الدّرر الملتقطة في تفسير الآيات القرآنيّة

المؤلف:

محمد إسماعيل الخواجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٨

والوصول الى دار الثواب.

وقيل : الاولى الاخلاص ، والثانية الخلاص. الى غير ذلك من الاقوال.

ولما كان دفع الضرر اهم من جلب النفع ، صرح بذلك في قوله « وقنا عذاب النار » قيل : معناه واحفظنا من الشهوات والذنوب المؤدية الى النار.

* ولاتنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ... [ الآية : ٢٢١ ]

قال في الكشاف : « ولا تنكحوا المشركات » اي : الكافرات مطلقا كتابية وغيرها ، فان الكتابي ايضا يقال له : مشرك ، بدليل قوله تعالى : « وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله » الى قوله سبحانه « عما يشركون (١) ». (٢).

وفيه ان شمول المشرك للكتابي الذي يقوله بوحدانية الواجب غير ظاهر لغة وعرفا.

والقول بأن لله ابنا لا يستلزم الشرك الحقيقي ، واطلاقه عليه في الآية لابد من كونه حقيقة فيهم ايضا ، حتى يرادوا منه مطلقا ، فاطلاق الشرك مع القرينة لا يدل على اطلاقه بدونها.

وايضا قول كل اهل الكتاب بالابن غير ظاهر. والعطف في « لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين » (٣) ظاهر في التغاير ، وله مؤيدات من الايات والاخبار.

____________

(١) التوبة : ٣٠ ـ ٣١.

(٢) الكشاف : ١ / ٣٦٠.

(٣) البينة : ١.

٦١

* حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين [ الآية : ٢٣٨ ]

قال ابن الاثير في النهاية : فيه « تفكر ساعة خير من قنوت ليلة » وقد تكرر ذكر القنوت في الحديث ، ويرد بمعان متعددة ، كالطاعة ، والخشوع ، والصلاة ، والدعاء ، والعبادة ، والقيام ، وطول القيام ، والسكوت ، فيصرف في كل واحد من هذه المعاني الى ما يحتمله لفظ الحديث الوارد فيه.

وفي حديث زيد بن ارقم « كنا نتكلم في الصلاة حتى نزل « وقوموا لله قانتين » فأمسكنا عن الكلام » اراد به السكوت.

وقال ابن الانباري : القنوت على اربعة اقسام : الصلاة ، وطول القيام ، واقامة الطاعة ، والسكوت (١) انتهى.

وقال في القاموس : القنوت الطاعة ، والسكوت ، والدعاء في الصلاة ، والامساك عن الكلام ، واقنت دعا على عدوه ، واطال القيام في صلاته ، وادام الحج ، واطال الغزو ، وتواضع لله (٢).

وقال في الصحاح : القنوت الطاعة ، هذا هو الاصل ، ثم سمي القيام في الصلاة قنوتا. وفي الحديث « افضل الصلاة طول القنوت » ومنه قنوت الوتر (٣) انتهى.

ولا ريب في ان المراد من لفظ القنوت الوارد في الاحاديث التي دلت على وجوبه او استحبابه على اختلاف القولين فيه من هذه المعاني ، هو الدعاء لا غير

____________

(١) نهاية ابن الاثير : ٤ / ١١١.

(٢) القاموس المحيط : ١ / ١٥٥.

(٣) صحاح اللغة : ١ / ٢٦١.

٦٢

بقرينة المقام.

وقال ابن عباس في قوله تعالى : « وقوموا لله قانتين » معناه داعين. والقنوت هو الدعاء في الصلاة حال القيام ، وهو المروي عن ابي جعفر وابي عبد الله ـ عليهما السلام. وكذلك فسره محمد بن بابويه بقوله : داعين. وقيل : طائعين. وقيل : خاشعين (١).

وقال في الكشاف : هو الركود وكف الايدي والبصر (٢).

وقيل : الاولى ان يفسر القنوت بذكر الله قائما انسب من الدعاء فانه اعم ، والاصحاب لا يشترطون الدعاء في القنوت ، فانهم يجعلون كلمات الفرج افضله وليس فيها دعاء.

وكل ذلك تفسير في مقابل النص ، فهو غير مسموع ، فتأمل.

اقول : وقد اختلفت الاثار والاقوال في المراد من الصلاة الوسطى :

ففي الفقيه في رواية زرارة بن اعين الطويلة ، نأخذ منها موضع الحاجة قال قلت لابي جعفر ـ عليه السلام : اخبرني عما فرض الله من الصلوات؟ فقال : خمس صلوات في الليل والنهار.

الى ان قال الامام ـ عليه السلام ـ وقال « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » وهي اول صلاة صلاها رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ، وهي وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر (٣).

وفي آيات الاحكام للراوندي : عن زيد بن ثابت ان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ كان يصلي بالهاجرة ، وكانت اثقل الصلوات على اصحابه ، فلا يكون وراءه الا الصف والصفان ، فقال : لقد هممت ان احرق على قوم لا يشهدون

____________

(١) راجع مجمع البيان : ١ / ٣٤٣.

(٢) الكشاف : ١ / ٣٧٦.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٩٥ ـ ١٩٦.

٦٣

الصلاة بيوتهم فنزلت الآية (١).

وفيه دلالة ما على ان الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر ، وقد اختلف فيها ، فذهب الى كل صلاة سوى صلاة العشاء طائفة ، ولم ينقل عن احد من السلف انها صلاة العشاء.

وذكر بعض المتأخرين انها هي ؛ لانها بين صلاتين لا تقصران ، كذا ذكره چلبي في حاشيته على المطول.

وقيل : هي احدى الخمس لا بعينها ، ابهمها الله تحريصا للعباد على المحافظة على جميعها ، كما في ليلة القدر وساعة الجمعة.

وقال الصدوق في الفقيه وقيل : انزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في السفر ، فقنت فيها ، وتركها على حالها في السفر والحضر ، واضاف للمقيم ركعتين ، وانما وضعت الركعتان اللتان اضافهما النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الامام ، فمن صلى يوم الجمعة في غير جماعة فليصلها اربعاً ، كصلاة الظهر في سائر الايام (٢).

وفي الكشاف : هي صلاة العصر. وعن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ انه قال يوم الاحزاب : شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله بيوتهم ناراً. وقال ـ عليه السلام : انها الصلاة التي شغل عنها سليمان بن داود حتى توارت بالحجاب.

وعن حفصة انها قالت لمن كتب لها المصحف : اذا بلغت هذه الآية ، فلا تكتبها حتى امليها عليك كما سمعت رسول الله يقرؤها ، فأملت عليه : والصلاة الوسطى صلاة العصر.

وعن عائشة وابن عباس : والصلاة الوسطى وصلاة العصر ، بالواو. فعلى

____________

(١) مجمع البيان : ١ / ٣٤٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٩٦.

٦٤

هذه القراءة يكون التخصيص بصلاتين احداهما الصلاة الوسطى : اما الظهر ، واما الفجر ، واما المغرب ، على اختلاف الروايات فيها. والثانية العصر.

وعن ابن عمر هي صلاة الظهر. وعن مجاهد هي الفجر. وعن قبيصة هي المغرب. (١) ومشى على اثره البيضاوي.

وقال مولانا احمد الاردبيلي رحمه الله في ايات احكامه بعد ذكر الآية : كان الامر بمحافظة الصلوات بالاداء لوقتها ، والمداومة عليها ، بعد بيان احكام الازواج والاولاد ، لئلا يليهم الاشتغال بهم عنها ، وخصها بعد العموم للاهتمام بحفظها لافضليتها.

ثم قال وقيل : هي مخفية كساعة الاجابة ، واسم الله الاعظم ؛ لان يهتموا بالكل غاية الاهتمام ، ويدركوا الفضيلة في الكل ، فهي تدل على جواز العمل المبين لوقت من غير جزم بوجوده ، مثل عمل ليلة القدر والعيد واول رجب وغيرها ، مع عدم ثبوت الهلال ، وقد صرح بذلك في الاخبار.

ثم قال بعد كلام : فدلت الآية على وجوب محافظة الصلوات ، خرج ما ليس بواجبة منها اجماعا ، بقي الباقي منها تحت العموم ، فلا يبعد الاستدلال بها على وجوب الجمعة والعيدين والايات ايضا (٢).

أقول : قوله « اجماعا » قيد للسلب ، اي : خرج صلوات عدم وجوبها اجماعي من كونها داخلة في كونها مأمورة بالمحافظة ، وبقيت الصلوات المعلوم وجوبها ومشكوكة مندرجة في عموم الآية ، لعدم الدليل على التخصيص.

فحينئذ يمكن الاستدلال بالآية على وجوب الصلوات المشكوك وجوبها ، بظهور الامر في الوجوب ، خصوصا الاوامر القرآنية ، وخصوصا عند ملاحظة وجوب محافظة الصلوات المعلوم وجوبها ، ومشاركة الصلوات المشكوك وجوبها

____________

(١) الكشاف : ١ / ٣٧٦.

(٢) زبدة البيان : ٤٩ ـ ٥٠.

٦٥

معها في كونها متعلقة للامر بالمحافظة.

وفيه ان الآية ظاهرها وجوب محافظة الصلوات الثابت وجوبها ، فلو ثبت ان الجمعة وغيرها في هذا الزمان من تلك الصلوات وجبت محافظتها ، والا فلا.

فان ما ليس بثابت وجوبه من الصلوات لا تجب محافظتها ولا فعلها ؛ اذا الاصل عدم الوجوب وبراءة الذمة الى ان يقوم دليل يفيد اليقين او الظن بخلافه ، ولم يقم بعد دليل كذائي على وجوب الجمعة في هذا الزمان ، والا لم تكن من الصلوات المشكوك وجوبها.

مع ان الآية على ما نقله الراوندي في آيات احكامه عن زيد بن ثابت وقد مر ، انما نزلت في الامر بمحافظة الصلوات المفروضة اليومية ، وكون الجمعة منها لم يثبت بعد.

وبالجملة : اما ان يحمل الآية على الامر بمحافظة الصلوات المفروضة اليومية ، او مطلق الفريضة ، او مطلق الصلاة اليومية ، فريضة كانت او نافلة ، او مطلق الصلاة المأمور بها ، يومية كانت او غير يومية.

فعلى الاحتمالين الاولين لا وجه للاستدلال بها على وجوب ما لم يعلم وجوبه ؛ لان كونه مندرجا في الامر بالمحافظة حينئذ غير ظاهر.

وعلى الاحتمالين الاخيرين ايضا لا يصح الاستدلال بها على وجوب الصلوات المشكوك وجوبها ، لكون المحافظة المأمور بها حينئذ مطلقة جارية في النوافل ايضا ، فظهر ان ظاهر الآية احد الاحتمالين الاولين ، لكون ظاهرها وجوب المحافظة.

فان قلت : يمكن ترجيح الاحتمال الثاني ، بأن ما ذكرته انما يدل على تخصيص الصلوات بالفرائض. وأما تخصيصها باليومية ، فلا دليل عليه.

فحينئذ نقول : الصلوات المشكوك وجوبها التي ثبت وجوبها في زمان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ، مثل الجمتة والعيدين ، يمكن اثبات وجوبها في زمانها بما يدل على عموم الحكم الازمان ، وان ادى بخطاب المشافهة ما لم يدل

٦٦

دليل على خصوصه.

قلت : يمكن الاستدلال على العموم ان دل ضرورة الدين او المذهب او الاجماع على حرف الخطاب عن ظاهره ، وهو فيما نحن فيه منتف.

ثم الكلام في الاستدلال بها على وجوب الجمعة على تقدير ترجيح الاحتمال الاول بالتبادر وكون الجمعة من اليومية وما عليه ، ظاهر بما ذكرته من غير حاجة الى التفصيل.

هذا وفي الفقيه عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ في جواب نفر من اليهود عن علة وجوب خمس صلوات ، وعن كونها في المواقيت المخصوصة ، قال : وأما صلاة العصر ، فهي الساعة التي اكل آدم ـ عليه السلام ـ فيها من الشجرة ، فأخرجه الله من الجنة ، فأمر الله عز وجل ذريته بهذه الصلاة الى يوم القيامة ، واختارها لامتي ، فهي من احب الصلوات الى الله عز وجل ، واوصاني ان احفظها من بين الصلوات (١).

وفي رواية ابي جعفر ـ عليه السلام ـ انه قال في بعض القراءات « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » صلاة العصر « وقوموا لله قانتين » في صلاة الوسطى (٢).

وفي جوامع الجامع : روي عنهم ـ عليهم السلام ـ انها صلاة الظهر. وقيل : هي صلاة العصر ، وروي ذلك ايضا مرفوعا. وقيل : صلاة الفجر ، يدل عليه قوله « وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهوداً » (٣).

وفي مجمع البيان : قيل هي صلاة الظهر ، لتوسطه في النهار. وقيل : العصر ، لتوسطه بين صلاة النهارية والليلية. وقيل : هي المغرب ، لتوسطه في الطول

____________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢١٢ ـ ٢١٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٩٦.

(٣) جوامع الجامع : ٤٤.

٦٧

والقصر. وقيل : هي العشاء الاخرة ، لتوسطه بين صلاتين غير مقصورتين. وقيل : هي الصبح ، لتوسطه بين الضياء والظلام (١).

وقال الراوندي في آيات احكامه : هي العصر فيما روي عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وعن علي ـ عليه السلام ـ وعن ابن عباس والحسن ، وقال الحسن بن علي المغربي : هي صلاة الجماعة ، لان الوسط العدل ، فلما كانت صلاة الجماعة افضلها خصت بالذكر.

ثم قال : وهذا وجه مليح ، غير انه لم يذهب اليه غيره. (٢) وقال في فصل اخر : وذكر انها الجمعة يوم الجمعة ، والظهر سائر الايام ، ثم ذكر اقوالا كثيرة سبقت ، ووجودها عديدة سبق بعضها ، وسيأتي بعض آخر (٣).

وفي القاموس : والصلاة الوسطى المذكورة في التنزيل : الصبح ، او الظهر ، او العصر ، او المغرب ، او العشاء ، او الوتر ـ او الفطر ، او الأضحى ، او الضحى ، او الجماعة ، او جميع الصلوات المفروضات ، او الصبح والظهر (٤) معا ، او صلاة غير معينة ، او العشاء والصبح معا ، او صلاة الخوف ، او الجمعة في يومها وفي سائر الايام الظهر ، او المتوسطة بين الطول والقصر ، او كل من الخمس ، لان قبلها صلاتين وبعدها صلاتين.

ابن سيدة : من قال انها غير صلاة الجمعة فقد اخطأ ، الا ان يقوله برواية مستندة الى النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قيل : لا يرد عليه « شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر » لانه ليس المراد بها في الحديث المذكور في التنزيل (٥) الى

____________

(١) مجمع البيان : ١ / ٣٤٣.

(٢) فقه القرآن للراوندي : ١ / ١١٢ ـ ١١٣.

(٣) فقه القرآن : ١ / ١٤٠.

(٤) في المصدر : والعصر.

(٥) القاموس المحيط : ٢ / ٣٩١ ـ ٣٩٢.

٦٨

هنا كلامه.

وجميع ما احتمله من الصلوات محتمل ، الا صلاة الضحى ، فانها بدعة عندنا. فهذا ما وصل الينا من الاقوال في الصلاة الوسطى.

ثم العجب العجيب والامر الغريب من الفاضلين المشهورين الشهيد الثاني والمحقق الكاشاني انهما راما ان يستدلا بالآية على وجوب الجمعة وعينيّتها في هذا الزمان ، ثم استندا في ذلك الى قول المحققين.

قال المحقق الكاشاني في رسالته : وقال عز وجل « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » خص الصلاة الوسطى بالامر بالمحافظة عليها من بين الصلوات بعد الامر بالمحافظة على الجميع ، والذي عليه المحققون انها صلاة الظهر في غير يوم الجمعة ، وفيها هي الجمعة. وقال جماعة من العلماء : انها هي الجمعة لا غير ، كذا قال زين المحققين طاب ثراه في بعض فوائده (١) انتهى.

فياليت شعري من هم اولئك المحققين الذين تمسكا بقولهم على اثبات مرامهما؟ فلعلهما تشبثا فيه بما نقله الصدوق بلفظ القيل وقد مر ، او بما احتمله صاحب القاموس واخذ منه غيره ، او بما قاله ابن سيدة.

ولابأس به ، اذ الغريق يتشبث بكل حشيش ، ولكنه مناف لقوله في المقدمة : والادلة الشرعية منحصرة عندنا في هذه الثلاثة ، فكيف يستدل بقول المحققين؟ مع عدم تحققه ومخالفته لكثير من الاخبار.

فانظروا يا اولي الابصار الى اولئك الاخبار ، كيف يموهون الاحكام على الابرار؟ ولا يبالون بما فيه من الاخطار والانذار ، ومن مؤاخذة الملك الجبار المدعو بالقهار ، فنعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا (٢).

____________

(١) الشهاب الثاقب : ١٦.

(٢) ليس الغرض من هذا الكلام الطعن على اولئك الاعلام ، كلا وحاشا ثم كلا وحاشا ، بل الغرض ان لا يعتمد على استدلالهم بهذه الايات ، ولا سيما هذه الآية منها بمخالفته كثيرا من الاقوال وجلها ، ومصادمته غفيرا من الاخيار بل كلها كما عرفت « منه ».

٦٩

اعلم ان المستدل قدس سره نقل في اخر رسالته هذه عن زين المحققين انه قال في اخر رسالته : قد وردت الاخبار بأن الصلاة اليومية من بين العبادات بعد الايمان افضل مطلقا ، وورد ايضا افضل الصلوات اليومية الصلاة الوسطى التي خصها الله تعالى من بينها بالامر بالمحافظة عليها ، واصح الاقوال ان الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر ، وصلاة الظهر يوم الجمعة هي صلاة الجمعة على ما تحقق ، او هي افضل فرديها على ما تقرر (١).

اقول : هذا القول منه مناف لما نقله عنه المستدل في هذا الموضع ، لتصريحه بأن اصح الاقوال انها صلاة الظهر ، الا انه لما زعم ان صلاة الظهر يوم الجمعة هي صلاة الجمعة ، يلزم منه بناءً عما زعمه هذا كون الصلاة الوسطى يوم الجمعة صلاة الجمعة.

لكنه لا يعطي ان الصلاة الوسطى عند المحققين هي صلاة الجمعة ، او انها صلاة الظهر في غير يوم الجمعة وفيها هي الجمعة ، وذلك ظاهر.

ثم مما لا يقضي منه العجب ان المستدل كيف نقل عنه هذا في اول رسالته وذلك في آخرها من غير تعرض للجمع بينهما؟ وانى له ذلك ، مع ما بينهما من التهافت والتساقط.

أسأل الله تبارك وتعالى العصمة من الزلل والسداد في الرأي ، والحمد لله رب العالمين.

* الله لا اله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة لا نوم ... [ الآية : ٢٥٥ ]

السنة كالعدة مثال واوي ، وهي ما يتقدم النوم من الفتور الذي يقال له

____________

(١) الشهاب الثاقب : ١٠٠ ـ ١٠١.

٧٠

النعاس ايضا. والنوم : حال يعرض للحيوان عند استرخاء اعصاب الدماغ في رطوبات الابخرة المتصاعدة ، بحيث يقف الحواس الظاهرة عن الاحساس رأساً.

فان قلت : ذكر النوم كان مغنياً عن ذكر السنة ، للزومها له وتقدمها عليه طبعاً.

قلت : ليس كذلك ؛ لانه يمكن تحقق النوم بدون السنة ، فتقدمها عليه غير لازم.

ولو سلم اللزوم ، فيمكن ان يكون ذكرها للتصريح بالاستقصاء والاحاطة ، ثم القول بفوات المبالغة التي تناسب المقام ، لا يليق بكلام الملك العلام.

فالحق ان يقال : ان في تقديمها عليه مبالغة لطيفة مع رعاية ترتيب الوجود ؛ لان مفهوم قوله « لا تأخذه سنة ولا نوم » انه لا يغلبه السنة التي هي سبب غفلة الشخص في الجملة ، ولا النوم الذي هو سبب الغفلة بالكلية.

وحاصله : انه لا يمنعه مانع جزئي ولا مانع كلي عن حسن قيامه بحفظ المخلوقات.

ولا يخفى ان هذا الاداء مشتمل على المبالغة ، وهذه الجملة تأكيد للقيوم ، فان من كان دائم القيام بحفظ شيء ، لزمه عدم عروض السنة والنوم له اصلاً ، والا اصل لزوم الشيء وذكر لازم الشيء بعده تأكيده له ، ولما كانت هذه الجملة تأكيداً لما اشتملت عليه الاولى ترك العاطف بينهما.

٧١
٧٢

سورة آل عمران

فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين. [ الآية : ٦١ ]

قال القوشجي : ليس المراد به نفسه ـ صلى الله عليه وآله ـ لان احدا لا يدعو نفسه ، كما لا يأمر نفسه ، وليس المراد به فاطمة والحسن والحسين ـ عليهم السلام ـ لانهم ادرجوا في قوله تعالى : « وابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم ».

فلا بد وان يكون شخصا اخر غير نفسه ـ صلى الله عليه وآله ـ وغير فاطمة والحسن والحسين ـ عليهم السلام ـ وليس غير علي بالاجماع ، فتعين ان يكون عليا ـ عليه السلام.

وبيان دلالته على كونه افضل الصحابة ان دعاءه للمباهلة يدل على انه في غاية الشفقة والمحبة لعلي ـ عليه السلام ـ والا لقال المنافقون : ان الرسول لم يدع للمباهلة من يحبه ويحذر عليه من العذاب.

اقول : هذه حق. واما استدلال اصحابنا بآية المباهلة على كونه ـ عليه السلام ـ مساويا للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ في الفضيلة والشرافة ، وهو اشرف من سائر الانبياء ، فيكون مساويه كذلك ، فباطل يرد عليه مفاسد وهم عنها غافلون.

قال آية الله العلامة والنحرير الفهامة روح الله روحه في جواب من سأله

٧٣

عما ورد ان آدم ونوحاً ضجيعان لمولانا امير المؤمنين ـ عليهم السلام ـ هل صح ذلك؟

هذا شيء مشهور ، والاعتماد فيه على النقل ، ومع ذلك فأي فضيلة لامير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ فيه؟ فان الشيعة استدلوا بالقرآن على ان امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ مساويا للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ لقوله تعالى : « وانفسنا » والمراد به علي ـ عليه السلام ـ والاتحاد محال ، فبقي ان يكون المراد المساواة ، ولا شك ان محمداً ـ صلى الله عليه وآله ـ اشرف من غيره من الانبياء ، فيكون مساويه كذلك (١).

ولا يذهب عليك ان ما ذكره من مساواتهما صلوات الله عليهما وآلهما وقت نزول الآية ، كما هو مقتضى دليله هذا ، ينافيه ما روي عنه ـ عليه السلام ـ ان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ علمه عند وفاته الف باب فتح من كل باب الف الف باب.

اذ المتعلم لا يكون مساويا لمعلمه ، ضرورة تقدمه عليه تقدما بالشرف ، مع ما في تساويهما وقتئذ من ترجيح احد المتساويين على الاخر على تقدير كون احدهما رعية والاخر اماما له.

والا يلزم : اما القول بالتشريك ، او عدم كونه حجة عليه ، وهو ينافي عموم رسالته ، وكونه رحمة العالمين ، ومبعوثا على الاسود والابيض.

ثم ان هنا اشكالا اخر اقوى منه ، وهو انه ـ عليه السلام ـ بعد النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بضعا وثلاثين سنة ، ولا شك انه ازداد في هذه المدة الطويلة علما وفضلا وكمالاً جسمانياً وروحانياً استحق به الثواب ، ولا لكان مغبونا في هذه المدة ، بل كل من ساوى يوماه فهو مغبون.

وكيف لم يزدد بعده ـ صلى الله عليه وآله ـ فضلاً وثواباً ، وغزواته ـ عليه

____________

(١) اجوبة المسائل المهنائية : ٥٠ ـ ٥١.

٧٤

السلام ـ مع القاسطين والناكثين والمارقين مشهورة ، ومجاهداته في الله وعباداته في الكتب مسطورة.

فعلى ما ذكره قدس سره مقلدا فيه السلف من غير ان يمعن النظر فيه وفيما فيه ، يلزم ان يكون علي ـ عليه السلام ـ افضل من النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بمراتب ، اذ لا يعنى بالافضل هنا الا اكثر ثوابا ، وهو ـ عليه السلام ـ على هذا الفرض اكثر منه ـ صلى الله عليه وآله ـ فضلا وثوابا بمراتب شتى ، وهذا مع انه ينافيه كونه ـ صلى الله عليه وآله ـ اشرف الموجودات وافضل الكائنات.

وقوله : ما خلق الله خلقا افضل مني ولا اكرم على الله مني.

وقوله : انا سيد ولد ادم (١).

وفي رواية اخرى : انا سيد من خلق الله.

وقوله في حديث اخر اورده الشيخ ابن فهد في العدة : علي سيد العرب ، فقيل : يا رسول الله الست سيد العرب؟ فقال : انا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب. فقيل : وما السيد؟ قال : من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي (٢).

وقولهم ـ عليهم السلام ـ في الادعية المأثورة : وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد وآله.

وخاصة قول علي ـ عليه السلام ـ في خطبة يوم الغدير المذكورة في الكفعمي (٣) ، قرن الاعتراف بنبوته بالاعتراف بلا هوتيته ، واختصه من تكريمه بما لم يلحقه فيه احد من بريته ، فهو اهل ذلك بخاصته وخلته.

وفي خطبة اخرى له ـ عليه السلام : الا وان الوسيلة اعلى درجة الجنة ،

____________

(١) كنز العمال : ١١ / ٤٣٤ ، وعوالي اللئالي : ٤ / ١٢١.

(٢) عدة الداعي : ٣٠٥.

(٣) المصباح للكفعمي : ٦٩٥.

٧٥

وذروة ذوائب الزلفة ، ونهاية غاية الامنية ، لها الف مرقاة ، ما بين المرقاة الى المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام ، ورسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ قاعد عليها مرتد بريطتين : ريطة من رحمة الله ، وريطة من نور الله ، عليه تاج النبوة واكليل الرسالة ، قد اشرف بنوره المواقف ، وانا يؤمئذ على الدرجة الرفيعة ، وهي دون درجته وعليّ ريطتان : ريطة من ارجوان النور ، وريطة من كافور (١).

قال في مجمع البحرين : وفي الحديث في وصف علي ـ عليه السلام ـ في الجنة « وعليه ريطتان : ريطة من ارجوان النور ، وريطة من كافور » ومثله في وصف رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ « مرتد بريطتين » الريطة بالفتح : كل ملاءة اذا كانت قطعة واحدة وليست لفقتين اي قطعتين ، والجمع رياط مثل كلبة وكلاب ، وريط مثل تمرة وتمر (٢).

وفي نهاية ابن الاثير : وقيل الريطة كل ثوب رقيق لين (٣).

مما لم يقل به احد المسلمين ، وكيف يقول به مسلم؟ ودرجته باعترافه دون درجته ، والمساواة في الفضيلة ملزوم المساواة في الدرجة ؛ بل هو هو.

وكيف يساويه احد في الدرجة والفضيلة؟ وهو اول من تشرف بعناية الله وصار مظهر جلاله وجماله ، وقد تقرر في مقره ان اول خلق الله اشد مناسبة بذاته تعالى ، اذ لا واسطة بينه وبن خالقه.

وايضا فان اراد به انه مساو له مع وصفه بالنبوة ، يلزم منه ان يكون نبيا مثله ، وان اراد به انه مع قطع النظر عن ذلك مساو له.

فعلى تقدير التسليم لا يلزم منه ما ادعاه ، اذ لا يلزم منه كونه ـ صلى الله عليه وآله ـ مع وصف النبوة وسائر الفضائل افضل من اولي العزم ، كونه ـ عليه

____________

(١) روضة الكافي : ٨ / ٢٤ ـ ٢٥.

(٢) مجمع البحرين : ٤ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

(٣) نهاية ابن الاثير : ٢ / ٢٨٩.

٧٦

السلام ـ بدون هذا الوصف افضل منهم ، كيف؟ ونبوته اشرف النبوات ، ورسالته اكمل الرسالات ، وما بلغ بذلك احد مبلغه.

الا يرى الى ما رواه ثقة الاسلام في اصول الكافي ، عن علي بن ابراهيم ، عن ابيه ، عن ابن عمير ، عن ابن اذينه ، عن زرارة ، عن ابي جعفر ـ عليه السلام ـ قال : نزل جبرئيل ـ عليه السلام ـ على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ برمانتين من الجنة ، فأعطاه اياهما ، فأكل واحدة وكسر الاخرى نصفين ، فأعطى عليا ـ عليه السلام ـ نصفها فأكلها ، فقال : يا علي اما الرمانة الاولى التي اكلتها فالنبوة ، وليس لك فيها شيء ، واما الاخرى فهو العلم ، فأنت شريكي فيه (١).

فهذا حديث صحيح صريح في ان له ـ عليه السلام ـ ربع ماله ـ صلى الله عليه وآله ـ فانه اكل من الرمانتين ثلاثة ارباعهما ، واكل علي ـ عليه السلام ـ ربعا منهما.

ولعله ـ عليه السلام ـ لذلك قال وقد سأله حبر من الاحبار بعد كلام افاده في التوحيد ، فنبي انت؟ : ويلك انا عبد من عبيد محمد. كذا في التوحيد للصدوق رحمه الله (٢).

ثم ان شئت ان تعرف شتان ما بينهما ، فانظر الى ما ورد في طريق العامة عن ابي هريرة ، وتلقاه الخاصة بالقبول ، لورود مثله في طريقهم ، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ لعلي بن ابي طالب ـ عليه السلام ـ يوم فتح مكة : اما ترى هذا الصنم بأعلى الكعبة؟ فقال : بلى يا رسول الله ، قال : فأحملك فتناوله ، قال : بل انا احملك يا رسول الله.

فقال : لو ان ربيعة ومضر جهدوا ان يحملوا مني بضعة وانا حي ما قدروا ،

____________

(١) اصول الكافي : ١ / ٢٦٣ ح ١.

(٢) التوحيد : ١٧٤ ح ٣.

٧٧

ولكن قف يا علي ، فضرب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يديه على ساق علي ـ عليه السلام ـ فوق القرقونس (١) ، ثم اقتلعه من الارض ، فرفعه حتى تبين بياض ابطيه الحديث (٢).

هذا ثم من البين ان ليس المراد بقوله « وانفسكم » هم المتساوون في الدرجة والفضيلة ؛ اذ لا فضل لهم عند الله جناح بعوضة ، بل المراد به الذين كانوا من خاصة هؤلاء المخاطبين وبطانتهم ووليجتهم ، ومن اعزة اهلهم واحبتهم عليهم ، الذين كانوا يخافون عليهم ، ويحذرون من نزول العذاب بهم.

لان ذلك هو مناط المباهلة ومحط فائدتها ، حيث يدل على وثوق المباهل ويقينه بحقيته ، وبطلان طرف المقابل ، فكذا قوله « وانفسنا » من غير فصل.

وكثيراً ما يعبر عن القريب النسبي ، بل عن المشتركين في ملة بالنفس ، كقوله تعالى : « فاقتلوا انفسكم » (٣) اي : ليقتل بعضكم بعضا ، امر من لم يعبد العجل من قوم موسى ـ عليه السلام ـ ان يقتل من عبده.

وقوله تعالى : « ولا تقتلوا انفسكم » (٤) اي : لا يقتل بعضكم بعضا ، لانكم اهل دين واحد ، فأنتم كنفس واحدة ، صرح بذلك اهل التفسير. وعدوا منه قوله تعالى : « فسلموا على انفسكم » (٥).

وقد تطلق النفس على الجنس والنوع ، كفوله تعالى : « لقد جاءكم رسول من انفسكم » (٦) وقوله : « لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولاً من

____________

(١) في المناقب : القرنوس.

(٢) المناقب لابن المغازلي : ٢٠٢.

(٣) البقرة : ٥٤.

(٤) النساء : ٢٩.

(٥) النور : ٦١.

(٦) التوبة : ١٢٨.

٧٨

انفسهم » (١) اي : من جنسهم ، كما في مجمع البحرين (٢).

وامثال ذلك في كتاب الله العزيز غير عزيز ، فيكون مجازاً من الكلام اريد به المبالغة ، كما في حديث السفر : وابدأ بعلف دابتك فانها نفسك (٣). اي كنفسك ، فكما تحتفظ على نفسك فاحتفظ عليها.

ومثله « فاطمة بضعة مني ، وهي قلبي ، وهي روحي التي بين جنبي » (٤) وقوله « عترتي من لحمي ودمي » وامثال ذلك ، فكما لا يلزم في هذه الصورة المساواة في الدرجة والفضيلة ، فكذا هنا من غير فرق.

فيكون المراد بقوله « وانفسنا » من هو بمنزلتها في وجوب رعايتها والمحافظة عليها ، كما المراد بقوله « وانفسكم » كذلك. وهذا امر ظاهر بقرينة المقام ، ولا يشتبه على من له ادنى دربة بالكلام.

ويظهر منه خصوصيته ـ عليه السلام ـ برسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وكونه محبوبا له ، فيدل على فضيلته وفضيلة الذين اتى بهم الرسول الى المباهلة ، وعلى انهم افضل من سائر الصحابة ، واحب الى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ منهم. كما اشار اليه صاحب التجريد (٥) ، وإلا لقال المنافقون : ان الرسول لم يدع للمباهلة من يحبه ويحذر عليه من العذاب.

واما انه يدل على انه مساو له في المرتبة والفضيلة والقرب من الله ، فكلا وحاشا ؛ اذ لا دلالة له عليه بواحد من الدلالات.

ثم اني الى الان لم ار في كلام احد من علماء الشيعة قديماً وحديثاً ممن له

____________

(١) آل عمران : ١٦٤.

(٢) مجمع البحرين : ٤ / ١١٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥١ و ٣٢٤.

(٤) راجع الروايات الواردة عن طرقهم الى احقاق الحق : ١٠ / ١٨٧ ـ ٢٢٨ و ١٩ / ٧٥ ـ ٩٣.

(٥) التجريد : ٢٦٧.

٧٩

ادنى فطانة ، واخذ فطانته بيده ، ولم يقلد فيه احدا ، انه استدل بهذه الآية على المساواة بينهما ، الا في كلام الفاضلين آية الله العلامة وابنه فخر المحققين وزين المدققين.

حيث قال في جواب من سأله عن مولانا امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ هل هو افضل من سائر الانبياء ما خلا نبينا صلوات الله عليهم من غير تفصيل ، ام هو افضل من بعضهم دون بعض؟ وما الحجة في تفضيله عليهم؟ وهل يكون حكم باقي الائمة ـ عليهم السلام ـ من ولده هذا الحكم ام لا؟

هذا امر مختص به صلوات الله عليه ، وامير المؤمنين علي بن ابي طالب ـ عليه السلام ـ افضل من سائر الانبياء غير النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ودليله قوله تعالى : « وانفسنا وانفسكم ».

اجمع المفسرون على ان المراد بالنفس هنا علي ـ عليه السلام ـ والاتحاد محال ، فلم يبق الا المساواة ، ومساوي الافضل افضل قطعاً.

وظاهر انه في ذلك سلك مسلك ابيه من دون تأمل ، ولا تدبر لحسن ظنه به.

نعم نقل عن شيخنا الشهيد قدس سره انه قال : اولوا العزم من الرسل خمسة. وقيل : ستة. والحق الاول ، وهم افضل من سائر النبيين والمرسلين ، وهم : نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلوات الله عليهم.

ولاشك ان محمدا ـ صلى الله عليه وآله ـ افضل من سائرهم بلا خلاف. وأما علي بن ابي طالب ـ عليه السلام ـ فلا شك انه افضل من سائر الانبياء والمرسلين ما عدا الخمسة.

وقال بعض العلماء بتفضيله عليهم ما عدا محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ لانه مساو له ، لقوله « وانفسنا وانفسكم » وكان محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ افضل منهم ، ومساوي الافضل افضل. الى هنا كلامه طاب منامه.

ولا يخفى ان استثناءه الخمسة ، ثم نسبته القول بتفضيله عليهم الى بعض

٨٠