الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٣

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٣

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-428-1
الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٣

انّ أقلّ مراتب يوم عاشوراء ان تجعل قتل مولانا (١) الحسين صلوات الله عليه ، وقتل من قتل معه من الأهل والأبناء مجرى والداك أو ولدك ، أو بعض من يعزّ عليك ، فكن في يوم عاشوراء كما كنت تكون عند فقدان أخصّ أهلك به وأقربهم إليك ، فأنت تعلم ان موت أحد من أعزّتك ما فيه ظلم لك ولا لهم ولا كسر حرمة الإسلام ولا كفر الأعداء لحرمتك.

وامّا الحسين عليه‌السلام فإنّ الّذي جرى عليه وعلى جماعته ومن يعزّ عليه ، جرى فيه ما قد شرحنا بعضه من هتك حرمات الإسلام وذلّ مقامات أهل العقول والافهام ، ودروس معالم الدين وشماتة أعداء المسلمين.

فاجتهد ان يراك الله جلّ جلاله انّ كلّما يعزّ عليه يعزّ عليك ، وان يراك رسوله عليه‌السلام انّ كلّما هو إساءة إليه فهو إساءة إليك ، فكذا يكون من يريد شرف الوفاء لله جلّ جلاله ولرسول الله صلوات الله عليه ولخاصّته ، وكذا يكون من يريد ان يكون الله جلّ جلاله ورسوله وأوليائه عليه وعليهم‌السلام معه عند نكبته أو حاجته أو ضرورته ، فإنّه إذا كان معهم في الغضب والرضا واللذة والسرور كانوا معه عند مثل تلك الأمور.

أقول : وامّا ان كنت صاحب معرفة بالله جلّ جلاله وخواص عباده وتتّقي الله جلّ جلاله في اتباع مراده ، فإنّك لا تقنع ان يكون حالك يوم عاشوراء مثل حالك عند فقد الإباء والأبناء ، بل على قدر منزلة الحسين صلوات الله عليه وآله وذرّيته وعترته عند الله جلّ جلاله وعند جدّهم صلوات الله عليه في المواساة عند تلف ما يقوم مقام مهجته ، وعلى قدر المصيبة في الإسلام وذهاب حرمته.

أقول : وروينا بإسنادنا إلى مولانا علي بن موسى الرضا عليه‌السلام انّه قال : من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرّت بنا في الجنة عينه ، ومن سمّى يوم عاشوراء يوم بركة وادّخر لمنزله فيه شيئا

__________________

(١) مولاك ( خ ل ).

٨١

لم يبارك له فيما ادّخر ، وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد لعنهم الله في أسفل درك من النّار! (١)

فهذا ما أردنا ذكره من أحوال المواساة في أهوال قتل ائمّة النجاة ، ولم نستوف كلّما توجّه من حقوقهم المعظّمة في الحياة وبعد الوفاة.

أقول : وإذا عزمت على ما لا بدّ منه من الطعام والشراب بعد انقضاء وقت المصاب فقل ما معناه :

اللهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٢) ، فَالْحُسَيْنُ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلى أصْحابِهِ عِنْدَكَ الانَ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ ، فَنَحْنُ فِي هذَا الطَّعامِ وَالشَّرابِ بِهِمْ مُقْتَدُونَ.

أقول : وسأذكر تعزية لمولانا جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام ، كتبها إلى بني عمّه رضوان الله عليهم لمّا حبسوا ، ليكون مضمونها تعزية عن الحسين عليه‌السلام وعترته وأصحابه رضوان الله عليهم.

رويناها بإسنادنا الذي ذكرنا من عدّة طرق إلى جدّي أبي جعفر الطوسي ، عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن أبي عمير ، عن إسحاق بن عمار.

ورويناها أيضا بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي ، عن أبي الحسين أحمد بن محمد بن سعيد بن موسى الأهوازي ، عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدّثنا محمد بن الحسن القطراني ، قال : حدثنا حسين بن أيوب الخثعمي ، قال : حدثنا صالح بن أبي الأسود ، عن عطيّة بن نجيح بن المطهر الرازي وإسحاق بن عمار الصيرفي ، قالا معا :

انّ أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام كتب إلى عبد الله بن الحسن رضي‌الله‌عنه حين حمل هو وأهل بيته يعزّيه عمّا صار إليه :

__________________

(١) عنه البحار ٩٨ : ٣٤٣ ، رواه في عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٩٩ ، أمالي الصدوق : ١١٢.

(٢) آل عمران : ١٦٩.

٨٢

بسم الله الرّحمن الرحيم إلى الخلف الصالح والذرية الطيّبة من ولد أخيه وابن عمّه ، امّا بعد فلان كنت تفرّدت أنت وأهل بيتك ممّن حمل معك بما أصابكم ما انفردت بالحزن والغبطة والكآبة وأليم وجع القلب دوني ، فلقد نالني من ذلك من الجزع والقلق وحرّ المصيبة مثل ما نالك ، ولكن رجعت إلى ما أمر الله جلّ جلاله به المتّقين من الصبر وحسن العزاء حين يقول لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا ) (١).

وحين يقول ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ. ) (٢) وحين يقول لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله حين مثل بحمزة ( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) (٣) ، وصبر صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يتعاقب.

وحين يقول ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى. ) (٤).

وحين يقول ( الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ. ) (٥).

وحين يقول ( إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ. ) (٦).

وحين يقول لقمان لابنه ( وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) (٧).

وحين يقول عن موسى ( قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. ) (٨)

__________________

(١) الطور : ٤٨.

(٢) القلم : ٤٨.

(٣) النحل : ١٢٦.

(٤) طه : ١٣٢.

(٥) البقرة : ١٥٦.

(٦) الزمر : ١٠.

(٧) لقمان : ١٧.

(٨) الأعراف : ١٢٨.

٨٣

وحين يقول : «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ.» (١)

وحين يقول : «ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ.» (٢)

وحين يقول : «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ.» (٣)

وحين يقول : «وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ، فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ.» (٤)

وحين يقول : «وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ» (٥).

وحين يقول : «وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ.» (٦) ، وأمثال ذلك من القرآن كثير.

واعلم أي عمّ وابن عمّ ، انّ الله جلّ جلاله لم يبال بضرّ الدنيا لوليّه ساعة قطّ ، ولا شيء أحبّ إليه من الضرّ والجهد والاذاء مع الصبر ، وانّه تبارك وتعالى لم يبال بنعيم الدنيا لعدوّه ساعة قطّ ، ولو لا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه ويخيفونهم (٧) ويمنعونهم ، وأعداؤه آمنون مطمئنّون عالون ظاهرون.

ولو لا ذلك ما قتل زكريا ، واحتجب يحيى ظلماً وعدواناً في بغيّ من البغايا.

ولو لا ذلك ما قتل جدّك علي بن أبي طالب صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قام بأمر الله جلّ وعزّ ظلماً وعمّك الحسين بن فاطمة صلّى الله عليهما اضطهاداً (٨) وعدواناً.

ولو لا ذلك ما قال الله عزّ وجلّ في كتابه : «وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ.» (٩)

__________________

(١) العصر : ٣.

(٢) البلد : ١٧.

(٣) البقرة : ١٥٥.

(٤) آل عمران : ١٤٦.

(٥) الأحزاب : ٣٥.

(٦) يونس : ١٠٩.

(٧) يحيفونهم ( خ ل ) ، من الحيف أي الجور والظلم ، وفي البحار : يخوّفونهم.

(٨) اضطهده : قهره وجار عليه.

(٩) الأحزاب : ٣٣.

٨٤

ولو لا ذلك لما قال في كتابه : «يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ» (١).

ولو لا ذلك لمّا جاء في الحديث : لو لا ان يحزن المؤمن لجعلت للكافر عصابة من حديد لا يصدع رأسه ابداً.

ولو لا ذلك لما جاء في الحديث : انّ الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة.

ولو لا ذلك ما سقى كافراً منها شربة من ماء.

ولو لا ذلك لما جاء في الحديث : لو انّ مؤمناً على قلّة جبل لا نبعث الله له كافراً أو منافقاً يؤذيه.

ولو لا ذلك لما جاء في الحديث انّه : إذا أحبّ الله قوماً أو أحبّ عبداً صبّ عليه البلاء صباً ، فلا يخرج من غمّ الاّ وقع في غمّ.

ولو لا ذلك لما جاء في الحديث : ما من جرعتين أحبّ إلى الله عزّ وجلّ ان يجرعهما عبده المؤمن في الدّنيا ، من جرعة غيظ كظم عليها ، وجرعة حزن عند مصيبة صبر عليها بحسن عزاءٍ واحتساب.

ولو لا ذلك لما كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعون على من ظلمهم بطول العمر وصحّة البدن وكثرة المال والولد.

ولو لا ذلك بلغنا انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا خصّ رجلاً بالترحم عليه والاستغفار استشهد.

فعليكم يا عمّ وابن عمّ وبني عمومتي واخوتي بالصبر والرضا والتسليم والتفويض إلى الله جلّ وعزّ والرّضا والصبر على قضائه والتّمسك بطاعته والنزول عند أمره.

أفرغ الله علينا وعليكم الصّبر ، وختم لنا ولكم بالأجر والسعادة ، وأنقذكم وإيّانا من كلّ هلكة ، بحوله وقوته انّه سميع قريب ، وصلّى الله على صفوته من خلقه محمّد النبي وأهل بيته (٢).

__________________

(١) المؤمنون : ٥٦.

(٢) عنه البحار ٤٧ : ٢٩٨ ـ ٣٠١.

٨٥

أقول : وهذا آخر التعزية بلفظها من أصل صحيح بخطّ محمد بن علي بن مهجناب البزّاز ، تاريخه في صفر سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ، وقد اشتملت هذه التعزية على وصف عبد الله بن الحسن بالعبد الصالح والدعاء عند جانبها له وابن عمّه بالسعادة ودلائل الصفا الراجح ، وهذا يدلّ على انّ هذه الجماعة المحمولين كانوا عند مولانا الصادق عليه‌السلام معذورين وممدوحين ومظلومين وبحبّه عارفين.

أقول : وقد يوجد في الكتب انّهم كانوا للصادقين عليهم‌السلام مفارقين ، وذلك محتمل للتقيّة لئلاّ ينسب إظهارهم لإنكار المنكر إلى الأئمة الطاهرين.

وممّا يدلّك على انّهم كانوا عارفين بالحقّ وبه شاهدين ، ما رويناه بإسنادنا إلى أبي العباس أحمد بن نصر بن سعد من كتاب الرجال ممّا خرج منه وعليه سماع الحسين بن علي بن الحسن وهو نسخة عتيقة بلفظه ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن سعيد الكندي قال : هذا كتاب غالب بن عثمان الهمداني وقرأت فيه ، أخبرني خلاّد بن عمير الكندي مولى آل حجر بن عدي قال :

دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : هل لكم علم بآل الحسن الّذين خرج بهم ممّا قبلنا ، وكان قد اتّصل بنا عنهم خبر فلم تحبّ ان نبدأه به؟ فقلنا : نرجو ان يعافيهم الله ، فقال : واين هم من العافية؟ ثمّ بكا حتّى علا صوته وبكينا ، ثم قال : حدّثني أبي عن فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام قالت : سمعت أبي صلوات الله عليه يقول : يقتل منك أو يصاب منك نفر بشطّ الفرات ما سبقهم الأوّلون ولا يدركهم الآخرون ، وانّه لم يبق من ولدها غيرهم (١).

أقول : وهذه شهادة صريحة من طرق صحيحة بمدح المأخوذين من بني الحسن عليه وعليهم‌السلام ، وانّهم مضوا إلى الله جلّ جلاله بشرف المقام والظّفر بالسعادة والكرام.

وهذه ما رواه أبو الفرج الأصفهاني عن يحيى بن عبد الله الّذي سلم من الّذين تخلّفوا في الحبس من بني حسن فقال : حدثنا عبد الله بن فاطمة ، عن أبيها ، عن جدّتها فاطمة

__________________

(١) عنه البحار ٤٧ : ٣٠٢.

٨٦

بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قالت : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

يدفن من ولدي سبعة بشطّ الفرات لم يسبقهم الأوّلون ولم يدركهم الآخرون ، فقلت : نحن ثمانية ، فقال : هكذا سمعت ، فلمّا فتحوا الباب وجدوهم موتى واصابوني وبي رمق وسقوني ماء وأخرجوني فعشت (١).

ومن الاخبار الشاهدة بمعرفتهم بالحقّ ما رواه أحمد بن إبراهيم الحسيني من كتاب المصابيح بإسناده انّ جماعة سألوا عبد الله بن الحسن ، وهو في المحمل الّذي حمل فيه إلى سجن الكوفة ، فقلنا : يا بن رسول الله محمد ابنك المهدي ، فقال : يخرج محمد من هاهنا ـ وأشار إلى المدينة ـ فيكون كلحس الثور (٢) انفه حتى يُقتل ، ولكنّ إذا سمعتم بالمأثور وقد خرج بخراسان وهو صاحبكم (٣).

أقول : لعلّها بالموتور ، وهذا صريح انّه عارف بما ذكرناه.

وممّا يزيدك بياناً ما رويناه بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي عن جماعة ، عن هارون بن موسى التلعكبري ، عن ابن همام ، عن جميل ، عن القاسم بن إسماعيل ، عن أحمد بن رياح ، عن أبي الفرج أبان بن محمد المعروف بالسندي ، نقلناه من أصله قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام في الحجّ في السنة الّتي قدم فيها أبو عبد الله عليه‌السلام تحت الميزاب وهو يدعو ، وعن يمينه عبد الله بن الحسن ، وعن يساره حسن بن حسن ، وخلفه جعفر بن حسن قال : فجاءه عبّاد بن كثير البصري ، قال : فقال له : يا أبا عبد الله ، قال : فسألت عنه حتّى قالها ثلاثاً ، قال : ثمّ قال له : يا جعفر ، قال : فقال له : قل ما تشاء يا أبا كثير ، قال : انّي وجدت في كتاب لي علم هذه البيّنة رجل ينقضها حجراً حجراً.

قال : فقال له : كذب كتابك يا أبا كثير ولكن كأنّي والله صفر القدمين خمش

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ١٩٣ ، عنه البحار ٤٧ : ٣٠٢.

(٢) في الأصل : كلحش ، ما أثبتناه من البحار ، أقول : كلحس الثور ـ بالسين المهملة ـ كناية عن قتله الناس وتزكية الأرض من أوساخ الفسدة كما يلحس الثور أوساخ أنفه.

(٣) عنه البحار ٤٧ : ٣٠٢.

٨٧

الساقين ضخم البطن رقيق العنق ضخم الرّأس على هذا الركن ـ وأشار بيده إلى الركن اليماني ـ يمنع النّاس من الطواف حتّى يتذعّروا (١) منه ، قال : ثمّ يبعث الله له رجلا منّي ـ وأشار بيده إلى صدره ـ فيقتله قتل عاد وثمود وفرعون ذي الأوتاد ، قال : فقال له عند ذلك عبد الله بن الحسن : صدق والله أبو عبد الله عليه‌السلام ، حتّى صدّقوه كلهم جميعاً (٢).

أقول : فهل تراهم الاّ عارفين بالمهدي وبالحقّ اليقين ، ولله متقين.

فصل : وممّا يزيدك بياناً ما رواه انّ بني الحسن عليه‌السلام ما كانوا يعتقدون فيمن خرج منهم انّه المهدي صلوات الله عليه وآله وان تسمّوا بذلك انّ أوّلهم خروجا وأوّلهم تسمّياً بالمهدي محمد بن عبد الله بن الحسن عليه‌السلام ، وقد ذكر يحيى بن الحسن الحسيني في كتاب الأمالي بإسناده عن طاهر بن عبيد ، عن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن عليه‌السلام انّه سئل عن أخيه محمد : أهو المهدي الذي يذكر؟ فقال :

انّ المهدي عُدّة من الله تعالى لنبيّه صلوات الله عليه وعده ان يجعل من أهله مهديّاً لم يسمّ (٣) بعينه ولم يوقّت زمانه ، وقد قام أخي لله بفريضة عليه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإن أراد الله تعالى ان يجعله المهدي الّذي يذكر فهو فضل الله يمنّ به على من يشاء من عباده ، والاّ فلم يترك أخي فريضة الله عليه لانتظار ميعاد لم يؤمر بانتظاره ـ وهذا آخر لفظ حديثه (٤).

وروي في حديث قبله بكراريس من الأمالي عن أبي خالد الواسطي انّ محمد بن عبد الله بن الحسن قال : يا أبا خالد انّي خارج وانا والله مقتول ـ ثمّ ذكر عذره في خروجه مع علمه انّه مقتول ـ وكلّ ذلك يكشف عن تمسّكهم بالله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) تذعّر : تخوف.

(٢) عنه البحار ٤٧ : ٣٠٣ ، ٥١ : ١٤٩.

(٣) لم يسمه ( خ ل ).

(٤) عنه البحار ٤٧ : ٣٠٣.

٨٨

وروي حديث علم محمد بن عبد الله بن الحسن انه يقتل أحمد بن إبراهيم في كتاب المصابيح في الفصل المتقدم.

فصل (١٧)

فيما نذكره مما يختم به يوم عاشوراء وما يليق ان يكون بعده بحسب ما أنت عليه من الوفاء

اعلم انّ أواخر النّهار يوم عاشوراء كان اجتماع حرم الحسين عليه‌السلام وبناته وأطفاله في أسر الأعداء ، ومشغولين بالحزن والهموم والبكاء ، وانقضى عنهم آخر ذلك النّهار ، وهم فيما لا يحيط به قلمي من الذلّ والانكسار ، وباتوا تلك الليلة فاقدين لحمائهم ورجالهم وغرباء في إقامتهم وترحالهم (١) ، والأعداء يبالغون في البراءة منهم والاعراض عنهم وإذلالهم ، ليتقرّبوا بذلك إلى المارق (٢) عمر بن سعد ، مؤتم أطفال محمد ومقرّح (٣) الأكباد ، وإلى الزنديق عبيد الله بن زياد ، وإلى الكافر يزيد بن معاوية رأس الإلحاد والعناد.

حتّى لقد رأيت في كتاب المصابيح بإسناده إلى جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : قال لي أبي محمد بن علي : سألت أبي علي بن الحسين عن حمل يزيد له فقال :

حملني على بعير يطلع بغير وطاء ، ورأس الحسين عليه‌السلام على علم ، ونسوتنا خلفي على بغال أكفّ (٤) ، والفارطة خلفنا وحولنا بالرماح ، ان دمعت من أحدنا عين قرع (٥) رأسه بالرمح ، حتّى إذا دخلنا دمشق صاح صائح : يا أهل الشام هؤلاء سبايا أهل البيت الملعون (٦).

__________________

(١) رحل رحيلاً ترحالاً : ترك.

(٢) مارق : من خرج من الدين.

(٣) قرّحه : جرحه.

(٤) الافك ج فُكّ : الذي زاغ له عظم عن مركزه ومعضلة.

(٥) قرع : ضرب.

(٦) اللعون ( خ ل ).

٨٩

أقول : فهل جرى لأبيك وأمّك من يعزّ عليك مثل هذا البلاء والابتلاء الّذي لا يجوز ، ويهون عليك ، ولا أحد من المسلمين ولا على من يعرف منازل أولاد الملوك والسّلاطين.

أقول : فإذا كان أواخر نهار يوم عاشوراء فقم قائماً (١) وسلّم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى مولانا أمير المؤمنين وعلى مولانا الحسن بن علي وعلى سيدتنا فاطمة الزهراء وعترتهم الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ، وعزّهم على هذه المصائب بقلب محزون وعين باكية ولسان ذليل بالنوائب ، ثمّ اعتذر إلى الله جلّ جلاله وإليهم من التقصير فيما يجب لهم عليك وان يعفو عمّا لم تعمله ممّا كنت تعمله مع من يعزّ عليك ، فإنّه من المستبعد ان تقوم في هذا المصاب الهائل بقدر خطبه النّازل.

واجعل كلّما يكون من الحركات والسكنات في الجزع عليه خدمة لله جلّ جلاله ومتقرّباً بذلك إليه ، واسأل من الله جلّ جلاله ومنهم ما يريدون أن يسأله منهم ، وما أنت محتاج إليه وان لم تعرفه ولم تبلغ أملك إليه ، فإنّهم أحقّ ان يعطوك على قدر إمكانهم ، ويعاملوك بما يقصر عنه سؤالك من إحسانهم.

أقول : ولعلّ قائلاً يقول : هلاّ كان الحزن الّذي يعملونه من أول عشر المحرّم قبل وقوع القتل ، يعملونه بعد يوم عاشوراء لأجل تجدّد القتل.

فأقول : انّ أوّل العشر كان الحزن خوفاً ممّا جرت الحال عليه ، فلمّا قتل صلوات الله عليه وآله دخل تحت قول الله تعالى :

( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢) ، فلمّا صاروا فرحين بسعادة الشهادة وجب المشاركة لهم في السرور بعد القتل لتظفرهم بالسعادة.

فإن قيل : فعلام تجدّدون قراءة المقتل والحزن كل عام؟

__________________

(١) تائماً ( خ ل ).

(٢) آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧٠.

٩٠

فأقول : لانّ قرائته هو عرض قصّة القتل على عدل الله جلّ جلاله ليأخذ بثأره كما وعد من العدل ، وامّا تجدّد الحزن كلّ عشر والشهداء صاروا مسرورين ، فلانّه مواساة لهم في أيّام العشر حيث كانوا فيها ممتحنين ، ففي كلّ سنة ينبغي لأهل الوفاء أن يكونوا وقت الحزن محزونين ووقت السرور مسرورين.

فصل (١٨)

فيما نذكره ممّا يعمل عند تناول الطعام يوم عاشوراء

اعلم انّنا ذكرنا ان يوم عاشوراء يكون على عوائد أهل المصائب في العزاء ، ويمسك الإنسان عن الطعام والشراب إلى آخر نهار يوم المصاب ، ثمّ يتناول تربة شريفة ويقول من الدعوات ما قدّمناه عند تنال المأكولات في غير هذا الجزء من المصنّفات.

ونزيد على ما ذكرناه ان نقول :

اللهُمَّ إِنَّنا أَمْسَكْنا عَنِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ حَيْثُ كانَ اهْلُ النُّبُوَّةِ فِي الْحُرُوبِ وَالْكُرُوبِ ، وَامّا حَيْثُ حَضَرَ وَقْتُ انْتِقالِهِمْ بِالشَّهادَةِ إِلى دارِ الْبَقاءِ وَظَفَرُوا بِمَراتِبِ الشُّهَداءِ وَالسُّعَداءِ ، وَدَخَلُوا تَحْتَ بِشاراتِ الآياتِ بِقَوْلِكَ جَلَّ جَلالُكَ :

( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١).

فَنَحْنُ لَهُمْ مُوافِقُونَ ، فَنَتَناوَلُ الطَّعامَ الانَ حَيْثُ انَّهُمْ يُرْزَقُونَ فِي دِيارِ الرِّضْوانِ ، مُواساةً لَهُمْ فِي الإِمْساكِ وَالإِطْلاقِ ، فَاجْعَلْ ذلِكَ سَبَباً لِعِتْقِ الأَعْناقِ وَاللِّحاقِ لَهُمْ فِي دَرَجاتِ الصَّالِحِينَ ، بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

__________________

(١) آل عمران : ١٦٩.

٩١

الباب الثاني

فيما نذكره من مهام ليلة إحدى وعشرين من محرم ويومها ويوم ثامن وعشرين منه

روينا ذلك بإسنادنا إلى شيخنا المفيد رضوان الله عليه في كتاب حدائق الرياض الّذي أشرنا إليه ، فقال عند ذكر شهر محرم ما هذا لفظه :

وليلة إحدى وعشرين منه وكانت ليلة خميس سنة ثلاث من الهجرة كانت زفاف فاطمة ابنة (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليها إلى منزل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، يستحب صومه شكراً لله تعالى بما وقف من جمع حجّته وصفيّته (٢) ـ (٣).

أقول : وقد روي أصحابنا في كيفية زفافها المقدس اخبارا عظيمة الشّأن ، وانّما نذكره برواية واحدة من طريق الخطيب مصنّف تاريخ بغداد المتظاهر بعداوة أهل بيت النبوّة في المجلّد الثامن من عشرين مجلداً في ترجمة أحمد بن رميح بإسناده إلى ابن عباس قال :

لمّا زفت فاطمة إلى علي عليه‌السلام ، كان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قدّامها وجبرئيل عند يمينها ، وميكائيل عن (٤) يسارها ، وسبعون الف ملك خلفها ، يسبّحون الله

__________________

(١) بنت ( خ ل ).

(٢) صفوته ( خ ل ).

(٣) عنه البحار ٩٨ : ٣٤٥ ، ٤٣ : ٩٢.

(٤) على ( خ ل ).

٩٢

ويقدّسونه حتى طلع الفجر (١).

أقول : فينبغي ان تكون تلك الليلة عندك من ليالي الإقبال وتتقرّب فيها إلى الله جلّ جلاله لصالح الأعمال ، فإنّها كانت (٢) ابتداء غرس شجرة الحكمة الإلهيّة والرّحمة النبوية ، بإنشاء ائمّة البلاد والعباد والحجج لسلطان المعاد والحفظة للشرائع والأحكام والملوك للإسلام والهادين إلى شرف دار المقام ، وتوسّل بما في تلك اللّيلة السّعيدة من الأسرار المجيدة في كلّ حاجة لك قريبة أو بعيدة.

يقول علي بن موسى بن طاوس ـ مصنّف هذا الكتاب ، كتاب الإقبال ـ :

وكنت لمّا رأيت هذه الإشارة من الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان تغمّده الله بالرحمة والرضوان ، بأنّ فاطمة عليها‌السلام كان وقت دخولها على مولانا وإمامنا أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ليلة إحدى وعشرين من محرّم ، أكاد ان أتوقّف في العمل عليها ، وأجد خلافا في روايات وقفت عليها ، فلمّا حضرت ليلة إحدى وعشرين من محرّم سنة خمس وخمسين وستمائة ، وانّا إذ ذلك ببغداد في داري بالمقيّدية ، عرّفت ذرّيّتي وعيالي وجماعتي بما ذكره الشيخ المفيد قدّس الله روحه ليقوموا في العمل وذكره مشروحة.

وجلست انظر في تذييل محمد بن النجار لاختار منه ما عزمت عليه من اخباره وفوائد إسراره ، فوقع نظري اتّفاقاً على حديث طريف يتضمّن زفاف فاطمة عليها‌السلام لمولانا علي عليه‌السلام كرامة لله جلّ جلاله وكرامة لأهل بيت النبوة ، فقلت : عسى أن يكون هذا الاتفاق مؤيداً للشّيخ المفيد فيما اعتمد هو عليه ، ويكون هذه الليلة ليلة الزفاف المقدس الّذي أشار إليه ، فإنّ هذا الحديث ما اذكر انّني وقفت من قبيل هذه اللّيلة عليه وخاصّته من هذا الطّريق ، وها انا ذا اذكر الحديث ، وبالله العصمة والتوفيق.

فأقول : قد رأيت في هذه اللّيلة زفاف فاطمة والدتنا المعظّمة صلّى الله عليها الحديث المشار إليه من طرق الأربعة المذاهب فأحببت ذكره هاهنا.

__________________

(١) عنه البحار ٤٣ : ٩٢.

(٢) كانت فيها ( خ ل ).

٩٣

أخبرني به الشيخ محمد بن النجار شيخ المحدثين بالمدرسة المستنصريّة ببغداد ، فيما أجاز لي من كتاب تذييله على تاريخ أحمد بن ثابت صاحب تاريخ بغداد المعروف بالخطيب من المجلد العاشر من التذييل من النّسخة الّتي وقفها الخليفة المستعصم جزاه الله عنّا خير الجزاء برباط والدته ، في ترجمة أحمد بن محمد الدلال ، وهو أبو الطيب الشاهد من أهل سامراء.

حدث عن أحمد بن محمد الأطروش وأبي بكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي ، روى عنه أبو الحسن علي بن محمّد بن محمّد بن يوسف البزاز وأبو محمّد الحسن بن محمد بن يحيى الفحام السّامريّان ، أخبرنا أبو علي ضياء بن أحمد بن أبي علي وأبو حامد عبد الله بن مسلم بن ثابت ويوسف بن الميّال بن كامل ، قالوا : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي (١) البزاز ، أخبرنا أبو الحسين محمّد بن أحمد البرسي ، قال : حدّثني حلبي القاضي أبو الحسن أحمد بن محمد بن يوسف السامري ، حدّثنا أبو الطيّب أحمد بن محمّد الشّاهد المعروف بالدلال ، أخبرنا محمّد بن أحمد المعروف بالأطروش ، أخبرنا أبو عمرو سليمان بن أبي معشر الجرابي ، أخبرنا سليمان بن عبد الرحمن ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، عن أسماء بنت واثلة بن الأسقع ، قال : سمعت أسماء بنت عميس الخثعميّة تقول :

سمعت سيّدتي فاطمة عليها‌السلام تقول :

ليلة دخلت بي علي بن أبي طالب عليه‌السلام أفزعني في فراشي ، قلت : وأفزعت (٢) يا سيّدة النساء؟ قالت : سمعت الأرض تحدّثه ويحدّثها ، فأصبحت وانا فزعة ، فأخبرت والدي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسجد سجدة طويلة ثم رفع رأسه ، فقال : يا فاطمة أبشري بطيب النسل ، فان الله فضّل بعلك على سائر خلقه ، وأمر الأرض تحدّثه بأخبارها وما يجري على وجهها من شرقها إلى غربها (٣) ـ هذا لفظ ما رويناه وما رأيناه.

أقول : وامّا صوم يومها كما قال شيخنا المفيد رضوان الله عليه ، فهو الثّقة الأمين

__________________

(١) محمد بن محمد بن عبد الباقي ( خ ل ).

(٢) بم أفزعت ( ظ ).

(٣) عنه البحار ٤٣ : ١١٨ ، مدينة المعاجز : ١٦ و١١١.

٩٤

الّذي يعمل بقوله في ذلك ويعتمد عليه ، فصم شاكراً وكن لفضل الله عزّ وجلّ ناشراً ولأيّامه المعظمة ذاكراً ، فإنّه جلّ جلاله أراد الاذّكار بأيّامه من المخلصين لله ، فقال : ( وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ ) (١).

فصل (١)

فيما نذكره عن يوم ثامن وعشرين من محرم

اعلم انّ في مثل هذا يوم ثامن وعشرين محرّم ، وكان يوم الاثنين سنة ستّ وخمسين وستّمائة فتح ملك الأرض زيدت رحمته ومعدلته ببغداد ، وكنت مقيماً بها في داري بالمقيّدية ، وظهر في ذلك تصديق الاخبار النبوية ومعجزات باهرة للنبوّة المحمّديّة ، وبتنا في ليلة هائلة من المخاوف الدنيويّة.

فسلّمنا الله جلّ جلاله من تلك الأهوال ولم نزل في حمى السلامة الإلهية وتصديق ما عرفناه من الوعود النبويّة ، الى ان استدعاني ملك الأرض إلى دركاته المعظّمة ، جزاه الله بالمجازاة المكرّمة في صفر وولاّني على العلويّين والعلماء والزّهاد ، وصحبت معي نحو الف نفس ، ومعنا من جانبه من حمانا ، الى ان وصلت الحلّة ظافرين بالآمال.

وقد قررت مع نفسي انّني أصلّي في كلّ يوم من مثل اليوم المذكور ركعتي الشكر للسّلامة من ذلك المحذور ولتصديق جدّنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وآله فيما كان أخبر به من متجدّدات الدهور ، وأدعو لملك الأرض بالدعاء المبرور ، وفي ذلك اليوم زالت دولة بني العباس كما وصف مولانا علي عليها‌السلام زوالها في الاخبار التي شاعت بين الناس.

وينبغي ان يختم شهر محرّم بما قدّمناه من خاتمة أمثاله ، ونسأل الله تعالى ان لا يخرجنا من حماه عند انفصاله ، وهذا الفصل زيادة في هذا الجزء بعد تصنيفه في التاريخ الّذي ذكرناه.

__________________

(١) إبراهيم : ٥.

٩٥

الباب الثالث

فيما يتعلّق بشهر صفر

وفيه عدّة فصول :

فصل (١)

فيما نذكره ممّا يعمل عند استهلاله

وذكر ذلك صاحب كتاب المنتخب ، فقال ما هذا لفظه : الدعاء في صفر ، تقول عند استهلاله :

اللهُمَّ انْتَ اللهُ الْعَلِيمُ الْخالِقُ الرّازِقُ ، وَانْتَ اللهُ الْقَدِيرُ الْمُقْتَدِرُ الْقادِرُ ، اسْأَلُكَ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ وَانْ تُعَرِّفَنا بَرَكَةَ هذَا الشَّهْرِ وَيُمْنَهُ وَتَرْزُقَنا خَيْرَهُ وَتَصْرِفَ عَنّا شَرَّهُ وَتَجْعَلَنا فِيهِ مِنَ الْفائِزِينَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ وَاجْعَلْنِي اكْثَرَ الْعالَمِينَ قَدْراً ، وَأَبْسَطَهُمْ عِلْماً ، وَاعَزَّهُمْ عِنْدَكَ مَقاماً ، وَاكْرَمَهُمْ لَدَيْكَ جاهاً ، كَما خَلَقْتَ آدَمَ عليه‌السلام مِنْ تُرابٍ ، وَنَفَخْتَ فِيهِ مِنْ رُوحِكَ ، وَأَسْجَدْتَ لَهُ مَلائِكَتَكَ ، وَعَلَّمْتَهُ الأَسْماءَ كُلَّها ، وَجَعَلْتَهُ خَلِيفَةً فِي ارْضِكَ ، وَسَخَّرْتَ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْكَ ، وَكَرَّمْتَ ذُرِّيَّتَهُ وَفَضَّلْتَهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ.

٩٦

اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ وَمِنْكَ النَّعْماءُ ، وَلَكَ الشُّكْرُ دائِماً ، يا لَطِيفاً بِعِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ، يا سَمِيعَ الدُّعاءِ ارْحَمْ وَاسْتَجِبْ ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ وَلا اعْلَمُ ، وَتَقْدِرُ وَلا اقْدِرُ وَانْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ، فَاجْعَلْ قَلْبِي وَعَزْمِي وَهِمَّتِي وِفْقَ مَشِيَّتِكَ (١) وَأَسِيرَ امْرِكَ.

اللهُمَّ انِّي لا اقْدِرُ انْ اسْأَلَكَ إلاّ بِاذْنِكَ ، وَلا اقْدِرُ الاّ انْ اسْأَلَكَ بَعْدَ اذْنِكَ ، خَوْفاً مِنْ إِعْراضِكَ وَغَضَبِكَ ، فَكُنْ حَسْبِي ، يا مَنْ هُوَ الْحَسْبُ وَالْوَكِيلُ وَالنَّصِيرُ.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ وَعَلى جَمِيعِ مَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ وَأَنْبِياءِكَ الْمُرْسَلِينَ (٢) وَعِبادِكَ الصّالِحِينَ ، يا ارْحَمَ الرّاحِمِينَ ، يا جالِيَ الأَحْزانِ (٣) ، يا مُوَسِّعَ الضِّيقِ ، يا مَنْ هُوَ أَوْلى بِخَلْقِهِ مِنْ انْفُسِهِمْ ، وَيا فاطِرَ تِلْكَ الانْفُسِ انْفُساً ، وَمُلْهِمَها فُجُورَها وَالتَّقْوى ، نَزَلَ بِي يا فارِجَ الْهَمِّ همٌّ ضِقْتُ بِهِ ذَرْعاً وَصَدْراً ، حَتّى خَشِيتُ انْ يَكُونَ عَرَضَتْ فِتْنَةٌ.

يا اللهُ فَبِذِكْرِكَ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ (٤) وَقَلِّبْ قَلْبِي مِنْ (٥) الْهُمُومِ الَى الرَّوْحِ وَالدَّعَةَ ، وَلا تَشْغَلْنِي عَنْ ذِكْرِكَ بِتَرْكِكَ ما بِي مِنَ الْهُمُومِ انِّي الَيْكَ مُتَضَرِّعٌ.

اسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي لا يُوصَفُ الاّ بِالْمَعْنى بِكِتْمانِكَ فِي غُيُوبِكَ ذِي النُّورِ وَانْ تُجَلِّيَ بِحَقِّهِ أَحْزانِي ، وَتَشْرَحَ بِهِ صَدْرِي بِكُشُوطِ الْهَمِ (٦) يا كَرِيمُ (٧).

فصل (٢)

فيما نذكره من عمل يوم الثالث من صفر

وجدناه في كتب أصحابنا قال ما هذا لفظه :

__________________

(١) ونيتي وقف ( خ ل ).

(٢) أنبياءك والمرسلين ( خ ل ).

(٣) جالي من الانجلاء بمعنى الكشف ، أي كاشف الأحزان.

(٤) وآل محمد ( خ ل ).

(٥) عن ( خ ل ).

(٦) بكشوط الهم : بكشف الهم.

(٧) عنه البحار ٩٨ : ٣٤٦.

٩٧

صفر في الثالث منه يستحبّ ان يصلّي ركعتان ، في الأولى الحمد مرّة و ( إِنَّا فَتَحْنا ) ، وفي الثانية الحمد مرة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) مرة ، فإذا سلّم صلّى على النبيّ وآله مائة مرة ، ولعن آل أبي سفيان مائة مرة ، واستغفر مائة مرة ، وسأل حاجته (١).

فصل (٣)

فيما نذكره في يوم عاشر صفر

مما يخصّني ويخصّ ذريّتي وانّه من أيام سعادتي

اعلم انّ يوم عاشر صفر سنة ستّ وخمسين وستمائة كان يوم حضوري بين يدي ملك الأرض زيدت رحمته ومعدلته ، وشملتني فيه عنايته وظفرت فيه بالأمان والإحسان ، وحُقنت فيه دماؤنا ، وحفظت فيه حرمنا وأطفالنا ونساؤنا ، وسلّم على أيدينا خلق كثير من الأصدقاء والأسرة والاخوان ، ودخلوا بطريقنا في الأمان كما أشرنا إليه في أواخر محرم ، فهو يوم من أعظم الأعياد.

فيلزمني الشكر فيه والدعاء على مقتضى رضا سلطان المعاد مدّة حياتي بين العباد ، ويلزم من يأتي بعدي من الذريّة والأولاد ، فإنّه يوم كان سبب بقائهم وبقاء من يأتي من أبنائهم وسعادة دار فنائهم ودار بقائهم ، فلا يهملوا فضل هذا اليوم وما يجب فيه ، وفّقنا الله تعالى وإيّاهم لمراضيه ، وهذا الفصل استدركناه بعد تصنيف الكتاب في التاريخ الذي قدّمناه.

فصل (٤)

فيما نذكره من الجواب عمّا ظهر في ان ردّ رأس مولانا الحسين عليه‌السلام كان يوم العشرين

من صفر

اعلم انّ إعادة رأس مقدّس مولانا الحسين صلوات الله عليه إلى جسده الشريف

__________________

(١) عنه البحار ٩٨ : ٣٤٧.

٩٨

يشهد به لسان القرآن العظيم المنيف ، حيث قال الله جلّ جلاله ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) ، فهل بقي شك حيث أخبر الله انّه من حيث استشهد حيّ عند ربّه مرزوق مصون ، فلا ينبغي ان يشكّ في هذا العارفون.

وامّا كيفية إحيائه بعد شهادته وكيفية جمع رأسه الشريف إلى جسده بعد مفارقته :

فهذا سؤال يكون فيه سوء أدب من العبد على الله جلّ جلاله ان يعرّفه كيفيّة تدبير مقدوراته ، وهو جهل من العبد واقدام ما لم يكلّف العلم به ولا السؤال عن صفاته.

وامّا تعيين الإعادة يوم الأربعين من قتله ، والوقت الّذي قتل فيه الحسين صلوات الله وسلامه عليه ، ونقله الله جلّ جلاله إلى شرف فضله كان الإسلام مقلوباً والحقّ مغلوباً ، وما تكون الإعادة بأمور دنيويّة.

والظّاهر انّها بقدرة الإلهيّة (٢) ، لكن وجدت نحو عشر روايات مختلفات في حديث الرأس الشريف كلّها منقولات.

ولم اذكر إلى الآن انّني وقفت ولا رويت تسمية أحد ممّن كان من الشّام حتّى اعادوه إلى جسده الشريف بالحائر عليه أفضل السلام ، ولا كيفيّة لحمله من الشام إلى الحائر على صاحبه أكمل التحيّة والإكرام ، ولا كيفيّة لدخول حرمه المعظّم ولا من حفر ضريحه المقدّس المكرّم حتّى عاد إليه ، وهل وضعه موضعه من الجسد أو في الضريح مضموماً إليه.

فليقتصر الإنسان على ما يجب عليه من تصديق القرآن ، من انّ الجسد المقدس تكمل عقيب الشّهادة وانّه حيّ يرزق في دار السعادة ، ففي بيان الكتاب العزيز ما يغني عن زيادة دليل وبرهان.

__________________

(١) آل عمران : ١٦٩.

(٢) الإله ( خ ل ).

٩٩

فصل (٥)

فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه‌السلام يوم العشرين من صفر وألفاظ الزيارة بما نرويه من الخبر

روينا بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي فيما رواه بإسناده إلى مولانا الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليه انه قال : علامات المؤمن خمس : صلاة (١) إحدى وخمسين ، وزيارة الأربعين ، والتختّم باليمين (٢) ، وتعفير الجبين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (٣).

أقول : فإن قيل : كيف يكون يوم العشرين من صفر يوم الأربعين ، إذا كان قتل الحسين صلوات الله عليه يوم عاشر من محرّم ، فيكون يوم العاشر من جملة الأربعين ، فيصير أحداً وأربعين؟ فيقال : لعلّه قد كان شهر محرّم الّذي قتل فيه صلوات الله عليه ناقصا وكان يوم عشرين من صفر تمام أربعين يوما ، فإنّه حيث ضُبط يوم الأربعين بالعشرين من صفر ، فامّا ان يكون الشهر كما قلنا ناقصا أو يكون تاما ويكون يوم قتله صلوات الله عليه غير محسوب من عدد الأربعين ، لأنّ قتله كان في أواخر نهاره فلم يحصل ذلك اليوم كلّه في العدد ، وهذا تأويل كاف للعارفين ، وهم اعرف بأسرار ربّ العالمين في تعيين أوقات الزيارة للطاهرين.

فصل : ووجدت في المصباح انّ حرم الحسين ٧ وصلوا المدينة مع مولانا علي بن الحسين ٧ يوم العشرين من صفر (٤) ، وفي غير المصباح انّهم وصلوا كربلاء أيضاً في عودهم من الشّام يوم العشرين من صفر ، وكلاهما مستبعد لانّ

__________________

(١) صلوات ( خ ل ).

(٢) في اليمين ( خ ل ).

(٣) مصباح المتهجد ٢ : ٧٨٧ ، عنه البحار ٩٨ : ٣٤٨ ، الوسائل ٣ : ٤٢ ، رواه في مصباح الزائر : ٣٤٧ ، المزار الكبير : ١٤٣ ، المزار للمفيد : ٦١ ، روضة الواعظين : ٢٣٤ كامل الزيارات : ١٧٣ ، مصباح الكفعمي : ٤٨٩. أخرجه عن بعض المصادر البحار ١٠١ : ٣٢٩ ، ٨٢ : ٢٩٢ ، ٨٥ : ٧٥.

(٤) مصباح المتهجد ٢ : ٧٨٧.

١٠٠