كتاب من لا يحضره الفقيه - ج ١

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

كتاب من لا يحضره الفقيه - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: علي اكبر الغفّاري
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٩

تمت الأضحية ، وإن أنت عضباء القرن أو تجر برجليها إلى المنسك فلا تجزي (١).

وإذا ضحيتم فكلوا وأطعموا واهدوا واحمدوا الله على ما رزقكم من بهيمة الأنعام وأقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة وأحسنوا العبادة ، وأقيموا الشهادة وارغبوا فيما كتب عليكم وفرض من الجهاد والحج والصيام ، فإن ثواب ذلك عظيم لا ينفد ، وتركه وبال لا يبيد (٢) ، وأمروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، وأخيفوا الظالم ، وانصروا المظلوم ، وخذوا على يد المريب (٣) وأحسنوا إلى النساء وما ملكت أيمانكم ، واصدقوا الحديث ، وأدوا الأمانة ، وكونوا قوامين بالحق ، ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ، إن أحسن الحديث ذكر الله ، وأبلغ موعظة المتقين كتاب الله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم « بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد ».

ويقرأ قل يا أيها الكافرون إلى آخرها أو ألهاكم التكاثر إلى آخرها أو والعصر ، وكان مما يدوم عليه قل هو الله أحد ، فكان إذا قرأ إحدى هذه السور جلس جلسة كجلسة العجلان ، ثم ينهض ، وهو عليه‌السلام كان أول من حفظ عليه الجلسة بين

__________________

واستشراف الاذن تفقدها حتى لا يكون مجدوعة أو مشقوقة. وقد يراد من استشراق الاذن طولها وانتصابها ، فيراد بذلك سلامتها من العيب ، العضباء : المكسورة القرن ، والمنسك : المذبح. أقول : من قوله عليه‌السلام : « ومن تمام الأضحية ـ إلى هنا » منقول في النهج بدون قوله : « فلا تجزى » وقد سقط من النهج.

(٢) قال الجوهري : نفد الشئ ـ بسكر الفاء ـ : نفادا : فنى ، وباد الشئ يبيد بيدا وبيودا : هلك.

(٣) أي الذي يوقع الانسان في الريب بذكر الشبه والأباطيل والقصص التي يوجب التردد في الاعتقاد ، والكلام تمثيل فيه تشبيه حال المريب المفسد للاعتقاد بحال من بيده سيف أو نحوه يريد افساد والأموال ، ويمكن أن يكون من الريب بمعنى الحاجة أي يحوج الانسان بغصب أمواله من الاضرار ( مراد ) أقوله : في اللغة أخذ على يده أي منعه عما يريد فعله ، فالمناسب بقرينة الفقرات السابقة المعنى الأول.

٥٢١

الخطبتين (١) ثم يخطب بالخطبة التي كتبناها بعد الجمعة.

١٤٨٥ ـ وفي العلل التي تروى عن الفضل بن شاذان النيسابوري رضي‌الله‌عنه ويذكر أنه سمعها من الرضا عليه‌السلام أنه « إنما جعل يوم الفطر العيد ليكون للمسلمين مجتمعا يجتمعون فيه ، ويبرزون لله عزوجل ، فيمجدونه على ما من عليهم ، فيكون يوم عيد ، ويوم اجتماع ، ويوم فطر ، ويوم زكاة ، ويوم رغبة ، ويوم تضرع ، ولأنه أول يوم من السنة يحل فيه الأكل والشرب لان أول شهور السنة عند أهل الحق شهر رمضان فأحب الله عزوجل أن يكون لهم في ذلك مجمع يحمدونه فيه ويقدسونه وإنما جعل التكبير فيها أكثر منه في غيرها من الصلاة لان التكبير إنما هو تعظيم لله وتمجيد على ما هدى وعافا كما قال الله عزوجل » : ولتكبروا الله على ما هداكم لعلكم تشكرون « وإنما جعل فيها اثنتا عشرة تكبيرة لأنه يكون في [ كل ] ركعتين اثنتا عشرة تكبيرة (٢) ، وجعل سبع في الأولى وخمس في الثانية ولم يسو بينهما لان السنة في الصلاة الفريضة أن تستفتح بسبع تكبيرات فلذلك بدأ ههنا بسبع تكبيرات ، وجعل في الثانية خمس تكبيرات لان التحريم من التكبير في اليوم والليلة (٣) خمس تكبيرات وليكون التكبير في الركعتين جميعا وترا وترا.

١٤٨٦ ـ وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال » في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة (٤) كما يصنعون يوم الجمعة ،

__________________

(١) أي كانت الجلسة محفوظة عليه لم ينفك عنه عليه‌السلام قط بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخلاف من كان قبله من الخلفاء فإنه قد يقع منه تلك الجلسة وقد لا يقع. ( مراد )

(٢) لان في كل ركعة تكبيرة للركوع وأربع تكبيرات للسجدتين لكل سجدة تكبيرتان في الركعة الأولى تكبيرة الافتتاح وفى الثانية تكبيرة القنوت. ( مراد )

(٣) أي من جملة جنس التكبيرة تكبيرة الاحرام خمس ، لكل صلاة من الصلوات الخمس واحدة. ( مراد )

(٤) من التجميع أي يصلونها جماعة. وقوله « كما يصنعونها يوم الجمعة » ظاهره يفيد اعتبار جميع شرائط الجمعة فيها الا ما أخرجه الدليل. ( مراد )

٥٢٢

وقال : يقنت في الركعة الثانية ، قال : قلت : يجوز بغير عمامة؟ قال : نعم والعمامة أحب إلي.

١٤٨٧ ـ وروى أبو الصباح الكناني (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن التكبير في العيدين ، فقال : اثنتا عشرة سبع في الأولى وخمس في الأخرى فإذا قمت إلى الصلاة فكبر واحدة ، ثم تقول : « أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم أنت أهل الكبرياء والعظمة ، وأهل الجود والجبروت ، والقدرة والسلطان والعزة أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ، ولمحمد صلواتك عليه وآله ذخرا ومزيدا أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تصلي على ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين ، وأن تغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والأموات ، اللهم إني أسألك من خير ما سألك به عبادك المرسلون ، وأعوذ بك من شهر ما عاذ منه عبادك المخلصون. الله أكبر أول كل شئ وآخره ، وبديع كل شئ ومنتهاه ، وعالم بكل شئ ومعاده ، ومصير كل شئ إليه ومرده ، ومدبر الأمور ، وباعث من في القبور ، قابل الأعمال مبدئ الخفيات ، معلن السرائر. الله أكبر عظيم الملكوت ، شديد الجبروت ، حي لا يموت دائم لا يزول إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. الله أكبر خشعت لك الأصوات وعنت لك الوجوه ، وحارت دونك الابصار ، وكلت الألسن عن عظمتك ، والنواصي كلها بيدك ، ومقادير الأمور كلها إليك ، لا يقضي فيها غيرك ، ولا يتم منها شئ دونك. الله أكبر أحاط بكل شئ حفظك وقهر كل شئ عزك ، ونفذ كل شئ أمرك وقام كل شئ بك ، وتواضع كل شئ لعظمتك ، وذل كل شئ لعزتك ، واستسلم كل شئ لقدرتك ، وخضع كل شئ لملكتك. الله أكبر وتقرأ الحمد والشمس وضحيها وتركع بالسابعة ، وتقول في الثانية : الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم أنت أهل الكبرياء والعظمة ، تتمه كله كما قلت أول

__________________

(١) هذا الخبر تقديم آنفا تحت رقم ١٤٨١ برواية محمد بن الفضل عن أبي الصباح.

٥٢٣

التكبير ، يكون هذا القول في كل تكبيرة حتى تتم خمس تكبيرات.

والخطبة في العيدين بعد الصلاة.

باب

* ( صلاة الاستسقاء ) *

١٤٨٨ ـ روى عبد الرحمن بن كثير عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « إذا فشت أربعة ظهرت أربعة : إذا فشى الزنا ظهرت الزلازل ، وإذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية ، وإذا جار الحكام في القضاء أمسك القطر من السماء ، وإذا خفرت الذمة (١) نصر المشركون على المسلمين ».

١٤٨٩ ـ وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : « إذا غضب الله تعالى على أمة ثم لم ينزل بها العذاب غلت أسعارها ، وقصرت أعمارها ، ولم يربح تجارها ، ولم تزك ثمارها ، ولم تغزر أنهارها (٢) وحبس عنها أمطارها ، وسلط عليها أشرارها ».

١٤٩٠ ـ وروى حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال « إن سليمان ابن داود عليه‌السلام خرج ذات يوم من أصحابه ليستسقي فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمها إلى السماء وهي تقول : « اللهم إنا خلق من خلقك لا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب بني آدم » فقال سليمان عليه‌السلام لأصحابه : ارجعوا فقد سقيتم بغيركم » (٣).

١٤٩١ ـ وروى حفص بن البختري عنه عليه‌السلام أنه قال : « إن الله تبارك وتعالى و

__________________

(١) خفرت بالرجل أخفر من باب ضرب : غدرت به ، وأخفرته بالألف : نقضت عهده. ( المصباح )

(٢) زكا الزرع يزكو زكاء ـ ممدود ـ أي نما ، وأزكاه الله. ( الصحاح ) وغزر الماء ـ بتقديم الزاء المعجمة المضمومة على المهملة ـ كثر فهو غزير ، وقناة غزيرة أي كثيرة الماء. ( المصباح )

(٣) يشعر بعدم الاغترار باستجابة الدعاء لو وقعت فإنها ربما كانت بسبب دعاء الحيوانات. (م ت)

٥٢٤

تعالى إذا أراد أن ينفع بالمطر أمر السحاب فأخذ الماء من تحت العرش ، وإذا لم يرد النبات أمر السحاب فأخذ الماء من البحر ، قيل : إن ماء البحر مالح ، قال : إن السحاب يعذبه ».

١٤٩٢ ـ وروى سعدان عنه عليه‌السلام أنه قال : « ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يضعها الموضع الذي قدرت له ».

١٤٩٣ ـ وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما أتى على أهل الدنيا يوم واحد منذ خلقها الله عزوجل إلا والسماء فيها تمطر فيجعل الله عزوجل ذلك حيث يشاء ».

١٤٩٤ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما خرجت ريح قط إلا بمكيال (١) إلا زمن عاد فإنها عتت على خزانها فخرجت في مثل خرق الإبرة فأهلكت قوم عاد (٢) وما نزل مطر قط إلا بوزن إلا زمن نوح عليه‌السلام فإنه عتا على خزانه فخرج في مثل خرق الإبرة فأغرق الله به قوم نوح عليه‌السلام » (٣).

١٤٩٥ ـ وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « السحاب غربال المطر ، لولا ذلك لافسد كل شئ وقع عليه » (٤).

١٤٩٦ ـ وسأل أبو بصير أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرعد أي شئ يقول؟ قال : إنه بمنزلة الرجل يكون في الإبل فيجرها هاي هاي كهيئة ذلك ، قال : قلت : جعلت فداك فما حال البرق؟ فقال : تلك مخاريق الملائكة تضرب السحاب (٥) فيسوقه إلى

__________________

(١) أي بمقدار صالح لأهل الأرض.

(٢) قال الفاضل التفرشي : شبه الريح بما حبس في مكان وله خزان يمنعونه الخروج عن ذلك المكان فيؤمر عمن ينفذ أمره فيه بالخروج وهو لا يجد منفذا الا مثل خرق الإبرة فيخرج منها بشدة ، وكذا الكلام في عتو الماء على خزانه.

(٣) في بعض النسخ « فأغرق الله فيه قوم نوح ».

(٤) رواه الحميري في قرب الإسناد ص ٨٤ مسندا.

(٥) في النهاية : في حديث على « البرق مخاريق الملائكة » هي جمع مخراق ، و هو في الأصل ثوب يلق ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا ، أراد أنه آلة تزجر بها الملائكة السحاب وتسوقه ، ويفسره حديث ابن عباس « البرق من نور تزجر به الملائكة السحاب ».

٥٢٥

الموضع الذي قضى الله عزوجل فيه المطر ».

١٤٩٧ ـ وقال عليه‌السلام : « الرعد صوت الملك ، والبرق سوطه ».

١٤٩٨ ـ وروي « أن الرعد صوت ملك أكبر من الذباب وأصغر من الزنبور فينبغي لمن سمع صوت الرعد أن يقول : سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ».

١٤٩٩ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « جاء أصحاب فرعون إلى فرعون فقالوا له : غار ماء النيل وفيه هلاكنا ، فقال : انصرفوا اليوم فلما كان من الليل توسط النيل ورفع يديه إلى السماء وقال : « اللهم إنك تعلم أني أعلم أنه لا يقدر على أن يجئ بالماء إلا أنت فجئنا به » فأصبح النيل يتدفق » (١).

ولا يستسقى إلا بالبراري حيث ينظر إلى السماء ولا يستسقى في شئ من المساجد إلا بمكة (٢).

وإذا أحببت أن تصلي صلاة الاستسقاء فليكن اليوم الذي تصلي فيه الاثنين (٣) ، ثم تخرج كما تخرج يوم العيد يمشي المؤذنون بين يديك حتى تنتهي إلى المصلى فتصلي بالناس ركعتين بغير أذان ولا إقامة ثم تصعد المنبر وتخطب وتقلب رداءك الذي على يمينك على يسارك ، والذي على يسارك على يمينك ، ثم تستقبل القبلة فتكبر الله مائة تكبيرة رافعا بها صوتك ، ثم تلتفت إلى يمينك فتسبح الله مائة مرة

__________________

(١) الدفق : الصب ومنه ماء دافق. وتدفق انصب بشدة ، أي يضرب من جانب إلى جانب. ثم اعلم أنه لا استبعاد في استجابة دعاء الكافر لأنه سبحانه وتعالى وعد إجابة الداع في الدنيا إذا دعاه ، مؤمنا كان أو كافرا ، وقال عز من قائل « فانى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ».

(٢) كما ى رواية وهب بن وهب أبى البختري الضعيف عن الصادق عليه‌السلام في التهذيب ج ١ ص ٢٩٧ وقرب الإسناد ص ٦٤.

(٣) كما في رواية مرة مولى خالد بن عبد الله القسري عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الكافي ج ٣ ص ٤٦٢.

٥٢٦

رافعا بها صوتك ، ثم تلتفت إلى يسارك فتهلل الله مائة مرة رافعا بها صوتك ، ثم تستقبل الناس بوجهك فتحمد الله مائة مرة رافعا بها صوتك ، ثم ترفع يديك فتدعو ويدعو الناس ويرفعون أصواتهم ، فإن الله عزوجل لا يخيبكم إن شاء الله تعالى (١).

١٥٠٠ ـ و « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا استسقى قال» : اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلادك الميتة يرددها ثلاث مرات.

١٥٠١ ـ وخطب أمير المؤمنين عليه‌السلام في الاستسقاء فقال : الحمد لله سابغ النعم ومفرج الهم وبارئ النسم ، الذي جعل السماوات لكرسيه عمادا (٢) والجبال للأرض أوتادا ، والأرض للعباد مهادا (٣) وملائكته على أرجائها ، وحمله العرش على أمطائها (٤) وأقام بعزته أركان العرش ، وأشرق بضوئه شعاع الشمس ، وأجبأ بشعاعه ظلمة الغطش (٥)

__________________

(١) مأخوذ كله من رواية عبد الله بن بكير ومرة عن الصادق عليه‌السلام في التهذيب ج ١ ص ٢٩٧. وقوله : « لا يخيبكم » من خاب يخيب يخيب خيبة أي لم يظفر بما طلب.

(٢) قوله « سابغ النعم » أي ذي النعم السابغة الكاملة ، وقله : « بارئ النسم » النسم  ـ بالتحريك ـ جمع نسمة وهي الانسان أي خالقه. والعماد ما يعتمد عليه.

(٣) الأوتاد جمع وتد ـ بكسر التاء المثناة من فوق ـ وهو مازر في الحائط أو الأرض من حشي ونحوه ، وامنا جعلت الجبال للأرض أوتادا لئلا تميد بأهلها إذ لولا الصخور والجبال والأحجار الصلبة ( واشتباك الجبال في باطن الأرض على قوله ) ولم يكن القشر الظاهر من الأرض متصلبا مستحكما لدامت فيها الزلازل والخسف لان باطن الأرض سيال مايع حار تتولد فيه الأدخنة والأبخرة فتدفع القشر دائما وإذا تكسر جانب منه تغمس في المايع السيال لو كان القشر رخوا خفيفا لم يكن فيه صخر وجبل ( كذا في هامش الوافي ). والمهاد : الفراش.

(٤) الارجاء الأطراف والجوانب والنواحي. والامطاء جمع مطا وهو الظهر والضمير في أرجائها وأمطائها راجع إلى السماوات والأرض ، وفى أكثر نسخ مصباح المتهجد على المحكى « وحمل عرشه على أمطائها » فالضمير راجع إلى الملائكة : وقيل : لعل الضمير راجع إلى السماوات.

(٥) في القاموس : أجبا الشئ : واراه وعلى القوم أشرف. والباء في « بشعاعه »

٥٢٧

وفجر الأرض عيونا ، والقمر نورا ، والنجوم بهورا ، ثم علا فتمكن ، وخلق فأتقن وأقام فتهيمن (١) فخله نخوة المتكبر (٢) وطلبت إليه خلة المتمسكن (٣) اللهم فبدرجتك الرفيعة ، ومحلتك المنيعة ، وفضلك السابغ ، وسبيل الواسع (٤) ، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد كما دان لك (٥) ، ودعا إلى عبادتك ، ووفى بعهدك (٦) وأنفذ أحكامك ، واتبع أعلامك ، عبدك ونبيك وأمينك على عهدك إلى عبادك ، القائم

__________________

للتعدية والضمير المذكر راجع إلى العرش ويحتمل ارجاعه إليه تعالى أو إلى الشمس بتأويل النجم. والغطش : الليل المظلم. والعل المعنى جعل شعاعه مشرقا ومستوليا ومستعليا على ظلمة الغطش. وفى بعض النسخ « أخبأ » وفى بعضها أحيا « وفى التهذيب والمصباح » أطفأ.

(١) لعل البهور جمع باهر أي الغالب ـ كقعود وقاعد ـ. و « ثم » في قوله « ثم علا » للترقي في الرتبة ( مراد ) وقال العلامة المجلسي ـ رحمه‌الله ـ : لعل المعنى أن نهاية علوه و تجرده وتنزهه صار سببا لتمكنه في خلق ما يريد وتسلطه على من سواه وقال والدي العلامة ثم علا على عرش العظمة والجلال فتمكن بالخلق والتدبير ، أو أنه مع ايجاد تلك الأشياء و تربيتها لم ينقص من عظمته وجلالته شيئا ولم يزد عليهما شئ و « أقام » كل شئ في مرتبته و مقامه « فتهيمن » فصار رقيبا وحافظا لها ـ انتهى. والتهيمن : الارتقاب والحفظ.

(٢) في بعض النسخ « نخوة المستكبر » وفى بعضها « بجرة المتكبر » والبجرة : الوجه والعنق. والنخوة الحماسة والعظمة والتبختر.

(٣) الخلة : الحاجة والفقر والخصاصة ، وفى بعض النسخ « خلة المتمكن » والمسكين من لا شئ له والضعيف الذليل وتمسكن : صار مسكينا.

(٤) « فبدرجتك الرفيعة » أي بعلو ذاتك وصفاتك. « ومحلتك المنيعة » أي بجلالتك وعظمتك المانعة من أن يصل إليها أحد أو يدركها عقول الخلائق وأفهامهم ، « وفضلك السابغ » أي الكامل. وفى بعض النسخ « وفضلك البالغ » أي حد الكمال. « وسبيلك الواسع » أي طريقتك وعادتك في الجود الافصال الشامل للبر والفاجر أو الطريق البين الذي فتحته لعبادك إلى معرفتك والعلم بشرايعك وأحكامك. وفى بعض النسخ « سيبك الواسع » ولعل هو الأصوب والسيب العطاء.

(٥) أي أطاعك أو تذلل لك.

(٦) في المصباح « وفى بعهودك » أي التي عاهدته عليها من العبادات وتبليغ الرسالات كما في البحار.

٥٢٨

بأحكامك ، ومؤيد من أطاعك ، وقاطع عذر من عصاك ، اللهم فاجعل محمدا أجزل من جعلت له نصيبا من رحمتك ، وأنضر من أشرق وجهه بسجال عطيتك (١) وأقرب الأنبياء زلفة يوم القيامة عندك ، وأوفرهم حظا من رضوانك ، وأكثرهم صفوف أمة في جنانك كما لم يسجد للأحجار ، ولم يعتكف للأشجار ، ولم يستحل السباء (٢) ولم يشرب الدماء ، اللهم خرجنا إليك حين أجأتنا المضائق الوعرة ، وألجأتنا المحابس العسرة (٣) وعضتنا [ الصعبة ] علائق الشين ، وتأثلت علينا لواحق المين (٤) واعتكرت علينا حدابير السنين وأخلفتنا مخائل الجود (٥) واستظمأنا لصوارخ العود ، فكنت رجاء المبتئس

__________________

(١) « أجزل » أي أكمل وأعظم من حيث النصيب من رحمتك العظمى. و « أنضر » أي أحسن وأبهى. « أشرق وجهه » أضاء. والحال جمع السجل وهو الدلو العظيم المملوء.

(٢) السباء ـ بالكسر ـ : الخمر أو شراؤها أو حمل من بلد إلى بلد والكل محتمل والأول أظهر.

(٣) « أجأتنا » في الصحاح أجأته إلى كذا ألجأته واضطررته إليه. وفى المصباح والتهذيب « فاجأتنا » أي وردت علينا فجأة أي بغته من غير أن يشعر بها. والوعرة ـ بكسر العين ـ الصعبة ، والمضائق جمع مضيق وهو ما ضاق من الأماكن والأمور. والحبس : المنع كالمحبس ( القاموس ) والعسرة : الضيقة أي الشدائد التي صعب علينا الصبر عليها.

(٤) عضه عضا : أمسكه بأسنانه ، وعضه الزمان : اشتد عليه. والصعبة : الشديدة ونقيض الذلول وليست في بعض النسخ وعلى تقديرها فعلائق الشين بدل عنها. والعلائق جمع العلاقة وهي ما يتعلق بالشئ أو يعلق الشئ به. والشين العيب خلاف الزين. و « تأثلت » أي استحكمت وتأصلت وعظمت. والمين : الكذب والافتراء.

(٥) الاعتكار : الازدحام والاختلاط وفى النهاية في حديث علي عليه‌السلام في الاستسقاء « اللهم انا خرجنا إليك حين اعتكرت علينا حدابير السنن » الحدابير جمع حدبار وهي الناقة التي بدا عظم ظهرها ونشزت حراقيفها من الهزال ، فشبه بها السنين التي يكثر فيها الجدب والقحط. وأخلفه ما وعده هو أن يقول شيئا ولا يفعله. والمخائل جمع مخيلة وهي السحابة الخليقة بالمطر أو التي يخال بها المطر. وقال الفيومي : « أخالت السحابة إذا رأيتها وقد ظهرت فيها دلائل المطر فحسبتها ما طرة ، فهي مخيلة ـ بالضم ـ اسم فاعل ـ ومخيلة ـ بالفتح

٥٢٩

والثقة للملتمس (١) ندعوك حين قنط الأنام ، ومنع الغمام ، وهلك السوام ، يا حي يا قيوم عدد الشجر والنجوم (٢) ، والملائكة الصفوف ، والعنان المكفوف (٣) ، أن لا تردنا خائبين ولا تؤخذنا بأعمالنا ولا تحاصنا بذنوبنا (٤) ، وانشر علينا رحمتك بالسحاب

__________________

اسم مفعول لأنها أحسبتك فحسبتها وهذا كما يقال مرض مخيف ـ بالضم ـ اسم فاعل لأنه أخاف الناس ومخوف ـ بالفتح ـ لأنهم خافوه ثم قال : قال الأزهري : أخالت السماء : إذا تغيمت فهي مخيلة ـ بالضم ـ فإذا أرادوا السحابة نفسها قالوا : مخيلة ـ بالفتح ـ الخ ». والجود  ـ بفتح الجيم ـ : المطر الكثير الدر الواسع.

(١) الصارخة : الاستغاثة وصوتها. والعود ـ بفتح العين ـ : الجمل الكبير والمسن من الشاء. يعنى صرنا عطاشا لصارخة هؤلاء البهائم ، أو صرنا طالبين للعطش أو رضينا به مع زواله عن البهائم. والمبتئس ذو البأس ـ وهو الضر وسوء الحال ـ والكاره الحزين.

(٢) الغمام جمع الغمامة وهي السحابة وقيل الغمام السحاب والغمامة أخص منه وهي السحابة البيضاء. والسوام بتخفيف الميم بمعنى السائمة وهي الإبل الراعية. والقيوم الكثير القيام بأمور الخلائق أو القائم بذاته الذي يقوم به غيره. « عدد الشجر » قائم مقام المفعول المطلق لقوله « ندعوك » أي دعاء عدد الشجر ، أو نقول الاسمين بهذا العدد و تستحقها بإزاء كل موجود أحييته أو أقمته ، والنجوم جمع النجم وهو ما نجم أي طلع من الأرض من النبات بغير ساق ويحتمل الكوكب والأول أنسب كما في البحار.

(٣) في بعض النسخ « ملائكتك الصفوف » أي القائمين في السماوات صفوفا لا تعد ولا تحصى. والعنان ـ بفتح العين ـ : السحاب. والمكفوف : الممنوع ، وقال المولى المجلسي  ـ رحمه‌الله ـ : فيه من حسن الشكاية والطلب ما لا يخفى.

واحتمل العلامة المجلسي ـ رحمه‌الله ـ أن يكون المراد بالمكفوف الممنوع من السقوط ونقل عن الطيبي أنه قال في شرح المشكاة في الحديث « السماء موج مكفوف » أي ممنوع عن الاسترسال حفظها الله أن تقع على الأرض وهي معلقة بلا عمد ، وقال وفى بعض السنخ « المعكوف » وهو الممنوع من الذهاب في جهة بالإقامة في مكانه ومنه قوله تعالى « والهدى معكوفا أن يبلغ محله » أي محبوسا من أن يبلغ منحره.

(٤) « تحاصنا » المحاصة المقاسمة بالحصص والمراد المقاصة بالاعمال بأن يسقط حصة

٥٣٠

المتئق ، والنبات المونق (١) وامنن على عبادك بتنويع الثمرة (٢) وأحي بلادك ببلوغ الزهرة (٣) وأشهد ملائكتك الكرام السفرة ، سقيا منك نافعة ، دائمة غزرها ، واسعا درها ، سحابا وابلا سريعا عاجلا (٤) تحيي به ما قد مات ، وترد به ما قد فات ، وتخرج به ما هو آت ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا ممرعا طبقا مجلجلا متتابعا خفوقه (٥) منبجسة بروقه ، مرتجسة هموعه ، وسيبه مستدر ، وصوبه مسبطر (٦) لا تجعل ظله

__________________

من الثواب لأجل الذنوب أو يجعل لكل ذنب حصة من العقاب ( البحار ) وفى بعض النسخ « ولا تخاصمنا » فالمعنى واضح.

(١) المتئق ـ كمكرم على بناء اسم الفاعل ـ من أتأقت الاناء إذا امتلاته. أي الذي يملأ الغدران والجباب والعيون. والمونق : الحسن المعجب. وفى النسخ « المتأق ».

(٢) أي باصلاح أنواعها. وقال في الوافي : لعله أريد بتنويع الثمرة تحريكها للايناع يقال : نوعته الرياح إذا ضريته وحركته.

(٣) الزهرة ـ بالفتح وقد يحرك ـ : النبات ونوره ـ بفتح النون ـ أو الأصفر منه ، والجمع زهر وأزهار.

(٤) « أشهد » أي أحضر. والسفرة : الكتبة ولعل المراد باحضارهم هنا اما لان يكتبوا تقدير المطر وقدره وموضعه أو لان يبلغوا الرسالة إلى جماعة الملائكة الموكلين بالسحاب والمطر فقوله « سقيا » أي لسقيا متعلق بأشهد أو بمحذوف. و « غزرها » ـ بالضم ـ اما جمع غزر ـ بفتح الغين ـ أو بالفتح بالافراد بتضمين معنى الكثرة. أي دائمة كثرتها. « واسعا درها » أي مطرها وخيرها. والوابل المطر الشديد الضخم.

(٥) « ما هو آت » أي لم يأت أوانه بعد. « غيثا مغيثا » المغيث اما من الإغاثة أو من الغيث أي الموجب لغيث آخر بعده أو المنبت للكلاء. « ممرعا » أي ذا مرع وكلاء وخصب. « طبقا » في القاموس الطبق ـ محركة ـ من المطر : العام. والمجلجل : الشديد الصوت أو المتتابع. والخفوق : اضطراب البروق وصوت الرعود.

(٦) « منبسجة بروقه » أي ينفجر الماء من بروقه أي يصب الماء عقيب كل برق وفى القاموس بجسه تبجيسا : فجره فانبجس. « مرتجسة هموعه » أي يكون جريانه ذا صوت ورعد ، في القاموس : رجست السماء وارتجست : رعدت شديدا ، وقال : همعت عينه همعا وهموما أسالت الدمع ، وسحاب همع ـ ككتف ـ : الماطر. والسيب : العطاء والجرى ، مصدر ساب أي

٥٣١

علينا سموما ، وبرده علينا حسوما (١) وضوءه علينا رجوما ، وماءه أجاجا ، ونباته رمادا رمددا (٢) اللهم إنا نعوذ بك من الشرك وهواديه ، والظلم ودواهيه ، والفقر ودواعيه (٣) ، يا معطي الخيرات من أماكنها ، ومرسل البركات من معادنها ، منك الغيث المغيث ، وأنت الغياث المستغاث (٤) ونحن الخاطئون وأهل الذنوب وأنت المستغفر الغفار ،

__________________

جرى. المستدر : الكثير السيلان أو النفع. والصوب النزول والانصباب. وفى القاموس في « سبطر » : درت واسبطرت أي امتدت. وفى بعض النسخ وفى التهذيب « مستطر » بفتح الطاء وتخفيف الراء أي مكتوب مقدر عندك نزوله ولعله تصحيف.

(١) الظل من السحاب ما وارى الشمس منه أو سواده. والسموم ـ بالفتح ـ : الريح الحارة. و ـ بالضم ـ جمع السم القاتل ( القاموس ) أي لا تجعل سحابه سببا لعذبنا كما عذب به أقوام من الأمم الماضية عذاب يوم الظلة قالوا غيما تحته سموم. والحسوم ـ بالضم ـ الشوم أو المتتابع إشارة إلى اهلاك قوم عاد بالريح الباردة كما قال تعالى « فأما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما » قال البيضاوي أي متتابعات جمع حاسم أو نحسات حسمت كل خير واستأصله أو قاطعات قطعت دابرهم.

(٢) « ضوءه علينا رجوما » أي برقه أو صاعقته أو عدم امطاره. وفى الصحيفة السجادية « صوبه ». والرجم : الرمي بالحجارة والقتل والعيب. « وماءه أجاجا » أي ملحا مرا ويحتمل أن يكون كناية عن ضرره أو عدم نفعه و « رمادا » بكسر الراء وسكون الميم وكسر الدال وفتحها معا. وفى بعض النسخ « رمدادا » على وزن فعلال ـ بالكسر. في القاموس رمدد ـ كزبرج ودرهم ـ ورمديد : كثير دقيق جدا أو هالك.

(٣) « هواديه » أي مقدماته من الرياء وسائر المعاصي ، في القاموس : الهادي : المتقدم والعنق والهوادى الجمع ، يقال : أقبلت هوادى الخيل إذا بدت أعناقها ، ودواهيه أي ما يلزمه من مصيبات الدنيا وعقوبات الآخرة ، وفى القاموس : دواهي الدهر نوائبه وحدثانه. ودواعي الدهر : صروفه ونوائبه أريد ما يستلزم الفقر من الافعال والنيات.

(٤) « من أماكنها » أي من محالها التي قررها الله سبحانه فيها كالمطر من السماء والبركات زيادات الخيرات. و « معادنها » محالها التي هي مظنة حصولها منها. والغياث الاسم من الإغاثة والمستغاث الذي يفزع إليه في الشدائد. ( البحار )

٥٣٢

نستغفرك للجمات من ذنوبنا ، ونتوب إليك من عوام خطايانا (١) ، اللهم فأرسل علينا ديمة مدرارا ، واسقنا الغيث واكفا مغزارا (٢) ، غيثا واسعا ، وبركة من الوابل نافعة يدافع الودق بالودق ، ويتلو القطر منه القطر ، غير خلب برقه (٣) ولا مكذب رعده ، ولا عاصفة جنائبه بل ريا يغص بالري ربابه ، وفاض فانصاع به سحابه (٤) و جرى آثار هيدبه جنابه ، سقيا منك محيية مروية ، محفلة ، مفضلة (٥) زاكيا نبتها

__________________

(١) « للجمات » أي الكثيرات أو جملتها ، ونسخة في جميع النسخ « للجهالات من ذنوبها ». و « من » للبيان فان كل ذنب تلزمه جهالة بعظمة الرب أو شدائد عقوبات الآخرة « من عوام خطايانا » أي جميعها أو الشاملة لجميع الخلق أو أكثرهم أو لجميع الجوارح والأول أظهر. ( البحار )

(٢) الديمة ـ بالكسر ـ : المطر الذي ليس فيه رعد ولا برق يدوم في سكون. وفى القاموس : در السماء بالمطر ودرورا فهي مدرار ، ففي الاسناد هنا مجاز. والواكف : المتقاطر. والغزار : الكثير.

(٣) « نافعة » في بعض النسخ بالقاف أي ثابتة في الأرض ينتفع بها طول السنة. والودق ـ بسكون الدال ـ : المطر. ومدافعة الودق هي أن تكثر المطر بحيث تتلاقى القطرات في الجو يدفع بعضها بعضا. والخلب ـ بضم الخاء المعجمة وفتح اللام المشددة ـ البرق الذي لا غيث معه كأنه خادع ، أو السحاب الذي لا مطر فيه.

(٤) الجنائب جمع الجنوب وهي ريح تخالف الشمال مهبوبة من مطلع السهيل إلى مطلع الثريا ، وهي مهلكة مفسدة. والري ـ بالكسر : الارتواء من الماء. والغص بالغين المعجمة ـ : الامتلاء ، والغصة : ما اعترض في الحلق. والرباب ـ بالفتح ـ : السحاب الأبيض أو السحاب الذي تراه كأنه دون السحاب قد يكون ابيض وقد يكون أسود والواحد ربابة ( الصحاح ) في القاموس انصاع : انفتل راجعا مسرعا. أي عيثا يفيض ويجرى منه الماء كثيرا ثم يرجع سحابه مسرعا بالفيضان فالضمير في قوله « به » راجع إلى الفيضان المفهوم من قوله : « فاض » وفى الوافي « ايضاع » بالمعجمة قبل المهملة أي فانساق.

(٥) الهيدب المتدلى أو ذيله يعنى الذي يدنو من الأرض وتراه كأنه خيوط عند انصباب المطر. والجناب : الفناء والناحية. وفى بعض النسخ « خبابة » بالموحدتين كما في التهذيب



٥٣٣

ناميا زرعها ، ناضرا عودها ، ممرعة آثارها ، جارية بالخير والخصب على أهلها ، تنعش بها الضعيف من عبادك (١) ، وتحيي بها الميت من بلادك ، وتنعم بها المبسوط من رزقك ، وتخرج بها المخزون من رحمتك ، وتعم بها من نأى من خلقك ، حتى يخصب لا مراعها المجدبون ، ويحيا ببركتها المسنتون ، وتترع بالقيعان غدرانها ، وتورق ذرى الأكمام زهراتها ، ويدهام بذرى الآكام شجرها (٢) وتستحق علينا بعد اليأس شكرا ، منة من مننك مجللة ، ونعمة من نعمك مفضلة ، على بريتك المرملة ، وبلادك المغربة وبهائمك المعملة ، ووحشك المهملة (٣). اللهم منك ارتجاؤنا ، وإليك مآبنا ، فلا تحبسه

__________________

وهو بالفتح معظم الماء. ومحفلة أي مالئا للحياض ، وحفل الوادي بالسيل جاء بملء جنبيه وحفل السماء : اشتد مطرها ( القاموس ) و « مفضلة » في بعض النسخ « مخضلة » أي مبتلة وأخضل الشئ بله ونداه.

(١) الخصب ـ بالكسر ـ : كثرة العشب وبلد خصيب ومخصب. وتنعش بها الضعيف أي تقيمه من صرعته وتنهضه من عثرته وتجبر فقره وضعفه.

(٢) المجدبون الذين أصابهم الجدب. والمسنتون ـ بتقديم النون ـ الذين أصابتهم شدة السنة. وتترع أي تملئ من قولهم ترع الاناء ـ كعلم ـ يترع ترعا : امتلأ. والقيعان جمع القاع وهي الأرض المطمئنة السهلة. والغدران ـ بالضم ثم السكون ـ جمع الغدير. وذرى الأكمام رؤوسها وهي جمع الكم ـ بالكسر ـ وهو وعاء الطلع وغطاء النور ـ بالفتح ـ. و « يدهام » بشد الميم أي يسود ، وروضة مدهام أي شديدة الخضرة المتناهية فيها. والآكام : الآجام. وفى بعض النسخ « الأكمام ».

(٣) « مجللة » بكسر اللام أي عامة ، في الصحاح جلل الشئ تجليلا أي عم والمجلل أي السحاب الذي يجلل الأرض بالمطر أي يعم متصلة. و « مفضلة » اسم مفعول من الافضال والمرملة الذين أصابتهم الحاجة والمسكنة وهو على صيغة اسم الفاعل. والمغربة ـ بالغين المعجمة والراء المهملة من الغروب بمعنى البعد والغيبة. وفى بعض النسخ « المعرنة » بالعين والراء المهملتين والنون ، بفتح الراء أو كسرها بعني البعيدة ، وفى بعضها « المعزبة »  ـ بالعين المهملة والزاي ـ والعازب : الكلاء البعيد ، وفى القاموس أعزب بعد وأبعد. والمعملة اسم مفعول من الأعمال لان الناس يستعملونها في أعمالهم. والمهملة التي لا راعى لها ولا صاحب ولا مشفق.

٥٣٤

عنا لتبطنك سرائرنا (١) ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، فإنك تنزل الغيث من بعد ما قنطوا وتنشر رحمتك ، وأنت الولي الحميد.

ثم بكى وقال : « سيدي ساخت جبالنا ، واغبرت أرضنا ، وهامت دوابنا وقنط الناس منا أو من قنط منهم ، وتاهت البهائم وتحيرت في مراتعها ، وعجت عجيج الثكالى على أولادها (٢) وملت الدوران في مراتعها ، حين حبست عنها قطر السماء ، فدق لذلك عظمها وذهب لحمها ، وذاب شحمها ، وانقطع درها ، اللهم ارحم أنين الآنة ، وحنين الحانة (٣) ارحم تحيرها في مراتعها وأنينها في مرابضها ».

١٥٠٢ ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي للاستسقاء ركعتين ويستسقي وهو قاعد ، وقال : بدأ بالصلاة قبل الخطبة وجهر بالقراءة ».

١٥٠٣ ـ وسئل الصادق عليه‌السلام « عن تحويل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رداءه إذا استسقى ، قال : علامة بينه وبين أصحابه تحول الجدب خصبا (٤) ».

١٥٠٤ ـ وجاء قوم من أهل الكوفة إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقالوا له : يا أمير المؤمنين ادع لنا بدعوات في الاستسقاء فدعا علي عليه‌السلام الحسن والحسين

__________________

(١) « لتبطنك سرائرنا » أي لعلمك ببواطننا وما نسره فيها.

(٢) و « ساخت » أي انخسفت وفى النهج « انصاحت جبالنا » أي صاحت ورفعت أصواتها. و « هامت » أي عطشت من الهيام بمعنى العطش قال الجوهري « الهيمان » العطشان وقوم هيم أي عطشان. أو ذهبت على وجوهها لشدة المحل من الهيمان. و « تاهت » أي تحيرت أو ضاعت. والعجيبج رفع الصوت. والثكل ـ بالضم ـ فقد الولد. وفى بعض النسخ « الثكلى ».

(٣) الانة ـ بتشديد النون ـ : الشاة ، والحانة أيضا الناقة ، يقال : ماله حانة ولا آنة أي ماله ناقة ولا شاة والأنين : التأوه. والحنين : الشوق وشدة البكاء. ومرابض الغنم كمعاطن الإبل وهو مبركها حول الحوض واحدها مربض ـ بكسر الباء وفتحها ـ.

(٤) أراد بذلك أن تحول الجدب خصبا كما رواه المصنف في العلل ص ١٢٢ بسند فيه ارسال عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته لأي علة حول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في صلاة الاستسقاء رداءه الذي على يمينه على يساره والذي على يساره على يمينه قال : أراد بذلك تحول الجدب خصبا ».

٥٣٥

عليهما‌السلام فقال : يا حسن ادع ، فقال الحسن عليه‌السلام : اللهم هيج لنا السحاب بفتح الأبواب بماء عباب ورباب (١) بانصباب وانسكاب يا وهاب ، واسقنا مطبقة مغدقة مونقة ، فتح أغلاقها وسهل إطلاقها ، وعجل سياقها بالأندية في الأودية يا وهاب ، بصوت الماء (٢) يا فعال اسقنا مطرا قطرا ، طلا مطلا ، طبقا مطبقا ، عاما معما ، رهما بهما رحما (٣)

__________________

(١) « بفتح الأبواب » أي أبواب رحمتك أو أبواب سمائك. وفى القاموس : العباب  ـ كغراب ـ. معظم السيل وارتفاعه وكثرة أمواجه. وفى النهاية. الربابة ـ بالفتح ـ : السحابة التي يركب بعضها بعضا.

(٢) الانسكاب : الانصباب. والتطبيق : تعميم الغيم بمطرة وتغشيته الجو وتغشية الماء وجه الأرض. وأغدق المطر : كثر قطره. والاغلاق جمع الغلق وهو ما يغلق به الباب وفتحها كناية عن رفع موانعها التي منها المعاصي. و « سهل اطلاقها » أي ارسالها. والسياق من سابق الماشية سياقا ولعل الباء زائدة. والأندية جمع الندى وهو المطر أي عجل أجراء المطر أو المياه في بطون الأودية. والمراد بالصوب : الانصباب.

(٣) في الصحاح : القطر ـ بسكون القاف ـ : المطر وجمع قطره ، وفى القاموس : وسحاب قطور ومقطار أي كثير القطر كغراب عظيمه. والطل ـ بشد اللام ـ : المطر الضعيف أو أخف المطر وأضعفه أو الندى ، والحسن والمعجب من ليل وشعر وماء وغير ذلك ، وأطل عليه أشرف ـ انتهى. والمراد بالطل اما المطر الضعيف فيكون طلبا للمطر بنوعيه فان لكل منهما فائدة في الأشجار والزرع ، أو المراد ذا طل فإنه ما يقع على الأرض من الندى بعد المطر بالليل أو المراد به الحسن المعجب. « مطلا » ـ بفتح الميم والطاء تأكيد. أي يكون مظنة للطل ، أو بضم الميم وكسر الطاء بهذا المعنى أو مشرفا نازلا علينا ، أو طلا يكون سببا لطل آخر. « مطبقا » تأكيد لقوله « طبقا » قال في النهاية : في حديث الاستسقاء « اللهم اسقنا غيثا طبقا » أي مالئا للأرض مغطيا لها ، يقال : غيث طبق : أي عام واسع. وفى القاموس. عم الشئ عموما : شمل الجماعة ، يقال : عمهم بالعطية ، وهو معم خير  ـ بكسر الميم وفتح العين ـ يعم بخيره وعقله. وفى النهاية : الرهام ـ بكسر الراء ـ هي الأمطار الضعيفة ، وحدتها رهمة ، وقيل الرهمة أشد وقعا من الديمة. وفى القاموس الرهمة  ـ بالكسر ـ : المطر الضعيف الدائم. وفى بعض النسخ « دهما » بالدال المهملة من قوله : دهمك أي غشيك أو من الدهمة وهي السواد فان المطر يسود الأرض. ولعله تصحيف. وقوله

٥٣٦

رشا مرشا واسعا كافيا ، عاجلا طيبا مباركا ، سلاطح بلاطح ، يناطح الأباطح مغدودقا مطبويقا مغرورقا (١) واسق سهلنا وجبلنا ، وبدونا وحضرنا (٢) حتى ترخص به أسعارنا وتبارك به في ضياعنا ومدننا ، أرنا الرزق موجودا والغلاء (٣) مفقودا آمين يا رب العالمين.

ثم قال للحسين عليه‌السلام : ادع فقال الحسين عليه‌السلام : اللهم معطي الخيرات من مظانها ، ومنزل الرحمات من معادنها ، ومجري البركات على أهلها ، منك الغيث المغيث ، وأنت الغياث المستغاث ، ونحن الخاطئون وأهل الذنوب ، وأنت المستغفر الغفار ، لا إله إلا أنت ، اللهم أرسل السماء علينا ديمة مدرارا ، واسقنا الغيث واكفا مغزارا ، غيثا مغيثا ، واسعا مسبغا مهطلام (٤) ريئا مريعا غدقا مغدقا (٥) عبابا مجلجلا

__________________

« بهما » في بعض النسخ « بهميا » وفى بعضها « يهمارا » وفى القاموس البهيم : الأسود والخالص الذي لم يشبه غيره ، ويحشر الناس بهما ـ بضم الباء ـ أي ليس بهم شئ مما كان في الدنيا نحو البرص والعرج ، وفى مجمل اللغة هو المطر الصغير القطر. وفى القاموس اليهمور : الدفعة من المطر ، وهمار ـ كشداد ـ السحاب السيال ، وانهمر الماء : انسكب وسال. والبيهم المصمت الذي لا يخالط لونه لون غيره. وقوله « رحما » في بعض النسخ و التهذيب « رحيما » وكلاهما بعيد ولعله « رجما » بالجيم كناية عن سرعته وشدة وقعه كما في البحار.

(١) « رشا مرشا » في الصحاح الرش : ـ بشم الراء ـ المطر القليل الجمع رشاش ، ورشت السماء أي جاءت بالرش. « سلاطح بلاطح » بالسين المهملة في الأول والباء الموحدة في الثاني واللام والطاء المهملة فيهما اتباع يريد كثرة الماء. وقوله « يناطح الأباطح » في بعض النسخ بالنون وفى بعضها بالباء : فعلى الأول لعله كناية عن جريه في الأباطح ـ وهو جمع الأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى ـ بكثرة وقوة كناه ينطحها بقرنه. وعلى الثاني ـ أعني بالباء ـ المراد أن يجعل الأبطح أبطحا أو يوسعه. واغدودق المطر : كثر قطره ، وعين الماء : غزرت وعذبت. و « مطبوبقا » مفعوعلا للمبالغة في تطبيق الأرض بالمطر ، وكذا « مغرورقا » من قولهم اغروقت عيناه أي غرقتا بالدموع وهو افعوعل من الغرق.

(٢) السهل ضد الجبل. والبدو : البادية.

(٣) والغلاء : ارتفاع الثمن.

(٤) الهطل : تتابع المطر والدمع وسيلانه.

(٥) في النهاية : في حديث الاستسقاء « اسقنا غيثا مريئا مريعا » يقال : مر أنى

٥٣٧

سحا سحساحا ، بسا بساسا ، مسبلا عاما ، ودقا مطفاحا (١) يدفع الودق بالودق دفاعا ويطلع القطر منه غير خلب البرق ، ولا مكذب الرعد ، تنعش به الضعيف من عبادك ، وتحيي به الميت من بلادك ، منا علينا منك آمين [ يا ] رب العالمين.

فما تم كلامه حتى صب الله الماء صبا ، وسئل سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه فقيل له : يا أبا عبد الله هذا شئ علماه؟ فقال : ويحكم ألم تسمعوا قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث يقول : أجريت الحكمة على لسان أهل بيتي.

١٥٠٥ ـ وروي عن ابن عباس « أن عمر بن الخطاب خرج يستسقي فقال : للعباس قم فادع ربك واستسق وقال : « اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك » فقال العباس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : « اللهم إن عندك سحابا وإن عندك مطرا فانشر السحاب وأنزل فيه الماء ثم أنزله علينا ، واشدد به الأصل ، واطلع به الفرع (٢) ، واحي به الزرع (٣) ، اللهم إنا شفعاء إليك عمن لا منطق له من بهائمنا وأنعامنا شفعنا في أنفسنا وأهالينا ، اللهم إنا لا ندعو إلا إياك ، ولا نرغب إلا إليك ، اللهم اسقنا سقيا وادعا (٤) نافعا طبقا مجلجلا ، اللهم إنا نشكو إليك جوع كل جائع ،

__________________

الطعام وأمر أنى إذا لم يثقل على المعدة وانحدر عنها طيبا. وتقدم معنى العباب والغدق والمجلجل.

(١) قوله « سحا سحساحا » في الضحاح سح الماء سحا أي سال من فوق وكذلك المطر والدمع ، وقال : تسحسح الماء أس سال ، ومطر سحساح أي يسح شديدا. والبس : السوق اللين. وبست الإبل أبسها ـ بالضم ـ بسا وبست المال في البلاد فانبس إذا أرسلته فتفرق فيها مثل بثثته فانبث. أي يكون ذا سوق لين يبس المطر في البلاد. وأسبل المطر والدمع إذا هطل ، وقال أبو زيد : أسبلت السماء والاسم السبل وهو المطر بين السحاب والأرض حين يخرج من السحاب ولم يصل إلى الأرض. وتقدم معنى الودق. وطفح الاناء  ـ كمنع طفحا وطفوحا امتلاء وارتفع ، والمطفاح : الممتلئ.

(٢) أي اجعل فروعه وأغصانه ذا ثمرة.

(٣) في بعض النسخ « واحى به الضرع ».

(٤) أي واسعا ، وفى بعض النسخ « وارعا » أي ساكنا مستقرا.

٥٣٨

وعرى كل عار ، وخوف كل خائف ، وسغب كل ساغب يدعو الله (١) ».

باب

* ( صلاة الكسوف والزلازل والرياح والظلم وعلتها ) *

١٥٠٦ ـ قال سيد العابدين علي بن الحسين عليهما‌السلام إن من الآيات التي قدرها الله عزوجل (٢) للناس مما يحتاجون إليه البحر الذي خلقه الله بين السماء والأرض ، قال : وإن الله تبارك وتعالى قد قدر منها مجاري الشمس والقمر والنجوم ، وقدر ذلك كله على الفلك ، ثم وكل بالفلك ملكا معه سبعون ألف ملك فهو يديرون الفلك ، فإذا أداروه دارت الشمس والقمر والنجوم معه ، فنزلت في منازلها التي قدرها الله تعالى ليومها وليلتها ، فإذا كثرت ذنوب العباد وأحب الله أن يستعتبهم (٣) بآية من آياته أمر الملك الموكل بالفلك أن يزيل الفلك عن مجاريه ، قال : فيأمر الملك السبعين ألف الملك أن أزيلوا الفلك عن مجاريه ، قال : فيزيلونه فتصير الشمس في ذلك البحر الذي كان فيه الفلك ، فينطمس ضؤوها ويتغير لونها ، فإذا أراد الله عز وجل أن يعظم الآية غمست في البحر (٤) على ما يحب أن يخوف عباده بالآية ، قال :

__________________

(١) السغب : الجوع من التعب والعطش.

(٢) كذا في جميع النسخ وفى روضة الكافي تحت رقم ٤١ مسندا في حديث البحر مع الشمس « ان من الأقوات التي قدرها الله ».

(٣) قال العلامة المجلسي ـ رحمه‌الله ـ : لعله مأخوذ من العتب بمعنى الوجوه والغضب أي يظهر عليهم غضبه ، لكن الاستعتاب في اللغة بمعنى الرضا وطلب الرضا وكلاهما غير مناسبين في المقام انتهى ، وقال أبوه ـ رحمه‌الله ـ : أي يبعثهم على الاستقالة من الذنوب ليرضى عنهم.

(٤) في الكافي « طمست في البحر » وغمس الشمس في البحر أو طمسها كناية عن طمس ضوئه كله بالكسوف الكلى كما أشير إليه بعد بقوله عليه‌السلام « وذلك عند انكساف الشمس يعنى كلها.

٥٣٩

وذلك عند انكساف الشمس ، وكذلك يفعل بالقمر (١) فإذا أراد الله عزوجل أن يجلبها ويردها إلى مجراها أمر الملك الموكل بالفلك أن يرد الفلك على مجراه فيرد الفلك وترجع الشمس إلى مجراها ، قال : فتخرج من الماء وهي كدرة والقمر مثل ذلك قال : ثم قال علي بن الحسين عليهما‌السلام : أما إنه لا يفزع للآيتين ولا يرهب إلا من كان من شيعتنا ، فإذا كان ذلك منهما فافزعوا إلى الله تعالى وراجعوه ».

قال مصنف هذا الكتاب : إن الذي يخبر به المنجمون من الكسوف فيتفق على ما يذكرونه ليس من هذا الكسوف في شئ. وإنما تجب الفزع إلى المساجد والصلاة عند رؤيته لأنه مثله في المنظر وشبيه له في المشاهدة ، كما أن الكسوف الواقع مما ذكره سيد العابدين عليه‌السلام إنما وجب الفزع فيه إلى المساجد والصلاة لأنه آية تشبه آيات الساعة ، وكذلك الزلازل والرياح والظلم وهي آيات تشبه آيات الساعة ، فأمرنا بتذكر القيامة عند مشاهدتها والرجع إلى الله تعالى بالتوبة والإنابة والفزع إلى المساجد التي هي بيوته في الأرض ، والمستجير بها محفوظ في ذمة الله تعالى ذكره.

١٥٠٧ ـ وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : « إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بتقديره وينتهيان إلى أمره (٣) ولا ينكسفان لموت أحد ولا لحياة أحد فإذا انكسف أحدهما فبادروا إلى مساجدكم ».

١٥٠٨ ـ و « انكسفت الشمس على عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام فصلى بهم حتى كان

__________________

(١) أي يطمس ضوءه في البحر يعنى البحر المحيط بالأرض وهو أيضا بين السماء والأرض وعلى هذا التوجيه لا منافاة بين الحديث وبين ما يقوله المنجمون الذين لا يتخلف حسابهم في ذلك الا إذا خرق الله العادة لمصلحة رآها كما يكون في آخر الزمان. وذلك لأنهم يقولون : ان سبب كسوف الشمس حيلولة جرم القمر بوجهه المظلم بيننا وبينها ، وسبب خسوف القمر حيلولة جرم الأرض مع البحر المحيط بينها وبنيه ويصح حسابهم في ذلك في جميع الأحيان. ( الوافي )

(٢) رواه الكليني في الكافي ج ٣ ص ٤٦٣ بأدنى اختلاف في اللفظ من حديث أبي الحسن موسى عليه‌السلام.

(٣) أي مطيعان له منقادان لامره تعالى.

٥٤٠