كتاب من لا يحضره الفقيه - ج ٢

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

كتاب من لا يحضره الفقيه - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: علي اكبر الغفّاري
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤٦

باب

* (ابتدأ الكعبة وفضلها وفضل الحرم) *

٢٢٩٦ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : « لما أراد الله عزوجل أن يخلق الأرض أمر الرياح [الأربع] (١) فضربن متن الماء حتى صار موجا ، ثم أزبد (٢) فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ، ثم جعله جبلا من زبد ثم دحا الأرض من تحته وهو قول الله عزوجل : « إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا » (٣) فأول بقعة خلقت من الأرض الكعبة ، ثم مدت الأرض منها ».

٢٢٩٧ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « إن الله تبارك وتعالى دحا الأرض من تحت الكعبة إلى منى ، ثم دحاها من منى إلى عرفات ، ثم دحاها من عرفات إلى منى فالأرض من عرفات ، وعرفات من منى ، ومنى من الكعبة (٤) ، وكذلك علمنا بعضه من بعض ».

٢٢٩٨ ـ و « إن الله عزوجل أنزل البيت من السماء وله أربعة أبواب على كل باب قنديل من ذهب معلق (٥) ».

٢٢٩٩ ـ وروي عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام أنه قال : « في خمسة وعشرين (٦) من

__________________

(١) ما بين القوسين نسخة في جميع النسخ وليس في الكافي.

(٢) أزيد : أخرج الزبد وقذف به.

(٣) الرواية إلى هنا في الكافي ج ٤ ص ١٨٩ مسندا عن أبي حسان عنه عليه‌السلام وعن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وبكة لغة في مكة وقيل : مكة : البلد ، وبكة موضع البيت.

(٤) الخبر في الكافي ج ٤ ص ١٨٩ إلى هنا رواه بسند ضعيف ، ويمكن أن يكون المراد به أن ابتداء بسط الأرض كان من كعبة إلى منى ومنها إلى عرفات وانتهى إلى ما أراد الله تعالى من فوقها ثم دحاها من تحتها حتى انتهى إلى منى فصارت كرة. (م ت)

(٥) يمكن أن يكون خبرا برأسه ولم أجده أو من تتمة الخبر السابق.

(٦) تقدم تحت رقم ١٨١٥ وفيه « في تسع وعشرين ».

٢٤١

ذي القعدة أنزل الله عزوجل الكعبة البيت الحرام فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة ، وهو أول يوم أنزلت فيه الرحمة من السماء على آدم عليه‌السلام ».

٢٣٠٠ ـ وقال الرضا عليه‌السلام : « ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة دحيت الأرض من تحت الكعبة فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهرا (١) ».

٢٣٠١ ـ وسأل محمد بن عمران العجلي أبا عبد الله عليه‌السلام « أي شئ كان موضع البيت حيث كان الماء في قول الله تعالى » وكان عرشه على الماء «؟ قال : كانت مهاة بيضاء ـ يعني درة ـ ».

٢٣٠٢ ـ وفي رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن الله عزوجل أنزله لآدم عليه‌السلام من الجنة وكان درة بيضاء (٢) فرفعه الله تعالى إلى السماء وبقي أسه وهو بحيال هذا البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون إليه أبدا فأمر الله عز وجل إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام ببنيان البيت على القواعد ».

٢٣٠٣ ـ وفي رواية عيسى بن عبد الله الهاشمي ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام قال : كان موضع الكعبة ربوة من الأرض بيضاء (٣) تضئ كضوء الشمس

__________________

(١) تقدم تحت رقم ١٨١٤ بزيادة عن الحسن بن علي الوشاء عنه عليه‌السلام.

(٢) في الكافي ج ٤ ص ١٨٨ باسناده عن أبي خديجة قال : « ان الله عزوجل أنزل الحجر لآدم عليه‌السلام من الجنة وكان بيت درة بيضاء فرفعه الله ـ الخبر » وقال المولى المجلسي ـ رحمه‌الله ـ : والتغيير الذي من الصدوق هو التصريح دون الاضمار ويفهم منه أنه فهم أن معنى الخبرين واحد والذي يظهر من الخبرين وباقي الاخبار أنه كان هنا ثلاثة أشياء : موضع البيت حين كان عرشه على الماء وكان منيرا كاللؤلؤة ، والبيت الذي أنزله الله لآدم عليه‌السلام وكان من ياقوتة حمراء في الصفاء كاللؤلؤة ، والظاهر أنه البيت المعمور لقوله عليه‌السلام يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك ، كما ورد في الأخبار المتواترة ان البيت المعمور في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ولا يرجعون إليه إلى يوم القيامة ، والحجر الأسود الذي أنزله الله تعالى أيضا.

(٣) أي موضع أساس الكعبة ، والربوة ـ بفتح الراء وكسرها ـ : ما ارتفع من الأرض.

٢٤٢

والقمر حتى قتل ابنا آدم أحدهما صاحبه فاسودت ، فلما نزل آدم عليه‌السلام رفع الله عزوجل له الأرض كلها حتى رآها ثم قال : هذه لك كلها قال : يا رب ما هذه الأرض البيضاء المنيرة؟ قال : هي حرمي في أرضي ، وقد جعلت عليك أن تطوف بها كل يوم سبعمائة طواف.

٢٣٠٤ ـ وروى سعيد بن عبد الله الأعرج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أحب الأرض إلى الله تعالى مكة ، وما تربة أحب إلى الله عزوجل من تربتها ، ولا حجر أحب إلى الله عزوجل من حجرها ، ولا شجر أحب إلى الله عزوجل من شجرها ، ولا جبال أحب إلى الله عزوجل من جبالها ، ولا ماء أحب إلى الله عزوجل من مائها ».

٢٣٠٥ ـ وفي خبر آخر : « ما خلق الله تبارك وتعالى بقعة في الأرض أحب إليه منها ـ وأومأ بيده إلى الكعبة ـ ولا أكرم على الله عزوجل منها ، لها حرم الله الأشهر الحرم في كتابه يوم خلق السماوات والأرض ».

٢٣٠٦ ـ وروي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « إن الله عزوجل اختار من كل شئ شيئا [و] اختار من الأرض موضع الكعبة ».

٢٣٠٧ ـ وقال عليه‌السلام : « لا يزال الدين قائما ما قامت الكعبة ».

٢٣٠٨ ـ وقال زرارة بن أعين لأبي جعفر عليه‌السلام : « أدركت الحسين عليه‌السلام؟ قال : نعم أذكر وأنا معه في المسجد الحرام وقد دخل فيه السيل والناس يتخوفون على المقام (١) يخرج الخارج فيقول : قد ذهب به السيل ، ويدخل الداخل فيقول : هو مكانه ، قال : فقال : يا فلان (٢) ما يصنع هؤلاء؟ فقلت : أصلحك الله (٣) يخافون أن يكون

__________________

(١) أي خافوا أن يذهب به السيل. وفى بعض النسخ « يقومون ».

(٢) كذا في جميع النسخ والكافي أيضا كأنه دعا رجلا كان هناك وقوله « فقلت » مصحف « فقال ».

(٣) قال المحقق التستري صاحب « الاخبار الداخلية » فيما كتب إلى أن فيه سقطا أو تصحيفا فان خطاب الإمام عليه‌السلام ابن ابنه وهو ابن أقل من أربع سنين بيا فلان وجوابه هو أيضا بأصلحك الله في غاية البعد ، وفى الكافي « فقال لي : يا فلان » والظاهر أن الأصل « فقال لرجل : يا فلان ما يصنع هؤلاء فقال : أصلحك الله » فصحف.

٢٤٣

السيل قد ذهب بالمقام ، قال : (١) إن الله عزوجل قد جعله علما لم يكن ليذهب به ، فاستقروا ».

وكان (٢) موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه‌السلام عند جدار البيت فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم ، فلما فتح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مكة رده إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه‌السلام ، فلم يزل هناك إلى أن ولي عمر فسأل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام فقال له رجل (٣) : أنا قد كنت أخذت مقداره بنسع (٤) فهو عندي ، فقال : ائتني به ، فأتاه فقاسه ثم رده إلى ذلك المكان.

٢٣٠٩ ـ وروي أنه « قتل الحسين بن علي عليهما‌السلام ولأبي جعفر عليه‌السلام أربع سنين » (٥).

٢٣١٠ ـ وروي « أن الكعبة شكت إلى الله عزوجل في الفترة بين عيسى و محمد صلوات الله عليهما فقالت : يا رب مالي قل زواري ، مالي قل عوادي؟ فأوحى الله جل جلاله إليها أني منزل نورا جديدا على قوم يحنون إليك (٦) كما تحن الانعام إلى أولادها ويزفون إليك (٧) كما تزف النسوان إلى أزواجها ـ يعني أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

٢٣١١ ـ وروى حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « وجد في حجر : إني أنا

__________________

(١) الشراح تكلفوا في معناه وكأن فيه سقطا وفى الكافي « قال : ناد أن الله ـ الخ » فحينئذ يستقيم المعنى بلا تكلف.

(٢) ظاهره من كلام أبى جعفر عليه‌السلام ويمكن أن يكون من زرارة ذكره بالمناسبة.

(٣) هو المطلب بن أبي وداعة السهمي القرشي سبط حارث بن المطلب وأمه أروى ، راجع اتحاف الورى باخبار أم القرى حوادث سنة سبع عشرة وفى نسب الرجل جمهرة أنساب العرب لابن حزم الأندلسي ص ١٦٤.

(٤) النسع ـ بالكسر ـ : سير ينسج عريضا على هيئة أعنة النعال تشد به الرحال و القطعة منه نسعة وسمى نسعا لطوله.

(٥) ذكر ذلك للتوجه بسن أبى جعفر عليه‌السلام.

(٦) أي يشتاقون ، والحنين الشوق.

(٧) أي يجيئون إليك في نهاية الشوق.

٢٤٤

الله ذو بكة صنعتها (١) يوم خلقت السماوات والأرض ، ويوم خلقت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حفا (٢) مبارك لأهلها في الماء واللبن ، يأتيها رزقها من سبل من أعلاها وأسفلها والثنية » (٣).

٢٣١٢ ـ وروي أنه وجد في حجر آخر مكتوب : « هذا بيت الله الحرام بمكة ، تكفل الله عزوجل برزق أهله من ثلاثة سبل ، مبارك لأهله في اللحم والماء ».

٢٣١٣ ـ وروي عن أبي حمزة الثمالي قال : « قال لنا علي بن الحسين عليهما‌السلام : أي البقاع أفضل؟ فقلنا : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، فقال : أما أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ، ولو أن رجلا عمر ما عمر نوح عليه‌السلام في قومه ـ ألف سنة إلا خمسين عاما ـ يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ثم لقي الله عزوجل بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئا ». (٤)

٢٣١٤ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم فتح مكة : « إن الله تبارك وتعالى حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحل لاحد قبلي

__________________

(١) في بعض النسخ « خلقتها ». وفى الكافي في الصحيح عن سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ان قريشا لما هدموا الكعبة وجدوا في قواعدها حجرا فيه كتاب لم يحسنوا قراءته حتى دعوا رجلا فقرأه فإذا فيه : أنا الله ذو بكة ، حرمتها يوم خلقت السماوات والأرض ووضعتها بين هذين الجبلين وحففتها بسبعة أملاك حفا » وفى طرق العامة « أملاك حنفاء ».

(٢) أي يحفظونها من الأشرار ، وهذه أيضا من آياتها مع كثرة الكفرة المعاندين وفى بعض النسخ « مباركا » والبركة بمعنى الزيادة الصورية والمعنوية.

(٣) فمن طريق الطائف من التمر وسائر الثمار ، ومن العراق ونجد من أصناف النعم ، ومن طريق الثنية العقبة طريق المدينة المشرفة والشام ومصر من التمر والأرز والحنطة وغيرها كما هو المشاهد أنها أكثر بلاد الله نعما وفوائد ، وهذه أيضا من آياتها. (م ت)

(٤) يدل على أفضلية الحطيم للعبادة وعلى أن الايمان شرط في جميع العبادات كما هو مذهبنا معاشر الامامية. (م ت)

٢٤٥

ولا تحل لاحد من بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من النهار ». (١)

٢٣١٥ ـ وروى كليب الأسدي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله استأذن الله عزوجل في مكة (٢) ثلاث مرات من الدهر فأذن الله له فيها ساعة من النهار ثم جعلها حراما ما دامت السماوات والأرض ».

٢٣١٦ ـ وقال عليه‌السلام : « إن الله عزوجل حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ولا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ، ولا يلتقط لقطتها الا لمنشد ، فقام إليه العباس بن عبد المطلب فقال : يا رسول الله إلا الإذخر (٣) فإنه للقبر ولسقوف بيوتنا ، فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ساعة وندم العباس على ما قال ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إلا الإذخر » (٤).

٢٣١٧ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : أساس البيت من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا.

٢٣١٨ ـ وروى أبو همام ـ إسماعيل بن همام ـ عن الرضا عليه‌السلام أنه قال لرجل :  أي شئ السكينة عندكم؟ فلم يدر القوم ما هي ، فقالوا : جعلنا الله فداك ما هي؟ قال : ريح تخرج من الجنة طيبة ، لها صورة كصورة الانسان تكون مع الأنبياء عليهم‌السلام وهي التي أنزلت على إبراهيم عليه‌السلام حين بنى الكعبة فأخذت تأخذ كذا وكذا وبنى

__________________

(١) في يوم الفتح ، رواه الكليني ج ٤ ص ٢١٦ في الصحيح عن معاوية بن عمار. و قوله : « لا تحل لاحد قبلي » أي الدخول فيه بغير احرام ويظهر من هذه الأخبار أنها فتحت عنوة.

(٢) أي في باب قتال مكة بأن يفتح له صلحا أو الأعم أو قهرا.

(٣) في النهاية في حديث تحريم مكة : « لا يختلى خلاها » الخلا مقصورا النبات الرطب الرقيق ما دام رطبا واختلاه أي قطعه واختلت الأرض كثر خلاها فإذا يبس فهو حشيش ـ انتهى « وفى الصحاح : الإذخر ـ بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء : نبت ، والواحدة اذخرة انتهى. ويعضده أي يقطعه وعضد الشجرة قطعها بالمعضد وقوله » الا لمنشد أي لقاصد الانشاد لا للتملك. والخبر مروى نحوه في الكافي ج ٤ ص ٢٢٥ بزيادة عن حريز وطريق المصنف إلى حريز صحيح.

(٤) كأنه سكت صلى‌الله‌عليه‌وآله انتظارا لنزول الوحي كما في بعض الأخبار.

٢٤٦

الأساس عليها.

٢٣١٩ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « كان طول الكعبة تسعة أذرع ، ولم يكن لها سقف ، فسقفها قريش ثمانية عشر ذراعا ، ثم كسرها الحجاج على ابن الزبير فبناها وجعلها سبعة وعشرين ذراعا ». (١)

٢٣٢٠ ـ وروي عن سعيد بن عبد الله الأعرج عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إن قريشا في الجاهلية هدموا البيت فلما أرادوا بناءه حيل بينه وبينهم والقي في روعهم الرعب (٢) حتى قال قائل منهم : ليأت كل رجل منكم بأطيب ماله ولا تأتوا بمال اكتسبتموه من قطيعة رحم أو حرام ففعلوا ، فخلي بينهم وبين بنيانه ، فبنوه حتى انتهوا إلى موضع الحجر الأسود فتشاجروا فيه أيهم يضع الحجر في موضعه حتى كاد أن يكون بينهم شر ، فحكموا أول من يدخل من باب المسجد ، فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما أتاهم أمر بثوب فبسط ثم وضع الحجر في وسطه ثم أخذت القبائل بجوانب الثوب فرفعوه ، ثم تناوله عليه‌السلام فوضعه في موضعه فخصه الله عزوجل به ».

٢٣٢١ ـ وروي « أن الحجاج لما فرغ من بناء الكعبة سأل علي بن الحسين عليهما‌السلام أن يضع الحجر في موضعه ، فأخذه ووضعه في موضعه ».

٢٣٢٢ ـ وروي أنه « كان بنيان إبراهيم عليه‌السلام الطول ثلاثين ذراعا ، والعرض اثنين وعشرين ذراعا ، والسمك تسعة أذرع ، وإن قريشا لما بنوها كسوها الاردية ».

٢٣٢٣ ـ وروى البزنطي ، عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أن

__________________

(١) الظاهر أن المراد ببناء عبد الله بن الزبير تسقيفها وهدم الحجاج الكعبة من قبل عبد الملك بن مروان لما خرج ابن الزبير وادعى الإمامة بعد زوال ملك بنى سفيان واستولى على العراقين عشر سنين وخطب باسمه على المنابر فبعث الحجاج بجند عظيم إليه فتحصن ابن الزبير بالمسجد الحرام فوضع المنجنيق عليه حتى هدم الكعبة وغلب الحجاج فأخذه وصلبه سنين حتى شفعت له أمه أسماء ذات النطاقين بنت أبي بكر فأنزله ودفنه وقتل جماعة كثيرة بسبب خروجه. (م ت)

(٢) الروع ـ بالضم ـ : القلب أو موضع الفزع منه أو سواده ، والذهن والعقل.

٢٤٧

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ساهم قريشا في بناء البيت فصار لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من باب الكعبة إلى النصف ما بين الركن اليماني إلى الحجر الأسود » (١).

٢٣٢٤ ـ وفي رواية أخرى أنه « كان لبني هاشم من الحجر الأسود إلى الركن الشامي ».

[من أراد الكعبة بسوء] (٢).

وما أراد الكعبة أحد بسوء إلا غضب الله عزوجل لها ، ونوى يوما تبع الملك أن يقتل مقاتلة أهل الكعبة ويسبي ذريتهم ثم يهدم الكعبة فسالت عيناه حتى وقعتا على خديه فسأل عن ذلك ، فقالوا : ما نرى الذي أصابك إلا بما نويت في هذا البيت لان البلد حرم الله والبيت بيت الله ، وسكان مكة ذرية إبراهيم خليل الله ، فقال : صدقتم فما مخرجي مما وقعت فيه؟ قالوا : تحدث نفسك بغير ذلك فحدث نفسه بخير فرجعت حدقتاه حتى ثبتتا في مكانهما ، فدعا القوم الذين أشاروا عليه بهدمها فقتلهم ثم أتى البيت فكساه الأنطاع وأطعم الطعام ثلاثين يوما كل يوم مائة جزور حتى حملت الجفان إلى السباع في رؤوس الجبال ونثرت الاعلاف للوحوش ، ثم انصرف من مكة إلى المدينة فأنزل بها قوما من أهل اليمن من غسان وهم الأنصار (٣).

__________________

(١) المساهمة : العمل بالقرعة وصار لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قريبا من ربع البيت (م ت) وقال العلامة المجلسي ـ رحمه‌الله ـ قوله « من باب الكعبة إلى النصف » أي إلى منتصف الضلع الذي بين اليماني والحجر ، ولا يخفى أنها تنافى الرواية الأخرى الا أن يقال : إنهم كانوا أشركوه صلى‌الله‌عليه‌وآله مع بني هاشم في هذا الضلع وخصوه بالنصف من الضلع الاخر فجعل بنو هاشم له صلى‌الله‌عليه‌وآله ما بين الحجر والباب.

(٢) العنوان زيادة منا وليس في الأصل.

(٣) راجع الكافي ج ٤ ص ٢١٥ روى خبر ذلك على وجهه عن علي عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

والنطع بساط من الأديم جمعه أنطاع ونطوع. وراجع مفصل تاريخ تبع اخبار مكة الأزرقي ج ١ ص ٨٤ ط ١٢٧٥.

٢٤٨

وروي : أنه ذبح له ستة آلاف بقرة بشعب ابن عامر ، وكان يقال لها مطابخ تبع (١) حتى نزلها ابن عامر فأضيفت إليه فقيل : شعيب ابن عامر ، ولم يكن تبع مؤمنا ولا كافرا ولكنه كان ممن يطلب الدين الحنيف ، ولم يملك المشرق إلا تبع وكسرى.

وقصده أصحاب الفيل وملكهم أبو يكسوم : أبرهة بن الصباح الحميري ليهدمه. فأرسل الله عليهم طيرا أبابيل (٢) ترميهم بحجارة من سجيل ، فجعلهم كعصف مأكول.

وإنما لم يجر على الحجاج ما جرى على تبع وأصحاب الفيل لان قصد الحجاج لم يكن إلى هدم الكعبة إنما كان قصده إلى ابن الزبير وكان ضدا لصاحب الحق ، فلما استجار بالكعبة أراد الله أن يبين للناس أنه لم يجره فامهل من هدمها عليه.

٢٣٢٥ ـ وروي عن عيسى بن يونس قال : « كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد فقيل له : تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة فقال : إن صاحبي كان مخلطا كان يقول طورا بالقدر ، وطورا بالجبر ، وما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه ، قال : ودخل مكة تمردا وإنكارا على من يحج وكان يكره العلماء مساءلته إياهم ومجالسته لهم لخبث لسانه وفساد ضميره فأتى جعفر بن محمد عليه‌السلام فجلس إليه في جماعة من نظرائه ، ثم قال له : إن المجالس أمانات ولابد لكل من كان به سعال أن يسعل (٣) أفتأذن لي في الكلام؟ فقال : تكلم فقال : إلى كم تدوسون هذا البيدر وتلوذون بهذا الحجر وتعبدون هذا البيت المرفوع

__________________

(١) أي قبل نزول ابن عامر فيها.

(٢) أبابيل جماعات في تفرقة ، زمرة زمرة ، وقيل : لا واحد لها ، وقيل : كعباديد واحدها أبول وزان عجول ، وقيل : واحدها ابالة وهي بكسر الهمزة : الجماعة.

(٣) السعال حركة للهواء تحدث في قصبة الرية تدفع الاخلاط المؤذية عنها.

٢٤٩

بالطوب والمدر (١) وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر ، من فكر في هذا أو قدر علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي نظر ، فقل فإنك رأس هذا الامر وسنامه وأبوك أسه ونظامه.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن من أضله الله وأعمى قلبه ، استوخم الحق (٢) فلم يستعذبه ، وصار الشيطان وليه يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره ، وهذا بيت استعبد الله به خلقه ، ليختبر طاعتهم في إتيانه ، فحثهم على تعظيمه وزيارته ، وجعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين له ، فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه ، منصوب على استواء الكمال ومجتمع العظمة والجلال ، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام ، وأحق من أطيع فيما أمر وانتهي عما نهى عنه وزجر ، الله المنشئ للأرواح بالصور.

فقال ابن أبي العوجاء : ذكرت يا أبا عبد الله فأحلت على غائب ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ويلك وكيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد ، وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ويرى أشخاصهم ويعلم أسرارهم ، وإنما المخلوق (٣) الذي إذا انتقل عن مكان اشتغل به مكان وخلا منه مكان ، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه ، فأما الله العظيم الشأن الملك الديان فإنه لا يخلو منه مكان ، ولا يشتغل به مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان ، والذي بعثه بالآيات المحكمة ، والبراهين الواضحة ، وأيده بنصره ، واختاره لتبليغ رسالته صدقنا قوله بأن ربه بعثه وكلمه.

فقام عنه ابن أبي العوجاء فقال لأصحابه : من ألقاني في بحر هذا ، سألتكم

__________________

(١) الدوس : الوطأ على الرجل ، والبيدر : الموضع الذي يداس فيه الطعام ويدق ليخرج الحب من السنبل ، والطوب : الاجر.

(٢) الاستيخام : الاستثقال وعد الشئ غير موافق. واستوخمه أي وجده وخيما ثقيلا. وقوله « لم يستعذبه » أي لم يجده عذبا.

(٣) أي إنما الغائب هو المخلوق الذي كذا أو إنما المخلوق هو الذي.

٢٥٠

أن تلتمسوا لي خمرة فألقيتموني على جمرة (١) قالوا له : ما كنت في مجلسه إلا حقيرا فقال : إنه ابن من حلق رؤوس من ترون ». (٢)

٢٣٢٦ ـ وقال الصادق عليه‌السلام في خبر آخر حديث يذكر فيه الاسلام والايمان :  « ولو أن رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا اخرج من الكعبة ومن الحرم ، وضربت عنقه ». (٣)

٢٣٢٧ ـ وسأل عبد الله بن سنان أبا عبد الله عليه‌السلام « عن قول الله عزوجل : » ومن دخله كان آمنا « قال : من دخل الحرم مستجيرا به فهو آمن من سخط الله عزوجل ، وما دخل من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم ».

[الالحاد في الحرم والجنايات] (٤)

ومن أتى بموجب الحد في الحرم اخذ به في الحرم لأنه لم ير للحرم حرمة. (٥)

٢٣٢٨ ـ وروى معاوية بن عمار أنه « اتي أبو عبد الله عليه‌السلام فقيل له : إن

__________________

(١) الخمرة ـ بالفتح بمعنى الخمر ، وبالضم ألمها وصداعها ، ومراد اللعين أنى سألتكم أن تأتوني إلى من أجادله وألعب وأستهزئ به وأضحك عليه لا إلى من يحرقني ببلاغة بيانه وبرهانه ، وقال المولى المجلسي : الخمرة ما يخمر به وعكر النبيذ وحصيرة صغيرة من السعف والورس وأشياء من الطيب تطلى به المرأة لتحسن وجهها ولكل مناسبة ، والجمرة النار الموقدة ، أي كنت أردت منكم أن تحصلوا لي شخصا لاباحث معه وأغلبه وحصلتم لي مباحثا الزمني وأهلكني وضيعني.

(٢) يعنى هذا هو ابن من أمر هذا الخلق الذي ترون بحلق الرأس فأطاعوه مع أن حلق الرأس عندهم عار عظيم وليس العجز لجهلي بل لاحتشامي إياه.

(٣) رواه الكليني بتمامه في الكافي ج ٢ ص ٢٧ وهذا الكلام في ذيله.

(٤) العنوان زيادة منا.

(٥) كما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الكافي ج ٤ ص ٢٢٨ ، وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ص ٢٢٦.

٢٥١

سبعا من سباع الطير على الكعبة ليس يمر به شئ من حمام الحرم إلا ضربه ، فقال : انصبوا له واقتلوه فإنه قد ألحد » (١).

٢٣٢٩ ـ قال : و « سألته عن قول الله عزوجل : « ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقة من عذاب أليم » قال : كل ظلم إلحاد ، وضرب الخادم في غير ذنب من ذلك الالحاد » (٢).

٢٣٣٠ ـ وفي رواية أبي الصباح الكناني (٣) عنه عليه‌السلام قال : « كل ظلم يظلمه الرجل نفسه بمكة من سرقة أو ظلم أحد أو شئ من الظلم فإني أراه إلحادا ، ولذلك كان يتقي الفقهاء أن يسكنوا مكة ».

[اظهار السلاح بمكة] (٤)

٢٣٣١ ـ وسأله أبو بصير « عن رجل يريد مكة أو مدينة أيكره أن يخرج منه بالسلاح؟ فقال : لا بأس أن يخرج بالسلاح من بلده ولكن إذا دخل مكة لم يظهره ».

٢٣٣٢ ـ وفي رواية حريز بن عبد الله عنه عليه‌السلام قال : « لا ينبغي أن يدخل الحرم بسلاح إلا أن يدخله في جوالق (٥) أو يغيبه ـ يعني حتى يلف على الحديد شيئا ـ ». (٦)

[الانتفاع بثياب الكعبة]

٢٣٣٣ ـ وسأل عبد الملك بن عتبة أبا عبد الله عليه‌السلام « عما يصل إلينا من ثياب

__________________

(١) و (٢) راجع الكافي ج ٤ ص ٢٢٧.

(٣) لم يذكر المصنف طريقه إليه والظاهر أنه مأخوذ من كتابه فيكون صحيحا ورواه الكليني عنه أيضا وفى الطريق محمد بن الفضيل الأزدي الضعيف ، فإن كان محمد بن الفضيل الضبي فهو ثقة.

(٤) العنوان زيادة منا هنا وما يأتي.

(٥) الجوالق ـ بالضم والكسر ـ : العدل من صوف أو شعر جمع جالق معرب جوال.

(٦) رواه الكليني في الكافي ج ٤ ص ٢٢٨ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن حريز ، قال في المنتقى : الظاهر أن ذكر ابن أبي عمير في هذا السند سهو ، و النسخ التي عندي متفقة فيه. وقوله « يغيبه » أي يجعله غائبا.

٢٥٢

الكعبة هل يصلح لنا أن نلبس شيئا منها؟ فقال : يصلح للصبيان والمصاحف والمخدة تبتغي بذلك البركة إن شاء الله تعالى ». (١)

[كراهية أخذ تراب البيت وحصاه] (٢)

٢٣٣٤ ـ وروي عن معاوية بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « أخذت سكا (٣) من سك المقام وترابا من تراب البيت وسبع حصيات ، فقال : بئس ما صنعت أما التراب والحصى فرده ». (٤)

٢٣٣٥ ـ وروي محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا ينبغي لاحد أن يأخذ من تربة ما حول البيت وإن أخذ من ذلك شيئا رده ». (٥)

٢٣٣٦ ـ وقال حذيفة بن منصور لأبي عبد الله عليه‌السلام : « إن عمي كنس الكعبة فأخذ من ترابها فنحن نتداوى به فقال : رده إليها ». (٦)

٢٣٣٧ ـ وقال له زيد الشحام : « أخرج من المسجد حصاة (٧) ، قال : فردها أو اطراحها في مسجد ». (٨)

__________________

(١) يدل على جواز الانتفاع واستحباب التبرك بها وعلى جواز الباس الصبيان بها و يحمل على غير المميز جمعا بين الروايات ، ولا يرد أنه وقف للكعبة فلا يجوز التصرف فيها لأنه هكذا وقف بأن يكون سنة لباس الكعبة وبعدها يكون للخدمة. والابتغاء : الطلب. (م ت)

(٢) العنوان زيادة منا هنا وما يأتي.

(٣) السك ـ بالضم ـ : ضرب من الطيب ويطلق على كل طيب ، وقيل : هو المسمار.

(٤) يدل على عدم جواز اخراج الحصى من المسجد الحرام وكذا قمامة الكعبة على الظاهر ، ويمكن أن يكون المراد ترابه المحكوك. (م ت)

(٥) ظاهره الكراهة والمشهور الحرمة ووجوب الرد إليه مع الامكان. والخبر رواه الكليني في الصحيح والشيخ بسندين صحيحين.

(٦) ظاهر هذه الأخبار وجوب الرد إلى الكعبة أو المسجد الحرام. (م ت)

(٧) في الكافي « أخرج من المسجد وفى ثوبي حصاة ».

(٨) يدل على جواز الرد إلى مسجد آخر مع امكان الرد إليه وهو خلاف المشهور. (المرآة)

٢٥٣

[كراهية المقام بمكة]

٢٣٣٨ ـ وروى العلاء ، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكة سنة ، قلت : كيف يصنع؟ قال : يتحول عنها ولا ينبغي أن يرفع بناء فوق الكعبة ». (١)

٢٣٣٩ ـ وروي « أن المقام بمكة يقسي القلب ». (٢)

٢٣٤٠ ـ وروى داود الرقي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إذا فرغت من نسكك فارجع فإنه أشوق لك إلى الرجوع ».

[شجر الحرم]

٢٣٤١ ـ وروي عن معاوية بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « شجرة أصلها في الحل وفرعها في الحرم؟ فقال : حرم أصلها لمكان فرعها ، قلت : فان أصلها في الحرم وفرعها في الحل؟ قال : حرم فرعها لمكان أصلها ».

٢٣٤٢ ـ وروى حريز عنه عليه‌السلام أنه قال : « كل شئ ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلا ما أنبته أنت أو غرسته ». (٤)

__________________

(١) يدل على كراهة المجاورة ورفع بناء فوق الكعبة بأن يكون سمكه ارفع من سمك الكعبة فلا يكره البناء في الجبال المرتفعة عليها كأبي قبيس مطلقا بل مع زيادة السمك ، وروى الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام المقام بمكة أفضل أو الخروج إلى الأمصار؟ فكتب عليه‌السلام : المقام عند بيت الله أفضل » (م ت) أقول : المشهور كراهة المجاورة بمكة وعلل بخوف الملالة وقلة الاحترام أو الخوف من ملامسة الذنب لأنه فيها أعظم أو بأن المقام فيها يقسى القلب.

(٢) رواه في الكافي ج ٤ ص ٢٣٠ مرسلا أيضا وفيه بدل القلب « القلوب » وكأنه محمول على الغالب كما هو المشاهد فيها وفى مشاهد الأئمة صلوات الله عليهم.

(٣) طريق المصنف إليه غير نقى ، لكن رواه الكليني في الحسن كالصحيح عن ابن أبي عمير عمن ذكره عن ذريح المحاربي عنه عليه‌السلام.

(٤) من قوله « الا ما أنبته ـ » ليس في الكافي وسيأتي تحت رقم ٢٠٤٧ تفصيله.

٢٥٤

٢٣٤٣ ـ وقال عليه‌السلام : « يخلى عن البعير في الحرم يأكل ما شاء ». (١)

٢٣٤٤ ـ و « ما يأكله الإبل فليس به بأس أن ينزعه ». (٢)

٢٣٤٥ ـ وسأله سليمان بن خالد « عن الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة قال : عليه ثمنه يتصدق به ولا ينزع من شجر مكة شيئا إلا النخل وشجر الفواكه ».

٢٣٤٦ ـ وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « قلت له : المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم؟ فقال : نعم ، قلت : فمن الحرم؟ قال : لا ». (٣)

٢٣٤٧ ـ وسأل إسحاق بن يزيد أبا جعفر عليه‌السلام « عن الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها ، فقال : اقطع ما كان داخلا عليك ولا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك ». (٤)

__________________

(١) قال في المدارك : يجوز للمحرم أن يترك إبله لترعى الحشيش وان حرم عليه قطعه ، بل لو قيل بجواز نزع الحشيش للإبل لم يكن بعيدا لصحيحة جميل ومحمد بن حمران (المشار إليها فيما يأتي).

(٢) كما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل ومحمد بن حمران قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن النبت الذي في أرض الحرم أينزع؟ فقال : أما شئ يأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه ». وحمله الشيخ على نزع الإبل والأحوط الترك.

(٣) يدل على أن قطع الحشيش من محرمات الحرم لا الاحرام كما يظهر من الأخبار المتواترة من العامة والخاصة من أنه لا يختلى خلاها وقد تقدم بعضها ويؤيده ما رواه الكليني ج ٤ ص ٣٦٥ عن عبد الله بن سنان قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته قال : نعم ، قلت له : يحتش لدابته وبعيره؟ قال : نعم ويقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم فإذا دخل الحرم فلا ».

(٤) « ما كان داخلا » ظاهره جواز قطع أغصان شجر دخل على الانسان في منزلة و ان لم ينبت فيه وهو خلاف المشهور ، ويمكن أن يكون المراد جواز قطع ما نبت بعد اتخاذ الموضع منزلا وعدم جواز قطع ما نبت قبله (المرآة) أقول : روى الكليني في الكافي ج ٤ ص ٢٣١ والشيخ في التهذيب بسند ضعيف عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم ، قال : ان بنى المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها

٢٥٥

٢٣٤٨ ـ وسأل منصور بن حازم أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الأراك يكون في الحرم فأقطعه ، قال : عليك فداؤه ». (١)

[لقطة الحرم]

٢٣٤٩ ـ وروى إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « اللقطة لقطتان لقطة الحرم تعرف سنة فإن وجدت صاحبها وإلا تصدقت بها ، ولقطة غير الحرم تعرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فهي كسبيل مالك ». (٢)

__________________

وان كانت نبتت في منزله وهو له فليقلعها » ويمكن حمل النهى في غير الداخل على الكراهة كما يظهر من رواية صحيحة رواها الشيخ في التهذيب عن جميل عن الصادق عليه‌السلام قال : « رآني علي بن الحسين عليهما‌السلام وأنا أقلع الحشيش من حول الفساطيط بمنى فقال : يا بنى ان هذا لا يقلع ».

(١) أي ثمنه كما تقدم ، والاراك شجر يتخذ ساقه للسواك. قال في مرآة العقول : اعلم أن تحريم قطع الشجر والحشيش على المحرم مجمع عليه في الجملة وقد استثنى من ذلك أربعة أشياء : الأول ما ينبت في ملك الانسان وفى دليله كلام ، ولا ريب في جواز ما أنبته الانسان لصحيحة حريز. الثاني شجر الفواكه وقد قطع الأصحاب بجواز قلعه مطلقا وظاهر المنتهى أنه موضع وفاق. الثالث شجر الإذخر ونقل الاجماع على جواز قطعه. الرابع عودا المحالة وهما اللذان يجعل عليهما المحالة ليستقى بها ، ولا بأس بقطع اليابس من الشجر والحشيش ، واعلم أن قطع شجر الحرم كما يحرم على المحرم يحرم على المحل أيضا كما صرح به الأصحاب ودلت عليه النصوص.

(٢) الخبر صحيح وظاهره جواز أخذ لقطة الحرم وعدم جواز تملكها بعد التعريف و اختلف الأصحاب في ذلك اختلافا كثيرا فذهب الشيخ في النهاية وجماعة إلى أنه لا تحل لقطة الحرم مطلقا ، وذهب المحقق في النافع وجماعة إلى الكراهة مطلقا ، وذهب جماعة إلى جواز القليل مطلقا ، والكثير على كراهية مع نية التعريف ، والقول بالكراهة لا يخلو من قوة ، ثم اختلف في حكمها بعد الالتقاط فذهب المحقق وجماعة إلى التخيير بين التصدق ولا ضمان ، وبين ابقائها أمانة لأنه لا يجوز التملك مطلقا وقال في موضع آخر يجوز تملك ما دون الزائد وخير بين ابقائها أمانة والتصدق ولا ضمان ، ونقل عن أبي الصلاح أنه يجوز تملك الكبير أيضا والأظهر والأحوط وجوب التصدق بها بعد التعريف كما دل عليه هذا الخبر. (المرآة)

٢٥٦

وروي أن في أسماء مكة أنها مكة وبكة وأم القرى وأم رجم والباسة كانوا إذا ظلموا بها بستهم ـ أي أهلكتهم ـ وكانوا إذا ظلموا رحموا. (١)

باب

* (تحريم صيد الحرم وحكمه) *

٢٣٥٠ ـ روى زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة إلى أن تبلغ الظبي فعليه دم يهريقه ، ويتصدق بمثل ثمنه أيضا (٢) فإن أصاب منه وهو حلال فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه ». (٣)

٢٣٥١ ـ وسأل سليمان بن خالد أبا عبد الله عليه‌السلام « عن رجل أغلق بابه على طير فمات ، فقال : إن كان أغلق الباب عليه بعدما أحرم فعليه دم ، وإن كان أغلقه قبل أن يحرم وهو حلال فعليه ثمنه ». (٤)

__________________

(١) « أم رجم » بالجيم كما في أكثر النسخ والصواب كما في خبر أبي بصير « أم رحم » بالحاء المهملة هكذا « وتسمى أم رحم كانوا إذا لزموها رحموا » والظاهر أن ما ذكره المصنف مضمون هذا الخبر وكان التصحيف من النساخ ، أو يكون خبرا آخر ولا منافاة بينهما. وفى النهاية « الرحم » بالضم ـ الرحمة ومنه حديث مكة « هي أم رحم » أي أصل الرحمة وفى حديث مجاهد : من أسماء مكة الباسة سميت بها لأنها تحطم من أخطأ فيها. والبس : الحطم ويروى بالنون من النس أي الطرد (م ت) أقول روى الأزرقي في أخبار مكة ج ١ ص ١٩٧ عن جده عن داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن مجاهد قال : من أسماء مكة هي مكة وهي بكة وهي أم رحم وهي أم القرى وهي صلاح وهي كوثا وهي الباسة. وفى آخر عن ابن أبي يحيى قال : بلغني أن أسماء مكة مكة وبكة وأم رحم وأم القرى والباسة والبيت العتيق والحاطمة تحطم من استخف بها ، والباسة تبسهم بسا أي تخرجهم اخراجا إذا غشموا وظلموا.

(٢) « إلى أن تبلغ الظبي » أي في الجثة ، من الطيور وغيرها « فعليه دم يهريقه » أي باعتبار كونه محرما « ويتصدق بمثل ثمنه » باعتبار كونه في الحرم. (م ت)

(٣) « فان أصاب منه » أي من الصيد في الحرم أو من الحرم تجوزا « وهو حلال » أي غير محرم فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه والحاصل أن الفداء للاحرام والقيمة للحرم.

(٤) الطريق حسن بإبراهيم بن هاشم وسليمان ثقة وهو الذي خرج مع زيد بن علي بن

٢٥٧

٢٣٥٢ ـ وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات ، قال : يتصدق بدرهم أو يطعم به حمام الحرم ». (١)

٢٣٥٣ ـ وروى محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم وهو في الحرم غير محرم ، فقال : عليه قيمتها وهو درهم يتصدق به أو يشتري به طعاما لحمام الحرم ، فإن قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة وقيمة الحمامة ». (٢)

٢٣٥٤ ـ وروى حفص بن البختري (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « فيمن أصاب طيرا في الحرم ، قال : إن كان مستوي الجناح فليخل عنه ، وإن كان غير مستو [ي الجناح] نتفه وأطعمه وأسقاه ، فإذا استوى جناحاه خلى عنه ». (٤)

__________________

الحسين عليهما‌السلام وقطع إصبعه ، والخبر رواه الشيخ في الصحيح ويدل على أن الحكم في المحرم الفداء وفى الحرم القيمة ، وعلى أن السبب كالمباشر في الضمان ، والظاهر أن الضمان للموت لا بمجرد الاغلاق وان ورد الجواب بالأعم لأن الظاهر انصراف الجواب إلى السؤال ولو لم يكن ظاهرا فيه فليس بظاهر في العموم فلا يمكن الاستدلال به للاجمال (م ت) وقال سلطان العلماء قوله عليه‌السلام « فعليه دم » أي من حيث الاحرام فلا ينافي وجوب شئ آخر عليه لو كان في الحرم.

(١) الظاهر أنه للمحرم وان وقع السؤال بالأعم ، ويدل على أن الدرهم قيمة الحمامة شرعا وعلى التخيير بين الصدقة والعلف لحمام الحرم. (م ت)

(٢) الطريق ضعيف وفى الكافي ج ٤ ص ٢٣٣ في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : « من أصاب طيرا في الحرم وهو محل فعليه القيمة ، والقيمة درهم يشترى به علفا لحمام الحرم ».

(٣) الطريق إليه صحيح وهو ثقة.

(٤) « نتفه » أي نزع ريشه. والغرض من النتف أن يسرع نبات الريش وظاهره الوجوب لأنه في المعنى فلينتف. وفى معنى الخبر ما رواه الكليني ج ٤ ص ٢٣٧ في الصحيح عن داود بن فرقد قال : كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام بمكة وداود بن علي بها ، فقال لي أبو عبد الله عليه‌السلام قال لي داود بن علي : ما تقول يا أبا عبد الله في قماري اصطدناها وقصيناها؟

٢٥٨

٢٣٥٥ ـ وروى العلاء ، عن محمد بن مسلم قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يحرم وعنده في أهله صيد إما وحش وإما طير ، قال : لا بأس ». (١)

٢٣٥٦ ـ وروى ابن أبي عمير ، عن خلاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل ذبح حمامة من حمام الحرم ، قال : عليه الفداء ، قال : قلت : فيأكله؟ قال : لا ، قلت : فيطرحه؟ قال : إذا يكون عليه فداء آخر قال : قلت : فما يصنع به؟ قال : يدفنه ». (٢)

٢٣٥٧ ـ وروى ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب قال : « أرسلت إلى أبي الحسن عليه‌السلام « إن أخا لي اشترى حماما من المدينة فذهبنا بها معنا إلى مكة فاعتمرنا وأقمنا إلى الحج ، ثم أخرجنا الحمام معنا من مكة إلى الكوفة هل علينا في ذلك شئ فقال للرسول : إني أظنهن كن فرهة (٣) قل له : يذبح مكان كل طير شاة ». (٤)

٢٣٥٨ ـ وروى صفوان ، عن العيص بن القاسم قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

فقلت : تنتف وتعلف فإذا استوت خلى سبيلها واصل قصيناها قصصناها أبدلت الثانية تاء و المراد بداود حاكم المدينة وهو عباسي.

(١) يدل على أن الصيد لا يخرج عن ملك صاحبه بالاحرام ، ويؤيده صحيح جميل المروى في الكافي [ج ٤ ص ٣٨٢] قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يحرم وهو في منزله؟ قال : لا بأس لا يضره » ولا مناسبة لهذا الخبر في هذا الباب لأنه من أحكام المحرم لا الحرم. (م ت)

(٢) عمل به جماعة من الأصحاب وقال الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الدروس : يدفن المحرم الصيد إذا قتله ، فان أكله أو طرحه فعليه فداء آخر على الرواية. (المرآة)

(٣) جملة معترضة أي أظن نقلهن إلى بلده لكونهن حاذقة سريعة السير (سلطان) « فرهة » جمع فاره التي لا عيب فيها ، وفى القاموس فره ـ ككرم فراهة وفراهية ـ : حذق فهو فاره بين الفروهة والجمع فره ـ كركع وسكرة وسفرة ، وغرضه عليه‌السلام أن سبب اخراجهن من مكة إلى الكوفة لعله كان حذاقتهن في ايصال الكتب ونحو ذلك. (المرآة)

(٤) لعله محمول على ما إذا لم يمكن اعادتها وظاهر كلام الشيخ في التهذيب أن بمجرد الاخراج يلزمه الدم ، وظاهر الأكثر انه إنما يلزم إذا تلفت (المرآة) والامر بوجوب الفداء لأنها وان كانت من المدينة لكن بادخالها الحرم صارت من الحرم ويحرم اخراجها منه. (م ت)

٢٥٩

عن شراء القماري (١) بمكة والمدينة فقال : ما أحب أن يخرج منها شئ. (٢)

٢٣٥٩ ـ وروى حريز ، عن زرارة « أن الحكم سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل أهدي له في الحرم حمامة مقصوصة ، فقال : انتفها وأحسن علفها (٣) حتى إذا استوى ريشها فخل سبيلها ».

٢٣٦٠ ـ وروى حريز ، عن محمد بن مسلم قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أهدي له حمام أهلي وجئ به وهو في الحرم محل ، قال : إن أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه ». (٤)

٢٣٦١ ـ وروى صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : « سألت أبا ـ عبد الله عليه‌السلام (٥) عن رجل رمى صيدا في الحل وهو يؤم الحرم فيما بين البريد والمسجد فأصابه في الحل فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات من رميته هل عليه جزاء؟ فقال : ليس عليه جزاء إنما مثل ذلك مثل من نصب شركا في الحل إلى جانب الحرم فوقع فيه صيد فاضطرب حتى دخل الحرم فمات فليس عليه جزاؤه لأنه نصب حيث نصب وهو له حلال ، ورمى حيث رمى وهو له حلال فليس عليه فيما كان بعد ذلك شئ فقلت : هذا القياس عند الناس ، فقال : إنما شبهت لك الشئ بالشئ لتعرفه ».

٢٣٦٢ ـ وروى المثنى ، عن كرب الصيرفي قال : « كنا جميعا فاشترينا طيرا فقصصناه فدخلنا به مكة فعاب ذلك أهل مكة فأرسل كرب إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فسأله فقال : استودعوه رجلا من أهل مكة مسلما أو امرأة [مسلمة] فإذا استوى

__________________

(١) القماري : طائر معروف حسن الصوت أصغر من الحمام ، واحده قمري.

(٢) ظاهره جواز اخراج القماري مع كراهة وهو مشكل والحرام غير محبوب و اطلاقه على الحرام غير عزيز في الاخبار والاحتياط في الترك. (م ت)

(٣) لا خلاف فيه ولو أخرجه فتلف فعليه ضمانة اجماعا. (م ت)

(٤) يظهر منه وجوب القيمة ولو أتلفه بغير رضا صاحبه لزمه قيمته أيضا فإنه لا منافاة بينهما. (م ت)

(٥) في الكافي « سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام » ويمكن أن يكون وقع سؤاله منهما.

٢٦٠