المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف - ج ١

فضل بن الحسن الطبرسي

المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف - ج ١

المؤلف:

فضل بن الحسن الطبرسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٣
الجزء ١ الجزء ٢

مثل أن كانت نقرة (١) فضربها دراهم ، أو حنطة فطحنها ، أو دقيقا فخبزه ، أو شاة فذبحها وقطعها لحما وشواها أو طبخها ، لم يملكه ، لأنه لا دليل عليه ، ولقول النبي عليه‌السلام « على اليد ما أخذت حتى يؤدى » (٢) وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : إذا غير الغصب تغييرا أزال به الاسم والمنفعة المقصودة بفعله ملكه ، فاعتبر ثلاث شرائط : أن يزول به الاسم والمنفعة المقصودة ، وان يكون ذلك بفعله ، فاذا فعل هذا ملك ، ولكن يكره له التصرف فيه قبل دفع قيمة الشي‌ء اليه.

وحكى ابن جرير عن ( ـ ح ـ ) قال : لو أن لصا نقب فدخل دكان رجل ، فوجد فيه بغلا وطعاما ورحا ، فصمد البغل وطحن الطعام ملك الدقيق ، فان انتبه صاحب الدكان كان للص قتاله ودفعه عن دقيقه ، فان أتى الدفع عليه (٣) فلا ضمان على اللص.

مسألة ـ ٢١ ـ : إذا غصب عصيرا فاستحال خمرا ، ثمَّ صار خلا ، رده على صاحبه ، لأنه عين ماله وانما تغيرت صفته ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : إذا صار خلا ملكه وعليه قيمته ، فأما إذا غصب منه خمرا فاستحال خلا ، رد الخل بلا خلاف.

مسألة ـ ٢٢ ـ : إذا غصب ساجة فبنى عليها ، أو لوحا فأدخله في سفينة ، كان عليه رده ، سواء كان فيه قلع ما بناه في ملكه أو لم يكن فيه قلع ما بناه في ملكه ، لقوله عليه‌السلام : ليس لعرق ظالم حق. ولقوله عليه‌السلام : لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا ولا لاعبا ، من أخذ عصا أحد فليردها. وقوله : على اليد ما أخذت حتى تؤدي. وبه قال ( ـ ش ـ ).

__________________

(١) في المنجد : النقرة : القطعة المذاهب من ذهب أو فضة.

(٢) م : حتى تودى.

(٣) في المنجد : أتى عليه الدهر ، أهلكه.

٦٢١

وحكى ( ـ م ـ ) في الأصول أنه متى كان عليه ضرر في ردها لم يلزمه ردها. وقال الكرخي : مذهب ( ـ ح ـ ) أنه ان لم يكن في ردها قلع ما بناه في حقه ، مثل ان بنى على بدن الساجة فقط لزمه ، وان كان في ردها قلع ما قد بناه في حقه مثل أن كان البناء مع طرفيها ولا يمكنه ردها الا بقلع هذا لم يلزمه ردها. والمناظرة على ما حكاه ( ـ م ـ ).

وتحقيق الكلام معهم هل ملكها بذلك أم لا؟ فعنده أنه قد ملكها كما قال إذا غصب شاة فذبحها وشواها ، أو حنطة فطحنها ، وعندنا وعند ( ـ ش ـ ) لم يملكها.

مسألة ـ ٢٣ ـ : إذا غصب طعاما ، فأطعم مالكه ، فأكله مع الجهل بأنه ملكه ، فإنه لا يبرئ ذمته من الغصب بذلك ، لأنه لا دليل عليه ، وهو المنصوص ( ـ للش ـ ) ، وفيه قول آخر ان ذمته يبرئ ، وهو قول أهل العراق.

مسألة ـ ٢٤ ـ : إذا حل دابة أو فتح قفصا ووقفا ثمَّ ذهبا كان عليه الضمان ، لأنه فعل السبب في ذهابهما ، وبه قال ( ـ ك ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) : لا ضمان عليه.

مسألة ـ ٢٥ ـ : إذا حل الدابة وفتح القفص فذهبا عقيب الحل والفتح من غير وقوف ، كان عليه الضمان ، لما قلناه في المسألة الاولى ، وبه قال ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) في أحد قوليه ، والأصح عندهم أن لا ضمان (١) عليه ، وبه قال ( ـ ح ـ ).

مسألة ـ ٢٦ ـ : إذا غصب دابة أو عبدا أو فرسا ، فأبق العبد أو شرد الفرس أو ند البعير كان عليه القيمة ، فإذا أخذها صاحبها ملك القيمة بلا خلاف ولا يملك هو المقوم ، فان رد انفسخ ملك المالك عن القيمة وعليه ردها الى الغاصب وتسلم العين منه ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : إذا ملك صاحب العين قيمتها ، ملكها الغاصب بها وكانت القيمة عوضا عنها ، فان عادت العين الى يد الغاصب نظرت فان كان المالك أخذ القيمة

__________________

(١) م : انه لا ضمان.

٦٢٢

[ بتراضيهما أو ببينة يثبت عند الحاكم وحكم الحاكم بها لم يكن للمالك سبيل الى العين ، وان كان المالك قد أخذ القيمة ] (١) بقول الغاصب مع يمينه ، لأنه هو الغارم نظرت فان كانت القيمة قيمة مثلها أو أكثر ، فلا سبيل للمالك عليها ، وان كان أقل من قيمتها ، فللمالك رد القيمة واسترجاع العين ، لان الغاصب ظلم المالك في قدر ما أخبره به من القيمة.

فالخلاف في فصلين : أحدهما أن الغاصب بدفع القيمة ملك أم لا ، عندنا ما ملك ، وعندهم قد ملك. والثاني : إذا ظهرت العين فصاحبها أحق بها ويرد عليه ، وعند ( ـ ح ـ ) لا ترد عليه.

دليلنا : أنه قد ثبت أن العين كان ملكا لمالكها ، فمن ادعى زواله الى ملك غيره فعليه الدلالة.

مسألة ـ ٢٧ ـ : إذا باع عبدا وقبضه المشتري أو لم يقبضه ، فادعى مدع أن العبد له وصدقه البائع أو كذبه ، فإنه لا يقبل إقرار البائع على المشتري ، لأنه إقرار على الغير ، وللمدعي أن يرجع على البائع بقيمة العبد ، لأنه إذا صدقه فقد أقر أنه باع ما لا يملك وأتلف ملك الغير ببيعه إياه ، فيلزمه قيمته.

و ( ـ للش ـ ) فيه قولان : أحدهما ما قلناه ، والأخر أنه لا ضمان عليه ، ومنهم من قال : يلزمه القيمة قولا واحدا كما قلناه.

مسألة ـ ٢٨ ـ ( ـ « ج » ـ ) : إذا كان في يد مسلم خمر أو خنزير فأتلفه متلف ، فلا ضمان عليه بلا خلاف ، مسلما كان المتلف أو مشركا. وان كان ذلك في يد ذمي ، فأتلفه متلف ، مسلما كان أو ذميا ، فعليه ضمانه وهو قيمته عند مستحليه ، وبه قال ( ـ ح ـ ).

وقال ( ـ ش ـ ) : لا ضمان عليه ، ثمَّ ينظر عند ( ـ ح ـ ) ، فان كان المتلف مسلما فعليه قيمة

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة « م ».

٦٢٣

ذلك ، خمرا كان أو خنزيرا ، ولا يضمن المسلم الخمر بالمثل وان كان المتلف ذميا ، فعليه قيمة الخنزير ومثل الخمر.

قال الطحاوي : وان أسلم المتلف وكان ذميا قبل أن يؤخذ منه مثل الخمر سقط عن ذمته ، وان أسلم قبل أن يؤخذ منه قيمة الخنزير لم يسقط عن ذمته بإسلامه ، وعندنا يضمن بالقيمة ، سواء كان خمرا أو خنزيرا بدليل إجماع الفرقة وأخبارهم.

مسألة ـ ٢٩ ـ : إذا غصب ماله مثل ، مثل الحبوب والادهان ، فعليه مثل ما تلف في يده ، يشتريه بأي ثمن كان بلا خلاف ، وان كان ما لا مثل له كالثياب والحيوان ، فعليه أكثر ما كانت قيمته من يوم الغصب الى حين التلف ، لأنه مأمور برده الى مالكه في كل زمان يأتي عليه وكل حال كان مأمورا برد الغصب فيها لزمه قيمته في تلك الحال مثل حال الغصب ، وهو مذهب ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : عليه قيمته يوم الغصب ، ولا اعتبار بما زاد بعده أو نقص.

مسألة ـ ٣٠ ـ : إذا غصب مالا يبقى كالفواكه الرطبة ، فتلف في يده وتأخرت المطالبة بقيمته ، فعليه أكثر ما كانت قيمته من حين الغصب الى حين التلف.

بدلالة ما قلناه في المسألة الاولى ، ولا يراعى ما وراء ذلك ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : عليه قيمته يوم المحاكمة. وقال ( ـ م ـ ) : عليه قيمته في الوقت الذي انقطع عن أيدي الناس.

مسألة ـ ٣١ ـ : إذا غصب ما يجري فيه الربا ، مثل الأثمان والمكيل والموزون ، فجنى عليه جناية استقر أرشها ، مثل أن كان الغصب دنانير فسبكها ، أو طعاما فبله فاستقر نقصه ، فعليه رده بعينه وعليه ما نقص ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : المالك بالخيار بين أن يسلم العين المجني عليه الى الغاصب ويطالبه بالبدل ، وبين أن يمسكها ولا شي‌ء له ، فإن أراد الإمساك والمطالبة بأرش النقصان

٦٢٤

لم يكن له.

يدل على ما قلناه ان الخيار الذي أثبته ( ـ ح ـ ) يحتاج الى دليل ، وليس في الشرع ما يدل عليه ، والأصل بقاء عين ملكه وحصول الجناية عليها.

مسألة ـ ٣٢ ـ : إذا غصبت (١) جارية فأتت بولد مملوك ، ونقصت قيمتها بالولادة ، فعليه ردها وأرش نقصها ، وان كان الولد قائما رده ، وان كان تالفا رد قيمته ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : ان كان تالفا فعليه أرش النقص ، وان كان الولد باقيا جبرت الأرش بقيمة « قيمة ( ـ خ ـ ) » الولد ، فان كان قيمة الأرش مائة وقيمة الولد مائة ، فلا شي‌ء عليه وان كانت قيمة الولد أقل مثل أن يكون قيمة الولد خمسين وأرش النقص مائة ، يرد الولد ويضمن خمسين درهما لباقي الأرش.

دليلنا : أن هذا نقص حصل في يد الغاصب ، فوجب عليه ضمانه ، كما لو مات الولد ، ولأنه إذا ضمن ما قلناه برأت ذمته بيقين.

مسألة ـ ٣٣ ـ : إذا غصب مملوكا أمرد فنبتت لحيته فنقص ثمنه ، أو جارية ناهدا فسقطت ثدياها ، أو رجلا شابا فابيضت لحيته ، فعليه ما نقص في كل هذا ، بدلالة ما قلناه في المسألة الاولى ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : في الناهد والشاب مثل قولنا ، وفي الصبي إذا نبتت لحيته فلا ضمان عليه.

مسألة ـ ٣٤ ـ : فإن غصب عبدا ومات العبد واختلفا ، فقال الغاصب : رددته حيا ومات في يديك أيها المالك ، وقال المالك : بل مات في يديك أيها الغاصب وأقام كل واحد منهما البينة بما ادعاه ، سقطتا وعدنا الى الأصل ، وهو بقاء العبد عند الغاصب حتى يعلم رده ، لان كل واحد منهما مدع ولا ترجيح ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

__________________

(١) م : إذا غصب.

٦٢٥

وقال ( ـ ف ـ ) : يقدم بينة المالك ويأخذ البدل ، لأن الأصل الغصب. وقال ( ـ م ـ ) : يقدم بينة الغاصب ، لأن الأصل براءة الذمة (١) ، وان قلنا في هذه المسألة يستعمل القرعة كان قويا أيضا.

مسألة ـ ٣٥ ـ : إذا غصب ماله مثل ، مثل الادهان والحبوب والأثمان ونحوها فجنى عليه جناية استقر أرشها ، فعليه رد العين ناقصة ، وعليه أرش النقصان لا غير لما قلناه فيما تقدم ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : ينظر فيه ، فان كان الأرش في يد مالكه ، مثل أن كان في يده زيت فصب غيره الماء فيه ، أو كان في يده دينار فكسره غيره وهو في يده ، فرب المال بالخيار بين أن يمسك ماله ناقصا ولا شي‌ء له ، وبين تسليمه الى الجاني ويأخذ منه كمال قيمته.

قال : فان غصب الزيت أولا وصب فيه الماء فنقص ، فالمالك بالخيار بين أن يأخذ عين ماله ولا شي‌ء له لأجل النقص ، وبين أن يترك ماله على الغاصب ويأخذ منه مثل زيته ، ففرق بين أن يغصب أولا فيصب فيه الماء عنده ، وبين أن يصب فيه الماء وهو في يد مالكه ، فأوجب المثل إذا غصب والقيمة إذا لم يغصب.

مسألة ـ ٣٦ ـ : إذا غصب عبدا قيمته ألف (٢) ، فزاد في يده فبلغ ألفين فقتله قاتل في يد الغاصب ، فللسيد أن يرجع بالالفين على من شاء منهما ، فان رجع على القاتل لم يرجع القاتل على الغاصب ، لان الضمان استقر عليه ، وان رجع على الغاصب رجع الغاصب على القاتل ، لان الضمان استقر عليه ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : ان رجع على القاتل فالحكم ما قلناه ، وان ضمن الغاصب فليس له أن يضمنه أكثر من ألف وهو قيمة العبد حين الغصب ، ثمَّ يأخذ الغاصب من

__________________

(١) م : براءة ذمته.

(٢) ح ، د : ألفا.

٦٢٦

القاتل ألفين : ألفا منهما لنفسه بدل ما أخذ السيد ، والألف الأخر يتصدق بها.

مسألة ـ ٣٧ ـ : إذا غصب ألف درهم من رجل وألفا من آخر ، فخلط الألفين فالألفان شركة بين المالكين يردهما عليهما ، لان زوال ذلك عن ملك المالك يحتاج إلى دلالة ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : يملك الغاصب الألفين معا ، ويضمن لكل واحد منهما بدل ألفه بناء منه على أصله في تغير الغصب في يد الغاصب.

مسألة ـ ٣٨ ـ : إذا غصب حبا فزرعه ، أو بيضة فاحتضنتها الدجاجة ، فالزرع والفروج للغاصب ، لان عين الغصب قد تلفت ، فلا يلزم غير القيمة ، وبه قال ( ـ ح ـ ).

وقال ( ـ ش ـ ) : هما معا للمغصوب منه. وقال المزني : الفروج للمغصوب منه والزرع للغاصب.

مسألة ـ ٣٩ ـ : فإن غصب عبدا ، فمات في يديه ، فعليه قيمته ، سواء كان قنا (١) أو مدبرا أو أم ولد ، وسواء مات بسبب أو مات حتف أنفه ، لأن طريقة الاحتياط يقتضيه ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) في غير أم الولد بقولنا ، فأما أم الولد فان مات بسبب مثل أن لدغتها عقرب ، أو سقط عليها حائط فكما قلناه ، وان مات حتف أنفها فلا ضمان عليه.

مسألة ـ ٤٠ ـ : أن غصب حرا صغيرا ، فتلف في يديه فلا ضمان عليه ، وبه قال ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) : ان مات حتف أنفه فكقولنا ، وان مات بسبب مثل أن لدغته عقرب أو حية أو أكله سبع أو سقط عليه حائط فعليه الضمان.

دليلنا : أن الأصل براءة الذمة ، فمن شغلها فعليه الدليل ، وان قلنا بقول ( ـ ح ـ ) كان قويا ، دليله طريقة الاحتياط.

__________________

(١) م : سواء كان مكاتبا.

٦٢٧

كتاب الشفعة

مسألة ـ ١ ـ : لا شفعة في السفينة وكل ما يمكن تحويله من الثياب والحبوب والسفن والحيوان وغير ذلك ، عند أكثر أصحابنا على الظاهر من رواياتهم ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ح ـ ).

وقال ( ـ ك ـ ) : إذا باع سهما من سفينة كان لشريكه فيها الشفعة ، فأجراها مجرى الدار. وحكي عنه أن الشفعة في كل شي‌ء من الأموال والثياب والطعام والحبوب والحيوان ، وفي أصحابنا من قال بذلك ، وهو اختيار المرتضى.

مسألة ـ ٢ ـ : إذا باع زرعا أو ثمرة مع الأصل بالشرط ، كانت الشفعة ثابتة في الأصل دون الزرع والثمرة ، لأن ما قلناه مجمع عليه ، ولا دلالة على ثبوتها في الزرع والثمرة. وروي جابر أن النبي عليه‌السلام قال : لا شفعة إلا في ربع أو حائط وهو مذهب ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : يجب في الزرع والثمار مع الأصل.

مسألة ـ ٣ ـ ( ـ « ج » ـ ) : لا تثبت الشفعة بالجوار ، وانما يثبت للشريك المخالط وبه قال في الصحابة عمر وعثمان ، وفي التابعين عمر بن عبد العزيز ، وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وفي الفقهاء ربيعة ،

٦٢٨

و ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) ، وأهل الحجاز ، و ( ـ ع ـ ) ، وأهل الشام ، و ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ق ـ ) ، وأبو ثور.

ويثبت عندنا زائدا على الخلطة بالاشتراك في الطريق ، وبه قال سواد بن عبد الله القاضي (١) ، وعبيد الله بن الحسن العنبري ، فإنهما أوجباها بالشركة في الطريق والمبيع دون الجوار كما نقوله نحن.

وذهب أهل الكوفة إلى أنها يثبت بالشركة والجوار ، ولكن الشريك أحق فإن ترك فالجار أحق ، ذهب اليه ابن شبرمة ، و ( ـ ر ـ ) ، و ( ـ ح ـ ) ، وأصحابه ، وعبد الله بن المبارك.

ولح تفصيل قال : الشفعة يجب بأحد أسباب ثلاثة : الشركة في المبيع ، والشركة في الطريق ، وقال : الشريك في الطريق أولى من الجار اللازق ثمَّ بالجوار.

بيان هذا : قال : ان كان شريكا في المبيع ، فهو أحق من الشريك في الطريق ، وان كان شريكا في الطريق فهو أحق ، وان لم يكن شريكا في المبيع مثل أن يكون الدرب لا ينفذ وفيه دور كثيرة ، فإن الطريق مشترك بين أهله.

فإن باع صاحب الصدر داره في آخر الدرب ، فالشفعة للذي يليه ، فان ترك فللذي يليه أبدا من الجانبين كذلك الى آخر الدرب ، فان لم يبق في أهل الدرب من يريد الشفعة كانت للجار اللزيق الذي ليس بشريك في الطريق ، وهو الذي ظهر داره الى دار في غير هذا الدرب ، فان ترك هذا الشفيع الشفعة ، فلا شفيع هناك.

وان كان الدرب (٢) نافذا ، فالشفعة للجار اللزيق فقط ، سواء كان باب داره في هذا الدرب أو غيره ، فاذا كان محاذيا في درب نافذ وعرض الطريق ذراع فلا شفعة

__________________

(١) م ، د ، خ : سوار.

(٢) د : وان الدروب نافذا.

٦٢٩

وهاهنا قال ( ـ ش ـ ) : منعت من بينه وبينه ذراع وأعطيت من هو منه على ألف ذراع.

ويدل على مذهبنا ـ مضافا الى إجماع الفرقة وأخبارهم ـ ما رواه جابر عن النبي عليه‌السلام قال : الشفعة فيما لم يقسم ، فاذا وقعت الحدود فلا شفعة. وروى أبو هريرة قال : قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة فيما لم يقسم ، وأي مال قسم وأرف عليه فلا شفعة فيه. ومعنى أرف عليه ، أي : أعلم عليه وهي لغة أهل الحجاز.

مسألة ـ ٤ ـ ( ـ « ج » ـ ) : مطالبة الشفيع على الفور ، فان تركها مع القدرة عليها بطلت شفعته ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، وهو أصح أقوال ( ـ ش ـ ) ، وله ثلاثة أقوال أخر أحدها : أن الشفيع بالخيار ثلاثا ثمَّ يبطل خياره ، وبه قال ابن أبي ليلى ، و ( ـ ر ـ ).

ونص في القديم على قولين أحدهما : أن خياره على التراخي ولا يسقط الا بصريح العفو ، فيقول : عفوت ، أو يلوح به بأن يقول للمشتري بعني الشقص أو هب لي ، فإن فعل شيئا من هذا ، والا كان للمشتري أن يرافعه الى الحاكم ، فيقول : اما أن يأخذ أو يدع ، وهو ظاهر قول ( ـ ك ـ ) ، لأنه قال : له الخيار ما لم يتطاول (١) الوقت ، فقيل له : إذا مضت سنة ، فقد تطاول الوقت ، فقال : ما أظنه تطاول.

والثاني : أنه على التأبيد ، كالقصاص حتى قال : لا يملك المشتري مرافعته الى الحاكم ، بل الخيار اليه ولا اعتراض عليه.

مسألة ـ ٥ ـ ( ـ « ج » ـ ) : الشفعة لا تبطل بالغيبوبة وبه قال جميع الفقهاء ، وحكي عن النخعي أنه قال الشفعة تبطل بالغيبة.

مسألة ـ ٦ ـ : إذا اختلف المشتري والشفيع في الثمن ، ومع كل واحد منهما بينة ، قبلت بينة المشتري ، لأنه هو المدعي للثمن والشفيع ينكره ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ف ـ ).

__________________

(١) م : ما لم يتطول.

٦٣٠

وقال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ م ـ ) : البينة بينة الشفيع ، لأنه الخارج.

مسألة ـ ٧ ـ : إذا كان الشراء بثمن له مثل ، كالحبوب والأثمان ، كان للشفيع الشفعة بلا خلاف ، وان كان بثمن لا مثل له ، كالثياب والحيوان ونحو ذلك ، فلا شفعة له ، وبه قال الحسن البصري ، وسوار القاضي.

وقال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) : له الشفعة ويأخذ بقيمة الثمن ، والاعتبار بقيمته حين العقد لا حين الأخذ بالشفعة على قول ( ـ ش ـ ) ، وعلى قول ( ـ ك ـ ) بقيمته يوم المحاكمة (١).

مسألة ـ ٨ ـ : « ج » ـ ) : إذا تزوج امرأة وأمهرها شقصا لا يستحق الشفعة عليها وبه قال ( ـ ح ـ ) ، وأصحابه. وقال ( ـ ش ـ ) : الشفعة تجب بمهر المثل ، وبه قال الحارث العكلي. وقال ( ـ ك ـ ) وابن أبي ليلى : يجب الشفعة لكنه يأخذ بقيمة الشقص لا بمهر المثل.

مسألة ـ ٩ ـ : إذا اشترى شقصا بمائة إلى سنة ، كان للشفيع المطالبة بالشفعة وهو مخير بين أن يأخذه في الحال ويعطي ثمنه حالا ، وبين أن يصبر إلى سنة ، فيطالبه بالثمن الواجب عندها ، لأن الشفعة قد وجبت بنفس الشراء والذمم لا يتساوى ، فوجب عليه الثمن حالا ، أو يصبر الى وقت الحلول ، فيطالبه بالشفعة مع الثمن.

و ( ـ للش ـ ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها ما قلناه. والثاني أنه يأخذه بمائة إلى سنة كما اشتراه ، وبه قال ( ـ ك ـ ) ، غير أن ( ـ ك ـ ) قال : ان كان الشفيع غير ملي كان للمشتري مطالبته بضمين ثقة يضمن له الثمن الى محله ، وهذا قوي واليه ذهب قوم من أصحابنا ، وهو المذكور في النهاية. والثالث قاله في الشروط يأخذه بسلعة يساوي مائة الى سنة.

مسألة ـ ١٠ ـ : إذا مات وخلف ابنين ودارا ، فهي بينهما نصفين ، فان مات

__________________

(١) م : حين المحاكمة.

٦٣١

أحدهما وخلف ابنين كان نصف أبيهما بينهما نصفين ، ولهما النصف ولكل واحد منهما الربع ، فان باع أحدهما نصيبه من أجنبي فلا شفعة لأحد ، بدلالة الأخبار الواردة في ذلك عن أئمتنا عليهم‌السلام.

و ( ـ للش ـ ) فيه قولان : أحدهما الشفعة لأخيه وحده دون عمه ، وبه قال ( ـ ك ـ ). والثاني لأخيه وعمه سواء وبه قال ( ـ ح ـ ) وأصحابه ، وهو اختيار المزني ، ومن قال من أصحابنا : ان الشفعة على عدد الرؤوس ، فهكذا يجب أن نقول.

مسألة ـ ١١ ـ : عندنا أن الشريك إذا كان أكثر من واحد بطلت الشفعة ، بدلالة الأخبار التي رواها أصحابنا ، فلا يتصور الخلاف في أن الشفعة على عدد الرؤوس ، أو على قدر الأنصباء وهو انفراد ، وذهب قوم من أصحابنا إلى أنها تستحق وان كانوا أكثر من واحد ، وقالوا على قدر الرؤوس ، وبه قال أهل الكوفة النخعي ، و ( ـ ر ـ ) ، والشعبي (١) ، و ( ـ ح ـ ) ، وأصحابه ، وهو أحد قولي ( ـ ش ـ ) ، واختيار المزني.

والقول الأخر أنه على قدر الأنصباء ، وهو الأصح عندهم ، واختاره أبو حامد الاسفرائني ، وبه قال سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وعطاء ، و ( ـ ك ـ ) ، وأهل الحجاز ، و ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ق ـ ) ومن نصر القول الأخير من أصحابنا ، فلأخبار وردت في ذلك المعنى والأقوى عندي (٢) الأول.

مسألة ـ ١٢ ـ : المنصوص لأصحابنا أن الشفعة لا يورث ، وبه قال ( ـ ح ـ ) وأصحابه. وقال قوم من أصحابنا : أنها يورث مثل سائر الحقوق ، وهو اختيار المرتضى رحمه‌الله ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ك ـ ) ، وعبيد الله بن الحسن العنبري البصري.

مسألة ـ ١٣ ـ : إذا اشترى دارا ووجب للشفيع فيها الشفعة ، فأصابها هدم

__________________

(١) م : بحذف « والشعبي ».

(٢) م : عندنا.

٦٣٢

أو حرق (١) أو ما أشبه ذلك ، فان كان ذلك بأمر سماوي ، فالشفيع بالخيار بين أن يأخذها بجميع الثمن أو يترك ، وان كان بفعل آدمي كان له أن يأخذ العرصة بحصتها من الثمن.

بدلالة ما رواه جابر أن النبي عليه‌السلام قال : الشفعة في كل مشترك ربع ، أو حائط ولا يحل له أن يبيعه حتى يعرضه على شريكه ، فان باعه فشريكه أحق بالثمن.

فثبت أنه يأخذه بذلك الثمن ، وهو مذهب ( ـ ح ـ ).

و ( ـ للش ـ ) فيه قولان ، وأصحابه على خمس طرق : أحدها : ما قلناه وهو أضعفها عندهم. وثانيها : إذا انتقض البناء وانفصل ، فالشفيع يأخذ العرصة بالشفعة وما اتصل بها من البناء دون المنفصل عنها على قولين : أحدهما يأخذ المتصل بكل الثمن أو يتركه ، والقول الأخر أنه يأخذه بحصته من الثمن أو يدع وهو أصح القولين عندهم.

وثالثها ان كان البعض الذي لحقه عيب مثل شق الحيطان وتغير السقف وميل الحائط ، فإن المشتري بالخيار بين أن يأخذه بكل الثمن أو يرده ، وان كان النقصان انتقاض البناء والإله لم يدخل النقض في الشفعة ، وبكم يأخذ الشفيع ما عداه؟

على القولين وما انفصل لا يدخل في الشفعة ، كما قال الأول ، ويأخذ ما عداه بالحصة من الثمن قولا واحدا.

ورابعها : أنه إذا انتقض البناء ، وكانت الأعيان المنهدمة موجودة ، دخلت في الشفعة ، وان كانت منفصلة عن العرصة ، لأنه (٢) يقبلها بالثمن الذي وقع البيع به ، والاستحقاق وجب له حين البيع ، وان كانت الأعيان مفقودة يأخذ بحصته من الثمن.

__________________

(١) م : أو غرق.

(٢) م : لأنها.

٦٣٣

وخامسها : أنه إذا كانت العرصة قائمة بحالها أخذه بجميع الثمن ، سواء كانت الأعيان المنفصلة موجودة أو مفقودة ، وان كان بعض العرصة هلك بالغرق أخذ بالحصة من الثمن.

مسألة ـ ١٤ ـ : إذا اشترى شيئا وقاسم وغرس فيه وبنى ، ثمَّ طالب الشفيع بالشفعة ولم يكن قبل ذلك عالما بالشراء ، كان له إجباره على قلع الغراس والبناء إذا رد عليه ما نقص من الغراس والبناء بالقلع ، لأن المشتري إنما غرس في ملكه فلم يكن متعديا ، فيجب عليه أن يرد (١) ما نقص من غرسه بالقلع ، ولأنه إذا رد عليه ما نقص ، فلا خلاف أنه له مطالبته بالقلع ، ولا دلالة على وجوب القلع إذا لم يرد ، وهو مذهب ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ك ـ ) ، والنخعي ، و ( ـ ع ـ ) ، و ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ق ـ ).

وقال ( ـ ر ـ ) ، و ( ـ ح ـ ) ، وأصحابه : له مطالبته بالقلع ، ولا يعطيه ما نقص بالقلع.

مسألة ـ ١٥ ـ : إذا اشترى النخل والأرض وشرط الثمرة ، كان للشفيع أن يأخذ الكل بالشفعة ، بدلالة عموم الأخبار الواردة في وجوب الشفعة في المبيع وبه قال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ك ـ ) وادعيا أن هذه مسألة إجماع.

وقال ( ـ ش ـ ) : له أن يأخذ الكل دون الثمرة ، وبه قال عبيد الله بن الحسن العنبري.

مسألة ـ ١٦ ـ : إذا باع شقصا من مشاع لا يجوز قسمته شرعا ، كالحمام والأرحية والدور الضيقة فلا شفعة فيها ، وبه قال أهل الحجاز ربيعة ، و ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) (٢) وقال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ر ـ ) ، وأصحابه ، وأبو العباس بن سريج : يجب الشفعة فيه.

ويدل على ما ذهبنا اليه (٣) ما رواه أبو هريرة وجابر أن النبي عليه‌السلام قال : الشفعة فيما لم يقسم فاذا وقعت الحدود فلا شفعة. وقال جابر : انما جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) م : فيجب أن يرد عليه.

(٢) ح ، د : بحذف « وش ».

(٣) م ، خ : دليلنا ما رواه.

٦٣٤

الشفعة في كل ما لم يقسم ، وإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق (١) فلا شفعة.

وجه الدلالة : انه ذكر الشفعة بالألف واللام وهما للجنس ، فكأنه قال : جنس الشفعة فيما لم يقسم ، يعني : ما يصح قسمته وما لا يجوز قسمته لا يدخل تحته ، ولان قوله « ما لم يقسم » يفيد ما يقسم الا أنه لم يفعل فيه القسمة ، لأنه لا يقال فيما لا يقسم ما لم يقسم ، وانما يقال لا يقسم فلما قال لم يقسم دل على ما قلناه.

وروي عن عثمان أنه لا شفعة في نخل ولا بئر والأرف يقطع الشفعة وأراد آبار الحجاز ، فان اعتمادهم في السقي عليها ، ولا مخالف له في الصحابة.

مسألة ـ ١٧ ـ : إذا لم تنقص القيمة ولا الانتفاع بالقسمة قسم بلا خلاف وإذا انتقض الانتفاع والقيمة ، فلا يقسم بلا خلاف ، وما فيه الخلاف فعند ( ـ ح ـ ) أن كل قسمة لا ينتفع الشريك بحصته أيهما كان فهي قسمة ضرر ولا يقسم ، وهو ظاهر مذهب ( ـ ش ـ ) ، وهو صحيح عندي. وقال أصحاب ( ـ ش ـ ) : ان القسمة إذا نقصت القيمة دون الانتفاع ، فإنها غير جائزة.

ويدل على ما قلناه (٢) أنه مجمع عليه ، ولا دليل على أن نقصان القيمة يمنع من القسمة.

مسألة ـ ١٨ ـ ( ـ « ج » ـ ) : الصبي والمجنون والمحجور عليه لسفه يثبت لهم الشفعة ولوليهم أن يأخذ لهم ، فالولي هو الأب ، أو الجد أو الوصي (٣) من قبل واحد منهما ، أو أمين الحاكم إذا لم يكن أب ، وللولي أن يأخذ بالشفعة ، ولا يجب أن ينتظر بلوغ الصبي ورشاده ، وبه قال جميع الفقهاء.

وقال ابن أبي ليلى : لا شفعة للمحجور عليه. وقال ( ـ ع ـ ) : ليس للولي الأخذ له لكنه يصبر حتى إذا بلغ ورشد كان له الأخذ والترك.

__________________

(١) د ، خ : صرف.

(٢) م : دليلنا.

(٣) د : والجد أو الوصي ، م ، والجد والوصي.

٦٣٥

مسألة ـ ١٩ ـ : إذا كان للصبي شفعة وله في أخذها الحظ ولم يأخذ الولي عنه بالشفعة لم يسقط حقه ، وكان له المطالبة لها أو تركها إذا بلغ ، لأنه قد ثبت أنها حقه ، فلا يسقط بترك الولي ذلك ، كما لا يسقط ديونه وحقوقه ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ومحمد بن الحسن ، وزفر.

وقال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ف ـ ) : يسقط شفعته ، وليس له أخذها.

مسألة ـ ٢٠ ـ : إذا كان للصبي شفعة والحظ له في تركه ، فتركه الولي وبلغ الصبي ورشد ، فان له المطالبة بالأخذ وله تركه لما قلناه في المسألة الاولى ، ولأنه لا دلالة في سقوطه بترك الولي ، وهو مذهب ( ـ م ـ ) ، وزفر ، و ( ـ ش ـ ) ، في أحد قوليه ، والقول الأخر وعليه أكثر أصحابه انه ليس له المطالبة وسقط حقه ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ف ـ ).

مسألة ـ ٢١ ـ : إذا باع شقصا بشرط الخيار ، فان كان الخيار للبائع أو لهما فلا شفعة ، وان كان الخيار للمشتري ، فإنه يجب الشفعة للشفيع ، وله المطالبة بها قبل انقضاء الخيار ، لان الملك قد ثبت بالعقد كما بيناه في كتاب البيع ، فوجبت الشفعة للشفيع على المشتري ، لأنه ملكه ، وهو مذهب ( ـ ح ـ ) ، وعليه نص ( ـ ش ـ ). وقال الربيع : فيه قول آخر انه ليس له الأخذ قبل انقضاء (١) الخيار ، وبه قال ( ـ ك ـ ).

مسألة ـ ٢٢ ـ : إذا اشترى شقصا وسيفا ، أو شقصا وعبدا ، أو عرضا من العروض ، كان للشفيع الشفعة بحصته من الثمن ، ولا حق له فيما بيع معه ، لأنه لا دليل عليه ، وهو قول ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ش ـ ).

و ( ـ لح ـ ) رواية شاذة أنه يأخذ الشقص والسيف معا بالشفعة. وقال ( ـ ك ـ ) : لو باع شقصا من أرض فيها غلمان يعملون له ، كان له أخذ الشقص والغلمان معا بالشفعة.

مسألة ـ ٢٣ ـ : إذا أخذ الشفيع الشقص من المشتري أو البائع قبض المشتري أو لم يقبض ، فان دركه وعهدته على المشتري دون البائع ، لأن الشفيع انما يأخذ

__________________

(١) م : انقطاع.

٦٣٦

ملك المشتري بحق الشفعة ، فيلزمه دركه كما لو باعه ، وهو مذهب ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ك ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : ان أخذها من البائع ، فالعهدة على البائع ، وان أخذها من المشتري فكما قلناه. وقال ابن أبي ليلى. وعثمان البتي : عهدة المبيع على البائع دون المشتري ، سواء أخذها من يد البائع أو يد المشتري ، لأن المشتري كالسفير.

مسألة ـ ٢٤ ـ : لا يأخذ الشفيع الشفعة من البائع أبدا ، لأنه انما يستحق الشفعة بعد تمام العقد ولزومه ، وإذا كان كذلك فالملك [ للمشتري ، فيجب أن يكون الأخذ من مالكه لا من غيره ، وهذا مذهب ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) : له أخذها منه ] (١) قبل القبض.

مسألة ـ ٢٥ ـ : إذا تبايعا شقصا فضمن الشفيع الدرك للبائع عن المستحق (٢) ، أو للمشتري عن البائع في نفس العقد ، أو تبايعا بشرط الخيار على أن الخيار للشفيع ، فإنه يصح شرط الأجنبي ، وأيها كان فلا يسقط شفعته ، لأنه لا دليل عليه ولا مانع من جواز الشرط للأجنبي ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال أهل العراق : يسقط الشفعة ، لأن العقد ما تمَّ الا به ، كما إذا باع بعض حقه لم يجب له الشفعة على المشتري.

مسألة ـ ٢٦ ـ : إذا كان دار بين ثلاثة ، فباع أحدهم نصيبه واشتراه أحد الآخرين ، استحق الشفعة الذي لم يشتر على قول من يقول الشفعة على عدد الرؤوس ، وهو أحد وجهي (٣) ( ـ ش ـ ) ، لأن الإنسان لا يستحق الشفعة على نفسه ، وقد ثبت أن الشفعة يستحق على المشتري.

وقال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) في أحد وجهيه : يستحق الشفعة الذي اشتراه مع الذي لم

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة « د ».

(٢) م : عن المشترى.

(٣) د : قولي.

٦٣٧

يشتر بينهما نصفين.

مسألة ـ ٢٧ ـ : إذا كان الشفيع وكيلا في بيع الشقص الذي يستحق بالشفعة لم يسقط بذلك شفعته ، سواء كان وكيل البائع في البيع ، أو وكيل المشتري في الشراء ، لأنه لا مانع من وكالة ، ولا دلالة على سقوط حقه من الشفعة ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال أهل العراق : ان كان وكيل البائع لم يسقط شفعته ، وان كان وكيل المشتري سقطت شفعته ، بناء على أصله أن الوكيل في الشراء ينتقل الملك عن البائع إليه ، ثمَّ منه الى الموكل.

مسألة ـ ٢٨ ـ : إذا حط البائع من الثمن شيئا بعد لزوم العقد واستقر له الثمن ، لم يلحق ذلك بالعقد ولا يثبت للشفيع ، بل هو هبة مجددة للمشتري من البائع ، ولأنه لا دلالة على لحوقه بالعقد ، وهو قول ( ـ ش ـ ) ، سواء كان الحط كل الثمن أو بعضه.

وقال ( ـ ح ـ ) : ان حط بعض الثمن لحق العقد وسقط عن الشفيع ، وان حط كله لم يلحق العقد وقد مضت في البيوع.

مسألة ـ ٢٩ ـ : إذا زاد في الثمن زيادة بعد استقرار العقد ، فهو هبة من المشتري للبائع ولا يلزم الشفيع ، لأنه لا دلالة عليه ، وبه قال ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) : هذه الزيادة يلحق بالعقد ولا يلحق بالشفيع.

مسألة ـ ٣٠ ـ : إذا كانت دار بين اثنين ، فادعى أجنبي على أحدهما ما في يده من النصف ، فصالحه على ألف ، صح صلحه ، سواء صالحه على إنكار أو على إقرار ، ولا يستحق به الشفعة ، لأنه ليس ببيع.

وقال ( ـ ش ـ ) : ان كان الصلح على إقرار ، فهو بيع يستحق به الشفعة ، وان كان على إنكار فالصلح باطل لا يستحق به الشفعة.

٦٣٨

مسألة ـ ٣١ ـ : فإن كان الدار بينهما نصفين ، فادعى أجنبي على أحدهما ألف درهم ، فصالحه على نصفه من الدار لا يستحق به الشفعة ، سواء كان صلح إقرار أو صلح إنكار كما تقدم ذكره. وقال ( ـ ش ـ ) مثل ما مر ذكره.

مسألة ـ ٣٢ ـ : إذا أخذ الشفيع الشقص ، فلا يثبت للمشتري خيار المجلس بلا خلاف. وهل يثبت للشفيع خيار المجلس أم لا؟ عندنا أنه لا خيار له ، لأنه لا دليل عليه. و ( ـ للش ـ ) فيه قولان.

مسألة ـ ٣٣ ـ ( ـ « ج » ـ ) : إذا وهب شقصا لغيره ، سواء كان فوقه أو دونه أو نظيره ، فإنه لا يستحق به الشفعة. وقال ( ـ ش ـ ) : ان كانت الهبة لمن هو مثله أو دونه لا يستحق الشفعة ، لأن الهبة للنظير تودد ، ولمن هو دونه استعطاف ، فلا يستحق بهما العوض.

وان كان لمن هو فوقه ، فهل يثاب عليه؟ على قولين ، قال في الجديد : لا ثواب ، وبه قال ( ـ ح ـ ). وقال في القديم : يقتضي الثواب ، وهو قول ( ـ ك ـ ) ، فاذا قال : لا يقتضي الثواب ، فلا شفعة ، وإذا قال : يقتضي الثواب ، فإنه يثبت فيها الشفعة.

مسألة ـ ٣٤ ـ : إذا كانت دار بين نفسين ، فادعى أحدهما أنه باع نصيبه من أجنبي ، وأنكر الأجنبي أن يكون اشتراه ، فإنه تثبت الشفعة للشريك ، لأن البائع أقر بحقين : حق للمشتري ، وحق للشفيع ، فاذا رد المشتري ثبت حق الشفيع ، وبه قال عامة أصحاب ( ـ ش ـ ).

وقال أبو العباس : لا شفعة لأنها يثبت بعد ثبوت المشتري.

مسألة ـ ٣٥ ـ : على قول من قال من أصحابنا : ان الشفعة على عدد الرؤوس إذا كانت دار بين ثلاثة شركاء أثلاثا ، فاشترى أحدهم نصيب أحد الآخرين ، استحق المشتري مع الأخر الشفعة بينهما نصفين ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، وأصحابه ، و ( ـ ك ـ ) ، وعامة أصحاب ( ـ ش ـ ) ، وهو الذي نقله المزني.

٦٣٩

ومن أصحابه من قال : يأخذ الشفيع بالشفعة ولا حق للمشتري فيه ، وبه قال عثمان البتي ، والحسن البصري ، قالوا : لأنه مشتر ولا يستحق الشفعة على نفسه ، وهو الذي نصرناه فيما تقدم ، غير أن هذا القول الأخر أقوى.

مسألة ـ ٣٦ ـ : إذا شج غيره موضحة عمدا أو خطأ فصولح منها على شقص صح الصلح إذا كانا عالمين بأرش الموضحة ولا يستحق الشفيع أخذها بالشفعة لأن الصلح ليس بشراء والشفعة انما يستحق بعقد الشراء ، فمن ألحقه به فعليه الدلالة.

وقال ( ـ ش ـ ) وأصحابه : ان كانت الإبل موجودة ، فهل يصح الصلح أم لا؟ فيه قولان. وان كانت معدومة ، فعلى قولين في انتقال الأرش إلى القيمة والى مقدار (١) وعلى الوجهين جميعا يصح الصلح إذا علما القيمة أو المقدار ، فكل موضع يصح الصلح يجب الشفعة ، وكل موضع لا يصح لا يجب الشفعة.

مسألة ـ ٣٧ ـ : إذا باع ذمي شقصا من ذمي بخمر أو خنزير وتقابضا واستحق عليه الشفعة ، أخذ الشفيع بمثل ثمن الخمر وثمن الخنزير عند أهله ، لأن ذلك مال عندهم وقد أمرنا أن نقرهم على ما يرونه وهم يرون ذلك ثمنا ، فوجب إقرارهم عليه ، وبه قال ( ـ ح ـ ).

وقال ( ـ ش ـ ) : لا شفعة هاهنا ، لان الخمر ليس بمال.

مسألة ـ ٣٨ ـ ( ـ « ج » ـ ) : لا يستحق الذمي الشفعة على المسلم ، سواء اشتراه من مسلم أو ذمي وعلى كل حال ، وبه قال الشعبي ، و ( ـ د ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) ، وأصحابه ، و ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ع ـ ) : يستحق الذمي الشفعة على المسلم وقال ابن حي : لا شفعة له عليه في الأمصار ، وله الشفعة في القرى.

مسألة ـ ٣٩ ـ : إذا اشترى شقصا من دار وبنى مسجدا قبل أن يعلم الشفيع

__________________

(١) م : أو الى مقدر.

٦٤٠