كتاب من لا يحضره الفقيه - ج ١

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

كتاب من لا يحضره الفقيه - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: علي اكبر الغفّاري
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٩

أبا عبد الله عليه‌السلام فأخبرته بذلك ، فقال لي : ولم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت إنما تصليها إذا لم ترها خلف الجبل غابت أو غارت ما لم يتجللها (١) سحاب أو ظلمة تظلها فإنما عليك مشرقك ومغربك وليس على الناس أن يبحثوا » (٢).

٦٦٣ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « إذا غابت الشمس فقد حل الافطار ووجبت الصلاة وإذ صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل ».

٦٦٤ ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « ملك موكل يقول : من بات عن العشاء الآخرة إلى نصف الليل فلا أنام الله عينيه ».

٦٦٥ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « من صلى المغرب ثم عقب ولم يتكلم حتى يصلي ركعتين كتبتا له في عليين ، فان صلى أربعا كتبت له حجة مبرورة ».

ووقت الفجر حين يعترض الفجر ويضئ حسنا ويتجلل الصبح السماء ويكون

__________________

(١) في بعض النسخ « يتجلاها ». وقال استاذنا الشعراني ـ مد ظله ـ في هامش الوافي : هذه رواية شاذة مخالفة للاخبار الكثيرة الدالة بان غيبوبة الشمس خلف الجبل لا يكفي ، فلعله نهى عن التفتيش حين اشتغال الناس بالصلاة لأنه يخالف التقية ، أو لان الغروب يعرف بزوال الحمرة فلا حاجة إلى صعود الجبل ، أو لان الموضع المرتفع يستلزم انحدار الأفق الحسى فيرى قرص الشمس فوقه مع أن الذي في أسفل الجبل لو فرض عدم الحاجب بينه وبين الشمس لم يرها لكون الأفق أعلى بالنسبة إليه وذلك قال عليه‌السلام « فإنما عليك مشرقك ومغربك » وهذا مبين في علم الهيئة.

(٢) ذم الصادق عليه‌السلام لأسامة على صعود الجبل كان لإثارة الفساد بأن يقول إنهم يفطرون والشمس لم يغب بعد ، مع أن العامة قائلون بغيبوبة القرص ، أو يقول لهم ويحصل الضرر بسببه إليه عليه‌السلام والى غيره كما هو الظاهر من الخبر أولا وآخرا ، ويمكن أن يكون المراد بقوله عليه‌السلام « فإنما عليك مشرقك ومغربك » أنه لا يحتاج إلى صعود الجبل ويمكن فهم الطلوع والغروب بظهور الحمرة أو ذهابها في المشرق للغروب وعكسه للطلوع ، وظاهر الصدوق ـ رحمه‌الله ـ أنه حمل هذه الأخبار كلها على استتار القرص ولو كان خلف الجبل كما هو ظاهرها وان أمكن أن تكون ردا على الخطابية أيضا. (م ت)

٢٢١

كالقباطي أو مثل نهر سوراء (١).

ومن صلى الغداة في أول وقتها أثبتت له مرتين ، أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار ، ومن صلاها في آخر وقتها أثبتت له مرة واحدة ، قال الله عزوجل : « وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا » يعني أنه تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار.

٦٦٦ ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « وقت صلاة الجمعة يوم الجمعة ساعة تزول الشمس ، ووقتها في السفر والحضر واحد (٢) وهو من المضيق ، وصلاة العصر يوم الجمعة في وقت الأولى في سائر الأيام ».

٦٦٧ ـ وروى إسماعيل بن رباح (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت ، فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك » (٤).

٦٦٨ ـ وسأله سماعة بن مهران (٥) عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس والقمر ولا النجوم ، فقال : تجتهد رأيك وتعمد القبلة بجهدك.

٦٦٩ ـ وروى أبو عبد الله الفراء (٦) عن الصادق عليه‌السلام « إنه قال له رجل من

__________________

(١) القباطي ـ بفتح القاف ـ : ثياب بيض رقيقة تجلب من مصر ، واحدها قبطي ـ بضم القاف ـ نسبة إلى قبط ـ بالكسر ـ : جيل من النصارى بمصر. وسورى ـ بالقصر والمد ـ بلدة بأرض بابل وبها نهر يقال له : سوراء.

(٢) وجه كون وقتها واحدا وهو أول الزوال أن في السفر تسقط النافلة وفى الحضر تقدم نافلتها على الزوال الا ركعتين منها فإنهما يصليان في عين الزوال على قول لتحقيق الزوال فلا ينافي هذا القدر كون صلاة الجمعة في أول الزوال المحقق فتأمل. ( سلطان )

(٣) « رباح » بالباء الموحدة والطريق إلى إسماعيل بن رباح صحيح عند العلامة (ره) وفيه محمد بن علي ماجيلويه أحد مشايخ المؤلف ولم يوجد له توثيق ولا مدح الا الترضي من المؤلف وهو عند جماعة من العلماء يساوق التوثيق.

(٤) يدل على الاجزاء إذا كان بعض الصلاة وقع في الوقت ، وعليه عمل المشهور.

(٥) الطريق إليه قوى بعثمان بن عيسى وفيه إبراهيم بن هاشم وهو حسن ( صه ).

(٦) الطريق إليه صحيح ( صه ) لكن فيه أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه. ( جامع الرواة )

٢٢٢

أصحابنا : إنه ربما اشتبه علينا الوقت في يوم غيم ، فقال : تعرف هذه الطيور التي تكون عندكم بالعراق يقال لها الديوك؟ فقال : نعم ، قال : إذا ارتفعت أصواتها ( ١ وتجاوبت فعند ذلك فصل ».

٦٧٠ ـ وروى الحسين بن المختار عنه عليه‌السلام أنه قال : « إني مؤذن فإذا كان يوم غيم لم أعرف الوقت ، فقال : إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاء فقد زالت الشمس ودخل وقت الصلاة ».

ومن صلى لغير القبلة في يوم غيم ثم علم ، فإن كان في وقت فليعد ، وإن كان قد مضى الوقت فلا إعادة عليه وحسبه اجتهاده.

٦٧١ ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « لان أصلي بعد ما يمضي الوقت أحب إلي من أن أصلي وأنا في شك من الوقت ، وقبل الوقت ».

٦٧٢ ـ وروى معاوية بن وهب (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « كان المؤذن يأتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحر في صلاة الظهر فيقول له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أبرد أبرد ». (٣)

قال مصنف هذا الكتاب : يعني عجل عجل وأخذ ذلك من التبريد.

باب

* ( معرفة زوال الشمس ) *

٦٧٣ ـ روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : تزول الشمس في النصف من « حزيران » على نصف قدم ، وفي النصف من « تموز » على قدم ونصف ، و

__________________

(١) يعنى عند الزوال إذا ما شككت في زوال الشمس فلا ينافي ارتفاع صوتها في غير الزوال. وقال استاذنا الشعراني : متن الحديث مضطرب ويدل على جواز الدخول في الصلاة بصياح الديك فيجوز الاعتماد على الظن عند التعذر.

(٢) الطريق صحيح ( صه ) وفيه محمد بن علي ماجيلويه وتقدم الكلام فيه.

(٣) هو كناية عن الراحة والسرور أو من بر النهار أي أوله.

٢٢٣

في النصف من «آب» على قدمين ونصف ، وفي النصف من «أيلول» على ثلاثة أقدام ونصف وفي النصف من « تشرين الأول » على خمسة ونصف ، وفي النصف من « تشرين الآخر » على سبعة ونصف ، وفي النصف من « كانون الأول » على تسعة ونصف ، وفي النصف من « كانون الآخر » على سبعة ونصف ، وفي النصف من « شباط » على خمسة ونصف ، وفي النصف من آذار على ثلاثة ونصف وفي النصف من » نيسان « على قدمين ونصف ، وفي النصف من » أيار « على قدم ونصف ، وفي النصف من » حزيران « على نصف قدم » (١).

٦٧٤ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « تبيان زوال الشمس أن تأخذ عودا طوله ذراع وأربع أصابع (٢) ، فتجعل أربع أصابع في الأرض فإذا نقص الظل حتى يبلغ غايته ، ثم زاد فقد زالت الشمس ، وتفتح أبواب السماء ، وتهب الرياح ، وتقضى الحوائج العظام ».

__________________

(١) الظاهر أن هذه التحديدات يختص بالمدينة المشرفة وما والاها في العرض وهو عرض « كه » (٢٥٠) فان في أوائل البروج المبتدأ من أول السرطان في هذا العرض أظلال ارتفاعاتها النصف النهارية تقارب بل تساوى الاقدار المذكورة في الحديث الشريف كما يظهر بالرجوع إلى البراهين الهندسية ، وان شئت الوقوف على صدق ذلك التخمين فانظر في الأسطرلاب واضعا صفحة عرض « كه » تحت العنكبوت مديرا له حتى تعرف الارتفاعات ثم استعلم أقدار أظلالها من ظهر الأسطرلاب والله أعلم. كذا في هامش نسخة وقال الأستاذ الشعراني في هاشم الوافي : الظاهر أن هذه الحاشية من الشيخ البهائي ـ رحمه‌الله ـ وهو الحق بالنسبة إلى أكثر التقادير المذكورة ، ولا يتوهمن أن بيان المقادير في كلام الإمام عليه‌السلام يجب أن يكون عاما لجميع المكلفين في جميع البلاد لان الأحكام الإلهية غير مختصة ببعضها ، فان هذا صحيح فيما لم تكن قرينة على الاختصاص. ثم نقل ـ مد ظله ـ كلام الفاضل التفرشي واستبعاده ، و بعده اشكال الفقيه الهمداني رضوان الله عليه صاحب مصباح الفقيه حيث قال : ان المقصود بالرواية بحسب الظاهر بيان ما يعرف به الزوال تقريبا والتنبيه على اختلاف الظل في الفصول الأربعة وبيان مقدار التفاوت على سبيل الاجمال. وقال في جوابهما كلاما طويلا لا يسعنا ذكره. وجملة « وفى النصف من حزيران » الأخيرة زيادة زيدت في الأصل المأخوذة عنه الرواية.

(٢) هذا بطريق التمثيل والا فذلك يستعلم من كل شاخص.

٢٢٤

باب

* ( ركود الشمس ) *

٦٧٥ ـ سأل محمد بن مسلم أبا جعفر عليه‌السلام « عن ركود الشمس (١) فقال : يا محمد ما أصغر جثتك وأعضل مسألتك ، وإنك لأهل للجواب : إن الشمس إذا طلعت جذبها سبعون ألف ملك بعد أن أخذ بكل شعاع منها خمسة آلاف من الملائكة من بين جاذب ودافع حتى إذا بلغت الجو وجازت الكو قلبها ملك النور ظهرا لبطن فصار ما يلي الأرض إلى السماء وبلغ شعاعها تخوم العرش فعند ذلك نادت الملائكة » سبحان الله ولا إله إلا الله والحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا « فقال له : جعلت فداك أحافظ على هذا الكلام عند زوال الشمس ، فقال : نعم حافظ عليه كما تحافظ على عينك ، فإذا زالت الشمس صارت الملائكة من ورائها يسبحون الله في فلك الجو إلى أن تغيب » (٢).

٦٧٦ ـ وسئل الصادق عليه‌السلام « عن الشمس كيف تركد كل يوم ولا يكون لها يوم الجمعة ركود؟ قال : لان الله عزوجل جعل يوم الجمعة أضيق الأيام ، فقيل له : ولم جعله أضيق الأيام؟ قال : لأنه لا يعذب المشركين (٣) في ذلك اليوم لحرمته عنده ».

٦٧٧ ـ وروي عن حريز بن عبد الله أنه قال : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الركود : السكون الذي يفصل بين الحركات ( النهاية ) والمراد ركود شعائها وسيأتي بيانه. وفى طريق الرواية مجهولان.

(٢) الملائكة الموكلون بالسماوات والكواكب كثيرة لا يحصيهم كثرة الا الله سبحانه منهم من وكل بالجذب ، ومنهم من وكل بالدفع ، ومنهم من وكل بالطلوع والأفول ، ومنهم من وكل بالرد والقبول ، ومنهم بواب ، ومنهم حجاب ، ومنهم راكع ، ومنهم ساجد ، ومنهم حافون ، ومنهم صافون إلى غير ذلك قال الله سبحانه « وما يعلم جنود ربك الا هو » ( الوافي ).

(٣) في بعض النسخ « لا يعذب المشركون ».

٢٢٥

فسأله رجل فقال له : جعلت فداك إن الشمس تنقض (١) ثم تركد ساعة من قبل أن تزول ، فقال إنها تؤامر أتزول أو لا تزول » (٢).

__________________

(١) من الانقضاض أي يتحرك سريعا من انقض النجم وهو مضاعف من « قض » لا منقوص من قضى. وقال في الوافي. وفى بعض النسخ « تنقضي » من الانقضاء.

(٢) قوله « ثم تركد ساعة » يحتمل أن يكون المراد بركود الشمس حين الزوال عدم ظهور حركتها بقدر يعتد بها عند الزوال وعدم ظهور تزايد الظل حينئذ بخلاف الساعات السابقة واللاحقة ، وعبر عن ذلك بالركود بناء على الظاهر وفهم القوم ، وجذب الملك عبارة عن إرادة الله تعالى وخلق القوى فيها ، وليس الباعث على الخروج من الظاهر الوقوف على قول الحكماء من الاستمرار وضع الفلك وغيره بل الباعث أن كل نقطة من مدار الشمس محاذية لسمت رأس أفق من الآفاق فيلزم سكون الشمس دائما لو سكنت حقيقة عند الزوال وتخصيص الركود بأفق خاص كمكة أو المدينة مع بعده يستلزم سكونها في البلاد الاخر بحسبها في أوقات آخر فان ظهر مكة مثلا يكون وقت الضحى في أفق آخر فيلزم ركودها في ضحى ذلك الأفق ولا يلتزمه أحد فتأمل. ( سلطان )

وقال الفيض ـ رحمه‌الله ـ الوجه في ركود الشمس قبل الزوال تزايد شعاعها آنا فآنا وانتقاص الظل إلى حد ما ثم انتقاص أظل إلى حد الشعاع وتزايد الظل وقد ثبت في محله أن كل حركتين مختلفتين لابد بينهما من سكون ، فبعد بلوغ نقصان الظل وقد ثبت في وقبل أخذه في الازدياد لابد وأن يركد شعاع الشمس في الأرض ساعة ثم يزيد وهذا ركودها في الأرض من حيث شعاعها بحسب الواقع وقد حصل بتبعية الظلال كما أن تسخينها واضاءتها إنما يحصلان بتبعية انعكاس أشعتها من الأرض والجبال على ما زعمته جماعة. وهذا لا ينافي استمرار حركتها في الفلك على وتيرة واحدة. والمؤامرة : المشاورة ، يعنى أنها تشاور ربها في زوالها وذلك لأنها مسخرة بأمر ربها ، لا تتحرك ولا تسكن الا باذن منه عزوجل ، وزمان هذا السكون وإن كان قليلا جدا الا أن الشمس لما لم يحس بحركتها طرفي هذا الركود فهي كأنها راكدة ساعة ما ، وما جاء في أن لا يكون للشمس ركود يوم الجمعة معناه انهم لاشتغالهم باستماع الخطبة وتهيئهم للصلاة لا يحسون به بل يسرع مروره عليهم وتقصر مدته لديهم لأنهم في رخاء من العبادة وفى سرور من الطاعة ومدة الرخاء تكون قصراء عجلاء ( الوافي ) أقول : في الكافي ج ٣ ص ٤١٦ عن محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه‌السلام في علة عدم ركودها يوم الجمعة رواية فليراجع.

٢٢٦

باب

* ( معرفة زوال الليل ) *

٦٧٨ ـ سأل عمر بن حنظلة (١) أبا عبد الله عليه‌السلام فقال له : « زوال الشمس نعرفه بالنهار ، كيف لنا بالليل؟ فقال : لليل زوال كزوال الشمس ، قال : فبأي شئ نعرفه؟ قال : بالنجوم إذا انحدرت » (٢).

باب

* ( صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله التي قبضه الله تعالى عليها ) *

٦٧٩ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس ، فإذا زالت (٣) صلى ثماني ركعات وهي صلاة الأوابين تفتح في تلك الساعة أبواب السماء ويستجاب الدعاء وتهب الرياح وينظر الله إلى خلقه فإذا فاء الفئ ذراعا صلى الظهر أربعا وصلى بعد الظهر ركعتين ثم صلى ركعتين أخراوين (٤) ثم صلى العصر أربعا إذا فاء الفئ ذراعا ، ثم لا يصلي بعد العصر شيئا حتى تؤوب الشمس ، فإذا آبت وهو أن تغيب صلى المغرب ثلاثا وبعد المغرب أربعا ، ثم لا يصلي شيئا حتى يسقط الشفق ، فإذا سقط الشفق صلى العشاء ، ثم أوى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) الطريق قوى بداود بن الحصين وفيه محمد بن عيسى والحسين بن أحمد بن إدريس ولم يوثقا صريحا.

(٢) لعل المراد بالنجوم التي طلعت في أول الليل حين غروب الشمس. ( سلطان )

(٣) في بعض النسخ « حتى يزول النهار فان زال ».

(٤) محمول على المؤكد من المستحب ولا ينافي مطلق الاستحباب ( الذكرى ) أي استحباب الزيادة كما هو المشهور من كون نافلة العصر ثمان ركعات واستحباب الوتيرة بعد العشاء ، ويمكن أن يقال : إن هذا بيان صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر عمره فيحمل على ترك بعض المستحبات لضعف الشيبة. ( سلطان )

٢٢٧

إلى فراشه ولم يصل شيئا حتى يزول نصف الليل ، فإذا زال نصف الليل صلى ثماني ركعات ، وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات فقرأ فيهن فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ويفصل بين الثلاث بتسليمة ويتكلم ويأمر بالحاجة ، ولا يخرج من مصلاه حتى يصلي الثالثة التي يوتر فيها ، ويقنت فيها قبل الركوع ، ثم يسلم ويصلي ركعتي الفجر قبيل الفجر وعنده وبعيده ، ثم يصلي ركعتي الصبح وهو الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا ، فهذه صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله التي قبضه الله عزوجل عليها ».

باب

* ( فضل المساجد وحرمتها وثواب من صلى فيها ) *

٦٨٠ ـ روى خالد بن ماد القلانسي ، عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « مكة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب عليهما‌السلام والصلاة فيها بمائة ألف صلاة ، والدرهم فيها بمائة ألف درهم (١) والمدينة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب عليهما‌السلام الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة ، والدرهم فيها بعشرة آلاف درهم ، والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب عليهما‌السلام والصلاة فيها بألف صلاة ، وسكت عن الدرهم ».

٦٨١ ـ وروى أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « من صلى في المسجد الحرام صلاة مكتوبة قبل الله بها منه كل صلاة صلاها منذ يوم وجبت عليه الصلاة ، وكل صلاة يصليها إلى أن يموت ».

٦٨٢ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الصلاة في مسجدي كألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام ، فإن الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي » (٢).

__________________

(١) أي التصدق فيها.

(٢) المراد كثرة الثواب لا خصوصية المقدار فلا ينافي ما مر.

٢٢٨

٦٨٣ ـ وسأل عبد الاعلى مولى آل سام أبا عبد الله عليه‌السلام « كم كان طول مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : كان ثلاثة آلاف وستمائة ذراع مكسرة » (١).

٦٨٤ ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام لأبي حمزة الثمالي : « المساجد الأربعة المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومسجد بيت المقدس ، ومسجد الكوفة ، يا أبا حمزة الفريضة فيها تعدل حجة ، والنافلة تعدل عمرة ».

٦٨٥ ـ وسئل أبو الحسن الرضا عليه‌السلام « عن قبر فاطمة عليها‌السلام فقال : دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد ».

٦٨٦ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أتى مسجدي مسجد قبا فصلى فيه ركعتين رجع بعمرة ».

وكان عليه‌السلام يأتيه فيصلي فيه بأذان وإقامة.

ويستحب إتيان المساجد بالمدينة مسجد قبا فإنه المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ، ومشربة أم إبراهيم ، ومسجد الفضيخ ، وقبور الشهداء بأحد ، ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح (٢).

ويستحب الصلاة في مسجد الغدير (٣) في ميسرة المسجد ، فإن ذلك موضع قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال : « من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه ، وعاد

__________________

(١) قال في المغرب : الذراع المكسر ست قبضات وهي ذراع العامة وإنما وصفت بذلك لأنها نقصت عن ذراع الملك بقبضة وهو بعض الأكاسرة وكانت ذراعه سبع قبضات. ولعل المراد بالمكسر المضروب بعضها في بعض أي كان هذا في حاصل ضرب الطول في العرض ويحتمل الأول كما في المرآة.

(٢) بمضمونه بل بلفظه رواية في الكافي ج ٤ ص ٥٦٠ والتهذيب ج ٢ ص ٦.

(٣) في الكافي ج ٤ ص ٥٦٧ باسناده عن أبان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يستحب الصلاة في مسجد الغدير لان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أقام فيه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو موضع أظهر الله عزوجل فيه الحق ». وبمضمون المتن خبر آخر بسند صحيح.

٢٢٩

من عاداه ».

٦٨٧ ـ وأما الجانب الآخر فذلك موضع فسطاط المنافقين الذين لما رأوه رافعا يده قال بعضهم لبعض انظروا إلى عينيه تدوران كأنهما عينا مجنون ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية « وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين ». أخبر الصادق عليه‌السلام بذلك حسان الجمال لما حمله من المدينة إلى مكة فقال له : « يا حسان لولا أنك جمالي ما حدثتك بهذا الحديث ».

٦٨٨ ـ وأما مسجد الخيف بمنى فإنه روى جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « صلى في مسجد الخيف سبعمائة نبي ».

٦٨٩ ـ وروى أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « من صلى في مسجد الخيف بمنى مائة ركعة قبل أن يخرج منه عدلت عبادة سبعين عاما ، ومن سبح الله فيه مائة تسبيحة كتب الله له كأجر عتق رقبة ، ومن هلل الله فيه مائة تهليلة عدلت أجر إحياء نسمة ، ومن حمد الله فيه مائة تحميدة عدلت أجر خراج العراقين يتصدق به في سبيل الله عزوجل ».

٦٩٠ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « كان مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على عهده عند المنارة التي في وسط المسجد وفوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا ، وعن يمنيها وعن يسارها وخلفها نحو [ امن ] ذلك ، فتحر ذلك ، وإن استطعت أن يكون مصلاك فيه فافعل فإنه صلى فيه ألف نبي ، وإنما سمي الخيف لأنه مرتفع عن الوادي ، وما ارتفع عنه يسمى خيفا ».

٦٩١ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « حد مسجد الكوفة آخر السراجين ، خطه آدم عليه‌السلام ، وأنا أكره أن أدخله راكبا ، قيل له : فمن غيره عن خطته؟ قال : أما أول ذلك فالطوفان في زمن نوح عليه‌السلام ، ثم غيره أصحاب كسرى والنعمان ، ثم غيره زياد بن أبي سفيان ».

٢٣٠

٦٩٢ ـ وقال عليه‌السلام : « كأني أنظر إلى ديراني في مسجد الكوفة في دير له فيما بين الزاوية والمنبر فيه سبع نخلات وهو مشرف من ديره على نوح يكلمه ».

٦٩٣ ـ وقال أبو بصير : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : نعم المسجد مسجد الكوفة ، صلى فيه ألف نبي والف وصي ، ومنه فار التنور ، وفيه نجرت السفينة ، ميمنته رضوان الله ، ووسطه روضة من رياض الجنة ، وميسرته مكر يعني منازل الشياطين » (١).

٦٩٤ ـ وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومسجد الكوفة ».

٦٩٥ ـ وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لما أسري بي مررت بموضع مسجد الكوفة وأنا على البراق ومعي جبرئيل عليه‌السلام فقال لي : يا محمد انزل فصل في هذا المكان ، قال : فنزلت فصليت فقلت : يا جبرئيل أي شئ هذا الموضع؟ قال : يا محمد هذه كوفان وهذا مسجدها ، أما أنا فقد رأيتها عشرين مرة خرابا وعشرين مرة عمرانا ، بين كل مرتين خمسمائة سنة ».

٦٩٦ ـ وروي عن الأصبغ بن نباتة أنه قال : « بينا نحن ذات يوم حول أمير ـ المؤمنين عليه‌السلام في مسجد الكوفة إذا قال : يا أهل الكوفة لقد حباكم الله عزوجل بما لم يحب به أحدا من فضل مصلاكم بيت آدم ، وبيت نوح ، وبيت إدريس ، ومصلى إبراهيم الخليل ، ومصلى أخي الخضر عليهم‌السلام ، ومصلاي ، وإن مسجدكم هذا لاحد الأربعة المساجد التي اختارها الله عزوجل لأهلها ، وكأني به قد أتي به يوم القيامة في ثوبين أبيضين يتشبه بالمحرم ويشفع لأهله ولمن يصلي فيه فلا ترد شفاعته ، ولا تذهب الأيام والليالي حتى ينصب الحجر الأسود فيه ، وليأتين عليه زمان يكون مصلى المهدي من ولدي ، ومصلى كل مؤمن ، ولا يبقى على الأرض مؤمن إلا

__________________

(١) ينبغي أن يراد بالميمنة والميسرة خارج المسجد والوسط داخل المسجد إذ لا ينبغي أن تكون فيه منازل الشياطين ، ويحتمل أن يكون المراد بالميسرة بيوت أهل الكوفة الواقعة في ميسرته ( مراد ) وفى بعض النسخ « مبارك الشياطين ».

٢٣١

كان به أو حن قلبه إليه ، فلا تهجروه ، وتقربوا إلى الله عزوجل بالصلاة فيه وارغبوا إليه في قضاء حوائجكم ، فلو يعلم لناس ما فيه من البركة لأتوه من أقطار الأرض ولو حبوا (١) على الثلج ».

٦٩٧ ـ وأما مسجد السهلة فقد قال الصادق عليه‌السلام : « لو استجار عمي زيد به لأجاره الله سنة ، ذلك موضع بيت إدريس عليه‌السلام الذي كان يخيط فيه ، وهو الموضع الذي خرج منه إبراهيم عليه‌السلام إلى العمالقة ، وهو الموضع الذي خرج منه داود إلى جالوت ، وتحته صخرة خضراء فيها صورة وجه كل نبي (٢) خلقه الله عزوجل ، ومن تحته أخذت طينة كل نبي (٣) وهو موضع الراكب ، فقيل له : وما الراكب؟ قال الخضر عليه‌السلام ».

وأما مسجد براثا ببغداد فصلى فيه أمير المؤمنين عليه‌السلام لما رجع من قتال أهل النهروان.

٦٩٨ ـ وروي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال : « صلى بنا علي عليه‌السلام ببراثا بعد رجوعه من قتال الشراة (٤) ونحن زهاء مائة ألف رجل ، فنزل نصراني من صومعته فقال : من عميد هذا الجيش؟ فقلنا : هذا ، فأقبل إليه فسلم عليه فقال : يا سيدي أنت نبي؟ فقال : لا ، النبي سيدي قد مات ، قال : فأنت وصي نبي؟ قال : نعم ، ثم قال له : اجلس كيف سألت عن هذا؟ قال : أنا بنيت هذه الصومعة من أجل هذا الموضع وهو براثا ، وقرأت في الكتب المنزلة أنه لا يصلي في هذا الموضع بهذا الجمع (٥) إلا نبي أو وصي نبي وقد جئت أسلم ، فأسلم وخرج معنا إلى الكوفة ، فقال

__________________

(١) بفتح الحاء المهملة واسكان الموحدة اما بمعنى المشي أو دب على استه والرجلين والمشي إلى البطن. ( م ح ق )

(٢) في بعض النسخ « صورة وجه كل شئ ».

(٣) في بعض النسخ « كل شئ ».

(٤) الشراة ـ بالضم وتخفيف الراء ـ : الخوارج ، سموا أنفسهم شراة لزعمهم أنهم يشرون أنفسهم ابتغاء مرضات الله.

(٥) في بعض النسخ « بذا الجمع ».

٢٣٢

له علي عليه‌السلام : فمن صلى ههنا؟ قال : صلى عيسى بن مريم عليه‌السلام وأمه فقال له علي عليه‌السلام : أفأخبرك من صلى ههنا؟ قال : نعم ، قال : الخليل عليه‌السلام ».

٦٩٩ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « من تنخم (١) في المسجد ، ثم ردها في جوفه لم تمر بداء إلا أبرأته ».

٧٠٠ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كنس المسجد يوم الخميس وليلة الجمعة فأخرج منه من التراب ما يذر في العين غفر الله تعالى له ».

٧٠١ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « من مشى إلى المسجد لم يضع رجليه على رطب ولا يابس إلا يسبح له إلى الأرضين السابعة » (٢).

وقد أخرجت هذه الأخبار مسندة وما رويت في معناها في كتاب فضل المساجد وحرمتها وما جاء فيها.

٧٠٢ ـ وقال علي عليه‌السلام (٣) : صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة ، وصلاة

__________________

(١) تنخم فلان : رمى نخامته أي دفع بشئ من صدره أو أنفه ، وفى بعض النسخ « تنخع » أي رمى نخاعته وهي ما يخرج من صدر الانسان أو خيشومه من البلغم والمواد.

(٢) في العبارة مسامحة. وفى بعض النسخ إلى الأرض السابعة فالجمع باعتبار القطعات أو الأطراف ، وعلى النسختين يحتمل أن يكون المراد من تحت قدميه في عمق الأرض أو من الجوانب الأربع في سطح الأرض.

(٣) هذا الخبر رواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٣٢٧ باب فضل المساجد باسناده عن محمد بن حسان عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام. ومحمد ابن حسان الرازي قال النجاشي فيه : يعرف وينكر بين بين يروى عن الضعفاء وضعفه ابن الغضائري. وأما النوفلي فقيل فيه انه غلا في آخر عمره ، وأما السكوني فكان عاميا. وبهذا السند أيضا رواه المؤلف في ثواب الأعمال والبرقي في المحاسن ورواه الشيخ في النهاية أيضا ولم أجد في كتب الخاصة خبرا في فضل مسجد بيت المقدس غير حسنة أبى حمزة الثمالي التي تقدمت تحت رقم ٦٨٤ وهذا الخبر الذي رواه السكوني وهو عامي كما عرفت وإن كان موثقا فكل ما روى في فضل بيت المقدس والثواب الكثير للصلاة فيه سوى خبر أبي حمزة فمن طرق العامة وجاء في روايتهم « صلاة في مسجد بيت المقدس أفضل مما سواه من المساجد بخمسمائة صلاة » رواه الطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه والبزار واللفظ له.

وروى أحمد بن حنبل في مسند أبي هريرة عنه وكذا في مسند عائشة عنها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

٢٣٣

في المسجد الأعظم (١) تعدل مائة ألف صلاة ، وصلاة في مسجد القبيلة تعدل خمسا

__________________

قال : « صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواء من المساجد الا المسجد الأقصى » وروى البيهقي باسناده عن أبي ذر « أنه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصلاة في بيت المقدس أفضل أو في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال : صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ، ولنعم المصلى ، هو أرض المحشر والمنشر ، وليأتين على الناس زمان ولقيد سوط ـ أو قال : قوس الرجل (*) ـ حيث يرى منه بيت المقدس خير له أو أحب إليه من الدنيا جميعا ».

ولا ريب في فضل بيت المقدس لأنه مسجد بناه نبي من أنبياء الله تعالى ، ولا شك في كونه قبلة للمسلمين بضعة عشر شهرا وان لم يرضها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما يفهم من كريمة « قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها » لكن لما كانت هذه الأخبار كلها من طرق العامة وليس في أخبار الامامية من طريقهم منها شئ يعتمد عليه كيف نطمئن إلى ما رووه من هذا الفضل الكبير مع أن الكليني ـ رحمه‌الله ـ عقد في كتابه الكبير الكافي أبوابا في فضل المساجد وذكر فيها فضل المدينة ومسجد النبي ومسجد قبا ومسجد الفضيخ ومسجد الفتح ومسجد الأحزاب ومشربة أم إبراهيم ومسجد غدير خم ومسجد الكوفة والمسجد الأعظم ومسجد السهلة ومسجد بالخمراء وغيرها من المساجد (**) ولم يرو فيها في فضل بيت المقدس شيئا ، نعم :

روى باسناده عن إسماعيل بن زيد مولى عبد الله بن يحيى الكاهلي عن عبد الله بن يحيى عن أبي عبد الله (ع) قال : « جاء رجل إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فسلم فرد عليه ، فقال : جعلت فداك انى أردت المسجد الأقصى فأردت أن أسلم عليك وأودعك ، فقال له : وأي شئ أردت بذلك؟ فقال : الفضل ، قال : فبع راحلتك وكل زادك وصل في هذا المسجد ( مسجد الكوفة ) فان الصلاة المكتوبة فيه حجة مبرورة والنافلة عمرة مبرورة والبركة فيه على اثنى عشر ميلا ـ الحديث » ج ٣ ص ٤٩١ وكيف كان قاعدة التسامح في أدلة السنن تسهل الامر. فمن صلى في بيت المقدس التماس ذلك الثواب يعطيه الله سبحانه إن شاء الله وان لم يكن الحديث كما بلغه.

(١) لعل المراد بالمسجد الأعظم ههنا المسجد الحرام على طباق سائر الأخبار.

__________________

* في النهاية : قد تكرر ذكر القيد في الحديث يقال : بيني وبينه قيد رمح وقاد رمح أي قدر رمح.

** راجع ج ٣ ص ٤٨٩ إلى ٤٩٥ و ج ٤ ص ٥٤٠ إلى آخر أبواب كتاب الحج.

٢٣٤

وعشرين صلاة ، وصلاة في مسجد السوق تعدل اثنتي عشرة صلاة ، وصلاة الرجل في بيته تعدل صلاة واحدة.

٧٠٣ ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « من بنى مسجدا كمفحص قطاة (١) بنى الله له بيتا في الجنة ».

٧٠٤ ـ وقال أبو عبيدة الحذاء : « ومر بي [ أبو عبد الله عليه‌السلام ] وأنا بين مكة والمدينة أضع الأحجار (٢) ، فقلت : هذا من ذاك؟ فقال : نعم ».

٧٠٥ ـ وسأل عبيد الله بن علي الحلبي أبا عبد الله عليه‌السلام « عن المساجد المظللة (٣) يكره القيام فيها (٤)؟ قال : نعم ولكن لا تضركم الصلاة فيها ».

__________________

(١) القطاة : طائر في حجم الحمام له طوق يشبه الفاختة والقمارى.

(٢) في بعض النسخ « وأنا أصنع الأحجار » وفى بعضها « وأنا أجمع الأحجار » وقوله « هذا من ذاك » روى الكليني ـ رحمه‌الله ـ في الكافي ج ٣ ص ٣٦٨ عن أبي عبيدة الحذاء قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : « من بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة ، قال : أبو عبيدة : فمر بي أبو عبد الله (ع) في طريق مكة وقد سويت بأحجار مسجدا ، فقلت له : جعلت فداك نرجو أن يكون هذا من ذاك؟ فقال : نعم ».

(٣) لعل المراد بالمظللة المسقفة باللبن والاجر بقرينة المقام والا فمسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله صار مظللا في حياته بالسعف. (م ت)

(٤) قوله « يكره القيام فيها » عبر عن الصلاة فيها بالقيام وذلك شايع كما في التنزيل « لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ».

وقال الشيخ في النهاية ص ١٠٨ « بناء المسجد فيه فضل كبير وثواب جزيل ، ويستحب أن لا تعلى المساجد بل تكن وسطا ، ويستحب أن لا تكون مظللة ولا يجوز أن تكون مزخرفة أو مذهبة أو فيها شئ من التصاوير ، ولا يجوز أن تكون مشرفة بل تبنى جما ـ بضم الجيم وشد الميم ـ أي لا شرف لها ـ انتهى. واعلم أن كراهة الصلاة في المظللة أو المصورة أو المزخرفة من المساجد مخصوصة بزمان يكون الامام المعصوم (ع) حاضرا متمكنا ففي الكافي بسند حسن كالصحيح عن الحلبي قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن المساجد المظللة أيكره الصلاة فيها؟ قال : نعم ولكن لا يضركم اليوم ولو قد كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك ـ الحديث »

٢٣٥

٧٠٦ ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « أول ما يبدأ به قائمنا سقوف المساجد فيكسرها ، ويأمر بها فيجعل عريشا كعريش موسى » (١).

٧٠٧ ـ و « كان علي عليه‌السلام إذا رأى المحاريب في المساجد كسرها ويقول : كأنها مذابح اليهود ».

٧٠٨ ـ و « رأى علي عليه‌السلام مسجدا بالكوفة قد شرف قال : كأنه بيعة إن المساجد لا تشرف ، تبنى جما ».

٧٠٩ ـ وسئل أبو الحسن الأول عليه‌السلام « عن الطين فيه التبن يطين به المسجد أو البيت الذي يصلي فيه ، فقال : لا بأس ».

٧١٠ ـ وسئل « عن بيت قد كان الجص يطبخ بالعذرة أيصلح أن يجصص به المسجد؟ فقال : لا بأس ».

٧١١ ـ وسئل « عن بيت قد كان حشا زمانا (٢) هل يصلح أن يجعل مسجدا؟ فقال : إذا نظف وأصلح فلا باس ».

٧١٢ ـ وسأل عبيد الله بن علي الحلبي أبا عبد الله عليه‌السلام « في مسجد يكون في الدار فيبدو لأهله أن يتوسعوا بطائفة منه أو يحولوه عن مكانه ، فقال : لا بأس بذلك ، قال : فقلت : فيصلح المكان الذي كان حشا زمانا أن ينظف ويتخذ مسجدا؟

__________________

وروى أيضا عن عمرو بن جميع قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الصلاة في المساجد المصورة فقال : أكره ذلك ولكن لا يضركم ذلك اليوم ولو قد قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك » وأما زخرفة المساجد فلا شك في عدم جوازه عند أكثر فقهائنا فيكف برجحانه ، وهكذا التصوير.

(١) العريش ما يستظل به ، فلعل المراد أنه يجعل بدل السقف عريشا من وضع الأخشاب ووضع الحشيش ونحوه عليها بحيث يندفع به حر الشمس عن أهل المسجد.

(٢) في النهاية في الحديث « ان هذه الحشوس محتضرة » يعنى الكنف ومواضع قضاء الحاجة ، والواحد حش ـ بالفتح ـ وأصله من الحش : البستان لأنهم كانوا كثيرا ما يتغوطون في البساتين.

٢٣٦

قال : نعم (١) إذا ألقي عليه من التراب ما يواريه فإن ذلك ينظفه ويطهره ».

٧١٣ ـ وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : « من اختلف إلى المساجد أصاب إحدى الثمان : أخا مستفادا في الله عزوجل (٢) ، أو علما مستطرفا ، أو آية محكمة ، أو رحمة منتظرة ، أو كلمة ترده عن ردى ، أو يسمع كلمة تدله على هدى ، أو يترك ذنبا خشية أو حياء » (٣).

٧١٤ ـ و « سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا ينشد ضالة في المسجد ، فقال : قولوا له : لا رد الله عليك [ ضالتك ] فإنها (٤) لغير هذا بنيت ».

٧١٥ ـ وقال عليه‌السلام : « جنبوا مساجدكم صبيانكم ، ومجانينكم ، ورفع أصواتكم وشراءكم ، وبيعكم ، والضالة ، والحدود ، والأحكام » (٥).

وينبغي أن تجنب المساجد إنشاد الشعر فيها وجلوس المعلم للتأديب فيها ، وجلوس الخياط فيها للخياطة.

٧١٦ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من السراج ».

٧١٧ ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها

__________________

(١) « مسجد يكون في الدار » أي مكان يتخذ للصلاة فيه وذلك لا يستلزم كونه مسجدا حقيقة وقف للصلاة فيه لئلا يمكن توسيع الدار بأخذ بعضه فيها أو جعله كله فيها وجعل مكان آخر بدله. ( مراد ).

(٢) أي استفادة اخوته وتحصيلها لله ، لا لأغراض الدنيا.

(٣) المستطرف من الطرفة وهي النفيس والجديد ، والمحكم ما استقل بالدلالة من غير توقف على قرينة ، والردى : الهلاك ، الخشية والحياء اما من الله أو من الملائكة أو من الناس ( الوافي ) وترك الذنب خشية هو السابع وتركه حياء هو الثامن والترديد بين الأمور الثانية على سبيل منع الخلو ، دون منع الجمع. ( مراد )

(٤) يعنى المساجد فالضمير باعتبار الجمع.

(٥) أي جعلها عادة أو لغير الامام ، فلا ينافي ما نقل من قضاء أمير المؤمنين عليه‌السلام في مسجد الكوفة في بعض الأوقات. ( سلطان )

٢٣٧

في مكانها أو في مسجد آخر فإنها تسبح » (١).

ولا يجوز للحائض والجنب أن يدخلا المسجد إلا مجتازين (٢).

٧١٨ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : « خير مساجد نسائكم البيوت ».

٧١٩ ـ وسئل « عن الوقوف على المساجد ، فقال : لا يجوز فإن المجوس أوقفوا على بيوت النار » (٣).

__________________

(١) المشهور بين الأصحاب حرمة اخراج الحصى من المسجد ووجوب الرد إليه أو إلى غيره. (م ت)

(٢) واستثنى منه مسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله زادهما الله شرفا وتعظيما فليس للجنب والحائض الاجتياز فيهما

(٣) روى المؤلف في آخر كتاب الوقف ، والشيخ في التهذيب ج ٢ ص ٣٧٦ عن العباس بن عامر عن أبي الصحارى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت له : رجل اشترى دارا فبقيت عرصة فبناها بيت غلة أتوقف على المسجد؟ فقال : ان المجوس أقفوا على بيت النار ». والمحكى عن الشهيد ـ رحمه‌الله ـ أنه قال في الذكرى : يستحب الوقف على المساجد بل هو من أعظم المثوبات لتوقف بقاء عمارتها عليه التي هي من أعظم مراد الشارع ، ثم ذكر  ـ رحمه‌الله ـ خبر أبي الصحارى وقال : أجاب عنه بعض الأصحاب بان الرواية مرسلة ، وبامكان الحمل على ما هو محرم فيها كالزخرفة والتصوير ـ انتهى.

أقول : قوله ـ قدس‌سره ـ : « يستحب الوقف على المساجد » ليس له دليل شرعي الا العمومات ولا تشمله بعد ورود المنع ، وأما توقف بقائها عليه فغير معلوم فان المساجد التي ليس لها موقوف في عصرنا هذا كلها عامرة بل أشد عمرانا من المساجد التي لها موقوفات ، وان سلمنا ليس هو دليل شرعي يؤخذ به بل هو من قبيل الاستحسانات. وأما ارسال السند فمدفوع لان طريق الصدوق إلى العباس بن عامر القصباني معلوم في المشيخة ، وأما الحمل على ما هو محرم فيها فلا وجه له.

وقال الفيض ـ رحمه‌الله ـ « المستفاد من الخبر تعليل المنع بالتشبه بالمجوس ولعل الأصل فيه خفة مؤونة المساجد وعدم افتقارها إلى الوقف إذا بنيت كما ينبغي ، وإنما افتقرت إليه للتعدى عن حدها ».

وقال المولى المجلسي ـ رحمه‌الله ـ : « عبارة الخبر محتمل للجواز بأن يكون المراد

٢٣٨

٧٢٠ ـ وروي أن في التوراة مكتوبا « إن بيوتي في الأرض المساجد ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي ، ألا إن على المزور كرامة الزائر (١) ، ألا بشر المشائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة ».

٧٢١ ـ وروي « أن البيوت التي يصلى فيها بالليل يضئ نورها لأهل السماء كما يضئ نور الكواكب لأهل الأرض ».

٧٢٢ ـ وروي « أن عليا عليه‌السلام مر على منارة طويلة فأمر بهدمها ، ثم قال : لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد » (٢).

٧٢٣ ـ « وإن الله تبارك وتعالى ليريد عذاب أهل الأرض جميعا حتى لا يحاشي منهم أحدا فإذا نظر إلى الشيب (٣) ناقلي أقدامهم إلى الصلوات والولدان يتعلمون القرآن رحمهم‌الله فأخر ذلك عنهم » (٤).

__________________

أنه إذا كان المجوس أوقفوا عن بيت النار الباطل فإنهم أولى بأن يوقفوا على المسجد الحق » أقول : هذا الاحتمال في غاية البعد كما ترى. والحق أن عبارة الخبر لا تدل على النهى التحريمي بل غاية ما يستفاد منه الكراهة ووجهها معلوم عند ذوي البصائر ، فان المسجد إذا لم يكن له موقوف لا مطمع لاحد فيه ولا يتخذ دكانا يتنازع في إمامته وتوليته وغير ذلك ، وقال سلطان العلماء : « يحتمل أن يكون مراده بالسؤال عن الوقوف على المساجد وقوف الأولاد عليها للخدمة وجوابه عليه‌السلام والتعليل بان المجوس أوقفوا على بيوت النار يشعر ان بهذا الحمل وما في القاموس من » وقف يقف وقوفا أي دام قائما ، والنصراني وقيفى ـ بكسر القاف المشددة كخليقي ـ : خدم البيعة « يعضده كما لا يخفى على من له ذوق سليم » انتهى. وهو كما ترى مخالف لصريح الخبر الذي نقلناه عن العباس بن عامر.

(١) روى المؤلف صدر هذا الخبر في ثواب لأعمال ص ٤٥ في حديث وذيله في آخر.

(٢) يفهم منه حرمة بناء المنارات العالية لحمرة الاشراف على بيوت المسلمين ، وحمله الأكثر على الكراهة وان حكموا بحرمة الاشراف.

(٣) قوله « ليريد » اللام دخلت على خبر « ان » للتأكيد. وقوله : « لا يحاشى » أي لا يستثنى. والشيب اما ـ بسكر الشين ـ فجمع أشيب على القياس ، واما بضم الشين وشد الياء فجمع شائب. وهو المبيض الرأس.

(٤) رواه المصنف في ثواب الأعمال باسناده ، عن الأصبغ بن بناته ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وفيه « ان الله عزوجل ليهم بعذاب أهل الأرض جميعا ، لا يحاشى منهم أحدا ـ »

٢٣٩

ومن أراد دخول المسجد فليدخل على سكون ووقار فإن المساجد بيوت الله وأحب البقاع إليه ، وأحبهم إلى الله عزوجل [ رجلا ] أولهم دخولا وآخرهم خروجا (١).

ومن دخل المسجد فليدخل رجله اليمنى قبل اليسرى ، وليقل « بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، اللهم صل على محمد وآل محمد وافتح لنا أبواب رحمتك ، واجعلنا من عمار مساجدك ، جل ثناء وجهك ». وإذا خرج فليخرج رجله اليسرى قبل اليمنى وليقل : « اللهم صل على محمد وآل محمد ، وافتح لنا باب رحمتك » (٢).

* ( باب ) *

* ( المواضع التي تجوز الصلاة فيها والمواضع التي لا تجوز فيها ) *

٧٢٤ ـ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي : جعلت لي

__________________

(١) الظاهر أن « رجلا » منصوب بتقدير « يكون » وفى بعض النسخ « رجل » وعلى التقديرين « أولهم » خبر مبتدأ محذوف أي هو أولهم دخولا والجملة صفة رجل. وفى بعضها « أحبهم إلى الله عزوجل أولهم » بدون لفظ رجل ، و « دخولا » تميز يرفع الابهام عن إضافة أول إلى ضمير ، وكذا القول في « آخرهم خروجا » ( مراد ).

(٢) راجع التهذيب ج ١ ص ٣٢٦ وفيه في حديث عبد الله بن الحسن « وإذا خرجت فقل » اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب فضلك « وفى حديث سماعة » إذا دخلت المسجد فقل :  « بسم الله والسلام على رسول الله ان الله وملائكته يصلون على محمد وآل محمد والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته ، رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك » وإذا خرجت فقل مثل ذلك.

٢٤٠