كتاب من لا يحضره الفقيه - ج ٢

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

كتاب من لا يحضره الفقيه - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: علي اكبر الغفّاري
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤٦

امر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض.

وأما صوم الإباحة (١) فمن أو شرب ناسيا أو تقيأ من غير تعمد فقد أباح الله عزوجل ذلك له وأجزأ عنه صومه.

وأما صوم السفر والمرض فإن العامة اختلفت فيه فقال قوم : يصوم وقال قوم : لا يصوم وقال قوم : إن شاء صام وان شاء أفطر ، فأما نحن فنقول : يفطر في الحالتين جميعا فإن صام في السفر أو في حال المرض فعليه القضاء في ذلك لان الله عزوجل يقول : « فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر » (٢).

باب

* (صوم السنة) *

١٧٨٥ ـ روى الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن محمد بن مروان قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم حتى يقال : لا يفطر ، ويفطر حتى يقال : لا يصوم ، ثم صام يوما وأفطر يوما ، ثم صام الاثنين والخميس ، ثم آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيام في الشهر : الخميس في أول الشهر ، وأربعاء في وسط الشهر ، وخميس في آخر الشهر ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ذلك صوم الدهر وقد كان أبي عليه‌السلام يقول : ما من أحد أبغض إلى الله عزوجل من رجل يقال له : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفعل كذا وكذا فيقول : لا يعذبني الله عزوجل على أن أجتهد في الصلاة والصوم (٣) كأنه يرى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ترك شيئا من الفضل عجزا عنه ».

__________________

(١) أي صوم وقع فيه مفطر على وجه لم يفسد صومه وهو صوم قد أبيح له فيه شئ.

(٢) سند الخبر عامي ولا اعتماد على ما تفردوا به ومروى هنا وفى الكافي عن القاسم بن محمد الجوهري ، عن سليمان بن داود ، عن سفيان بن عيينة عن الزهري ورواه التهذيب عن الكليني.

(٣) لعله محمول على ما إذا زاد بقصد السنة بأن أدخلها في السنة أو على قصد الزيادة على عمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واستقلال عمله لئلا ينافي ما ورد من الفضل في سائر أنواع الصيام والصلاة. (المرآة)

٨١

١٧٨٦ ـ وفي رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قيل : ما يفطر ، ثم أفطر حتى قيل : ما يصوم ثم صام صوم داود عليه‌السلام يوما ويوما (١) ، ثم قبض عليه‌السلام على صيام ثلاثة أيام في الشهر ، وقال : يعدلن صوم الدهر (٢) ويذهبن بوحر الصدر (وقال حماد : الوحر الوسوسة) (٣) فقال حماد : فقلت : وأي الأيام هي؟ قال : أول خميس في الشهر وأول أربعاء بعد العشر منه وآخر خميس فيه ، فقلت : وكيف صارت هذه الأيام التي تصام؟ فقال لان من قبلنا من الأمم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب نزل في هذه الأيام فصام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الأيام لأنها الأيام المخوفة ».

١٧٨٧ ـ وروى الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا صام أحدكم الثلاثة الأيام من الشهر فلا يجادلن أحدا ولا يجهل (٤) ولا يسرع إلى الحلف و الايمان بالله ، فإن جهل عليه أحد فليحتمل ». (٥)

١٧٨٨ ـ وروى عبد الله بن المغيرة ، عن حبيب الخثعمي فال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أخبرني عن التطوع ، وعن هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول الليل فأعلم أني قد أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر أصوم أولا أصوم؟ قال : صم ». (٦)

__________________

(١) أي يوم يصوم ويوما لا يصوم كما في أخبار في الكافي وغيره ففيها « يوما و يوما لا » ولعل « لا » سقط من النساخ.

(٢) حيث إن كل يوم يحسب بعشرة أيام كما يستفاد من قوله عزوجل « من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ». (مراد)

(٣) في النهاية : الوحر ـ بالتحريك ـ : وسواس الصدر وغشه وقيل : العداوة ، و قيل : أشد الغضب ، وقيل : الغيظ.

(٤) « لا يجهل » أي لا يعمل عمل الجهال من الفحش والكذب والمعاصي.

(٥) لعل المراد منه أنه ان شتمه أحد بطريق الجهالة وآذاه فلا يتعرض لجوابه. وفى الكافي « فليتحمل ».

(٦) يدل على عدم اشتراط ادراك الصبح طاهرا في الصوم النافلة وربما يخص بالنوم.

٨٢

١٧٨٩ ـ وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « صيام شهر الصبر (١) وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن ببلابل الصدر ، وصيام ثلاثة أيام في كل شهر صيام الدهر ، إن الله عزوجل يقول : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ».

١٧٩٠ ـ وفي رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن صوم خميسين بينهما أربعاء ، فقال : أما الخميس فيوم تعرض فيه الأعمال ، وأما الأربعاء فيوم خلقت فيه النار ، وأما الصوم فجنة ». (٢)

١٧٩١ ـ وفي رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إنما يصام في يوم الأربعاء لأنه لم تعذب أمة فيما مضى إلا يوم الأربعاء وسط الشهر ، فيستحب أن يصام ذلك اليوم ». (٣)

١٧٩٢ ـ وفي رواية عبد الله بن سنان قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا كان في أول الشهر خميسان فصم أولهما فإنه أفضل وإذا كان في آخر الشهر خميسان فصم آخرهما فإنه أفضل ».

١٧٩٣ ـ وسأل عيص بن القاسم (٤) أبا عبد الله عليه‌السلام « عمن لم يصم الثلاثة من كل شهر وهو يشتد عليه الصيام هل فيه فداء؟ فقال : مد من طعام في كل يوم ». (٥)

__________________

(١) أي شهر رمضان. والبلابل : الوساوس ، ففي النهاية بلبة الصدر : وساوسه.

(٢) سئل صلى‌الله‌عليه‌وآله عن علة تخصيص اليومين من بين أيام الأسابيع فأجاب بان أحدهما يوم عرض الأعمال فناسب أن يقع فيه الصوم ليصادف العرض العبادة ، والاخر يوم خلق فيه النار فناسب أن يقع فيه الصوم الذي هو جنة من النار. (الوافي)

(٣) لا يخفى أن المستفاد من حصر العذاب للأمم السابقة في الأربعاء ينافي بظاهره ما تدل عليه رواية حماد السابقة من أن نزول العذاب عليهم في الأيام الثلاثة ، ويمكن الجمع بان قوله عليه‌السلام « وسط الشهر » متعلق بقوله « لم يعذب » لا بيوم الأربعاء فالمعنى أنه لم يعذب أمة وسط الشهر أو في العشر الوسط الا في يوم الأربعاء ، فلا ينافي كون العذاب في غير العشر الأوسط في يوم الخميس كما ورد في رواية حماد. (سلطان)

(٤) هو ثقة والطريق إليه صحيح كما في الخلاصة.

(٥) يدل على استحباب الفداء بدلا.

٨٣

١٧٩٤ ـ وروى ابن مسكان عن إبراهيم بن المثنى (١) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني قد اشتد علي صوم ثلاثة أيام في كل شهر فما يجزي عني أن أتصدق مكان كل يوم بدرهم؟ فقال : صدقة درهم أفضل من صيام يوم » (٢).

١٧٩٥ ـ وروى الحسن بن محبوب ، عن الحسن بن أبي حمزة قال : قلت لأبي جعفر أو لأبي عبد الله عليهما‌السلام : « صوم ثلاثة أيام في الشهر اؤخره في الصيف إلى الشتاء فإني أجده أهون علي ، فقال : نعم فاحفظها » (٣).

١٧٩٦ ـ وروى ابن بكير ، عن زرارة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « بم جرت السنة من الصوم؟ فقال : ثلاثة أيام من كل شهر : الخميس في العشر الأول ، والأربعاء في العشر الأوسط ، والخميس في العشر الآخر ، قال : قلت : هذا جميع ما جرت به السنة في الصوم (٤)؟ فقال : نعم ».

١٧٩٧ ـ وروى داود الرقي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لافطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا ». (٥)

١٧٩٨ ـ وروى جميل بن دراج عنه عليه‌السلام أنه قال : من دخل على أخيه و

__________________

(١) إبراهيم بن المثنى مجهول الحال ولا يضر بصحة السند لان الطريق إلى عبد الله بن مسكان صحيح وهو من أصحاب الاجماع.

(٢) الخبر كسابقه يدل على استحباب الفداء وقوله « فما يجزى عنى » أي أفما يجزى عنى أن أتصدق ـ الخ وكأن حرف الاستفهام محذوف.

(٣) ذهب الأصحاب إلى استحباب قضاء صوم الثلاثة الأيام في الشتاء لما فات منه في الصيف بسب المشقة بل قيل باستحباب قضائها مطلقا (المرآة) وقوله : « فاحفظها » أي لا تتركها مطلقا بل إن تركتها في الصيف فاقضها في الشتاء. (سلطان)

(٤) أي ما استقرت عليه سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٥) الترديد من الراوي والظاهر أن المراد بالضعف ضعف ثواب الصوم (مراد) وأريد بالافطار هنا نقض الصيام. واحتمل بعض الأفاضل إرادة الافطار بعد الغروب على وجه يصح معه الصوم لا في أثناء النهار ، وهو غريب.

٨٤

هو صائم فأفطر عنده (١) ولم يعلمه بصومه فيمن عليه ، كتب الله له صوم سنة (٢).

قال مصنف هذا الكتاب ـ رحمه‌الله ـ : هذا في السنة والتطوع جميعا (٣).

وقال أبي ـ رضي‌الله‌عنه ـ في رسالته إلي إذا أردت سفرا وأردت أن تقدم من صوم السنة شيئا فصم ثلاثة أيام للشهر الذي تريد الخروج فيه (٤).

١٧٩٩ ـ وروي أنه سئل العالم عليه‌السلام عن خميسين يتفقان في آخر العشر فقال : صم الأول فلعلك لا تلحق الثاني (٥).

باب

* (صوم التطوع وثوابه من الأيام المتفرقة) *

١٨٠٠ ـ سأل محمد بن مسلم ، وزرارة بن أعين أبا جعفر الباقر عليه‌السلام « عن صوم يوم عاشورا ، فقال : كان صومه قبل شهر رمضان فلما نزل شهر رمضان ترك » (٦).

__________________

(١) الظاهر أن الضمير المستتر راجع إلى الداخل والبارز راجع إلى المضيف والمراد كما يتبادر إلى الذهن الافطار في أثناء النهار لان المنة إنما يكون في الافطار ونقض الصوم قبل الغروب.

(٢) ينافي بظاهره عدد السبعين أو التسعين كما في الرواية السابقة والظاهر أن المراد في أمثال هذه العبارات ليس خصوص العدد والقدر بل المراد المبالغة في الكثرة. (سلطان)

(٣) غرضه ـ رحمه‌الله ـ من السنة ما واظب عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كالثلاثة من الشهر ، ومن التطوع صيام سائر الأيام المستحبة التي ليست بتلك المنزلة. وهذا مبنى على أن الافطار في أثناء النهار كما هو الظاهر.

(٤) بناء على كراهة الصوم المستحب في السفر.

(٥) ينافي بظاهره ما ذكره سابقا من أفضلية الخميس الاخر ، ويمكن الجمع بحمل ذلك على من ظن بقاء السلامة إلى الاخر وهذا على خلاف ذلك (سلطان) وقوله « في آخر العشر » أي العشر الاخر ، وفى بعض النسخ « في آخر الشهر ».

(٦) قال أستاذنا الشعراني ـ مد ظله ـ في هامش الوافي : اعلم أن يوم عاشورا كان يوم صوم اليهود ولا يزالون يصومون إلى الآن وهو الصوم الكبير ووقته اليوم العاشر من الشهر

٨٥

١٨٠١ ـ وقال علي عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من صام يوما تطوعا أدخله الله عزوجل الجنة ».

١٨٠٢ ـ وروى جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « من ختم له بصيام يوم دخل الجنة » (١).

١٨٠٣ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من صام يوما في سبيل الله كان يعدل سنة يصومها » (٢).

١٨٠٤ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « من تطيب بطيب أول النهار وهو صائم لم يفقد

__________________

الأول من السنة ، ولما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة كان أول سنة اليهود مطابقا لأول المحرم وكذلك كان بعده إلى أن حرم النسئ وترك في الاسلام وبقى عليه اليهود إلى زماننا هذا فتخلف أول سنة المسلمين عن أول سنتهم وافترق يوم عاشورا عن يوم صومهم وذلك لأنهم ينسئون إلى زماننا فيجعلون في كل ثلاث سنين سنة واحدة ثلاثة عشر شهرا كما كان يفعله العرب في الجاهلية فصام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمون يوم عاشورا كما كان يصومون وقال : نحن أولى بموسى منهم إلى أن نسخ وجوب صومه بصوم رمضان وبقى الجواز ـ انتهى. وقال العلامة المجلسي ـ رحمه‌الله ـ : قد اختلفت الروايات في صوم يوم عاشورا وجمع الشيخ ـ رحمه‌الله ـ بينها بأن من صام يوم عاشورا على طريق الحزن بمصائب آل محمد عليهم‌السلام فقد أصاب ، ومن صامه على ما يعتقد فيه مخالفونا من الفضل في صومه والتبرك به فقد أثم وأخطأ ، ونقل هذا الجمع عن الشيخ المفيد ـ رحمه‌الله ـ والأظهر عندي أن الأخبار الواردة بفضل صومه محمولة على التقية وإنما المستحب الامساك على وجه الحزن إلى العصر لا الصوم كما رواه الشيخ في المصباح.

(١) يعنى آخر أيامه يوم الصوم لا يوم الافطار. (سلطان)

(٢) أي لا يشوبه شئ آخر أصلا سوى وجه الله تعالى وإن كان مما لا ينافي في الصحة ضمه مع القربة من طلب الجنة والهرب من النار مثلا فهو يعدل صوم سنة يكون فيه مثل الضميمة ، فلا يرد أنه لو لم يكن صوم السنة في سبيل الله لم يكن صحيحا فلا مبالغة في معادلته و إن كان في سبيل الله كيف المعادلة. واحتمال كون « سبيل الله » أي حال كونه في سفر الحج والجهاد بعيدا جدا (سلطان) أقول : في بعض النسخ « كان له كعدل سنة يصومها ».

٨٦

عقله » (١).

١٨٠٥ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما من صائم يحضر قوما يطعمون إلا سبحت له أعضاؤه ، وكانت صلاة الملائكة عليه ، وكانت صلاتهم استغفارا ».

١٨٠٦ ـ وروي عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال : « من صام أول يوم من عشر ذي الحجة كتب الله له صوم ثمانين شهرا ، فإن صام التسع (٢) كتب الله عزوجل له صوم الدهر ».

١٨٠٧ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « صوم يوم التروية (٣) كفارة سنة ، ويوم عرفة كفارة سنتين ».

١٨٠٨ ـ وروي « أن في أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن عليه‌السلام (٤) ، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ستين سنة ، وفي تسع من ذي الحجة أنزلت توبة داود عليه‌السلام فمن صام ذلك اليوم كان كفارة تسعين سنة ».

١٨٠٩ ـ وروي عن يعقوب بن شعيب قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم يوم عرفة قال : إن شئت صمت وإن شئت لم تصم (٥) وذكر أن رجلا أتى الحسن والحسين عليهما‌السلام فوجد أحدهما صائما والآخر مفطرا ، فسألهما فقالا : إن صمت فحسن وإن لم تصم فجائز ».

١٨١٠ ـ وروى عبد الله بن المغيرة ، عن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي عليه‌السلام وحده ، وأوصى علي عليه‌السلام إلى الحسن والحسين

__________________

(١) « يفقد » على صيغة المجهول ورفع « عقله » أو على صيغة المعلوم ونصب « عقله ».

(٢) يعنى من الأول إلى التاسع.

(٣) يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة.

(٤) سيأتي تحت رقم ١٨١٤ ما يخالفه.

(٥) يدل على عدم تأكده ، وحمل على من يضعفه الصوم عن الدعاء ، أو لئلا يتوهم أنه واجب أو سنة وكيدة وإن كان الفضل في صومه كصحيحة سليمان بن جعفر عن أبي الحسن عليه‌السلام كما في التهذيب ج ١ ص ٤٣٦. وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عنه عليه‌السلام.

٨٧

عليهما‌السلام جميعا ، وكان الحسن عليه‌السلام إمامه فدخل رجل يوم عرفة على الحسن عليه‌السلام ووهو يتغدى والحسين عليه‌السلام صائم ، ثم جاء بعدما قبض الحسن عليه‌السلام فدخل على الحسين عليه‌السلام يوم عرفة وهو يتغدى وعلي بن الحسين عليهما‌السلام صائم ، فقال له الرجل : إني دخلت على الحسن عليه‌السلام وهو يتغدى وأنت صائم ، ثم دخلت عليك وأنت مفطر؟ فقال : إن الحسن عليه‌السلام كان إماما فأفطر لئلا يتخذ صومه سنة وليتأسى به الناس فلما أن قبض كنت أنا الامام فأردت أن لا يتخذ صومي سنة فيتأسى الناس بي ».

١٨١١ ـ وروى حنان بن سدير ، عن أبيه قال : « سألته (١) عن صوم يوم عرفة فقلت : جعلت فداك إنهم يزعمون أنه يعدل صوم سنة قال : كان أبي عليه‌السلام لا يصومه ، قلت : ولم جعلت فداك؟ قال : يوم عرفة يوم دعاء ومسألة فأتخوف أن يضعفني عن الدعاء وأكره أن أصومه ، وأتخوف أن يكون يوم عرفة يوم الأضحى وليس بيوم صوم ».

قال مصنف هذا الكتاب ـ رحمه‌الله ـ : إن العامة غير موفقين لفطر ولا أضحى و إنما كره عليه‌السلام صوم يوم عرفة لأنه كان يكون يوم العيد في أكثر السنين (٢) و تصديق ذلك :

__________________

(١) يعنى أبا جعفر عليه‌السلام كما صرح به في التهذيب ج ١ ص ٤٣٦.

(٢) قال سلطان العلماء : « الاشتباه وقع بين عرفة والعيد غضبا من الله تعالى على العامة وأكثر أيام عرفتهم يوم العيد في الواقع فأفطر عليه‌السلام يوم عيدهم هربا من صوم العيد الواقعي وذلك لا ينافي استحباب صوم يوم عرفة الواقعي ». وقال استاذنا الشعراني مد ظله : لا يخفى أن هذا مخالف لأصول مذهبنا لان اشتباه عرفة بالعيد إن كان من الله تعالى غضبا عليهم فلا مؤاخذة عليهم وان لم يكن بسب ذلك مؤاخذة عليهم فكيف يكون غضبا ، وإنما يصح ذلك على أصول المجبرة والغالب في عصرنا ان الاختلاف في رؤية الأهلة بين بلادنا وبلاد الحجاز إنما هو في تقديم يوم عيدهم على عيدنا فلا يمكن أن يحمل مضمون الرواية على نظير هذا الاختلاف فإن مقتضى الرواية تأخير الرؤية عندهم عن الهلال الواقعي على عكس ما يقع في أيامنا ، واعلم أنه يمكن تقديم الرؤية بيوم في البلاد الغربية بالنسبة إلى الشرقية على ما هو مبين في علم التنجيم ـ انتهى كلامه لاضحى ظله ـ.

٨٨

١٨١٢ ـ ما قاله الصادق عليه‌السلام : « لما قتل الحسين بن علي عليهما‌السلام أمر الله عزوجل ملكا فنادى أيتها الأمة الظالمة القاتلة عترة نبيها لا وفقكم الله تعالى لصوم و لافطر ». (١)

١٨١٣ ـ وفي حديث آخر : « لا وفقكم الله لفطر ولا أضحى ». (٢)

ومن صام يوم عرفة فله من الثواب ما ذكرناه.

١٨١٤ ـ وروي عن الحسن بن علي الوشاء : قال : « كنت مع أبي وأنا غلام فتعشينا عند الرضا عليه‌السلام ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة فقال له : ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم عليه‌السلام (٣) ، وولد فيها عيسى بن مريم عليه‌السلام وفيها دحيت الأرض من تحت الكعبة (٤) فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهرا ».

__________________

(١) لعله مضمون الخبر لا لفظه كما يظهر مما سيأتي تحت رقم ٢٠٥٩ في حديث عبد الله ابن لطيف التفليسي عن رزين وقال الفيض ـ رحمه‌الله ـ في الوافي بعد ذكر الخبر : لعل المراد بعدم التوفيق لهما عدم الفوز بجوائزهما وفوائدهما وما فيهما من الخيرات والبركات في الدنيا والآخرة وربما يخطر ببعض الأذهان ان المراد به اشتباه الهلال عليهم ، أو المراد عدم توفيقهم للاتيان بالصلاة على وجهها بآدابها وسننها وشرائطها كما كانت في عهد رسول الله (ص) وقد تهيأ لها أبو الحسن الرضا عليه‌السلام مرة في زمان مأمون الخليفة فحالوا بينه وبين اتمامها وفى كل زمن من المعنيين قصور أما الأول فلعدم مساعدته المشاهدة فان الاشتباه ليس بدائم مع أنه لا يضر لاستبانة حكمه وعدم منافاته لأكثر الصوم وعدم اختصاصه بالمدعو عليهم ، وأما الثاني فلعدم مساعدة لفظ الخبر فان الصلاة غير الصوم والفطر وكيف كان فالدعوة مختصة بالمتحيرين الضالين من المخالفين ، أو الظالمين القاتلين ومن رضى بفعالهم ـ انتهى.

(٢) كما في رواية رزين عن أبي عبد الله عليه‌السلام المروية في الكافي ج ٤ ص ١٧٠.

(٣) هذا ينافي ما تقدم تحت رقم ١٨٠٨ حيث كان فيه « ولادة إبراهيم عليه‌السلام في أول يوم من ذي الحجة » وقيل : لعل المذكور في هذا الخبر إبراهيم بن رسول الله (ص) لعدم التصريح بالخليل وهو كما ترى آب عن السياق.

(٤) دحا الله الأرض يدحوها دحوا : بسطها. (المصباح المنير)

٨٩

١٨١٥ ـ وروي « أن في تسع وعشرين (١) من ذي القعدة أنزل الله عزوجل الكعبة ، وهي أول رحمة نزلت فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة ».

١٨١٦ ـ وروى الحسن بن راشد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت : جعلت فداك للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال : نعم يا حسن وأعظمهما وأشرفهما ، قال : قلت له : فأي يوم هو؟ قال : هو يوم نصب أمير المؤمنين عليه‌السلام علما للناس ، قلت : جعلت فداك وأي يوم هو؟ قال : إن الأيام تدور وهو يوم ثمانية عشر من ذي الحجة قال : قلت : جعلت فداك وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟ قال : تصومه يا حسن وتكثر فيه الصلاة على محمد وأهل بيته عليهم‌السلام ، وتبرأ إلى الله عزوجل ممن ظلمهم حقهم ، فإن الأنبياء عليهم‌السلام كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتخذ عيدا ، قال : قلت : ما لمن صامه منا؟ قال : صيام ستين شهرا ، ولا تدع صيام يوم سبعة وعشرين من رجب فإنه هو اليوم الذي أنزلت فيه النبوة على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وثوابه مثل ستين شهرا لكم ».

١٨١٧ ـ وروى المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « صوم يوم غدير خم كفارة ستين سنة ».

وأما خبر صلاة يوم غدير خم والثواب المذكور فيه لمن صامه فإن شيخنا محمد ابن الحسن ـ رضي‌الله‌عنه ـ كان لا يصححه ويقول : إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان كذابا غير ثقة (٢) وكل ما لم يصححه ذلك الشيخ ـ قدس الله روحه ـ

__________________

(١) سيأتي تحت رقم ٢٢٩٩ ـ عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام مثله وفيه « في خمسة و عشرين » وقال في روضة المتقين : الظاهر تبديل خمس بتسع وقع من الناسخ. ولكن لا يبعد التعدد.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢٩٤ عن الحسين بن الحسن الحسيني قال : حدثنا محمد بن موسى الهمداني قال : حدثنا علي بن حسان الواسطي قال : حدثنا علي بن الحسين العبدي قال : « سمعت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام يقول : صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا لو عاش انسان ثم صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك ، وصيامه يعدل عند الله عزوجل في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات وهو عيد الله الأكبر ـ إلى أن قال ـ ومن صلى فيه ركعتين

٩٠

ولم يحكم بصحته من الاخبار فهو عندنا متروك غير صحيح.

١٨١٨ ـ « وفي أول يوم من المحرم دعا زكريا عليه‌السلام ربه عزوجل فمن صام ذلك اليوم استجاب الله له كما استجاب لزكريا عليه‌السلام ».

١٨١٩ ـ وسأل أبو بصير أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة ، قال : هو بالخيار ما بينه وبين العصر ، وإن مكث حتى العصر (١) ثم بدا له [أن يصوم] ولم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء » (٢).

باب

* (ثواب صوم رجب) *

١٨٢٠ ـ روى أبان بن عثمان ، عن كثير النوا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن نوحا عليه‌السلام ركب السفينة أول يوم من رجب فأمر عليه‌السلام من معه أن يصوموا ذلك اليوم ، وقال : من صام ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة ، ومن صام سبعة أيام أغلقت عنه أبواب النيران السبعة ، ومن صام ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنان

__________________

يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة يسأل الله عزوجل يقرأ في كل ركعة سورة الحمد مرة ، وعشر مرات قل هو الله أحد ، وعشر مرات آية الكرسي ، وعشر مرات انا أنزلناه عدلت عند الله عزوجل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة ـ الحديث » وهو طويل جدا لا يسعنا ذكر تمامه ، ومن أراد الاطلاع فليراجع. وأما محمد بن موسى الهمداني أبو جعفر السمان فهو ضعيف يروى عن الضعفاء ضعفه القميون بالغلو وكان ابن الوليد يقول : انه كان يضع الحديث ، كما في الخلاصة والله أعلم.

(١) أي لم يأت بمفطر ولم ينو الصوم.

(٢) يدل على كراهة الافطار بعد العصر وعلى جواز النية في المندوب بعد العصر ، والمشهور بين القدماء جواز نية النافلة إلى الزوال ، والقول بامتداده إلى المغرب للشيخ في المبسوط والمرتضى وجماعة من القدماء وجمهور المتأخرين.

٩١

الثمانية ، ومن صام خمسة عشر يوما أعطي مسألته ، ومن زاده زاده الله عزوجل ».

١٨٢١ ـ وقال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : « رجب نهر في الجنة أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فمن صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر ».

١٨٢٢ ـ وقال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : « رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات ، ويمحو فيه السيئات ، من صام يوما من رجب تباعدت عنه النار مسيرة سنة ، ومن صام ثلاثة أيام وجبت له الجنة ».

وقد أخرجت ما رويته في هذا المعنى في كتاب فضائل رجب (١).

باب

* (ثواب صوم شعبان) *

١٨٢٣ ـ روى أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « من صام شعبان كان له طهورا من كل زلة ووصمة وبادرة وقال : أبو حمزة فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما الوصمة؟ قال : اليمين في المعصية والنذر ، ولا نذر في المعصية ، قلت : فما البادرة؟ قال : اليمين عند الغضب ، والتوبة منها الندم عليها ». (٢)

١٨٢٤ ـ وروى الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن مرحوم الأزدي قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : من صام أول يوم من شعبان وجبت له الجنة البتة ، ومن صام يومين نظر الله إليه في كل يوم وليلة في دار الدنيا وداوم نظره إليه في الجنة ، ومن صام ثلاثة أيام زاره الله في عرشه من جنته في كل يوم ».

قال مصنف هذا الكتاب ـ رحمه‌الله ـ : زيارة الله زيارة أنبيائه وحججه صلوات

__________________

(١) ذكر الحجة السيد حسن الموسوي الخرسان ـ مد ظله العالي ـ أن عنده نسخة من فضائل الأشهر الثلاثة للمؤلف مخطوطة وقال : نسختها لنفسي بيدي. أقول : راجع في ثواب صوم رجب ثواب الأعمال من ص ٧٧ إلى ٨٣ طبع مكتبة الصدوق ١٣٩١.

(٣) الوصمة في اللغة العيب في الجسد ، والبادرة الحدة والغضب.

٩٢

الله عليهم من زارهم فقد زار الله عزوجل كما أن من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، ومن تابعهم فقد تابع الله عزوجل وليس ذلك على ما يتأوله المشبهة ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

١٨٢٥ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « صوم [شهر] شعبان وشهر رمضان شهرين متتابعين توبة والله من الله » (١).

١٨٢٦ ـ وروى عمرو بن خالد عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم شعبان وشهر رمضان يصلهما وينهى الناس أن يصلوهما ، وكان يقول : هما شهر الله وهما كفارة لما قبلهما وما بعدهما من الذنوب ».

قوله عليه‌السلام : « وينهى الناس أن يصلوهما » هو على الانكار والحكاية لا على الاخبار (٢) ، وكأنه يقول : كان يصلهما وينهى الناس أن يصلوهما فمن شاء وصل ومن شاء فصل ، وتصديق ذلك :

١٨٢٧ ـ ما رواه زرعة ، عن المفضل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان أبي عليه‌السلام يفصل ما بين شعبان وشهر رمضان بيوم ، وكان علي بن الحسين عليهما‌السلام يصل ما بينهما ويقول : صوم شهرين متتابعين توبة من الله ».

وقد صامه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصله بشهر رمضان (٣) وصامه وفصل بينهما ولم يصمه

__________________

(١) رواه المصنف في ثواب الأعمال مسندا عن الصادق عليه‌السلام وفيه « صوم شعبان وشهر رمضان والله توبة من الله ». ولعل المعنى قبولا منه ورحمة أي شرع ذلك توبة منه وأكده بالقسم.

(٢) « ينهى الناس حمله الشيخ ـ رحمه‌الله ـ على الوصال المحرم على غيره صلى الله عليه وآله بأن لا يفطر بين آخر شعبان وأول رمضان ، ويمكن أن يقرأ على بناء الافعال بمعنى الاعلام والابلاغ ، ويحتمل أيضا أن يكون » الناس « بالرفع ليكون فاعل » ينهى أي لم يكن النبي (ص) ينهى عن الوصل بل كان يفعله والناس أي العامة ينهون عنه افتراء عليه ، والأظهر الحمل على التقية. (المرآة).

(٣) كما تقدم في حديث عمرو بن خالد تحت رقم ١٨٢٦.

٩٣

كله في جميع سنيه إلا أن أكثر صيامه كان فيه. (١)

١٨٢٨ ـ « وكن نساء النبي (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان عليهن صيام أخرن ذلك إلى شعبان كراهية أن يمنعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حاجته ، وإذا كان شعبان صمن وصام معهن ، وكان عليه‌السلام يقول : شعبان شهري ».

١٨٢٩ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « من صام ثلاثة أيام من آخر شعبان ووصلها بشهر رمضان كتب الله له صوم شهرين متتابعين ».

١٨٣٠ ـ وروى حريز ، عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : « ما تقول في ليلة النصف من شعبان؟ قال : يغفر الله عزوجل فيها من خلقه لأكثر من عدد شعر معزى كلب (٣) وينزل الله عزوجل ملائكته إلى السماء الدنيا وإلى الأرض بمكة ».

وقد أخرجت ما رويته في هذا المعنى في كتاب فضائل شعبان (٤).

باب

* (فضل شهر رمضان وثواب صيامه) *

١٨٣١ ـ روى الحسن بن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن أبي الورد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس في آخر جمعة من شعبان فحمد الله

__________________

(١) لم أجده من طريق الخاصة وروى البخاري ومسلم وأبو داود عن عائشة قالت في حديث  « ما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم استكمل صيام شهر قط الأشهر رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان » وفى سنن النسائي والترمذي قالت ما رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان ، كان يصومه الا قليلا ، بل كان يصومه كله « وفى رواية للنسائي » قالت لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لشهر أكثر صياما منه لشعبان ، كان يصومه أو عامته.

(٢) رواه الكليني بسند حسن كالصحيح في الكافي ج ٤ ص ٩٠ والشيخ في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٣) « كلب » حي من قضاعة (الصحاح) وفى نسخة « بنى كلب ».

(٤) راجع ثواب الأعمال ، ص ٨٣ إلى ٨٨.

٩٤

وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إنه قد أظلكم شهر (١) فيه ليلة خير من ألف شهر ، وهو شهر رمضان فرض الله صيامه ، وجعل قيام ليلة فيه كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور ، وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض الله عزوجل (٢) ، ومن أدى فريضة من فرائض الله كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور ، وهو شهر الصبر (٣) وإن الصبر ثوابه الجنة ، وهو شهر المواساة (٤) وهو شهر يزيد الله فيه رزق المؤمن ، ومن فطر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لذنوبه فيما مضى ، فقيل له : يا رسول الله ليس كلنا نقدر على أن نفطر صائما ، فقال : إن الله تبارك وتعالى كريم يعطي هذا الثواب منكم لمن لم يقدر إلا على مذقة (٥) من لبن يفطر بها صائما أو شربة من ماء عذب أو تميرات لا يقدر على أكثر من ذلك ، ومن خفف فيه عن مملوكه خفف الله عزوجل عليه حسابه ، وهو شهر أوله رحمة ، ووسطه مغفرة ، وآخره إجابة والعتق من النار (٦) ، ولا غنى بكم فيه عن أربع خصال : خصلتين ترضون الله بهما ، وخصلتين لا غنى بكم عنهما ، فأما اللتان ترضون الله بهما فشهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله عزوجل فيه حوائجكم والجنة وتسألون الله فيه العافية ، وتتعوذون به من النار.

__________________

(١) أي أقبل عليكم ودنا منكم كأنه ألقى ظله عليكم. (النهاية)

(٢) يفهم منه فضل الفرائض على النوافل مطلقا.

(٣) أي الصبر في طاعة الله واتيان ما أمره من حفظ النفس عن تناول كل ما يشتهى من المباحات التي كانت له حلالا في غير هذا الشهر.

(٤) أي يساوى فيه الناس في الجوع والعطش غنيا كانوا أو فقيرا أو يساوى الناس في الحكم أي لا يجوز لأحدهم تناول شئ من المفطرات ، أو هو شهر ينبغي فيه أن يشرك الأغنياء الفقراء وأهل الحاجة في معايشهم فيكون المعنى شهر المساهمة والمشاركة في المعاش.

(٥) المذقة : اللبن الممزوج بالماء وميمه أصلية.

(٦) أي في العشر الأول ينزل الله عزوجل الرحمات الدنيوية والأخروية على عباده ، وفى العشر الأوسط يغفر ذنوبهم ، وفى العشر الآخر يستجيب دعاءهم ويعتق رقابهم من النار.

٩٥

١٨٣٢ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) لما حضر شهر رمضان وذلك في ثلاث بقين من شعبان لبلال : ناد في الناس فجمع الناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « أيها الناس إن هذا الشهر قد حضركم وهو سيد الشهور ، فيه ليلة هي خير من ألف شهر ، تغلق فيه أبواب النار ، وتفتح فيه أبواب الجنان ، فمن أدركه فلم يغفر له فأبعده الله ، ومن أدرك والديه فلم يغفر له فأبعده الله ، ومن ذكرت عنده فلم يصل علي فلم يغفر له (٢) فأبعده الله ».

١٨٣٣ ـ وروى جابر (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا نظر إلى هلال شهر رمضان استقبل القبلة بوجهه ثم قال : « اللهم أهله علينا بالأمن والايمان (٤) ، والسلامة والاسلام (٥) ، والعافية المجللة (٦) ، والرزق الواسع ، ودفع الأسقام ، وتلاوة القرآن ، والعون على الصلاة والصيام ، اللهم سلمنا لشهر رمضان وسلمه لنا وتسلمه (٧) منا حتى ينقضي رمضان وقد غفرت لنا » ثم يقبل بوجهه

__________________

(١) مروى في الكافي ج ٤ ص ٦٧ والتهذيب ج ص ٤٠٦ وثواب الأعمال ص ٩٠ بسند فيه ارسال عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام.

(٢) ليس في التهذيب قوله « فلم يغفر له » ههنا.

(٣) رواه الكليني في الكافي ج ٤ ص ٦٨ مسندا.

(٤) أي اجعله طالعا لنا بالأمن من الآفات الدنيوية والأخروية. (م ت)

(٥) أي الانقياد لأوامرك وترك نواهيك. (م ت)

(٦) المجللة ـ بالكسر أو الفتح ـ أي الشاملة لجميع الأعضاء من الأسقام ، أو الأعم من مكروهات الدارين. (م ت)

(٧) « سلمنا » أي بان نكون صحيحا حتى نصومه ونعبدك فيه. و « سلمه لنا » أي من الاشتباه في الصوم والفطر حتى لا يشتبه علينا يوم منه بغيره لأجل الهلال ، و « تسلمه منا » أي تقبله منا يعنى تقبل منا ما نأتي فيه من العبادات والقربات.

٩٦

على الناس فيقول : يا معشر الناس إذا طلع هلال شهر رمضان غلت مردة الشياطين (١) وفتحت أبواب السماء وأبواب الجنان وأبواب الرحمة وغلقت أبواب النار (٢) و استجيب الدعاء ، وكان لله تبارك وتعالى عند كل فطر عتقاء يعتقهم من النار ، وينادي مناد كل ليلة هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ « اللهم أعط كل منفق خلفا ، وأعط كل ممسك تلفا » (٣) حتى إذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون : أن اغدوا إلى جوائزكم فهو يوم الجائزة ، ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : أما والذي نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير والدراهم. (٤)

١٨٣٤ ـ وروى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام » أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما انصرف من عرفات وسار إلى منى دخل المسجد (٥) فاجتمع إليه الناس يسألونه عن ليلة القدر ، فقام خطيبا فقال بعد الثناء على الله عزوجل : أما بعد فإنكم سألتموني عن ليلة القدر ولم أطوها عنكم لأني لم أكن بها عالما (٦) اعلموا أيها الناس إنه من ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح سوي فصام نهاره وقام وردا من ليله (٧) وواظب على صلاته

__________________

(١) مردة جمع ما ورد وهو العاتي أو جمع مريد ـ بفتح الميم ـ وهو الذي لا ينقاد ولا يطيع.

(٢) فتح أبواب السماء كناية عن نزول الرحمة أو استجابة الدعاء أو كناية عن طريق التوجه إلى الله سبحانه والسؤال والاستغفار. وفتح أبواب الجنان كناية عن كونه بحيث يأتي المكلف فيه بما يوجب فتحها له ، وغلق أبواب النار كناية عن عدم اتيان العبد بما يوجب له النار.

(٣) « حلفا » بالتحريك أي عوضا عظيما في الدنيا والآخرة ، وقوله : « أعط كل ممسك » ذكر الاعطاء هنا اما للمشاكلة أو التهكم ، و « تلفا » أي تلف المال والنفس. (م ت) (٤) يعنى ما هذه الجائزة دنيوية بل هي المغفرة والثواب والتوفيق.

(٥) يعنى مسجد الخيف.

(٦) أي ما كتمته عنكم أو ما أخفيته عنكم مع علمي بها بخلا عليكم أو ناشئا من عدم العلم بها بل لمصالح لا يعلمها الا الله تعالى.

(٧) الورد ـ بكسر الواو وسكون الراء المهملة ـ : الجزء ومن القرآن ما يقوم به

٩٧

وهجر إلى جمعته (١) وغدا إلى عيده فقد أدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب عزوجل.

١٨٣٥ ـ وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « فازوا والله بجوائز ليست كجوائز العباد ».

١٨٣٦ ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام لجابر (٢) : « يا جابر من دخل عليه شهر رمضان فصام نهاره وقام وردا من ليله ، وحفظ فرجه ولسانه ، وغض بصره ، وكف أذاه خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه ، قال جابر : قلت له : جعلت فداك ما أحسن هذا من حديث؟ قال : ما أشد هذا من شرط ».

١٨٣٧ ـ وقال علي عليه‌السلام : « لما حضر شهر رمضان قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس كفاكم الله عدوكم من الجن والإنس ، وقال : » ادعوني أستجب لكم « ووعدكم الإجابة ، ألا وقد وكل الله عزوجل بكل شيطان مريد سبعين من ملائكته فليس بمحلول حتى ينقضي شهركم هذا ، ألا وأبواب السماء مفتحة من أول ليلة منه ، ألا والدعاء فيه مقبول ».

١٨٣٨ ـ وروى محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إن لله تبارك وتعالى في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء وطلقاء من النار إلا من أفطر على مسكر ، فإذا كان آخر ليلة منه أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه » (٣).

١٨٣٩ ـ وفي رواية عمر بن يزيد « إلا من أفطر على مسكر ، أو مشاحن ، أو صاحب شاهين ـ وهو الشطرنج ـ » (٤).

__________________

الانسان كل ليلة. وفى المصباح المنير : الورد الوظيفة من قراءة ونحو ذلك. والمعنى قام تاليا للقرآن في بعض الليل أو داعيا فيه.

(١) في بعض النسخ « وهاجر إلى جمعته »

(٢) هو الجعفي ورواه الكليني بسند ضعيف ج ٤ ص ٨٧.

(٣) رواه الكليني مسندا ج ٤ ص ٤٨. ومحمد بن مروان مجهول الحال.

(٤) رواه المصنف ـ رحمه‌الله ـ في ثواب الأعمال ص ٩٢. باسناده عن عمر بن يزيد وفيه « أو مشاحنا ». في بعض النسخ الكتاب « مشاجرا » والمشاحن : صاحب البدعة والمفارق للجماعة ، والتارك للجمعة. والمشاجر : المنازع.

٩٨

١٨٤٠ ـ و « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير وأعطى كل سائل » (١).

١٨٤١ ـ وروى هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى قابل إلا أن يشهد عرفة ». (٢)

١٨٤٢ ـ وكان الصادق عليه‌السلام يوصي ولده ويقول : « إذا دخل شهر رمضان فاجهدوا أنفسكم فإن فيه تقسم الأرزاق ، وتكتب الآجال ، وفيه يكتب وفد الله الذين يفدون إليه (٣) وفيه ليلة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ».

١٨٤٣ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض » ، فغرة الشهور (٤) شهر الله وهو شهر رمضان وقلب شهر رمضان ليلة القدر ، ونزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان (٥) فاستقبل الشهر بالقرآن. (٦)

قال مصنف هذا الكتاب ـ رحمه‌الله ـ : تكامل نزول القرآن ليلة القدر.

١٨٤٤ ـ وروى سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث النخعي قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إن شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على أحد من الأمم قبلنا ، فقلت له : فقول الله عزوجل : « يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم

__________________

(١) رواه المصنف ـ رحمه‌الله ـ بسند عامي عن ابن عباس في ثواب الأعمال ص ٩٧.

(٢) رواه الكليني في الكافي ج ٤ ص ٦٦ بسند مجهول لا يقصر عن الصحيح.

(٣) أي يقدر فيه حاج بيت الله ، وفد جمع وافد ـ كصحب وصاحب ـ ، يقال : وفد فلان على الأمير أي ورد رسولا ، فكان الحاج وفد الله وأضيافه نزلوا عليه رجاء بره واكرامه (المرآة) والسند كما في الكافي ج ٤ ص ٦٦ موثق.

(٤) « فغرة الشهور » الفاء للتعقيب الذكرى أي أولها أو أشرفها وأفضلها أو المنور من بينها. وفى النهاية غرة كل شئ أوله.

(٥) كأنه أراد أن ابتداء نزوله في أول ليلة منه وكماله في ليلة القدر.

(٦) المراد الامر بتلاوته عند وروده أو أول ليلة منه.

٩٩

الصيام كما كتب على الذين من قبلكم » قال : إنما فرض الله صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم ففضل به هذه الأمة وجعل صيامه فرضا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أمته ».

وقد أخرجت هذه الأخبار [التي رويتها في هذا المعنى] في كتاب فضائل شهر رمضان. (١)

باب

* (القول عند رؤية هلال شهر رمضان) *

١٨٤٥ ـ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) : « إذا رأيت الهلال فلا تبرح وقل : اللهم إني أسألك خير هذا الشهر ، وفتحه ونوره ونصره وبركته وطهوره ورزقه ، وأسألك خير ما فيه وخير ما بعده ، وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده ، اللهم أدخله علينا بالأمن والايمان ، والسلامة والاسلام ، والبركة والتقوى ، والتوفيق لما تحب وترضى ».

١٨٤٦ ـ وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أهل هلال شهر رمضان استقبل القبلة و رفع يديه وقال : « اللهم أهله علينا بالأمن والايمان ، والسلامة والاسلام ، والعافية المجللة ، والرزق الواسع ، ودفع الأسقام ، اللهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، وسلمه لنا وتسلمه منا وسلمنا فيه » (٣).

وقال أبي ـ رحمه‌الله ـ في رسالته إلي : إذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر إليه ولكن استقبل القبلة وارفع يديك إلى الله عزوجل وخاطب الهلال وتقول : « ربي وربك الله رب العالمين ، اللهم أهله علينا بالأمن والايمان ، والسلامة والاسلام

__________________

(١) راجع ثواب الأعمال ص ٨٨ إلى ٩٧.

(٢) رواه الكليني في الكافي ج ٤ ص ٧٦ بسند مرفوع.

(٣) « سلمه لنا » أي لا يغيم الهلال في أوله أو آخره فيلتبس علينا الصوم والفطر وقد مر معنى الجملات ص ٩٦ والخبر مروى في الكافي بسند ضعيف ج ٤ ص ٧٠.

١٠٠