المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف - ج ١

فضل بن الحسن الطبرسي

المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف - ج ١

المؤلف:

فضل بن الحسن الطبرسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٣
الجزء ١ الجزء ٢

الشقص بالشفعة ويؤخذ منه الثمن ، فيخص به شريكه البائع ولا حق للغرماء فيه.

مسألة ـ ٤ ـ : إذا اختار عين ماله في الموضوع (١) الذي له ذلك ، فقال له الغرماء : نحن نعطيك ثمنه ونسقط حقك من العين ، لم يجب عليه قبوله ، وله الأخذ للعين ، بدلالة عموم الاخبار في أنه أحق بعين ماله ويكون فائدته أن العين ربما كان ثمنها أكثر فيرتفق الغرماء بذلك ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ك ـ ) : يجبر على قبض الثمن ، وسقط حقه من العين.

مسألة ـ ٥ ـ : إذا باع (٢) من رجل عبدين قيمتهما سواء بثمن وأفلس المشتري بالثمن ، وكان قد قبض منه قبل الإفلاس نصف ثمنها (٣) ، فان حقه ثبتت في العين بدلالة عموم قوله عليه‌السلام « فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذ وجده بعينه وهو قول ( ـ ش ـ ) في الجديد.

وقال في القديم : إذا قبض بعض ثمن العين لم يكن له فيها حق إذا وجدها وبه قال ( ـ ك ـ ).

مسألة ـ ٦ ـ : إذا باع زيتا فخلطه المشتري بأجود منه ، ثمَّ أفلس المشتري والثمن سقط حق البائع من عين الزيت ، وبه قال ( ـ ش ـ ) وقال المزني : لا يسقط حقه من عينه.

دليلنا : ان عين زيته تالفة بدلالة أنها ليست موجود مشاهدة ، لأنا لا نشاهدها ، ولا من طريق الحكم ، لأنه ليس له أن يطالب بقسمته ، وإذا لم يكن موجودة من الوجهين كانت بمنزلة التالفة وسقط حقه من عينها.

__________________

(١) خ : في الموضع الذي.

(٢) خ : إذا باع رجل من رجل.

(٣) خ : نصف ثمنها.

٥٦١

مسألة ـ ٧ ـ : إذا باع رجل ثوبا من رجل وكان خاما ، فقصره أو قطعه قميصا وخاطه بخيوطه (١) ، أو باعه حنطة فطحنها أو غزلا فنسجه ، ثمَّ أفلس بالثمن ، ثمَّ وجد البائع عين ماله فالبائع أحق بعين ماله وشاركه (٢) المفلس فيها ويستحق أجرة المثل في العمل عليه ، وهو اختيار الشافعي.

وقال المزني : لا يشاركه فيها ويختص البائع بها.

دليلنا : أن هذه الصنائع إذا كانت لها أجرة والعمل غير منفصل من العين ، فيجب أن يشاركه صاحب العين بصنعته ، والا أدى الى بطلان حقه.

مسألة ـ ٨ ـ : إذا قسم الحاكم مال المفلس بين غرماء ، ثمَّ ظهر غريم آخر فان الحاكم ينقص القسمة ويشاركهم هذا الغريم فيما أخذوه ، بدلالة عموم الأخبار التي وردت في أن رأس المال يقسم بين الغرماء ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ك ـ ) : لا ينقص الحاكم القسمة ، وانما يكون دين هذا الغريم فيما يظهر للمفلس من المال بعد ذلك.

مسألة ـ ٩ ـ : للحاكم أن يحجر على من عليه الدين عندنا وعند ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : لا يجوز له الحجر عليه بحال ، بل يحبسه أبدا الى أن يقضيه.

مسألة ـ ١٠ ـ : يجوز للحاكم أن يبيع مال المفلس ويقسمه على (٣) الغرماء وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : ليس له بيعه ، فإنما يجبره على بيعه ، فان باعه والا حبسه الى أن يبيعه ولا يتولاه بنفسه من غير اختيار.

دليلنا : ما روى كعب بن مالك أن النبي عليه‌السلام حجر على معاذ وباع ماله في دينه.

__________________

(١) خ : بخيوط منه.

(٢) خ : ويشاركه.

(٣) خ : بين الغرماء.

٥٦٢

وروي عن عمر بن الخطاب أنه خطب الناس وقال : الا أن أسيفع جهينة قد رضى من دينه وأمانته بأن يقال سبق الحاج فأدان معرضا فأصبح قد دين به فمن كان له عليه مال (١) ، فليحضر غدا فانا بايعوا ماله وقاسموه بين غرمائه.

مسألة ـ ١١ ـ : إذا فلس (٢) الرجل وحجر عليه الحاكم ثمَّ تصرف في ماله اما بالهبة أو البيع أو بالإجارة (٣) أو العتق أو الكتابة أو الوقف ، كان تصرفه باطلا بدلالة الخبر أن عليا عليه‌السلام يفلس الرجل فاذا ثبت ذلك فمن خالف أمر الإمام أو النائب عنه كان تصرفه باطلا ، ولأنه تصرفه متى كان صحيحا فلا فائدة للحجر (٤).

و ( ـ للش ـ ) فيه قولان : أحدهما ما قلناه (٥) ، وهو الصحيح عندهم. والثاني : أن تصرفه موقوف ويقسم ماله سوى ما تصرف فيه بين غرمائه ، فإن وفى بهم نفذ تصرفه ، وان لم يف أبطل تصرفه (٦).

مسألة ـ ١٢ ـ : إذا أقر المحجور عليه بدين لغيره ، وزعم أنه كان عليه قبل الحجر ، قبل إقراره وشارك الغرماء ، لأن إقراره صحيح ، والخبر على عمومه في قسمة ماله بين غرمائه ، وهو اختيار ( ـ ش ـ ) ، وله قول آخر وهو أن يكون في ذمته يقضي من الفاضل من دين غرمائه.

مسألة ـ ١٣ ـ : من كان عليه ديون حالة ومؤجلة ، وحجر عليه الحاكم بسبب الديون الحالة ، لا تصير المؤجلة حالة ، لأنه لا دلالة عليه ، وهو الصحيح من أحد قولي ( ـ ش ـ ) ، وقوله الأخر انها تصير حالة ، وبه قال ( ـ ك ـ ).

__________________

(١) خ : عليه دين.

(٢) خ : إذا أفلس.

(٣) خ : أو الإجارة.

(٤) خ : ولأنه كان يؤدى الى انه لا فائدة للحجر متى فرضنا أن تصرفه يكون صحيحا.

(٥) خ : أحدهما.

(٦) خ : فان كان وفي لهم صح تصرفه وان لم يف بطل تصرفه.

٥٦٣

مسألة ـ ١٤ ـ : من مات وعليه دين مؤجل حل عليه بموته ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) و ( ـ ك ـ ) ، وأكثر الفقهاء. وقال الحسن البصري : لا تصير المؤجلة حالة بالموت ، فاما إذا كانت له ديون مؤجلة ، فلا تحل بموته بلا خلاف إلا رواية شاذة رواها أصحابنا انها تصير حالة.

مسألة ـ ١٥ ـ : إذا فلس (١) من عليه الدين وكان ما في يده لا يفي‌ء بقضاء ديونه ، فإنه لا يؤاجر ليكتسب ويدفع الى الغرماء ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) وأكثر الفقهاء.

وقال ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ق ـ ) ، وعمر بن عبد العزيز ، وعبيد الله بن الحسن العنبري ، وسوار بن عبد الله (٢) القاضي : أنه يؤاجر ويؤخذ أجرته فيقسم بين (٣) غرمائه.

دليلنا : أن الأصل براءة الذمة ، ولا دلالة على (٤) وجوب إجارته (٥) ، وأيضا قوله تعالى « وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ » ولم يأمر بالكسب.

مسألة ـ ١٦ ـ : المفلس إذا ماتت زوجته ، وجب أن يجهز من (٦) ماله.

و ( ـ للش ـ ) فيه قولان.

مسألة ـ ١٧ ـ : لا يجب على المفلس بيع داره التي يسكنها ، ولا خادمه الذي يخدمه. وقال ( ـ ش ـ ) : يجب عليه ذلك ، وبه قال باقي الفقهاء.

مسألة ـ ١٨ ـ : المفلس إذا ادعى على غيره مالا ولم يقم له بينة ، فرد عليه اليمين فلم يحلف لا يرد على الغرماء اليمين ، لأنه لا دلالة عليه في الشرع.

__________________

(١) خ : إذا أفلس.

(٢) خ : سوار بن عبد الله.

(٣) خ : فتقسم.

(٤) خ : ولا دليل.

(٥) خ : إجارته وتكسبه.

(٦) خ : ان يجهرها.

٥٦٤

و ( ـ للش ـ ) فيه قولان : أحدهما ما قلناه ، وهو قوله في الجديد. وقال في القديم : يرد على الغرماء ، فاذا حلفوا استحقوا المال وقسموه بينهم.

مسألة ـ ١٩ ـ : إذا باع الوكيل على رجل ماله ، أو الولي مثل الأب والجد والحاكم وأمينه والوصي ، ثمَّ استحق المال على المشتري ، فان ضمان العهدة يجب على من يبيع عليه ماله ، فان كان حيا كان في ذمته ، وان كان ميتا كانت العهدة في تركته وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : يجب على الوكيل ، وقال في الحاكم وأمينه : انهما لا يضمنان.

يدل على ما قلناه أن الأصل براءة الذمة ، ولا دليل على لزوم ذلك للوكيل ، أو هؤلاء ، فيجب أن يلزم من يباع عليه (١) ، والا لم يكن من يستحق عليه.

مسألة ـ ٢٠ ـ : إذا كان للمفلس دار ، فبيعت في دينه وباعها أمين القاضي وقبض الثمن وهلك (٢) في يده واستحقت الدار ، فإن العهدة تكون في مال المفلس فيوفي المشتري جميع الثمن الذي وزنه في ثمن الدار ، لان المال أخذ منه ببيع لم يسلم اليه (٣) ، فوجب أن يرد عليه الثمن ، وليس هذا دينا له على المفلس ، فيكون كأحد الغرماء ، وهو قول ( ـ ش ـ ) في رواية المزني ، وروي حرملة عنه أنه قال : يكون المشتري كأحد الغرماء.

مسألة ـ ٢١ ـ : تقبل البينة على إعسار الإنسان ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ك ـ ) : لا تقبل الشهادة على الإعسار ، سواء كان الشهود من أهل المعرفة الباطنة به أو لم يكونوا.

دليلنا : أن هذه الشهادة ليست على مجرد النفي وانما يتضمن إثبات صفة في

__________________

(١) خ : فيجب ان يلزم الموكل والا لم يكن.

(٢) خ : فهلك.

(٣) خ : لم يسلم له.

٥٦٥

الحال وهي الإعسار ، فوجب أن يكون مقبولة مثل سائر الحقوق والصفات.

وروي عن النبي عليه‌السلام أنه قال لقبيصة بن مخارق (١) المسألة حرمت إلا في ثلاثة رجل يحمل جمالة (٢) فحلت له المسألة حتى يؤديها ثمَّ يمسك ، ورجل أصابته فاقة وحاجة حتى يشهد ، أو يحكم ثلاثة من قومه من ذوي الحجى ان به حاجة وفاقة ، فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش ، أو قواما من عيش. وهذا نص في إثبات الفقر بالبينة.

مسألة ـ ٢٢ ـ : إذا قامت البينة على الإعسار وجب سماعها في الحال ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : يحبس المفلس شهرين ، هذا رواية الأصل. وقال التحاوي (٣) : يحبس شهرا ، وروي أربعة أشهر ثمَّ يسمع البينة.

مسألة ـ ٢٣ ـ : إذا أقام البينة من عليه الدين على إعساره وسئل الغرماء يمينه كان لهم ذلك ، لان الاحتياط يقتضيه. و ( ـ للش ـ ) فيه قولان روي الربيع ان هذه اليمين استظهار ، والظاهر من رواية حرملة أنها إيجاب.

مسألة ـ ٢٤ ـ : إذا ثبت إعساره وخلاه الحاكم لم يجز للغرماء ملازمته الى أن يستفيد مالا ، لقوله تعالى « فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ » وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : يجوز لهم ملازمته ، فيمشون معه ولا يمنعونه من التكسب والتصرف فاذا رجع الى بيته ، فان اذن لهم في الدخول معه دخلوا ، وان لم يأذن لهم منعوه من دخوله وبيتوه برا معهم.

ويدل على ما قلناه ما روى أبو سعيد الخدري أن رجلا أصيب في ثمار

__________________

(١) خ : لقبيصة بن مخارق.

(٢) خ : يحمل حمالة.

(٣) خ : الطحاوي.

٥٦٦

ابتاعها فكثر دينه وقال النبي عليه‌السلام : تصدقوا عليه فلم يبلغ وفاء دينه ، فقال النبي عليه‌السلام : خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك. وهذا يدل على أنه ليس لهم ملازمته.

مسألة ـ ٢٥ ـ : إذا فك حجره فادعى الغرماء أن له مالا سأله الحاكم ، فإن أقربه ولم يكن المال وفاء لديونهم وحدث ديان آخر لديونهم بعد فك الحجر سواء في القسمة (١) بين الغرماء الذين حدثوا بين فك الحجر عنه وبين الأولين ، لأنه لا دلالة على تخصيص قوم دون قوم والذمة خالية من الحجر ، والمديون متساوية في الثبوت ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ك ـ ) : يخص به (٢) الغرماء الذين حدثوا بعد فك الحجر.

مسألة ـ ٢٦ ـ : من له (٣) على غيره مال مؤجل إلى شهر وأراد من عليه الدين السفر الى موضع بعيد مدة سنة لم يكن لصاحب الدين منعه منه ولا مطالبته بالكفيل ، لأنه لا دلالة عليه ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ح ـ ). وقال ( ـ ك ـ ) : له مطالبته بالكفيل.

مسألة ـ ٢٧ ـ : إذا كان سفره الى الجهاد ، فليس له أيضا منعه منه لما قلنا فيما تقدم ، وهو ظاهر قول ( ـ ش ـ ) ، وفي أصحابه من قال له المطالبة بالوثيقة ، أو منعه من الجهاد.

__________________

(١) خ : وحدث ديان آخر بعد فك الحجر سوى في قسمته.

(٢) خ : يختص.

(٣) خ : من كان له.

٥٦٧

كتاب الحجر

مسألة ـ ١ ـ : الإنبات دليل (١) على بلوغ المسلمين والمشركين. وقال ( ـ ح ـ ) : ليس (٢) بدلالة على بلوغ المسلمين ولا المشركين ولا يحكم به (٣).

وقال ( ـ ش ـ ) : هو دلالة على بلوغ المشركين ، وفي دلالته على بلوغ المسلمين قولان.

مسألة ـ ٢ ـ : يراعى في حد البلوغ في الذكور بالسن خمسة عشر سنة وبه قال ( ـ ش ـ ) ، وفي الإناث تسع سنين.

وقال ( ـ ح ـ ) : الأنثى تبلغ باستكمال تسع عشر سنة وللذكور (٤) عنه روايتان : إحداهما أنه (٥) يبلغ باستكمال تسع عشر سنة ، وهي رواية الأصل ، والأخرى ثماني عشر سنة ، وهي رواية الحسن بن زياد اللؤلئي.

وحكي عن مالك أنه قال : البلوغ بان يغلظ الصوت وان ينشق الغضروف

__________________

(١) خ : دلالة.

(٢) خ : قال ح الإنبات ليس.

(٣) خ : ولا يحكم به بحال.

(٤) خ : وفي الذكور عنه.

(٥) خ : إحداهما يبلغ.

٥٦٨

وهي رأس الأنف ، وأما السن فلا يتعلق به البلوغ. قال داود : لا يحكم بالبلوغ بل بالسن (١).

ويدل على مذهبنا ما روى أنس بن مالك أن النبي عليه‌السلام قال : إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأخذ منه الحدود. وروى عبد الله بن عمر قال : عرضت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عام بدر وأنا ابن ثلاثة عشر سنة (٢) فردني ، وعرضت عام أحد وأنا ابن أربع عشر سنين (٣) فردني ولم يرني بلغت ، وعرضت عام الخندق وأنا ابن خمس عشر سنة فأجازني في المقاتلة ، فنقل الحكم وهو رد والإجازة وسببه وهو السن.

مسألة ـ ٣ ـ : لا يدفع المال إلى الصبي ولا يفك حجره حتى يبلغ بأحد ما قدمناه ويكون رشيدا ، وحده أن يكون مصلحا لماله عدلا في دينه ، فاذا كان مصلحا لماله غير عدل في دينه ، أو كان عدلا في دينه غير مصلح لماله ، فإنه لا يدفع اليه ماله ، بدلالة قوله تعالى « فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ » ومن كان فاسقا (٤) كان موصوفا بالغي لا بالرشد.

وروي عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى « فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً » هو أن يبلغ ذا وقار وحلم وعقل ، وقوله تعالى « وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ » والفاسق سفيه ، والاخبار التي ينفرد بها كثيرة (٥) في هذا المعنى ، وهو مذهب ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : إذا كان مصلحا لما له مدبر له (٦) وجب فك الحجر عنه ، سواء كان عدلا

__________________

(١) خ : لا يحكم البلوغ بالسن.

(٢) خ : وأنا ابن ثلث عشرة سنة.

(٣) خ : وأنا بن أربع عشرة سنة.

(٤) خ : من كان فاسقا في دينه كان.

(٥) خ : الأخبار التي نتفرد بروايتها كثيرة.

(٦) خ : ومدبرا له.

٥٦٩

في دينه (١) أو لم يكن.

مسألة ـ ٤ ـ : إذا بلغ أو وجد منه الرشد فك (٢) حجره ، وان لم يونس منه الرشد لم يفك حجره الى أن يصير شيخا كبيرا ، لظاهر الآية بدلالة قوله تعالى « فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً » وهذا لم يونس منه الرشد ، وقوله تعالى « وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ » وهذا سفيه ، وهو مذهب ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : إذا بلغ خمسا وعشرين سنة فك حجره على كل حال ، ولو تصرف في ماله قبل بلوغ خمس وعشرين سنة يصح صرفه (٣) بالبيع والشراء والإقرار.

مسألة ـ ٥ ـ : إذا بلغت المرأة وهي رشيدة دفع إليها مالها وجاز لها أن تتصرف فيه ، سواء كان لها زوج أو لم يكن ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ك ـ ) : ان لم يكن لها زوج لم يدفع إليها ، وان كان لها زوج دفع إليها ، لكن لا يجوز لها ان تتصرف فيه الا بإذن زوجها.

مسألة ـ ٦ ـ : إذا كان لها زوج ، فتصرفها لا يحتاج إلى (٤) إذن زوجها ، لأنه لا دلالة عليه ، وروي ان ذلك يستحب لها وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ك ـ ) : لا يجوز لها التصرف إلا بإذن زوجها ، وروي أم الفضل (٥) أرسلت إلى رسول الله قدحا من لبن وهو واقف بعرفة فشربه ، ولم يسأل عن اذن الزوج.

وروي عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت (٦) يا رسول الله أتتني أمي راغبة

__________________

(١) خ : في دينه مصلحا له.

(٢) خ : إذا وجد فيه الرشد فك.

(٣) خ : صح صرفه.

(٤) خ : لا يفتقر الى.

(٥) خ : روى ان أم الفضل.

(٦) خ : اذن زوجها وروى ان أسماء بنت أبى بكر قالت.

٥٧٠

أأصلها فقال النبي عليه‌السلام نعم ولم يعتبر اذن زوجها الزبير.

مسألة ـ ٧ ـ : إذا بلغ الصبي وأونس منه الرشد ودفع له (١) ماله ، ثمَّ صار مبذرا مضيعا لماله في المعاصي حجر عليه ، وبه قال ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ق ـ ) ، و ( ـ ع ـ ) ، وأبو ثور ، وأبو عبيد وغيرهم ، وهو مذهب أبو يوسف ، ومحمد.

وقال ( ـ ح ـ ) ، وزفر : لا يحجر عليه وتصرفه نافذ في ملكه (٢) ، وحكي ذلك عن النخعي ، وابن سيرين.

دليلنا قوله تعالى « فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ » (٣) وقيل : السفيه المبذر ، والضعيف الصغير أو الشيخ الكبير (٤) ، والذي لا يستطيع أن يمل المغلوب على عقله. وقوله تعالى « وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ » والمبذر سفيه.

وروي عن النبي عليه‌السلام أنه قال : اقبضوا على أيدي سفهائكم ، ولا يصح القبض الا بالحجر. وروى عروة بن الزبير أن عبد الله بن جعفر ابتاع بيعا فأتى الزبير ، فقال له : قد ابتعت بيعا (٥) وأن عليا يريد أن يأتي عثمان ويسأله الحجر علي فقال الزبير أنا شريكك في البيع ، ثمَّ أتى علي عثمان ، فقال (٦) : ان ابن جعفر ابتاع بيع كذا فأحجر عليه ، فقال الزبير : أنا شريكه في البيع ، فقال عثمان : كيف أحجر على رجل شريكه الزبير ، ولم يقل أن الحجر على العاقل لا يجوز.

__________________

(١) خ : ودفع اليه.

(٢) خ : في ماله.

(٣) سورة البقرة : ٢٨٢.

(٤) خ : والشيخ الكبير.

(٥) خ : فقالت له انى قد ابتعت بيعا.

(٦) خ : فقال له ان ابن جعفر.

٥٧١

مسألة ـ ٨ ـ : إذا صار فاسقا الا أنه غير مبذر ، فالأحوط أن يحجر عليه ، بدلالة قوله تعالى « وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ » وروي عنهم عليهم‌السلام أنهم قالوا : شارب الخمر سفيه. و ( ـ للش ـ ) فيه وجهان.

مسألة ـ ٩ ـ : المحجور عليه إذا كان بالغا يقع طلاقه ، وبه قال جميع الفقهاء الا ابن أبي ليلى ، فإنه قال : لا يملك طلاقه.

٥٧٢

كتاب الصلح

مسألة ـ ١ ـ : الصلح على الإنكار جائز ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ك ـ ) ، وقالا : لا يكون الصلح الا مع الإنكار.

وقال ( ـ ش ـ ) : لا يجوز الصلح على الإنكار ، قال : وصورة المسألة أن يدعي رجل على غيره عينا في يده أو دينا في ذمته ، فأنكر المدعى عليه ثمَّ صالحه منه على مال يتفقان عليه ، لم يصح الصلح ولم يملك المدعي المال الذي قبضه من المدعى عليه ، وله أن يرجع فيطالبه به ، فوجب على المدعي رده عليه ، وكان على دعواه كما كان قبل الصلح ، وان كان قد صرح بإبرائه مما ادعاه وأسقط حقه عنه ، لأن أبرأه ليسلم (١) له ما قبضه فاذا لم يسلم ماله لم يلزمه ما عليه وعندنا.

وعند ( ـ ح ـ ) و ( ـ ك ـ ) يملك المدعي وليس (٢) للمدعي عليه مطالبته به.

ويدل على مذهبنا قوله تعالى « وَالصُّلْحُ خَيْرٌ » ولم يفرق بين الإنكار والإقرار وقوله عليه‌السلام « الصلح جائز بين المسلمين » ولم يفرق وقوله عليه‌السلام « كل مال وقى الرجل به عرضه فهو صدقة » فيجب أن يكون ما بذله المدعى عليه جائزا وأن يكون صدقة

__________________

(١) خ : مما ادعاه عليه وإسقاط حقه عنه لأنه أبرءه ليسلم له.

(٢) خ : يملك المدعى المال.

٥٧٣

لأنه قصد به وقاية عرضه.

مسألة ـ ٢ ـ : إذا أخرج من داره روشنا الى طريق المسلمين ، وكان عاليا لا يضر بالمارة ترك ما لم يعارض فيه أحد (١) من المسلمين ، فان عارض فيه واحد منهم وجب قلعه ، لان الطريق لجميع المسلمين ، فاذا طالبه واحد منهم كان له ذلك كسائر الحقوق ، وبه قال ( ـ ح ـ ).

وقال ( ـ ش ـ ) : لا يجب قلعه إذا لم يضر بالمارة وترك ، وبه قال ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ع ـ ) ، و ( ـ ق ـ ) وأبو يوسف ، ومحمد ، ولا خلاف أنه لو سقط ذلك فوقع على إنسان فقتله أو على مال فأتلفه لزمه الضمان ، فلو كان ذلك جائزا لم يكن عليه ضمان (٢).

مسألة ـ ٣ ـ : معاقد القمط وهي مساد الخيوط من الخص إذا كان الى أحد الجانبين ، وكان الخلاف (٣) في الخص قدم دعوى من العقد اليه ، وبه قال أبو يوسف وزاد بخوارج الحائط وانصاف اللبن ويقدم بهما.

وقال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) : لا يقدم بشي‌ء من ذلك.

مسألة ـ ٤ ـ : إذا تنازعا في جدار بين ملكيهما وهو غير متصل بينها أحدهما (٤) وانما هو مطلق ولأحدهما عليه جذوع ، فإنه لا يحكم بالحائط لمن الجذوع له لأنه لا دلالة عليه ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : يحكم بالحائط لصاحب الجذوع إذا كان أكثر من جذع واحد فان كان واحدا فلا يقدم به بلا خلاف.

دليلنا : قوله عليه‌السلام : « البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه » ولم يفرق

__________________

(١) خ : فيه واحد من المسلمين.

(٢) خ : لم يلزمه ضمان.

(٣) خ : وكان الخلف.

(٤) خ : ببناء أحدهما.

٥٧٤

وأيضا فإن وضع الجذع يجوز أن يكون عارية ، فان في الناس من أوجب (١) اعارة ذلك وهو مالك ، فإنه قال : يجبر على ذلك لقوله عليه‌السلام « لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبته على جدار ».

مسألة ـ ٥ ـ : إذا تنازع اثنان دابة أحدهما راكبها والأخر أخذ بلجامها ، ولم يكن مع أحدهما بينة ، جعلت بينهما نصفين ، لأنه لا دلالة على وجوب تقديم أحدهما على (٢) الأخر ، وبه قال المروزي أبو إسحاق.

وقال ( ـ ح ـ ) وباقي الفقهاء : يحكم بذلك للراكب.

مسألة ـ ٦ ـ : إذا كان حائط مشترك بين نفسين ، لم يجز لأحدهما أن يدخل فيه خشبة خفيفة لا تضر بالحائط إلا (٣) بإذن صاحبه ، لقول النبي عليه‌السلام لا يحل مال امرء مسلم الا بطيب نفس منه ، وهذا الحائط بينهما فلا يجوز لأحدهما التصرف فيه الا بإذن شريكه وطيب نفسه ، وبه قال ( ـ ش ـ ) في الجديد. وقال في القديم : يجوز ذلك وبه قال ( ـ ك ـ ).

مسألة ـ ٧ ـ : إذا كان حائط مشترك بين نفسين فأذن أحدهما لصاحبه أن يضع عليه خشبا يبنى عليه ، فبنى عليه ثمَّ انهدم السقف أو قلع ، فليس له أن يعيد (٤) إلا بإذن مجدد ، لأن الأصل أنه لا يجوز وضعه إلا بإذن (٥) ، وليس الاذن في الأول إذنا في الثاني وهو أحد قولي ( ـ ش ـ ) و ( ـ ك ـ ) ، والقول الأخر انه يجوز ذلك له.

مسألة ـ ٨ ـ : إذا كان لرجل بيت وعليه غرفة لاخر وتنازعا في سقف البيت

__________________

(١) خ : لأن في الناس من يوجب.

(٢) خ : على وجوب تقديمه على الأخر.

(٣) خ : بالحائط ضررا كثيرا إلا بإذن صاحبه.

(٤) خ : فليس له أن يعيدها.

(٥) خ : الأصل أن لا يجوز له أن يضع إلا بإذنه.

٥٧٥

الذي عليه الغرفة ، ولم يكن لأحد (١) بينة أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه حلف لصاحبه وحكم له ، بدلالة (٢) إجماع الفرقة على أن كل مجهول ففيه يستعمل القرعة (٣) وان قلنا أنه يقسم بينهما نصفين ، كان جائزا.

وقال ( ـ ش ـ ) : يحلف كل واحد منهما ، فاذا حلفا جعل بينهما نصفين.

وقال ( ـ ح ـ ) : القول قول صاحب السفل ، وعلى صاحب العلو البينة.

وقال ( ـ ك ـ ) : القول قول صاحب العلو ، وعلى صاحب السفل بينة.

مسألة ـ ٩ ـ : إذا كان بين رجلين حائط مشترك وانهدم وأراد أحدهما أن يبنيه وطالب الأخر بالإنفاق معه ، فإنه لا يجبر على ذلك ، وكذلك ان كان بينهما نهرا وبئر وطالب أحدهما بالنفقة لا يجبر عليها ، وكذلك ان كان بينهما دولاب يحتاج إلى عمارة (٤) وطالب شريكه بالنفقة لا يجبر على ذلك (٥) ، وكذلك ان كان السفل لواحد والعلو لاخر فانهدم فلا يجبر لصاحب (٦) السفل على اعادة الحيطان التي عليها (٧) الغرفة ، لأن الأصل براءة الذمة ، ولا دلالة على وجوب إجباره على النفقة.

و ( ـ للش ـ ) في هذه المسائل قولان : أحدهما ما قلناه ، وهو قوله في الجديد ، وبه قال ( ـ ح ـ ). والأخر قوله في القديم يجبر عليه ، وبه قال ( ـ ك ـ ). وقال في مسألة الغرفة : انه يجبر صاحب السفل على النفقة منفردا ولا يلزم صاحب العلو شيئا والثاني لا يجبر عليه.

__________________

(١) خ : ولم يكن لأحدهما بينة.

(٢) خ : وحكم له به بدلالة.

(٣) خ : يستعمل فيه القرعة.

(٤) خ : إلى العمارة.

(٥) خ : فلا يجبر.

(٦) خ : فلا يجبر صاحب السفل.

(٧) خ : التي؟؟؟ تكون عليها الغرفة.

٥٧٦

مسألة ـ ١٠ ـ : إذا أتلف رجل على غيره ثوبا يساوي دينارا فأقر له به وصالحه على دينارين لم يصح ذلك ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، وقال ( ـ ح ـ ) : يجوز ذلك.

دليلنا : أنه إذا أتلف عليه الثوب وجب في ذمته قيمته ، بدلالة أن له مطالبته بقيمته ، ويجبر صاحب الثوب على أحدهما (١) ، وإذا ثبت ان القيمة هي الواجبة في ذمته ، فالقيمة هاهنا دينار واحد ، فلو أجزنا أن يصالح (٢) على أكثر من دينار كان سعيا للدينار بأكثر منه ، وذلك لا يجوز (٣) ، هذا كلام الشيخ ولي في هذا ننظر.

مسألة ـ ١١ ـ : إذا ادعى عليه مالا مجهولا ، فأقر له به وصالحه (٤) على مال معلوم ، صح الصلح ، بدلالة قوله عليه‌السلام « الصلح جائز بين المسلمين الا ما أحل حراما أو حرم حلالا » ولم يفرق ، وبه قال ( ـ ح ـ ). وقال ( ـ ش ـ ) لا يصح.

مسألة ـ ١٢ ـ : إذا كان لرجل داران في زقاقين غير نافذين ، وظهر كل واحدة منهما إلى الأخرى ، فأراد أن يفتح ما بين (٥) الدارين بابا حتى ينفذ كل واحدة منهما الأخرى (٦) ، كان له ذلك ، وبه قال أبو الطيب الطبري من أصحاب ( ـ ش ـ ).

وقال باقي أصحابه : ليس له ذلك ، قال أبو الطيب (٧) : لا أعرف خلافا فيه.

دليلنا : انه لا يمنع من التصرف في ملكه الا بدليل ، ولا دليل على ذلك. وأيضا فلا خلاف أنه يجوز أن يجعل الدارين دارا واحدة ، فيرفع الحاجز بينهما ، ويكون البابان في الزقاقين على حالهما ، وهذا يدل على صحة ما قلناه.

__________________

(١) خ : على أخذها.

(٢) خ : أن يصالحه.

(٣) خ : كان بيعا للدينار بأكثر منه وذلك ربا لا يجوز.

(٤) خ : وصالحه منه.

(٥) خ : فأراد أن يفتح بين الدارين بابا.

(٦) خ : منهما إلى الأخرى.

(٧) خ : ولا أعرف.

٥٧٧

كتاب الحوالة

مسألة ـ ١ ـ : المحتال هو الذي يقبل الحوالة ، فلا بد من اعتبار رضاه ، وبه قال جميع الفقهاء الا داود ، ومتى أحاله (١) من عليه الحق على غيره لزمه ذلك.

دليلنا : أنا أجمعنا على أنه إذا رضي صحت الحوالة ، وليس على صحتها مع عدم رضاه دليل ، وقول النبي عليه‌السلام : اللهم إذا أحيل أحدكم على ملي فليحتل المراد به الاستحباب ، لأنه إذا أراد أن يحيله على غيره أستحب له أن يجيبه اليه ، لما فيه من قضاء حاجة أخيه واجابته الى ما يبتغه (٢).

مسألة ـ ٢ ـ : المحال عليه يعتبر رضاه ، وبه قال المزني والإصطخري ، وذكر ابن سريج أن الشافعي ذكر ذلك في الإملاء ، والمشهور من مذهب ( ـ ش ـ ) أنه لا يعتبر رضاه.

دليلنا : ما تقدم في المسألة الاولى من إجماع (٣) الأمة على أنه إذا رضي صحت الحوالة ، ولا دليل (٤) على صحتها من غير رضاه.

__________________

(١) خ : متى ما أحاله.

(٢) خ : الى ما يبتغيه.

(٣) خ : ما قلناه في المسألة الأولى سواء من إجماع.

(٤) خ : ولم يدل.

٥٧٨

مسألة ـ ٣ ـ : إذا أحاله على من ليس له عليه دين وقبل الحوالة صحت الحوالة ، لأنه لا مانع منه الأصل جوازه. وقال (١) ( ـ ش ـ ) : إذا أحال على من ليس له عليه دين ، فالمذهب أن ذلك لا يصح.

مسألة ـ ٤ ـ : إذا أحال رجلا على رجل بالحق وقبل الحوالة وصحت ، تحول الحق من ذمته المحيل إلى ذمة المحال عليه ، وبه قال جميع الفقهاء إلا زفر بن الهذيل ، فإنه قال : لا يتحول الحق عن ذمته.

دليلنا : ان الحوالة مشتقة من التحويل ، فينبغي أن يعطي اللفظ حقه من الاشتقاق والمعنى إذا حكم الشرع بصحته ، فإذا أعطيناه حقه وجب أن ينتقل الحق من المحيل الى المحال عليه.

مسألة ـ ٥ ـ : إذا انتقل الحق من ذمة المحيل الى المحال عليه بحوالة صحيحة ، فإنه لا يعود عليه ، سواء بقي المحال عليه على غناه حتى أداه أو جحده حقه وحلف عند الحاكم ، أو مات مفلسا ، أو أفلس وحجر عليه الحاكم ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، وهو المروي عن علي عليه‌السلام.

وقال ( ـ ح ـ ) : له الرجوع عليه بالحق إذا جحده المحال عليه ، أو مات مفلسا.

وقال أبو يوسف ، ومحمد : يرجع عليه في هذين الموضعين ، وبه قال عثمان ، وإذا أفلس وحجر عليه الحاكم.

دليلنا أنه قد ثبت انتقال الحق عن ذمته ولا دليل على انتقاله اليه ثانيا فمن ادعى ذلك فعليه الدلالة ، ولأن الملاءة شرط في الحوالة (٢) ، فلو كان له الرجوع عند الإعسار لم يكن لشرط الملائة تأثير (٣).

__________________

(١) خ : ان الأصل جواز ذلك والمنع يحتاج الى دليل وقال.

(٢) خ : ولأنه شرط الملائة في الحوالة.

(٣) خ : فائدة.

٥٧٩

مسألة ـ ٦ ـ : إذا شرط المحتال في الحوالة ملاءة المحال عليه فخرج معسرا (١) لم يصح الحوالة. وقال ( ـ ش ـ ) : صح.

وإذا (٢) شرط المحتال ملاءة المحال فوجده معسرا أو لم يشرط فوجده معسرا صحت الحوالة. وقال ابن سريج : الذي يقتضيه أصول ( ـ ش ـ ) أن يكون له الرجوع إذا شرط الملاءة فوجده معسرا ، والأول (٣) قول المزني ، وهو الذي صححه باقي أصحابه.

مسألة ـ ٧ ـ : إذا اشترى رجل من غيره عبدا بألف درهم ثمَّ أحال البائع المشتري بالألف على رجل للمشتري عليه ألف درهم وقبل البائع الحوالة صحت (٤) ، ثمَّ ان المشتري وجد بالعبد عيبا فرده وفسخ البيع بطل الحوالة ، لأن العقد إذا انفسخ سقط ثمن العبد ، وانما صحت هذه الحوالة عن ثمن العبد ، وبه قال المزني وأبو إسحاق.

وقال أبو علي الطبري : ذكر المزني في الجامع الكبير أن الحوالة صحيحة ، واختاره هو قال أبو حامد المروزي : طلبت في عدة نسخ من الجامع فلم أجده.

مسألة ـ ٨ ـ : إذا أحال رجل على رجل بحق له عليه ، واختلفا فقال المحيل : أنت وكيلي في ذلك ، وقال المحتال : إنما أحلتني لأخذ ذلك لنفسي على وجه الحوالة بمالي عليك ، واتفقا على أن القدر الذي جرى بينهما من اللفظ أنه قال :

__________________

(١) خ : فوجده معسرا.

(٢) خ : وقال ( ـ ش ـ ) إذا شرط.

(٣) خ : فوجده بخلافه والأول.

(٤) خ : صحت الحوالة.

٥٨٠