كتاب من لا يحضره الفقيه - ج ١

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

كتاب من لا يحضره الفقيه - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: علي اكبر الغفّاري
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٩

عنده حداثا (١) فاستحيت فانصرفت ، فعلم صلى‌الله‌عليه‌وآله أنها قد جاءت لحاجة فغدا علينا ونحن في لحافنا (٢) فقال : السلام عليكم ، فسكتنا واستحيينا لمكاننا ، ثم قال : السلام عليكم (٣) فسكتنا ، ثم قال : السلام عليكم فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف وقد كان يفعل ذلك (٤) فيسلم ثلاثا فإن أذن له وإلا انصرف ، فقلنا : وعليك السلام يا رسول الله أدخل ، فدخل وجلس عند رؤوسنا ثم قال : يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟ فخشيت إن لم نجبه أن يقوم ، فأخرجت رأسي فقلت : أنا والله أخبرك يا رسول الله انها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها ، وجرت بالرحى حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها فقلت لها : لو أتيت أباك فسألته خادما يكفيك حر ما أنت فيه من هذا العمل ، قال : أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما (٥) فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة ، وسبحا ثلاثا وثلاثين تسبيحة ، واحمدا ثلاثا وثلاثين تحميدة ، فأخرجت فاطمة عليها‌السلام رأسها وقالت : « رضيت عن الله وعن رسوله رضيت عن الله وعن رسوله » (٦).

__________________

(١) أي جماعة يتحدثون وهو جمع على غير قياس ( النهاية ) وفى بعض النسخ « أحداثا ». وفى بعضها « حدثاء ».

(٢) في بعض النسخ « ونحن في لفاعنا » واللفاع ـ ككتاب الملحفة والكساء والنطع وكلما تتلفع به المرأة. ( القاموس )

(٣) هذا سلام الاستيذان ووجوب الرد فيلم تثبت بل عدمه مشهور لان صاحب البيت مخير. والواجب رد سلام التحية.

(٤) أي كان ذلك من عادته صلى‌الله‌عليه‌وآله. ( مراد )

(٥) أي محل نومكما. ( مراد )

(٦) رواه الصدوق ـ رحمه‌الله ـ مسندا في كتبه عن رجال العامة واعتمد عليه في الترتيب وعلى تقدير صحته يمكن القول به عند النوم لا مطلقا والظاهر الترتيب المشهور. (م ت)

أقول : روى البخاري ومسلم وأبو داود والفظ له بأسانيدهم عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال لابن أعبد ألا أحدثك عنى وعن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت من أحب أهله إليه

٣٢١

فإذا فرغت من تسبيح فاطمة عليها‌السلام فقال : « اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ولك السلام ، وإليك يعود السلام ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، السلام عيك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام على الأئمة الهادين المهديين ، السلام على جميع أنبياء الله ورسله وملائكته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » ثم تسلم على الأئمة واحدا واحدا عليهم‌السلام وتدعو بما أحببت.

__________________

وكانت عندي؟ قال : بلى ، قال : انها جرت بالرحى حتى أثرت في يدها ، واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها ، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها ، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خدم ـ يعنى سبى ـ فقلت : لو أتيت أباك فسألته خادما ، فأتته فوجدت عنده حداثا فرجعت ، فأتاها من الغد فقال : ما كان حاجتك؟ فسكتت ، فقلت أنا أحدثك يا رسول الله ، جرت بالرحى حتى أثرت في يدها ، وحملت القربة حتى أثرت في نحرها فلما أن جاء الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمك خادما يقيها حر ما هي فيه ، قال : اتقى الله يا فاطمة ، وأدى فريضة ربك ، اعملي عمل أهلك وإذا أخذت مضجعك فسبحي ثلاثا وثلاثين ، وحمدي ثلاثا وثلاثين ، وكبرى أربعا وثلاثين فتلك مائة ، فهو خير لك من خادم ، قالت : رضيت عن الله وعن رسول. زاد في رواية « ولم يخدمها ».

فقف أيها القارئ الكريم وتأمل جيدا في هذا الخبر الشريف المجمع عليه فان بضعة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله وقرة عينه الوحيدة تطلب منه من السبي والغنائم خادما ليعينها في مهام ـ منزلها ويزيل عنها شيئا من تعبها وهو سلطان نافذ الكلمة ، وراع مسيطر في وقته ، بيده الأموال بل النفوس وله القدرة بأعظم مظاهرها بحيث يقول ناعته : لم أر قبله ولا بعده مثله ، مع ذلك كله يأمر ابنته الوحيدة وفلذة كبده الفريدة بالتقوى والقيام بواجب بيتها والاكثار من ذكر ربها ولم يرض أن يعطيه من بيت مال المسلمين خادما وقال صلى الله عليه وعليهما : ألا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم. فتجيب المعصومة سلام الله عليها طائعة مشعوفة مختارة : « رضيت عن الله ، رضيت عن رسول الله ». فخذ هذا مثلا لا يلمسك الحقيقة جدا في معرفة من حذا حذو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن مال عن طريقته ونأى بجانبه وحاد عن سنته ممن يدعى الخلافة بعده فرسول الله صلى الله عليه وآله هو الامام المتبع فعله والرئيس المقتفى أثره.

٣٢٢

* ( باب التعقيب ) *

٩٤٨ ـ قال الصادق عليه‌السلام : « أدنى ما يجزيك من الدعاء بعد المكتوبة أن تقول » اللهم صل على محمد وآل محمد ، اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك ، ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك ، اللهم إنا نسألك عافيتك في جميع أمورنا كلها ، ونعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

__________________

هذا علي بن أبي طالب ترك التفضيل لنفسه وولده على أحد من أهل الاسلام ، دخلت عليه أخته أم هاني بنت أبي طالب فدفع إليها عشرين درهما ، فسالت أم هاني مولاتها العجمية فقالت : كم دفع إليك أمير المؤمنين؟ فقالت : عشرين درهما ، فانصرفت مسخطة ، فقال لها : انصرفي رحمك الله ما وجدنا في كتاب الله فضلا لإسماعيل على إسحاق. وبعث إليه من البصرة من غوص البحر بتحفة لا يدرى ما قيمتها فقالت ابنته أم كلثوم : أجمل به ، ويكون في عنقي؟ فقال : يا أبا رافع أدخله إلى بيت المال ، ليس ذلك سبيل حتى لا يبقى امرأة من المسلمين الا ولها مثل ذلك.

ولما ولى بالمدينة قام خطيبا فقال : يا معشر المهاجرين والأنصار يا معشر قريش اعلموا والله انى لا أرزؤكم من فيئكم شيئا ما قام لي عذق بيثرب ، أفتروني مانعا نفسي وولدي ومعطيكم ولأسوين بين الأسود والأحمر ، فقال إليه عقيل فقال : لتجعلني وأسود من سودان المدينة واحدا ، فقال له : اجلس ـ رحمك الله ـ أما كان ههنا من يتكلم غيرك. واشتهر أنه عليه‌السلام يقول : والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعا ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم وعاودني مؤكدا وكرر على القول مرددا ، فأصغيت إليه سمعي فظن أنى أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقا طريقتي فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها فضج ضجيج ذي دنف من ألمها ـ إلى آخر ما قال صلى الله عليه.

وهذا ابن عفان أعطى سعد بن أبي سرح أخاه من الرضاعة جميع ما أفاء الله عليه من فتح إفريقية بالمغرب وهي طرابلس الغرب إلى طنجة من غير أن يشركه فيه أحدا من المسلمين ، وأعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف ، وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة فقسمها كلها في بنى أمية ـ ذلك كله في

٣٢٣

٩٤٩ ـ وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من أحب أن يخرج من الدنيا وقد تخلص من الذنوب كما يتخلص الذهب الذي لا كدر فيه ، ولا يطلبه أحد بمظلمة (١) ، فليقل في دبر الصلوات الخمس نسبة الرب تبارك وتعالى اثنى عشرة مرة (٢) ثم يبسط يديه ويقول : « اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون الطاهر الطهر المبارك ، وأسألك باسمك العظيم ، وسلطانك القديم (٣) أن تصلي على محمد وآل محمد ، يا واهب العطايا ، يا مطلق الأسارى ، يا فكاك الرقاب من النار ، أسألك أن تصلى على محمد وآل محمد ، وأن تعتق رقبتي من النار ، وأن تخرجني من الدنيا آمنا ، وآن تدخلني الجنة سالما ، وأن تجعل دعائي أوله فلاحا ، وأوسطه نجاحا ، وأخره صلاحا ، إنك أنت علام الغيوب « ثم قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : هذا من المخبيات (٤) مما علمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرني أن أعلم الحسن والحسين عليهما‌السلام ».

٩٥٠ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « جاء جبرئيل إلى يوسف عليه‌السلام وهو في السجن فقال : يا يوسف قل في دبر كل فريضة : اللهم اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب » (٥).

٩٥١ ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « تقول في دبر كل صلاة اللهم اهدني من عندك

__________________

شرح ابن أبي الحديد ج ١ ص ٦٧ ـ وسعد بن أبي صرح هذا هو الذي أباح رسول الله دمه يوم الفتح كما في سنن أبي داود وأنساب البلاذري ، وفى بعض المصادر عبد الله بن أبي سرح. وبالجملة هاتان السيرتان مقياسان لمن يروم معرفة المحق والمبطل ممن كان بيده بيت المال.

(١) اما بطريق الاسقاط واعطاء العوض لصاحب الحق أو كونه بطريق التوفيق برد المظالم.

(٢) نسبة الرب هي سورة قل هو الله أحد ، وتسميتها بنسبة الرب لأجل أن اليهود جاءت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : انسب لنا ربك فنزل سورة التوحيد. (م ت)

(٣) كذا في التهذيب وفى بعض النسخ « وسلطانك العزيز ».

(٤) أي المكنونات ، وفى بعض النسخ « المنجيات » وفى بعضها « المستجاب » وفى بعضها « المختار ».

(٥) الظاهر استحبابه للخلاص من السجن والسعة في الرزق. (م ت)

٣٢٤

وأفض علي من فضلك ، وانشر علي من رحمتك ، وأنزل علي من بركاتك ».

٩٥٢ ـ وقال صفوان بن مهران الجمال : « رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام إذا صلى وفرغ من صلاته رفع يديه فوق رأسه » (١).

٩٥٣ ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « ما بسط عبد يديه إلى الله عزوجل إلا واستحي الله أن يردها صفرا حتى يجعل فيها من فضله ورحمته ما يشاء ، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يديه حتى يمسح بهما على رأسه ووجهه » وفي خبر آخر « على وجهه وصدره ».

٩٥٤ ـ وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى فليكن آخر قوله » سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين « فإن له من كل مسلم حسنة » (٢).

٩٥٥ ـ وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء ولينصب في الدعاء فقال ابن سبا : يا أمير المؤمنين أليس الله عزوجل بكل مكان؟ قال : بلى ، قال : فلم يرفع يديه إلى السماء؟ فقال : أو ما تقرا » وفي السماء رزقكم وما توعدون « فمن أين يطلب الرزق إلا من موضعه ، وموضع الرزق وما وعد الله عزوجل السماء ».

٩٥٦ ـ وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول إذا فرغ من الزوال « اللهم إني

__________________

(١) الظاهر أن رفع اليدين لأجل الدعاء ويسمى الابتهال كما فهمه الصدوق ـ رحمه الله ـ ظاهرا ، لا كما فهمه بعض الأصحاب من مجرد الرفع ، فينبغي أن يدعو حين رفعهما فوق الرأس بقبول الصلاة وغيره ، وينبغي أن يكون حين الرفع مبسوط اليدين والكفين إلى السماء كأنه يطلب شيئا كما يدل عليه الخبر الآتي. (م ت)

(٢) حيث إنه نزه الرب تعالى عما يصفه به المشركون من اتخاذ الشريك له وغير ذلك مما لا ينبغي بعز جلاله وكان قد انخرط بذلك في جملة المسلمين فتذكر ذلك العهد فقام ذلك التذكر مقام الدخول في جملتهم فاستحق الاحسان من كل واحد من بنى جنسه ، ويمكن أن يقرء كل مسلم على صيغة اسم المفعول من التفعيل أي كل مسلم عليه وهم الأنبياء (ع). ( مراد )

٣٢٥

أتقرب إليك بجودك وكرمك ، وأتقرب إليك بمحمد عبدك ورسولك ، وأتقرب إليك بملائكتك المقربين ، وأنبيائك المرسلين وبك ، اللهم لك الغنى عني ، وبي الفاقة إليك ، أنت الغني وأنا الفقير إليك ، أقلني عثرتي ، واستر علي ذنوبي ، واقض اليوم حاجتي ، ولا تعذبني بقبيح ما تعلم به مني بل عفو ك يسعني وجودك » (١) ثم يخر ساجدا ويقول : « يا أهل التقوى ، ويا أهل المغفرة ، يا بر ، يا رحيم ، أنت أبر بي من أبي وأمي ومن جميع الخلائق اقلبني بقضاء حاجتي (٢) ، مجابا دعائي ، مرحوما صوتي ، قد كشفت أنواع البلاء عني ».

٩٥٧ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : «من قال إذا صلى المغرب ثلاث مرات : « الحمد لله الذي يفعل ما يشاء ، ولا يفعل ما يشاء غيره « أعطي خيرا كثيرا »

٩٥٨ ـ وكان عليه‌السلام يقول بين العشائين : « اللهم بيدك مقادير الليل والنهار ومقادير الدنيا والآخرة ، ومقادير الموت والحياة ، ومقادير الشمس والقمر ، ومقادير النصر والخذلان ، ومقادير الغنى والفقر ، اللهم ادرأ عني شر فسقة الجن والإنس واجعل منقلبي إلى خير دائم ونعيم لا يزول ».

٩٥٩ ـ وروي عن محمد بن الفرج أنه قال : « كتب إلي أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليه‌السلام بهذا الدعاء وعلمنيه (٣) وقال : من دعا به في دبر صلاة الفجر لم يلتمس حاجة إلا يسرت له وكفاه الله ما أهمه » بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآله ، وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد فوقاه الله سيئات ما مكروا ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين حسبنا الله ونعم الوكيل ، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله ، ما شاء الله لا ما شاء الناس ، ما شاء الله وإن كره

__________________

(١) في الكافي « بل عفوك وجودك يسعني ».

(٢) أي ردني متلبسا بقضاء حاجتي.

(٣) « بهذا الدعاء » الباء للتقوية ، و « علمينه » أي بعد ما لقيته مشافهة علمني معاني الدعاء وكيفية قراءته. ( المرآة )

٣٢٦

الناس ، حسبي الرب من المربوبين ، حسبي الخالق من المخلوقين ، حسبي الرازق من المرزوقين ، حسبي الذي لم يزل حسبي ، حسبي من كان منذ كنت [ حسبي ] لم يزل حسبي ، حسبي الله لا إله إلا هو ، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.

٩٦٠ ـ وقال عليه‌السلام : إذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقال : رضيت بالله ربا ، وبالاسلام دينا ، وبالقرآن كتابا ، وبمحمد نبيا وبعلي وليا ، والحسن والحسين وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي ابن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، والحجة بن الحسن بن علي أئمة ، اللهم وليك الحجة فاحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته ، وامدد له في عمره ، واجعله القائم بأمرك ، المنتصر لدينك وأره ما يحب وتقر به عينه في نفسه وفي ذريته وأهله وماله وفي شيعته وفي عدوه ، وأرهم منه ما يحذرون وأره فيهم ما يحب وتقر به عينه ، واشف به صدورنا وصدور قوم مؤمنين.

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول إذا فرغ من صلاته : اللهم أغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وإسرافي على نفسي وما أنت أعلم به مني اللهم (١) أنت المقدم وأنت المؤخر (٢) لا إله إلا أنت بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أجمعين ما علمت الحياة خيرا لي فأحيني ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي ، اللهم إني أسألك خشيتك في السر والعلانية ، وكلمة الحق في الغضب والرضا ، والقصد في الفقر والغنى

__________________

(١) ان قيل : كيف يستغفر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع معصوم حتى من الخطأ و النسيان فضلا عن الاثم؟ قلنا : الاستغفار هو درجة العليين وسبيل المقربين وهو من أعظم القربات ولا يجب أن يكون المعصية أو ذنب ، فان السالك إلى الله سبحانه الطالب لمقام القرب مهما جد واجتهد في السير يرى نفسه بطيئا لا تأتى بما يجب عليه من الاجتهاد في العمل ولذلك يستغفر ربه عزوجل ويطلب العفو منه دائما.

(٢) المقدم والمؤخر على صيغة الفاعل من باب التفعيل من أسماء الله تعالى ومعناهما على ما ذكره شيخنا الشهيد في قواعده المنزل للأشياء منازلها وترتيبها في التكون والتصوير والأزمة والأمكنة على ما يقتضيه الحكمة. ( سلطان )

٣٢٧

وأسألك نعيما لا ينفد ، وقرة عين لا تنقطع ، وأسألك الرضا بالقضا وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك ، وشوقا إلى لقائك من غير ضراء مضرة (١) ولا فتنة مظلمة ، اللهم زينا بزينة الايمان ، واجعلنا هداة مهديين ، اللهم اهدنا فيمن هديت ، اللهم إني أسألك عزيمة الرشاد والثبات في الامر والرشد ، وأسألك شكر نعمتك وحسن عافيتك وأداء حقك ، وأسألك يا رب قلبا سليما ولسانا صادقا وأستغفرك لما تعلم ، وأسألك خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم وما لا نعلم ، فإنك تعلم ولا نعلم ، وأنت علام الغيوب.

٩٦١ ـ وقال الصادق عليه‌السلام من قال هذه الكلمات عند كل صلاة مكتوبة حفظ في نفسه وداره وماله وولده : « أجير نفسي ومالي وولدي وأهلي وداري وكل ما هو مني بالله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، وأجير نفسي ومالي وولدي [ وأهلي ] وداري وكل ما هو مني برب الفلق من شر ما خلق إلى آخرها وبرب الناس إلى آخرها ، وبآية الكرسي إلى آخرها » (٢).

٩٦٢ ـ وروي عن هلقام بن أبي هلقام أنه قال : « أتيت أبا إبراهيم عليه‌السلام فقلت له : جعلت فداك علمني دعاء جامعا للدنيا والآخرة وأوجز ، فقال : قل في دبر الفجر إلى أن تطلع الشمس » سبحان الله العظيم وبحمده ، أستغفر الله وأسأله من فضله. فقال هلقام : ولقد كنت أسوء أهل بيتي حالا فما علمت حتى أتاني ميراث من قبل رجل ما علمت (٣) أن بيني وبينه قرابة ، وإني اليوم أيسر أهل بيتي مالا وما ذاك إلا مما علمني مولاي العبد الصالح عليه‌السلام.

٩٦٣ ـ قال زرارة : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا (٤) » وبذلك جرت السنة.

__________________

(١) الضراء ـ ممدودا ـ : الحالة التي تضر وهي نقيض السراء.

(٢) أي يقول « بالله لا الله الا هو ـ الخ » ويحتمل بان يقول : « بآية الكرسي : الله لا اله الا هو ـ الخ » بأن يكون التفصيل بدلا للاجمال. ( مراد )

(٣) في الكافي ج ٢ ص ٥٤٠ « ما ظننت »

(٤) الخبر إلى هنا في التهذيب ج ١ ص ١٦٤ والكافي ج ٣ ص ٣٤٢.

٣٢٨

٩٦٤ ـ وقال هشام بن سالم لأبي عبد الله عليه‌السلام : « إني أخرج (١) وأحب أن أكون معقبا ، فقال : إن كنت على وضوء فأنت معقب ».

٩٦٥ ـ وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قال الله عزوجل : يا ابن آدم اذكرني بعد الغداة ساعة وبعد العصر ساعة أكفيك ما أهمك ».

٩٦٦ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « الجلوس بعد الصلاة الغداة في التعقيب والدعاء حتى تطلع الشمس أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض » (٢).

باب

* ( سجدة الشكر والقول فيها ) *

٩٦٧ ـ روى عبد الله بن جندب (٣) عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام أنه قال : تقول (٤) في سجدة الشكر : اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبيائك ورسلك وجميع خلقك إنك (٥) [ أنت ] الله ربي ، والاسلام ديني ، ومحمدا نبيي ، وعليا والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، علي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، والحجة بن الحسن بن علي

__________________

(١) أي أخرج في الحاجة.

(٢) أي الذهاب فيها لطلب الرزق.

(٣) الطريق حسن وعبد الله بن جندب ـ بضم الجيم ـ ثقة.

(٤) في بعض النسخ « يقول » أي يقول الساجد ، خبر أريد به معنى الامر.

(٥) « انك » بكسر الهمزة لان المشهور به لا يكون الا جملة كما في قوله تعالى « والله يشهد ان المنافقين لكاذبون » فلا تضر وحدة العاطف ، وكذا المعطوفات المتتالية مع خبرها. وفى بعض النسخ « أن » عطف جملة على جملة ، واما بعطف كل جزء على نظيره كما مر. ( مراد )

٣٢٩

أئمتي بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرء ، اللهم إني أنشدك (١) دم المظلوم ـ ثلاثا ـ اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأعدائك (٢) لتهلكنهم بأيدينا وأيدي المؤمنين ، اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنهم بعدوك وعدوهم أن تصلي على محمد وعلى المستحفظين (٣) من آل محمد ثلاثا وتقول : اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر ثلاثا ، ثم تضع خدك الأيمن على الأرض وتقول : يا كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق على الأرض بما رحبت (٤) ، ويا بارئ خلقي رحمة بي وكنت عن خلقي غنيا صل على محمد وآل محمد ، وعلى المستحفظين من آل محمد ثلاثا ، ثم تضع خدك الأيسر

__________________

(١) بفتح الهمزة وضم الشين من نشد الضالة نشدانا : طلبها ، أي أسألك بدم المظلوم وأذكرك إياه وأطلبه منك ( سلطان ) وقال الفاضل التفرشي : المراد بالمظلوم سبط رسول الثقلين أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام ومن استشهد معه بل وأمير المؤمنين وسائر أولاده المعصومين الذين قتلوا بالسم وغيره صلوات الله عليهم.

(٢) في الحديث « ان الله تعالى قال : أويت على نفس أن أذكر من ذكرني » قال القتيبي : هذا غلط الا أن يكون من المقلوب والصحيح وأيت من الوأى وهو الوعد يقول : جعلته وعدا على نفس ( النهاية ) وقوله « لتهلكنهم » متعلق بالايواء. وقال التفرشي ـ رحمه الله ـ : لعل قوله « أن تصلى » ثاني مفعول « أنشد » توسطت بينهما جملة قسمية للتوكيد أي بايوائك أن جعلت ذاتك كهفا لأعدائك يرجعون إليه في كل ما يحتاجون إليه وقد عادوك بأيدينا وأيدي المؤمنين ـ الخ كما في قوله تعالى : « وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ـ الآية ».

(٣) يمكن أن يقرء بفتح الفاء على صيغة المفعول المحفوظين عن الخطأ والعصيان ، أو بصيغة الفاعل أي الحافظين للدين.

(٤) « تعييني » من الاعياء وهي العجز وقوله « بما رحبت » « ما » مصدرية و « رحبت » أي وسعت ، أي حين تعجزني المذاهب إلى تحصيل أمري وتدبيره ولم أهتد لوجهه سبيلا وضاقت على الأرض مع سعتها.

٣٣٠

على الأرض وتقول : يا مذل كل جبار ، ويا معز كل ذليل ، قد وعزتك بلغ [ بي ] مجهودي (١) ثلاثا ، ثم تعود للسجود وتقول : مائة مرة « شكرا شكرا » ثم تسأل حاجتك إن شاء الله.

ولا تسجد سجدة الشكر عند المخالف واستعمل التقية في تركها.

٩٦٨ ـ وروى جهم بن أبي جهم (٣) قال : « رأيت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام وقد سجد بعد الثلاث الركعات من المغرب ، فقلت له : جعلت فداك رأيتك سجدت بعد الثلاث ، فقال : ورأيتني؟ فقلت : نعم ، قال : فلا تدعها فإن الدعاء فيها مستجاب ».

٩٦٩ ـ وفي رواية إبراهيم بن عبد الحميد (٤) « أن الصادق عليه‌السلام قال : لرجل إذا أصابك هم فامسح يدك على موضع سجودك ، ثم امسح يدك على وجهك من جانب خدك الأيسر ، وعلى جبهتك إلى جانب خدك الأيمن قال : [ قال ] ابن أبي عمير : (٥) كذلك وصفه لنا إبراهيم بن عبد الحميد ثم قال : بسم الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، اللهم اذهب عني الغم والحزن ثلاثا » (٦).

__________________

(١) أي بلغني مجهودي تبليغا إلى حيث لم يبق لي طاقة. وقال الفاضل التفرشي قوله : « وعزتك بلغ مجهودي » « وعزتك » جملة قسمية وقعت بين « قد » ومدخوله أي قد بلغ مجهودي الغاية بحيث لم يبق لي جهد وطاقة ، وفى بعض النسخ « بلغ بي مجهودي ».

(٢) مع أنهم ذكروها في صحاحهم عن عائشة وغيرها ولكن تركوها رغما للشيعة.

(٣) في الطريق سعدان بن مسلم وهو مهمل ، وفى بعض النسخ « جهيم » مصغرا وهو بكلا العنوانين حسن.

(٤) الطريق حسن بإبراهيم بن هاشم.

(٥) يعنى قال إبراهيم بن هاشم قال ابن أبي عمير : كذلك ـ الخ وللمصنف إلى إبراهيم ابن عبد الحميد طريقان أحدهما عن ابن الوليد عن الصفار عن العباس بن معروف عن سعدان ابن مسلم عن إبراهيم بن عبد الحميد. والأخرى عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عنه ، وإبراهيم ثقة.

(٦) قوله « ثلاثا » قيد في المسح والدعاء جميعا على الظاهر.

٣٣١

٩٧٠ ـ وروى [ عن ] سليمان بن حفص المروزي (١) أنه قال : « كتب إلي أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : قل في سجدة الشكر مائة مرة » شكرا شكرا وإن شئت  « عفوا عفوا ».

٩٧١ ـ و « كان أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام يسجد بعدما يصلي فلا يرفع رأسه حتى يتعالى النهار » (٢).

٩٧٢ ـ وروى عبد الرحمن بن الحجاج (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « من سجد سجدة الشكر وهو متوضئ كتب الله له بها عشر صلوات ، ومحى عنه عشر خطايا عظام ».

٩٧٣ ـ وسأل سعد بن سعد الرضا عليه‌السلام « عن سجدة الشكر فقال : أرى أصحابنا يسجدون بعد الفريضة سجدة واحدة ويقولون هي سجدة الشكر ، فقال : إنما الشكر (٤) إذا أنعم الله على عبده أن يقول » سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين (٥) وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، والحمد لله رب العالمين.

٩٧٤ ـ وروى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « كان موسى بن عمران عليه‌السلام إذا صلى لم ينفتل حتى يلصق خده الأيمن بالأرض وخده الأيسر بالأرض ».

٩٧٥ ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى بن عمران عليه‌السلام أتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال موسى : لا يا رب ، قال : يا موسى إني قلبت عبادي ظهرا وبطنا (٦) فلم أجد فيهم أحدا أذل نفسا لي منك ، يا موسى إنك إذا صليت وضعت خديك على التراب ».

__________________

(١) الطريق إليه صحيح أو حسن كالصحيح.

(٢) يظهر من بعض الروايات أن هذا دأبه حين كان عليه‌السلام في حبس هارون.

(٣) الطريق صحيح وقد تقدم الكلام فيه.

(٤) حملها الشيخ ـ رحمه‌الله ـ على التقية لأنه موافق للعامة.

(٥) مقرنين أي مطيقين مقاومين له في القوة.

(٦) في بعض النسخ « ظهرا لبطن ».

٣٣٢

٩٧٦ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « إن العبد إذا سجد فقال : يا رب يا رب » حتى ينقطع نفسه ، قال له الرب تبارك وتعالى : « لبيك ما حاجتك » (١).

٩٧٧ ـ و « كان علي بن الحسين عليه‌السلام يقول في سجوده»اللهم إن كنت قد صيتك فإني قد أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو الايمان بك منا منك علي لا منا مني عليك ، وتركت معصيتك في أبغض الأشياء إليك وهو أن أدعو لك ولدا أو أدعو لك شريكا منا منك علي لا منا مني عليك ، وعصيتك في أشياء (٢) على غير وجه مكابرة ولا معاندة ، ولا استكبار عن عبادتك ، ولا جحود لربوبيتك ، ولكن اتبعت هواي واستزلني الشيطان بعد الحجة علي والبيان (٣) ، فإن تعذبني فبذنوبي غير ظالم لي ، وإن تغفر لي وترحمني فبجودك وبكرمك يا أرحم الراحمين.

وينبغي لمن يسجد سجدة الشكر أن يضع ذراعيه على الأرض ويلصق جؤجؤه (٤) بالأرض.

٩٧٨ ـ وفي رواية أبي الحسين الأسدي رضي‌الله‌عنه « أن الصادق عليه‌السلام قال : إنما يسجد المصلي سجدة بعد الفريضة ليشكر الله تعالى ذكره فيها على ما من به عليه من أداء فرضه ، وأدنى ما يجزي فيها (٥) » شكرا لله « ثلاث مرات ».

٩٧٩ ـ وروى أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حريز عن مرازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « سجدة الشكر واجبة على كل مسلم (٦) تتم بها صلاتك ، وترضي بها ربك ، وتعجب الملائكة منك ، وإن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة

__________________

(١) في الكافي ج ٢ ص ٥٢٠ نحوه بدون قيد السجود.

(٢) ليس هذا الكلام اعترافا بالذنب بل هو اعتراف بالتقصير وهو مقتضى مقام العبودية ، وأقصى مراتب الكمال فيها فمن أجل ذلك وأمثاله سمى عليه‌السلام : زين العابدين وسيد الساجدين.

(٣) في بعض النسخ « والبرهان ».

(٤) جؤجؤ ـ كهدهد ـ عظام الصدر.

(٥) أي من الذكر الا فالسجدة تتحقق بوضع الجبهة أو الخد على الأرض.

(٦) تأكيد للاستحباب أي كالواجبة في استحقاقها الاهتمام بها. ( مراد )

٣٣٣

الشكر فتح الرب تبارك وتعالى الحجاب بين العبد وبين الملائكة فيقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدى فرضي وأتم عهدي ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه ، ملائكتي ماذا له عندي؟ قال فتقول الملائكة : يا ربنا رحمتك ، ثم يقول الرب تبارك وتعالى : ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة : يا ربنا جنتك ، ثم يقول الرب تبارك وتعالى : ثم ماذا؟ فتقول الملائكة : يا ربنا كفاية مهمه ، فيقول الرب تبارك وتعالى ثم ماذا؟ قال : ولا يبقى شئ من الخير إلا قالته الملائكة ، فيقول الله تبارك وتعالى : يا ملائكتي ثم ماذا؟ فتقول الملائكة ربنا لا علم لنا ، [ قال : ] فيقول الله تبارك وتعالى : أشكر له كما شكر لي ، وأقبل إليه بفضلي ، وأريه وجهي ».

قال مصنف هذا الكتاب رحمه‌الله : موصف الله تعالى ذكره بالوجه كالوجوه فقد كفر وأشرك ، ووجهه أنبياؤه وحججه صلوات الله عليهم وهم الذين يتوجه بهم العباد إلى الله عزوجل وإلى معرفته ومعرفة دينه ، والنظر إليهم في يوم القيامة ثواب عظيم يفوق على كل ثواب ، وقد قال الله عزوجل : « كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام » وقال عزوجل : « فأينما تولوا فثم وجه الله » (١) يعني فثم التوجه إلى الله ، ولا يجب أن تنكر من الاخبار ألفاظ القرآن (٢).

__________________

(١) مقصود المصنف بيان وقوع الوجه في القرآن لغير المعنى المتعارف فيحمل في كل موضع على ما يناسبه ففي قوله « ويبقى وجه ربك » يحمل على الذات وفى قوله « فثم وجه الله » على التوجه.

(٢) أي الألفاظ الواردة في القرآن وهي بالرفع أسند إليها ينكر على صيغة المجهول أي لا موجب لانكار الاخبار التي لا يجوز حملها على ظاهرها إذا كانت مطابقة أو موافقة لألفاظ القرآن بل يجب تأويلها وحملها على غير الظاهر كما نفعل هكذا في ألفاظ القرآن. فالوجه في هذا الخبر له تأويل والمراد بوجه الله أنبياؤه وحججه عليه‌السلام.

٣٣٤

باب

* ( ما يستحب من الدعاء في كل صباح ومساء ) *

٩٨٠ ـ روى عبد الكريم بن عتبة عن الصادق عليه‌السلام قال : « من قال عشر مرات قبل أن تطلع الشمس وقبل غروبها : « لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير ، وهو على كل شئ قدير » كانت كفارة لذنوبه في ذلك اليوم ».

٩٨١ ـ وروى عنه حفص بن البختري أنه قال : « كان نوح عليه‌السلام يقول إذا أصبح وأمسى : « اللهم إني أشهدك أنه ما أصبح وأمسى بي من نعمة وعافية في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد ، ولك الشكر بها علي حتى ترضى وبعد الرضا » يقولها إذا أصبح عشرا وإذا أمسى عشرا فسمي بذلك عبدا شكورا ، وإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول بعد صلاة الفجر : « اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين ، وغلبة الرجال ، وبوار الأيم والغفلة والذلة والقسوة والعيلة والمسكنة (١) ، وأعوذ بك من نفس لا تشبع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن عين لا تدمع ، ومن دعاء لا يسمع ، ومن صلاة لا تنفع ، وأعوذ بك

__________________

(١) الضلع ـ محركة ـ : الاعوجاج ، وبسكون اللام : الميل عن الحق فينبغي أن يقرء الدين بكسر الدال ، وقد جاء الضلع ـ بفتحتين ـ بمعنى الثقل فحينئذ الدين بفتح الدال ، والظاهر أن المراد بغلبة الرجال غالبية الأعادي منهم أو مغلوبية الرجال من النساء وهو اما باعتبار افتتانهم بهن لحسنهن أو لسحرهن ، وبوار الأيم ـ ككيس ـ يعنى كسادها والأيم من لا زوج لها بكرا كان أو ثيبا وهي مع لا يرغب فيها أحد ، والعيلة : الفقر والفاقة كالمسكنة.

٣٣٥

من امرأة تشيبني قبل أوان مشيبي (١) وأعوذ بك من ولد يكون علي رباء (٢) وأعوذ بك من مال يكون علي عذابا ، وأعوذ بك من صاحب خديعة إن رأى حسنة دفنها ، وإن رأى سيئة أفشاها ، اللهم لا تجعل لفاجر عندي يدا ولا منة » (٣).

٩٨٢ ـ وروى عدة من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : كان أبي عليه‌السلام يقول إذا صلى الغداة : « يا من هو أقرب إلي من حبل الوريد ، يا من يحول بين المرء وقلبه ، يا من هو بالمنظر الاعلى ، يا من ليس كمثله شئ وهو السميع العليم ، يا أجود من سئل ، ويا أوسع من أعطى ، ويا خير مدعو ، ويا أفضل مرجو (٤) ، ويا أسمع السامعين ، ويا أبصر الناظرين ، ويا خير الناصرين ، ويا أسرع الحاسبين ، ويا أرحم الراحمين ، ويا أحكم الحاكمين ، صل على محمد وآل محمد ، وأوسع علي في رزقي ، وامدد لي في عمري ، وانشر علي من رحمتك واجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري ، اللهم إنك تكفلت برزقي كل دابة فأوسع علي وعلى عيالي من رزقك الواسع الحلال ، واكفنا من الفقر » ثم يقول : مرحبا بالحافظين ، وحياكما الله من كاتبين اكتبا رحمكما الله أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأشهد أن الدين كما شرع (٥) وأن الاسلام كما وصف وأن الكتاب كما أنزل ، وأن القول كما حدث ، وأن الله هو الحق المبين ، اللهم بلغ محمدا وآل محمد أفضل التحية ، وأفضل السلام ، أصبحت وربي محمود ، أصبحت لا أشرك

__________________

(١) بأن تكون سليطة أو غير موافقة.

(٢) بفتح الراء قبل الموحدة المخففة وبالمد ـ كسماء ـ بمعنى الطول والمنة ، و الرباء : الفضل والمنة يقال لفلان على رباء أي منة وذلك بأن يكون الوالد فقير محتاجا إلى الولد ويبغى الولد على والده ، أو يكون عاقا مسلطا عليه.

(٣) قوله : « يدا » أي نعمة يجب عليه مكافاتها.

(٤) في جملة من النسخ « ويا أفضل مرتجى ».

(٥) « كما شرع » يجوز رجوع الضمير إلى الله عزوجل والى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لكن بقرينة « وأن الكتاب كما أنزل » راجع إليه تعالى.

٣٣٦

بالله شيئا ، ولا أدعو مع الله أحدا ، ولا أتخذ من دونه وليا ، أصبحت عبدا مملوكا لا أملك إلا ملكني ربي ، أصبحت لا أستطيع ان أسوق إلى نفسي خير ما أرجو ولا أصرف عنها شر ما احذر ، أصبحت مرتهنا بعملي ، وأصبحت فقيرا لا أجد أفقر مني ، بالله أصبح وبالله أمسي وبالله أحيا وبالله أموت وإلى الله النشور.

٩٨٢ ـ وروى عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « تقول إذا أصبحت وأمسيت : « أصبحنا والملك والحمد والعظمة والكبرياء والجبروت ، والحلم و العلم والجلال والجمال والكمال والبهاء [ والقدرة ] ، والتقديس والتعظيم والتسبيح والتكبير والتهليل والتحميد (١) والسماح والجود والكرم ، والمجد والمن ، و الخير والفضل والسعة ، الحول والسلطان والقوة والعزة والقدرة ، والفتق و الرتق ، والليل والنهار ، والظلمات والنور ، والدنيا والآخرة والخلق جميعا و الامر كله وما سميت وما لم أسم ، وما علمت وما لم أعلم ، وما كان وما هو كائن لله رب العالمين ، الحمد لله الذي أذهب بالليل وجاء بالنهار وأنا في نعمة منه وعافية وفضل عظيم ، الحمد لله الذي له ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم [ و ] الحمد لله الذي يولج الليل في النهار ، ويولج النهار في الليل ، ويخرج الحي من الميت ، ويخرج الميت من الحي وهو عليم بذات الصدور ، اللهم بك نمسي وبك نصبح وبك نحيا وبك نموت وإليك نصير ، وأعوذ بك من أن أذل أو أذل ، أو أضل أو أضل ، أو أظلم أو أظلم ، أو أجهل أو يجهل علي ، يا مصرف القلوب ثبت قلبي على طاعتك وطاعة رسولك ، اللهم لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ثم تقول : « اللهم إن الليل والنهار خلقان من خلقك (٢) فلا تبتليني فيهما بجرأة على معاصيك ، ولا ركوب لمحارمك ، وارزقني فيهما عملا متقبلا وسعيا مشكورا ، وتجارة لن تبور » (٣).

__________________

(١) في بعض النسخ والتمجيد.

(٢) في بعض النسخ « خلفان » وقال السيد الداماد ـ رحمه‌الله ـ : بكسر الخاء المعجمة واسكان اللام قبل الفاء أي متعاقبان مترددان على التعاقب يذهب أحدهما ويجيئ الاخر. و حينئذ يكون معنى « من خلقك » من تقديرك.

(٣) البور : الهلاك وكساد السوق.

٣٣٧

٩٨٣ ـ وروي عن مسمع كردين أنه قال : صليت مع أبي عبد الله عليه‌السلام أربعين صباحا فكان إذا انفتل رفع يديه إلى السماء وقال : « أصبحنا وأصبح الملك لله ، اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك ، اللهم احفظنا من حيث نحتفظ ومن حيث لا نحتفظ ، اللهم احرسنا من حيث نحترس ومن حيث لا نحترس ، اللهم استرنا من حيث نستتر ومن حيث لا نستتر ، اللهم استرنا بالغنى والعافية ، اللهم ارزقنا العافية ودوام العافية و ارزقنا الشكر على العافية ».

باب

* ( أحكام السهو في الصلاة ) *

٩٨٤ ـ روى إسماعيل بن مسلم (١) عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه رجل فقال : يا رسول الله إليك أشكو ما ألقى من الوسوسة في صلاتي حتى لا أعقل ما صليت من زيادة أو نقصان ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا دخلت في صلاتك فأطعن فخذك الأيسر بإصبعك اليمنى المسبحة ، ثم قل : « بسم الله وبالله توكلت على الله أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم » فإنك تنحره و تزجره وتطرده عنك » (٢).

٩٨٥ ـ وروي عن عمر بن يزيد أنه قال : « شكوت إلى أبى عبد الله عليه‌السلام السهو في المغرب فقال : صلها بقل هو الله أحد ، وقل يا أيها الكافرون ، ففعلت [ ذلك ] فذهب عني » (٣).

٩٨٦ ـ وروى أبو حمزة الثمالي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « أتى النبي

__________________

(١) هو السكوني وفى الطريق إليه من لم يوثق.

(٢) نحره ـ كمنعه ـ : دفعه وزجره أي منعه ونهاء ، والطرد الابعاد.

(٣) المراد قراءة التوحيد في الأولى والكافرين في الثانية. فحيث أن القراءة في الثالثة التسبيحات الأربعة فيعينه هذا الترتيب على عدم الشك والظاهر أن المراد بالسهو هنا الشك.

٣٣٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله رجل فقال : يا رسول الله لقيت من وسوسة صدري شدة وأنا رجل معيل مدين محوج ، فقال له : كرر هذه الكلمات » توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا « قال : فلم يلبث الرجل أن عاد إليه فقال : يا رسول الله أذهب الله عني وسوسة صدري وقضى ديني ووسع رزقي ».

٩٨٧ ـ وفي رواية عبد الله بن المغيرة أنه قال : « لا بأس أن يعد الرجل صلاته بخاتمه أو بحصا يأخذ بيده فيعد به ».

٩٨٨ ـ وقال الرضا عليه‌السلام : « إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض على صلاتك ولا تعد ».

٩٨٩ ـ وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا كثر عليك السهو فدعه فإنه يوشك أن يدعك ، إنما هو من الشيطان » (١).

٩٩٠ ـ وفي رواية ابن أبي عمير ، عن محمد بن أبي حمزة « أن الصادق عليه‌السلام قال : إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث (٢) فهو ممن كثير عليه السهو ».

٩٩١ وروى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « لا تعاد الصلاة إلا من خمسة (٣) الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود ، ثم قال : القراءة سنة والتشهد

__________________

(١) لأنه إذا رأى أنه لا يؤثر يترك. ( مراد )

(٢) لعل التعميم فيما يسهى عنه أي سواء كانت تلك الثلاث من الركعات أو الصلوات أو مما فيهما بشرط توالى الصلوات. ( مراد )

(٣) أي من الاخلال بها سواء كان عمدا أو سهوا أما من الطهارة فظاهر ، وأما من الوقت فللاتيان بها قبل دخول وقتها بحيث لا يقع شئ منها في وقتها ، وأما الاتيان بها بعد الوقت كما إذا أخل بها في الوقت ظانا بقاءه فأتى بها بعد الوقت فان قلنا بصحتها فلان ذلك وقتها المعين له شرعا غايته كان عليه أن ينوى القضاء ولم ينو بل نواها أداء ، وذلك لا يوجب وقوعها في غير وقتها ، وأما القلة ، فالاخلال بها إنما هو في الاستدبار وهو يوجب الإعادة ، وما وقع بين المشرق والمغرب فليس خارجا عن القبلة ، وما وقع على نفس المشرق والمغرب فقد يوجب الإعادة ، ولا ينتقض الحصر بالنسبة إلى النية وتكبيرة الاحرام لان الأولى لازمة الثانية وهي لا تنسى على ما وقع في الخبر ، أو يقال : إن القصر إضافي بالنسبة إلى التشهد والقراءة. ( مراد )

٣٣٩

سنة ولا تنقض السنة الفريضة » (١).

والأصل في السهو أن من سها في الركعتين الأولتين (٢) من كل صلاة فعليه الإعادة ومن شك في المغرب فعليه الإعادة ، ومن شك في الغداة فعليه الإعادة ، ومن شك في الجمعة فعليه الإعادة ، ومن شك في الثانية والثالثة أو في الثالثة والرابعة أخذ بالأكثر ، فإذا سلم أتم ما ظن أنه قد نقص.

٩٩٢ ـ وقال أبو عبد الله عليه‌السلام لعمار بن موسى يا عمار « أجمع لك السهو كله في كلمتين متى [ ما ] شككت فخذ بالأكثر فإذا سلمت فأتم ما ظننت أنك قد نقصت » (٣).

٩٩٣ ـ ومعنى الخبر الذي روي « أن الفقيه لا يعيد الصلاة » (٤) إنما هو في الثلاث

__________________

(١) يعنى ما ثبت بالسنة لا يرفع حكم ما ثبت بالكتاب فإذا ركع وسجد لا ترتفع صحتها بالاخلال بالقراءة والتشهد بخلاف العكس سهوا ، وأما قوله عزوجل « فاقرأوا ما تيسر من القرآن » فليس نصا في وجوبها في الصلاة فلا يكون القراءة فريضة ولو سلم فالمستفاد منه وجوب ما يصدق عليه القراءة والاخلال بها بنسيان الفاتحة والسورة وأبعاضها في جميع الركعات مما لا يكاد أن يمكن وهذا الحكم اما لبيان الحكمة في خصوص المادة أو لبيان أن الأصل ذلك فلا يخالف الا لدليل ( مراد ) أقول : الاستدلال على وجوب القراءة بالآية غير سديد لان مقتضى الخبر أن القراءة من السنة لا من القرآن والظاهر أن الآية نزلت في القراءة في الليل مطلقا ، أو في صلاة الليل كما يفهم من صدر الآية وذيلها فتأمل.

(٢) الظاهر أن المراد الشك في عدد الأوليين لا كل سهو وقع فيهما فإنه لو كان السهو فيهما عن غير الركن أو عن الركن ويمكن استدراكه في محله فليس عليه إعادة الصلاة. ( سلطان )

(٣) « أجمع لك السهو » أي أبين لك حكمه. ولعل المراد به الشك الواقع في الرباعية بعد تحقق الركعتين بكمالهما من غير أن يتجاوز الأربع إذ لو تجاوزها كما إذا تعلق بالخامسة وما زاد لم يمكن البناء على الأكثر ، وقوله « فإذا سلمت فأتم ـ الخ » يدل على فورية الاتيان بالنقصان. ( مراد )

(٤) في التهذيب ج ١ ص ٢٣٦ مسندا عن حمزة بن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : ما أعاد الصلاة فقيه ، يحتال لها ويدبرها حتى لا يعيدها ». وفى ص ١٩٠ في حديث « لا يعيد الصلاة فقيه ».

٣٤٠