الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٣

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٣

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-428-1
الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٣

ما شاءَ اللهُ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ، ما شاءَ اللهُ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ ، ما شاءَ اللهُ ، فَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَى اللهِ ، ما شاءَ اللهُ حَسْبِيَ اللهُ وَكَفى (١).

ومن ذلك ما ذكره أحمد بن جعفر بن شاذان ، ورواه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : إنَّ في المحرّم ليلة شريفة ، وهي أوّل ليلة منه ، من صلّى فيها مائة ركعة ، يقرأ في كلّ ركعة الحمد و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ويسلّم في آخر كلّ تشهد ، وصام صبيحة اليوم ، وهو أوّل يوم من المحرّم ، كان ممّن يدوم عليه الخير سنته ، ولا يزال محفوظا من الفتنة إلى القابل ، وإن مات قبل ذلك صار إلى الجنّة إن شاء الله تعالى (٢).

صلاة أخرى أوّل ليلة من المحرّم من طرقهم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : تصلّي أوّل ليلة من المحرّم ركعتين تقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وسورة الأنعام ، وفي الثانية فاتحة الكتاب وسورة يس (٣).

صلاة أخرى أوّل ليلة من المحرّم رواها عبد القادر بن أبي القاسم الأشتري في كتابه بإسناده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : إنّ في المحرّم ليلة ، وهي أوّل ليلة منه ، من صلّى فيها ركعتين يقرأ فيها سورة الحمد و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) إحدى عشر مرّة وصام صبيحتها ، وهو أوّل يوم من السَّنة ، فهو كمن يدوم على الخير سنته ، ولا يزال محفوظا من السنة إلى قابل ، فان مات قبل ذلك صار إلى الجنّة (٤).

فصل (٣)

فيما نذكره من عمل أوّل يوم من المحرم

فمن ذلك صلاة أوّل كل شهر ودعاؤه وصدقاته ، وقد قدّمنا ذلك في الجزء الخامس

__________________

(١) عنه البحار ٩٨ : ٣٢٤ ـ ٣٣٣.

(٢) عنه الوسائل ٨ : ١٨٠ ، البحار ٩٨ : ٣٣٣.

(٣) عنه الوسائل ٨ : ١٨١ ، البحار ٩٨ : ٣٣٣.

(٤) عنه الوسائل ٨ : ١٨١.

٤١

عند كلّ شهر ، فتعمل على ما تقدّمت صفاته.

واعلم انّ أوّل يوم من المحرم من أيام الصيام ، وموسم من مواسم إجابة الدعاء لأهل الإسلام ، روينا ذلك بعدّة طرق :

منها : ما رويناه قبل هذا الفصل عن ابن شبيب عن مولانا الرضا عليه‌السلام.

ومنها : ما روي عن طرقهم : انّ من صام يوما من المحرّم محتسباً جعل الله تعالى بينه وبين جهنم جنّة كما بين السماء والأرض.

ومنها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من صام يوما من المحرّم فله بكل يوم ثلاثين يوما.

ومنها : ما ذكره أبو جعفر محمد بن بابويه رحمه‌الله في كتاب من لا يحضره الفقيه ، وقد ضمن ثبوت ما فيه ، فقال ما هذا لفظه : وفي أوّل يوم من المحرم دعا زكريا عليه‌السلام ربّه عزّ وجل ، فمن صام ذلك اليوم استجاب الله عزّ وجلّ منه كما استجاب لزكريا عليه‌السلام (١).

وروينا عن شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان تغمّده الله جلّ جلاله بالرضوان ، فقال في كتاب حدائق الرياض عند ذكر المحرم ما هذا لفظه : وفي أوّل يوم منه استجاب الله تعالى ذكره دعوة زكريا عليه‌السلام ، فيستحب صيامه لمن أحبّ ان يجيب الله دعوته.

وينبغي ان يدعو بما ذكرناه من الدعاء في عمل أول ليلة منه عند استهلال المحرم.

أقول : فينبغي المبادرة إلى فتح أبواب إجابة الدعوات ، واغتنام الوقت المعيّن لقضاء الحاجات ، وقد روي فيه صلوات ودعوات معينات (٢).

فمن ذلك ما روينا بإسنادنا إلى محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني ، بإسناده إلى محمد بن فضيل الصيرفي قال : حدَّثنا عليُّ بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن جدِّه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال :

__________________

(١) عنه الفقيه ٢ : ٩١.

(٢) صلاة ( خ ل ) ، متعينات ( خ ل ).

٤٢

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي أوّل يوم من المحرّم ركعتين ، فإذا فرغ رفع يديه ودعا بهذا الدُّعاء ثلاث مرّات :

اللهُمَّ أَنْتَ الإِلهُ الْقَدِيمُ وَهذِهِ سَنَةٌ جَدِيدَةٌ ، فَأَسْأَلُكَ فِيهَا الْعِصْمَةَ مِنَ الشَّيْطانِ وَالْقُوَّةَ عَلى هذِهِ النَّفْسِ الْأَمّارَةِ بِالسُّوءِ ، وَالاشْتِغالَ بِما يُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ ، يا كَرِيمُ يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ.

يا عِمادَ مَنْ لا عِمادَ لَهُ ، يا ذَخِيرَةَ مَنْ لا ذَخِيرَةَ لَهُ ، يا حِرْزَ مَنْ لا حِرْزَ لَهُ ، يا غِياثَ مَنْ لا غِياثَ لَهُ ، يا سَنَدَ مَنْ لا سَنَدَ لَهُ ، يا كَنْزَ مَنْ لا كَنْزَ لَهُ ، يا حَسَنَ الْبَلاءِ ، يا عَظِيمَ الرَّجاءِ ، يا عِزَّ الضُّعَفاءِ ، يا مُنْقِذَ الْغَرْقى ، يا مُنْجِيَ الْهَلْكى ، يا مُنْعِمُ يا مُجْمِلُ ، يا مُفْضِلُ يا مُحْسِنُ.

أَنْتَ الَّذِي سَجَدَ لَكَ سَوادُ اللَّيْلِ وَنُورُ النَّهارِ وَضَوْءُ الْقَمَرِ وَشُعاعُ الشَّمْسِ ، وَدَوِيُّ الْماءِ (١) ، وَحَفِيفُ الشَّجَرِ (٢) ، يا اللهُ لا شَرِيكَ لَكَ.

اللهُمَّ اجْعَلْنا خَيْراً مِمَّا يَظُنُّونَ ، وَاغْفِرْ لَنا ما لا يَعْلَمُونَ ، وَلا تُؤاخِذْنا بِما يَقُولُونَ ، حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ، وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ ، رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣).

فان قيل : قد قدَّمت في كتاب المضمار أنَّ أوَّل السّنة شهر رمضان ، وقد ذكرت في هذا الدُّعاء أنَّ أوَّل السنة المحرَّم؟

فأقول : قد قدَّمنا أنّه يحتمل أن يكون شهر رمضان أوّل سنة فيما يختصُّ بالعبادات ترجيح الأوقات ، والمحرم أوَّل سنة فيما يختصُّ بالمعاملات والتواريخ وتدبير الناس في الحادثات الاختياريات.

وقد كنّا ذكرنا في أواخر خطبة هذا الجزء بعض الروايات بهذا المعنى من الرواة.

__________________

(١) الدوي : صوت ليس بالعالي كصوت النحل.

(٢) حفّ الطائر والشجر إذا صوتت.

(٣) عنه البحار ٩٨ : ٣٣٤.

٤٣

فصل (٤)

فيما نذكره من فضل صوم المحرّم جميعه

روينا ذلك بعدّة طرق ، منها عن شيخنا المفيد رضوان الله عليه فيما ذكره في كتاب حدائق الرياض ، وقد روي عن الصادق عليه‌السلام انّه قال : لمن امكنه صوم المحرم فإنّه يُعصم صائمة من كل سيئة (١).

وذكر يحيى بن الحسين بن هارون الحسيني في أماليه بإسناده إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : انّ أفضل الصلاة بعد صلاة الفريضة الصلاة في جوف الليل ، وانّ أفضل الصوم من بعد شهر رمضان صوم شهر الله الذي يدعونه المحرم (٢).

وروى المرزباني هذا الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من طرق جماعة في المجلد السابع من كتاب الأزمنة.

ورواه محمد بن أبي بكر المديني الحافظ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً في كتاب دستور المذكرين (٣).

فصل (٥)

فيما نذكره من زيادة فضل صوم الثالث من المحرم

روينا ذلك بإسنادنا إلى شيخنا المفيد رضوان الله عليه ، الذي انتهت رئاسة الإمامية في وقته إليه ، فيما ذكره في كتاب الحدائق المشار إليه فقال عند ذكر المحرم ما هذا لفظه : اليوم الثالث يوم مبارك فيه كان خلاص يوسف عليه‌السلام من الجبّ ، فمن صامه يسّر الله له الصعب وفرّج عنه الكرب (٤).

وروى صاحب كتاب دستور المذكرين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : انّ من صام

__________________

(١) عنه البحار ٩٨ : ٣٣٥.

(٢) عنه البحار ٩٨ : ٣٣٥.

(٣) عنه البحار ٩٨ : ٣٣٥.

(٤) عنه البحار ٩٨ : ٣٣٥.

٤٤

اليوم الثالث من المحرم استجيبت دعوته (١).

فصل (٦)

فيما نذكره من فضل صوم التاسع من المحرم

رأيناه في كتاب دستور المذكرين بإسناده عن ابن عباس فقال : إذا رأيت هلال المحرم فاعدد ، فإذا أصبحت من تاسعه فأصبح صائما ، قال : قلت : كذلك كان يصوم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : نعم (٢).

فصل (٧)

فيما نذكره من عمل ليلة عاشوراء وفضل إحيائها

اعلم أنّ هذه اللّيلة أحياها مولانا الحسين صلوات الله عليه وأصحابه بالصلوات والدعوات ، وقد أحاط بهم زنادقة الإسلام ، ليستبيحوا منهم النّفوس المعظّمات ، وينتهكوا منهم الحرمات ، ويسبوا نساءهم المصونات.

فينبغي لمن أدرك هذه اللّيلة ، أن يكون مواسيا لبقايا أهل آية المباهلة وآية التطهير ، فيما كانوا عليه في ذلك المقام الكبير ، وعلى قدم الغضب مع الله جلّ جلاله ورسوله صلوات الله عليه ، والموافقة لهما فيما جرت الحال عليه ، ويتقرّب إلى الله جلّ جلاله بالإخلاص من موالاة أوليائه ومعاداة أعدائه.

وأما فضل إحيائها : فقد رأينا في كتاب دستور المذكّرين بإسناده عن النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحيا ليلة عاشوراء فكأنّما (٣) عبد الله عبادة جميع الملائكة ، وأجر العامل فيها كأجر (٤) سبعين سنة (٥).

__________________

(١) عنه البحار ٩٨ : ٣٣٥.

(٢) عنه البحار ٩٨ : ٣٣٥.

(٣) فكما ( خ ل ).

(٤) يعدل ( خ ل ).

(٥) عنه البحار ٩٨ : ٣٣٦.

٤٥

وأمّا تعيين الأعمال من صلاة أو ابتهال :

فمن ذلك الرواية عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجدناها عن محمّد بن أبي بكر المديني الحافظ من كتاب دستور المذكرين بإسناده المتّصل عن وهب بن منبّه ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

من صلّى ليلة عاشوراء أربع ركعات من آخر اللّيل ، يقرأ في كلّ ركعة بفاتحة الكتاب وآية الكرسي ـ عشر مرّات ، و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ـ عشر مرّات ، و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) ـ عشر مرّات ، و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ـ عشر مرّات ، فإذا سلّم قرأ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) مائة مرّة.

بنى الله تعالى له في الجنّة مائة ألف ألف مدينة من نور ، في كلّ مدينة ألف ألف قصر ، في كلّ قصر ألف ألف بيت ، في كلّ بيت ألف ألف سرير ، في كلّ سرير ألف ألف فراش ، في كلّ فراش زوجة من الحور العين ، في كلّ بيت ألف ألف مائدة ، في كلّ مائدة ألف ألف قصعة ، في كلّ قصة مائة ألف ألف لون ومن الخدم ، على كلّ مائدة ألف ألف وصيف ، ومائة ألف ألف وصيفة ، على عاتق كلّ وصيف ووصيفة منديل ، قال وهب بن منبّه : صمّت أذناي إن لم أكن سمعت هذا من ابن عباس (١).

ومن ذلك ما رويناه أيضا في كتاب دستور المذكّرين بإسناده المتّصل عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من صلّى ليلة عاشوراء مائة ركعة بالحمد مرة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ثلاث مرّات ، ويسلّم بين كلّ ركعتين ، فإذا فرغ من جميع صلاته قال : سُبْحانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ـ سبعين مرّة.

قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من صلّى هذه الصلاة من الرجال والنساء ملأ الله قبره إذا مات مسكا وعنبراً ، ويدخل إلى قبره في كلّ يوم نور إلى أن ينفخ في الصور ، وتوضع له مائدة منها نعيم يتناعم به أهل الدنيا منذ يوم خلق إلى أن

__________________

(١) عنه الوسائل ٨ : ١٨١ ، البحار ٩٨ : ٣٣٧.

٤٦

ينفخ في الصور ، وليس من الرجال والنساء إذا وضع في قبره إلا يتساقط شعورهم الاّ من صلّى هذه الصلاة ، وليس أحد يخرج من قبره إلاّ أبيض الشعر إلاّ من صلّى هذه الصّلاة.

والّذي بعثني بالحقِّ إنّه من صلّى هذه الصلاة ، فإنّ الله عزّ وجلّ ينظر إليه في قبره بمنزلة العروس في حجلته إلى أن ينفخ في الصور ، فإذا نفخ في الصّور يخرج من قبره كهيئته إلى الجنان كما يزفُّ العروس إلى زوجها ـ ثمّ ذكر تمام الحديث في تعظيم يوم عاشوراء وعمل الخير فيه ، وقد قصدنا ما يتعلق بليلة عاشوراء (١).

وقد ذكرنا فيما تقدّم من اعتمادنا في مثل هذه الأحاديث على ما رويناه عن الصادق عليه‌السلام أنّه : من بلغه شيء من الخير فعمل كان له ذلك ، وإن لم يكن الأمر كما بلغه.

ومن ذلك ما رأيناه في بعض كتب العبادات عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : من صلّى مائة ركعة ليلة عاشوراء يقرأ في كلِّ ركعة الحمد مرّة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ثلاث مرّات ، ويسلّم بين كلِّ ركعتين ، فإذا فرغ من جميع صلاته قال : سُبْحانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ سبعين مرة ـ وذكر من الثواب والإقبال ما يبلغه كثير من الامال والأعمال ، ويطول به شرح المقال (٢).

ومن الصّلوات يوم عاشوراء في رواية أخرى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : يصلي ليلة عاشوراء أربع ركعات في كلّ ركعة الحمد مرّة ، وَ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) خمسون مرّة ، فإذا سلّمت من الرّابعة فأكثر ذكر الله تعالى ، والصّلاة على رسوله ، واللعن لأعدائهم ما استطعت (٣).

__________________

(١) عنه صدره الوسائل ٨ : ١٨١ ، البحار ٩٨ : ٣٣٧.

(٢) عنه الوسائل ٨ : ١٨١ ، البحار ٩٨ : ٣٣٨.

(٣) عنه الوسائل ٨ : ١٨٢ ، البحار ٩٨ : ٣٣٨.

٤٧

ومن الصلوات والدَّعوات ليلة عاشوراء ما ذكره صاحب المختصر من المنتخب فقال ما هذا لفظه : الدُّعاء في ليلة عاشوراء أن يصلّي عشر ركعات ، يقرأ في كلِّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة واحدة ، و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) مائة مرّة.

وقد روي أن يصلي مائة ركعة يقرأ في كلِّ ركعة الحمد مرّة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ثلاث مرّات ، فإذا فرغت منهنّ وسلّمت تقول : سُبْحانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، مائة مرّة ، وقد روي سبعين مرّة وأَسْتَغْفِرُ اللهَ مائة مرّة ، وقد روي سبعين مرّة ، وصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ مائة مرّة ، وقد روي سبعين مرَّة.

وتقول دعاء فيه فضل عظيم ، وهو ثابت في كتاب الرّياض : اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يا اللهُ يا رَحْمانُ ، يا اللهُ يا رَحْمانُ ، يا اللهُ يا رَحْمانُ ، يا اللهُ يا رَحْمانُ ، يا اللهُ يا رَحْمانُ ، يا اللهُ يا رَحْمانُ ، يا اللهُ يا رَحْمانُ ، يا اللهُ يا رَحْمانُ ، يا اللهُ يا رَحْمانُ ، يا اللهُ يا رَحْمانُ.

وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الْوَضِيئَةِ الرَّضِيَّةِ الْمَرْضِيَّةِ الْكَبِيرَةِ الْكَثِيرَةِ يا اللهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الْعَزِيزَةِ الْمَنِيعَةِ يا اللهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الْكامِلَةِ التّامَّةِ يا اللهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الْمَشْهُورَةِ الْمَشْهُودَةِ لَدَيْكَ يا اللهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الَّتِي لا يَنْبَغِي لِشَيْءٍ أَنْ يَتَسَمّى بِها غَيْرُكَ يا اللهُ.

وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الَّتِي لا تُرامُ وَلا تَزُولُ يا اللهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِما تَعْلَمُ أَنَّهُ لَكَ رِضا مِنْ أَسْمائِكَ يا اللهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الَّتِي سَجَدَ لَها كُلُّ شَيْءٍ دُونَكَ يا اللهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الَّتِي لا يَعْدِلُها عِلْمٌ وَلا قُدْسٌ وَلا شَرَفٌ وَلا وِقارٌ يا اللهُ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ مَسائِلِكَ بِما عاهَدْتَ أَوْفَي الْعَهْدِ أَنْ تُجِيبَ سائِلَكَ بِها يا اللهُ.

وَأَسْأَلُكَ بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَنْتَ لَها أَهْلٌ يا اللهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَقُولُ لِسائِلِها وَذاكِرِها : سَلْ ما شِئْتَ فَقَدْ وَجَبْتُ لَكَ الإِجابَةَ ، يا اللهُ يا اللهُ ، يا اللهُ

٤٨

يا اللهُ ، يا اللهُ يا اللهُ ، يا اللهُ يا اللهُ ، يا اللهُ ، يا اللهُ.

وَأَسْأَلُكَ بِجُمْلَةِ ما خَلَقْتَ مِنَ الْمَسائِلِ الَّتِي لا يَقْوى بِحَمْلِها شَيْءٌ دُونَكَ يا اللهُ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ مَسائِلِكَ بِأَعْلاها عُلُوّاً ، وَأَرْفَعِها رَفْعَةً ، وَأَسْناها ذِكْراً ، وَأَسْطَعِها نُوراً ، وَأَسْرَعِها نَجاحاً ، وَأَقْرَبِها إِجابَةً ، وَأَتَمِّها تَماماً ، وَأَكْمَلِها كَمالاً ، وَكُلُّ مَسائِلِكَ عَظِيمَةٌ يا اللهُ.

وَأَسْأَلُكَ بِما لا يَنْبَغِي أَنْ يُسْأَلَ بِهِ غَيْرُكَ مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْقُدْسِ وَالْجَلالِ ، وَالْكِبْرِياءِ وَالشَّرَفِ وَالنُّورِ ، وَالرَّحْمَةِ وَالْقُدْرَةِ ، وَالإِشْرافِ وَالْمَسْأَلَةِ وَالْجُودِ ، وَالْعَظَمَةِ وَالْمَدْحِ وَالْعِزِّ ، وَالْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَالرَّواجِ ، وَالْمَسائِلِ الَّتِي بِها تُعْطِي مَنْ تُرِيدُ وَبِها تُبْدِئُ وَتُعِيدُ يا اللهُ.

وَأَسْأَلُكَ بِمَسائِلِكَ الْعالِيَةِ الْبَيِّنَةِ الْمَحْجُوبَةِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ دُونَكَ يا اللهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الْمَخْصُوصَةِ يا اللهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الْجَلِيلَةِ الْكَرِيمَةِ الْحَسَنَةِ يا جَلِيلُ يا جَمِيلُ يا اللهُ ، يا عَظِيمُ يا عَزِيزُ ، يا كَرِيمُ يا فَرْدُ يا وِتْرُ ، يا أَحَدُ يا صَمَدُ ، يا اللهُ يا رَحْمانُ يا رَحِيمُ.

أَسْأَلُكَ بِمُنْتَهى أَسْمائِكَ الَّتِي مَحَلُّها فِي نَفْسِكَ يا اللهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِما سَمَّيْتَهُ بِهِ نَفْسَكَ مِمَّا لَمْ يُسَمِّكَ بِهِ أَحَدٌ غَيْرُكَ يا اللهُ.

وَأَسْأَلُكَ بِما لا يُرى مِنْ أَسْمائِكَ يا اللهُ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ أَسْمائِكَ بِما لا يَعْلَمُهُ غَيْرُكَ يا اللهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِما نَسَبْتَ إِلَيْهِ نَفْسَكَ مِمَّا تُحِبُّهُ يا اللهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِجُمْلَةِ مَسائِلِكَ الْكِبْرِياءِ ، وَبِكُلِّ مَسْأَلَةٍ وَجَدْتُها حَتّى يَنْتَهِيَ إِلَى الاسْمِ الْأَعْظَمِ يا اللهُ.

وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الْحُسْنى كُلِّها يا اللهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ وَجَدْتُهُ حَتّى يَنْتَهِي إِلَى الاسْمِ الاعْظَمِ الْكَبِيرِ الْأَكْبَرِ الْعَلِيِّ الْأَعْلى ، وَهُوَ اسْمُكَ الْكامِلُ الَّذِي فَضَّلْتَهُ عَلى جَمِيعِ ما تُسَمّى بِهِ نَفْسَكَ ، يا اللهُ يا اللهُ ، يا اللهُ يا اللهُ ، يا اللهُ يا اللهُ ، يا اللهُ يا اللهُ ، يا اللهُ يا اللهُ ، يا رَحْمانُ يا رَحِيمُ ، أَدْعُوكَ وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ الْأَسْماءِ وَتَفْسِيرِها ، فَإِنَّهُ لا يَعْلَمُ تَفْسِيرَها أَحَدٌ غَيْرُكَ يا اللهُ.

٤٩

وَأَسْأَلُكَ بِما لا أَعْلَمُ وَلَوْ عَلِمْتُهُ سَأَلْتُكَ بِهِ ، وَبِكُلِّ اسْمٍ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ ، عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَأَمِينِكَ عَلى وَحْيِكَ ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي جَمِيعَ ذُنُوبِي ، وَتَقْضِيَ لِي جَمِيعَ حَوائِجِي ، وَتُبَلِّغِنِي آمالِي ، وَتُسَهِّلَ لِي مَحابِّي ، وَتُيَسِّرَ لِي مُرادِي ، وَتُوصِلَنِي إِلى بُغْيَتِي سَرِيعاً عاجِلاً ، وَتَرْزُقَنِي رِزْقاً واسِعاً ، وَتُفَرِّجَ عَنِّي هَمِّي وَغَمِّي وَكَرْبِي يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ (١).

فصل (٨)

فيما نذكره من فضل المبيت عند الحسين عليه‌السلام ليلة عاشوراء وفضل زيارته فيها

روينا ذلك بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر الطوسي فيما رواه عن جابر الجعفي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من بات عند قبر الحسين عليه‌السلام ليلة عاشوراء ، لقي الله يوم القيامة ملطّخاً بدمه ، وكأنّما قتل معه في عرصة كربلاء (٢).

وقال شيخنا المفيد في كتاب التواريخ الشرعيّة : وروي انّ من زاره عليه‌السلام وبات عنده في ليلة عاشوراء حتى يصبح ، حشره الله تعالى ملطّخاً بدم الحسين عليه‌السلام في جملة الشهداء معه عليه‌السلام (٣).

فصل (٩)

فيما نذكره من صوم يوم عاشوراء وفضله والدعاء فيه

اعلم انّ الروايات وردت متظافرات في تحريم صوم يوم عاشوراء على وجه الشماتات ، وذلك معلوم من أهل الديانات ، فانّ الشماتة يكسر حرمة الله جلّ جلاله

__________________

(١) عنه البحار ٩٨ : ٣٣٨ ـ ٣٤٠.

(٢) مصباح المتهجد ٢ : ٧٧١ ، عنه البحار ٩٨ : ٣٤٠ ، ١٠١ : ١٠٣ ، كامل الزيارات : ١٧٣ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٢١١ ، المزار الكبير : ١٤٣ ، المزار للمفيد : ٥٩ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٢ ، مصباح الكفعمي : ٤٨٢ ، مسار الشيعة : ٢٥.

(٣) عنه البحار ٩٨ : ٣٤٠ ، ١٠١ : ١٠٣.

٥٠

وردّ مراسمه وهتك حرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهدم معالمه ، وعكس أحكام الإسلام وإبطال مواسمه ، ما يشمت بها ويفرح لها ، الاّ من يكون عقله وقلبه ونفسه ودينه قد ماتت بالعمى والضلالة ، وشهدت عليه بالكفر والجهالة ، ووردت أخبار كثيرة بالحثّ على صيامه.

منها : ما رويناه بإسنادنا عن عليِّ بن فضال ، بإسناده عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : استوت السّفينة يوم عاشوراء على الجودي ، فأمر نوح من معه من الجنّ والإنس أن يصوموا ذلك اليوم.

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : أتدرون ما هذا اليوم؟ هذا اليوم الّذي تاب الله عزّ وجلّ فيه على آدم عليه‌السلام وحوّاء ، وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى فرعون ، وهذا اليوم الّذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون ومن معه ، وهذا اليوم الّذي ولد فيه إبراهيم عليه‌السلام ، وهذا اليوم الّذي تاب الله فيه على قوم يونس ، وهذا اليوم الّذي ولد فيه عيسى بن مريم عليه‌السلام ، وهذا اليوم الّذي يقوم فيه القائم عليه‌السلام (١).

ومنها بإسنادنا إلى هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن أبيه أنَّ علياً عليه‌السلام قال : صوموا من عاشوراء التاسع والعاشر فإنه يكفّر ذنوب سنة (٢).

أقول : ورأيت من طريقهم في المجلّد الثّالث من تاريخ النيشابوري للحاكم في ترجمة نصر بن عبد الله النيشابوري بإسناده إلى سعيد بن المسيّب عن سعد أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يصم عاشوراء.

وأمّا الدّعاء فيه : فقد ذكر صاحب كتاب المختصر من المنتخب ، فقال ما هذا لفظه : تصبح يوم عاشوراء صائما وتقول :

__________________

(١) عنه البحار ٩٨ : ٣٤٠.

(٢) عنه البحار ٩٨ : ٣٤٠.

٥١

سُبْحانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، سُبْحانَ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَأَطْرافَ النَّهارِ ، سُبْحانَ اللهِ بِالْغُدُوِّ وَالآصالِ ، ( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) ، ( وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ. )

يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ ، سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ، عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَمِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَزِنَةَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَأَضْعافَ ذلِكَ أَضْعافاً مُضاعَفَةً أَبَداً سَرْمَداً كَما يَنْبَغِي لِعَظَمَتِهِ.

سُبْحانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ ، سُبْحانَ ذِي الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ ، سُبْحانَ الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتَ ، سُبْحانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ، سُبْحانَ الْقائِمِ الدَّائِمِ ، سُبْحانَ الْحَيِّ الْقَيُّومِ ، سُبْحانَ الْعَلِيِّ الْأَعْلى ، سُبْحانَهُ وَتَعالى ، سُبْحانَ اللهِ ، سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ.

اللهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ فِي مِنَّةٍ وَنِعْمَةٍ وَعافِيَةٍ فَأَتْمِمْ عَلَيَّ نَعْمَتَكَ يا اللهُ ، وَمَنَّكَ وَعافِيَتَكَ وَارْزُقْنِي شُكْرَكَ ، اللهُمَّ بِنُورِ وَجْهِكَ اهْتَدَيْتُ ، وَبِفَضْلِكَ اسْتَغْنَيْتُ ، وَبِنِعْمَتِكَ أَصْبَحْتُ وَأَمْسَيْتُ.

أُشْهِدُكَ وَكَفى بِكَ شَهِيداً ، وَأُشْهِدُ مَلائِكَتَكَ وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ وَسَمائِكَ وَأَرْضِكَ ، وَجَنَّتَكَ وَنارَكَ ، بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، وَأَنَّ ما دُونَ عَرْشِكَ إِلى قَرارِ أَرْضِكَ مِنْ مَعْبُودٍ دُونَكَ باطِلٌ مُضْمَحِلٌّ.

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها ، وَأَنَّكَ باعِثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، اللهُمَّ فَاكْتُبْ شَهادَتِي هذِهِ عِنْدَكَ حَتّى أَلْقاكَ بِها ، وَقَدْ رَضِيتَ عَنِّي يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

٥٢

اللهُمَّ فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً تَضَعَ لَكَ السَّماءُ كَنَفَيْها ، وَتُسَبِّحُ لَكَ الْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْها ، حَمْداً يَصْعَدُ وَلا يَنْفَدُ ، حَمْداً يَزِيدُ وَلا يَبِيدُ ، حَمْداً سَرْمَداً لا انْقِطاعَ لَهُ وَلا نَفادَ ، حَمْداً يَصْعَدُ أَوَّلُهُ وَلا يَفْنى آخِرُهُ.

وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَيَّ وَفَوْقِي وَمَعِي وَأَمامِي وَقِبَلِي وَلَدَيَّ ، وَإِذا مِتُّ وَفَنَيْتُ وَبَقيتَ يا مَوْلايَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ بِجَمِيعِ مَحامِدِكَ كُلِّها عَلى جَمِيعِ نَعْمائِكَ كُلِّها ، وَلَكَ الْحَمْدُ فِي كُلِّ عِرْقٍ ساكِنٍ وَفِي كُلِّ أَكْلَةٍ وَشَرْبَةٍ وَلِباسٍ وَقُوَّةٍ وَبَطْشٍ وَعَلى مَوْضِعِ كُلِّ شَعْرَةٍ.

اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ ، وَلَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ ، وَبِيَدِكَ الْخَيْرُ كُلُّهُ ، وَإِلَيْكَ يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ، عَلانِيَتُهُ وَسِرُّهُ ، وَأَنْتَ مُنْتَهىَ الشَّأْنِ كُلِّهِ.

اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ ، اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ يا باعِثَ الْحَمْدِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ يا وارِثَ الْحَمْدِ ، وَبَدِيعَ الْحَمْدِ ، وَمُنْتَهَى الْحَمْدِ ، وَمُبْدِئ الْحَمْدِ ، وَوَفِيَّ الْعَهْدِ ، صادِقَ الْوَعْدِ ، عَزِيزَ الْجُنْدِ ، وَقَدِيمَ الْمَجْدِ.

اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ رَفِيعَ الدَّرَجاتِ ، مُجِيبَ الدَّعَواتِ ، مُنْزِلَ الآياتِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَماواتٍ ، مُخْرِجَ مَنْ فِي الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ، مُبَدِّلَ السَّيِّئاتِ حَسَناتٍ ، وَجاعِلَ الْحَسَناتِ دَرَجاتٍ.

اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ غافِرَ الذَّنْبِ وَقابِلَ التَّوْبِ شَدِيدَ الْعِقابِ ذَا الطَّوْلِ ، لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ فِي اللَّيْلِ إِذا يَغْشى ، وَفِي النَّهارِ إِذا تَجَلّى ، وَلَكَ الْحَمْدُ فِي الاخِرَةِ وَالأُولى.

اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ كُلِّ نَجْمٍ فِي السَّماءِ وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ كُلِّ مَلَكٍ فِي السَّماءِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ كُلِّ قَطْرَةٍ فِي الْبَحْرِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ أَوْراقِ الْأَشْجارِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ الْجِنِّ وَالانْسِ ، وَعَدَدَ الثَّرى وَالْبَهائِمِ وَالسِّباعِ وَالطَّيْرِ.

وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ ما فِي جَوْفِ الْأَرْضِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ ما عَلى وَجْهِ

٥٣

الْأَرْضِ. وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ ما أَحْصى كِتابُكَ وَأَحاطَ بِهِ عِلْمُكَ وَزِنَةَ عَرْشِكَ ، حَمْداً كَثِيراً مُبارَكاً فِيهِ.

اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ ما تَقُولُ ، وَعَدَدَ ما تَعْلَمُ ، وَعَدَدَ ما يَعْمَلُ خَلْقُكَ كُلُّهُمْ ، الأَوَّلُونَ وَالاخِرُونَ ، وَزِنَةَ ذلِكَ كُلِّهِ وَعَدَدَ ما سَمَّيْنا كُلِّهِ إِذا مِتْنا وَفَنَيْنا ، لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

تقول :

أَسْتَغْفِرُ اللهَ ـ عَشر مرّات ، يا اللهُ يا اللهُ ـ عشر مرّات ، يا رَحْمانُ يا رَحْمانُ ـ عشر مرّات ، يا رَحِيمُ يا رَحِيمُ ـ عشر مرّات ، حَنّانُ يا مَنّانُ ـ عشر مرّات ، يا لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ـ عشر مرّات.

وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ـ عشر مرّات ، آمِينَ آمِينَ ـ عشر مرّات ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، عشر مرات ، وصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ عشر مرّات.

ثمَّ تقول :

اللهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ ، وَرَجائِي فِي كُلِّ شَدِيدَةٍ (١) ، وَأَنْتَ لِي فِي كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ ، كَمْ مِنْ كَرْبٍ يَضْعُفُ فِيهِ الْفُؤَادُ ، وَتَقِلُّ فِيهِ الْحِيلَةُ ، وَيَخْذُلُ فِيهِ الْقَرِيبُ وَيَشْمُتُ فِيهِ الْعَدُوُّ.

أَنْزَلْتُهُ بِكَ وَشَكَوْتُهُ إِلَيْكَ ، رَغْبَةً فِيهِ إِلَيْكَ عَمَّنْ سِواكَ ، فَفَرَّجْتَهُ وَكَشَفْتَهُ وَكَفَيْتَنِيهِ (٢) ، فَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ وَصاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ ، وَمُنْتَهى كُلِّ رَغْبَةٍ ، فَلَكَ الْحَمْدُ كَثِيراً وَلَكَ الْمَنُّ فاضِلاً.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَسَهِّلْ لِي مِحْنَتِي ، وَيَسِّرْ لِي إِرادَتِي ، وَبَلِّغْنِي امْنِيَّتِي ، وَأَوْصِلْنِي إِلى بُغْيَتِي سَرِيعاً عاجِلاً ، وَاقْضِ عَنِّي

__________________

(١) شدة ( خ ل ).

(٢) كفيته ( خ ل ).

٥٤

دَيْنِي يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ (١).

فصل (١٠)

فيما نذكره من وصف أهوال يوم عاشوراء

يا له من يوم كسفت فيه شموس الإسلام والمسلمين ، وخسفت به بدور الطاهرين ، ورجفت فيه اقدام أهل اليقين ، وطأطأ الإسلام رأسه ذلًّا وجزعا بلسان الحال من تلك الأهوال ، وناح لسان حال الشرائع والأحكام ، وكاد ان يموت ضوء النّهار ويحيى أموات الظلام ، وبهتت العقول السليمة وعادت (٢) لعزلها عن ولايتها ، وشقّت جيوب القلوب المستقيمة لغلبتها على امارتها ، وتبرّأت الباب المحاربين لذريّة سيد المرسلين من أَصحابها ، وشكت إلى الله جلّ جلاله على مصابها.

وعقدت ألوية العار على كلّ عاذر وخاذل ، ووسمت جباه الشامتين باستحقاق كلّ هول هائل وخطب شامل ، وأشرف الملائكة والأنبياء والمرسلين ومحمد صلوات الله وسلامه عليه وعترته المظلومون ، من مناظر التّعجب يطلعون ويسترجعون ممّا قد بلغت الحال إليه ، وعجزت القوّة البشرية عن احتمال ما أقدم الأعداء عليه.

وقال لسان حال الرسول الداعي لكل سامع وواع ، السّاعين إلى سفك دمه الشريف بسوء المساعي : إذا لم تجازونا على الإحسان ، ولم تعترفوا لنا بحقّ العتق من الهوان ومن عذاب النيران ، ولم تذكروا لنا بسط أيديكم على ملوك الأزمان ، وما فتحنا عليكم من أبواب الرضوان والجنان ، فارجعوا معنا إلى حكم المروّة والحباء وعوائد الكرم في الجاهلية الجهلاء أوّلاً ، فلا تكونوا لنا ولا علينا ، فما الّذي حملكم على العداوة لنا والاقدام على القتل لنا والتشفّي بالإساءة إلينا.

فناداه لسان حال الشفقة على قلبه المصدود : القوم أموات ولست بمسمع من في القبور.

__________________

(١) عنه البحار ٩٨ : ٣٤١ ـ ٣٤٣.

(٢) عاودت ( خ ل ).

٥٥

وكشف له عن التشريف لأهله بذلك التّكليف ومن عذاب الأعداء بدوام الشقاء ، وعن أسرار انّ أهلك أعزّ علينا منهم عليك ، والّذي قد جرى بمحضرنا ونحن اقدر على الانتقام ، وسوف يحضر الجميع بين يديك وتحكم في كل مسيء إلى ذرّيتك وإليك ، وانّ ولايتك على الأشرار كولايتك على الأبرار ، وأنت المنتقم لنا ، ولك بمهما شئت من الاقتدار والبوار ، ولا نرضى إذا غضبت ولا نقبل على أحد إذا عرضت ، وما كان هذا التمكين للأشرار عن هوان الأبرار ، ولكن الموت وارد على أهل الوجود لإكرام أهل السعود والانتقام من ذوي الجحود.

فأكرمنا نفوس خاصتك وذريتك ان يبذلوها في غير إعزاز ديننا العزيز علينا ، وان يهدوها الاّ إلينا ، وأردنا ان يعرضوها في ديوان المحامات عن حمى ملكنا الباهر وسلطاننا القاهر.

فحاز ذرّيّتك وخاصّتك لنا بما يفرّط عليهم ، وكان ذلك تشريفا لهم وإقبالاً منّا عليهم ، ولو لم يجودوا لنا بالنّفوس وبذل الرءوس لأفناها الموت الحاكم بالزّوال ، وفاتها ما ظفرت به من الإقبال ونهايات الآمال ، وانّ عندنا أعظم مما عندك مما أقدم عليه الفجار ، « فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ » (١).

فصل (١١)

فيما نذكره من عمل يوم عاشوراء

فمن مهمّات يوم عاشوراء عند الأولياء ، المشاركة للملائكة والأنبياء والأوصياء في العزاء ، لأجل ما ذهب من الحرمات الإلهيّة ودرس من المقامات النبويّة ، وما دخل ويدخل على الإسلام بذلك العدوان من الذل والهوان ، وظهور دولة إبليس وجنوده على دولة الله جلّ جلاله وخواصّ عبيده.

فيجلس الإنسان في العزاء لقراءة ما جرى على ذريّة سيد الأنبياء صلوات الله جلّ

__________________

(١) إبراهيم : ٤٢.

٥٦

جلاله عليه وعليهم ، وذكر المصائب التي تجدّدت بسفك دمائهم والإساءة إليهم ، ويقرء كتابنا الذي سمّيناه بكتاب اللهوف على قتلي الطفوف.

وان لم يجده قرأ ما نذكره هاهنا ، فانّنا حيث ذكرنا يوم عاشوراء ووظائفه من الأعمال والأقوال ، فيحسن ان نذكر ما جرى فيه من وصف الإقبال والقتال ، ونسمّيه : « كتاب اللطيف في التصنيف في شرح السعادة بشهادة صاحب المقام الشريف » ، فنقول :

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس :

اللهم انّنا نقرأ هذا المقتل عليك ، ونرفع هذه المظلمة إليك ، فلا تمنعنا فيها من قصاص عدلك ، وما وعدت المظلومين من ذخائر فضلك ، ثمّ تنادي إلى العقول والقلوب والنفوس والأرواح ، والنّوادب من أهل النوادب من أهل المصائب في الغدو والرّواح :

هلمّوا واسمعوا ما جرى على ابن خير الورى ، وارفعوا أصواتكم بالندب على ملوك أئمة القرى واسبلوا العيون بالدموع عن الكرى (١) ، واذكروا ان الله جلّ جلاله رأى عباده على ضلال قد فضحهم بين الأنام ، وحال بينهم وبين العقول والأحلام بعبادة (٢) الأحجار والأصنام ، وقد صاروا مستحقين بذلك الاستئصال والاصطلام (٣).

فينبغي لسان الحال شفقة محمدٍ رسوله صلوات الله عليه في الشفاعة إلى حلمه جلّ جلاله وعفوه ورحمته ، ان لا يستأصلهم بما يستحقّونه من نقمته ، وان يبعثه رسولا إليهم ليخلّصهم مما قد أشرف عليه من الهلاك والاستئصال وسترهم من فضائح الضلال.

فقبل الله جلّ جلاله لسان حال شفاعته واستعطافه ، وبعثه إليهم رسولا بألطافه ، فلم يزل يرفق بهم ويشفق عليهم حتّى غسل سواد أوصافهم بسحائب كمال أوصافه ، وأقامهم عن العكوف على تلك الفضائح والقبائح بتكرار النصائح وإظهار المصالح ،

__________________

(١) الكرى : الكثير من الشيء.

(٢) وعبادة ( خ ل ).

(٣) اصطلام : الإهلاك الكلي والإذهاب من الأصل.

٥٧

فعاشوا من موت الجهل وظفروا بفوائد العقل والنقل.

ثمّ دعاه الله جلّ جلاله إلى لقائه وخلّف فيهم نور اهتدائه من يقوم لهم مقامه بعد انتقاله إلى دار بقائه ، ويحفظ عليهم شريعته وأحكامه ، فخذلوا القائم مقامه ، حتى انتقل اليه مقتولا مظلوما ، واختلفوا على من قام مقامه ثانياً ، حتّى مضى إلى ربّه مقتولاً مسموما.

ثم بقي فيهم الثالث فعرّفهم انه سيّد شباب أهل الجنّة ، وشرّفهم بما لله جلّ جلاله ولرسوله عليه‌السلام عليهم في ذلك من المنّة ، وكان جواب الله جلّ جلاله منهم على ذلك الانعام وجزاء محمد صلوات الله عليه على الشفاعة فيهم والقيام بهم والاهتمام ، انّهم كاتبوه وأخرجوه من أوطانه وأخافوه بعد امانه ، واتّخذوا الدعاة إلى أصنامهم ، والّذين كانوا من أسباب استحقاق اصطلامهم ، ائمّة لضلالهم وقادة إلى دار هلاكهم ووبالهم.

وشرعوا إلى عداوة الداعي لهم إلى السلامة والهادي إلى دار الكرامة ودوام الإقامة ، وأقبلوا مع عدوّ الله وعدوّهم يريدون قتل ابن بنت رسولهم ونبيّهم ، وهم يعلمون انّه قطعة من لحم جسده وبضعة من فؤاده وكبده.

فادّكرهم صلوات الله عليه بالحقوق السّالفة والحاضرة ، وما لله جلّ جلاله بجدّة وأبيه وبه ، من النعم الباطنة والظاهرة ، فعادوا إلى العمى الّذي كانوا عليه ولم يلتفتوا إليه ، فسألهم أن يتركوه حيّاً للدنيا كسائر الأحياء والاّ يكونوا له ولا عليه في نصرة الأعداء ، فأبوا الاّ ان يبيحوا ما حماه الله جلّ جلاله من محارمه ، ويسعوا في سفك دمه. فغضب الله جلّ جلاله عليهم ، فدعاه إلى شرف السعادة بالشهادة ، وان يتركهم وما اختاروه من ضلال الإرادة.

فأسرعوا وسعوا إلى حمى الله جلّ جلاله ليهتكوه ، وإلى دم رسوله الجاري في أعضاء ولده ليسفكوه ، وأقدموا على نائب الله جلّ جلاله فيهم لمّا دعاهم لما يحييهم ، يريدون قتله عمداً ويأتون ما يكاد السَّماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّاً.

وأدركت السعادة قوما ليحولوا بينهم وبين ما أقدموا عليه ، وغضبوا لله جلّ جلاله لما

٥٨

عرفوا انه قد غضب لأجل ما انتهت الحال إليه ، فدعاهم القوم إلى ترك القتال والعدول عن الضلال ، وحذّروهم من عذاب الدّنيا والآخرة ، وذكّروهم ما لله جلّ جلاله عليهم بمحمّد رسوله صلوات الله عليه من الحقوق الباهرة.

فبدءوا بقتل القوم الذين غضبوا لله واتّفقوا على هدم أركان الملّة ، فلم يبق ملك ولا رسول ولا عبد له عند الله مقام وقبول الاّ وغضبوا مع الله جلّ جلاله لتلك الحال ، واستعظموا ما بلغ إليه الأمر من الأهوال ، ووقفوا على طريق الشهادة والقبول ، يتلقّون روح نائب الله جلّ جلاله وابن الرّسول ، وحضرت روح محمّد وروح علي وفاطمة البتول وروح ابنها الحسن المسموم المقتول ، يشاهد ما يجري على مهجة فؤادهم وقطعة أكبادهم ، يندبون بلسان حالهم ويستغيثون لقتالهم.

وكلّما رفع رأس من رءوس أهل الشهادة كشف بلسان الحال لتلك الرءوس رءوس أهل السعادة مواساة في البلاء في مجلس العزاء ، وكلّما مزّقت ثياب أهل الجهاد مزّقت ثياب الإباء والأجداد ، وكلّما رمّل (١) وجه من تلك الوجوه العزيزة بالرمال رمّلت لذلك وجوه أهل الإقبال ، وكلّما هتكت حرمة الله والرسول بكى لسان حال الإسلام وذوي العقول.

حتّى فزع أهل الضلال من قتل الأحبّة والملوك ، الّذين فرّجوا عنهم وعن سلفهم كلّ كربة ، وقصدوا لقتل ذريّة محمّد صلوات الله عليه وأولاده ، فخرجوا إليهم صلوات الله عليهم ، مشتاقين إلى لقاء الله جلّ جلاله وما دعاهم إليه من جهاده واتّباع مراده ، فحاموا عن دينه الّذي شرع أهل الضلال في زواله ، وبذلوا نفوسهم في حفظ ناموسه وإقباله ، واستبدلوا دوام السعادة والبقاء بقتال أهل الشقاء.

حتّى قتل المجاهدون من الأكابر والأصاغر ، وارتجّت فيها السماوات والأرضون لذلك الضلال الحاضر ، فبقي مولانا الحسين صلوات الله عليه والحرم والأطفال الّذين بين يديه ، فلم ينظروا الاّ لتلك الوحدة والكسرة ونفوس من بقي من العترة ، وأقبلوا

__________________

(١) رمّل الثوب بالدم : لطّخه.

٥٩

يهجمون على الحرم والأطفال بالقتال والاستئصال ، وهو صلوات الله عليه مع ما جرت الحال عليه يدعوهم إلى الله جلّ جلاله ، ويحذّرهم من القدوم عليه ، ويذكّرهم بلقاء جدّه لهم يوم القيامة صلوات الله عليه ، وعقولهم قد هربت بلسان الحال منهم ، وقلوبهم قد ماتت بسيف الضّلال الذي يصدر عنهم.

فلم يرحموا حرمة لوحدتها ولا أسره لضعف قوّتها ، ولم يقفوا موقف مروّةٍ ولا حياء ولا اخوّة ولا وفاء ، وقصدوا نحو الحسين عليه‌السلام يقتلونه وحيداً فريداً من الأنصار قتل أهل العداواة ، ولا يستحيون من وحدته وانفراده وضعف جلده (١) عن الّذي يريده من جهاده ، فرموه بسهامهم وسعوا إلى سفك دمه بأقدامهم.

وكاد لسان حال سيد الأنبياء وفاطمة الزهراء وابنها الحسن المسموم بيد الأعداء ، ان يعجزوا عن احتمال ذلك البلاء والابتلاء ، وشقّقت الجيوب وبكت العيون ، وقال لسان تلك الأهوال : ان هذا لهو البلاء المبين ، واشتغلت عقول الأبرار وقلوب الأطهار في الجلوس على بساط العزاء واجتماع أرواح الأنبياء والأولياء واقامة سنن المصائب والمأتم وما يليق بتلك النوائب والعظائم.

فلم يزل أهل الضّلال على قدم التهوين بالله وبرسول الله وبوليّ الله ونائب الله وابن نبيّ الله وحجة الله ، حتى أثخنوه (٢) ضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح ورمياً بالسهام وجهداً بإقدام بعد اقدام ، حتّى سمحت جواهر وجوده بمفارقة روحه ولقاء مالك سعوده.

فرماه الطّغاة عن فرسه إلى التراب على خدّه العزيز العزيز عند ربّ الأرباب العزيز العزيز ، عند جدّه محمّد مالك ملوك ذوي الألباب العزيز العزيز ، على أبيه الّذي أقامهم على منابر الإسلام ووطّأ لهم مواطئ الاقدام العزيز العزيز ، على أمّه فاطمة سيّدة نساء العالمين العزيز العزيز ، على أخيه الحسن سيد شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين العزيز العزيز ، على الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين ، فوضع بلسان الحال كلّ عبد من أهل الإقبال خدودهم على تراب المواساة ، وندبوا وبكوا واستغاثوا لقتل أهل النّجاة

__________________

(١) الجلد : القوة.

(٢) ثخن في العدو : بالغ وغلظ في قتلهم.

٦٠