمر بها ، لها ظاهر وباطن ، وأنّ جميع ما استعبد الله به العباد في الظاهر من الكتاب والسنة ، فأمثال مضروبة ، وتحتها معان هي بطونها ، وعليها العمل ، وفيها النجاة ، وأنّ ما ظهر منها ففي استعمالها الهلاك والشقاء ، وهي جزء من العذاب الأدنى ، عذّب الله به قوماً ; إذ لم يعرفوا الحق ، ولم يقولوا به ، إلى غير ذلك من مقالتهم الشنيعة التي نسبها إليهم في الكتاب المذكور ، وغيره في تصانيفهم في هذا الباب.

وأنت خبير بأنّه ليس في كتاب الدعائم ذكر لإسماعيل ، ولا لمحمّد أصلاً في موضع منه حتّى في مقام إثبات الإمامة ، وردّ مقالات العامّة وأئمّتهم الأربعة ، فكيف يرضى المنصف أن ينسب إليه هذا المذهب؟! ولا يذكر في كتابه اسم إمامه أو نبيّه ، مع أنّ خلفاء عصره الذين كان هو في قاعدة سلطنتهم ، ومنصوباً للقضاوة من قبلهم ، المدّعين انتهاء نسبهم إلى محمّد بن إسماعيل ... ، كانوا في الباطن من الباطنية ... ، ومع ذلك ليس فيه إشارة إلى هذا المذهب ، وفي مواضع لابد من الإشارة إليه لو كان ممّن يميل إليه (١).

إنّ خلاصة ما استدلّ به النوري في كلامه هذا على عدم إسماعيلّية القاضي النعمان ، هو عدم ذكر النعمان عقيدة من عقائد الباطنية والإسماعيليّة في كتابه دعائم الإسلام ، ولا حتّى إشارة إلى مدّعيات الإسماعيليّة وآرائهم ، مع أنّه كان في دولتهم ، وهذا قرينة على عدم اعتقاده بالإسماعيليّة.

____________

١ ـ خاتمة المستدرك ١ : ١٣٣ ـ ١٣٥.

٣٢

الرد على الوجه الأول بأمور

الأمر الأوّل :

أنّ عدم ذكر القاضي النعمان هذه العقائد الباطنية خلاف التقية التي كان يعمل بها القاضي في الدولة الإسماعيليّة ، وهذه التقيّة ادّعاها للقاضي النعمان كل من كان يرى أنّه اثنا عشري ، فهو إمّا يعمل بالتقية فلابدّ أنْ يذكر هذه العقائد ، أو لا يعمل بها ، فلابدّ من ذكر عقيدته الاثني عشرية ، حسب زعم من يدعي له ذلك.

ولكن قد يقال : إنّ التقية لها حدود وأطر ، فإذا تحقّقت بالأقل يقتصر عليه ، فالقاضي النعمان كان يتّقي بحدود أنّه لا يظهر عقيدته الصحيحة ، ولا يتّقي في عدم إظهار عقائد القوم ويؤيّد هذا أنّ عدم ذكر عقائد الآخرين أهون بكثير من ذكر المخالف عقيدته ، بل هذا الوجه قرينة قويّة على عدم الإشكالية في هذا الأمر على ما ذكره النوري.

الأمر الثاني :

أنّ عدم ذكر القاضي النعمان عقائد الإسماعيليّة ، أو عدم إشارته إليها في كتابه « دعائم الإسلام » لا يعني أنّه يرفضها ، أو لا يقبلها ; لأنّ عدم ذكر الشيء لا يعني نفيه أو إنكاره ، بل يبقى الاحتمال قائم من أنّه قد يكون موافقاً لهذه العقائد وقد يكون مخالفاً.

الأمر الثالث :

أنّ عدم ذكر القاضي النعمان هذه العقائد في كتابه « الدعائم » لا يكفي

٣٣

لنفيها عنه ، وذلك لأنّ النعمان عنده عدّة كتب أخرى تعكس آراءه ومعتقداته ، فلابدّ من النظر فيها ، فإذا ثبت أنّه أشار إلى هذه المعتقدات في كتبه الأخرى ، فسوف ينهار جميع ما بناه النوري من الأساس ، وإذا لم يذكر هذه العقائد في جميع كتبه ، فإنّ هذا يصلح لأن يكون قرينة على عدم اعتقاده بها ، ومن ثُمّ يستظهر إسماعيليّته.

فنقول : إنّ للقاضي النعمان مؤلّفات عديدة ، استقصى منها المستشرق إيفانوف ـ وهو من المهتمّين بالتراث الإسماعيلي ـ في كتابه دليل الأدب الإسماعيلي ٤٥ كتاباً ورسالة ، وقد ذكر الكاتب الإسماعيلي بوناوالا من كتب القاضي النعمان ٦٢ كتاباً في كتابه مصادر الأدب الإسماعيلي (١).

فمن كتبه كتاب تأويل الدعائم ، واسمه : « تربية المؤمنين بالتوقيف على حدود باطن الدين ».

وهذا الكتاب هو تأويل لما في الدعائم ، فإنّ ما في الدعائم هو ظاهر الشريعة والدين ، وفيه بيّن العبادات الظاهرية من صلاة وصوم وبقية الدعائم ، وفي هذا الكتاب يبيّن باطن هذه العبادات وحقائقها.

وله كتاب آخر اسمه ( أساس التأويل في الباطن ).

قال الشيخ إسماعيل المجدوع في فهرسته ـ بعد أن ذكر كتب الظاهر ، ويعني بها الكتب التي اهتمّت بظاهر الدين من صوم وصلاة ... ـ : ثمّ يتلو كتب الظاهر كتب ورسائل في علم التأويل والباطن ، الذي هو من أقسام العبادة العلمية ، كما ذكر ذلك من أقسام العبادة

____________

١ ـ شرح الأخبار ١ : ٤٢ ، مقدّمة السيّد الجلالي.

٣٤

العملية ... ، ورأينا أن نبدأ أوّلاً بذكر ما وقت فيه ... ، ثمّ نأتي بعد ذلك ممّا يليه ، فنقول : إنّ أوّلها ومقدّمها في رسم الدعوة الهادية المبتدىء في علوم الحقائق ترقّياً من الأدنى إلى الأعلى (١).

ثمّ قال : كتاب تأويل الدعائم لسيدنا القاضي النعمان بن محمّد ( قس ) وسمّى به ; لأنّه أتى بهذا الكتاب بتأويل ما في ذلك الكتاب من ظاهر دعائم الإسلام ، صنّفه بعد كتابه الموسوم بأساس التأويل بأعلى درجة منه في وجوه التأويل ، والموجود منه تأليف النصف الأول من كتاب الدعائم ، وهو أيضاً نصفان ، كل نصف منها مجلّد برأسه ، في كل جزء ستّة أجزاء ، وكل جزء من الأجزاء يشتمل على عشرة مجالس.

ثمّ قال : وهو كتاب عظيم كما ذكره الداعي داود بن قطب ( قس ) المولى أمين بن جلال ( قس ) ، يحتاج إليه كل واحد من أبناء الدعوة الهادية من الدعاة المطلقين ، والحدود الميامين ، والمستجيبين المؤتمّين (٢).

وقال المجدوع عن كتاب القاضي النعمان الثاني وهو « أساس التأويل في الباطن » :

كتاب أساس التأويل في الباطن ، تأويل ما في كتاب دعائم الإسلام لسيدنا النعمان ، والموجود كتاب الولاية الذي جمع فيه تأويل ما أتى من ظاهر قصص الأنبياء ، ممّن وردت أسماؤهم في كتاب الله المجيد ، إلى ذكر وصيّ نبيّنا محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وفيه من الفوائد والمعارف في أثناء كل مذكور من الأخبار ما يطول ذكره ، وسيقف عليها من وفقه الله تعالى لمطالعتها (٣).

____________

١ ـ فهرست المجدوع : ١٢٠.

٢ ـ فهرست المجدوع : ١٣٥.

٣ ـ فهرست المجدوع : ١٣٤.

٣٥

أقول : الذي يظهر من هذين الكتابين أنّ القاضي النعمان كان يعتقد بالتفريق بين الباطن والظاهر ، وأنّ لكل ظاهر باطن ، لذلك اعتنى بهذه الطريقة ، وألّف على نهجها كتباً ، والمعروف أنّ هذا المنهج وهذه الطريقة من الأمور التي اشتهرت بها الإسماعيليّة ، وصارت علماً لها حتّى سمّوا بالباطنية.

نعم ، قيل : إنّ القاضي النعمان من الباطنية الأقلّ تشدّداً في تأويل الظاهر ، والتعمّق في الباطن ، ولكن حتّى الاعتدال في طريقته التأويلية يمكن نقاشه.

وذلك من خلال أنّ القاضي النعمان يعتبر من المؤسّسين لهذه الطريقة ، بحيث اعتمد عليه كبار علماء الإسماعيليّة ، وأخذوا عن كتبه ، وتبنّوا آراءه ، ومن المعلوم أنّ هذه الطريقة كانت فتيّة ، وفي طور التأسيس ، لذلك صحّ وسمها بالاعتدال ، وذلك بالنسبة لمن جاء بعد النعمان من علماء متعمّقين في التأويل وعلم الباطن ، فسبب اعتداله هو تأسيسه لا اعتداله ، فالقضية نسبية لا أكثر.

فما ادّعاه النوري من أنّ القاضي النعمان لا يعتمد طريقة التأويل والباطن ليس في محلّه ، نعم لم يذكر هذا الأمر في كتابه الدعائم ، ولكنّه ذكره في باقي كتبه ، بل صنّف فيه كتباً.

٣٦

بعض عقائد

القاضي النعمان في بقيّة كتبه

هناك عقائد كثيرة أشار إليها القاضي النعمان في بقيّة كتبه ومؤلّفاته ، نذكر للقارىء بعضها ممّا موجود في كتبه التي وصلت إلينا ، فإنّ فيها التصوّر الكافي الذي يبيّن العقيدة التي كان عليها القاضي النعمان ، والتي تنسجم تمام الانسجام مع العقيدة الإسماعيليّة والفكر الباطني الإسماعيلي منها :

أولاً اعتقاده باستتار الإمام :

يعتقد القاضي النعمان باستتار الأئمّة في بعض الفترات تحت الظروف الصعبة التي يمرّون بها ، قال في كتاب افتتاح الدعوة : الحمد لله مؤيّد الحق ، وناصر أهله ... ، الذي ختم بنبوّة محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نبوّة النبيّين ... ، وتكفّل لأهله بالغلبة والتمكين والتأييد والإعزاز والتحصين ، ولم يخل الأرض من إمام فيها للأمّة ، وقائل بالحق ، وقائم بالحجّة ، وإن تغلّب فيها المتغلّبون ، واستتر للتقيّة الأئمّة المستحفظون ، وأنّ لهم بكل جزيرة من جزائر الأرض داعياً لهم ، وبكل ناحية من نواحيها دليلاً عليهم (١).

____________

١ ـ افتتاح الدعوة : ١٥.

٣٧

قال ـ بعد أن روى في شرح الأخبار عن صالح بن أبي الأسود ، قال : سمعت جعفر بن محمّد ( عليه السلام ) يقول : « سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنّه لا يحدّثكم أحد بعدي مثلي حتّى يقوم صاحبكم » ـ : وكذلك استترت الأئمّة من بعد للتقيّة ، فلم يقم أحد منهم بظاهر علم ، ولا أظهره حتّى قام المهدي (١)

فهذه النصوص ، وما شاكلها تثبت عقيدة القاضي النعمان بقضيّة الاستتار ، وهي من العقائد المهمّة عند الإسماعيليّة ، والتي ذكروها كثيراً في كتبهم ، واصطلح عليها عندهم بدور الستر ، فهي قضيّة معروفة ، وواضحة ، ومن أوّليات مذهبهم.

ثانياً : اعتقاده بظهور الإمام المهدي المنتظر ووفاته :

قد أثبت القاضي النعمان أنّ الإمام المهدي المنتظر الذي أوصى به الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ووعد بظهوره ، من أنّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما مُلئت ظلماً وجوراً ، قد ظهر ، وانتصر على أعداءه ، فقد نصره الله ، ومكّن له في الأرض.

قال القاضي النعمان في كتاب شرح الأخبار : ومن حديث قتادة يرفعه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال : « المهدي أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً » وكذلك كانت صفة المهدي ، أقنى وأجلى ، وهاتان الصفتان من أحسن صفات الجباه والأنوف ، وملأ عدله ما وصل إليه سلطانه من الأرض ، ويملأ باقيها من يأتي بعده (٢).

____________

١ ـ شرح الأخبار ٣ : ٢٩١.

٢ ـ شرح الأخبار ٣ : ٣٧٩.

٣٨

وقال أيضاً في شرح الأخبار : وكذلك استترت الأئمّة من بعد للتقيّة ، فلم يقم أحد منهم بظاهر علم ، ولا أظهره حتّى قام المهدي (١).

وقال أيضاً في شرح الأخبار ـ بعد أن ذكر بعض من قام بالثورات ضدّ الأمويين والعباسيين ـ : فهذه أسماء الذين قاموا يدّعون الإمامة من الطالبيين إلى أن قام المهدي بالله أمير المؤمنين.

ثمّ قال : وإنّما ذكرنا هذه الجملة من أخبارهم عن تشبّههم من أفرد الله جل اسمه بالقيام بحقه ، وتقدّم الخبر أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بصفته (٢) وحاله ووقته ، وعن آبائه بذلك بالدلالة عليه ، والتحذر من ادّعى مقامه ، والتقدّم بين يديه (٣).

ثُمّ قال عن الأئمّة : فلم يزالوا واحداً بعد واحد ، منهم مستترين ; لتغلّب أعداء الله عليهم ، حافظين لأمانة الله عندهم التي ... (٤) من الإمامة التي أوجبها على عباد لهم ، وما استودعهم من مكنون علمه بنقله واحد إلى واحد منهم صار ذلك عنهم إليه صلوات الله عليه.

فلمّا آن وقته ، وحان حين قيامه الذي قدّره الله ـ عزّ وجلّ ـ فيه ، وحدّه له ، ودعت الدعاة إليه ، وسلّم من كان الأمر بيده إليه ما كان بيده منه ( عليه السلام ) ، فقام وحده وأوليائه والدعاة إليه بعيدون عنه وحيداً فريداً ... ، ولا كان معه غير وديعة الله في يديه حجّته ، ووصيّه ، وليّ الأمر بعده ، وهو حينئذ طفل صغير ... ، فلم يزل على ذلك ، والله يحميه ويستره ويقيه ،

____________

١ ـ شرح الأخبار ٣ : ٢٩١.

٢ ـ كذا في المطبوع.

٣ ـ شرح الأخبار ٣ : ٣٤٩.

٤ ـ كذا في المطبوع.

٣٩

ويدفع عنه حتّى أظهر منه وأعزّ نصره ، وأنجز وعده (١).

قال السيّد الجلالي ـ محقق كتاب شرح الأخبار ـ معلقاً على كلام المؤلّف : أقول : نستنتج من مفاد كلام المؤلّف أنّ من ادّعى الإمامة والمهدويّة فيما سبق الدولة الفاطمية باطلة ; لأنّها لم تدم ... ، وأنّ المهدي الفاطمي هو الحقّ ، المهدي الموعود ; لأنّ دولته تدوم إلى الأبد ، وتشمل البلدان شرقاً وغرباً ، وتجسّد فيها كُلّ ما ذكره النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والأئمّة الأطهار ( عليهم السلام ) من التنبّؤات والعلامات.

وبما أنّ هذه الدولة أزيلت كسابقتها ، ولم تدم بعد غزو صلاح الدين الأيّوبي على مصر ، وقتله الفاطميين ، بطلت هذه الدعوة ، وأنّ المهدي الذي ركّز المؤلّف عليه وادّعاه ، وجعله مصداقاً للأحاديث والأخبار التي يذكرها المؤلّف ـ فيما يأتي ـ وادّعى صحّتها متناً وسنداً ودلالة لم يكن هو المهدي الموعود (٢).

ثمّ ذكر القاضي النعمان وقت ظهور المهدي ، وكيفيّة ذلك ، وذكر صفاته ومعالمه والأحاديث في فضله عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والأئمّة ( عليهم السلام ) ، وذمّ من تشبّه به ، وذكر أحاديث في فضل انتظاره ، ولزوم اتّباعه (٣).

وكذلك عقد باباً في كتابه المناقب والمثالب حول ظهور المهدي ، وعلاماته ، وما يتعلّق بذلك ، وأنّه قد ظهر ، وأفضت الإمامة إليه ، إلى آخر كلامه (٤).

____________

١ ـ شرح الأخبار ٣ : ٣٤٩ ـ ٣٥٤.

٢ ـ شرح الأخبار ٣ : ٣٥٠.

٣ ـ شرح الأخبار ٣ : ٢٥٥ ـ ٣٦٨.

٤ ـ المناقب والمثالب : ٣٩٢ ـ ٤٠٢.

٤٠