المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف - ج ٢

فضل بن الحسن الطبرسي

المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف - ج ٢

المؤلف:

فضل بن الحسن الطبرسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٦
الجزء ١ الجزء ٢

ودليلنا في المسألة أنه (١) إذا مال الى دار جاره أو الى الطريق ، فقد حصل في ملك الغير ، فيلزمه (٢) الضمان كما لو ترك في الطريق حجرا (٣). وان قلنا لا ضمان عليه ، لأنه لا دليل على ذلك كان قويا.

مسألة ـ ١١٣ ـ : إذا سقط حائط إلى طريق المسلمين ، فعثر إنسان بترابه فمات لم يلزمه ضمانه ، لأنه لا دلالة عليه ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ م ـ ). وقال ( ـ ف ـ ) : يضمن.

مسألة ـ ١١٤ ـ : إذا أشرع (٤) جناحا الى شارع المسلمين ، أو الى درب نافذ وبابه فيه ، أو أراد إصلاح ساباط على وجه لا يضر بالمارة ، فليس لأحد معارضته ولا منعه منه ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، وقال ( ـ ش ـ ) : له ذلك ما لم يمنعه مانع ، فان منعه مانع أو اعترض عليه معترض ، كان عليه قلعه.

يدل على المسألة أن (٥) الأصل جوازه ، وروى أيضا أن عمر بن الخطاب مر بباب العباس ، فقطر ماء من ميزاب فأمر عمر بقلعه ، فخرج العباس وقال : أو تقلع ميزابا نصبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده ، فقال : والله لا حمل (٦) من ينصب هذا الميزاب الى السطح إلا ظهري ، فركب العباس ظهر عمر فصعد فأصلحه.

وهذا إجماع فإن أحدا لم ينكره ، والنبي عليه‌السلام أيضا فعله ، ولان هذه الأجنحة والساباطات والسقائف سقيفة بني النجار وسقيفة بني ساعدة ، وغير ذلك الى يومنا هذا لم ينقل عن أحد اعتراض فيها ، ولا أزيلت باعتراض معترض عليها ، فثبت أن ذلك جائز بإجماع.

__________________

(١) م : دليلنا أنه.

(٢) د : فلزمه.

(٣) م : حجر.

(٤) م : إذا شرع.

(٥) م : دليلنا ان الأصل.

(٦) في الخلاف : لا يحمل.

٣٦١

مسألة ـ ١١٥ ـ : من أخرج ميزابا الى شارع ، فوقع على إنسان فقتله أو متاع فأتلفه ، كان ضامنا ، وبه قال جميع الفقهاء ، الا بعض أصحاب ( ـ « ش » ـ ) فإنه قال : لا ضمان عليه ، لأنه يحتاج اليه. وفي المسألة (١) إجماع الأمة ، لأن هذا القول شاذ لا يعتد به.

مسألة ـ ١١٦ ـ : دية الجنين التام إذا لم تلجه الروح مائة دينار. وقال جميع الفقهاء : ديته غرة عبد أو أمة. وقال ( ـ ش ـ ) : فيها نصف عشر الدية خمسون دينارا ، أو خمس من الإبل.

مسألة ـ ١١٧ ـ : إذا كانت هناك حركة فضربها فسكنت بضربه ، فلا ضمان عليه ، لأن الحركة يجوز أن يكون لريح ويجوز أن يكون للجنين ، فلا يلزم الضمان بالشك وبه قال جميع الفقهاء. وقال الزهري : إذا سكنت الحركة ففيه الغرة ، لأنها إذا سكنت فالظاهر أنه قتله في بطن أمه.

مسألة ـ ١١٨ ـ : إذا ألقت نطفة ، وجب على ضاربها عشرون دينارا. وإذا ألقت علقة ، وجب أربعون دينار. وإذا ألقت مضغة ، وجب ستون دينارا. وإذا ألقت عظاما قبل أن يشق له السمع والبصر ، وجب ثمانون دينارا. فاذا تمَّ خلقه بأن يشق سمعه وبصره وتكامل صورته قبل أن يلجه الروح ، ففيه مائة دينار ، وعندهم فيه غرة عبد أو أمة ، وبكل ذلك عندنا يصير أم ولد وينقضي به عدتها وأما الكفارة ، فلا يجب بإلقاء الجنين على ضاربها.

وقال ( ـ ش ـ ) : إذا تمَّ الخلق تعلق به أربعة أحكام. الغرة ، والكفارة ، وانقضاء العدة ، وأن تكون أم ولد (٢) وان شهدت أربع من القوابل أنه قد تصور وتخلق وان خفي على الرجال قبل ذلك ، وان شهدن أنه مبتدء خلقة بشر غير أنه ما خلق

__________________

(١) م : في هذه المسألة.

(٢) م : وتكون أم ولد.

٣٦٢

فيه تصوير ولا تخطيط ، فالعدة ينقضي به. وأما الأحكام الثلاثة فعلى قولين. وان ألقت مضغة وأشكلت على القوابل لم يتعلق بها الأحكام الثلاثة ، غير العدة قولا واحدا ، وفي العدة قولان.

مسألة ـ ١١٩ ـ : من أفزع غيره وهو يجامع ، حتى عزل عن زوجته الحرة ، كان عليه عشرة دنانير. وكذلك من عزل عن زوجته الحرة بغير اختيارها ، لزمه عشرة دنانير. وخالف جميع الفقهاء في ذلك ، ولم يوجبوا به شيئا.

مسألة ـ ١٢٠ ـ : دية الجنين مائة دينار ، ذكرا كان الجنين أو أنثى. وقال ( ـ ش ـ ) : يعتبر بغيره ، ففيه نصف عشر دية أبيه ، أو عشر دية أمه ، ذكرا كان أو أنثى. وقال ( ـ ح ـ ) : يعتبر بنفسه ، فان كان ذكرا ففيه نصف عشر ديته لو كان حيا ، وان كان أنثى فعشر ديتها لو كانت حية ، وانما تحقق هذه المعاني ليبين الخلاف معهم في جنين الأمة.

مسألة ـ ١٢١ ـ : إذا ضرب بطنها فألقت جنينا ، فإن ألقته (١) قبل وفاتها ثمَّ ماتت ، ففيها ديتها ، وفي الجنين ان كان قبل أن تلجه الروح مائة دينار على ما مضى وان كان بعد ولوج الروح فيه فالدية كاملة ، سواء ألقته جنينا ثمَّ مات أو ألقته ميتا إذا علم أنه كان حيا معها.

وقال ( ـ ش ـ ) : عليه ديتها وفي الجنين الغرة ، سواء ألقته ميتا أو حيا ثمَّ مات ، وبه قال ( ـ « ح » ـ ) إلا في فصل ، وهو إذا ألقته ميتا بعد وفاتها ، فإنه قال : لا شي‌ء فيه بحال.

وفي المسألة إجماع الفرقة وأخبارهم ، وهي قضية أمير المؤمنين عليه‌السلام فيمن ضرب امرأة على بطنها فماتت ومات الولد في بطنها ، فقضى باثني عشر ألفا وخمسمائة درهم خمسة آلاف ديتها ، ونصف دية الذكر ونصف دية الأنثى ، لما أشكل الأمر في ذلك.

__________________

(١) د : فإن ألقت.

٣٦٣

مسألة ـ ١٢٢ ـ ( ـ « ج » ـ ) : دية الجنين موروث عنه ، ولا يكون لامه خاصة ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ش ـ ). وقال الليث بن سعد : تكون لامه ولا تورث عنه ، لأنه بمنزلة عضو من أعضائها.

مسألة ـ ١٢٣ ـ : كل موضع أوجبنا فيه الدية الجنين ، فإنه لا يجب فيه كفارة القتل ، لأنه لا دلالة عليه ، وبه قال ( ـ ح ـ ). وقال ( ـ ش ـ ) : كل موضع يجب فيه الغرة يجب فيه الكفارة.

مسألة ـ ١٢٤ ـ : إذا قتل الإنسان نفسه ، لم يتعلق بقتله دية بلا خلاف ولا كفارة ، لأنه لا دلالة عليه. وقال ( ـ ش ـ ) : تجب عليه الكفارة يخرج من تركته ، وان قلنا بذلك كان قويا ، لقوله تعالى ( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (١) ولم يفصل.

مسألة ـ ١٢٥ ـ : دية جنين اليهودي والنصراني والمجوسي عشر ديته ثمانون درهما. وقال ( ـ ش ـ ) : فيه الغرة قيمتها عشر دية أمه مائتا درهم ان كانت يهودية أو نصرانية ، لان ديتها عنده ألفان ، وقال في المجوسية عشر دية أمه أربعون درهما ، وان كان متولدا بينهما يقدر بأعلاهما دية ، ان كانت أمه نصرانية ففيه عشر ديتها ، وان كانت مجوسية فنصف عشر دية أبيه النصراني.

مسألة ـ ١٢٦ ـ : إذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا حرا مسلما واستهل ثمَّ مات ، ففيه الدية كاملة بلا خلاف ، وان لم يستهل بل كان فيه حياة مثل أن يتنفس أو شرب اللبن ، فالحكم فيه كما لو استهل ، وبه قال الفقهاء ، إلا الثوري ، و ( ـ ك ـ ) ، فإنهما قالا : فيه الغرة ولا تجب الدية كاملة.

مسألة ـ ١٢٧ ـ : إذا أخرج الجنين رأسه ثمَّ ماتت ، كان الجنين مضمونا ،

__________________

(١) سورة المائدة : ٩٢.

٣٦٤

وبه قال ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ك ـ ) : غير مضمون ، لأنه انما يثبت له أحكام الدنيا (١) إذا انفصل.

مسألة ـ ١٢٨ ـ : في جنين الأمة عشر قيمتها ، ذكرا كان أو أنثى ، وبه قال أهل المدينة ، و ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) : فيه عشر قيمته ان كان أنثى ، ونصف عشر قيمته ان كان ذكرا فاعتبره بنفسه.

مسألة ـ ١٢٩ ـ : في جنين البهيمة عشر قيمتها. وقال الفقهاء : فيه أرش ما نقص من ثمنها.

مسألة ـ ١٣٠ ـ : متى يعتبر قيمتها؟ عندنا أنه تعتبر حال الجناية دون حال الإسقاط ، لأن الجناية سبب الاسقاط. ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان.

مسألة ـ ١٣١ ـ : من داس بطن غيره حتى أحدث ، كان عليه أن يداس بطنه حتى يحدث ، أو يفتديه بثلث الدية. وحكى عن ( ـ « د » ـ ) مثل ما قلناه ، ولم يجب (٢) أحد من الفقهاء فيه شيئا.

مسألة ـ ١٣٢ ـ : إذا قطع رأس ميت أو شيئا من جوارحه مما يجب فيه الدية كاملة لو كان حيا ، كان عليه (٣) مائة دينار دية الجنين ، وفي جميع ما يصيبه مما يجب فيه مقدر وأرش في الحي ، ففيه من حساب المائة بحسابه من دية الألف ، ولم يوجب أحد من الفقهاء فيه شيئا ، وعندنا أن ذلك يكون للميت خاصة يتصدق به عنه ، لا يورث ولا ينتقل الى بيت المال.

__________________

(١) م : أحكام الدية.

(٢) م : لم يوجب.

(٣) م : لو كان حيا عليه.

٣٦٥

كتاب القسامة

مسألة ـ ١ ـ ( ـ ج ـ ) : إذا كان مع المدعي للدم لوث وهو تهمة للمدعي عليه بأمارات ظاهرة ، بدئ به في اليمين ، فيحلف خمسين يمينا ويستحق ما يذكره ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ك ـ ) ، والليث. وقال ( ـ ح ـ ) : لا أعتبر اللوث ولا أراعيه ولا أجعل اليمين في جنبة المدعي.

يدل على المسألة ـ مضافا الى إجماع الفرقة وأخبارهم ـ ما رواه (١) أبو هريرة عن النبي عليه‌السلام أنه قال : البينة على من ادعى واليمين على من أنكر إلا في القسامة.

وروى ( ـ ش ـ ) عن ( ـ ك ـ ) عن ابن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن عن سهل ابن أبي خثيمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا الى خيبر من جهد أصابهما ، فتفرقا في حوائجهما ، فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله ابن سهل قد قتل وطرح في بئر أو عين فأبى يهود ، فقال : أنتم والله قتلتموه ، قالوا : والله ما قتلنا ، فأقبل حتى قدم الى قومه ، فذكر لهم ذلك فأقبل هو وأخوه حويصة ، وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل أخو المقتول الى رسول الله.

فذهب محيصة يتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمحيصة :

__________________

(١) م : دليلنا ما رواه.

٣٦٦

كبر يريد بذلك السن ، فتكلم حويصة ثمَّ تكلم محيصة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما أن يدوا صاحبكم ، وأما أن تؤذنوا بحرب ، فكتب إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك ، فكتبوا إليه انا والله ما قتلنا (١) ، فقال رسول الله لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن ابن سهل تحلفون وتستحقون (٢) دم صاحبكم ، قالوا : لا ، قال : فيحلف يهود ، قالوا : ليسوا بمسلمين ، فوداه النبي عليه‌السلام من عنده ، فبعث إليهم بمائة ناقة حتى إذا دخلت عليهم الدار. قال سهل : لقد ركضتني منها ناقة حمراء.

وروي سفيان ، والليث بن سعد ، وحماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار ، عن سهل بن أبي خثيمة ، فذكر نحو حديث ابن أبي ليلى بن عبد الرحمن ، وفيه تحلفون وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم ، قالوا : أمر لم نشاهده كيف نحلف؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أفتبرئكم يهود بخمسين يمينا؟ قالوا : كيف نرضى أيمان قوم كفار ، فوداه النبي عليه‌السلام من عنده.

مسألة ـ ٢ ـ : إذا حلف المدعون على قتل عمد ، وجب القود على المدعى عليه ، وبه قال ابن الزبير ، و ( ـ وك ـ ) ، ( ـ ود ـ ) ، ( ـ وش ـ ) في قوله القديم ، وقال في الجديد : لا يشاط به الدم وانما يجب به الدية مغلظة حالة في ماله ، وبه قال ( ـ ح ـ ) وان خالف في هذا الأصل.

مسألة ـ ٣ ـ : القسامة في قتل الخطأ خمسة وعشرون رجلا ، وعند ( ـ ش ـ ) لا فرق بين أنواع القتل ، والقسامة في جميعها خمسون.

مسألة ـ ٤ ـ : القسامة يراعى فيها خمسون من أهل المدعي يحلفون ، فان لم يكونوا حلف الولي خمسين يمينا. وقال من وافقنا في القسامة انه لا يحلف إلا ولي الدم خمسين يمينا.

__________________

(١) م : ما قتلناه.

(٢) م : يحلفون ويستحقون ، ود : يحلفون وتستحقون.

٣٦٧

مسألة ـ ٥ ـ : إذا حلف أولياء الدم خمسين يمينا على قتل العمد وكان القاتل واحدا ، قتل بلا خلاف بين من أوجب القود ، وان حلف على جماعة فمثل ذلك على ما شرطناه في قتل الجماعة بالواحد ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، ( ـ وك ـ ) ، ( ـ ود ـ ) على ما يقولونه في قتل الجماعة بواحد. وقال أبو العباس : إذا حلف على جماعة لم يقتلوا ، ولكن نختار واحدا منهم بقتله.

مسألة ـ ٦ ـ : إذا وجد قتيل بين الصفين في فتنة ، أو في قتال أهل العدل والبغي قبل أن تشتت الحرب بينهم ، كانت ديته على بيت المال. وقال ( ـ ش ـ ) : ان كان قد التحم القتل واللوث على غير الطائفة التي هو فيها وان كان لم يلتحم فاللوث على طائفته ، سواء كانا متقاربين أو متباعدين.

مسألة ـ ٧ ـ : إذا وجد قتيل بين ازدحام الناس : اما في الطواف ، أو في الصلاة ، أو في دخول الكعبة ، أو المسجد ، أو بئر ، أو مصنع لأخذ الماء ، أو قنطرة ، كانت ديته على بيت المال. وقال ( ـ ش ـ ) : ذلك لوث عليهم ، لأنه يغلب على الظن أنهم قتلوه.

مسألة ـ ٨ ـ : كل موضع قلنا انه قد حصل اللوث على ما فسرناه ، فللولي أن يقسم ، سواء كان بالقتيل أثر القتل أو لم يكن ، لان المعتاد موت الناس بالأمراض ، وموت الفجأة نادر ، قال : ظاهر من هذا أنه مقتول ، كما أن من به أثر الدم يجوز أن يكون جرح نفسه ، ولا يترك لذلك القسامة ، ولا يحمل على النادر الا بدليل ، وقد يقتل الإنسان غيره بأخذ نفسه ، أو عصر خصية وان لم يكن هناك اثر (١) ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : ان كان به أثر القتل كقولنا ، وان لم يكن به أثر القتل فلا قسامة (٢) ،

__________________

(١) م : وان لم يكن اثر.

(٢) م : وان لم يكن فلا قسامة.

٣٦٨

بلى ان كان خرج الدم من أنفه فلا قسامة ، لأنه قد يخرج من قبل خنق ويظهر من غير قتل ، وان خرج من اذنه فهو مقتول ، لأنه لا يخرج الا لسبب عظيم وخنق شديد.

مسألة ـ ٩ ـ : يثبت اللوث بأشياء : بالشاهد الواحد ، وبوجود القتيل في دار قوم ، وفي قريتهم التي لا يدخلها غيرهم ولا يختلط بهم سواهم ، وكذلك محلتهم وغير ذلك ، ولا يثبت اللوث بقول المقتول عند موته دمي عند فلان ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، ( ـ وح ـ ). وقال ( ـ ك ـ ) : لا يثبت اللوث إلا بأمرين : شاهد عدل مع المدعي ، أو قوله عند وفاته دمي عند فلان.

دليلنا : أن الأصل في القسامة قصة الأنصار ، ولم يكن هناك شاهد ولا قول من المقتول.

مسألة ـ ١٠ ـ : إذا كان ولي المقتول مشركا ، والمدعى عليه مسلما لم يثبت القسامة ، بدلالة قوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (١) وبه قال ( ـ ك ـ ) ، وقال ( ـ ح ـ ) ، ( ـ وش ـ ) : انه يثبت القسامة ، فإذا حلفوا ثبت القتل على المسلم.

مسألة ـ ١١ ـ : إذا قتل عبد وهناك لوث ، فللسيد القسامة ، بدلالة عموم الأخبار الواردة في وجوب القسامة في القتل ، وبه قال ( ـ ش ـ ). واختلف أصحابه على طريقين ، قال أبو العباس : فيه القسامة قولا واحدا (٢). وقال غيره على قولين.

مسألة ـ ١٢ ـ : يثبت عندنا في الأطراف قسامة مثل العينين واللسان واليدين وغير ذلك ، ولا يبلغ مثل قسامة النفس بل كل عضو يجب فيه كمال الدية ففيه ستة

__________________

(١) سورة النساء : ١٤١.

(٢) م : قال أبو العباس قولا واحدا.

٣٦٩

وان كان مما يجب فيه نصف الدية ففيه ثلاثة أيمان ، وان كان مما يجب فيه سدس (١) الدية ففيه يمين واحد.

وقال جميع الفقهاء : لا قسامة في الأطراف ، وانما هي في النفس وحدها الا أن ( ـ ش ـ ) قال : إذا ادعى قطع طرف يجب فيه الدية كاملة كان على المدعى عليه اليمين ، وهل يغلظ اليمين أم لا؟ فيه قولان.

مسألة ـ ١٣ ـ : إذا كان المدعي واحدا ، فعليه خمسون يمينا بلا خلاف. وكذلك من المدعى عليه ان كان واحدا ، فعليه خمسون يمينا بلا خلاف. وان كان المدعون جماعة ، فعليهم خمسون يمينا عندنا ، ولا يلزم كل واحد خمسون يمينا. وكذلك في المدعى عليه. ولل ( ـ ش ـ ) قولان (٢) في الموضعين ، أحدهما : ما قلناه. والثاني : يلزم كل واحد خمسين يمينا في الموضعين.

مسألة ـ ١٤ ـ : إذا لم يكن لوث ولا شاهد ويكون دعوى محضة ، فاليمين في جنبة المدعى عليه بلا خلاف ، وهل يغلظ أم لا؟ عندنا لا يلزمه أكثر من يمين واحدة ، وهو أحد قولي ( ـ ش ـ ). والثاني : انها يغلظ خمسين يمينا.

مسألة ـ ١٥ ـ : إذا قتل رجل وهناك لوث وله وليان أخوان أو ابنان ، فادعى أحد الوليين أن هذا قتل أبي وكذبه الأخر ، فلا يقدح هذا التكذيب في اللوث ، لان حق الوليين قد يثبت بحصول اللوث ، فاذا كذب أحدهما به لم يسقط حق الأخر ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان.

مسألة ـ ١٦ ـ : إذا ادعى رجل على رجل أنه قتل وليا له وهناك لوث ، وحلف المدعي القسامة واستوفى الدية فجاء آخر ، وقال : أنا قتلته وما قتله ذلك ، كان الولي بالخيار بين أن يصدقه ويكذب نفسه ويرد الدية ويستوفي منه حقه ، وبين أن يكذب

__________________

(١) م : مما يجب فيه ثلث الدية.

(٢) م : ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان.

٣٧٠

المقر ويثبت على ما هو عليه.

بدلالة قول النبي عليه‌السلام : إقرار العاقل جائز على نفسه ، وهو إذا قبل إقراره فقد كذب نفسه في الأول فيقبل ذلك منه.

ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان ، أحدهما : ليس له أن يدعي على المقر ، لان قوله في الأول ما قتله الا فلان إقرار منه ان هذا المقر ما قتله ، فلا يقبل دعواه عليه. والقول الثاني له أن يدعي لأن قول الولي قتله فلان اخبار عن ظنه ، والمخبر يخبر عن قطع ويقين ، فكان أعرف بما قال.

٣٧١

كتاب كفارة القتل

مسألة ـ ١ ـ : لا تجب الكفارة بقتل الذمي والمعاهد ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك ، وأوجبوا به الكفارة ، وفيه إجماع الفرقة وأما قوله (١) تعالى ( وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (٢) فالضمير في كان عائد إلى المؤمن الذي تقدم ذكره في قوله ( فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) (٣) فكأنه قال : وان كان المؤمن من قوم بينكم وبينهم ميثاق بأن يكون بينهم نازلا أو أسلم عندهم ولم يخرج إلينا أو كان أسيرا في أيديهم.

مسألة ـ ٢ ـ : إذا قتل مسلما في دار الحرب متعمدا لقتله مع العلم بكونه مؤمنا ، وجب عليه القود على كل حال ، لعموم قوله تعالى ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (٤) وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ك ـ ) : فيه الدية والكفارة على كل حال. وقال ( ـ ح ـ ) : ان كان أسلم عندهم ولم يخرج إلينا ، فالواجب الكفارة بقتله فقط ، ولا قود ولا دية بحال.

__________________

(١) م : الكفارة واما قوله.

(٢) سورة النساء : ٩٢.

(٣) سورة النساء : ٩٢.

(٤) سورة المائدة : ٤٥.

٣٧٢

مسألة ـ ٣ ـ : إذا قتل مؤمنا قد أسلم في دار الحرب قاصدا الى قتله ولم يعلمه بعينه وانما ظنه كافرا ، فلا دية عليه وليس عليه أكثر من الكفارة ، لقوله تعالى ( فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (١) ولم يذكر الدية ، وهو أحد قولي ( ـ ش ـ ). والأخر : أن عليه الدية. وقال ( ـ ك ـ ) : عليه الدية والكفارة.

وقال ( ـ ح ـ ) : لا دية عليه.

مسألة ـ ٤ ـ : إذا حصل له من تحرم بدار الإسلام ، مثل أن أسلم عندهم وخرج إلينا ثمَّ عاد إليهم ، أو كان مسلما في دار الإسلام ، فخرج إليهم وكان مطلقا متصرفا لنفسه ، فمتى قتل مع عدم العلم بايمانه ، سواء قصد قتله بعينه أو لم يقصده فلا دية له ولا قود وفيه الكفارة ، بدلالة الآية.

وقال ( ـ ح ـ ) : فيه الدية والكفارة. وقال ( ـ ش ـ ) : ان قصده بعينه ، ففيه الدية على أحد القولين وفيه الكفارة ، وان لم يقصده بعينه فلا دية فيه وفيه الكفارة.

مسألة ـ ٥ ـ : إذا قتل أسيرا في أيدي الكفار وهو مؤمن ، وجبت فيه الدية والكفارة سواء قصده بعينه أو لم يقصده ، بدلالة الآية ، وبه قال ( ـ ف ـ ) ، و ( ـ م ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : لا ضمان عليه. وقال ( ـ ش ـ ) : ان قصده بعينه ، فعليه الدية والكفارة على أحد القولين. والقول الأخر كفارة بلا دية ، وان لم يقصده بعينه فعليه كفارة بلا دية.

مسألة ـ ٦ ـ : قتل العمد يجب فيه (٢) الكفارة ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ك ـ ). وقال ( ـ ر ـ ) و ( ـ ح ـ ) ، وأصحابه : لا كفارة فيه ، سواء أوجب القود كما لو قتل أجنبيا أو لم يوجب القود كما لو قتل ولده.

مسألة ـ ٧ ـ : يجب بقتل العمد ثلاث كفارات على الجمع : العتق ، والصيام والإطعام. وخالف جميع الفقهاء في ذلك.

__________________

(١) سورة النساء : ٩٢.

(٢) م : به.

٣٧٣

مسألة ـ ٨ ـ : الكفارة تجب بقتل العبد ، عمدا كان أو خطأ ، وبه قال جميع الفقهاء في الخطأ والعمد على ما مضى ، وحكي عن ( ـ ك ـ ) أنه قال : لا كفارة بقتل العبد.

مسألة ـ ٩ ـ : تجب الكفارة في حق الصبي والمجنون والكافر ، بدلالة عموم قوله تعالى ( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (١) وبه قال ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) لا كفارة على واحد من هؤلاء.

وان قلنا لا تجب على الصبي والمجنون كان قويا ، لقوله عليه‌السلام « رفع القلم عن ثلاث عن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبي حتى يحتلم ».

مسألة ـ ١٠ ـ : إذا اشترك جماعة في قتل رجل ، كان على كل واحد منهم الكفارة ، وبه قال جميع الفقهاء ، الا عثمان البتي ، فإنه قال : عليهم كلهم كفارة واحدة وحكى ذلك عن ( ـ ش ـ ) وقال أصحابه : لا يصح ذلك عنه.

مسألة ـ ١١ ـ : إذا لم يجد الرقبة ، انتقل الى الصوم بلا خلاف ، فان لم يقدر على الصوم (٢) أطعم ستين مسكينا ، مثل كفارة الظهار وهو أحد قولي ( ـ ش ـ ).

والثاني : أن الصوم في ذمته أبدا حتى يقدر عليه.

مسألة ـ ١٢ ـ : الكفارة لا تجب بالأسباب ، ومعناه إذا نصب سكينا في غير ملكه ، فوقع عليها إنسان فمات ، أو وضع حجرا في غير ملكه ، فعثر به إنسان فمات ، أو حفر بئرا في غير ملكه ، فوقع فيه إنسان فمات ، أو رش ماء في الطريق أو بالت دابته فيها فزلق فيه إنسان فمات ، لأنه لا يسمى بشي‌ء من هذه الافعال (٣) قاتلا ، والله تعالى علق الكفارة بالقتل ، وبه قال ( ـ ح ـ ). وقال ( ـ ش ـ ) : كل ذلك يجب فيه

__________________

(١) سورة النساء : ٩٢.

(٢) م : على ذلك.

(٣) م : من هذه الأشياء.

٣٧٤

الدية والكفارة.

مسألة ـ ١٣ ـ : إذا كان الرجل ملففا في كساء أو في ثوب ، فشهد شاهدان على رجل أنه ضربه فقده باثنين ولم يشهدا الجناية حين الضرب ، فاختلف الولي والجاني ، فقال الولي : كان حيا حين الضرب وقد قتله ، وقال الجاني : ما كان حيا حين الضرب ، كان القول قول الجاني مع يمينه ، لأن الأصل براءة الجاني ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، وأحد قولي ( ـ ش ـ ). والأخر أن القول قول الولي مع يمينه.

مسألة ـ ١٤ ـ : السحر له حقيقة ، ويصح منه أن يعقد ويرقي ويسحر ، فيقتل ويمرض ويفرق بين الرجل وزوجته ويتفق له أن يسحر بالعراق رجلا بخراسان فيقتله عند أكثر الفقهاء الا ( ـ ح ـ ) و ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ك ـ ). وقال أبو جعفر الأسترابادي من أصحاب ( ـ ش ـ ) : لا حقيقة له وانما هو تخيل وشعبدة ، وبه قال المغربي من أهل الظاهر ، وهو الذي يقوى في نفسي.

يدل على ذلك قوله تعالى مخبرا عن السحرة في قصة فرعون ( فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى ) (١) وذلك أن القوم جعلوا من الحبال كهيئة الحيات ، وطلوا عليها الزيبق ، وأخذوا الموعد على وقت تطلع فيه الشمس حتى إذا وقعت على الزيبق تحرك ، فخيل الى موسى أنها حيات ولم يكن لها حقيقة ، وكان هذا في أشد وقت الحر ، فألقى موسى عصاه ، فأبطل عليهم السحر فآمنوا به. وهذا لا ينافي قوله تعالى ( وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النّاسَ السِّحْرَ ) (٢) لان ذلك لا يمنع منه ، وانما يمنع منه من أن يؤثر (٣) التأثير الذي ادعوه.

__________________

(١) سورة طه : ٦٦.

(٢) سورة البقرة : ١٠٢.

(٣) م : يمنع أن يؤثر.

٣٧٥

مسألة ـ ١٥ ـ : من استحل عمل السحر ، فهو كافر وجب قتله بلا خلاف ، ومن لم يستحله غير أنه استعمله كان فاسقا لا يجب قتله ، لأنه لا دلالة عليه ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ك ـ ) : الساحر زنديق إذا عمل السحر ، وقوله لا استحله غير مقبول ، ولا يقبل توبة الزنديق عنده. وقال ( ـ د ـ ) ، ( ـ ق ـ ) : يقتل الساحر ولم يعرض لكفره ، وقد روى ذلك أصحابنا.

مسألة ـ ١٦ ـ : إذا أقر أنه سحر ، فقتل بسحره متعمدا ، لا يجب عليه القود عند ( ـ ح ـ ). وقال ( ـ ش ـ ) : عليه القود وهو الصحيح عندنا ، لأنه قد أقر بقتل غيره ، وإقرار العاقل جائز على نفسه. وأيضا فقد روى أصحابنا أن الساحر يقتل. والوجه في هذه الرواية أنه من المفسدين في الأرض ، فوجب قتله لذلك.

مسألة ـ ١٧ ـ : إذا قال أنا أعرف السحر وأحسنه ، لكني لا أعمل به ، فلا شي‌ء عليه ، لأنه لا دليل (١) على اباحة دمه ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ك ـ ) : هذا زنديق وقد اعترف بذلك فوجب قتله ولا تقبل توبته.

__________________

(١) م : لا دلالة.

٣٧٦

كتاب قتال أهل البغي

مسألة ـ ١ ـ : الباغي هو الذي يخرج على امام عادل ويقاتله ، ويمنع من تسليم الحق اليه ، وهو اسم ذم ، ويجري في عظم الذنب مجرى محارب رسول الله صلى الله عليه.

ووافقنا على أنه اسم ذم جماعة من العلماء ، وهم المعتزلة بأسرها ، وسموه فاسقا ، وكذلك جماعة من أصحاب ( ـ ح ـ ) ، ( ـ ش ـ ) (١). وقال ( ـ ح ـ ) : هم فساق على وجه التدين. وقال أصحاب ( ـ ش ـ ) : ان هذا الاسم ليس باسم ذم عند ( ـ ش ـ ) بل اسم من اجتهد فأخطأ.

مسألة ـ ٢ ـ : إذا أتلف الباغي على العادل نفسا أو مالا والحرب قائمة ، كان عليه الضمان في المال والقود في النفس ، بدلالة قوله تعالى ( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) (٢) « و ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (٣) وقول النبي عليه‌السلام : ثمَّ أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقلته ، فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين : ان

__________________

(١) م : من أصحاب ( ـ ش ـ ).

(٢) سورة البقرة : ١٧٩.

(٣) سورة المائدة : ٤٥.

٣٧٧

أحبوا قتلوا ، وان أحبوا أخذوا الدية. وهذا مذهب ( ـ ك ـ ).

وقال ( ـ ش ـ ) : ان أتلف مالا فعلى قولين ، أحدهما : يضمن. والأخر : لا يضمن.

وان كان قتلا يوجب القود ، ففيه طريقان ، أحدهما : لا قود قولا واحد ، والدية على قولين ، لان القصاص قد يسقط بالشبهة ، والمال لا يسقط ، والصحيح (١) عندهم أنه لا ضمان عليه ، وبه قال ( ـ ح ـ ). وان كان المتلف عادلا ، فلا ضمان عليه بلا خلاف.

مسألة ـ ٣ ـ : مانعوا الزكاة في أيام أبي بكر لم يكونوا مرتدين ، ولا يجوز أن يسموا بذلك ، وبه قال ( ـ ش ـ ) وأصحابه. وقال ( ـ ح ـ ) : هم مرتدون ، لأنهم استحلوا منع الزكاة.

مسألة ـ ٤ ـ : إذا ولى أهل البغي الى غير فئة ، أو ألقوا السلاح وقعدوا ، أو رجعوا (٢) إلى الطاعة ، حرم قتالهم. وان ولوا منهزمين الى فئة لهم ، جاز أن يتبعوا ويقتلوا ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، وأبو إسحاق المروزي. وقال باقي أصحاب ( ـ ش ـ ) : انه لا يجوز قتالهم ولا اتباعهم.

مسألة ـ ٥ ـ : من سب الامام العادل وجب قتله. وقال ( ـ ش ـ ) : يجب تعزيره ، وبه قال باقي الفقهاء.

مسألة ـ ٦ ـ : إذا وقع أسير من أهل البغي في المقاتلة ، كان للإمام حبسه ولم يكن له قتله وبه قال ( ـ ش ـ ) وقال ( ـ ح ـ ) له قتله.

ويدل على صحة ما ذهبنا اليه ـ مضافا الى إجماع الفرقة ـ ما رواه (٣) عبد الله ابن مسعود قال قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا ابن أم عبد ما حكم من بغى في أمتي؟

قلت : الله ورسوله أعلم ، فقال عليه‌السلام : لا يتبع مدبرهم ، ولا يجاز على جريحهم ،

__________________

(١) د : والصحة.

(٢) م : ورجعوا.

(٣) م : دليلنا ما رواه.

٣٧٨

ولا يقتل أسيرهم ، ولا يقسم فيئهم. وهذا نص.

مسألة ـ ٧ ـ : إذا أسر من أهل البغي من ليس من أهل القتال ، مثل النساء والصبيان والزمني والشيوخ الهرمى لا يحبسون ، لأنه لا دلالة عليه. ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان.

مسألة ـ ٨ ـ : إذا قاتل (١) قوم من أهل الذمة مع البغاة أهل العدل ، خرجوا بذلك عن الذمة على كل حال.

وقال ( ـ ش ـ ) : ان قاتلوا بشبهة ، مثل أن يقولوا لم نعلم أنه لا يجوز معاونة قوم من المسلمين ، أو ظننا أن ذلك جائز ، لم يخرجوا عن (٢) الذمة. وان كانوا عالمين بذلك فهل يخرجون عن الذمة فيه قولان.

مسألة ـ ٩ ـ : يجوز للإمام أن يستعين بأهل الذمة على قتال أهل البغي. وقال ( ـ ش ـ ) : لا يجوز ذلك ، وبه قال باقي الفقهاء.

مسألة ـ ١٠ ـ : إذا نصب أهل البغي قاضيا يقضي بينهم أو بين غيرهم لم ينفذ حكمه ، سواء كان القاضي من أهل العدل ، أو من أهل البغي ، وسواء وافق الحق أو لم يوافق ، لإجماع الفرقة على أن القاضي لا ينعقد له القضاء إلا بأمر الامام.

وقال ( ـ ح ـ ) : ان كان القاضي من أهل العدل صح ذلك ، وان كان من أهل البغي لم ينفذ له قضاء.

وقال ( ـ ش ـ ) : ان كان ممن يعتقد إباحة أموال أهل العدل ودمائهم لم ينعقد له قضاء ولا ينفذ (٣) له حكم ، سواء وافق الحق أو لم يوافق. وان كان ثقة في دينه لا يبيح

__________________

(١) د : إذا قتل.

(٢) م : من.

(٣) م : لم ينعقد.

٣٧٩

دماء أهل العدل وأموالهم ، نفذت قضاياه ، سواء كان من أهل العدل أو من أهل البغي.

مسألة ـ ١١ ـ : إذا كتب قاضي أهل البغي إلى قاضي أهل العدل كتابا بحكم حكم به أو بما ثبت عنده ، لم يعمل عليه ولا يلتفت إليه ، لأن قضاه غير ثابت ، ولان عندنا لا يجوز العمل بكتاب قاض الى قاض على حال. وقال ( ـ ش ـ ) : المستحب أن لا يعمل به ، وان عمل به جاز. وقال ( ـ ح ـ ) : لا يعمل عليه.

مسألة ـ ١٢ ـ : إذا شهد عدل من أهل البغي لم يقبل شهادته ويرد. وقال ( ـ ش ـ ) و ( ـ ح ـ ) : لا يرد شهادته غير أن ( ـ « ح » ـ ) يقول : أهل البغي فساق على طريق التدين وعنده الفسق على طريق التدين لا يرد به الشهادة.

مسألة ـ ١٣ ـ : الباغي إذا قتل غسل وصلى عليه ، لعموم الأخبار الواردة في وجوب الصلاة على الأموات ، وبه قال ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) : يغسل ولا يصلى عليه.

مسألة ـ ١٤ ـ : إذا كان المقتول في المعركة من أهل العدل لا يغسل ويصلى عليه ، لإجماع الفرقة على أن الشهيد لا يغسل ويصلى عليه.

ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان ، أحدهما : لا يصلى عليه. والثاني : يغسل ويصلى عليه.

مسألة ـ ١٥ ـ : إذا قصد رجل رجلا يريد نفسه أو ماله ، جاز له الدفع عن نفسه وعن ماله ، وان أتى على نفسه أو نفس طالبه ، ويجب عليه أن يدفع عن نفسه إذا طلب قتله ، ولا يجوز أن يستسلم مع القدرة على الدفع بدلالة قوله تعالى ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (١) ولان وجوب دفع المضار عن النفس معلوم بأوائل العقول.

ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان ، أحدهما : ما قلناه. والثاني : يجوز له أن يستسلم.

مسألة ـ ١٦ ـ : ما يحويه معسكر البغاة يجوز أخذه والانتفاع به ، ويكون غنيمة

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٥.

٣٨٠