كتاب من لا يحضره الفقيه - ج ١

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

كتاب من لا يحضره الفقيه - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: علي اكبر الغفّاري
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٩

٣٠ ـ وسأل يعقوب بن عثيم (١) أبا عبد الله عليه‌السلام فقال له : « بئر ماء في مائها ريح يخرج منها قطع جلود؟ فقال : ليس بشئ لان الوزغ ربما طرح جلده ، إنما يكفيك من ذلك دلو واحد ».

٣١ ـ وسأل جابر بن يزيد الجعفي (٢) أبا جعفر عليه‌السلام « عن السام أبرص (٣) يقع في البئر ، فقال : ليس بشئ حرك الماء بالدلو ».

٣٢ ـ وسأله يعقوب بن عثيم « عن سام أبرص وجدناه في البئر قد تفسخ فقال : إنما عليك أن تنزح منها سبعة دلاء ، فقال له : فثيابنا قد صلينا فيها نغسلها ونعيد الصلاة؟ قال : لا ».

والعظاية (٤) إذا وقعت في اللبن حرم اللبن ويقال : إن فيها السم.

وإن وقعت شاة وما أشبهها في بئر ينزح منها تسعة دلاء إلى عشرة دلاء.

٣٣ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « كانت في المدنية بئر في وسط مزبلة فكانت الريح تهب فتلقي فيها القذر ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوضأ منها ».

٣٤ ـ وسأل محمد بن مسلم (٥) أبا جعفر عليه‌السلام « عن البئر تقع فيها الميتة فقال : إن كان لها ريح نزح منها عشرون دلوا » (٦).

__________________

(١) الطريق إلى يعقوب بن عثيم صحيح ( صه ).

(٢) الطريق إلى جابر بن يزيد ضعيف ( صه ).

(٣) السام أبرص : كبار الوزغ ، هما اسمان جعلا اسما واحدا ويقع على الذكر الأنثى ويعرف بأبي أبرص.

(٤) العظاية : دويبة ملساء أصغر من الحرذون ، تمشى مشيا سريعا ثم تقف ، تشبه سام أبرص.

(٥) الطريق إلى محمد بن مسلم فيه علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه أحمد وهما غير مذكورين ( صه ).

(٦) يحتمل أن يكون المراد ما لا نفس له فالنزح لأجل الريح لا النجاسة.

٢١

٣٥ ـ وسأل كردويه الهمداني (١) أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام « عن بئر يدخلها ماء الطريق فيه البول والعذرة وأبوال الدواب وأرواثها وخرء الكلاب فقال : ينزح منها ثلاثون دلوا وإن كانت مبخرة » (٢).

ولا يجوز (٣) أن يبول الرجل في ماء راكد ، فأما الماء الجاري فلا بأس أن يبول فيه ولكن يتخوف عليه من الشيطان (٤).

وقد روي « أن البول في الماء الراكد يورث النسيان » (٥).

باب

* ( ارتياد المكان للحدث والسنة في دخوله والآداب ) *

* ( فيه إلى الخروج منه ) *

٣٦ ـ قال الصادق عليه‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أشد الناس توقيا للبول حتى أنه كان إذا أراد البول عمد (٦) إلى مكان مرتفع من الأرض أو مكان يكون فيه التراب الكثير كراهية أن ينضح عليه البول ».

__________________

(١) الطريق إلى كردويه الهمداني صحيح ( صه ) وهو مجهول الحال.

(٢) أي البئر التي يشم منها الرائحة الكريهة ، يعنى المنتنة.

(٣) الظاهر مراده الكراهة بقرينة ما يأتي من التعليل.

(٤) روى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ١٠٠ باسناد له فيه ارساله عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال : « قلت له : يبول الرجل في الماء قال : نعم ولكن يتخوف عليه من الشيطان » أي يمكن أن يعتاد ذلك فيسول ذلك الشيطان في نظره حتى يحرضه على البول في الماء الراكد.

(٥) روى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٩ و ١٣ باسناده عن الفضيل عن الصادق (ع) قال : « لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري وكره أن يبول في الماء الراكد ».

(٦) قوله : « عمد » أي قصد.

٢٢

٣٧ ـ وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أراد دخول المتوضأ (١) قال : « اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم (٢) ، اللهم أمت عني الأذى وأعذني من الشيطان الرجيم ». وإذا استوى جالسا للوضوء (٣) قال : « اللهم أذهب عني القذى والأذى (٤) واجعلني من المتطهرين » وإذا تزحر (٥) قال : « اللهم كما أطعمتنيه طيبا في عافية فأخرجه مني خبيثا في عافية ».

٣٨ ـ وكان علي عليه‌السلام (٦) يقول : ما من عبد إلا وبه ملك موكل يلوي (٧) عنقه حتى ينظر إلى حدثه ، ثم يقول له الملك : يا ابن آدم هذا رزقك فانظر من أين أخذته وإلى ما صار ، فينبغي للعبد عند ذلك أن يقول : « اللهم ارزقني الحلال وجنبني الحرام ».

ولم ير للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قط نجو (٨) لان الله تبارك وتعالى وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه.

٣٩ ـ « وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا أراد الحاجة (٩) وقف على باب المذهب (١٠)

__________________

(١) المراد بالمتوضأ الكنيف.

(٢) الرجس : النجس والقذر ، وقد يعبر به عن الحرام والفعل القبيح ، والعذاب واللعنة والكفر والمراد منه ـ في الحديث ـ الأول. قال الفراء : إذا بدؤا بالنجس ولم يذكروا الرجس فتحوا النون والجيم ، وإذا بدؤا بالرجس ثم أتبعوه النجس كسروا الجيم والخبيث ذو الخبث في نفسه ، والمخبث الذي أعوانه خبثاء. ( النهاية )

(٣) أراد بالوضوء قضاء الحاجة كما هو الظاهر بقرينة المقام.

(٤) أراد بالقذى النجاسات وبالأذى لوازمها.

(٥) التزحر ـ بالزاي والحاء المهملة المشددة ـ : التنفس بأنين وشدة ، وقيل : استطلاق البطن بشدة.

(٦) في بعض النسخ « وكان عليه‌السلام » فالضمير راجع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٧) من باب التفعيل أي ثناه وعطفه وعاجه ، والمجرد منه بمعناه.

(٨) النجو ما يخرج من البطن من ريح أو غائط.

(٩) المراد قضاء الحاجة.

(١٠) يعنى بين الخلاء.

٢٣

ثم التفت عن يمينه وعن يساره إلى ملكيه فيقول : أميطا عني (١) فلكما الله علي أن لا أحدث (٢) بلساني شيئا حتى أخرج إليكما ».

٤٠ ـ وكان عليه‌السلام إذا دخل الخلاء يقول « الحمد لله الحافظ المؤدي » فإذا خرج مسح بطنه وقال : « الحمد لله الذي أخرج عني أذاه وأبقى في قوته ، فيالها من نعمة لا يقدر القادرون قدرها ».

٤١ ـ « وكان الصادق عليه‌السلام إذا دخل الخلاء يقنع رأسه ويقول في نفسه : » بسم الله وبالله ولا إله إلا الله ، رب أخرج عني الأذى سرحا (٣) بغير حساب ، واجعلني لك من الشاكرين فيما تصرفه عني من الأذى والغم الذي لو حبسته عني هلكت لك الحمد أعصمني من شر ما في هذه البقعة ، وأخرجني منها سالما ، وحل بيني وبين طاعة الشيطان الرجيم.

وينبغي للرجل إذا دخل الخلاء أن يغطي رأسه (٤) إقرارا بأنه غير مبرء نفسه من العيوب ، ويدخل رجله اليسرى قبل اليمنى فرقا بين دخول الخلاء ودخول المسجد ، ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، لان الشيطان أكثر ما يهم بالانسان إذا كان وحده ، وإذا خرج من الخلاء أخرج رجله اليمنى قبل اليسرى (٥).

__________________

(١) أي اذهبا عنى وابعدا عنى واتركاني ونفسي.

(٢) في نسخة « انى لا أحدث ».

(٣) أي بلا انقباض وعسر ، متلبسا بان لا تحاسبي على هذه النعمة الجليلة.

(٤) قال في الحدائق : لم أقف فيه على خصوص خبر سوى اخبار التقنع ، ومن الظاهر مغايرته له ، نعم قال المفيد (ره) : « وليغط رأسه إن كان مكشوفا ليأمن بذلك من عبث الشيطان ومن وصول الرائحة الخبيثة إلى دماغه ، وهو سنة من سنن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، و فيه اظهار الحياء من الله لكثرة نعمه على العبد وقلة الشكر منه » وفيه دلالة على ورود النص به وليس ببعيد كون المراد به التقنع لمناسبة التعليل الأخير له دون مجرد التغطية.

(٥) الظاهر أنه في خبر وان لم نعثر عليه لان الصدوق (ره) لا يذكر شيئا من ذلك الا عن نص بلغه فيه ولذا تبعه الأصحاب ، وقد اختص بعضهم هذا الحكم بالبنيان نظرا إلى مسمى الدخول والخروج وخالفه العلامة رحمه‌الله وصرح بان الأقرب عدم الاختصاص على ما في الحدائق.

٢٤

٤٢ ـ ووجدت بخط سعد بن عبد الله حديثا أسنده إلى الصادق عليه‌السلام أنه قال :  من كثر عليه السهو في الصلاة فليقل إذا دخل الخلاء : « بسم الله وبالله أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم ».

٤٣ ـ وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : « إذا انكشف أحدكم لبول أو لغير ذلك فليقل : » بسم الله « فإن الشيطان يغض بصره عنه حتى يفرغ ».

٤٤ ـ وقال رجل لعلي بن الحسين عليهما‌السلام : « أين يتوضأ الغرباء؟ فقال : يتقون شطوط الأنهار ، والطرق النافذة (١) وتحت الأشجار المثمرة ، ومواضع اللعن ، فقيل له : وأين مواضع اللعن؟ قال : أبواب الدور » (٢).

٤٥ ـ وفي خبر آخر « لعن الله المتغوط في ظل النزل (٣) والمانع الماء المنتاب (٤) والساد الطريق المسلوك » (٥).

__________________

(١) شطوط الأنهار جوانبها ، أو مسارع المياه الواردة. وتقييد الطر بالنافذة احتراز عن المرفوعة فإنها ملك لأربابها فيحرم التخلي فيها قطعا ، أو المراد المسلوكة لا المتروكة.

(٢) يمكن أن يكون تعبيره عليه‌السلام للمثال ويكون الفظ على العموم في كل موضوع يتأذى به الناس ، ويسبون فاعله ، وإن كان السبب واللعن حراما.

(٣) أي محل ورود المسافرين.

(٤) أي الماء المشترك في نوبة الشريك. أو الماء المباح الذي يعتوره المارة على النوبة.

(٥) قال في الحدائق : ظاهر الأصحاب سيما المتأخرين الحكم بالكراهة في الجميع الا أن الشيخ المفيد في المقنعة عبر في في هذه المواضع بعدم الجواز ، وابن بابويه في الفقيه عبر بذلك في فيئ النزال وتحت الأشجار المثمرة. وقال شيخنا صاحب « الرياض »  ـ بعد نقل ذلك عنهما ـ ما لفظه « والجزم بالجواز مع ورود النهى والامر واللعن في البعض مع عدم المعارض سوى أصالة البراءة مشكل ـ ا ه ».

وهو جيد الا أنه كثيرا ما قد تكرر منهم عليهم‌السلام في المحافظة على الوظائف المسنونة من ضروب التأكيدات في الأوامر والنواهي ما يكاد يلحقها بالواجبات والمحرمات

٢٥

٤٦ ـ وفي خبر آخر « من سد طريقا بتر الله عمره » (١).

٤٧ ـ وسئل الحسن بن علي عليهما‌السلام « ما حد الغائط؟ قال : لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها (٢) ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها » (٣).

٤٨ ـ وفي خبر آخر « لا تستقبل الهلال ولا تستدبره ».

ومن استقبل القبلة في بول أو غائط ثم ذكر فتحرف عنها إجلالا للقبلة لم يقم

__________________

كما لا يخفى على من تتبع الاخبار وجاس خلال الديار ، على أن اللعن هو البعد من رحمة الله وهو كما يحصل بفعل المحرم يحصل بفعل المكروه ولو في الجملة. انتهى.

(١) البتر القطع يقال : بتره بترا من باب قتل : قطعه على غير تمام.

(٢) قال في المدارك : اختلف الأصحاب في تحريم الاستقبال والاستدبار للقبلة على المتخلي فذهب الشيخ وابن البراج وابن إدريس إلى تحريمهما في الصحارى والبنيان ، و قال ابن الجنيد : يستحب إذا أراد التغوط في الصحراء أن يتجنب استقبال القبلة ولم يتعرض للاستدبار ، ونقل عن سلار الكراهة في الصحارى أيضا أو التحريم.

وقال المفيد في المقنعة : ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ثم قال بعد ذلك : وإذا دخل الانسان دارا قد بنى فيها مقعدة للغائط على استقبال القلبة أو استدبارها لم يضره الجلوس عليه وإنما يكره ذلك في الصحارى والمواضع التي يتمكن فيها الانحراف عن القبلة.

وقال العلامة في المختلف بعد حكاية ذلك : وهذا يعطى الكراهة في الصحارى والإباحة في البنيان وهو غير واضح ـ الخ.

وفى الشرايع ويحرم استقبال القبلة واستدبارها ويستوى في ذلك الصحارى والأبنية.

أقول : مورد الخبر وإن كان هو الغائط دون البول لكن المراد منه المعنى اللغوي بالتقريب الذي ذكروه في دلالة قوله تعالى : « أو جاء أحد منكم من الغائط » وحينئذ التعميم ظاهر ، بل الظاهر أن المفسدة في استقبال الريح واستدبارها بالبول أشد فيندرج في باب مفهوم الموافقة على القول به كما في الحدائق.

(٣) ظاهر هذا الخبر وما يليه التحريم لكن المشهور بين الأصحاب الحكم بالكراهة.

٢٦

من موضعه حتى يغفر الله له (١).

٤٩ ـ « ودخل أبو جعفر الباقر عليه‌السلام الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فأخذها وغسلها (٢) ودفعها إلى مملوك كان معه فقال تكون معك لآكلها إذا خرجت فلما خرج عليه‌السلام قال للمملوك : أين اللقمة؟ قال أكلتها يا ابن رسول الله ، فقال : إنها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة ، فاذهب فأنت حر ، فإني أكره أن استخدم رجلا من أهل الجنة » (٣).

٥٠ ـ « ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يطمح الرجل ببوله في الهواء من السطح أو من الشئ المرتفع » (٤).

٥١ ـ وقال عليه‌السلام : « البول قائما من غير علة من الجفاء ، والاستنجاء باليمين من الجفاء » (٥).

٥٢ ـ وقد روي « أنه لا بأس إذا كان اليسار معتلة ».

٥٣ ـ وسأل هشام بن سالم أبا عبد الله عليه‌السلام فقال له : أغتسل من الجنابة وغير ذلك في الكنيف الذي يبال فيه وعلي نعل سندية فأغتسل وعلي النعل كما هي؟ فقال : إن كان الماء الذي يسيل من جسدك يصيب أسفل قدميك فلا تغسل [ أسفل ] قدميك (٦).

وكذلك إذا اغتسل الرجل في حفرة وجرى الماء تحت رجليه لم يغسلهما ، وإن

__________________

(١) كما في رواية محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في التهذيب ج ١ ص ١٠٠.

(٢) يحتمل كون القذر هنا بمعنى الوسخ والغسل لرفع الكراهة.

(٣) استدل بتأخيره (ع) على كراهة الاكل وكذا الشرب الحاقا بالاكل في بيت الخلاء ومن المحتمل أن يكون التأخير من جهة أخرى وهي الركاكة العرفية.

(٤) طمح ببوله إذا رماه في الهواء ، والخبر مروى في الكافي ج ٣ ص ١٥.

(٥) أي ظلم وخلاف للمروءة وبعد عن المقام الانسانية.

(٦) رواه الكليني في الكافي ج ٣ ص ٤٥.

٢٧

كانت رجلاه مستنقعتين في الماء غسلهما (١).

٥٤ ـ وسئل الصادق عليه‌السلام : « عن الرجل إذا أراد أن يستنجي كيف يقعد؟ قال : كما يقعد للغائط ».

٥٥ ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « إذا بال الرجل فلا يمس ذكره بيمينه ».

٥٦ ـ وقال عليه‌السلام : « طول الجلوس على الخلاء يورث الباسور » (٢).

٥٧ ـ وسأل عمر بن يزيد أبا عبد الله عليه‌السلام « عن التسبيح في المخرج (٣) وقراءة القرآن فقال : لم يرخص في الكنيف أكثر من آية الكرسي ويحمد الله (٤) أو آية الحمد لله رب العالمين ».

ومن سمع الاذان فليقل كما يقول المؤذن ولا يمتنع من الدعاء والتحميد من أجل أنه على الخلاء فإن ذكر الله تعالى حسن على كل حال.

٥٨ ـ ولما ناجى الله موسى بن عمران [ على نبينا و ] عليه‌السلام قال موسى : يا رب أبعيد أنت مني فأناديك؟ أم قريب فأناجيك (٥)؟ فأوحى الله جل جلاله إليه : أنا

__________________

(١) ورد بمضمونه خبر في الكافي ج ٣ ص ٤٤. واستنقع في الماء أي مكن فيه ، وفى الغدير نزل واغتسل ، وقال العلامة المجلسي في المرآة : ظاهره أنه إن كان رجلاه في الطين المانع من وصول الماء إليها يجب غسلهما وان لم يكن كذلك بل يسيل الماء الذي يجرى على بدنه على رجليه فلا يجب الغسل بعد الغسل أو الغسل. أو المراد أنه إن كان يغتسل في الماء الجاري والماء يسيل على قدميه فلا يجب عليه وإن كان في الماء الواقف القليل فإنه يصير غسالة ولا يكفي لغسل الرجلين ، ولعله أظهر الوجوه.

(٢) الباسور : علة معروفة والجمع بواسير ، وفى بعض النسخ « الناسور » بالنون و هي قرحة لها غور يسيل منها القيح والصديد دائما وقلما يندمل وقد يحدث في ماق العين و قد يحدث في حوالي المقعد.

(٣) يعنى بيت الخلاء.

(٤) ينبغي أن يقرء منصوبا بتقدير « أن » ليكون عطفا على آية الكرسي ، يعنى يقرأ شيئا مشتملا على حمد الله سبحانه ( مراد ).

(٥) المقصود استعلام كيفية الدعاء من الجهر والاخفات. (م ت)

٢٨

جليس من ذكرني (١) فقال موسى عليه‌السلام : يا رب إني أكون في أحوال أجلك أن أذكرك فيها (٢) فقال : يا موسى اذكرني على كل حال.

ولا يجوز للرجل (٣) أن يدخل إلى الخلاء ومعه خاتم عليه اسم الله أو مصحف (٤) فيه القرآن ، فإن دخل وعليه خاتم عليه اسم الله فليحوله عن يده اليسرى إذا أراد الاستنجاء (٥) وكذلك إن كان عليه خاتم فصه من حجارة زمزم (٦) نزعه عند الاستنجاء فإذا فرغ الرجل من حاجته فليقل : « الحمد لله الذي أماط عني الأذى وهنأني طعامي [ وشرابي ] وعافاني من البلوى ».

والاستنجاء بثلاثة أحجار (٧) ، ثم بالماء (٨) فإن اقتصر على الماء أجزأه (٩).

__________________

(١) أي كالجليس في عدم الاحتياج إلى النداء بل يكفي المسارة. ( مراد )

(٢) أي أستحيي أن أذكرك في تلك الحال.

(٣) وكذا المرأة ، ومفهوم اللقب ليس بمعتبر.

(٤) أي صحيفة أو هو بمعناه المعروف وقال التفرشي : لعل ذكر قوله فيه القرآن للتنبيه على سبب المنع من ادخاله.

(٥) لرواية أبي بصير عن الصادق (ع) المروية في الكافي ج ٣ ص ٤٧٤.

(٦) حكى عن الشهيد ـ رحمه‌الله ـ أنه قال في الذكرى : « في نسخة الكافي ايراد هذه الرواية بلفظ » حجارة زمرد « فعلى هذا يكون هو المراد من زمزم ، وقال : سمعناه مذاكرة » لكن في التهذيب ج ١ ص ١٠١ وبعض نسخ الكافي ج ٣ ص ١٧ « حجارة زمزم ».

(٧) نقل الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى خبرا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم أجده من طريق الخاصة ولعله من طريق العامة. وفى سنن النسائي ج ١ ص ٤٢ وسنن البيهقي ج ١ ص ١٠٣ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فليستطب بها فإنها تجزى عنه ». فإنه يدل بمفهومه على عدم اجزاء ما دون الثلاثة.

(٨) يعنى الأكمل الجمع لان الكامل الماء ، وفى المعتبر أن الجمع بين الماء والأحجار مستحب. ويدل عليه ما روى مرفوعا عن الصادق (ع) أنه قال : « جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء » التهذيب ج ١ ص ١٣.

(٩) يدل على التخيير وذلك إذا لم يتعد المخرج. ولكن الماء أفضل ـ لما يأتي وإذا تعدى فتعين الماء بلا خلاف أجده.

٢٩

ولا يجوز الاستنجاء بالروث والعظم (١) ، لان وفد الجان جاؤوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : يا رسول الله : متعنا ، فأعطاهم الروث والعظم فلذلك لا ينبغي أن يستنجي بهما (٢).

٥٩ ـ وكان الناس يستنجون بالأحجار (٣) فأكل رجل من الأنصار طعاما فلان بطنه فاستنجى بالماء فأنزل الله تبارك وتعالى فيه « إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين » فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخشي الرجل أن يكون قد نزل فيه أمر يسوءه ، فلما دخل قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « هل عملت في يومك هذا شيئا؟ قال : نعم يا رسول الله أكلت طعاما فلان بطني فاستنجيت بالماء ، فقال له : أبشر ، فان الله تبارك وتعالى قد أنزل فيك » إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين « فكنت أنت أول التوابين وأول المتطهرين ». ويقال : إن هذا الرجل كان البراء بن معرور الأنصاري (٤).

__________________

(١) الروث : رجيع ذوات الحوافر واختصه بعضهم بما يكون من الخيل والبغال والحمير ويأتي الكلام في العظم وظاهر كلامه ـ رحمه‌الله ـ الحرمة كما ذهب إليه جمع من الأصحاب. وقيل بالكراهة لضعف المستند سندا ومتنا.

(٢) قوله : « فأعطاهم الروث والعظم » أي أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس بتركهما لهم ليتمتعوا بهما ، والمراد بالعظم : البالي منه كما جاء في سنن النسائي وغيره « كان يأمر بثلاثة أحجار ونهى عن الروث والرمة » والرمة بكسر الراء وشد الميم ـ : العظم البالي. و أما كون العظم والروث طعاما للجن كما في رواية نقلها الشيخ ففي طريقها مفضل بن صالح فلا عبرة بها لأنه ضعيف كذاب يضع الحديث.

(٣) أي كان عادتهم ذلك.

(٤) البراء بن معرور كان من النقباء الذين بايعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة العقبة ، وأجمع المؤرخون على أنه مات في المدينة في صفر قبل قدوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشهر ، فلما قدم انطلق بأصحابه فصلى على قبره.

وفى الكافي ج ٣ ص ٢٥٤ عن الصادق (ع) « كان البراء بن معرور بالمدينة وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة وانه حضره الموت ورسول الله والمسلمين يصلون إلى بيت المقدس ، فأوصى البراء إذا دفن أن يجعل وجه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى القبلة » وهذا صريح في أنه لم يدرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الهجرة ، والآية في سورة البقرة : ٢٢ ونزلت بالمدينة. وهذا لا يلائم كون الرجل البراء بن معرور لما عرفت. ولنا فيه كلام في الخصال ص ١٩٢ في نحو هذا الخبر.

٣٠

ومن أراد الاستنجاء فليمسح بإصبعه من عند المقعدة إلى الأنثيين ثلاث مرات ثم ينتر (١) ذكره ثلاث مرات ، فإذا صب الماء على يده للاستنجاء فليقل : « الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا » ويصب على إحليله من الماء مثلي ما عليه من البول ، يصبه مرتين هذا أدنى ما يجزي ، ثم يستنجي من الغائط (٢) ويغسل حتى ينقي ماثمة ، والمستنجي يصب الماء إذا انقطعت درة البول (٣).

ومن صلى فذكر بعد ما صلى أنه لم يغسل ذكره فعليه أن يغسل ذكره ويعيد الوضوء والصلاة ، ومن نسي أن يستنجي من الغائط (٤) حتى صلى لم يعد الصلاة ، و يجزي في الغائط الاستنجاء بالحجارة (٥) والخزف والمدر.

٦٠ ـ وقال الرضا عليه‌السلام : « في الاستنجاء يغسل ما ظهرعلى الشرج (٦) ولا يدخل فيه الأنملة ». ولا يجوز الكلام على الخلاء لنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك (٧).

٦١ ـ وروي « أن من تكلم على الخلاء لم تقض حاجته » (٨).

__________________

(١) النتر : جذب الشئ بشدة ، ومنه نتر الذكر في الاستبراء.

(٢) ظاهر الكلام مخالف لما روى الكليني في الكافي ج ٣ ص ١٧ باسناده عن عمار الساباطي ففيه « سئل الصادق (ع) إذا أراد الرجل أن يستنجى بالماء يبدء بالمقعدة أو بالإحليل؟ فقال : بالمقعدة ثم بالإحليل » وحمل الخبر على الاستحباب ، وعلل كلام الصدوق بان لا تنجس اليد بالغائط عند الاستبراء. وقدم الشيخ المفيد الاستنجاء من الغائط على الاستنجاء من البول في المقنعة.

(٣) الدرة ـ بالكسر والتشديد ـ : السيلان.

(٤) يدل على كلامه بعض الأخبار الصحيحة وفى كثير منها أنه لا يعيد الوضوء و يعيد الصلاة ، وفى كثير منها لا يعيدهما ، وفى صحيحة علي بن مهزيار يعيد الصلاة في الوقت لا في خارجه ، والذي يظهر من الاخبار باعتبار الجمع بينهما أن إعادة الوضوء على الاستحباب وكذا إعادة الصلاة خارج الوقت ، وفى الإعادة في الوقت نظر الأحوط الإعادة (م ت).

(٥) ولا يكتفى بذوات الجهات ولا خلاف فيه ، والخلاف في اجزاء أقل من الثلاث.

(٦) الشرح ـ بالشين المعجمة والجيم ـ : حلقة الدبر.

(٧) كما في رواية صفوان عن الرضا (ع) أنه قال : « نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجيب الرجل آخر وهو على الغائط ـ الحديث » التهذيب ج ١ ص ٨ وحمل الكراهة.

(٨) رواه المصنف مسندا في العلل ص ١٠٤ والعيون ص ١٥١.

٣١

٦٢ ـ وإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لبعض نسائه : « مري النساء المؤمنات أن يستنجين بالماء ويبالغن فإنه مطهرة للحواشي ومذهبة للبواسير ».

ولا يجوز التغوط في فيئ النزال وتحت الأشجار المثمرة ، والعلة في ذلك :

٦٣ ـ ما قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : « إن لله تبارك وتعالى ملائكة وكلهم بنبات الأرض من الشجر والنخل فليس من شجرة لا نخلة إلا ومعها من الله عزوجل ملك يحفظها وما كان منها ، ولولا أن معها من يمنعها لأكلتها السباع وهو أم الأرض إذا كان فيها ثمرتها ».

٦٤ ـ وإنما « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يضرب أحد من المسلمين خلاءه تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت لمكان الملائكة الموكلين بها (١) ، قال : ولذلك يكون الشجر والنخل أنسا (٢) إذا كان فيه حمله لان الملائكة تحضره » (٣).

ومن لا ينقطع بوله ويغلبه فالله (٤) أولى بالعذر فليتق علته ما استطاع وليتخذ خريطة (٥).

ومن بال ولم يتغوط فليس عليه الاستنجاء وإنما عليه غسل ذكره ، ومن تغوط ولم يبل فليس عليه أن يغسل ذكره وإنما عليه أن يستنجي.

ومن توضأ ثم خرجت منه ريح فليس عليه الاستنجاء وإنما عليه إعادة الوضوء (٦).

__________________

(١) فيه اشعار باختصاص الكراهة بوقت الأثمار وصرح بعضهم بتعميمها إذا كان الشجر قابلا لا ثمار ( مراد ).

(٢) قوله : « أنسا » ـ بالفتح ـ وهي ما يأنس به الانسان ، وفى الصحاح الانس ـ بفتح الهمزة والنون ـ خلاف الوحشة ، وهو مصدر قولك أنست به ـ بالكسر ـ أنسا وأنسة. ( المراد )

(٣) هذا الشرط يشعر بأن حضور الملائكة مخصوص بحال وجود الثمرة فيشعر بأن كراهة التغوط تحته مخصوص بهذه الحالة والمشهور عمومه ( سلطان ).

(٤) في بعض النسخ « فان الله »

(٥) الخريطة : من أدم وغيره يشد على ما فيه.

(٦) لان الاستنجاء باعتباره خروج النجاسة لا باعتبار الحدث كما ظنه بعض العامة (م ت).

٣٢

٦٥ ـ وروي « أن أبا الحسن الرضا عليه‌السلام كان يستيقظ من نومه فيتوضأ ولا يستنجي ، وقال كالمتعجب من رجل سماه : بلغني أنه إذا خرجت منه ريح استنجى ».

باب

* ( أقسام الصلاة ) * (١)

٦٦ ـ قال الصادق عليه‌السلام : « الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور وثلث ركوع ، وثلث سجود » (٢).

باب

* ( وقت وجوب الطهور ) *

٦٧ ـ قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة (٣) ولا صلاة إلا بطهور ».

باب

* ( افتتاح الصلاة وتحريمها وتحليلها ) *

٦٨ ـ قال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : « افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ».

__________________

(١) لا يخفى أن المناسب أن يقول : الطهور قسم من الصلاة. ( مراد )

(٢) أي العمدة في أجزائها هذه الاجزاء الثلاثة لا أن ليس بها جزء آخر ، أما الطهارة فلامتناع تحقق الصلاة بدونها ، وأما الركوع والسجود فلأنهما جزءان بهما يتميز الصلاة في الحس عن غيرها بخلاف باقي الاجزاء وان كانت أركانا. ( مراد )

(٣) قوله (ع) « وجب الطهور » أي استعماله في الطهارة وتطهير الأعضاء به ، وظاهر هذا الحديث يفيد كون الطهارة مطلقا واجبا لغيره. ( مراد )

٣٣

باب

* ( فرائض الصلاة ) *

فرائض الصلاة سبعة : الوقت ، والطهور ، والتوجه ، والقبلة ، والركوع ، والسجود ، والدعاء (١).

باب

* ( مقدار الماء للوضوء والغسل ) *

٦٩ ـ قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : « للغسل صاع من ماء ، وللوضوء مد من ماء ، وصاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة أمداد ، والمد وزن مائتين وثمانين درهما ، والدرهم ستة دوانيق ، والدانق وزن ست حبات ، والحبة وزن حبتين من شعير من أوساط الحب ، لا من صغاره ولا من كباره » (٢).

٧٠ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الوضوء مد والغسل صاع (٣) ، وسيأتي أقوام

__________________

(١) قوله التوجه الظاهر أن المراد به النية لأنه توجه قلبي ، فيدل على التكبير التزاما ، لأنها لا تعتبر الا إذا كانت مقارنة له ، ويمكن أن يراد به التكبير ، إذ به يتوجه إلى الصلاة فيفهم النية بالالتزام إذ لا يعتبر شئ من اجزاء الصلاة الا بالنية ، ويمكن تعميم الدعاء بحيث يشمل القراءة والتشهد والتسليم إذ لا يخلو شئ منها من الدعاء والمراد بالوقت معرفته ( المراد ).

(٢) الوضوء بفتح الواو والغسل بكسر الغين أي ماء الوضوء وماء الغسل. ولو قرء بالضم لم يكن بد من تقدير المضاف أي ماء الوضوء وماء الغسل ( مراد ).

(٣) فيصير مقدار الصاع مائة ألف وثمانمائة شعيرة ، وعلى المشهور الصاع أربعة أمداد وكل مد رطلان وربع رطل عراقي وكل رطل مائة وستون درهما وكل درهم ثمانية وأربعون شعيرا ، فيكون مقدار المد أربعة عشر ألفا وأربعين شعيرا متوسطا ، فمقدار الصاع على المشهور ستة وخمسون ألفا ومائة وستون شعيرا ( سلطان ). وفيه وهم فتأمل.

٣٤

بعدي يستقلون ذلك (١) فأولئك على خلاف سنتي ، والثابت على سنتي معي في حظيرة القدس ».

٧١ ـ وسئل أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : « عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة ولم يقدر على الماء فوجد ماء بقد ما يتوضأ به بمائة درهم ، هل يجب عليه أن يشتريه ويتوضأ به ، أو يتيمم؟ فقال : بل يشتري ، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت وتوضأت وما يسوءني بذلك مال كثير » (٢).

٧٢ ـ وقال أبوجعفر عليه‌السلام : «اغتسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هوزوجته من خمسة أمداد من اناء واحد ، فقال له زارة : كيف صنع؟ فقال : بدأ هو فضرب يده في الماء قبلها فأنقى فرجه ، ثم ضربت هي فأنقت فرجها ، ثم أفاض هو أفاضت هي على نفسها حتى فرغا ، وكان الذي اغتسل به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أمداد والذي اغتسلت به مدين (٣) وإنما أجزأ عنهما لأنهما اشتركا فيه جميعا ، ومن انفرد بالغسل وحده فلابد له من صاع » (٤).

__________________

(١) استقله : عده قليلا. أي يعدون الصاع للغسل والمد للوضوء قليلا.

(٢) قوله : « ما يسوءني ـ الخ » لفظه « ما » نافية أي ما يسوءني بذلك الشراء اعطاء مال كثير وهو الثمن ، ويمكن أن يكون « ما » استفهامية أي أي شئ يسوءني بذلك الشراء ، فمال كثير خبر مبتدأ محذوف أي الذي اشتريته مال كثير ، وفى بعض النسخ « وما يشترى بذلك » فما موصولة أي الذي يشترى بذلك وهو ماء الوضوء مال كثير وبمنزلته لكثرة نفعه. وفى بعضها « ما يسرني » ببذل ذلك الثمن مال كثير شريته ، أو الذي يسرني بذلك الشراء شراء مال كثير ( مراد ) وقال سلطان العلماء : « يحتمل كون » ما « نافية أي لا يسرني عوض هذا الوضوء مال كثير ويحتمل كونها موصولة والمعنى مثل نسخة » ما يشترى.

(٣) لعل وجهه أن كل واحد من الشريكين يضيق في الماء على نفسه ليوسع على الاخر ، ولأنه قد يضيع بعض الماء في الاغتسال فعند الاجتماع بنقص عن الجميع بخلاف الانفراد ، و لان في الاجتماع بركة ليست في الانفراد ( مراد ).

(٤) هذا من تتمة الحديث ولعله قصد (ع) به الجمع بين مضمون الحديث السابق وبيان ما ذكر ، ويمكن أن يقال : بناء هذا الكلام على أن الماء الذي اغتسل منه ينبغي أن يكون

٣٥

ولابد للوضوء من ثلاثة أكف [ ملاء ] من ماء : كف للوجه ، وكفان للذراعين فمن لم يقدر إلا على مقدار كف واحد فرقه ثلاث فرق.

٧٣ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « إن الرجل ليعبد الله أربعين سنة وما يطيعه في الوضوء ، لأنه يغسل ما أمر الله عزوجل بمسحه ».

باب

* ( صفة وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ) *

٧٤ ـ قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : ألا أحكي لكم وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقيل له : بلى ، فدعا بقعب (١) فيه شئ من ماء فوضعه بين يديه ، ثم حسر عن ذراعيه ، ثم غمس فيه كفه اليمنى ، ثم قال : هذا إذا كانت الكف طاهرة (٢) ، ثم غرف ملأها ماء ، ثم وضعه على جبهته (٣) وقال : « بسم الله » وسيله على أطراف لحيته ، ثم أمر يده على وجهه وظاهر جبينيه (٤) مرة واحدة ، ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ، ثم وضعه على مرفقه اليمنى فأمر كفه على ساعده حتى جرى

__________________

صاعا وان لم يكن المستعمل منه بقدر الصاع وذلك لعدم انفعال هذا القدر انفعالا كثيرا عن ضرب اليد فيه والاغتراف منه ، سواء كان المغترف واحدا أو متعددا ، بخلاف ما كان أقل منه ، نظيره الكر بالنسبة إلى النجاسة ، وعلى هذا لا حاجة في توجيه ما يقال هنا : « ان المدين لا يكاد يبلغه الوضوء » إلى أن يقال بدخول ماء الاستنجاء فيه ، وكذا الغسل لكن هذا خلاف المشهور والمشهور أن المستعمل ينبغي أن يكون ذلك المقدار وهو الظاهر وحينئذ يكون مفاد الحديث أن ذلك مختص بحالة الانفراد ، والله أعلم ( سلطان ).

(١) القعب : قدح من خشب. والحسر : الكشف.

(٢) يحتمل أن يكون هذا لتنجس الماء القليل بملاقات النجاسة ، أو لوجوب طهارة أعضاء الوضوء ، فلا يمكن الاستدلال به على أحد المطلبين. ( سلطان ).

(٣) في بعض النسخ « على جبينه » وفى الكافي ج ٣ ص ٢٥ « وسدله » مكان « وسيله ».

(٤) في بعض النسخ « ظاهر جبهته » وفى بعضها « ظاهر جبينه » كما في الكافي.

٣٦

الماء على أطراف أصابعه ، ثم غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه الأيسر فأمر كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ، ومسح على مقدم رأسه وظهر قدميه ببلة بقية مائة (١).

٧٥ ـ وروي « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله توضأ ، ثم مسح على نعليه (٢) فقال له المغيرة : أنسيت يا رسول الله؟ قال : بل أنت نسيت (٣) هكذا أمرني ربي » (٤).

__________________

(١) كذا في جميع النسخ ولكن في طبع النجف والكافي « ببلة يساره وبقية بلة يمناه » وقال العلامة المجلسي ـ رحمه‌الله ـ : حمل هذا الكلام على اللف والنشر المرتب يقتضى مسحه (ع) رأسه بيساره وهو في غاية البعد ، وحمله على المشوش أيضا بعيد. وذكر البقية في اليمنى دون اليسرى لا يساعده ، فالأظهر أن يكون قوله : « ببلة يساره » مع ما عطف عليه من متعلقات مسح القدمين فقط ، وعود القيد إلى كلا المتعاطفين غير لازم كما في قوله تعالى : « فوهبنا له اسحق ويعقوب نافلة » فان النافلة ولد الولد. وحينئذ في ادراج لفظ البقية اشعار بأنه (ع) مسح رأسه بيمناه ( المرآة ).

(٢) يمكن أن يكون الممسوح محذوفا أي مسح قدميه حال كونه (ع) على نعليه ، فلا ينافي استيعاب المسح لظاهر القدم طويلا ، ولعل النعل لم يكن له شسع يمنع ذلك فيكون اعتراض المغيرة لتوهمه أن ما فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقع سهوا ، وعبر عن خطأ المغيرة بالنسيان للمشاكلة ( مراد ) وقال سلطان العلماء : « يحتمل أن يكون المراد أنت نسيت أنى رسول الله وكلما فعلته فهو بحكم الله وأمره. فلا يحتاج في تصحيح نسبة النسيان إلى المغيرة إلى تكلف المشاكلة ».

(٣) نسبة النسيان إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان باعتبار أنه زعم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يغسل رجليه في الوضوء فإذا رآه لم يخلع نعليه ومسح على ظاهر رجليه تعجب فاعترض عليه فأجاب صلى‌الله‌عليه‌وآله بنسبة النسيان إليه وقال : أنت توهمت ذلك وأنا أمسح في الوضوء دائما كما أمرني ربى.

(٤) اعلم أن هذا الخبر رواه أبو داود في سننه وأحمد في مسنده باسنادهما عن المغيرة ابن شعبة وفيهما « مسح على الخفين » مكان « مسح على نعليه » والنعل العربي لا يمنع من وصول الماء إلى ظاهر الرجل بقدر ما يجب بخلاف الخف. ومع قطع النظر عن ضعف السند  ـ وكون المغيرة من دهاة الناس وقول قبيصة بن جابر في حقه « لو أن مدينة له ثمانية أبواب لا يخرج من باب الا بمكر لخرج المغيرة من أبوابها كلها » ـ مسح الخفيه مخالف لصريح قوله تعالى « وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم » لاقتضائه فرض المسح على الأرجل. ونقل الصدوق

٣٧

٧٦ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « والله ما كان وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا مرة مرة. وتوضأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مرة مرة ، فقال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به » (١).

فأما الاخبار التي رويت في أن الوضوء مرتين مرتين :

٧٧ ـ فأحدها بإسناد منقطع يرويه أبو جعفر الأحول ذكره عمن رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « فرض الله الوضوء واحدة واحدة ووضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للناس اثنتين اثنتين » (٢).

وهذا على جهة الانكار ، لا على جهة الاخبار ، كأنه عليه‌السلام يقول : حد الله حدا فتجاوزه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعداه (٣) وقد قال الله تعالى : « ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ».

٧٨ ـ وقد روي « أن الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن

__________________

رحمه‌الله هذه الرواية ردا على قول من قال بوجوب الغسل للرجلين وليس مراده جواز المسح مع الحائل كما هو ظاهر قوله في الهداية حيث قال : « ومن غسل الرجلين فقد خالف الكتاب والسنة ومن مسح على الخفين فقد خالف الكتاب : والسنة ».

(١) قال المصنف فالهداية : « الوضوء مرة مرة وهو غسل الوجه واليدين ، ومسح الرأس والقدمين ، ومن توضأ مرتين مرتين لم يوجر ، ومن توضأ ثلاثا فقد أبدع ».

(٢) يمكن الجمع بين الخبر السابق وهذا الخبر اما بأن تحمل المرة على أقل الواجب والمرتين على الاستحباب كما عليه الأكثر ، واما بان تحمل المرتين على من لا يكفيه المرة كما جمع الكليني (ره) في الكافي ج ٣ ص ٢٧ ) واما بأن يحمل الاثنتين على الغسلتين و المسحتين كما قاله الشيخ البهائي ـ رحمه‌الله ـ وقال المولى مراد التفرشي : قوله « وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » يمكن أن يكون المعنى وضع وجوبهما عنهم ليسهل عليهم وينتفعوا بذلك وتعدية الوضع باللام قرينة كونه للتخفيف دون التثقيل ومعنى رفعه عنهم ان الله ببركته سهل عليهم الامر ووضع عنهم التكرار كما يجئ في تخفيف الصلاة من الخمسين إلى الخمس.

(٣) أي كيف يمكن ذلك مع أن الله يقول .. الآية وهذا البيان غريب جدا.

٣٨

يعصيه. وأن المؤمن لا ينجسه شئ (١) وإنما يكفيه مثل الدهن » (٢).

٧٩ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « من تعدى في وضوئه كان كناقضه » (٣).

٨٠ ـ وفي ذلك حديث آخر باسناد منقطع رواه عمر بن أبي المقدام قال : « حدثني من سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إني لأعجب ممن يرغب أن يتوضأ اثنتين اثنتين وقد توضأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اثنتين اثنتين ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يجدد الوضوء لكل فريضة ولكل صلاة ».

فمعنى الحديث هو اني لأعجب ممن يرغب عن تجديد الوضوء وقد جدده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والخبر الذي روي « أن من زاد على مرتين لم يؤجر » يؤكد ما ذكرته (٤) ومعناه أن تجديده بعد التجديد لا أجر له (٥) كالاذان ، من صلى الظهر

__________________

(١) يعنى لا ينجسه شئ من الاحداث بحيث يحتاج إلى صب الماء الزائد في ازالته.

(٢) لما بين ـ رحمه‌الله ـ بالآية الشريفة أن من تعدى حدا من حدود الله تعالى فهو ظالم لنفسه أراد أن يبين أن الوضوء حد من حدود الله تعالى ليثبت أن من تعدى تعدى حدا من حدود الله فيكون ظالما وليس غرضه الاستشهاد بذيل الخبر لان كفاية الدهن لا ينافي استحاب تكرار الغسل في وضوئه ، وفى القاموس : الدهن ويضم قدر ما يبل وجه الأرض من المطر. ( مراد ) قول « مثل الدهن » أي أقل مراتب الاجزاء أو لدفع وسواس المؤمنين (م ت)

(٣) ظاهر التعدي عدم الاتيان به على وجه زاد فيه أم نقص. وقال الفاضل التفرشي : وجه الشبه بين المتعدى والناقض عدم جواز الدخول به في الصلاة.

وفى بعض النسخ « كان كناقصه » بالصاد المهملة فمعنى التعدي الزيادة عليه أي من زاده على ما شرع كمن نقصه منه في البطلان. ( مراد )

(٤) يعنى أن المراد بالاثنين التجديد. وفى التأكيد نظر نعم لا ينافيه ( سلطان ).

(٥) لا يخفى جريان هذا التوجيه في الرواية الأولى أيضا وجريان التوجيه السابق هنا أيضا بأدنى تكلف بأن يكون التعجب من الرغبة إليه لا من الرغبة عنه ويكون قوله : « وقد توضأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » من قول الراغب إليه فصار المعنى انى لأعجب ممن رغب إلى

٣٩

والعصر بأذان وإقامتين أجزأه ومن أذن للعصر كان أفضل ، والاذان الثالث بدعة لا أجر له ، وكذلك ما روي أن مرتين أفضل معناه التجديد ، وكذلك ما روي مرتين أنه إسباغ.

__________________

الاثنين قائلا ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله توضأ اثنين ، وأقرب التوجيهات حمل التثنية على الغسلتين والمسحتين كما ذكره الشيخ البهائي ( سلطان ). وقال التفرشي (ره) : « قوله يؤكد ما ذكرته » لعل وجه التأكيد أن الغسلة الثانية لا أجر لها والزائدة عليها بدعة كما يجئ في باب حد الوضوء عن المؤلف رحمه‌الله وهو مضمون مرسلة ابن أبي عمير فلما جعل الزائد على المرتين مما لا أجر له لا ما هو بدعة علم أن المراد به تجديد الوضوء دون الغسلة ويؤيد المؤلف (ره) أيضا أن الوضوء في الغسلة مجاز لا يصار إليه الا لدليل ، وأما تأنيث اثنتين فكما يصح بحمل الوضوء على الغسلات يصح بحمله على معناه لكونه عبارة عن الغسلات والمسحات ولعل الفرق بين ما لا أجر له وما هو بدعة كما وقعا في مرسلة ابن أبي عمير * مع اشتراكهما في عدم استحقاق الاجر بهما يرجع إلى أن مالا أجر له لم يتعلق به طلب ولم ينه عنه في نفسه ، وما هو بدعة مما نهى عنه ففي الأول لم يأت المكلف بمنكر في نفسه وان أخطأ في الاتيان به بقصد الطاعة ، فيمكن أن يوجر عليه وان لم يستحقه ، وفى الثاني أتى بمنكر يستحق عليه العقاب. وينبغي للمؤلف ـ رحمه‌الله ـ ان يذكر الأحاديث الدالة على التثنية ويجيب عنها منها ما روى في التهذيب ج ١ ص ٢٢ عن الحسين بن سعيد عن حماد عن يعقوب عن معاوية بن وهب قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الوضوء فقال : مثنى مثنى » وأيضا روى باسناده عن أحمد ابن محمد عن صفوان عن أبي عبد الله (ع) قال : « الوضوء مثنى مثنى » وأيضا بسنده عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال : « الوضوء مثنى مثنى من زاد لم يوجر عليه » فلعله ـ رحمه‌الله ـ اكتفى عنها بالجواب المذكور وهو الحمل على التجديد وشيخنا (ره) حملها على أنه غسلتان ومستحتان ، ليس كما توهمه العامة انه غسلات ومسح ـ انتهى.

أقول : ما دل عليه الخبران يخاف ما مر في حكاية وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحمله الشيخ (ره) على استحباب التثنية في الغسل. وهو لا يدفع المخالفة عند التحقيق والمتجه الحمل على التقية لان العامة تنكر الوحدة وتروى في أخبارهم الثلاث ويحتمل أن يراد تثنية الغرفة على طريق نفى البأس لا اثبات المزية كما حكى عن صاحب المنتقي.

__________________

* في التهذيب ج ١ ص ٢٣ بسنده المتصل عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال : « الوضوء واحدة فرض ، واثنتان لا يوجر ، واثنتان لا يوجر ، والثالث بدعة ».

٤٠