الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٣

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٣

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-428-1
الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٣

نصبت قليلا ونعّمت طويلا ، طوبى لك إذا كشف الغطاء عنك وأفضيت إلى جسيم ثواب ربّك الكريم وجاورت الجليل في دار السلام (١).

فصل (٨٤)

فيما نذكره من عمل الليلة الرابعة والعشرين من رجب

وجدناه في شرائع المسارّ وبضائع دار القرار ، مرويّا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ومن صلّى في اللّيلة الرابعة والعشرين من رجب أربعين ركعة بالحمد مرة و ( آمَنَ الرَّسُولُ ) مرة وسورة الإخلاص مرة كتب الله تعالى له ألف حسنة ومحي عنه ألف سيّئة ورفع ألف درجة وينزل من السماء ألف ملك رافعي أيديهم يصلّون عليه ويرزقه الله تعالى السلامة في الدنيا والآخرة وكأنّما أدرك ليلة القدر (٢).

فصل (٨٥)

فيما نذكره من فضل صوم أربعة وعشرين يوما من رجب

روينا ذلك بإسنادنا إلى أبي جعفر ابن بابويه رضوان الله عليه في كتاب ثواب الأعمال وأماليه بإسناده إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ومن صام من رجب أربعة وعشرين يوما ، فإذا نزل به ملك الموت عليه‌السلام يرى له في صورة شابّ أمرد ، عليه حلّة من ديباج أخضر على فرس من خيل الجنان وبيده حرير أخضر ممسّك بالمسك الأذفر ، وبيده قدح من ذهب مملوّ من شراب الجنان فسقاه إياه عند خروج نفسه يهون عليه سكرات الموت ، ثم يأخذ روحه في تلك الحريرة ، فيفوح منها رائحة يستنشقها أهل السماوات السبع فيظلّ في قبره ريّان ، ويبعث ريّان حتّى

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٨١ ، أمالي الصدوق : ٤٣٢ ، عنهما البحار ٩٧ : ٢٩.

(٢) عنه الوسائل ٨ : ٩٣ ، مصباح الكفعمي : ٥٢٤ عن مصباح الزائر.

٢٦١

يرد حوض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وروي ان يوم الرابع والعشرين من رجب كان فتح خبير على يد مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام.

فصل (٨٦)

فيما نذكره من عمل الليلة الخامسة والعشرين من رجب

وجدناه في سفر المسير إلى دار الرضا وخلع العفو عمّا مضى ، مرويّاً عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ومن صلّى في اللّيلة الخامسة والعشرين من رجب عشرين ركعة بين المغرب والعشاء الآخرة بالحمد مرة و ( آمَنَ الرَّسُولُ ) مرة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) مرة ، حفظه الله في نفسه وأهله ودينه وماله ودنياه وآخرته ولا يقوم من مقامه حتّى يغفر له (٢).

فصل (٨٧)

فيما نذكره من الرواية انّ يوم مبعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يوم الخامس والعشرين من رجب والتأويل لذلك على وجه الأدب

رويناه بإسنادنا إلى أبي جعفر محمد بن بابويه أسعده الله جلّ جلاله بأمانة ، فيما ذكره في كتاب المقنع من نسخة نقلت في زمانه فقال ما هذا لفظه :

وفي خمسة وعشرين من رجب بعث الله محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة مائتي سنة.

أقول : و

ذكر مصنّف كتاب دستور المذكورين عن مولانا علي عليه‌السلام انه قال : من صام يوم خمس وعشرين من رجب كان كفّارة مائتي سنة ، وفيه بعث محمد صلّى

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٨١ ، أمالي الصدوق : ٤٣٢ ، عنهما البحار ٩٧ : ٢٩.

(٢) عنه الوسائل ٨ : ٩٣ ، مصباح الكفعمي : ٥٢٤ عن مصباح الزائر.

٢٦٢

الله عليه وآله.

وروي أيضاً أبو جعفر محمد بن بابويه في كتاب المرشد ، وعندنا به نسخة عليها خطّ الفقيه قريش بن اليسع مهنّا العلوي في باب صوم رجب ما هذا لفظه : وقال محمد بن أحمد بن يحيى في جامعه : وجدت في كتاب ـ ولم أروه ـ انّ في خمسة وعشرين من رجب بعث الله محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن صام ذلك اليوم كان له كفّارة مائتي سنة.

واعلم انّي وجدت من أدركته من العلماء عاملين انّ يوم مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم سابع وعشرين من رجب غير مختلفين في تحقيق هذا اليوم وإقباله ، وانّما هذا الشيخ محمد بن بابويه رضي‌الله‌عنه قوله معتمد عليه.

فلعلّ تأويل الجمع بين الروايات ان يكون بشارة الله جلّ جلاله للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انّه يبعث رسولاً في يوم سابع عشرين ، كانت البشارة بذلك يوم الخامس والعشرين من رجب ، فيكون يوم الخامس والعشرين أوّل وقت البشارة بالبعثة له من رب العالمين.

وممّا ينبّه على هذا التأويل تفضيل ثواب يوم الخامس والعشرين على اليوم السابع والعشرين ، وقد قدمنا رواية ابن بابويه ، وذكر جدّي أبو جعفر الطوسي قدس الله سرّه :

ان من صام يوم الخامس والعشرين من رجب كان كفّارة مائتي سنة (١).

فصل (٨٨)

فيما نذكره من فضل صوم اليوم الخامس والعشرين من رجب ، غير ما بيّناه

رواه الشيخ جعفر بن محمد الدوريستي في كتاب الحسني بإسناده إلى الشيخ الثقة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي رضوان الله عليه عن مولانا الرضا عليه‌السلام قال : من صام خمساً وعشرين يوماً من رجب جعل الله صومه ذلك اليوم كفّارة سبعين سنة.

__________________

(١) مصباح المتهجد ٢ : ٨٢٠.

٢٦٣

أقول : فلا بدّ ان يكون تعظيم صوم هذا اليوم الخامس والعشرين ، دالاّ على انّه معظّم عند ربّ العالمين وسيّد المرسلين.

فصل (٨٩)

فيما نذكره من فضل صوم خمسة وعشرين يوما من رجب ، غير ما أوضحناه

رويناه بإسنادنا إلى أبي جعفر ابن بابويه رحمة الله عليه في كتاب ثواب الأعمال وأماليه فيما رواه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ومن صام من رجب خمسة وعشرين يوما فإنّه إذا خرج من قبره تلقّاه سبعون ألف ملك ، بيد كلّ ملك منهم لواء من درّ وياقوت ومعهم طرائف الحلي والحلل ، فيقولون :

يا ولي الله النجاة إلى ربّك ، فهو من أول الناس دخولا في جنّات عدن مع المقرّبين الذين رضي‌الله‌عنهم ورضوا عنه ذلك هو الفوز العظيم (١).

فصل (٩٠)

فيما نذكره من عمل الليلة السادسة والعشرين من رجب

وجدناه في طرق التشريف بالتكليف مرويّا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ومن صلّى في اللّيلة السادسة والعشرين من رجب اثنتي عشرة ركعة بالحمد وأربعين مرة ـ وفي رواية أربع مرات ـ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ، صافحته الملائكة ، ومن صافحته الملائكة أمن من الوقوف على الصراط والحساب والميزان ، ويبعث الله إليه سبعين ملكا يستغفرون له ويكتبون ثوابه ويهلّلون لصاحبه ، وكلّما تحرك عن مكانه يقولون : اللهم اغفر لهذا العبد ، حتى يصبح (٢).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٨١ ، أمالي الصدوق : ٤٣٢ ، عنهما البحار ٩٧ : ٣٠.

(٢) عنه الوسائل ٨ : ٩٣ ، مصباح الكفعمي : ٥٢٤ عن مصباح الزائر.

٢٦٤

فصل (٩١)

فيما نذكره من فضل صوم اليوم السادس والعشرين من رجب

روى ذلك الشيخ جعفر بن محمد الدوريستي في كتاب الحسني بإسناده إلى الرضا عليه‌السلام قال : ومن صام يوم السادس والعشرين من رجب جعل الله صومه ذلك اليوم كفارة ثمانين سنة.

فصل (٩٢)

فيما نذكره من فضل صوم ستّة وعشرين يوما من رجب

روينا ذلك بإسنادنا إلى أبي جعفر ابن بابويه رحمه‌الله في كتاب ثواب الأعمال وأماليه بإسناده إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ومن صام من رجب ستّة وعشرين يوما بني الله عزّ وجلّ له في ظلّ عرشه مائة قصر من درّ وياقوت ، على رأس كلّ قصر خيمة حمراء من حرير الجنان ، يسكنها ناعماً والناس في الحساب (١).

فصل (٩٣)

فيما نذكره من عمل ليلة سبع وعشرين من رجب

اعلم ان من أفضل الأعمال فيها زيارة مولانا علي أمير المؤمنين عليه‌السلام فيزار فيها زيارة رجب أو بغيرها ممّا أشرنا إليه ومن عمل هذه اللّيلة ممّا رويناه عن الثقات في عدة روايات :

منها : ما رواه محمد بن علي الطرازي فقال في كتابه ما هذا لفظه : عدّة من أصحابنا

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٨١ ، أمالي الصدوق : ٤٣٢ ، عنهما البحار ٩٧ : ٣٠.

٢٦٥

قالوا : حدثنا القاضي عبد الباقي بن قانع بن مروان ، قال ، حدثني مروان ، قال : حدثني محمد بن زكريا الغلابي ، قال : حدثنا محمد بن عفير العنبيّ ، عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام.

وحدثنا أبو المفضّل محمد بن عبد الله رحمه‌الله إملاءً ببغداد ، قال : حدثنا جعفر بن علي بن سهل بن فروخ أبو الفضل الدقاق ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن زكريا الغلابي ، عن العباس بن بكار ، عن محمد بن عفير الضّبيّ ، عمن حدثه عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام.

وأخبرنا محمد بن وهبان ، قال : حدّثنا محمد بن عفير الضبي ، عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام قال : قال : انّ في رجب ليلة هي خير للناس مما طلعت عليه الشمس وهي ليلة سبع وعشرين منه ، نبّئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في صبيحتها ، وانّ للعامل فيها أصلحك الله من شيعتنا مثل أجر عمل ستّين سنة ، قيل : وما العمل فيها؟ قال : إذا صلّيت العشاء الآخرة وأخذت مضجعك ثم استيقظت أيّ ساعة من ساعات الليل كانت قبل زواله أو بعده ، صلّيت اثني عشر ركعة باثنتي عشر سورة من خفاف المفصّل من بعد يس إلى الحمد.

فإذا فرغت بعد كلّ شفع جلست بعد التسليم وقرأت الحمد سبعاً ، والمعوذتين سبعاً ، و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) سبعاً ، و ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) سبعاً ، و ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ ) سبعا ، وآية الكرسي سبعا ، وقلت بعد ذلك من الدعاء :

( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ ) صاحِبَةً وَلا ( وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ) ، اللهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِمَعاقِدِ الْعِزِّ عَلى أَرْكانِ عَرْشِكَ وَمُنْتَهى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتابِكَ ، وَبِاسْمِكَ الاعْظَمِ الاعْظَمِ الاعْظَمِ ، وَبِذِكْرِكَ الأَعْلى الأَعْلى الأَعْلى ، وَبِكَلِماتِكَ التَّامَّاتِ الَّتِي تَمَّتْ صِدْقاً وَعَدْلاً انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَانْ تَفْعَلَ بِي ما انْتَ اهْلُهُ.

وادع بما شئت (١) فإنك لا تدعو بشيء إلاّ أجبت ، ما لم تدع بمأثم أو قطيعة رحم أو

__________________

(١) أحببت ( خ ل ).

٢٦٦

هلاك قوم مؤمنين وتصبح صائما وانه يستحبّ لك صومه فإنه يعادل صوم سنة (١).

فصل (٩٤)

فيما نذكره من صلاة أخرى في ليلة سبع وعشرين من رجب

رويناها بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي فيما رواه عن صالح بن عقبة عن أبي الحسن عليه‌السلام انّه قال : صلّ ليلة سبع وعشرين من رجب أيّ وقت شئت من الليل اثنتي عشر ركعة ، وتقرء في كلّ ركعة الحمد والمعوذتين و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) أربع مرات ، فإذا فرغت قلت وأنت في مكانك اربع مرات : لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحانَ اللهِ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، ثم ادع بما شئت (٢). (٣)

فصل (٩٥)

فيما نذكره أيضا من صلاة أخرى ليلة سبع وعشرين من رجب

وجدناها في مواطن الاجتهاد في الظفر بسعادة المعاد ، مرويّا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من صلّى في الليلة السابعة والعشرين من رجب اثنتي عشرة ركعة ، يقرء في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرة و ( سَبِّحِ اسْمَ ) عشر مرات ، و ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) عشر مرات ، فإذا فرغ من صلاته صلّى على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مائة مرة ، واستغفر الله تعالى مائة مرة ، كتب الله سبحانه وتعالى له ثواب عبادة الملائكة (٤).

أقول : وقد تقدّمت روايتنا في ليلة النصف من رجب عن حريز بن عبد الله عن

__________________

(١) مصباح المتهجد ٢ : ٨٢٠ ، عنه الوسائل ٨ : ١١١.

(٢) أحببت ( خ ل ).

(٣) مصباح المتهجد ٢ : ٨٢١ ، عنه الوسائل ٨ : ١١١.

(٤) عنه الوسائل ٨ : ٩٣ ، مصباح الكفعمي : ٥٢٤ عن مصباح الزائر.

٢٦٧

الصادق عليه‌السلام باثنتي عشرة ركعة على الوصف الّذي ذكرناه.

ذكر محمد بن علي الطرازي انّها تصلّى ليلة سبع وعشرين من رجب أيضا ، وقال :

فإذا فرغت قرأت وأنت جالس الحمد اربع مرات ، وسورة الفلق أربعا والإخلاص أربعا ، ثم قل : اللهُ اللهُ رَبِّي لا اشْرِكُ بِهِ شَيْئاً اربع مرات ، ثم ادع بما تريده.

فصل (٩٦)

فيما نذكره من تعظيم اليوم السابع والعشرين من رجب بالمعقول

اعلم انّ الرحمة التي نشرت على العباد وبشّرت بسعادة الدنيا والمعاد بالاذن لسيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى ذريته الطاهرين ، في انّ يظهر رسالته عن رب العالمين إلى الخلائق أجمعين ، كانت السعادة بإشراق شموسها وتعظيمها وتقديمها على قدر ما أحيى الله جلّ جلاله بنبوّته من موات الألباب وأظهر بقدس رسالته من الآداب وفتح بهدايته من الأبواب إلى الصواب.

وذلك مقام يعجز عن بيانه منطق اللسان والقلم والكتاب ، ولا تحصيه الخواطر ولا تطّلع على معانيه البصائر ، ولا تعرف له عددا ، ( قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً. ) (١) وأنت إذا أنصفت علمت انّ الأمم كانت تائهة في الضّلال وقد أحاط بهم استحقاق الاستئصال ، وقد كانت اليهود في قيود ضلالها لمخالفة موسى عليه‌السلام ، والنصارى هالكة بسوء مقالها في عيسى عليه‌السلام ، والعرب ومن تابعها سالكة سبيل الدواب والانعام وفاقدة لفوائد الأحلام بعبادة الأصنام ، وبحر الغضب من الله جلّ جلاله قد أشرف على أرواح أهل العدوان ، وأمواج العطب قد أحاطت بنفوس ذوي الطّغيان ، ونيران العذاب قد تعلّقت بالرقاب وسعت إلى الفتك بالأجساد ، ورسل الانتقام قد أشمتت بأهل الإلحاد والعناد وقلوب الأعداء والحسّاد وأهل الضلال ذوو

__________________

(١) الكهف : ١٠٩.

٢٦٨

عيون غير ناظرة وعقول غير حاضرة وقلوب غير باصرة وجوارح غير ناضرة ، وقد خذل بعض بعضاً بلسان الحال من شدّة تلك الأهوال.

فبعث محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله من مجلس الغضب والمقت والعذاب وانكاله إلى الأمم المتعرّضة بتعجيل العقاب واستيصاله ، وهو واحد في العيان منفرد عن الاخوان والأعوان ، يريد مقاتلة جميع من في الوجود من أهل الجحود ، برأي قد احتوى على مسالك الآراء واستوى على ممالك الأقوياء ، وجنان قد خضع له إمكان الابطال ، وبيان قد خشع له لسان أهل المقال والفعال ، ونور قد رجعت جيوش الظلمات به مكسورة ورءوس الجهالات بلهبه مقهورة ، وقدم قد مشى على الرءوس والنفوس وهم (١) قد حكمت بإزالة الضرر والنحوس.

فسرى نسيم ارج (٢) ذلك التمكين والتلقين ، وروّج حياة ذلك السبق للأولين والآخرين ، في اليوم السابع والعشرين من رجب بالعجب وشرف المنقلب ، فاستنشقه (٣) عقول كانت هامدة أو بائدة ، واستيقظت به قلوب كانت راقدة ، وجرى شراب العافية بكأس آرائه العالية في أماكن أسقام الأنام فطردها وأحاط بجيوش النّحوس فشرّدها ، وتهدّد نفوس العقول المتهجّمة على العقول فأبعدها ، حتّى الّفها بعد الافتراق في الآفاق وعطفها على الوفاق والاتّفاق وأجلسها على بساط الوداد والاتّحاد وحماها عن مهاوي الهلكة والفساد.

فما ظنّك بمن هذا بعض أوصافه ، ومن ذا يقدر على شرح ما شرّفه الله جلّ جلاله به من ألطافه ، وبأيّ بيان أو لسان أو جنان يقدر على وصف مواهبه واسعافه ، ولقد دعونا العقل إلى الكشف فذهل ، فدعونا القلب إلى الوصف فوجل ، فدعونا اللسان إلى البيان فاستقال ، فدعونا القلم إلى الإمكان فذلّ وتزلزل وزال ، فدعونا الجوارح جارحة بعد جارحة فشردت عنّا هاربة ونازحة.

__________________

(١) همم ( خ ل ).

(٢) أرج تأرّج : فاحت منه رائحة طيبة ، فهو ارج.

(٣) واستنشقه ( خ ل ).

٢٦٩

فاستسلمنا لما يدلّ عليه لسان الحال من كمال ذلك الإقبال واستعنّا بصاحب القوّة المعظمة لذاته ان يعرّفنا قدر ذلك اليوم السّعيد وجسيم هباته وصلاته ، وان يعلّمنا كيفيّة الشكر على ما عجزنا عن وصفه ، ويلهمنا كشف ما أقررنا بالقصور عن كشفه ، ويقبل بنا على ما يريد من القبول وتعظيم المرسل والرسول.

فصل (٩٧)

فيما نذكره من تعظيم اليوم السابع والعشرين من رجب بالمنقول

روينا بإسنادنا إلى أبي جعفر محمد بن بابويه بإسناده في أماليه إلى الصادق عليه‌السلام قال : ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب الله له أجر صيام سبعين سنة (١).

وروى ذلك أيضا جعفر بن محمد الدوريستي بإسناده في كتاب الحسني إلى علي بن النعمان ، عن عبد الله بن طلحة ، عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : صيام يوم سبعة وعشرين من رجب يعدل عند الله صيام سبعين سنة.

وممّا رويناه في تعظيم صوم هذا اليوم بإسنادنا إلى شيخنا المفيد رحمه‌الله فيما ذكره في التواريخ الشرعيّة من نسخة قد كتبت في حياته عند ذكر رجب فقال ما هذا لفظه :

وفي اليوم السابع والعشرين منه كان مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن صامه كتب الله له صيام ستّين سنة.

أقول : وينبّه على تعظيم هذا اليوم ما رويناه في ليلة أنّها خير للنّاس مما طلعت عليه الشمس ، فإذا كانت اللّيلة الّتي جاورته بلغت إلى هذا التعظيم فكيف يكون اليوم الذي هو سبب في تعظيمها عند أهل الصراط المستقيم.

وروينا بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي رضي‌الله‌عنه فيما رواه عن الحسن بن راشد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : غير هذه الأعياد شيء؟ قال : نعم أشرفها وأكملها ، اليوم الذي بعث فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : قلت : فأيّ يوم هو؟

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٣٤٩ ، عنه البحار ٩٧ : ٣٤.

٢٧٠

قال : ان الأيام تدور وهو يوم السّبت لسبع وعشرين من رجب ، قال : قلت : فما نفعل فيه؟ قال : تصوم وتكثر الصلاة على محمد وآله عليهم‌السلام (١).

وذكر الشيخ أبو جعفر محمد بن بابويه في كتاب ثواب الأعمال وفي أماليه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ومن صام من رجب سبعة وعشرين يوماً أوسع الله عليه القبر مسيرة أربعمائة عام ، وملأ جميع ذلك مسكاً وعنبراً (٢).

فصل (٩٨)

فيما نذكره من تأويل من روى ان صوم يوم مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعدل ثوابه ستّين شهراً

اعلم انّ تعظيم يوم مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أعظم من ان يحيط به الإنسان بمقالة ثواب الصائمين لهذا اليوم العظيم ، فامّا من ذكر انّ صومه بستّين شهراً فيحتمل ان يكون معناه ان صومه يعدل ثواب ما يعمل الإنسان في الستّين شهراً من جميع طاعاته ، وذلك عظيم لا يعلم تفصيله الاّ الله العالم لذاته ولم يقل في الحديث انّه يعدل صوم ستين شهرا.

ويحتمل أيضا إذا حملناه ان يعدل ثواب صوم ستّين شهراً ، ان يكون مقدار ثواب الصائمين لهذا اليوم العظيم قدراً على ما يبلغه كلّ صائم له من الطريق التي يعرف بها فضله ، فان المطيعين لربّ العالمين ولسيد المرسلين يتضاعف أعمالهم بحسب تفاضلهم في اليقين وإخلاص المتّقين والمراقبين ، فيكون الثواب الضعيف في التّعريف ستّين شهراً لقصوره عن معرفة قدر هذا الثواب الشريف.

وينبّه على ذلك ما ذكره جعفر بن محمد الدوريستي في كتاب الحسني بإسناده قال :

قال الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام : لا تدع صوم سبعة وعشرين من رجب فإنه اليوم الذي أنزلت فيه النبوة على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وثوابه مثل ستّين شهرا

__________________

(١) مصباح المتهجد ٢ : ٨٢٠ ، الكافي ٤ : ١٤٨ ، الفقيه ٢ : ٩٠.

(٢) ثواب الأعمال : ٨١ ، أمالي الصدوق : ٤٣٢ ، عنهما البحار ٩٧ : ٣٠.

٢٧١

لكم (١).

أقول : وفي قوله عليه‌السلام : مثل ستّين شهراً لكم ، إشارة واحتمال لما ذكرناه من تأويل هذا المقال.

وذكر أبو جعفر محمد بن بابويه في كتاب المرشد ، وهو كتاب حسن ، ما هذا لفظه :

وفي سبعة وعشرين نزلت النبوة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وثوابه كفارة ستّين شهراً ، هذا لفظه : نزلت النبوّة.

فصل (٩٩)

فيما نذكره من غسل وصلاة وعمل في اليوم السابع والعشرين من رجب

اعلم انّ الغسل في هذا اليوم الشريف من شريف التكليف.

ومن عمل هذا اليوم زيارة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد روينا في أوّل ليلة من رجب زيارة عامّة في الشهر كلّه ، فيزار مولانا علي عليه‌السلام بها أو بغيرها ممّا ذكرناه في كتاب مصباح الزائر ، فقد ذكرنا فيه زيارة تختصّ بهذا اليوم وعظيم فضله.

وامّا الصلوات فيه : فذكر شيخنا المفيد في الرسالة العزيّة صلاة يوم المبعث وقال : انها تصلّي صدر النهار ، وقال الشيخ سلمان بن الحسن في كتاب البداية عند ذكر صلاة يوم المبعث انّها تصلّى قبل الزوال.

فأحببت أن يكون عند العامل بذلك معرفة بهذه الحال ، وسيأتي في رواية ابن يعقوب الكليني انّه يصلّيها أيّ وقت شاء ، يعني من يوم المبعث.

ونحن نذكر منها عدة روايات وان اتّفقت في عدد الركعات فإنّها تختلف في بعض المرادات.

فمن ذلك ما رواه محمد بن علي الطرازي رحمه‌الله في كتابه فقال : صلاة يوم سبعة وعشرين من رجب ، وهو اليوم الذي بعث فيه سيّدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أبو

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٦٨ ، فضائل الأشهر الثلاثة : عنهما البحار ٩٧ : ٣٧.

٢٧٢

العباس أحمد بن علي بن نوح رضي‌الله‌عنهقال : حدثني أبو أحمد المحسن بن عبد الحكم السنجري ، وكتبته من أصل كتابه ، قال في نسخته : نسخت من كتاب أبي نصر جعفر بن محمد بن الحسن بن الهيثم ، وذكر انه خرج من جهة أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه ، ان الصلاة يوم سبعة وعشرين من رجب اثنتا عشرة ركعة ، يقرء في كلّ ركعة فاتحة الكتاب وما تيسّر من السّور ويسلّم ويجلس ويقول بين كل ركعتين :

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ، يا عُدَّتِي فِي مُدَّتِي وَيا صاحِبِي فِي شِدَّتِي ، يا وَلِيِّي فِي نِعْمَتِي ، يا غِياثِي فِي رَغْبَتِي ، يا مُجِيبِي فِي حاجَتِي ، يا حافِظِي فِي غَيْبَتِي ، يا كالِئِي فِي وَحْدَتِي ، يا انْسِي فِي وَحْشَتِي.

أَنْتَ السَّاتِرُ عَوْرَتِي ، فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَانْتَ الْمُقِيلُ عَثْرَتِي فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَانْتَ الْمُنَفِّسُ صَرْعَتِي فَلَكَ الْحَمْدُ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاسْتُرْ عَوْرَتِي ، وَاقِلْنِي عَثْرَتِي ، وَاصْفَحْ عَنْ جُرْمِي وَتَجاوَزْ عَنْ سَيِّئاتِي فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ ، وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ.

فإذا فرغت من الصلاة والدعاء قرأت الحمد و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) و ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) والمعوذتين و ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) وآية الكرسي سبعا سبعاً ، ثم تقول : اللهُ اللهُ رَبِّي لا اشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، سبع مرات ، ثم ادع بما أحببت.

ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ محمد بن يعقوب الكليني رضي‌الله‌عنه بإسناده في كتاب الصلاة إلى الصادق عليه‌السلام فقال ما هذا لفظه : قال : وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : يوم سبعة وعشرين من رجب نبّئ فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، من صلّى فيه أيّ وقت شاء اثني عشر ركعة ، يقرء في كلّ ركعة بأمّ الكتاب ويس ، فإذا فرغ جلس مكانه ثم قرأ أمّ القرآن اربع مرات ، فإذا فرغ وهو في مكانه قال : لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحانَ اللهِ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ـ اربع مرات ، ثم يقول : اللهُ رَبِّي لا اشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، اربع مرات ، ثم تدعو ، فإنك لا تدعو

٢٧٣

بشيء الاّ استجيب لك في كلّ حاجة ، الاّ ان تدعو في جائحة (١) قوم أو قطيعة رحم (٢).

أقول : وينبغي ان تزور سيّدنا رسول الله ومولانا علي بن أبي طالب عليهما‌السلام في يوم المبعث بالزيارتين اللّتين ذكرناهما لهما عليهما‌السلام في عمل اليوم السابع عشر من ربيع الأول من هذا الجزء.

أقول : ومن الصلاة في اليوم السابع والعشرين من رجب الموافقة لبعض الروايات في شيء من المرادات والمفارقة لها في بعض الصفات ، ما رويناه بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي رضي‌الله‌عنه بإسناده إلى الريان بن الصلت قال : صام أبو جعفر الثاني عليه‌السلام لمّا كان ببغداد يوم النصف من رجب ويوم سبع وعشرين منه ، وصام جميع حشمه وأمرنا أن نصلّي الصلاة التي هي اثنتا عشرة ركعة ، يقرء في كلّ ركعة بالحمد وسورة ، فإذا فرغت قرأت الحمد أربعا و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) والمعوّذتين أربعا وقلت : لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ وَسُبْحانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ ، وَسُبْحانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ـ أربعاً ، اللهُ رَبِّي لا اشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ـ أربعاً ، لا اشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً ـ أربعاً (٣).

ومن ذلك ما رويناه أيضا بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي رضي‌الله‌عنه بإسناده إلى أبي القاسم بن روح رحمة الله عليه قال : تصلّي في هذا اليوم اثنتي عشرة ركعة تقرء في كلّ ركعة فاتحة الكتاب وما تيسّر من السور وتتشهّد وتسلّم وتجلس وتقول بين كل ركعتين : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ، يا عُدَّتِي فِي مُدَّتِي ، وَيا صاحِبِي فِي شِدَّتِي ،

__________________

(١) الجائحة : المصيبة المستأصلة التي تستأصل المال أو الناس.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٩ ، عنه الوسائل ٨ : ١١١ ، رواه المفيد في مسار الشيعة : ٧٢.

(٣) مصباح المتهجد ٢ : ٨١٦.

٢٧٤

وَيا وَلِيِّي فِي نِعْمَتِي ، وَيا غِياثِي فِي رَغْبَتِي ، يا نَجاتِي فِي حاجَتِي ، يا حافِظِي فِي غَيْبَتِي ، يا كالِئِي فِي وَحْدَتِي ، يا انْسِي فِي وَحْشَتِي.

أَنْتَ السَّائِرُ عَوْرَتِي فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنْتَ الْمُقِيلُ عَثْرَتِي فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنْتَ الْمُنْعِشُ صَرْعَتِي فَلَكَ الْحَمْدُ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاسْتُرْ عَوْرَتِي وَآمِنْ رَوْعَتِي ، وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي وَاصْفَحْ عَنْ جُرْمِي ، وَتَجاوَزْ عَنْ سَيِّئاتِي ، فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ.

فإذا فرغت من الصلاة والدعاء قرأت الحمد والإخلاص والمعوّذتين و ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) و ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ ) وآية الكرسي سبع مرات ثم تقول : لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ وَسُبْحانَ اللهِ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ـ سبع مرات ، ثم تقول سبع مرات : اللهُ اللهُ رَبِّي لا اشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، وتدعو بما أحببت (١).

أقول : وهذه الرّواية مناسبة لما سلف وانّما بعض التعقيب مؤتلف ومختلف : ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى شيخنا المفيد رحمه‌الله من كتاب المقنعة فقال : باب صلاة يوم المبعث ، وهو اليوم السابع والعشرون من رجب ، بعث الله عزّ وجلّ فيه نبيّه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله فعظّمه وشرّفه وقسّم فيه جزيل الثواب وآمن فيه من عظيم العقاب ، فورد عن آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم انّه من صلّى فيه اثنتي عشرة ركعة ، يقرء في كلّ ركعة فاتحة الكتاب وسورة يس ، فإذا فرغ منها جلس في مكانه ، ثم قرأ أمّ الكتاب اربع مرّات وسورة الإخلاص والمعوّذتين ، كلّ واحدة منهنّ اربع مرّات ، ثم قال : الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ ، وَسُبْحانَ اللهِ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ـ اربع مرات ، ثم قال : سُبْحانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ ، اللهُ اللهُ رَبِّي لا اشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ـ اربع مرات ، ثم يدعو ، فلا يدعو بشيء الاّ استجيب له الاّ ان يدعو في جائحة (٢) قوم أو قطيعة رحم (٣).

__________________

(١) مصباح المتهجد ٢ : ٨١٧ ، عنه المستدرك الوسائل ٦ : ٢٩٢.

(٢) الجائحة : الآفة.

(٣) المقنعة : ٣٧.

٢٧٥

وذكر شيخنا المفيد في كتاب التواريخ الشرعية مثل هذه الصّلاة على السّواء ، الاّ انّه قال في آخرها : فإذا فرغ من هذه الصلاة قرء في عقيبها فاتحة الكتاب ثلاث مرات والمعوّذات الثلاث اربع مرات ، وقال : سُبْحانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ ـ اربع مرات ، وقال : اللهُ اللهُ رَبِّي لا اشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ـ اربع مرّات ، ثم دعا ، استجيب له في كلّ ما يدعو به الاّ ان يدعو بجائحة قوم أو قطيعة رحم ، وهو يوم شريف عظيم البركة ، ويستحبّ فيه الصدقة والتطوّع بالخيرات وإدخال السرور على أهل الإيمان ، ويستحبّ ان يدعو في هذا اليوم ، وهو يوم مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الدعاء.

ورواه محمد بن علي الطرازي بإسناده إلى أبي علي بن إسماعيل بن يسار قال : لمّا حمل موسى عليه‌السلام إلى بغداد ، وكان ذلك في رجب سنة تسع وسبعين ومائة دعا بهذا الدّعاء ، وهو من مذخور أدعية رجب ، وكان ذلك يوم السابع والعشرين منه يوم المبعث صلّى الله على المبعوث فيه وآله وسلم ، وهو هذا : يا مَنْ أَمَرَ بِالْعَفْوِ وَالتَّجاوُزِ ، وَضَمِنَ نَفْسَهُ الْعَفْوَ وَالتَّجاوُزَ ، يا مَنْ عَفى وَتَجاوَزَ ، اعْفُ عَنِّي وَتَجاوَزْ يا كَرِيمُ ، اللهُمَّ وَقَدْ أَكْدَى (١) الطَّلَبُ وَاعْيَتِ الْحِيلَةُ وَالْمَذْهَبُ وَدَرَسَتِ الآمالُ وَانْقَطَعَ الرَّجاءُ إِلاَّ مِنْكَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ.

اللهُمَّ إِنِّي أَجِدُ سُبُلَ الْمَطالِبِ الَيْكَ مُشْرَعَةٌ (٢) ، وَمَناهِلَ (٣) الرَّجاءِ لَدَيْكَ مُتْرَعَةٌ (٤) ، وَأَبْوابَ الدُّعاءِ لِمَنْ دَعاكَ مُفَتَّحَةٌ ، وَالاسْتِعانَةَ لِمَنِ اسْتَعانَ بِكَ مُباحَةٌ.

وَاعْلَمُ انَّكَ لِداعِيكَ بِمَوْضِعِ إِجابَةٍ وَلِلصّارِخِ الَيْكَ بِمَرْصَدِ إِغاثَةٍ ، وَانَّ فِي

__________________

(١) اكدى : بخل أو قلّ خيره.

(٢) مشرعة : مفتوحة.

(٣) مناهل : مشارب.

(٤) مترعة : مملوة.

٢٧٦

اللهْفِ الى جُودِكَ وَالضَّمانِ بِعِدَتِكَ عِوَضاً مِنْ مَنْعِ الْباخِلِينَ ، وَمَنْدُوحَةً (١) عَمّا فِي ايْدِي الْمُسْتَأْثِرِينَ ، وَأَنَّكَ لا تَحْجُبُ (٢) عَنْ خَلْقِكَ إِلاَّ انْ تَحْجُبَهُمُ الْأَعْمالُ (٣) دُونَكَ ، وَقَدْ عَلِمْتُ انَّ افْضَلَ زادِ الرَّاحِلِ الَيْكَ عَزْمُ إِرادَةٍ يَخْتارُكَ بِها ، وَقَدْ ناجاكَ بِعَزْمِ الإِرادَةِ قَلْبِي.

وَأَسْأَلُكَ بِكُلِّ دَعْوَةٍ دَعاكَ بِها راجٍ بَلَّغْتَهُ أَمَلَهُ ، أَوْ صارِخٌ الَيْكَ اغَثْتَ صَرْخَتَهُ (٤) ، اوْ مَلْهُوفٌ مَكْرُوبٌ فَرَّجْتَ كَرْبَهُ ، اوْ مُذْنِبٌ خاطِئُ غَفَرْتَ لَهُ ، اوْ مُعافٍ اتْمَمْتَ نِعْمَتَكَ عَلَيْهِ ، اوْ فَقِيرٌ اهْدَيْتَ غِناكَ إِلَيْهِ ، وَلِتِلْكَ الدَّعْوَةِ عَلَيْكَ حَقٌّ وَعِنْدَكَ مَنْزِلَةٌ ، الاَّ صَلَّيْتَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَقَضَيْتَ حَوائِجِي حَوائِجَ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ.

وَهذا رَجَبُ الْمُرَجَّبُ الْمُكَرَّمُ الَّذِي أَكْرَمْتَنا بِهِ ، أَوَّلُ اشْهُرِ الْحُرُمِ ، أَكْرَمْتَنا بِهِ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ ، يا ذَا الْجُودِ وَالْكَرَمِ ، فَنَسْأَلُكَ بِهِ وَبِاسْمِكَ الاعْظَمِ الاعْظَمِ الاعْظَمِ الْأَجَلِّ الاكْرَمِ الَّذِي خَلَقْتَهُ فَاسْتَقَرَّ فِي ظِلِّكَ فَلا يَخْرُجُ مِنْكَ الى غَيْرِكَ ، انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَاهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ ، وَتَجْعَلَنا مِنَ الْعامِلِينَ فِيهِ بِطاعَتِكَ وَالامِلِينَ فِيهِ بِشَفاعَتِكَ.

اللهُمَّ وَاهْدِنا الى سَواءِ السَّبِيلِ وَاجْعَلْ مَقِيلَنا عِنْدَكَ خَيْرَ مَقِيلٍ فِي ظِلٍّ ظَلِيلٍ ، فَإِنَّكَ حَسْبُنا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، وَالسَّلامُ عَلى عِبادِهِ الْمُصْطَفَيْنَ وَصَلاتُهُ عَلَيْهِمْ اجْمَعِينَ ، اللهُمَّ وَبارِكْ لَنا فِي يَوْمِنا هذا الَّذِي فَضَّلْتَهُ وَبِكَرامَتِكَ جَلَّلْتَهُ وَبِالْمَنْزِلِ الْعَظِيمِ الأَعْلَى انْزَلْتَهُ ، صَلِّ عَلى مَنْ فِيهِ الى عِبادِكَ ارْسَلْتَهُ وَبِالْمَحَلِّ الْكَرِيمِ احْلَلْتَهُ.

اللهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ صَلاةً دائِمَةً تَكُونُ لَكَ شُكْراً وَلَنا ذُخْراً ، وَاجْعَلْ لَنا مِنْ

__________________

(١) مندوحة : سعة.

(٢) تحتجب ( خ ل ).

(٣) الآمال ( خ ل ).

(٤) صريخته ( خ ل ).

٢٧٧

أَمْرِنا يُسْراً ، وَاخْتِمْ لَنا بِالسَّعادَةِ الى مُنْتَهى آجالِنا ، وَقَدْ قَبِلْتَ الْيَسِيرَ مِنْ أَعْمالِنا وَبَلِّغْنا (١) بِرَحْمَتِكَ افْضَلَ آمالِنا انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

ومن الدعوات التي نذكرها في اليوم السابع والعشرين من رجب : اللهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِالنَّجْلِ (٢) الاعْظَمِ فِي هذَا الْيَوْمِ مِنَ الشَّهْرِ الْمُعَظَّمِ وَالْمُرْسَلِ الْمُكَرَّمِ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَانْ تَغْفِرَ لَنا ما انْتَ بِهِ مِنّا اعْلَمُ ، يا مَنْ يَعْلَمُ وَلا يَعْلَمُ ، اللهُمَّ وَبارِكْ لَنا فِي يَوْمِنا هذا الَّذِي بِشَرَفِ الرِّسالَةِ فَضَّلْتَهُ وَبِكَرامَتِكَ اجْلَلْتَهُ (٣) ، وَبِالْمَحَلِّ الشَّرِيفِ احْلَلْتَهُ.

اللهُمَّ فَانَّا نَسْأَلُكَ بِالْمَبْعَثِ الشَّرِيفِ وَالسَّيِّدِ اللَّطِيفِ وَالْعُنْصُرِ الْعَفِيفِ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ (٤) ، وَانْ تَجْعَلَ أَعْمالَنا فِي هذَا الْيَوْمِ وَفِي سائِرِ الْأَيَّامِ مَقْبُولَةً وَذُنُوبَنا مَغْفُورَةً ، وَقُلُوبَنا بِحُسْنِ الْقَبُولِ مَسْرُورَةً ، وَأَرْزاقَنا بِالْيُسْرِ مَدْرُورَةً (٥).

اللهُمَّ انَّكَ تَرى وَلا تُرى وَانْتَ بِالْمَنْظَرِ الأَعْلى وَأَنَّ الَيْكَ الرُّجْعى وَالْمُنْتَهى ، وَلَكَ الْمَماتُ وَالْمَحْيا ، وَانَّ لَكَ الاخِرَةُ وَالأُولى ، اللهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ انْ نَذِلَّ وَنَخْزى وَانْ نَأْتِيَ ما عَنْهُ تَنْهى.

اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ وَنَسْتَعِيذُ بِكَ مِنَ النَّارِ ، فَأَعِذْنا (٦) مِنْها بِقُدْرَتِكَ ، وَنَسْأَلُكَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، فَارْزُقْنا بِعِزَّتِكَ ، وَاجْعَلْ اوْسَعَ أَرْزاقِنا عِنْدَ كِبَرِ سِنِّنا ، وَاحْسَنَ أَعْمالِنا عِنْدَ اقْتِرابِ آجالِنا ، وَاطِلْ فِي طاعَتِكَ وَما يُقَرِّبُ الَيْكَ وَيُحْظِي عِنْدَكَ ، وَيُزْلِفُ لَدَيْكَ أَعْمارَنا ، وَاحْسِنْ فِي جَمِيعِ أَحْوالِنا

__________________

(١) بلغتنا ( خ ل ).

(٢) النجل : الولد والوالد ، ضد ، وفي مصباح الكفعمي : بالتجلى الأعظم.

(٣) أحللته ( خ ل ).

(٤) آل محمد ( خ ل ).

(٥) مدرورة : دائرة وجارية.

(٦) في الأصل : الخير نستعيذك ، فأنقذنا ، ما أثبتناه من المصباح الكفعمي.

٢٧٨

وَأُمُورِنا مَعْرِفَتَنا ، وَلا تَكِلْنا الى احَدٍ مِنْ خَلْقِكَ وَتَفَضَّلْ عَلَيْنا بِجَمِيعِ حَوائِجِنا لِلدُّنْيا وَالاخِرَةِ وَابْدَأْ بِآبائِنا وَأُمَّهاتِنا وَجَمِيعِ إِخْوانِنا الْمُؤْمِنِينَ فِي جَمِيعِ ما سَأَلْناكَ لَانْفُسِنا يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللهُمَّ انّا نَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظِيمِ وَمُلْكِكَ الْقَدِيمِ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَانْ تَغْفِرَ لَنا الذَّنْبَ الْعَظِيمَ ، انَّهُ لا يَغْفِرُ الْعَظِيمَ (١) الاَّ الْعَظِيمُ.

اللهُمَّ وَهذا رَجَبُ الْمُكَرَّمُ الَّذِي أَكْرَمْتَنا بِهِ أَوَّلُ اشْهُرِ الْحُرُمِ ، أَكْرَمْتَنا بِهِ مِنْ بَيْنِ الأُممِ فَلَكَ الْحَمْدُ يا ذَا الْجُودِ وَالْكَرَمِ ، اللهُمَّ فَانَّا نَسْأَلُكَ بِهِ وَبِاسْمِكَ الْأَعْظَمِ الْأَعْظَمِ الأَجَلِّ الاكْرَمِ الَّذِي خَلَقْتَهُ فَاسْتَقَرَّ فِي مُلْكِكَ فَلا يَخْرُجُ مِنْكَ الى غَيْرِكَ ، فَأَسْأَلُكَ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَاهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ ، وَانْ تَجْعَلَنا فِيهِ مِنَ الْعامِلِينَ بِطاعَتِكَ وَالامِنِينَ فِيهِ بِرِعايَتِكَ.

اللهُمَّ اهْدِنا الى سِواءِ السَّبِيلِ وَاجْعَلْ مَقِيلَنا عِنْدَكَ خَيْرَ مَقِيلٍ فِي ظلٍّ ظَلِيلٍ وَمُلْكٍ جَزِيلٍ ، فَإِنَّكَ حَسْبُنا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، اللهُمَّ اقْلِبْنا مُفْلِحِينَ مُنْجِحِينَ غَيْرَ مَغْضُوبٍ عَلَيْنا وَلا ضالِّينَ ، بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

ثم اسجد وقل : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانِي لِمَعْرِفَتِهِ ، وَخَصَّنِي بِوِلايَتِهِ ، وَوَفَّقَنِي لِطاعَتِهِ ، شُكْراً شُكْراً ـ مائة مرة.

واسأل حاجتك وادع بما تشاء.

فصل (١٠٠)

فيما ينبغي ان يكون المسلمون عليه في مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إليهم ومعرفة مقدار المنة عليهم

اعلم انّنا قد أشرنا فيما قدّمنا إشارة لطيفة انّنا لا نقدر على وصف المنّة علينا بهذه

__________________

(١) الذنب العظيم ( خ ل ).

٢٧٩

الرّسالة الشريفة ، ولكنّا مكلّفون بما نقدر عليه من تعظيم قدرها والاعتراف بإحسانها وبرّها ، فنضرب لذلك بعض الأمثال ، ففيه تنبيه على تعظيم هذه الحال ، فنقول :

لو كان المسلمون قد أصيب كلّ منهم بنحو خطر الكفر الّذي كانوا عليه ، فمنهم فريق قد ألقى في النار وهي توقد عليه ، وفريق قد افتضح بالعار ونودي عليه ، وفريق في مطمورة (١) غضب الله جلّ جلاله وانتقامه ، وفريق في حبس مقت الله جلّ جلاله واصطلامه ، وفريق قد استحقّ عليه أخذ كلّما في يديه.

وفريق قد حكمت عليه الذنوب الّتي اشتملت عليه بالتفريق بينه وبين أولاده العزيزين عليه أو أحبّته القريبين لديه ، وفريق قد سقم عقله وقد ادنفه جهله ، وفريق قد مرض قلبه وأحاط به ذنبه.

وفريق قد ماتت أعضاؤه بإضاعة البضاعة التي كانت تحصل لها لو أطاعت ، وفريق قد صارت أعضاؤه أعداء له بما إضاعته وبما تجنيه من المعاصي بحسب ما استطاعت ، وفريق قد أظلمت عليه ظلم الجهالة حتّى ما بقي يبصر ما بين يديه من الضلالة ، وفريق أعمى ولا يدري مقدار عماه ، وفريق أخرس ولا يدري انه أخرس وقد صار لسانه مقيّدا بسخط مولاه ، وفريق أصمّ وهو لا يدري انّه أصمّ وهو لا يسمع دعاء من دعاء إلى الله جلّ جلاله وناداه.

والبلاد قد أحاط بالعباد وضعف عن دفعه قوة أهل الاجتهاد ، فبعث الله جلّ جلاله رسولا إلى هؤلاء الموصوفين بهذه الصفات ليسلمهم من النكبات والآفات والعاهات وليخلّصهم من اخطارها ويطفي عنهم لهب نارها ويغسل عن وجوههم دنس عارها ويبلغ بهم من غايات السعادات ، ما كانوا قاصرين عنها وبعيدين منها فيما مضى من الأوقات.

فينبغي ان يكون الاعتراف للمرسل والرسول صلوات الله عليه بقدر هذا الانعام الذي لا يبلغ وصفي إليه وان يكونوا في هذا اليوم مباشرين وشاكرين وذاكرين لمناقبه

__________________

(١) المطمورة : الحفيرة التي تحت الأرض ، الحبس.

٢٨٠