الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٣

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٣

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-428-1
الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٣

ذكر ما نورده من إجابة الدعاء في رجب :

نذكر الحديث مختصراً ، وهو انّ رجلا مرّ برجل أعمى مقعد ، فقال : اما كان هذا يسأل الله تعالى العافية ، فقيل له : اما تعرف هذا؟ هذا الذي بهّله بريق (١) ـ وكان اسم ـ بريق عياضاً ـ فقال : ادع لي عياضاً ، فدعاه ، فقال : حدّثني حديث بني الضّيعاء ، قال :

انّه حديث جاهليّة وانّه لا أردت لك به في الإسلام ، فقال : ذاك أحرى أن تحدّثنا ، قال : انّ بني الضّيعاء كانوا عشرة وكانت أختهم تحتي ، فأرادوا أن ينزعوها منّي ، فنشدتهم الله تعالى والقرابة والرحم ، فأبوا الاّ ان ينزعوها منّي ، فأمهلتهم حتّى دخل رجب مضر (٢) شهر الله الحرام (٣) ، فقلت : اللهم أدعوك دعاءها جاهداً على بني الضيعاء ، فاترك واحداً كسيراً الرّجل ودعه قاعداً أعمى ذا قيد ، يعني القائد.

أقول : ورأيت في رواية أخرى عوض : اللهم ، يا رب.

قال : فهلكوا جميعاً ليس هذا (٤) ، فقال : بالله ما رأيت كاليوم حديثاً أعجب ، فقال رجل من القوم : أفلا أحدّثك بأعجب من هذا؟ قال : حدّث حتّى تسمع القوم.

قال : انّي كنت من حيّ من احياء العرب فماتوا كلّهم ، فأصبت مواريثهم ، فانتجعت (٥) حيّاً من احياء العرب يقال لهم : بنو مؤمّل ، كنت بهم زمانا طويلا ، ثمّ انّهم أرادوا أخذ مالي ، فناشدتهم الله تعالى ، فأبوا الاّ ان ينتزعوا مالي ، وقد كان رجل منهم يقال له : رباح ، فقال يا بني مؤمل جاركم وخفيركم (٦) لا ينبغي لكم أخذ ماله ، قال :

فأخذوا مالي ، فأمهلتهم حتى دخل رجب مضر شهر الله الحرام ، فقلت :

__________________

(١) بهله : لعنه.

(٢) في خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع : «. ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهراً ، منها أربعة حرم : ثلاثة متوالية ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان » وذلك للاحتراز من رجب ربيعة لأنها كانت تحرم رمضان وتسميه رجباً ، فبين عليه‌السلام انه رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ، لا رجب ربيعة الذي يقع بعد شعبان.

(٣) في جميع المواضع : المحرم ( خ ل ).

(٤) ليس هذا يعنى غير هذا.

(٥) انتجع الكلا : طلبه في موضعه ، انتجع فلاناً ، طلب معروفه وجواره.

(٦) خفره : اجاره ومنعه وحماه وآمنه ، الخفير : يطلق على المجير والمجار ، المراد هنا المجار.

١٨١

اللهم أزلها عن بني المؤمل

وارم على اقفائهم بمكتل (١)

بصخرة أو عرض جيش جحفل (٢)

الاّ رباحاً انّه لم يفعل

أقول : ورأيت في رواية أخرى عوض : اللهم ، يا ربّ اشقاني بنو المؤمل فارم ـ ثم ذكر تمامها.

قال : فبينما هم يسيرون في أصل جبل أو في سطح جبل إذ تداعى عليهم الجبل ، فهلكوا جميعاً الاّ رباحاً ، فإنه نجّاه الله تعالى ، فقال : والله ما رأيت كاليوم حديثاً أعجب ، فقال رجل من القوم : أفلا أحدّثك بأعجب من ذلك؟ فقال : حدّث حتّى يسمع القوم.

فقال : انّ أبي وعمّي ورثا أباهما ، فأسرع عمّي في الّذي له وبين مالي ، فأراد بنوه ان ينزعوا مالي ، فناشدتهم الله تعالى والقرابة والرّحم ، فأبوا الاّ ان ينزعوا مالي ، فأمهلتهم حتّى دخل رجب مضر شهر الله الحرام فقلت :

اللهم ربّ كلّ آمن وخائف

وسامعاً نداء كل هاتف

انّ الخناعيّ أما يقاصف (٣)

لم يعطني الحق ولم يناصف

فأجمع له الأحبّة الألاطف (٤)

بين القرانِ السّوء والتراصف (٥)

__________________

(١) مكتل ـ كمنبر ـ الشديدة من شدائد الدهر.

(٢) جيش جحفل : كثيف مجتمع.

(٣) الخناعي : نسبة إلى خناعة ـ كثمامة ـ ابن سعد بن هذيل بن مدركه بن الياس بن مضر ، القصف : الكسر ، أي يا رب لا تقصف ولا تكسر الخناعي والحال انه لم يناصف ولم يعطني النصف.

(٤) الأحبّة : الإخلاء.

(٥) القرآن ـ بالكسر ـ التتابع اثنين اثنين ، التراصف : التتابع والانضمام كلا.

١٨٢

قال : فبينما بنوه وهم عشرة في بئر ، إذ انهارت عليهم البئر وكانت قبورهم ، فقال : بالله ما رأيت كاليوم حديثاً أعجب ، فقال القوم : أهل الجاهليّة كان الله يصنع بهم ما ترى فأهل الإسلام أحرى بذلك ، فقال : انّ أهل الجاهليّة كان الله يصنع بهم ما تسمعون ليحجز بعضهم عن بعض ، وانّ الله جعل الساعة موعد أهل الإسلام والسّاعة أدهى وأمرّ.

قال راوي هذا الحديث : هذه قصّة عجيبة مشهورة تروى من وجوه ، وقال : معنى بهله أي لعنه ، من قول الله ( ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (١).

أقول : وروي غير هذه الرّوايات ، وانّما اقتصرنا على ما ذكرناه ليكون أنموذجاً في بيان إجابة الدعوات (٢).

فصل (٩)

فيما نذكره من زيارة مختصّة بشهر رجب

اعلم انّ هذه الزّيارة التي يأتي ذكر صفتها ليست متعيّنة لأوّل ليلة من الشهر ، ولكنّها متعيّنة للشهر كلّه ، فنذكرها في أوّل ليلة منه لأنّه أول وقتها ، فلا يؤخّرها عنه.

رويناها بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي رضي‌الله‌عنه فيما ذكره عن ابن عياش ، قال : حدثني خير (٣) بن عبد الله ، عن مولانا ـ يعني أبي القاسم الحسين بن روح رضي‌الله‌عنه ـ قال : زُر أيّ المشاهد كنت بحضرتها (٤) في رجب تقول :

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اشْهَدَنا مَشْهَدَ أَوْلِيائِهِ فِي رَجَبٍ ، وَاوْجَبَ عَلَيْنا مِنْ حَقِّهِمْ ما قَدْ وَجَبَ ، وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ الْمُنْتَجَبِ (٥) وَعَلى أَوْصِيائِهِ

__________________

(١) آل عمران : ٦١.

(٢) عنه البحار ٩٧ : ٤١.

(٣) جبير ( خ ل ).

(٤) تحضرها ( خ ل ).

(٥) انتجبه : اختاره.

١٨٣

الْحُجُبِ ، اللهُمَّ فَكَما اشْهَدْتَنا مَشْهَدَهُمْ (١) فَانْجِزْ لَنا مَوْعِدَهُمْ وَأَوْرِدْنا مَوْرِدَهُمْ ، غَيْرَ مُحَلَّئِينَ عَنْ وِرْدٍ فِي دارِ المُقامَةِ وَالْخُلْدِ.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ ، انِّي قَصَدْتُكُمْ (٢) وَاعْتَمَدْتُكُمْ بِمَسْأَلَتِي وَحاجَتِي ، وَهِيَ فَكاكُ رَقَبَتِي مِنَ النّارِ ، وَالْمُقَرُّ مَعَكُمْ فِي دارِ الْقَرارِ مَعَ شِيعَتِكُمُ الأَبْرارِ ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ.

انَا سائِلُكُمْ وَآمِلُكُمْ فِيما الَيْكُمْ التَّفْوِيضُ وَعَلَيْكُمْ التَّعْوِيضُ ، فَبِكُمْ يُجْبَرُ الْمَهِيضُ (٣) وَيَشْفِي الْمَرِيضُ ، وَما تَزْدادُ الأَرْحامُ وَما تَغِيضُ ، انِّي لِسِرِّكُمْ مُؤْمِنٌ (٤) وَلِقَوْلِكُمْ مُسَلِّمٌ وَعَلَى اللهِ بِكُمْ مُقْسِمٌ ، فِي رَجْعِي (٥) بِحَوائِجِي وَقَضائِها وَامْضائِها وَانْجاحِها (٦) وَإِبْراحِها (٧) ، وَبِشُؤُنِي لَدَيْكُمْ وَصَلاحِها.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ سَلامَ مُوَدِّعٍ وَلَكُمْ حَوائِجَهُ مُودِعٌ ، يَسْأَلُ اللهَ إِلَيْكُمُ الْمَرْجَعَ وَسَعْيُهُ الَيْكُمْ غَيْرَ مُنْقَطِعٍ ، وَانْ يَرْجعَنِي مِنْ حَضْرَتِكُمْ خَيْرَ مَرْجَعٍ الى جِنابٍ مُمْرِعٍ (٨) وَخَفْضِ (٩) عَيْشٍ مُوَسَّعٍ ، وَدَعَةٍ (١٠) وَمَهَلٍ (١١) الى حِينِ الأَجَلِّ ، وَخَيْرِ مَصِيرٍ وَمَحَلٍّ فِي النَّعِيمِ الأَزَلِ وَالْعَيْشِ الْمُقْتَبَلِ (١٢) ، وَدَوامِ الأُكُلِ وَشُرْبِ الرَّحِيقِ وَالسَّلْسَلِ (١٣) ، وعَلٍ وَنَهَلٍ (١٤) لا سَامٍ مِنْهُ وَلا مَلَلٍ.

__________________

(١) مشاهدهم ( خ ل ).

(٢) قد قصدتكم ( خ ل ).

(٣) المهيض : العظم المكسور.

(٤) بسركم موقن ( خ ل ).

(٥) رجعتي ( خ ل ).

(٦) قضائها وإنجاحها وإبراحها ( خ ل ).

(٧) إبراحها : إظهارها.

(٨) امرع الوادي : إذا صار ذا كلاء.

(٩) الخفض : الراحة.

(١٠) الدعة : السعة في العيش.

(١١) المهل : السكينة.

(١٢) المقتبل : المستأنف.

(١٣) ماء سلسل : سهل الدخول في الحلق لعذوبته وصفائه.

(١٤) عل : شرب الثاني ، نهل : شرب الأول.

١٨٤

وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ وَتَحِيَّاتُهُ عَلَيْكُمْ ، حَتَّى الْعَوْدِ الى حَضْرَتِكُمْ ، وَالْفَوْزِ فِي كَرَّتِكُمْ وَالْحَشْرِ فِي زُمْرَتِكُمْ ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ وَصَلَواتُهُ وَتَحِيَّاتُهُ ، وَهُوَ حَسْبُنا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١).

فصل (١٠)

فيما نذكره من عمل أوّل جمعة من شهر رجب

اعلم انّ مقتضى الاحتياط للعبادة وطلب الظفر بالسّعادة ، اقتضى ان نذكر عمل هذه اللّيلة الجمعة في أوّل ليلة من هذا الشهر الشريف ، لجواز ان يكون أوّل ليلة منه الجمعة ، فيكون قد احتطنا للتّكليف ، وان لم يكن أوّله الجمعة ، فيكون قد اذكرناك في أوّل الشهر بها إلى حين حضور أوّل ليلة جمعة منه لتعمل بها.

وجدنا ذلك في كتب العبادات مرويّا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونقلته أنا من بعض كتب أصحابنا رحمهم‌الله ، فقال في جملة الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذكر فضل شهر رجب ما هذا لفظه :

ولكن لا تغفلوا عن أوّل ليلة جمعة منه ، فإنّها ليلة تسمّيها الملائكة ليلة الرغائب ، وذلك انّه إذا مضى ثلث الليل لم يبق ملك في السماوات والأرض الاّ يجتمعون في الكعبة وحواليها ، ويطّلع الله عليهم اطلاعة فيقول لهم : يا ملائكتي سلوني ما شئتم ، فيقولون : ربنا حاجتنا إليك ان تغفر لصوّام رجب ، فيقول الله تبارك وتعالى : قد فعلت ذلك.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما من أحد صام يوم الخميس أوّل خميس من رجب ثم يصلّى بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة ، يفصل بين كلّ ركعتين بتسليمة ، يقرء في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرة و ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ثلاث مرات ، و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) اثنتي عشرة مرة ، فإذا فرغ من صلاته صلّى عليّ سبعين مرة ، يقول : اللهُمَّ صَلِ

__________________

(١) رواه في مصباح المتهجد : ٢ : ٨٢١.

١٨٥

عَلى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلى آلِهِ (١).

ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة : سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ ، ثم يرفع رأسه ويقول : رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيُّ الاعْظَمُ.

ثمّ يسجد سجدة أخرى فيقول فيها مثل ما قال في السجدة الأولى ، ثم يسأل الله حاجته في سجوده ، فإنه تقضى ان شاء الله تعالى.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسي بيده لا يصلّي عبد أو أمة هذه الصلاة إلاّ غفر الله له جميع ذنوبه ، ولو كانت ذنوبه مثل زبد البحر وعدد الرّمل ووزن الجبال وعدد ورق (٢) الأشجار ، ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممّن قد استوجب النار ، فإذا كان أول ليلة نزوله إلى قبره بعث الله إليه ثواب هذه الصلاة في أحسن صورة بوجه طلق ولسان ذلق ، فيقول : يا حبيبي أبشر فقد نجوت من كل شدة ، فيقول : من أنت فما رأيت أحسن وجهاً منك ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك؟ فيقول : يا حبيبي أنا ثواب تلك الصلاة الّتي صلّيتها ليلة كذا في بلدة كذا في شهر كذا في سنة كذا ، جئت الليلة لأقضي حقّك وآنس وحدتك وارفع عنك وحشتك ، فإذا نفخ في الصور ظللت في عرصة القيامة على رأسك وانّك لن تعدم الخير من مولاك ابداً (٣).

فصل (١١)

فيما نذكره مما يعمل بعد الثماني ركعات من نافلة الليل

روينا ذلك بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله في عمل أوّل ليلة من رجب فيما رواه عن عليّ بن حديد قال : كان أبو الحسن الأوّل عليه‌السلام يقول وهو

__________________

(١) اللهم صلّ على محمد النبي ( الهاشمي خ ل ) وآله.

(٢) أوراق ( خ ل ).

(٣) عنه البحار ٩٨ : ٣٩٧ ، الوسائل ٨ : ١٠٠ ، نقله العلامة في إجازته لبني زهرة مفصلاً راجع أجازته المطبوع في البحار ١٠٧ : ١٢٥ ، عنه البحار ٩٨ : ٣٩٥ ، الوسائل ٨ : ٩٨.

١٨٦

ساجد بعد فراغه من صلاة اللّيل :

لَكَ الْمَحْمَدَةُ إِنْ أَطَعْتُكَ ، وَلَكَ الْحُجَّةُ إِنْ عَصَيْتُكَ ، لا صُنْعَ لِي وَلا لِغَيْرِي فِي إِحْسانٍ إِلاّ بِكَ ، يا كائِنَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَيا مُكَوِّنَ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَدِيلَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَمِنْ شَرِّ الْمَرْجَعِ فِي الْقُبُورِ وَمِنَ النِّدامَةِ يَوْمَ الازِفَةِ ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَنْ تَجْعَلَ عَيْشِي عَيْشَةً نَقِيَّةً ، وَمَيْتَتِي مَيْتَةً سَوِيَّةً وَمُنْقَلِبي مُنْقَلَباً كَرِيماً ، غَيْرَ مَخْزيٍ وَلا فاضِحٍ.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ (١) الْأَئِمَّةِ يَنابِيعِ الْحِكْمَةِ ، وَاولِي النِّعْمَةِ ، وَمَعادِنِ الْعِصْمَةِ ، وَاعْصِمْنِي بِهِمْ مِنْ كُلِّ سُوءٍ ، وَلا تَأْخُذْنِي عَلى غِرَّةٍ وَلا غَفْلَةٍ ، وَلا تَجْعَلْ عَواقِبَ أَعْمالِي حَسْرَةً ، وَارْضَ عَنِّي ، فَإِنَّ مَغْفِرَتَكَ لِلظّالِمِينَ وَأَنَا مِنَ الظّالِمِينَ.

اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ما لا يَضُرُّكَ وَأَعْطِنِي ما لا يَنْقُصُكَ ، فَإِنَّكَ الْوَسِيعُ (٢) رَحْمَتُهُ الْبَدِيعُ حِكْمَتُهُ ، وَأَعْطِنِي السَّعَةَ وَالدَّعَةَ ، وَالْأَمْنَ وَالصِّحَّةَ وَالْبُخُوعَ ، وَالشُّكْرَ وَالْمُعافاةَ ، وَالتَّقْوى وَالصَّبْرَ ، وَالصِّدْقَ عَلَيْكَ وَعَلى أَوْلِيائِكَ ، وَالْيُسْرَ وَالشُّكْرَ ، وَاعْمُمْ بِذلِكَ يا رَبِّ أَهْلِي وَوَلَدِي وَإِخْوانِي فِيكَ ، وَمَنْ احْبَبْتُ وَأَحَبَّنِي ، وَوَلَدْتُ وَوَلَدَنِي ، مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ يا رَبَّ الْعالَمِينَ (٣).

فصل (١٢)

فيما نذكره مما يعمل بعد ركعة الوتر من نافلة الليل من رجب

رويناه بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطّوسي رحمه‌الله عليه في عمل أوّل ليلة من

__________________

(١) آل محمد ( خ ل ).

(٢) فإنك أنت الوسيع ( خ ل ).

(٣) مصباح المتهجد ٢ : ٧٩٩ ، عنه البحار ٩٨ : ٣٨١.

١٨٧

رجب أيضاً ، فيما رواه عن ابن أشيم قال : صلِ (١) الوتر ثلاث ركعات ، فإذا سلّمت قلت وأنت جالس :

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لا تَنْفَدُ خَزائِنُهُ ، وَلا يَخافُ آمِنُهُ ، رَبِّ ارْتَكَبْتُ الْمَعاصِي ، فَذلِكَ ثِقَةٌ بِكَرَمِكَ ، أَنَّكَ تَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِكَ ، وَتَعْفُو عَنْ سَيِّئاتِهِمْ وَتَغْفِرُ الزَّلَلَ ، فَإِنَّكَ مُجِيبٌ لِداعِيكَ وَمِنْهُ قَرِيبٌ ، فَأَنَا تائِبٌ إِلَيْكَ مِنَ الْخَطايا ، وَراغِبٌ إِلَيْكَ فِي تَوْفِيرِ حَظِّي مِنَ الْعَطايا.

يا خالِقَ الْبَرايا ، يا مُنْقِذِي مِنْ كُلِّ شَدِيدٍ ، يا مُجِيرِي مِنْ كُلِّ مَحْذُورٍ ، وَفِّرْ عَلَيَّ السُّرُورَ ، وَاكْفِنِي شَرَّ عَواقِبِ الأُمُورِ ، فَإِنَّكَ اللهُ ، عَلى نَعْمائِكَ وَجَزِيلِ عَطائِكَ مَشْكُورٌ وَلِكُلِّ خَيْرٍ مَذْخُورٌ (٢).

قال جدّي أبو جعفر الطّوسيّ رحمه‌الله : وروى ابن عيّاش عن محمّد بن أحمد الهاشمي المنصوري ، عن أبيه ، عن أبي موسى عن سيّدنا أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهما‌السلام أنّه كان يدعو في هذه السّاعة به ، فادع بهذا فإنّه خرج عن العسكري عليه‌السلام في قول ابن عياش : يا نُورَ النُّورِ ، يا مُدَبِّرَ الأُمُورِ ، يا مُجْرِيَ الْبُحُورِ ، يا باعِثَ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، يا كَهْفِي حِينَ تُعْيِينِي الْمَذاهِبُ ، وَكَنْزِي حِينَ تُعْجِزُنِي الْمَكاسِبُ ، وَمُونِسِي حِينَ تَجْفُونِي الْأَباعِدُ ، وَتَمَلُّنِي الأَقارِبُ ، وَمُنَزِّهِي بِمُجالَسَةِ أَوْلِيائِهِ وَمُرافَقَةِ أَحِبّائِهِ فِي رِياضِهِ ، وَساقِي بِمُؤانَسَتِهِ مِنْ نَمِيرِ (٣) حِياضِهِ ، وَرافِعِي بِمُحاوَرَتِهِ مِنْ وَرْطَةِ الذُّنُوبِ إِلى رَبْوَةِ (٤) التَّقْرِيبِ ، وَمُبَدِّلِي بِوِلايَتِهِ عِزَّةَ الْعَطايا مِنْ ذِلَّةِ الْخَطايا.

أَسْأَلُكَ يا مَوْلايَ بِالْفَجْرِ وَاللَّيالِي الْعَشْرِ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ، وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ ،

__________________

(١) تصل ( خ ل ).

(٢) مصباح المتهجد ٢ : ٨٠٠ ، عنه البحار ٩٨ : ٣٨٢.

(٣) النمير : الزاكي من الماء.

(٤) الربوة : المكان المرتفع.

١٨٨

وَبِما جَرى بِهِ قَلَمُ الْأَقْلامِ بِغَيْرِ كَفٍّ وَلا إِبْهامٍ ، وَبِأَسْمائِكَ الْعِظامِ ، وَبِحُجُجِكَ عَلى جَمِيعِ الْأَنامِ عَلَيْهِمْ مِنْكَ أَفْضَلُ السَّلامِ ، وَبِما اسْتَحْفَظْتَهُمْ مِنْ أَسْمائِكَ الْكِرامِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ وَتَرْحَمَنا فِي شَهْرِنا هذا وَما بَعْدَهُ مِنَ الشُّهُورِ وَالأَيَّامِ ، وَانْ تُبَلِّغَنا شَهْرَ الصِّيامِ فِي عامِنا هذا وَفِي كُلِّ عامٍ ، يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ وَالْمِنَنِ الْجِسامِ ، وَعَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ مِنّا افْضَلُ السَّلامِ (١).

فصل (١٣)

فيما نذكره مما ينبغي ان يكون العارف عليه من المراقبات ، في أوّل ليلة من شهر رجب إذا تفرّغ من العبادات المرويات المكرمات

اعلم انّ هذه اللّيلة موسم جليل المقام جزيل الانعام ، أراد الله جلّ جلاله من عباده ان يطيعوه في مراده ، بإحيائها بعباداته وطلب إسعاده وانجاده وإرفاده وهباته ، فاذكر لو انّ ملك زمانك أحضرك وأطلق عنان إمكانك في ان تكون ليلة من عدّة شهور حاضرا فيها بين يديه ، لتطلب منه ما تحتاج إليه ، وتكون أنت فقيراً في كلّ أمورك إليه ، كيف كنت تكون مع ذلك السلطان ، فاجعل حالك مع الله جلّ جلاله في هذه اللّيلة على نحو ذلك الاجتهاد ، بغاية الإمكان.

ولا تكن حرمة الله جلّ جلاله وهيبة حضرته وما دعاك إليه من خدمته وعرض عليك من نعمته ، دون عبد من عباده ، وارحم نفسك ان يراك فيها مهوّناً باتّباع مراده ، فكأنّك قد أخرجت نفسك من حمى أمان هذا الشهر العظيم الشأن وعرّضت نفسك للهوان أو الخذلان.

وقد نبّهنا فيما ذكرناه في أمثال هذه اللّيلة الّتي تحيي بالعبادة على ما يستغنى به عن الزيادة ، فان لم تظفر بمعناه فاعلم :

انّ المراد من إحيائها الّذي ذكرنا ، ان تكون حركاتك وسكناتك وإراداتك

__________________

(١) مصباح المتهجد ٢ : ٨٠٠ ، عنه البحار ٩٨ : ٣٨٢.

١٨٩

وكراهاتك في هذه اللّيلة السعيدة ، على نيّة أنّها عبادات الله جلّ جلاله خالصة لأبوابه المقدّسة المجيدة ، كما انّك إذا جالست فيها أعظم سلطان في الوجود ، فان نفسك مراغبة لرضاه ، كيف كنت من قيام وقعود ومأكول ومشروب ومطلوب ومحبوب ، ولا يكلّفك الله ما لا تقدر عليه ، بل ما يصحّ منك لسلطان هو مملوكه ومن أفقر الفقراء إليه ، وان غلبك نوم فيكون نوم المتأدّبين بين يدي ربّ العالمين ، الّذين يقصدون بالرّقاد القوّة على طاعته وزيادة الاجتهاد.

وتسلّم أعمالك فيها بلسان الحال والمقال إلى من يكون حديث تلك اللّيلة إليه ، من الحمأة والخفراء في الأيّام والأعمال ، ليتمّ ما نقص عليك ويكون فيما تحتاج إليه من الله جلّ جلاله شفيعاً لك وبين يديك.

فصل (١٤)

فيما نذكره من فضل أول يوم من رجب وصومه

روينا ذلك بإسنادنا إلى أبي جعفر بن بابويه فيما ذكره في كتاب ثواب الأعمال وأماليه فقال ما هذا لفظه : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الاّ أنّ رجب شهر الله الأصم (١) وهو شهر عظيم ، وانّما سمّي الأصم لأنّه لا يقاربه (٢) شهر من الشهور حرمة وفضلاً عند الله وكان أهل الجاهليّة يعظّمونه في جاهليّتها ، فلمّا جاء الإسلام لم يزده الاّ تعظيماً وفضلاً ، الاّ انّ رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمّتي.

الاّ فمن صام من رجب يوماً ايماناً واحتسابا استوجب رضوان الله الأكبر ، وأطفأ صومه في ذلك اليوم غضب الله ، وأغلق عنه باباً من أبواب النّار ، ولو أعطى ملأ الأرض ذهباً ما كان بأفضل من صومه ، ولا يستكمل أجره بشيء من الدنيا دون الحسنات إذا أخلصه لله ، وله إذا أمسى عشر دعوات مستجابات ان دعا بشيء من عاجل الدنيا

__________________

(١) الأصب ( خ ل ).

(٢) لا يقربه ( خ ل ).

١٩٠

أعطاه الله ، والاّ ادّخر له من الخير أفضل ما دعا به داع من أوليائه وأحبائه وأصفيائه (١).

ومن ذلك ما رواه الشيخ جعفر بن محمد الدوريستي في كتاب الحسني بإسناده إلى الباقر عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من صام أوّل يوم من رجب وجبت له الجنّة (٢).

فصل (١٥)

فيما نذكره من فضل صوم أوّل يوم من رجب ويوم من وسطه ويوم من آخره

رويناه بإسنادنا إلى أبي جعفر بن بابويه قدس الله روحه من أماليه ، ومن عيون اخبار الرضا عليه‌السلام بإسناده إلى الرضا عليه‌السلام قال : من صام أوّل يوم من رجب رغبة في ثواب الله عزّ وجلّ وجبت له الجنّة ، ومن صام يوماً من وسطه شفّع في مثل ربيعة ومضر ، ومن صام يوماً في آخره جعله الله عزّ وجلّ من ملوك الجنّة ، وشفّعه في أبيه وأمّه ، وابنه وابنته ، وأخيه وأخته ، وعمّه وعمّته ، وخاله وخالته ، ومعارفه وجيرانه ، وان كانوا مستوجبي النار (٣).

فصل (١٦)

فيما نذكره من صوم أوّل يوم من رجب وثلاثة أيام لم يعين وقتها

روينا ذلك بإسنادنا إلى أبي جعفر بن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه ، فقال ما هذا لفظه : قال : قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : رجب شهر عظيم ، يضاعف الله فيه الحسنات ، ويمحو فيه السيئات ، من صام يوماً من رجب تباعدت عنه النار مسيرة سنة ، ومن صام ثلاثة أيام وجبت له الجنّة (٤).

__________________

(١) رواه في ثواب الأعمال : ٧٨ ، أمالي الصدوق : ٣١٩ ، فضائل الأشهر الثلاثة : ، عنهم البحار ٩٧ : ٢٦ ، وعن أمالي الشيخ ٩٧ : ٣١.

(٢) عنه البحار ٩٧ : ٣٣.

(٣) عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٩١ ، أمالي الصدوق : ٧ ، فضائل الأشهر الثلاثة : عنهم البحار ٩٧ : ٣٢.

(٤) ثواب الأعمال : ٧٨ ، فضائل الأشهر الثلاثة : عنهما البحار ٩٧ : ٣٧ ، الفقيه ٢ : ٩٢.

١٩١

فصل (١٧)

فيما نذكره من فضل أول يوم من رجب أيضا وصوم اليوم الأول منه وسبعة منه وثمانية وعشرة وخمسة عشر

روينا ذلك بإسنادنا إلى جدي أبي جعفر الطوسي بإسناده إلى علي بن الحسن بن فضال من كتاب الصوم له من تهذيب الأحكام ، فقال في التهذيب ما هذا لفظه : قال :

حدثنا كثير بيّاع النوى ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : سمع نوح عليه‌السلام صوت السفينة على الجودي فخاف عليه ، فأخرج رأسه من جانب السفينة ، فرفع يده وأشار بإصبعه وهو يقول : رهمان أتقن ، وتأويلهما : يا ربّ أحسن ، وان نوحا عليه‌السلام لمّا ركب السفينة ركبها في أوّل يوم من رجب ، فأمر من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم ، وقال : من صامه منكم تباعدت عنه النار مسيرة سنة ، ومن صام سبعة أيام منه غلّقت عنه أبواب النيران السبعة ، وان صام ثمانية أيّام فتحت له أبواب الجنّة الثمانية ، ومن صام عشرة أيام أعطي مسألته ، ومن صام خمسة عشر يوما قيل له : استأنف العمل فقد غفر لك ، ومن زاد زاده الله (١).

فصل (١٨)

فيما نذكره من فضل صوم أيّام متعيّنة منه أيضا والشهر كلّه

روينا ذلك في عدّة أحاديث من عدّة طرق ، منها بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من صام ثلاثة أيام من رجب كتب الله له بكلّ يوم صيام سنة ، ومن صام سبعة أيّام من رجب غلّقت عنه سبعة أبواب النار ، ومن صام ثمانية أيّام فتحت له أبواب الجنّة الثمانية ، ومن صام خمسة عشر يوما حاسبه الله حسابا يسيرا ، ومن صام رجب كلّه

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٠٦ ، مصباح المتهجد : ٧٩٧ ، الخصال ٢ : ٩٢ ، و٩٣ ، فضائل الأشهر الثلاثة : ثواب الأعمال : ٧٨ ، عنهم البحار ٩٧ : ٣٥ و٥٥.

١٩٢

كتب الله له رضوانه ، ومن كتب له رضوانه لم يعذّبه (١).

فصل (١٩)

فيما نذكره من صوم يوم من رجب مطلقاً

روينا ذلك بإسنادنا عن أبي جعفر بن بابويه من كتاب ثواب الأعمال وإلى جدّي أبي جعفر الطوسي من كتاب تهذيب الأحكام بإسنادهما إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام انه قال : رجب نهر في الجنّة أشدّ بياضاً من اللّبن وأحلى من العسل ، من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر (٢).

فصل (٢٠)

فيما نذكره من كيفيّة النيّة فيما يصام من رجب وغيره من الأوقات المرضيّة

اعلم انّا كنّا ذكرنا في كتاب المضمار من تحرير النيّات للصيام ما فيه كفاية لذوي الأفهام ، ونقول هاهنا : ان من شروط الصيام والمهامّ ان تكون ذاكراً قبل دخولك في الصيام ، انّ المنّة لله جلّ جلاله عليك في استخدامك في الشرائع والأحكام وتأهيلك لما لم تكن له أهلاً من الانعام والإكرام وسعادة الدنيا ودار المقام.

فأنت تعرف من نفسك انّه لو استحضرك بعض الملوك المعظّمين ، وشغلك بمهماته وكلامه يوما طول النّهار بين الحاضرين ، سهّل عليك ترك الطعام والشراب في ذلك اليوم لأجله ، واعتقدت انّ المنّة له عليك حيث أدخلك تحت ظلّه وشملك بفضله ، مع علمك انّ الملك ما خلقك ولا ربّاك ، ولا خلق لك دنياك ولا أخراك ، فلا يحلّ في العقل والنقل ان يكون الله جلّ جلاله دون أحد من عباده ، وقد قام لك بما لم يقدر عليه غيره

__________________

(١) مصباح المتهجد ٢ : ٧٩٧ ، عنه البحار ٩٧ : ٥٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٠٦ ، ثواب الأعمال : ٧٨ ، فضائل الأشهر الثلاثة : عنهما البحار ٩٧ : ٣٧.

١٩٣

من إسعاده وإرفاده.

ومتى نقصت الله جلّ جلاله في صومك عمّا نجده في خدمة الملك ، من نشاطك وسرورك واهتمامك واعتقاد المنّة له في إكرامك ، والذّنب لك ان ضاع منك صوم نهارك ، وتكون أنت قد هوّنت بالله جلّ جلاله وعملت ما يقتضي هجرانه لك وغضبه عليك واستعادة ما وهبك من مسارك ومبارك وطول اعمارك.

أقول : وان اشتبه عليك صوم إخلاص النيّات بصوم الرّياء والشبهات فاعتبر ذلك بعدّة إشارات :

منها : ان تعرض على نفسك حضور الإفطار في ذلك النهار بمحضر الصائمين من الأخيار ، فإن وجدت نفسك تستحيي (١) من مشاهدتهم لإفطارك بين الصُيّام ، فاعلم انّ في صومك شبهة تريد بها التقرّب إلى قلوب الأنام.

ومنها : ان تعتبر نفسك أيّما أسرّ لها وأحبّ إليها ، ان يطلع الله جلّ جلاله وحده عليها ، أو تريد ان يعلم بها ويطّلع عليها مع الله تعالى سواه ، ممّن يمدحها أو ينفعها اطّلاعه في دنياه ، فان وجدت نفسك تريد مع اطّلاع الله عزّ وجلّ على صيامك معرفة أحد غير الله تعالى بصومك ليزيد في إكرامك ، أو وجدت اطّلاع أحد على صومك احلى في قلبك من اطّلاع ربك ، فاعلم أنّ صومك سقيم وانّك عبد لئيم.

ومنها : انّك تعتبر نفسك في صومها هل تجدها مع كثرة الصائمين هي أنشط في الصوم لرب العالمين ، ومع قلة الصائمين أو عدمهم هي أضعف وأكسل عن الصوم لمالك يوم الدين ، فان وجدتها تنشط للصّوم عند صومهم وتتكاسل عند إفطارهم ، فاعلم أنّك تصوم طلبا لموافقتهم وتبعا لارادتهم ، وصومك سقيم بقدر اشتغالك بأتباعهم عن اتّباع مالك ناصيتك وناصيتهم.

ومنها : ان تعتبر هل صومك لأجل مجرد الثّواب أو لأجل مراد ربّ الأرباب ، فإن وجدت نفسك لو لا الثّواب الّذي ورد في الاخبار ، وانّه يدفع إخطار النار ، ما كنت

__________________

(١) مستحيياً ( خ ل ).

١٩٤

صمت ، ولا تكلّفت الامتناع بالصوم من الطعام والشراب والمسارّ ، فأنت قد عزلت الله جلّ جلاله عن انّه يستحق الصوم لامتثال أمره ، وعن انّه جلّ جلاله أهل عبادة لعظيم قدره ، ولو لا الرشوة والبرطيل (١) ما عبدته ولا راعيت حقّ إحسانه السّالف الجزيل ، ولا حرمة مقامه الأعظم الجليل.

ومنها : ان تعتبر صومك إذا كان لك سعة وثروة في طعام الفطور نشطت لسعته وطيبته ، وإذا كان طعام فطورك يكفيك ولكنّه ما هم بلحم ولا ألوان مختلفة في لذّته ، فتكون غير نشيط في الصوم لعبادة الله جلّ جلاله به وطاعته ، فأنت انّما نشطت لأجل الطعام ، فذلك النّشاط الزّائد لغير الله مالك الانعام شبهة في تمام الصيام.

ومنها : ان تراعي عقلك وقلبك وجوارحك في زمان الصيام ، فتكون مستمرّ النيّة الخالصة الموصوفة بالتّمام ، ومثال العوارض المانعة من استمرار النيّات كثيرة في العبادات :

ومنها : ان تصوم بعض النهار بإخلاص النيّة ثم يعرض لك طعام طيّب ، أو زوجة قد تجمّلت لك وأنت تحبّها ، أو سفر فيه نفع ، أو ما جرى هذه الأمور الدنيويّة ، يصير إتمام صيام ذلك النهار عندك مستثقلاً ما تصدق متى تخلص منه وتوعد عنه ، وأنت تعلم انك لو خدمك غلامك ، وهو مستثقل لخدمتك ومستثقل من طاعتك ، كان أقرب إلى طردك له وهجرانك وتغيّر إحسانك.

ومنها : انّه إذا عرض لك من فضل الإفطار ما يكون أرجح من صيام المندوب فلا تستحيي من متابعة مراد علاّم الغيوب ، وأفطر بمقتضى مراده ولا تلتفت إلى من يأخذ ذلك عليك من عباده.

ومثال هذا ان تكون صائماً مندوباً فيدعوك أخ لك في الله جلّ جلاله إلى طعام قد دعاك إليه ، فأجب داعي الله جلّ جلاله وامتثل أمر رسوله (٢) صلوات الله عليه وآله في ترجيح الإفطار على الصيام.

__________________

(١) البرطيل : الرشوة.

(٢) رسول الله ( خ ل ).

١٩٥

ومثال آخر ان تكون صائماً مندوبا فترى صومك في بعض النهار قد اضعفك عن بعض الفروض الواجبة أو ما هو أهم من صوم المندوب ، فابدء بالأهمّ إلى ترك الصيام ، وعظّم ما عظّم الله جلّ جلاله وصغّر من شريعة الإسلام ، ولا تقل : انّ الّذين رأوني صائماً ما يعلمون عذري في الإفطار ، يكون صومك في ذلك النهار لأجلهم رياء وكالعبادة لهم من الذنوب الكبار.

ومنها : انّه متى عرض لك صارف عن استمرار النيّة من الأمور الدنيويّة التي ليست عذرا صحيحا عند المراضي الإلهيّة ، فبادر إلى استدراك هذا الخطر بالتوبة والندم وإصلاح استمرار نيّة الإخلاص في الصيام والاستغاثة بالله جلّ جلاله على القوّة والتّوفيق للتّمام ، فإنّك متى أهملت تعجيل استدراك الإصلاح (١) ، صارت تلك الأوقات المهملة سقماً في تلك العبادة المرضيّة.

أقول : وإذا عرض لك ما يحول بينك وبين استمرار نيّتك ، فتذكر انّ كلّما ينقلك عن طاعتك فإنّه كالعدو لك ولمولاك ، فكيف تؤثر عدوك وعدوّه عليه ، وسيّدك يراك ، وإذا آثرت غيره عليه فمن يقوم لك بما تحتاج إليه في دنياك وأخراك.

أقول : ويكون نيّة صومك انك تعبد الله جلّ جلاله به ، لأنّه عزّ وجلّ أهل للعبادة ، فهذا صوم أهل السعادة.

فصل (٢١)

فيما نذكره من العمل لمن كان له عذر عن الصيام وقد جعل الله جلّ جلاله له عوضاً في شريعة الإسلام

اعلم انّنا كنا قد ذكرنا ونذكر فضلا عظيماً لصوم شهر رجب ، وليس كلّ أحد يقدر على الصوم لكثرة اعذار الإنسان ، وفي أصحاب الأعذار من يتمنّى عوضاً عن الصّوم ليغتنم أوقات الإمكان ، فينبغي ان نذكر ما يقوم مقام الصيام عند عدم التمكّن

__________________

(١) الصلاح ( خ ل ).

١٩٦

منه ، فانّ الله جلّ جلاله بالغ في تركيب الحجّة وطلب إقبال عباده عليه وصيانتهم عن الاعراض عنه.

وقد روينا في الاخبار عوضاً عن الصوم المندوب يحتمل ان يكون لأهل اليسار وعوضاً آخر يحتمل ان يكون عوضاً لأهل الاعتبار.

أقول : فامّا العوض الذي يحتمل ان يكون لأهل اليسار.

فقد رأينا وروينا بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني وغيره عن الصادقين عليهم‌السلام : انّ الصدقة على مسكين بمدّ من الطعام يقوم مقام يوم من مندوبات الصّيام (١).

وروي عوض عن يوم الصّوم درهم ، ولعلّ التفاوت بحسب سعة اليسار ودرجات الاقتدار.

وسيأتي رواية في أواخر رجب انّه يتصدّق عن كل يوم منه برغيف عوضاً عن الصوم الشريف (٢) ، ولعله لأهل الإقتار تخفيفاً للتكليف.

أقول : وامّا ما يحتمل ان يكون عوضاً عن الصوم في رجب لأهل الإعسار.

فانّنا رويناه بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله انّه قال : وروى أبو سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الاّ انّ رجب شهر الله الأصم ـ وذكر فضل صيامه وما لصيام أيّامه من الثواب ـ ثم قال في آخره : قيل : يا رسول الله ، فمن لم يقدر على هذه الصفّة يصنع ما ذا لينال ما وصفت؟ قال : يسبّح الله تعالى في كلّ يوم من رجب إلى تمام ثلاثين بهذا التسبيح مائة مرة :

سُبْحانَ الإِلهِ الْجَلِيلِ ، سُبْحانَ مَنْ لا يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ الاَّ لَهُ ، سُبْحانَ الْأَعَزِّ الْأَكْرَمِ ، سُبْحانَ مَنْ لَبِسَ الْعِزَّةَ وَهُوَ لَهُ اهْلٌ (٣).

أقول : فلا ينبغي للمؤمن الموسر أن يترك الاستظهار بإطعام مسكين عن كلّ يوم من

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٤٤.

(٢) أمالي الصدوق : ٣٢٣ ، عنه البحار ٩٧ : ٣١.

(٣) مصباح المتهجد ٢ : ٨١٧ ، رواه في البحار ٩٧ : ٣١ ، عن أمالي الشيخ ، رواه الصدوق في أماليه : ٣٢٣.

١٩٧

أيّام الصّيام المندوبات ، ويقتصر على هذه التسبيحات ، بل يتصدّق ويسبّح احتياطاً للعبادات.

فصل (٢٢)

فيما نذكره أيضا من عمل أول يوم من رجب من صلوات

فمن ذلك صلاة أوّل كل شهر ودعاؤها والصدقة بعدها ، وقد ذكرنا ذلك عند عمل كلّ شهر من الجزء الخامس من المهمات ما يكون أرجح.

ومن ذلك ما رواه سلمان الفارسي رضوان الله عليه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا سلمان الاّ أعلّمك شيئا من غرائب الكنز؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : إذا كان أوّل يوم من رجب تصلّي عشر ركعات ، تقرء في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ثلاث مرات ، غفر الله لك ذنوبك كلّها من اليوم الذي جرى عليك القلم إلى هذه الليلة ووقاك الله فتنة القبر وعذاب يوم القيامة وصرف عنك الجذام والبرص وذات الجنب (١).

ومن الصّلاة في أوّل يوم من شهر رجب ما رويناه بإسنادنا إلى جماعة ، منهم جدي أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله بإسناده فيما ذكره في المصباح فقال : وروى سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر يوم من جمادى الآخرة في وقت لم ادخل عليه فيه قبله ، قال : يا سلمان أنت منّا أهل البيت أفلا أحدّثك؟ قلت : بلى فداك أبي وأمّي يا رسول الله ، قال : يا سلمان ما من مؤمن ولا مؤمنة صلّى في هذا الشهر ثلاثين ركعة وهو شهر رجب ، يقرء في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ثلاث مرات و ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) ثلاث مرات ، الاّ محا الله تعالى عنه كلّ ذنب عمله

__________________

(١) عنه الوسائل ٨ : ٩٦.

١٩٨

في صغره وكبره وأعطاه الله سبحانه من الأجر كمن صام ذلك الشهر كلّه ، وكتب عند الله من المصلّين إلى السنة المقبلة ، ورفع له في كلّ يوم عمل شهيد من شهداء بدر ، وكتب له بصوم كلّ يوم يصومه منه عبادة سنة ورفع له ألف درجة ، فإن صام الشهر كله أنجاه الله عزّ وجلّ من النار وأوجب له الجنّة ، يا سلمان أخبرني بذلك جبرئيل عليه‌السلام وقال : يا محمّد هذه علامة بينكم وبين المنافقين ، لانّ المنافقين لا يصلّون ذلك.

قال سلمان : فقلت : يا رسول الله أخبرني كيف أصلّي هذه الثلاثين ركعة ومتى أصلّيها؟ قال : يا سلمان تصلّي في أوّله عشر ركعات تقرء في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرة واحدة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ثلاث مرات و ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) ثلاث مرات ، فإذا سلّمت رفعت يديك وقلت :

لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، اللهُمَّ لا مانِعَ لِما اعْطَيْتَ وَلا مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجِدِّ مِنْكَ الْجِدُّ ، ثم امسح بهما وجهك (١).

ومن الصّلوات في أوّل يوم من شهر رجب ما رأيناه في يد بعض أصحابنا من كتب العبادات مرويّاً عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : تصلّي أول يوم من رجب اربع ركعات بتسليمة ، الأوّلة بالحمد مرة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) عشر مرات ، وفي الثانية بالحمد مرة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) عشر مرات و ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) ثلاث مرات ، وفي الثالثة الحمد مرة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) عشر مرات و ( أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ ) مرة ، وفي الرابعة الحمد مرة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) خمسة وعشرين مرة وآية الكرسي ثلاث مرات (٢).

ذكر صلاة في يوم من رجب ، وجدتها بإسناد متّصل إلى عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) مصباح المتهجد ٢ : ٨١٨ ، عنه الوسائل ٨ : ٩٨.

(٢) عنه الوسائل ٨ : ٩٦.

١٩٩

من صام يوماً من رجب وصلّى فيه اربع ركعات ، يقرء في أوّل ركعة مائة مرة آية الكرسي ، ويقرء في الثانية ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) مأتي مرة لم يمت حتّى يرى مقعده من الجنّة أو يرى له (١).

ذكر قراءة ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) في يوم الجمعة من رجب :

رأيت في حديث بإسناد انّ من قرء في يوم الجمعة من رجب ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) مائة مرة كان له نوراً يوم. القيامة يسعى به إلى الجنّة.

وان كان أول يوم من رجب الجمعة ففيه صلاة زائدة.

ذكر صلاة يوم الجمعة من رجب ، وجدناه بإسناد متّصل إلى عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

من صلّى يوم الجمعة في شهر رجب ما بين الظهر والعصر اربع ركعات ، يقرء في كلّ ركعة الحمد مرة وآية الكرسي سبع مرّات و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) خمس مرات ، ثم قال : اسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَاسْأَلُهُ التَّوْبَةَ ـ عشر مرات ، كتب الله تبارك وتعالى له من يوم يصلّيها إلى يوم يموت كلّ يوم ألف حسنة وأعطاه الله تعالى بكل آية قرأها مدينة في الجنة من ياقوتة حمراء ، وبكل حرف قصراً في الجنّة من درّة بيضاء ، وزوّجه الله تعالى من الحور العين ورضي عنه رضا لا سخط بعده وكتب من العابدين ، وختم الله تعالى له بالسعادة والمغفرة ، وكتب الله له بكلّ ركعة صلاّها خمسين ألف صلاة وتوّجه بألف تاج ، ويسكن الجنّة مع الصديقين ولا يخرج من الدّنيا حتى يرى مقعده من الجنّة (٢).

فصل (٢٣)

فيما نذكره من الدعوات في أول يوم من رجب وفي كلّ يوم منه

نقلناه من كتاب المختصر من المنتخب ، فقال : وتقول في أول يوم من رجب :

__________________

(١) عنه الوسائل ٨ : ٩٦.

(٢) عنه الوسائل ٨ : ٩٦.

٢٠٠