الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٣

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٣

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-428-1
الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٣

يدي الله تعالى ، قال : فهم بين راكع وقائم وساجد وداع ومكبّر ومستغفر ومسبّح.

يا محمّد إنّ الله تعالى يطّلع في هذه الليلة فيغفر لكلّ مؤمن قائم يصلّي وقاعد يسبّح وراكع وساجد وذاكر ، وهي ليلة لا يدعو فيها داع إلاّ استجيب له ، ولا سائل إلاّ أعطي ، ولا مستغفر إلاّ غفر له ولا تائب إلاّ يتوب عليه ، من حرم خيرها يا محمّد فقد حرم.

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعو فيها فيقول : اللهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ ما يَحُولُ بَيْنَنا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ ، وَمِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنا بِهِ رِضْوانَكَ (١) ، وَمِنَ الْيَقِينِ ما يُهَوِّنُ عَلَيْنا بِهِ مُصِيباتِ الدُّنْيا ، اللهُمَّ مَتِّعْنا بِأَسْماعِنا وَأَبْصارِنا وَقُوَّتِنا ما أَحْيَيْتَنا ، وَاجْعَلْهُ الْوارِثُ مِنَّا.

وَاجْعَلْ ثارَنا عَلى مَنْ ظَلَمَنا ، وَانْصُرْنا عَلى مَنْ عادانا ، وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنا فِي دِينِنا ، وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيا أَكْبَرَ هَمِّنا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنا ، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لا يَرْحَمُنا ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ (٢).

أقول : وقد مضى هذا الدّعاء في بعض مواضع العبادات وإنّما ذكرنا هاهنا لأنّه في هذه ـ ليلة نصف شعبان ـ من المهمّات.

أقول : وفي رواية أخرى في فضل هذه المائة ركعة ، كلّ ركعة بالحمد مرّة وعشر مرّات ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ما وجدناه ، قال راوي الحديث : ولقد حدّثني ثلاثون من أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه : من صلّى هذه الصّلاة في هذه الليلة نظر الله إليه سبعين نظرة ، وقضى له بكلّ نظرة سبعين حاجة أدناها المغفرة ، ثمّ لو كان شقيّا وطلب السّعادة لأسعده الله ( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) (٣) ، ولو كان والداه من أهل النّار ودعا لهما أخرجا من النّار بعد أن لا يشركا بالله شيئا ، ومن صلّى هذه الصّلاة قضى الله له كلّ حاجة طلب وأعدّ له في الجنّة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت.

__________________

(١) من رضوانك ( خ ل ).

(٢) عنه البحار ٩٨ : ٤١٣ ، الوسائل ٨ : ١٠٤.

(٣) الرعد : ٣٩.

٣٢١

والّذي بعثني بالحقّ نبيّا من صلّى هذه الصلاة يريد بها وجه الله تعالى جعل الله له نصيبا في أجر جميع من عبد الله تلك اللّيلة ، ويأمر الكرام الكاتبين أن يكتبوا له الحسنات ويمحو عنه السّيئات ، حتّى لا يبقى له سيّئة ، ولا يخرج من الدّنيا حتى يرى منزله من الجنّة ، ويبعث الله إليه (١) ملائكة يصافحونه ويسلّمون عليه ، ويحشر يوم القيامة مع الكرام البررة ، فان مات قبل الحول مات شهيدا ، ويشفّع في سبعين ألفا من الموحّدين ، فلا يضعف عن القيام تلك اللّيلة إلاّ شقيّ (٢).

إن قيل : ما تأويل أنَّ ليلة نصف شعبان يقسّم الآجال والأرزاق ، وقد تظافرت (٣) الرّوايات أنّ تقسيم الآجال والأرزاق ليلة القدر في شهر رمضان؟

فالجواب : لعلّ المراد أنّ قسمة الآجال والأرزاق التي يحتمل أن تمحي وتثبت ليلة نصف شعبان ، والآجال والأرزاق المحتومة ليلة القدر ، أو لعلّ قسمتها في علم الله جلّ جلاله ليلة نصف شعبان وقسمتها بين عباده ليلة القدر ، أو لعلّ قسمتها في اللّوح المحفوظ ليلة نصف شعبان وقسمتها بتفريقها بين عباده ليلة القدر.

أو لعلّ قسمتها في ليلة القدر وفي ليلة النصف من شعبان أن يكون معناه ان الوعد بهذه القسمة في ليلة القدر كان في ليلة نصف شعبان ، فيكون معناه أنّ قسمتها ليلة القدر كان ابتداء الوعد به أو تقديره ليلة نصف شعبان ، كما لو أنّ سلطانا وعد إنسانا أن يقسّم عليه الأموال (٤) في ليلة القدر وكان وعده به ليلة نصف شعبان ، فيصحّ أن يقال عن الليلتين ، أنّ ذلك قسم فيهما.

وروي عن السيّد يحيى بن الحسين في كتاب الأمالي حديثا أسنده إلى مولانا عليّ عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من صلّى ليلة النّصف من شعبان مائة ركعة بألف مرّة ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ، لم يمت

__________________

(١) له ( خ ل ).

(٢) عنه البحار ٩٨ : ٤١٤.

(٣) تظاهرت ( خ ل ).

(٤) مالا ( خ ل ).

٣٢٢

قلبه يوم يموت القلوب ، ولم يمت حتّى يرى مائة ملك يؤمّنونه من عذاب الله ، ثلاثون منهم يبشّرونه بالجنّة ، وثلاثون كانوا يعصمونه من الشّيطان ، وثلاثون يستغفرون له آناء اللّيل والنّهار ، وعشرة يكيدون من كاده (١).

فصل (٤٥)

فيما نذكره من قيام ليلة النصف من شعبان وصيام يومها

رويناه في الجزء الثاني من كتاب التحصيل في ترجمة أحمد بن المبارك بن منصور ، بإسناده إلى مولانا علي عليه‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ، فان الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء فيقول : الاّ مستغفر فاغفر له ، الاّ مسترزق فارزقه ، حتى يطلع الفجر (٢).

فصل (٤٦)

فيما نذكره من صلاة ركعتين في ليلة النصف من شعبان واربع ركعات ومائة ركعة

رويناها بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطّوسي رحمه‌الله ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من تطهّر ليلة النّصف من شعبان فأحسن الطّهر ولبس ثوبين نظيفين ثمّ خرج إلى مصلاّه فصلّى العشاء الآخرة ، ثمّ صلّى بعدها ركعتين يقرء في أوّل ركعة الحمد وثلاث آيات من أوّل البقرة وآية الكرسيّ وثلاث آيات من آخرها ، ثمّ يقرء في الركعة الثانية الحمد و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ـ سبع مرات ، و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) ـ سبع مرّات ، و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ـ سبع مرّات ، ثمّ يسلّم ويصلّي بعدها أربع ركعات ، يقرء في أوّل ركعة يس ، وفي الثّانية حم الدّخان ، وفي الثالثة الم السجدة ، وفي الرّابعة « تَبارَكَ الْمُلْكُ ».

__________________

(١) عنه البحار ٩٨ : ٤١٥ ، الوسائل ٨ : ١٠٥.

(٢) عنه البحار ٩٨ : ٤١٥.

٣٢٣

ثمّ يصلّي بعدها مائة ركعة ، يقرء في كل ركعة ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) عشر مرّات والحمد لله مرة واحدة ، قضى الله تعالى له ثلاث حوائج ، اما في عاجل الدنيا أو في آجل الآخرة ، ثم إن سأل أن يراني من ليلته رآني (١).

فصل (٤٧)

فيما نذكره من رواية سجدات ودعوات عن الصادق عليه‌السلام ليلة النصف من شعبان

رويناها بإسنادها إلى جدّي أبي جعفر الطّوسي فيما رواه عن حمّاد بن عيسى بن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لمّا كان ليلة النّصف من شعبان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند بعض نسائه.

وروى الزّمخشري في كتاب الفائق أنّ أمّ سلمة قال : تبعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فوجدته قد قصد البقيع ثمّ رجعت وعاد ، فوجد فيها أثر السّرعة في عودها ، ولم يذكر الدّعوات.

ثمّ قال الطّوسيّ في رواية الصّادق عليه‌السلام : فلمّا انتصف اللّيل قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن فراشها ، فلمّا انتبهت وجدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قام عن فراشها ، فدخلها ما يتداخل النّساء وظنّت أنّه قد قام إلى بعض نسائه ، فقامت (٢) وتلفّقت بشملتها (٣) ، وأيم الله ما كان قزّا ولا كتانا ولا قطنا ولكن كان سداه شعرا ولحمته أو بار الإبل ، فقامت تطلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجر نسائه حجرة حجرة ، فبينا هي كذلك إذ نظرت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ساجدا كثوب متلبّط (٤) بوجه الأرض ، فدنت منه قريبا فسمعته في سجوده وهو يقول :

سَجَدَ لَكَ سَوادِي وَخِيالِي ، وَآمَنَ بِكَ فُؤَادِي ، هذِهِ يَدايَ وَما جَنَيْتُهُ عَلى

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٢ : ٨٣٨ ، عنه البحار ٩٨ : ٤١٥ ، الوسائل ٨ : ١٠٨.

(٢) قامت ( خ ل ).

(٣) تلفق الشملة : ضمّ شقّه منه إلى أخرى فخاطهما.

(٤) تلبّط الرجل : اضطجع وتمرّغ.

٣٢٤

نَفْسِي ، يا عَظِيمُ يُرْجى لِكُلِّ عَظِيمٍ ، اغْفِرْ لِي الْعَظِيمَ ، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ إِلاَّ الرَّبُّ الْعَظِيمُ.

ثمّ رفع رأسه ثمّ عاد ساجدا فسمعته يقول : أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَضاءَتْ لَهُ السَّماواتُ وَالْأَرضُونَ ، وَانْكَشَفَتْ لَهُ الظُّلُماتُ ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْأَوَّلِينَ وَالاخِرِينَ مِنْ فُجْأَةِ نِقْمَتِكَ ، وَمِنْ تَحْوِيلِ عافِيَتِكَ ، وَمِنْ زَوالِ نِعْمَتِكَ ، اللهُمَّ ارْزُقْنِي قَلْباً تَقِيّاً نَقِيّاً ، وَمِنَ الشِّرْكِ بَرِيئاً ، لا كافِراً وَلا شَقِيّاً.

ثمّ عفّر خدّيه في التراب فقال : عَفَّرْتُ وَجْهِي فِي التُّرابِ ، وَحَقٌّ لِي أَنْ أَسْجُدَ لَكَ.

فلمّا همّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالانصراف هرولت إلى فراشها ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فراشها وإذا لها نفس عال ، فقال لها رسول الله : ما هذا النّفس العالي أما تعلمين أيّ ليلة هذه؟ هذه ليلة النصف من شعبان ، فيها تقسم الأرزاق ، وفيها تكتب الآجال ، وفيها يكتب وفد الحاجّ ، وإنّ الله ليغفر في هذه اللّيلة من خلقه أكثر من عدد شعر معزى كلب (١) وينزل الله تعالى ملائكته من السّماء إلى الأرض بمكّة (٢).

فصل (٤٨)

فيما نذكره من رواية أخرى بسجدات ودعوات عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة النصف من شعبان

رويناها بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله عليه رواها عن بعض نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ليلة الّتي كان

__________________

(١) يعنى معزى بني كلب وكانوا هم صاحب معزى.

(٢) عنه البحار ٩٨ : ٤١٥ ـ ٤١٧ ، رواه الصدوق في فضائل الأشهر الثلاثة : ٣٠ ، عنه البحار ٩٧ : ٨٨ ، أورده أيضا في مصباح المتهجد ٢ : ٨٤١.

٣٢٥

عندي فيها فانسلّ من لحافي ، فانتبهت فدخلني ما يدخل النّساء من الغيرة ، فظننت أنّه في بعض حجر نسائه ، فإذا أنا به كالثوب السّاقط على وجه الأرض ساجدا على أطراف أصابع قدميه ، وهو يقول :

أَصْبَحْتُ إِلَيْكَ فَقِيراً خائِفاً مُسْتَجِيراً ، فَلا تُبَدِّلْ اسْمِي ، وَلا تُغَيِّرْ جِسْمِي ، وَلا تُجْهِدْ بَلائِي ، وَاغْفِرْ لِي.

ثمّ رفع رأسه وسجد الثّانية فسمعته يقول : سَجَدَ لَكَ سَوادِي وَخِيالِي وَآمَنَ بِكَ فُؤَادِي ، هذِهِ يَدايَ بِما جَنَيْتُ عَلى نَفْسِي ، يا عَظِيمُ تُرْجى لِكُلِّ عَظِيمٍ ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِيَ الْعَظِيمَ ، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الْعَظِيمَ إِلاَّ الْعَظِيمُ.

ثمّ رفع رأسه وسجد الثّالثة فسمعته يقول : أَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عِقابِكَ ، وَأَعُوذُ بِرِضاكَ مِنْ سَخَطِكَ ، وَأَعُوذُ بِمُعافاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ ، أَنْتَ كَما أَثْنَيْتَ عَلى نَفْسِكَ وَفَوْقَ ما يَقُولُ الْقائِلُونَ.

ثمّ رفع رأسه وسجد الرّابعة فقال : اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ ، وَقَشَعَتْ بِهِ الظُّلُماتُ ، وَصَلُحَ بِهِ أَمْرُ الْأَوَّلِينَ وَالاخِرِينَ أَنْ يَحِلَّ عَلَيَّ غَضَبَكَ ، أَوْ يَنْزِلَ عَلَيَّ سَخَطَكَ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوالِ نِعْمَتِكَ ، وَفُجاءَةِ نِقْمَتِكَ ، وَتَحْوِيلِ عافِيَتِكَ ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ ، لَكَ الْعُتْبى فِيمَا اسْتَطَعْتُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ.

قالت : فلما رأيت ذلك منه تركته وانصرفت نحو المنزل ، فأخذني نفس عال ، ثمّ إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اتّبعني فقال : ما هذا النفس العالي؟ قالت : قلت : كنت عندك يا رسول الله ، فقال : أتدرين أيّ ليلة هذه؟ هذه ليلة النّصف من شعبان ، فيها تنسخ الأعمال وتقسم الأرزاق ، وتكتب الآجال ، ويغفر الله تعالى إلاّ المشرك أو مشاحن (١) أو قاطع رحم ، أو مدمن مسكر أو مصرّ على ذنب أو شاعر أو كاهن (٢).

__________________

(١) شاحنه : باغضه ، شحن عليه : حقد عليه.

(٢) عنه البحار ٩٨ : ٤١٨ ، رواه في مصباح المتهجد ٢ : ٨٤١.

٣٢٦

فصل (٤٩)

فيما نذكره من ولادة مولانا المهدي عليه‌السلام في ليلة النصف من شعبان وما يفتح الله جلّ جلاله علينا من تعظيمها بالقلب والقلم واللسان

اعلم اننا ذكرنا في كتاب التعريف للمولد الشريف تفصيل هذه الولادة الشريفة ، وروينا ما يتعلّق بها في فصول لطيفة ، فذكرنا فصلا في كشف شراء والدته عليها أفضل التحيات.

وفصلا في حديث الولادة والقابلة ومن ساعدها من نساء الجيران ، ومن هاهنا نساء من الدار ، بولدها العظيم الشّأن عليه أفضل الصلوات.

وفصلاً في حديث عرض مولانا الامام الحسن العسكري لولده المهدي صلوات الله عليهما بعد الولادة بثلاثة أيّام على من يثق به من خاصّته الصالحين لحفظ أسرار الإسلام.

وفصلا فيمن بشّر هاهنا صلوات الله عليه بولادة المهدي عليه‌السلام.

وفصلا بذكر العقيقة الجسيمة عن تلك الولادة العظيمة خبزا ولحما.

وفصلا فيمن أهدي إليه مولانا الحسن العسكري رأسا من جملة الغنم المتقرّب بذبحها ، لأجل عقيقة الولادة الّتي شهد المعقول والمنقول بمدحها.

وفصلا في حديث اقامة الحسن العسكري عليه‌السلام وكيلا في حياته يكون في خدمة مولانا المهدي عليه‌السلام بعد انتقال والده إلى الله جلّ جلاله ووفاته.

وأوضحنا تحقيق هذه الأحوال لم أعرف ان أحدا سبقنا إلى كشفها كما رتّبناه من صدق المقال.

فصل (٥٠)

فيما نذكره [ في بشارة النبي جده صلى‌الله‌عليه‌وآله بولادته وعظيم انتفاع الإسلام برئاسته ]

انّ مولانا المهدي عليه‌السلام ممّن أطبق أهل الصدق ممّن يعتمد على قوله ، بأن النّبيّ جده صلى‌الله‌عليه‌وآله بشر الأمة بولادته وعظيم انتفاع الإسلام برئاسته

٣٢٧

ودولته ، وذكر شرح كمالها وما يبلغ إليه حال جلالها إلى ما لم يظفر نبي سابق ولا وصيّ لاحق ، ولا بلغ إليه ملك سليمان عليه‌السلام الذي حكم في ملكه على الانس والجن.

لانّ سليمان عليه‌السلام لما قال ( هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) (١). ما قيل له : قد أجبنا سؤالك في انّنا لا نعطي أحداً من بعدك أكثر منه في سبب من الأسباب ، إنّما قال الله جلّ جلاله ( فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ ) (٢).

والمسلمون مجمعون على انّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله سيد المرسلين وخاتم النّبيّين أعطى من الفضل العظيم والمكان الجسيم ، ما لم يعط أحد من الأنبياء في الأزمان ولا سليمان.

ومن البيان على تفصيل منطق اللسان والبيان انّ المهدي عليه‌السلام يأتي في أواخر الزمان وقد تهدّمت أركان أديان الأنبياء ودرست معالم مراسم الأوصياء وطمست آثار أَنوار الأولياء ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا وحكما كما ملئت جورا وجهلا وظلما.

فبعث الله جلّ جلاله رسوله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ليجدّد سائر مراسم الأنبياء والمرسلين ويحيي به معالم الصادقين من الأولين والآخرين ولم يبلغ أحداً منهم صلوات الله عليهم وعليه إلى أنّه قام أحد منهم بجميع أمرهم بعدد رءوسه ويبلغ به ما يبلغ هو عليه‌السلام إليه.

وقد ذكره أبو نعيم الحافظ وغيره من رجال المحافظ وغيره من رجال المخالفين ، وذكر ابن المنادي في كتاب الملاحم وهو عندهم ثقة أمين ، وذكره أبو العلى الهمداني وله المقام المكين ، وذكرت شيعته من آيات ظهوره وانتظام أموره عن سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لم يبلغ إليه أحد من العالمين.

__________________

(١) ص : ٣٥.

(٢) ص : ٣٦.

٣٢٨

وذلك من جملة آيات خاتم النبيين وتصديق ما خصّه الله جلّ جلاله (١) ، انّه من فضله في قوله جلّ جلاله ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) (٢).

أقول : فينبغي ان يكون تعظيم هذه الليلة لأجل ولادته عند المسلمين والمعترفين بحقوق إمامته على قدر ما ذكره جدّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وبشّر به المسعودين من أمّته ، كما لو كان المسلمون قد أظلمت عليهم أيّام حياتهم ، وأشرفت عليهم جيوش أهل عداوتهم ، وأحاطت بهم نحوس خطيئاتهم.

فأنشأ الله تعالى مولودا يعتق رقابهم من رقّها ، ويمكّن كلّ يد مغلولة من حقّها ، ويعطي كل نفس ما تستحقه من سبقها ، ويبسط للخلائق في المشارق والمغارب بساطا متساوي الأطراف مكمّل الألطاف مجمل الأوصاف ، ويجلس الجميع عليه إجلاس الوالد الشفيق لأولاده العزيزين عليه أو إجلاس الملك الرحيم الكريم لمن تحت يديه ويريهم من مقدمات آيات المسرّات وبشارات المبرّات في دار السعادات الباقيات ما يشهد حاضرها لغائبها وتقود القلوب والأعناق إلى طاعة واهبها.

أقول : وليقم كل انسان لله جلّ جلاله في هذه الليلة بقدر شكر ما منّ الله عزّ وجلّ عليه بهذا السّلطان وانّه جعله من رعاياه والمذكورين في ديوان جنده والمسمّين بالأعوان على تمهيد الإسلام والايمان واستيصال الكفر والطغيان والعدوان ومدّ سرادقات السّعادات على سائر الجهات من حيث تطلع شموس السماوات وإلى حيث تغرب إلى أقصى الغايات والنهايات.

ويجعل من خدمته لله جلّ جلاله الذي لا يقوم الأجساد بمعانيها خدمة لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي كان سبب هذه الولادة والسعادة وشرف رئاستها وخدمة لابائه الطّاهرين الذين كانوا أصلا لها وأعوانا على اقامة حرمتها وخدمة له صلوات الله عليه وآله ، كما يجب على الرعيّة لمالك أزمّتها والقيّم لها باستقامتها وادراك سعادتها.

ولست أجد القوّة البشريّة قادرة على القيام بهذه الحقوق المعظّمة المرضيّة الاّ بقوّة من

__________________

(١) اليه ( خ ل ).

(٢) التوبة : ٣٣ ، الفتح : ٢٨ ، الصف : ٩.

٣٢٩

القدرة الرّبانية ، فليقم كلّ عبد مسعود من العباد بما يبلغ إليه ما أنعم به عليه الله جلّ جلاله من القوة والاجتهاد.

فصل (٥١)

فيما نذكره من الدعاء والقسم على الله جلّ جلاله بهذا المولود العظيم المكان ليلة النصف من الشعبان

وهو :

اللهُمَّ بِحَقِّ لَيْلَتِنا هذِهِ وَمَوْلُودِها ، وَحُجَّتِكَ وَمَوْعُودِهَا ، الَّتِي قَرَنْتَ الى فَضْلِها فَضْلاً ، فَتَمَّتْ كَلِمَتُكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ، لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِكَ وَلا مُعَقِّبَ لآياتِكَ ، نُورُكَ الْمُتَأَلِّقُ وَضِياؤُكَ الْمُشْرِقُ ، وَالْعَلَمُ النُّورُ فِي طَخْياءِ (١) الدَّيْجُورِ ، الْغائِبُ الْمَسْتُورُ ، جَلَّ مَوْلِدُهُ وَكَرُمَ مَحْتَدُهُ (٢) ، وَالْمَلائِكَةُ شُهَّدُهُ (٣) ، وَاللهُ ناصِرُهُ وَمُؤَيِّدُهُ إِذا آنَ مِيعادُهُ وَالْمَلائِكَةُ أَمْدادُهُ.

سَيْفُ اللهِ الَّذِي لا يَنْبُو (٤) ، وَنُورُهُ الَّذِي لا يَخْبُو (٥) ، وَذُو الْحِلْمِ الَّذِي لا يَصْبُو (٦) ، مَدارُ الدَّهْرِ وَنَوامِيسُ الْعَصْرِ وَوُلاةُ الامْرِ وَالْمُنَزَّلُ عَلَيْهِمْ ما يَنْزِلُ (٧) فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَأَصْحابُ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ ، تَراجِمَةُ وَحْيِهِ وَوُلاةُ امْرِهِ وَنَهْيِهِ.

اللهُمَّ فَصَلِّ عَلى خاتَمِهِمْ وَقائِمِهِمْ ، الْمَسْتُورِ عَنْ عَوالِمِهِمْ (٨) ، وَادْرِكْ بِنا أَيَّامَهُ وَظُهُورَهُ وَقِيامَهُ ، وَاجْعَلْنا مِنْ أَنْصارِهِ ، وَاقْرِنْ ثارَنا بِثأرِهِ ، وَاكْتُبْنا فِي

__________________

(١) طخياء : ليلة مظلمة.

(٢) المحتد : الأصل.

(٣) شهدائه ( خ ل ).

(٤) بنو السيف عن الضريبة : كلّ وارتدّ عنها ولم يقطع.

(٥) خبا النار : خمدت وسكنت وطفئت.

(٦) الصبوة : جهلة الفتوة.

(٧) المنزل عليهم الذكر وما ينزل ( خ ل ).

(٨) عواملهم ( خ ل ).

٣٣٠

أَعْوانِهِ وَخُلَصائِهِ ، وَأَحْيِنا فِي دَوْلَتِهِ ناعِمِينَ وَبِصُحْبَتِهِ غانِمِينَ ، وَبِحَقِّهِ قائِمِينَ ، وَمِنَ السُّوءِ سالِمِينَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَعَلى اهْلِ بَيْتِهِ الصَّادِقِينَ وَعِتْرَتِهِ النَّاطِقِينَ ، وَالْعَنْ جَمِيعَ الظَّالِمِينَ ، وَاحْكُمْ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ يا احْكَمَ الْحاكِمِينَ (١).

ومن الدعوات في هذه الليلة ما رويناه بإسنادنا إلى جدي أبي جعفر الطوسي رضي‌الله‌عنه قال : روي انّ كميل بن زياد النخعي رأى أمير المؤمنين عليه‌السلام ساجدا يدعو بهذا الدعاء في ليلة النصف من شعبان.

أقول : ووجدت في رواية أخرى ما هذا لفظها : قال كميل بن زياد : كنت جالسا مع مولاي أمير المؤمنين عليه‌السلام في مسجد البصرة ومعه جماعة من أصحابه فقال بعضهم :

ما معنى قول الله عزّ وجلّ ( فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) (٢)؟ قال عليه‌السلام : ليلة النصف من شعبان ، والذي نفس علي بيده انّه ما من عبد الاّ وجميع ما يجري عليه من خير وشر مقسوم له في ليلة النصف من شعبان إلى آخر السنة في مثل تلك اللّيلة المقبلة ، وما من عبد يحييها ويدعو بدعاء الخضر عليه‌السلام الاّ أجيب له.

فلمّا انصرف طرقته ليلا ، فقال عليه‌السلام : ما جاء بك يا كميل؟ قلت : يا أمير المؤمنين دعاء الخضر ، فقال : اجلس يا كميل ، إذا حفظت هذا الدعاء فادع به كل ليلة جمعة أو في الشهر مرة أو في السنة مرة أو في عمرك مرة تكفّ وتنصر وترزق ولن تعدم المغفرة ، يا كميل أوجب لك طول الصحبة لنا ان نجود لك بما سألت ، ثم قال : اكتب :

اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ، وَبِقُوَّتِكَ الَّتِي قَهَرْتَ بِها كُلَّ شَيْءٍ ، وَخَضَعَ لَها كُلُّ شَيْءٍ ، وَذَلَّ لَها كُلُّ شَيْءٍ ، وَبِجَبَرُوتِكَ الَّتِي غَلَبْتَ بِها كُلَّ شَيْءٍ ، وَبِعِزَّتِكَ الَّتِي لا يَقُومُ لَها شَيْءٌ ،

__________________

(١) رواه الشيخ في مصباحه ٢ : ٨٤٢.

(٢) الدخان : ٤.

٣٣١

وَبِعَظَمَتِكَ الَّتِي مَلَأَتْ أَرْكانَ كُلِّ شَيْءٍ.

وَبِسُلْطانِكَ الَّذِي عَلا كُلَّ شَيْءٍ ، وَبِوَجْهِكَ الْباقِي ، بَعْدَ [ فَناءِ ] (١) كُلِّ شَيْءٍ ، وَبِأَسْمائِكَ الَّتِي غَلَبَتْ أَرْكانَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَبِعِلْمِكَ الَّذِي أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ ، وَبِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَضاءَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ ، يا نُورُ يا قُدُّوسُ ، يا أَوَّلَ الْأَوَّلِينَ وَيا آخِرَ الاخِرِينَ.

اللهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَهْتِكُ الْعِصَمَ ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُنْزِلُ النِّقَمَ ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُغَيِّرَ النِّعَمَ ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَحْبِسُ الدُّعاءَ ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُنْزِلُ الْبَلاءَ ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِيَ كُلَّ ذَنْبٍ اذْنَبْتُهُ وَكُلَّ خَطِيئَةٍ أَخْطَأْتُها.

اللهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ الَيْكَ بِذِكْرِكَ وَاسْتَشْفِعُ بِكَ الى نَفْسِكَ وَاسْأَلُكَ بِجُودِكَ انْ تُدْنِيَنِي مِنْ قُرْبِكَ وَانْ تُوزِعَنِي شُكْرَكَ وَانْ تُلْهِمَنِي ذِكْرَكَ.

اللهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ سُؤَالَ خاضِعٍ مُتَذَلِّلٍ (٢) خاشِعٍ انْ تُسامِحَنِي وَتَرْحَمَنِي وَتَجْعَلَنِي بِقِسْمِكَ راضِياً قانِعاً وَفِي جَمِيعِ الأَحْوالِ (٣) مُتَواضِعاً ، اللهُمَّ وَأَسْأَلُكَ سُؤَالَ مَنِ اشْتَدَّتْ فاقَتُهُ ، وَانْزَلَ بِكَ عِنْدَ الشَّدائِدِ حاجَتَهُ ، وَعَظُمَ فِيما عِنْدَكَ رَغْبَتُهُ.

اللهُمَّ عَظُمَ سُلْطانُكَ وَعَلا مَكانُكَ وَخَفِيَ مَكْرُكَ وَظَهَرَ امْرُكَ ، وَغَلَبَ جُنْدُكَ (٤) وَجَرَتْ قُدْرَتُكَ ، وَلا يُمْكِنُ الْفِرارُ مِنْ حُكُومَتِكَ ، اللهُمَّ لا أَجِدُ لِذُنُوبِي غافِراً وَلا لِقَبائِحِي ساتِراً ، وَلا لِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِي الْقَبِيحِ بِالْحَسَنِ مُبَدِّلاً غَيْرَكَ ، لا إِلهَ إِلاَّ انْتَ سُبْحانَكَ وَبِحَمْدِكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَتَجَرَّأْتُ بِجَهْلِي وَسَكَنْتُ الى قَدِيمِ ذِكْرِكَ لِي وَمَنِّكَ عَلَيَّ.

__________________

(١) من المصباح المتهجد.

(٢) ذليل ( خ ل ).

(٣) الأمور ( خ ل ).

(٤) قهرك ( خ ل ).

٣٣٢

اللهُمَّ وَمَوْلايَ كَمْ مِنْ قَبِيحٍ سَتَرْتَهُ وَكَمْ فادِحٍ (١) مِنَ الْبَلاءِ اقَلْتَهُ ، وَكَمْ مِنْ عِثارٍ وَقَيْتَهُ وَكَمْ مِنْ مَكْرُوهٍ دَفَعْتَهُ وَكَمْ مِنْ ثَناءٍ جَمِيلٍ لَسْتُ اهْلاً لَهُ نَشَرْتَهُ.

اللهُمَّ عَظُمَ بَلائِي وَافْرَطَ بِي سُوءُ حالِي وَقَصُرَتْ بِي اعْمالِي ، وَقَعَدَتْ بِي اغْلالِي ، وَحَبَسَنِي عَنْ نَفْعِي بُعْدُ آمالِي ، وَخَدَعَتْنِي الدُّنْيا بِغُرُورِها وَنَفْسِي بِخِيانَتِها (٢) وَمِطالِي (٣) يا سَيِّدِي.

فَأَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ الاَّ يَحْجُبَ عَنْكَ دُعائِي سُوءُ عَمَلِي وَفِعالِي ، وَلا تَفْضَحْنِي بِخَفِيِّ مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنْ سَرِيرَتِي (٤) ، وَلا تُعاجِلْنِي بِالْعُقُوبَةِ عَلى ما عَمِلْتُهُ فِي خَلَواتِي ، مِنْ سُوءِ فِعْلِي وَإِساءَتِي وَدَوامِ تَفْرِيطِي وَجَهالَتِي وَكَثْرَةِ شَهَواتِي وَغَفْلَتِي ، وَكُنِ اللهُمَّ بِعِزَّتِكَ لِي (٥) فِي كُلِّ الْأَحْوالِ رَؤُوفاً وَعَلَيَّ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ عَطُوفاً.

الهِي وَرَبِّي مَنْ لِي غَيْرُكَ ، أَسْأَلُهُ كَشْفَ ضُرِّي وَالنَّظَرَ فِي امْرِي ، الهِي وَمَوْلايَ اجْرَيْتَ عَلَيَّ حُكْماً اتَّبَعْتُ فِيهِ هَوى نَفْسِي وَلَمْ احْتَرِسْ فِيهِ مِنْ تَزْيِينِ عَدُوِّي ، فَغَرَّنِي بِما أَهْوى وَاسْعَدَهُ عَلى ذلِكَ الْقَضاءُ ، فَتَجاوَزْتُ بِما جَرى عَلَيَّ مِنْ ذلِكَ مِنْ نَقْضِ حُدُودِكَ (٦) وَخالَفْتُ بَعْضَ أَوامِرِكَ.

فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَيَّ فِي جَمِيعِ ذلِكَ ، وَلا حُجَّةَ لِي فِيما جَرى عَلَيَّ فِيهِ قَضاؤُكَ وَالْزَمَنِي حُكْمُكَ (٧) وَبَلاؤُكَ ، وَقَدْ أَتَيْتُكَ يا الهِي بَعْدَ تَقْصِيرِي وَاسْرافِي عَلى نَفْسِي ، مُعْتَذِراً نادِماً مُنْكَسِراً مُسْتَقِيلاً مُسْتَغْفِراً مُنِيباً مُقِرّاً مُذْعِناً مُعْتَرِفاً ، لا أَجِدُ مَفَرّاً مِمَّا كانَ مِنِّي ، وَلا مَفْزَعاً أَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ فِي امْرِي ، غَيْرَ قَبُولِكَ عُذْرِي

__________________

(١) فادح : نازل.

(٢) بجنايتها ، بحمايتها ( خ ل ).

(٣) مطله : سوّفه بوعد الوفاء مرة بعد أخرى.

(٤) سرى ( خ ل ).

(٥) بي ( خ ل ).

(٦) في المصباح : بعض حدودك.

(٧) الزمني فيه حكمك ( خ ل ).

٣٣٣

وَإِدْخالِكَ إِيَّايَ فِي سَعَةٍ مِنْ رَحْمَتِكَ.

الهِي فَاقْبَلْ عُذْرِي وَارْحَمْ شِدَّةَ ضُرِّي وَفُكَّنِي ، مِنْ شَدِّ (١) وَثاقِي ، يا رَبِّ ارْحَمْ ضَعْفَ بَدَنِي وَرِقَّةَ جِلْدِي وَدِقَّةَ عَظْمِي ، يا مَنْ بَدَأَ خَلْقِي وَذِكْرِي وَتَرْبِيَتِي وَبِرِّي وَتَغْذِيَتِي ، هَبْنِي لِابْتِداءِ كَرَمِكَ وَسالِفِ بِرِّكَ بِي.

الهِي وَسَيِّدِي وَرَبِّي أَتُراكَ مُعَذَّبِي بِالنَّارِ بَعْدَ تَوْحِيدِكَ وَبَعْدَ مَا انْطَوى عَلَيْهِ قَلْبِي مِنْ مَعْرِفَتِكَ ، وَلَهِجَ بِهِ لِسانِي مِنْ ذِكْرِكَ ، وَاعْتَقَدَهُ ضَمِيرِي مِنْ حُبِّكَ ، وَبَعْدَ صِدْقِ اعْتِرافِي وَدُعائِي خاضِعاً لِرُبُوبِيَّتِكَ ، هَيْهاتَ انْتَ اكْرَمُ مِنْ انْ تُضَيِّعَ مَنْ رَبَّيْتَهُ ، اوْ تُبَعِّدَ مَنْ ادْنَيْتَهُ اوْ تُشَرِّدَ مَنْ آوَيْتَهُ ، اوْ تُسَلِّمَ الَى الْبَلاءِ مَنْ كَفَيْتَهُ وَرَحْمَتَهُ.

وَلَيْتَ شِعْرِي يا سَيِّدِي وَالهِي وَمَوْلايَ أَتُسَلِّطُ النَّارَ عَلى وُجُوهٍ خَرَّتْ لِعَظَمَتِكَ ساجِدَةً ، وَعَلى الْسُنٍ نَطَقَتْ بِتَوْحِيدِكَ صادِقَةً وَبِشُكْرِكَ مادِحَةً ، وَعَلى قُلُوبٍ اعْتَرَفَتْ بِالهِيَّتِكَ مُحَقِّقَةً ، وَعَلى ضَمائِرَ حَوَتْ مِنَ الْعِلْمِ بِكَ حَتّى صارَتْ خاشِعَةً ، وَعَلى جَوارِحَ سَعَتْ الى أَوْطانِ تَعَبُّدِكَ طائِعَةً ، وَأَشارَتْ (٢) بِاسْتِغْفارِكَ مُذْعِنَةً ، ما هكَذَا الظَّنُّ بِكَ وَلا أُخْبِرْنا بِفَضْلِكَ عَنْكَ ، يا كَرِيمُ يا رَبِّ.

وَأَنْتَ تَعْلَمُ ضَعْفِي عَنْ قَلِيلٍ مِنْ بَلاءِ الدُّنْيا وَعُقُوباتِها وَما يَجْرِي فِيها مِنَ الْمَكارِهِ عَلى أَهْلِها عَلى انَّ ذلِكَ بَلاءٌ وَمَكْرُوهٌ قَلِيلٌ مَكْثُهُ ، يَسِيرٌ بَقاؤُهُ ، قَصِيرٌ مُدَّتُهُ ، فَكَيْفَ احْتِمالِي لِبَلاءِ الآخِرَةِ وَجَلِيلِ (٣) وُقُوعِ الْمَكارِهِ فِيها ، وَهُوَ بَلاءٌ تَطُولُ مُدَّتُهُ ، وَيَدُومُ مُقامُهُ ، وَلا يُخَفَّفُ عَنْ اهْلِهِ ، لِانَّهُ لا يَكُونُ الاّ عَنْ غَضَبِكَ وَانْتِقامِكَ وَسَخَطِكَ ، وَهذا ما لا تَقُومُ لَهُ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ ، يا سَيِّدِي فَكَيْفَ لِي وَانَا عَبْدُكَ الضَّعِيفُ الَّذِليلُ الْحَقِيرُ الْمِسْكِينُ الْمُسْتَكِينُ.

__________________

(١) أسر ( خ ل ).

(٢) أوطان توحيدك طائفة ، فأشارت ( خ ل ).

(٣) حلول ( خ ل ).

٣٣٤

يا الهِي وَرَبِّي وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ لِأَيِّ الأُمُورِ الَيْكَ اشْكُو ، وَلِما مِنْها اضِجُّ وَأَبْكِي ، لِأَلِيمِ الْعَذابِ وَشِدَّتِهِ ، أَمْ لِطُولِ الْبَلاءِ وَمُدَّتِهِ ، فَلَئِنْ صَيَّرْتَنِي فِي الْعُقُوباتِ (١) مَعَ أَعْدائِكَ ، وَجَمَعْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ اهْلِ بَلائِكَ ، وَفَرَّقْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَحِبَّائِكَ وَأَوْلِيائِكَ ، فَهَبْنِي يا الهِي وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ وَرَبِّي صَبَرْتُ عَلى عَذابِكَ ، فَكَيْفَ اصْبِرُ عَلى فِراقِكَ ، وَهَبْنِي صَبَرْتُ عَلى حَرِّ نارِكَ ، فَكَيْفَ اصْبِرُ عَنِ النَّظَرِ الى كَرامَتِكَ ، امْ كَيْفَ اسْكُنُ فِي النَّارِ وَرَجائِي عَفْوُكَ.

فَبِعِزَّتِكَ يا سَيِّدِي وَمَوْلايَ اقْسِمُ صادِقاً لَئِنْ تَرَكْتَنِي ناطِقاً لَاضِجَّنَّ الَيْكَ بَيْنَ أَهْلِها ضَجِيجَ الامِلِينَ (٢) ، وَلَاصَرُخَنَّ الَيْكَ صُراخَ الْمُسْتَصْرِخِينَ ، وَلَابْكِيَنَّ عَلَيْكَ بُكاءَ الْفاقِدِينَ ، وَلأنادِيَنَّكَ ايْنَ كُنْتَ يا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ ، يا غايَةَ آمالِ الْعارِفِينَ وَيا غِياثَ الْمُسْتَغِيثِينَ ، يا حَبِيبَ قُلُوبِ الصَّادِقِينَ وَيا إِلهَ الْعالَمِينَ.

افَتُراكَ سُبْحانَكَ يا الهِي وَبِحَمْدِكَ تَسْمَعُ فِيها صَوْتَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ ، سُجِنَ (٣) فِيها بِمُخالَفَتِهِ وَذاقَ طَعْمَ عَذابِها بِمَعْصِيَتِهِ وَحُبِسَ بَيْنَ أَطْباقِها بِجُرْمِهِ وَجَرِيرَتِهِ ، وَهُوَ يَضِجُّ الَيْكَ ضَجِيجَ مُؤَمِّلٍ لِرَحْمَتِكَ ، وَيُنادِيكَ بِلِسانِ اهْلِ تَوْحِيدِكَ وَيَتَوَسَّلُ الَيْكَ بِرُبُوبِيَّتِكَ.

يا مَوْلايَ فَكَيْفَ يَبْقى فِي الْعَذابِ وَهُوَ يَرْجُو ما سَلَفَ مِنْ حِلْمِكَ ، امْ كَيْفَ تُؤْلِمُهُ النَّارُ وَهُوَ يَأْمُلُ فَضْلَكَ وَرَحْمَتَكَ ، امْ كَيْفَ تُحْرِقُهُ لَهَبُها وَانْتَ تَسْمَعُ صَوْتَهُ وَتَرى مَكانَهُ ، امْ كَيْفَ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ زَفِيرُها وَانْتَ تَعْلَمُ ضَعْفَهُ ، امْ كَيْفَ يَتَقَلْقَلُ (٤) بَيْنَ أَطْباقِها وَانْتَ تَعْلَمُ صِدْقَهُ ، امْ كَيْفَ تَزْجُرُهُ زَبانِيَتُها (٥) وَهُوَ يُنادِيكَ يا رَبَّهْ ، امْ كَيْفَ يَرْجُو فَضْلَكَ فِي عِتْقِهِ مِنْها فَتَتْرُكُهُ فِيها.

هَيْهاتَ ما ذلِكَ الظَّنُّ بِكَ وَلا الْمَعْرُوفُ مِنْ فَضْلِكَ وَلا مُشْبِهٌ لِما عامَلْتَ

__________________

(١) للعقوبات ( خ ل ).

(٢) الالمين ( خ ل ).

(٣) يسجن ، يسجر ( خ ل ).

(٤) يتغلغل ( خ ل ) ، أقول : قلقل : صوّت ، غلغل : أسرع في سيره.

(٥) الزبانية : الملائكة التي دفع أهل النار إليها.

٣٣٥

بِهِ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ بِرِّكَ وَإِحْسانِكَ ، فَبالْيَقِينِ اقْطَعُ لَوْ لا ما حَكَمْتَ بِهِ مِنْ تَعْذِيبِ جاحِدِيكَ ، وَقَضَيْتَ بِهِ مِنْ إِخْلادِ مُعانِدِيكَ لَجَعَلْتَ النَّارَ كُلَّها بَرْداً وَسَلاماً وَما كانَ (١) لأَحَدٍ فِيها مَقَرّاً وَلا مُقاماً ، لكِنَّكَ تَقَدَّسَتْ أَسْماؤُكَ اقْسَمْتَ انْ تَمْلَأَها مِنَ الْكافِرِينَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ اجْمَعِينَ وَانْ تُخَلِّدَ فِيها الْمُعانِدِينَ ، وَانْتَ جَلَّ ثَناؤُكَ قُلْتَ مُبْتَدِئاً وَتَطَوَّلْتَ بِالإِنْعامِ مُتَكَرِّماً ، أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ.

الهِي وَسَيِّدِي فَأَسْأَلُكَ بِالْقُدْرَةِ الَّتِي قَدَّرْتَها وَبِالْقَضِيَّةِ الَّتِي حَتَمْتَها وَحَكَمْتَها ، وَغَلَبْتَ مَنْ عَلَيْهِ أَجْرَيْتَها انْ تَهَبَ لِي فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ وَفِي هذِهِ السَّاعَةِ كُلَّ جُرْمٍ اجْرَمْتُهُ (٢) ، وَكُلَّ ذَنْبٍ اذْنَبْتُهُ ، وَكُلَّ قَبِيحٍ اسْرَرْتُهُ وَكُلَّ جَهْلٍ عَمِلْتُهُ ، كَتَمْتُهُ اوْ اعْلَنْتُهُ ، اخْفَيْتُهُ اوْ اظْهَرْتُهُ ، وَكُلَّ سَيِّئَةٍ امَرْتَ بِإِثْباتِها الْكِرامَ الْكاتِبِينَ ، الَّذِينَ وكَّلْتَهُمْ بِحِفْظِ ما يَكُونُ مِنِّي ، وَجَعَلْتَهُمْ شُهُوداً عَلَيَّ مَعَ جَوارِحِي.

وَكُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيَّ مِنْ وَرائِهِمْ وَالشَّاهِدَ لِما خَفِيَ عَنْهُمْ ، وَبِرَحْمَتِكَ اخْفَيْتَهُ وَبِفَضْلِكَ سَتَرْتَهُ ، وَانْ تُوَفِّرَ حَظِّي مِنْ كُلِّ خَيْرٍ تُنْزِلُهُ ، اوْ إِحْسانٍ تُفْضِلُهُ ، اوْ بِرٍّ تَنْشُرُهُ اوْ رِزْقٍ تَبْسُطُهُ (٣) ، اوْ ذَنْبٍ تَغْفِرُهُ اوْ خَطَأٍ تَسْتُرُهُ.

يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ ، يا الهِي وَسِيِّدِي وَمَوْلايَ وَمالِكَ رِقِّي ، يا مَنْ بِيَدِهِ ناصِيَتِي ، يا عَلِيماً بِضُرِّي (٤) وَمَسْكَنَتِي ، يا خَبِيراً بِفَقْرِي وَفاقَتِي.

يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ وَقُدْسِكَ وَاعْظَمِ صِفاتِكَ وَأَسْمائِكَ انْ تَجْعَلَ أَوْقاتِي فِي اللَّيْلِ (٥) وَالنَّهارِ بِذِكْرِكَ مَعْمُورَةً وَبِخِدْمَتِكَ مَوْصُولَةً ، وَأَعْمالِي عِنْدَكَ مَقْبُولَةً ، حَتّى يَكُونَ أَعْمالِي وَأَوْرادِي (٦) كُلُّها وِرْداً واحِداً وَحالِي فِي

__________________

(١) كانت ( خ ل ).

(٢) اجترمته ( خ ل ) ، أقول : أجرم واجترم : أذنب.

(٣) أنزلته ، فضلته ، نشرته ، بسطته ( خ ل ).

(٤) بفقري ( خ ل ).

(٥) من الليل ( خ ل ).

(٦) إرادتي ( خ ل ).

٣٣٦

خِدْمَتِكَ سَرْمَداً.

يا سَيِّدِي يا مَنْ إِلَيْهِ مُعَوَّلِي ، يا مَنْ إِلَيْهِ شَكَوْتُ أَحْوالِي ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ ، قَوِّ (١) عَلى خِدْمَتِكَ جَوارِحِي ، وَاشْدُدْ عَلَى الْعَزِيمَةِ جَوانِحِي ، وَهَبْ لِيَ الْجِدَّ فِي خَشْيَتِكَ وَالدَّوامَ فِي الاتِّصالِ بِخِدْمَتِكَ ، حَتَّى اسْرَحَ (٢) الَيْكَ فِي مَيادِينِ السَّابِقِينَ ، وَاسْرَعَ الَيْكَ فِي الْمُبادِرِينَ (٣) ، وَاشْتاقَ الى قُرْبِكَ فِي الْمُشْتاقِينَ ، وَادْنُوَ مِنْكَ دُنُوَّ الْمُخْلِصِينَ ، وَأَخافَكَ مَخافَةَ الْمُوقِنِينَ (٤) ، وَاجْتَمِعَ فِي جِوارِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ.

اللهُمَّ وَمَنْ أَرادَنِي بِسُوءٍ فَارِدْهُ وَمَنْ كادَنِي فَكِدْهُ ، وَاجْعَلْنِي مِنْ احْسَنِ ( عِبادِكَ نَصِيباً ) عِنْدَكَ وَاقْرَبِهِمْ مَنْزِلَةً مِنْكَ وَاخَصِّهِمْ زُلْفَةً لَدَيْكَ ، فَإِنَّهُ لا يُنالُ ذلِكَ الاَّ بِفَضْلِكَ ، وَجُدْ لِي بِجُودِكَ وَاعْطِفْ عَلَيَّ بِمَجْدِكَ ، وَاحْفَظْنِي بِرَحْمَتِكَ ، وَاجْعَلْ لِسانِي بِذِكْرِكَ لَهِجاً وَقَلْبِي بِحُبِّكَ مُتَيَّماً (٥) ، وَمُنَّ عَلَيَّ بِحُسْنِ إِجابَتِكَ ، وَاقِلْنِي عَثْرَتِي ، وَاغْفِرْ زَلَّتِي ، فَإِنَّكَ قَضَيْتَ عَلى عِبادِكَ بِعِبادَتِكَ ، وَامَرْتَهُمْ بِدُعائِكَ وَضَمِنْتَ لَهُمُ الإِجابَةَ.

فَالَيْكَ يا رَبِّ نَصَبْتُ وَجْهِي ، وَالَيْكَ يا رَبِّ مَدَدْتُ يَدِي ، فَبِعِزَّتِكَ اسْتَجِبْ لِي دُعائِي وَبَلِّغْنِي مُنايَ ، وَلا تَقْطَعْ مِنْ فَضْلِكَ رَجائِي وَاكْفِنِي شَرَّ الْجِنِّ وَالانْسِ مِنْ أَعْدائِي ، يا سَرِيعَ الرِّضا اغْفِرْ لِمَنْ لا يَمْلِكُ الاَّ الدُّعاءُ ، فَإِنَّكَ فَعَّالٌ لِما تَشاءُ ، يا مَنِ اسْمُهُ دَواءٌ وَذِكْرُهُ شَفاءٌ وَطاعَتُهُ غِناً ، ارْحَمْ مَنْ رَأْسُ مالِهِ الرَّجاءُ وَسِلاحُهُ الْبُكاءُ.

يا سابِغَ النِّعَمِ ، يا دافِعَ النِّقَمِ ، يا نُورَ الْمُسْتَوْحِشِينَ فِي الظُّلَمِ ، يا عالِماً لا يُعَلَّمُ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَافْعَلْ بِي ما انْتَ اهْلُهُ ، وَصَلَّى اللهُ عَلى

__________________

(١) أقر ( خ ل ).

(٢) سرح الرجل : أخرج في أموره.

(٣) المبارزين ( خ ل ).

(٤) المؤمنين ( خ ل ).

(٥) تيّمه الحبّ : عبّده وذلّله.

٣٣٧

مُحَمَّدٍ وَالْأَئِمَّةِ الْمَيامِينَ مِنْ آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً (١).

أقول : وممّا يعمل ليلة النصف من شعبان بأرض كربلاء ما رويناه عن أبي القاسم رحمه‌الله من كتاب الزيارات عن سالم بن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من باب ليلة النصف من شعبان بأرض كربلاء ، يقرء ألف مرّة ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ويستغفر الله ألف مرة وبحمد الله ألف مرة ، ثم يقول فيصلّي أربع ركعات ، يقرء في كلّ ركعة ألف مرة آية الكرسي ، وكل الله عزّ وجلّ به ملكين يحفظانه من كلّ سوء ومن كلّ شيطان وسلطان ، ويكتبان له حسناته ، ولا يكتب عليه سيئة ويستغفران له ما داما معه (٢).

فصل (٥٢)

فيما نذكره من فضل زيارة الحسين صلوات الله عليه ليلة النصف من شعبان

اعلم انّ سبب تأخيرنا ذكر هذه الزيارة في هذا الموضع من فصول عمل ليلة النصف من شعبان ، وهذه الزيارة من أهمّ مهمات هذه الميقات ، لانّ الّذين يحتاجون في هذه اللّيلة إلى الصلوات والدعوات أكثر ممن يتهيّأ لهم زيارة الحسين صلوات الله عليه وآله من الجهات ، فقدّمنا ما هو أعمّ نفعا للعباد في سائر البلاد وذخر ما يختصّ بالزيارة وما يحصل بها في هذه الخزانة المصونة لمن وفق لها ، كما ذخر محمد صلوات الله عليه وآله وعلى عترته الطاهرين ، وهو سيد الأولين والآخرين في آخرهم وهو مقدّم عليهم أجمعين ، فنقول :

روينا بإسنادنا إلى محمد بن أحمد بن داود القمي ، المتفق على صلاحه وعلمه وعدالته ، تغمّده الله جلّ جلاله برحمته ، بإسناده إلى الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت علي بن الحسين عليهما‌السلام يقول :

__________________

(١) رواه في مصباح المتهجد ٢ : ٨٥٠ ـ ٨٤٤.

(٢) رواه في كامل الزيارات : ١٨١ ، عنه البحار ١٠١ : ٣٤٢ ، ١٠ : ٣٦٨.

٣٣٨

من أحبّ ان يصافحه مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي ، فليزر الحسين عليه‌السلام ليلة النصف من شعبان ، فإنّ الملائكة وأرواح النبيين يستأذنون الله في زيارته فيأذن لهم ، فطوبى لمن صافحهم وصافحوه ، منهم خمسة أولوا العزم من المرسلين : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلّى الله عليه وعليهم أجمعين ، قلت : لم سمّوا أولوا العزم؟ قال : لأنّهم بعثوا إلى شرقها وغربها وجنّها وأنسها (١).

ومن ذلك ما رويناه عن محمد بن داود القمي بإسناده عن ابن أبي عمير ، الذي ما كان في زمانه مثله ، عن معاوية بن وهب ، العبد الصالح المعظم في زهده وفضله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا كان أول يوم من شعبان نادى مناد من تحت العرش : يا وفد الحسين لا تخلو ليلة النصف من شعبان من زيارة الحسين عليه‌السلام ، فلو تعلمون ما فيها لطالت عليكم السنة حتّى يجيء النصف (٢).

ومن ذلك بإسنادنا إلى محمد بن داود بإسنادنا إلى يونس بن يعقوب قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا يونس ليلة النصف من شعبان يغفر لكل من زار الحسين عليه‌السلام من المؤمنين ما قدّموا من ذنوبهم وقيل لهم : استأنفوا العمل ، قال : قلت : هذا كلّه لمن زار الحسين عليه‌السلام في ليلة النصف من شعبان؟ قال : يا يونس لو خبّرت النّاس بما فيها لمن زار الحسين عليه‌السلام لقامت ذكور رجال على الخشب (٣).

أقول : لعلّ معنى قوله عليه‌السلام : لقامت ذكور رجال على الخشب ، أي كانوا قد صلبوا على الأخشاب لعظيم ما كانوا ينقلونه ويروونه في فضل زيارة الحسين عليه‌السلام في النصف من شعبان من عظيم فضل سلطان الحساب وعظيم نعيم دار الثواب الذي لا يقوم بتصديعه ضعف الألباب.

واعلم انّ الّذي استسلم له الحسين عليه‌السلام لمّا دعي إلى الشهادة وبذله من

__________________

(١) عنه البحار ١١ : ٥٨ ، ١٠١ ، ٩٣ ، رواه في التهذيب ٦ : ٤٨ ، كامل الزيارات : ١٧٩ ، وعنه الوسائل ١٠ : ٣٦٧ ، أخرجه في مدينة المعاجز : ٢٨٦ ، المزار الكبير : ١٦٧ ، مصباح الكفعمي : ٤٩٨ ، المزار للمفيد : ٥٠ ، أخرجه عن بعض المصادر البحار ١١ : ٥٨.

(٢) عنه البحار ١٠١ : ٩٨.

(٣) رواه في كامل الزيارات : ١٨١ ، عنه البحار ١٠١ : ٩٥ ، ١٠ : ٣٦٧.

٣٣٩

نفسه العزيزة من الأمور الخارقة العادة ، مع كونه عارفا بها قبل التعرّض لها بما أخبر به جدّه وأبوه صلوات الله عليهم بتلك الأهوال على التفصيل لا يستكثر له مهما أعطاه الله جلّ جلاله ، وأعطى لأجله زائريه الساعين لله جلّ جلاله على ما يريده الحسين عليه‌السلام من التعظيم والتبجيل ، فالّذي يستكثر العباد عند الله جلّ جلاله قليل ، فإنّه جلّ جلاله القادر لذاته الرحيم لذاته الكريم ، لذاته الذي لا ينقصه مهما أعطى من هباته ، بل يزيد في ملكه زيادة عطاياه وصلاته.

ومن أهمّ المهمات إخلاص الزائرين في هذه وتطهير النّيّات ، وان يكون الزّيارة لمجرّد أمر الله جلّ جلاله ، فالعبادة له جلّ جلاله بها والطاعة له في الموافقة له في التعظيم لها ، ويكون إذا زار مع كثرة الزائرين ، فكأنّه زار وحده دون الخلائق أجمعين ، فلا يكون ناظرة وخاطره متعلّقا بغير رب العالمين ، وهذا أمر شهد به صريح العقول من العارفين ، وقال جلّ جلاله ( وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (١).

ومن المنقول ما رويناه بإسنادنا إلى محمد بن داود القمي بإسناده إلى أبي عبد الله البرقي قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام : ما لمن زار الحسين بن علي عليه‌السلام في النصف من شعبان يريد به الله عزّ وجلّ وما عنده لا عند الناس ، قال : غفر الله له في تلك الليلة ذنوبه ولو انّها بعدد شعر معزى كلب (٢) ، ثم قيل له : جعلت فداك يغفر الله عزّ وجلّ له الذنوب كلّها؟ قال : أتستكثر لزائر الحسين عليه‌السلام هذا ، كيف لا يغفرها وهو في حدّ من زار الله عزّ وجلّ في عرشه (٣).

وفي حديث آخر عن الصادق عليه‌السلام : يغفر الله لزائر الحسين عليه‌السلام في نصف شعبان ما تقدّم من ذنبه وما تأخر (٤).

__________________

(١) البينة : ٥.

(٢) المعزى : المعز ، وكلب قبيلة.

(٣) عنه البحار ١٠١ : ٩٨.

(٤) عنه البحار ١٠١ : ٩٨ رواه في كامل الزيارات : ١٨١ عنه البحار ١٠١ : ٩٥.

٣٤٠